ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 04/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

عندما تصير الهزائم انتصارات

الثلاثاء, 03 أغسطس 2010

خالد غزال *

الحياة

على امتداد حوالى ستة عقود من الصراع العربي الاسرائيلي، خاضت فيها الانظمة العربية وحركات المقاومة حروباً، بعضها سجل بطولات فيما تحولت اخرى كوارث. لكن القراءة والاستنتاجات لما جرى كانت تبتعد عن توصيف الوقائع الفعلية، بل تذهب الى اضفاء تاريخ اسطوري يقوم على تزوير هذه الوقائع، لعل الابرز في هذا المجال كان تحويل الهزائم الى انتصارات واقناع الشعوب العربية بهذه الانتصارات في اطار قوالب ديماغوجية .

حصل ذلك في عام 1948 عندما هزمت الجيوش العربية في فلسطين، فجرى وصف الهزيمة ب «النكبة». وفي عام 1967 تكبدت الجيوش العربية هزيمة ساحقة، فأطلق عليها اسم «النكسة»، وجرى تصوير الهزيمة بغير مضمونها، حيث طلع خطاب عربي بائس، رسمي وغير رسمي، يبشر بفشل العدوان والحرب طالما انها لم تتسبب بإسقاط ما كان يطلق عليه «انظمة تقدمية». تكرر الأمر لدى اجتياح النظام العراقي الكويت والهزيمة التي منيت بها الجيوش العراقية امام التحالف الاميركي- الاوروبي- العربي، فاعتبر منظرو النظام ان الحرب فشلت وان الانتصار العراقي تمثل في بقاء النظام وزعيمه صدام حسين في السلطة. لم تنج حركات المقاومة، في فلسطين ولبنان، من انتهاج الاسلوب نفسه على امتداد تاريخ نضالها، وعلى رغم ما سجلته من بطولات في مقاومتها، الا انها كانت دوما ترى نتائج اعمالها انتصارات، مرة قومية واخرى الهية، من دون ان تأخذ في الاعتبار ما يكون قد اصاب البلدان من تدمير هائل للبشر والحجر.

يمكن اختصار الإصرار العربي على تحويل هزائمه إلى انتصارات بعاملين رئيسين، الأول يتصل بالهروب من تحمل نتائج الحروب، والثاني يتعلق بالمحافظة على الأمر الواقع ومنع التغيير الذي تفترضه المسؤولية عن الهزيمة. قبل هزيمة حزيران 1967 عاشت الملايين من الجماهير العربية تحت شعارات تؤكد الاستعداد للمعركة مع اسرائيل، ورفعت شعارات من نوع «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، ووظفت إمكانات وموارد البلاد في خدمة بناء الجيوش العربية، وسلطت أدوات القمع على المعارضات السياسية لأنها تشوّش على الأنظمة المتفرغة ليلاً ونهارّاً لبناء القوى الذاتية. في ظل هذه التعبئة السياسية والأيديولوجية، تفاجأ هذه الجماهير بأنّ ما كان يبنى لم يكن اكثر من «قصور على الرمال». لذا كانت الصدمة من الأنظمة المدعاة «وطنية» كبيرة وعلى مقدار التعبئة الأصلية التي قامت بها. عملت الأنظمة ونخبها على تحوير النتائج الكارثية، وبدلاً من التركيز على سؤال «لماذا حصل ما حصل، ومن يتحمل المسؤولية؟»، توجه الخطاب الأيديولوجي المدعوم من الأنظمة إلى تغييب عنصر المحاسبة للقيادات المسؤولة، سياسية كانت أم عسكرية، ووضعت جانباً مسألة تسمية الأشياء بأسمائها، بل خيضت حملات سياسية لمنع حصول هذه المحاسبة. حتى الاستقالة اليتيمة لجمال عبد الناصر وإعلانه تحمل المسؤولية، سرعان ما تبخرت مفاعيلها، ولم تؤد إلى مراجعة حقيقية ونقد ذاتي من قبل الطبقة المسيطرة، بل جرت الإفادة منها لتسليط سيف القمع على التحركات الجماهيرية التي رفضت نتائج الحرب والهزيمة وطالبت بمحاسبة المسؤولين. لم يقتصر الأمر على النظام العربي الأم آنذاك، بل انتشرت هذه الظاهرة لتطال سائر الأنظمة العربية، ما كان منها على علاقة بالحرب مباشرة، أو ما كان ينتمي إلى «الفصيلة الايديولوجية» للنظام المصري. كان هدف استمرار السلطة يطغى على أي تفكير، ولم يكن من الممكن، في ظل الثقافة السياسية المسيطرة والأيديولوجية العربية القومية السائدة والمتمسكة بعقدة التفوق الحضاري، وفي أجواء تعيشها النخب المصدومة غير القادرة على التفكير الموضوعي بما حصل، وسط ذلك كله كان مستحيلاً حصول تغيرات في طبيعة القوى الحاكمة والمسؤولة عن الهزيمة.

ينسحب السلوك الرسمي للسلطة على حركات المقاومة، سواء في لبنان أم في فلسطين. كانت حرب تموز على لبنان تستحق وقفة أمام الأسباب التي أدت اليها والنتائج التي ترتبت عليها، وخصوصاً وسائل النضال المستخدمة ضد العدو والحدود المسموح فيها بالتلاعب باستخدام الأرض المحررة. ولأنّ العقل العربي، على رغم عقود من الهزائم كان يفترض أن تؤدي الى صحوة داخله، ظل على تحجره ورفضه الوقوف أمام الحدث وإخضاعه للتحليل والمحاسبة، أحالت المقاومتان (اللبنانية والفلسطينية) المسؤولية إلى عناصر الداخل وحورت في السؤال عن أسباب ما حصل، وذلك بتحويل الصراع إلى الداخل اللبناني والفلسطيني وتحميل الشعب المسؤولية، وإضفاء التقديس على القوى المنضوية في ظلها، والإكثار من اتهامات التخوين والتكفير للجموع الشعبية المتسائلة والمنتقدة والمطالبة بتفسير لما حصل. هكذا تحولت نتيجة الحربين على لبنان وغزة الى معضلات سياسية داخلية وتصعيد تخويني لكل مشكك في طبيعة المسلك السياسي والعسكري المستخدم في كلتا الحالتين. وكما صدح صوت الأنظمة المسؤولة عن الهزيمة بقبول ما حصل لأنه إرادة الله، تكرر الخطاب إياه هنا لإحالة الأمر إلى الله نفسه، إنما هذه المرة من خلال «نصر مبين».

لا يخفى أنّ رفض تحمل المسؤولية عن الهزيمة والهروب بها وتحويلها انتصاراً، يرتبط بالهدف المركزي الكامن في الحفاظ على السلطة والمواقع التي تحتلها القوى المقيمة على رأس الدولة أو حركات المقاومة. فلا حدود للعقلية العربية المجبولة بالعصبية والنرجسية وادعاءات التفوق واستخدام المقدس في توصيف وتبرير الممارسة. وما تتسم به السلطات القائمة من استبداد وتهميش للمجموع الشعبي وتغييب الحد الأدنى من العلاقات الديموقراطية التي تسمح بحرية الرأي والمساءلة، يساعد على تكريس الأمر الواقع ومنع اي تغيير قد يطيح بهذه السلطات والقوى ويحرمها امتيازات ويعرضها لمحاسبة الشعب.

تحتاج المجتمعات العربية الى الديموقراطية، ثقافة وممارسة سياسية، في وصفها العنصر المحفز على النقد والنقد الذاتي، وإعادة الموقع الى الناس ومنع تهميشهم، بل إشراكهم في السياسة وتحمل المسؤولية المشتركة. كما تحتاج الشعوب العربية إلى الوقوف في وجه النخب السياسية والثقافية التي لا تزال تنشر أيديولوجيا ترفض النقد والنقد الذاتي من السلطات الرسمية وغير الرسمية، تحت حجة أنّ النقد يتسبب بإنزال اليأس والإحباط بالأمة، كما يؤدي إلى التشكيك في الإنسان العربي وقدراته، فكراً وثقافة وإمكانات مادية وموقعاً في العالم. إنّ هذه الثقافة هي أقصر الطرق لإبقاء العالم العربي وشعوبه مقيمة في التخلف، وعاملاً مساعداً على تكرار الهزائم وخلق الإحباط واليأس الفعليين لدى الشعوب العربية.

* كاتب لبناني.

======================

سلطة المعرفة وتفتيش الضمائر

آخر تحديث:الثلاثاء ,03/08/2010

عبدالحسين شعبان

الخليج

أخيراً غادرنا بصمت المفكر المصري نصر حامد أبوزيد، الذي أثار عاصفة من السجال والجدال طيلة عقدين من الزمان . اختفى مثل شهاب وهو الذي شغل الصحف وأروقة الجامعات وباحات الجوامع وقاعات المحاكم، بالأخذ والرد، والتأييد والتنديد، والمقدّس والمدنس، لما كان قد اجتهد فيه من قراءة تأويلية للنص الديني .

 

تم تكفير نصر أبوزيد وأصدرت إحدى المحاكم المصرية قراراً قضائياً تحت باب ما يسمى بالحسبة، لتفريقه عن زوجته السيدة ابتهال يونس، وأتذكر أن الموقف النقدي من حرية التعبير وحرية البحث العلمي منذ أواخر الثمانينات، وبشكل خاص في التسعينات كان أحد هموم ومشاغل الحركة العربية لحقوق الإنسان، وقد أثار قرار المحكمة المصرية بخصوص أبوزيد الذي هو أقرب إلى قرارات محاكم التفتيش في القرون الوسطى، نقاشاً وحواراً بدأ ولم ينقطع برحيله .

 

ورغم التحرك العربي ضد القرار، فقد اضطر نصر حامد أبوزيد، وفي ظل موجة تكفيره أو اتهامه بالمروق والارتداد، إلى الرحيل ووجد في إحدى جامعات هولندا (لايدن) مكاناً أميناً يعبّر فيه عن آرائه وأفكاره التي ضاقت بها القاهرة والعالم العربي، ومع كل ذلك فقد ظل يتطلع إليه، حتى إنه وهو يعاني من أثر فايروس أصابه في إندونيسيا التي كان يزورها بمهمة أكاديمية، فلم يفكر سوى بمصر، التي عاد إليها محمولاً على نقّالة مستشفى ليقضي آخر أيامه في القاهرة، وليرحل بعدها عن دنيانا . ورغم غيابه “اليوم”، إلاّ أنه كان أكثر حضوراً، وربما سيبقى لسنوات وعقود يعيش معنا وبعدنا، وسيُذكَر كلما جرى الحديث عن حرية التعبير وحرية البحث العلمي، وحركة التنوير .

 

أتذكر أننا اشتركنا معاً في محاضرة عن المفكر والباحث التراثي هادي العلوي بعد رحيله الذي كان يقدّره كثيراً، مثلما يقدّر أبوزيد، العلوي، وكان معنا الدكتور كاظم حبيب، والناقد ياسين النصيّر الذي أدار الأمسية الاستعادية النقدية عن هادي العلوي .

 

يمكنني القول إن مشروع نصر حامد أبوزيد هو جزء من مشروع التجديد الفكري للخطاب الديني، وأهم ما فيه أنه، رفض أن ينضوي تحت لواء السلطات القائمة أو يهادنها، سواء كانت سلطة الغوغاء التي تحركها أوساط سياسية أو دينية أو تقليدية معينة ولأغراض دينية أو غير دينية، أو سلطة المؤسسة الجامعية التقليدية، التي استعاضت عن العقل والحوار والجدل، بمسلمات ومقولات واجترار أقرب إلى التقديس .

 

حاول أبوزيد نقد “الثابت” و”الجامد” و”المتوارث” لاسيما من رثّ المفاهيم، مثلما سعى إلى تحريك الساكن والمستقر، في إطار الإنارة العقلية، خصوصاً أن مجتمعاتنا عانت من التآكل والركود، لدرجة أن الصدأ والتكلس أصابا الكثير من مفاصل الحياة الفكرية والثقافية . هكذا حاول حمل لواء التنوير من خلال محاضراته الأولى في الجامعة، إلى أن تبلور مشروعه الفكري باعتباره ينتمي إلى المدرسة العقلية في الثقافة العربية الإسلامية، ولا شك في أن هذه المدرسة أسهمت مساهمة جدّية في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، خصوصاً في عدم الأخذ بالتفسير الأحادي للنص القرآني، ولعل ابن رشد كان أحد أبرز رواد الاتجاهات العقلانية في ثقافتنا .

 

ومن الإضافات المهمة لأبي زيد أنه كان من دعاة فصل الدين عن السياسة، معتبراً أن العلمانية التي تقول بفصل الدين عن الدولة، ليست إلحاداً، لكنها عملية إجرائية ضرورية لفصل الدين عن السياسة، وهذا لا يعني فصل الدين عن المجتمع أو الحياة، فالدين على مساس وثيق بالمجتمع وحياة الناس ولا يمكن فصله عنهما، كما دعا أبوزيد إلى تحرير المرأة مُعلياً من شأن الكرامة الإنسانية، التي يُفترض أن تقوم عليها الدولة العصرية التي تستند إلى مبادئ سيادة القانون والمواطنة والمساواة والعدل .

 

لا تزال مسألة التأويل لم تكتسب شرعيتها في فكرنا العربي المعاصر، باعتبارها فعلاً منطقياً، لأنها تذهب إلى المقاصد والدلالات وتدخل في إثبات العقائد والضلالات، الأمر الذي قد يجعلها تبتعد عن الشريعة، في تجاوز المعنى الظاهري من الأشياء، ويعتبر أبوزيد أن الصيغة الشمولية للنص وتعددية آفاق قارئيه، هي التي تجعل التأويل المجازي ضرورياً، وهو ما حاول بحثه في كتابه “الخطاب والتأويل”، لاسيما علاقة المثقف بالسلطة، وهذا الكتاب هو امتداد لكتاب “مفهوم النص” والذي كان السبب في تكفيره، ولعل ذلك يذكّر بكتاب علي عبدالرازق “أصول الحكم في الإسلام” الذي صدر العام 1928 وجرى تكفيره والهجوم عليه إلى أن تراجع عنه أو عن بعض أحكامه لاحقاً .

 

كان نصر حامد أبوزيد ميّالاً إلى حداثة خاصة في قراءته للنص من خلال توظيفه في عملية تأويل شملت حتى النصوص “المقدسة”، عبر تحليل تاريخيتها، الأمر الذي خاصمه فيه المتعصّبون والمحافظون، واعتبروه خارجاً على الإسلام، في حين أنه حاول أن يقدّم قراءات مختلفة لما هو سائد، لاسيما أن قراءته هي الأخرى اجتهادية وتحتمل النقد والجدل مثل أية قراءة أخرى .

 

وبشجاعة واجه أبوزيد المحكمة حين رفض النطق بالشهادتين أمامها، معتبراً أنه ليس من حقها تفتيش الضمائر، وكان يرى أن إيمانه وكرامته لا يسمحان له بتقديم شهادة مبتذلة أمام جهة ليس من حقها مساءلته، وأن السؤال الوحيد والشرعي الذي يمكن أن يجيب عنه هو أمام الله، وليس أمام أحد آخر سواه .

 

لعل محاكمة أبوزيد واضطراره لاحقاً للذهاب إلى المنفى إحدى فضائح عصرنا العربي الرديء، فأين هي الحرية الشخصية؟ وأين هي حرية البحث والحريات الأكاديمية؟ حين تصدر محكمة قراراً بتطليق زوجة مفكر، لأنه اجتهد وفكّر واستخدم عقله، لتقديم تأويل عند قراءة نص معين، ولعل عمله اللاحق، ولاسيما في جامعة لايدن دفعه إلى تقديم قراءة مستنيرة للإسلام وللنصوص الإسلامية في وسط أكاديمي منفتح ساعياً لتأصيل العلاقة التاريخية بين العرب وأوروبا عبر العقل وعبر تجديد الفكر، بعيداً من روح الكسب أو الارتزاق أو استخدام الدين وسيلة لتمجيد الحاكم أو الحديث عن فضائل الغرب أو الطعن ببلاده ومجتمعه، وفي ذلك أحد الدروس العلمية والوطنية لمن يريد الاستفادة منها .

 

ظل أبوزيد حتى آخر أيام حياته متمسكاً بوسيلته الإبداعية، لا يريد أن يبارحها ماسكاً بسلاح القلم، سابحاً في بحور المعرفة من أجل تعميق وتجديد مدرسة العقل، تلك التي كان ابن رشد، أحد روادها الكبار في تاريخنا العربي الإسلامي، محاولاً إضاءة بعض الجوانب المعتمة في حياتنا الفكرية والثقافية، الراكدة والمستكينة، لاسيما اتجاهاتها المحافظة، التقليدية، خصوصاً أن التعثر والانقطاع والانصياع للسائد والمهيمن، سواء كان سلطة أو ثيوقراطية دينية أو غوغاء اجتماعية، كان سمة غالبة، للوقوف بوجه التجديد والعقلانية والتنوير، لكن سلطة أبوزيد وهو ما اتضح، لاسيما بعد وفاته، كانت فعّالة ومؤثرة، وستبقى كذلك حتى بعد غيابه، ونعني بها سلطة المعرفة حسب وصف فرانسيس بيكون “المعرفة سلطة” وهو لم يرغب في أن يتخلّى أو يتنازل عن سلطته وبالتالي عن حقه في قراءة حرّة واجتهاد مفتوح .

======================

حِراك عربي لاستيعاب قرار ظني

آخر تحديث:الثلاثاء ,03/08/2010

خليل حسين

الخليج

ثمة مؤشرات لبنانية قوية مفادها أن اليوم سيكون منعطفا مفصلياً في كشف الكثير من الملابسات والوقائع عن القرار الظني المزمع إطلاقه في سبتمبر/ أيلول المقبل، وذلك عبر الإطلالة الإعلامية لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وهو أمر كان قد أسس له عبر مواقف وإطلالات سابقة . ذلك يعني ان مجمل الحراك العربي الذي اشتمل على قمم ثنائية توجت بقمة ثلاثية في بيروت لم تتمكن واقعياً وعملياً من التوصّل إلى آليات محددة لدرء المخاطر التي لامست لبنان والتي ستودي بالبيئة التي أمّنت له بعض الاستقرار بعد اتفاق الدوحة في العام 2008 .

 

الجديد في الحِراك العربي الذي قادته المملكة العربية السعودية باتجاه كل من مصر وسوريا ولبنان والأردن، هو اقتناع الزعماء العرب أن الوضع اللبناني برمته بات قاب قوسين أو أدنى من الانفجار والذي لن تنحصر تداعياته على الساحة اللبنانية، بفعل المؤثرات الخارجية وقدرتها على تحريك الواقع الجديد إذا ما اشتعل في غير ساحة عربية . وبصرف النظر عما توصّلت إليه القمة الثلاثية في بيروت من تمنيات وردية للبنان في بيان عام لم يحمل جديداً، فإن مفاعيل قمة شرم الشيخ وكذلك دمشق بين العاهل السعودي وكل من الرئيسين المصري والسوري تبقى الأجدر بالمتابعة والتدقيق والبحث بين سطورها وثناياها .

 

فالسابقة التي تمتع بها لبنان من استقبال زعيمين عربيين معنيين رئيسيين بالوضع اللبناني، لن تمنحه حصانة طويلة قبل انفلات الوضع من عقاله، فالقمة التي لم تتجاوز النصف ساعة عملياً من أصل خمس ساعات استغرقها الضيفان في لبنان، ليست كافية حتى لإيصال كلمات السر إذا جاز التعبير لمن يعنيهم الأمر، وبالتالي فإن الأمر لا يعدو كونه محطة لاستيعاب تداعيات التسريبات الصحافية وغيرها للقرار الظني الذي سيتهم حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري . رغم علم الجميع من لبنانيين وغير لبنانيين أن محاولات ترحيل القرار الظني او محاولة استيعاب تداعياته الحالية أو اللاحقة، لن يكون بمقدورهم التأثير فيه لا من قريب ولا من بعيد، إلا إذا اتبعت خيارات مختلفة من بعض الدول الفاعلة في المنطقة ومنها السعودية ومصر، وهو أمر يبدو متعذراً حتى الآن .

 

وبالعودة إلى قمة شرم الشيخ التي بدت محطة أساسية في سياق عربي متصل لإعادة ترتيب موازين القوى العربية الفاعلة، وبالتالي استثمارها في إمكان استيعاب الوضع اللبناني وما يمكن أن ينجم عنه، فإن الإشارات الأولى التي أطلقت منها هي حماية موازين القوى الداخلية اللبنانية، والتي تُرجمت بشكل واضح في بيان قمة بيروت من ضرورة الاحتكام إلى المؤسسات السياسية والدستورية لمعالجة أية مشكلة قادمة، وبمعنى آخر الاشارة إلى التحذير من العودة إلى 7 مايو/ أيار 2008 كأسلوب لحل المشكلات القائمة أو التي ستظهر لاحقاً . وإذا كانت هذه الإشارات قد انطلقت من قمة شرم الشيخ فقد تم موازنتها بشكل واضح أيضاً في قمة دمشق عبر ترجمتها في بيان قمة بيروت أيضاً، ومفادها الدور “الإسرائيلي” في العبث بالوضع اللبناني ووجوب مواجهته .

 

لكن القطبة المخفية والتي لم يظهر لها أثر حتى الآن، تكمن أولاً وأخيراً بالإجابة عن السؤال المركزي المتعلق بالقرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان وهو جوهر وهدف الحِراك العربي .

 

في المبدأ، وإن تكن جميع هذه القوى لبنانية وعربية غير قادرة بالمعنى الفعلي والعملي منفردة على تغيير الواقع الحالي الضاغط من قبل المحكمة على حزب الله، فهي تحاول ترحيل القرار الظني إلى آجال أطول من الخريف، ومحاولة استيعاب تداعيات التسريب أولاً ومحاولة احتواء ما يمكن أن يصدر في القرار الظني لاحقاً . بيد أن الأمر وفقاً لهذه التوليفة لا تناسب حزب الله وهو رفضها في الأساس على قاعدة رفض الاتهام من الأساس أولاً، بل ظهور مواقف جديدة للحزب تدعو إلى إصدار القرار الظني وعدم الترحيل أو التأجيل على قاعدة أن هذا الخيار يعتبر عملية تسوية لا تكشف القتلة الحقيقيين الذين نفذوا عملية الاغتيال .

 

لقد حدد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله خريطة طريق لمعالجة قضايا المحكمة وكيفية ترميم العلاقة معها لجهة إعادة ردم فجوات عدم الثقة بها في خطاب له في أبريل/ نيسان الماضي، ومن بينها قضية شهود الزور، وكذلك فرضية ضلوع “إسرائيل” في عملية الاغتيال، لكن المحكمة لم تكن قادرة على قراءة هذه الرسالة الواضحة بفعل العديد من المؤثرات المعروفة، ما أوصل الأمور بها إلى هنا .

 

ثمة متغيرات ووقائع مستجدة بات من الصعب على حزب الله تركها تفعل فعلها في الواقع اللبناني، لذا فإن أسلوب المواجهة بات مغايراً عن المراحل السابقة، فالثلث الأول من أغسطس/ آب لن يكون كما قبله وربما تشهد هذه الفترة دفعتين من المعلومات الموثقة التي سيطلقها السيد حسن نصر الله بما يخص المحكمة وأسلوب عملها وتعاطيها، ستكونان بمثابة زلزال لن تكون تداعياته الارتدادية قليلة بالمقارنة مع جريمة الاغتيال نفسه .

 

لم يعد أمام الحزب، سوى خيار المواجهة عبر هجومات استباقية ضد قرار ظني تستند المحكمة في أركانه وقرائنه على تجارب سابقة تراجعت عنها كمسار الاتهام الذي وجه إلى سوريا سابقاً، وكذلك إلى الضباط اللبنانيين الأربعة . فالحزب الذي يعتبر القرار الظني قراراً “إسرائيلياً”، وهذا ما بدأت فصوله الإعلامية والعملية تتضح شيئا فشيئا عبر الإعلام “الإسرائيلي” نفسه، لم يعد بمقدوره سوى كشف الكثير من الأوراق التي يمتلكها والتي تجعل المحكمة غير قادرة على الدفاع عن نفسها عملياً .

 

ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها ومن بينها، هل ان قمة بيروت وما سبقها كافية لاحتواء ما يمكن أن يتعرض لبنان له؟ أم أن الدور القطري سيتيح إعادة انعاش جديدة لاتفاق الدوحة ريثما تنضج ظروف أخرى؟ أم لدى حزب الله من المعطيات والوثائق والأدلة ما يكفي لنسف المحكمة وقرارها الظني؟ كثيرة هي الاحتمالات لكن الأيام القليلة القادمة كفيلة بكشفها أو تحديد مسارات إدارتها، وفي مطلق الأحوال ثمة غيوم سود تلوح في الأفق، فهل سيتمكن لبنان من تخطيها هذه المرة؟

 

أستاذ العلاقات الدولية

======================

مصير العراق معضلة بنيوية

بقلم :سيار الجميل

البيان

3-8-2010

لماذا يعيش العراق كلّ هذه الفوضى منذ سبع سنوات عجاف؟ لماذا لم يستطع العراقيون أن يحلّوا مشاكلهم في ما بينهم؟ لماذا تتوالى الإخفاقات، وتزداد الأمور تعقيداً من سنة إلى أخرى؟ هل فشلت التجربة الديمقراطية سياسياً ودستورياً واجتماعياً؟ لماذا لم تستمع القوى السياسية الجديدة لصوت العقل، ولم تلتفت إلى أي نقد، ولا تريد أي معارضة لها؟

 

هذه الأسئلة وغيرها، ليست بحاجة إلى أجوبة عادية، أو إلى حلول وهمية لا تمتّ للواقع بأي صلة.. كما أنها ليست أسئلة تتعلق بمشكلة الحكم التي يعاني منها العراقيون، بعد مضي قرابة ستة أشهر على الانتخابات العامة، بل إنها أسئلة تريد أن تكشف أجوبتها للناس عن حجم المأساة التي يعيشها العراقيون.

 

عندما وجدوا أنفسهم فجأة يتحولون في حرب شعواء، من حكم طاغية إلى حكم طوائف تعيش في خنادق فاسدة وخانقة، وهم يسمعون أوهاماً ماكرة وشعارات كاذبة، بغية محاصصات حقيقية يريدون أن يرسخوها في المجتمع بأي وسيلة كانت.. والأخطر من كل هذا وذاك.

 

أن قياداتهم قد حظيت بمباركة المحتل الأميركي، الذي كّرس الانقسامات باسم «المكونات العراقية الثلاثة وتحقيرا لبقية الأقليات» بديلا عن الوحدة العراقية، فأسيء للوطنية إساءات بالغة، علماً بأنهم يضحكون على الناس باسم الوطنية وشعاراتها.. بل والمضحك عندما يريدونها «حكومة شراكة وطنية»، ولا قدرة لهم على تشكيل حكومة شراكة سياسية!

 

لقد بدا أسّ الخراب واضحا فاضحا منذ عجلتهم لإجراء انتخابات، وكتابة دستور أقضّ مضاجع كل العراقيين ببعض بنوده التي أساءت للعراق، وخلقت بنية من المعضلات والتعقيدات.. نعم، يعيش العراق كل هذه الفوضى، بل وسيجتاحه الدمار والانقسام أكثر، لأن الخلافات التي يعيشها العراقيون ليست كما يقال «إنها سياسية عادية»، بل هي أخطر مما نتخيل، فهي بنيوية ومركبة تمتد في كل الاتجاهات..

 

إنها خلافات معلنة، مزقّت المجتمع العراقي إيديولوجيا وعقائدياً وإعلامياً، مما جعل المجتمع يتشّظى طائفياً وتسوده الأحقاد والكراهية.. إنها ليست خلافات على «تشكيل حكومة»، بل نتيجة فاضحة لإخفاق بنود «دستور» وصفته عام 2005 بأنه سيحمل تابوت العراق!

 

وعليه، فإن العراقيين ليس باستطاعتهم حل مشاكلهم بأنفسهم، كونهم قد فقدوا الثقة في ما بينهم وكل طرف يحمل نوايا مبيتة ضد الآخر.. وبطبيعة الحال، سيلجأ كل طرف إلى جهة خارجية معينة لتثبيت ركائزه.. وستتوالى الإخفاقات لسنوات عجاف قادمات، كما يعتقد بذلك العقلاء، إذ لا يمكننا أن نكذب على الناس ونخدعهم ونوهمهم بالانتصار، ونحن نرى ترجمة حقيقية للمحاصصة، ليست السياسية فحسب، بل في كل ما يحدث في المجتمع..

 

إن المعضلة أكبر مما نتخيلها، فإذا كان المجتمع غير منسجم أصلًا منذ القدم، فكيف سيكون منسجماً في ظل احتقان طائفي، وتشرذم عرقي وتؤججه وسائل إعلامية، وأدوات سياسية، وثقافات متعصبة؟ كيف يمكن المضي بعملية سياسية منافقة وكاذبة تدّعي التوصّل إلى حكم شراكة وطنية، في حين أن عصفاً طائفياً مقيتاً يأكل العراق والعراقيين؟

 

كيف يسكت العراقيون على شناعة سياسية معلنة من قيادي يعلن على منبر الجمعة بإلغاء اسم بغداد ويلعن مؤسسها ويصفه بالقاتل؟ كيف يمشي العراقيون في أهم شارع عريق لديهم يفاخرون به اسمه شارع الرشيد، وهارون الرشيد يصنف مجرماً في إعلام رسمي تذيعه فضائية عراقية رسمية؟

 

كيف يتشدقون بتشكيل حكومة شراكة وطنية، وهم ليس لديهم الحد الأدنى من احترام أحدهم للآخر؟ لماذا لا يقبلون بأي طرف من الأطراف المعارضة؟ يرفضون لأنهم يدركون أن الخطايا لا يتحملها طرف واحد.. وعليه، فهم يريدون تضييع الشناعات في دوامة الكل!

 

إن معضلات العراق لا يحلها تشكيل حكومة مهما كان نوعها، ولا ينفعها توزيع مناصب بين قوى سياسية متصارعة وجدت نفسها تتصّرف بالعراق كما تشاء، ذلك أن العملية السياسية نفسها تحمل متفجراتها بيديها، وأن بنود الدستور نفسها لا تصلح أبداً لتشكيل مستقبل رائع للعراقيين. إن العراق لا يتحمل أبداً أن تحكمه أي بنود انقسامية، ولا أية محاصصات طائفية وعرقية، ولا أية مذاهب دينية..

 

وأعيد القول: إن العراق إن لم يجد له حياة مدنية وديمقراطية حقيقية، وسياسات مستقلة عن أية مرجعيات انقسامية.. وإن لم يجد سياسات ورؤى إعلامية بعيدة عن إذكاء العداوات وإثارة الأحقاد والتوقف عن الأخذ بالثارات، لتنتقل إلى فضاءات جديدة يبث فيها الوعي الوطني، وينشر التسامح، وتمارس القطيعة مع التاريخ والتمييز الطائفي والعرقي..

 

فستبقى معضلات العراق تنتقل بالمجتمع من كارثة إلى أخرى.. إذا لم يتعلّم حكام العراق الجدد لغة جديدة في خطابهم، وأسلوبا نظيفا في وطنيتهم، ومقاربة حقيقية في ما بينهم على حساب الآخرين، بالاعتماد على دستور مدني، فإن الدمار سيلحق بكل العراقيين، ولن ينفعهم حتى إن أصبح العراق أربعة أو خمسة كيانات، لا سمح الله، فكل واحد منها سيأكل الثاني، في ظل هيمنة وتدخل إقليمي سافر، واستفحال المشكلات البنيوية كالنفط والمياه والأرض والعاصمة.. الخ.

 

إن أكثر ما يؤرق أي عراقي من العقلاء اليوم، هو أن يغدو مصير العراق هباءً منثوراً ويدفع العراقيون ثمناً باهظاً آخر من سلسلة الأثمان التي دفعوها. فهل ثمة صحوة ضمير من أجل حل هذه المخاطر البنيوية؟ وهل هناك من يشاركني في كل ما ذهبت إليه؟ الجواب: نعم، ولكن بعد حين!

مؤرخ عراقي

======================

الصين ولقب «القوة العظمى»

بقلم :فلاديمير سادافوي

البيان

3-8-2010

المناورات العسكرية التي أجرتها الصين منذ أيام قبالة سواحلها الشرقية على البحر الأصفر، تعكس لدى بكين إحساساً بالقلق والخوف من التحركات العسكرية الأميركية في المنطقة المجاورة لها، وأكثر ما يقلق الصين أن واشنطن لا تعير أهمية كبيرة للقوة العسكرية الصينية رغم ضخامتها عدداً وعتاداً.

 

وقد تعمدت الصين إجراء هذه المناورات في هذه المنطقة، قبل المناورات العسكرية التي أجرتها معاً كل من الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية، والتي كانت الصين قد انتقدتها مسبقاً.

 

وعلى ما يبدو فإن واشنطن استشعرت قلق بكين فأرادت طمأنتها بعض الشيء، حيث صرح وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، بأن التدريبات العسكرية (تم إجراؤها من 25 وحتى 28 يوليو) في بحر اليابان، بين سيئول وواشنطن.

 

تهدف إلى توجيه رسالة قوية إلى بيونغ يانغ المتهمة بإغراق سفينة كورية جنوبية، مشيراً إلى أن المشكلة الكورية الشمالية قد تدوم طويلاً، وأكد غيتس ان المناورات العسكرية الاميركية الكورية الجنوبية، ليست استفزازية للصين بأي شكل، وأن التمارين «ستجرى قبالة السواحل الكورية وليست الصينية»، موضحاً أن تمارين من هذا النوع تجرى منذ عقود.

 

أياً كان الأمر، فإن الصين لا تخفي قلقها من توتر الأوضاع وتصعيدها مع كوريا الشمالية، وتستشعر أنها مستهدفة بطريق غير مباشر، حيث إنه من المفترض أن الصين هي الحليف الاستراتيجي الأول لكوريا الشمالية.

 

ولكن يبدو أن الأمر في حد ذاته هو اختبار متعمد من واشنطن للصين نفسها، حيث تريد واشنطن أن تعرف إلى أي مدى يمكن أن تتحمل بكين هذا الأمر، وهل ستجرؤ على التدخل لحماية حليفتها كوريا الشمالية أم أنها ستراجع نفسها تتردد قبل الإقدام على هذه الخطوة؟

 

هذا الاختبار يكشف عن عقدة نفسية ومعضلة كبيرة لدى العملاق الصيني الشيوعي، الذي دخل مع الغرب والولايات المتحدة في معادلة احتواء اقتصادي منذ منتصف السبعينات، وفق خطة وضعها الخبير الاستراتيجي الأميركي هنري كيسنجر لاحتواء هذا العملاق، بفتح الأسواق الغربية لمنتجاته الضخمة حتى يرتبط في اقتصاده المتنامي باطراد مع السوق الغربية، وبالتالي لا يفكر مستقبلاً في الدخول في أية مواجهة عسكرية مع الغرب والولايات المتحدة.

 

وفي زيارته الأخيرة للصين عام 2008، ألقى كيسنجر محاضرة في الأكاديمية الصينية للعلوم في شنغهاي، تحدث فيها عن الصين كعملاق كبير ينمو بسرعة، وركز في حديثه على النمو الاقتصادي المتسارع للصين وتواجدها الحيوي في الأسواق العالمية، كما ركز على مسألة حاجة الصين للطاقة، مشيراً إلى عدم فائدة دخولها في صراع مع الولايات المتحدة، بل لا بد من التعاون بينهما.

 

الواقع أن الصين حققت نمواً اقتصادياً كبيراً قياساً لوضعها الإيديولوجي كدولة شيوعية، ولكن هل حققت نفس التقدم على الجانب السياسي بالمستوى الذي يمكننا من أن نطلق عليها وصف «القوة العظمى» المقبلة؟

 

القوة الاقتصادية بالقطع مطلوبة وأساسية، لكنها ليست العنصر الأساسي والرئيس في تكوين الدولة العظمى، ولا تمنح القوة الاقتصادية بمفردها الدولة المكانة السياسية الكبيرة على الساحة الدولية، وإلا لكانت اليابان هي القوة العظمى المنافسة، باعتبارها كانت صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم، ولما كان للاتحاد السوفييتي ليحتل مكانة القوة العظمى الثانية في العالم طيلة نصف قرن من الزمان، كان يعاني فيها من مشاكل وأزمات اقتصادية حادة.

 

لقد أصبحت التنمية الاقتصادية الكبيرة في الصين حجر عثرة دون تحقيقها للمكانة السياسية التي ربما تطمح لها، أو على الأقل التي يتصورها البعض ويتوقعها لها، حيث إن هذه التنمية تحتاج إلى المزيد من الإمدادات من التقنيات المتطورة والمصادر الطبيعية والمواد الخام ومصادر الطاقة من النفط والغاز وغيرها.

 

وهذه نقطة الضعف القوية التي لمستها الصين في العامين الماضيين مع الارتفاع الحاد في أسعار النفط، الأمر الذي بات يهدد العملاق الصيني اقتصادياً ويعرقل عجلة التنمية بشكل كبير، كما أن الأسواق المفتوحة في الغرب أصبحت ورقة ضغط كبيرة على الصين في تحركها السياسي على الساحة الدولية، بحيث أصبح أي تضييق في هذه الأسواق يشكل عبئا كبيرا على الصين دولة وشعباً.

 

الصين لا شك عملاق اقتصادي كبير، لكنه عملاق مكبل بأغلال كثيرة تعيق حصوله على لقب «الدولة العظمى»، هذا اللقب الذي ثبت أن القوة الاقتصادية لا تكفي وحدها للحصول عليه.

كاتب أوكراني

======================

سوريا تبرز أدوارها على جبهات عدة ولا تراجع ل"حزب الله"

تحمية الساحة اللبنانية جزء من مشهد إقليمي يتصاعد

روزانا بومنصف

النهار

3-8-2010

لا تفصل مصادر ديبلوماسية في بيروت المشهد الداخلي اللبناني الذي يشهد توترا على خلفية الحملة التي بدأها "حزب الله" على المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري عن المشهد الاقليمي. وما كان منتظرا ان يكون صيفا هادئا في ظل تطمينات أن لا حرب على لبنان هذا الصيف نتيجة اعتبارات عدة وعززه المشهد الاحتفالي الذي تمثل في استقبال امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في الجنوب، تبدل ليتحول صيفاً حاراً جداً. فالمشهد الاقليمي يتصاعد على وقع جملة امور من بينها ما يتفاعل على ارض لبنان ومن خلاله. فهناك الملف النووي الايراني الذي يتفاوت بين مد العقوبات الاقتصادية التي قررتها الدول الغربية اضافة الى العقوبات الدولية التي اتخذها مجلس الامن الدولي وجزر السعي الايراني الى مواجهة ذلك عبر كلام يظهر تناقضا كبيراً يعبر عن تخبط كبير في محاولة لكسب الوقت وتجنب دخول هذه العقوبات حيز التنفيذ وبين الاسراع في وضع العالم امام امر واقع لا يمكنه الا التعاطي معه على هذا الاساس. اذ هناك استعداد ابداه مسؤولون ايرانيون للتفاوض فورا ومباشرة مع الدول الغربية الست حول تخصيب اليورانيوم في وقت تحدث مسؤولون ايرانيون اخرون وفي مقدمهم الرئيس محمود احمدي نجاد عن شروط لاستئناف المفاوضات مع الدول الغربية من بينها ضم البرازيل وتركيا اليها.

وهذه الضغوط تواجهها ايران مع ما تعتقد انه يصب في الخانة نفسها وما يعبر عنه " "حزب الله" الذي يقول ان هناك مؤامرة تستهدفه تحت عنوان المحكمة الدولية. في حين ان رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني دخل على خط ما اعتبره بدوره استهدافا ل"حزب الله" واستهدافا دوليا لايران بدا من جهة اخرى انه من اجل محاولة استنفار شعبية اسلامية في وجه الضغوط الغربية باعتبار ان استحضار هذه الضغوط كاف في ذاته لتأمين تضامن في حده الادنى مع الاطراف المعنيين مستعيدا بذلك وجها من اوجه الصراع الغربي الايراني في لبنان او عبره والذي كان قويا في الاعوام القليلة الماضية. ويثير ذلك تساؤلات عما اذا كان ثمة مساع غير ظاهرة لان توضع جملة امور الى طاولة المفاوضات مع ايران لا تتصل بملفها النووي فحسب بل دورها في مناطق او اماكن عدة منها العراق ولبنان.

وهناك في الافق ايضا الصراع المستمر في العراق وابرز مظاهره العجز المستمر عن تأليف حكومة في ظل تجاذب عربي ايراني غربي علما ان الوضع ضاغط بالنسبة الى الاميركيين الذين ينفذون انسحابا لقواتهم في العراق في الاسابيع المقبلة ويرغبون في رؤية حكومة عراقية جديدة في اسرع وقت ممكن. كما الامر ضاغط بالنسبة الى الايرانيين الذي عجزوا بدورهم عن فرض تصورهم للحكومة العراقية.

والى هذين العاملين اللذين يضطلع من خلالهما الافرقاء الاقليميون انفسهم بالادوار في لبنان تبدو في الواجهة ايضا المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي لن تلبث ان تتحول من مفاوضات غير مباشرة الى مفاوضات مباشرة على نحو لا يريح لا التنظيمات الفلسطينية الراديكالية ولا الدول الداعمة لها. ففي ذروة المخاوف على استقرار لبنان لوحظ توجيه رسائل غربية تنصح سوريا بالاستماع الى ما سيقوله لها الملك السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز. وهو كلام يحمله الملك السعودي من خلاصة لقاءاته الغربية والعربية والتي تصب في خانة ملفات مهمة ابرزها العراق والمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. وتاليا فان الانقسام العربي العربي لا يزال يفعل فعله على هذا الصعيد ايضا وله حصته في اثارة توتر اضافي احدى ابرز ساحاته لبنان.

وهذه عناوين ملفات كبرى اساسية وحاسمة ربما يشعر البعض بان تضافرها يهدف الى تطويق دول او تنظيمات معينة. وهو الامر الذي يضعه "حزب الله" اطارا ايضا للقرار الظني المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية بعد اشهر قليلة مفترضا بناء على تكهنات صحافية انه سيطول أفراداً من الحزب ويتهمهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري. في حين يعتبر البعض ان تحمية الساحة الداخلية في لبنان هي للضغط ولمواجهة الضغوط في امكنة اخرى ايضا. وتاليا فان هذا الواقع المستجد ليس ترجمة للتوتر الداخلي فحسب بل لكل هذه العوامل معا مما يجعل الامور اكثر تعقيدا مما يبدو واكثر صعوبة من ان تحل بتهدئة اعلامية وسياسية على رغم ضرورتها الملحة لئلا ينزلق لبنان الى ما لا قبل لاحد من الافرقاء المعنيين بوقفه.

لذلك فان مصادر معنية تعتقد بثقة ان الامين العام ل"حزب الله" لا يمكنه مرحليا سوى ملاقاة المسعى العربي او على الاقل المسعى السوري من اجل مساعدة دمشق على ابراز قدرتها امام الخارج على ان تكون عامل استقرار ضروريا في لبنان ربما تحتاج اليه الدول المؤثرة كما احتاجت اليه في السابق. وهو الدور الذي تحاول ان تبرز العاصمة السورية انها تقوم به على جبهات متعددة من العراق الى لبنان وربما لاحقاً في ملفات او امكنة تفيد انها تملك فيها تأثيرا او اوراقا قوية. وهذه مسألة اخرى لكن احد اوجه التعبير عنها يحصل في لبنان او عبره من دون ان يعني ذلك تراجع السيد نصرالله عن مضمون كلامه عن المحكمة او مطالبه في شأنها. ويستدل المعنيون على ذلك من استكمال الحملات الاعلامية الرامية الى التشكيك بشرعيتها الى جانب مواقف سياسيين حلفاء للحزب في موضوع المحكمة على رغم الكلام العربي عبر القمة الثلاثية على تهدئة سياسية وامنية للوضع الداخلي. وقد فهم المتابعون السياسيون في كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن المحكمة قبل يومين دعما للحزب لمواصلة حربه عليها والتشكيك في صدقيتها بما يشكل عمليا تغطية سياسية ل"حزب الله" في مسعاه على رغم قول المعلم ان المحكمة شأن لبناني ولا علاقة لسوريا به، في ما يمكن ان يعتبر من خلال موقف واحد وحتى عبارة واحدة تدخلا لسوريا في لبنان يناقض بقوة المشهد الذي ظهر به الرئيس السوري بشار الاسد في قصر بعبدا.

الا ان كل التوقعات تستمر غير متفائلة في الغالب ولو ان اللهجة الخطابية تراجعت نظرا الى ضخامة مضمون المطالب الموضوعة على الطاولة. في حين ان الحلول ليست داخلية من اجل ان تكون كل المخارج ممكنة على الطريقة اللبنانية.

======================

"اسرائيل غير مقتنعة بالسلام وكذلك الفلسطينيون والعرب"!

سركيس نعوم

النهار

3-8-2010

في بداية اللقاء تحدّث الناشط المهمّ في منظمة يهودية اميركية تتبنى سياسات اسرائيل وتدافع عن مصالحها داخل الولايات المتحدة عن المنظمة المنافسة لمنظمته، قال: "لن تشكّل منظمة "جي ستريت" خطراً علينا. طبعاً لا احد يستطيع ان يقول ان ذلك لن يحصل ابداً. لكن الوضع الراهن يوحي اننا الاشد تأثيراً والأقل تعرضاً للتهديد. نحن لا نحبِّذ ان تقوم جهة او حركة او منظمة يهودية اميركية بانتقاد اسرائيل وسياسات حكوماتها علناً. في اسرائيل ديموقراطية ينتخب وفقاً لها الشعب نوابه وتكون له الكلمة الأساسية في مؤسساته. لذلك يجب عدم تدخّل اميركيين وخصوصاً يهود اميركيين لدى الادارة الاميركية، اي ادارة، بغية إقناعها بفرض حلول على اسرائيل تعتقد انها ليست في مصلحتها.

يقولون في "جي ستريت" انهم مع حل الدولتين للمشكلة الفلسطينية – الاسرائيلية. ويدعون الى فرض هذا الحل على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اذا رفضه او اذا لم يقتنع به. لا يمشي الحال على هذا النحو في اسرائيل. والإقدام على امر كهذا (فرض حل معيّن) قد يؤدي الى ردّ فعل او بالأحرى الى موقف مناقض وخصوصاً ان المزاج الاسرائيلي العام انقلب في معظمه وصار في معسكر اليمين. لا حوار معمّقاً بيننا وبين "جي ستريت". لكن هناك اتصالات لياقة. لقد ارسلنا ممثلاً عنا لحضور مؤتمرهم السنوي، وأرسلوا في المقابل شخصاً لحضور مؤتمرنا السنوي (تقول "جي ستريت" ان احداً من المنظمة الاخرى لم يحضر مؤتمرها السنوي)". علّقت: يعتبر البعض ان هناك توزيعاً للادوار بين منظمتكم ومنظمة "جي ستريت". واذا كان هذا الاعتبار غير صحيح فإن البعض نفسه يتساءل لماذا لا تتوزّع منظماتكم الأدوار؟ اجاب: "لا يوجد توزيع كهذا. وليس معقولاً ان يوجد.

طبعاً في النهاية كلنا مع دولة اسرائيل وأمنها. لكننا نحن مع خيارها الحر ولسنا مع الخيار المفروض عليها". اسرائيل اليوم امام حل من اثنين. إما حل الدولتين او حل الدولة الواحدة. ردّ: "حل الدولة الواحدة لم يطرحه أحد في صورة رسمية حتى الآن. لكنه مرفوض سواء طُرح رسمياً او لم يُطرح. وسبب رفضه انه يعني تعريض يهودية دولة اسرائيل للخطر في المستقبل غير البعيد. اما حل الدولتين فيمكن البحث فيه". علّقت: ان اسباب عدم التوصل الى حل للمشكلة الفلسطينية – الاسرائيلية ليست فقط الخلافات مع الفلسطينيين على أمور كثيرة مهمة، ولا عدم الاطمئنان الذي يشعر به يهود اسرائيل لنيات الفلسطينيين واستطراداً العرب. في اعتقادي ان احد ابرز هذه الاسباب هو عدم اقتناع الاسرائيليين وقادتهم بالسلام عموماً وخصوصاً على اساس حل الدولتين. لا يزالون يعتقدون ان لهم حقاً او حقوقاً في القدس والخليل والضفة كلها. ولذلك فإنهم لا يتخلّون عنها. ردّ: "ما تقوله صحيح، لكن صحيح ايضاً ان ما تقوله ينطبق على الفلسطينيين والعرب عموماً الذين لا يزالون في غالبيتهم يطالبون باسترجاع كل فلسطين اي القضاء على دولة اسرائيل مع ما يعنيه ذلك من رفض للاعتراف بها".

سألت: ماذا عن تركيا واسرائيل؟ وماذا عن "اسطول الحرية" الذي تصدّت له اسرائيل؟ علماً انه كان يمكنها معالجة هذه "المشكلة" الطارئة بطريقة اخرى اقل كلفة عليها وأقل توتيراً للاجواء الاقليمية والدولية وخصوصاً لعلاقاتها مع تركيا "الحليفة" سابقاً. اجاب الناشط المهم نفسه في المنظمة اليودية الاميركية التي تتبنى سياسات اسرائيل وتدافع عن مصالحها داخل اميركا: "انت محق، كان يمكن معالجتها بطريقة اخرى. لكن ذلك لم يحصل ربما لنقص في المعلومات الاستخباراتية وربما لنقص في الخبرة. في اسرائيل يخوضون دائماً حروبهم الجديدة على اساس الحروب السابقة او انطلاقاً من دروس الحروب السابقة، فيخطئون.

اما بالنسبة الى تركيا فان معلوماتنا تفيد ان اردوغان رئيس حكومتها ربما كان يريد قطع العلاقات الديبلوماسية بين بلاده واسرائيل. لكن ذلك ليس سهلاً اذا كان يريد دوراً اقليمياً مهماً لتركيا وخصوصاً في مفاوضات السلام بينها وبين سوريا. علماً ان هناك ميزاناً تجارياً مهماً بين الدولتين يفوق ملياري دولار في السنة. وهناك تبادل تجاري مهم فضلاً عن عدد من الاتفاقات بين اسرائيل والجيش التركي. على كل ان اردوغان بل حزب العدالة والتنمية الاسلامي الذي يتزعّم هو جزء من الاخوان المسلمين. لكن الاحزاب المعارضة له بدأت تستعيد بعض الشارع التركي. يقال مثلاً ان دنيز بايكال زعيم احد الاحزاب العلمانية في تركيا استعاد الكثير من شعبيته، وانه قد يحقق نتائج مهمة في الانتخابات التشريعية المقبلة (2011)".

علّقتُ: هذه اخبار مضخّمة في اعتقادي. سياسة اردوغان الفلسطينية والاسرائيلية والعربية والايرانية هي سياسة شعبوية هدفها استقطاب الشعب وتالياً الناخبين للاحتفاظ بالسلطة اي لربح الانتخابات المذكورة. ردّ: "اردوغان اضعف الجيش التركي سياسياً وأذلّه وأهانه وصار في موقع دفاعي. هل يتحرّك ضد اردوغان وحزبه مهدّدي العلمانية؟ لا اعرف. يتوقف ذلك على الخيارات الاستراتيجية الفعلية والنهائية لأردوغان. علماً ان حزبه ليس كتلة واحدة بل هو مؤلف من مجموعات لكل منها آراء خاصة لا يستطيع اردوغان إلا ان يُراعيها". علّقتُ: يقال ان العرب يراهنون على تركيا اردوغان. ردّ متسائلاً: "كيف ذلك؟ تقولون ان العرب ومنهم السعودية والاردن ومصر يخافون ايران الاسلامية. ثم تقولون انهم يراهنون على تركيا لانقاذهم منها او لتبديد اخطارها عليهم. تركيا اليوم حليفة لايران هذه وتتعاون معها".

علّقتُ: التعاون التركي مع ايران قد يكون هدفه تأمين ظروف تساعد تركيا في التحوّل قوة اقليمية كبيرة وتالياً استقطاب المسلمين العرب وغير العرب الخائفين من ايران الشيعية. في رأيي ان ما يحصل هو نوع من الشراكة غير الرسمية وغير النهائية بين تركيا وايران او بالأحرى تفاهم لاقتسام النفوذ في المنطقة".

ماذا يجري في ايران؟.

======================

العراقيب.. حلقة جديدة من مسلسل الإجرام الصهيوني

مالك العثامنة - بروكسل

Malik_athamneh@hotmail.com

الرأي الاردنية

3-8-2010

الخبر مفاده أن الدولة في إسرائيل، وتحت مظلة قانون إسرائيلي وبتنفيذ حكومة إسرائيل قامت بتحريك جرافاتها ومعداتها الثقيلة في صحراء النقب، وفي منطقة العراقيب تحديدا، وبدون أي مانع أخلاقي قامت بهدم قرى وبيوت أناس أحياء يعيشون هناك بتواتر أجيال متصل، لتأتي الدولة الصهيونية فلا تعتبرهم موجودين أصلا، وتبدأ عملية المحو الإنساني.

 

كَتَبَ نيف غوردون في صحيفة الغارديان قائلاً: «لقد اضمحلت أثار الدمار على الفور هذه المرة. ولعل السبب في ذلك أن الأشخاص الثلاثمائة كلهم كانوا يقيمون في العراقيب، مع أطفالهم الذين كانوا يجلسون تحت الأنقاض، وقد كانت الحسرة باديةً على وجوههم عندما وصلت إلى المكان،... أو أن السبب يكمن في كون البدو مواطنين اسرائيليين، وفجأةً أدركت إلى أي مدى يمكن للدولة الاسرائيلية أن تذهب لكي تحقق هدفها المتمثل في تهويد منطقة صحراء النقب، وبكل حال من الأحوال فإن ما شاهدته ليس إلا عملية تطهير عرقية غير أخلاقية.»

 

مرة أخرى، ضمن مرات لا يمكن عدها وإحصاؤها، تعيد إسرائيل إنتاج بشاعة عنصريتها على أساس صهيوني بحت، ومرة أخرى..ضمن مرات أخرى لا تحصى ولا تعد، يصمت العالم في تواطؤ مفضوح يزداد اتساعا مع الزمن منذ قامت دولة الكيان.

 

المؤلم حقا، أنه أيضا وفي سياق كثير من المرات التي لا تحصى ولا تعد، يقف النظام العربي عاجزا حتى عن الحد الأدنى من التصدي، خصوصا أمام قضية عنصرية بامتياز، يمكن له -أي النظام العربي الرسمي- أن يقوم بتوظيفها واختراقها دوليا لوضع إسرائيل أمام العالم عارية من زيف ديمقراطيتها ووهم علمانية الدولة فيها، وهي الصفات التي تتبجح إسرائيل بتميزها فيها، لكن الواقع الإجرامي المستتر للدولة لا يزال قادرا على الاستمرار في تماديه.

 

أكثر من ثلاثمائة إنسان، ثلاثمائة حياة حقيقية من رجال ونساء وأطفال مدنيين، يلقون في العراء على كثبان العدم، في عالم يستطيع رصد النملة من على سطح القمر، لكنه يصاب بالعمى المفاجئ أمام كارثة إنسانية بهذا الحجم!!.

 

إسرائيل لم تقتلهم، لم تدخل بدباباتها أو عصابات الدم فيها لتبيدهم وتدفنهم تحت الرمال، لكنها ببساطة وبتحد بالغ السفور، لم تعتبرهم موجودين أصلا، فسوت بيوتهم بالرمال وألقتهم، أما الرمال، فقد بقيت ليدفن العالم رأسه فيه.

 

غير أصوات الناشطين المرتفعة بلا جدوى، فإن صوت المجتمع الدولي يصاب بحالة خرس عجيبة، والدبلوماسية العربية النشطة بكل الاتجاهات إلا الاتجاه المطلوب تقفز عن القصة باعتبارها خبرا مؤسفا لا أكثر، ولا تزال الجرافات وآليات الهدم تهدر بمحركات لا تتوقف عن العمل في سياق عملية إبادة لا تنتهي.

 

القانون الإسرائيلي الذي أجاز هذه العملية، هو قانون إجرامي بالأساس، ومخالف بشكل صارخ للمواثيق الأممية والقانون الدولي، وهي ذات المواثيق التي أعطت إسرائيل حق الوجود كدولة عضو في المجتمع الدولي، ومن هذه الثغرة كان يمكن للدبلوماسية العربية الانطلاق والتحرك باتجاه تقويض الفكرة القانونية ووضع إسرائيل في موقعها الصحيح أمام العالم، كدولة اغتصاب مارقة.

مختصر القول: نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا.

======================

ماذا يكشف سقوط المروحية الإسرائيلية في رومانيا؟

د. سمير قطامي

qatamisamir@hotmail.com

الرأي الاردنية

3-8-2010

نقلت بعض أجهزة الإعلام،الأسبوع الماضي، خبرا غامضا عن مقتل ستة إسرائيليين وروماني، في تحطّم مروحيتهم في وسط رومانيا، خلال عملية تدريب مشترك.. وقد نشر الخبر في صحفنا بعمود صغير، وبشكل عابر، دون أن يلفت النظر..

 

وأشارت بعض المعلومات إلى وجود عسكريين أمريكيين على متن المروحية، لم يُذكر ما حدث لهم !! ليطمس الحدث وما يتعلق به كليا، بعد وقت قصير، دون أن نقرأ أو نسمع شيئا عن مهمة الجنود الإسرائيليين والأمريكيين في رومانيا، أو عن طبيعة التدريبات المشتركة.

 

لدى تتبعي للحادثة ولبعض المعلومات القليلة المتسرّبة، تبين لي أن الجنود الإسرائيليين القتلى، وكلهم طيارون،هم ضمن فريق عسكري كبير، يقوم بتدريبهم مدرّبون أمريكيون، في منطقة جبلية شبيهة بمناطق الجنوب اللبناني، على عمليات القصف والملاحقة لرجال المقاومة المنتشرين في جبال لبنان ووديانه، استعدادا للحرب المتوقع نشوبها خلال الشهرين القادمين، فهل يستيقظ العرب لما يحاك ويدبّر؟

 

لو لم تسقط الطائرة وينكشف الأمر، لظلت العملية كلها طيّ الكتمان، ولم نسمع عنها شيئا، إلى أن تقع الحرب التي تخطط لها إسرائيل وتتدرب عليها، ثم توجد المبررات لخوضها بادعاء أن حزب الله هو الذي يعتدي عليها،وهي تدافع عن نفسها، لنجد بعد ذلك من يقول، في لبنان وغيره، إن حزب الله هو الذي سبّب الحرب،ودفع إسرائيل لخوضها دفاعا عن نفسه، وجرّ لبنان والعرب إلى مواجهات معها لم تكن ترغب فيها.

 

لا بد أن يعلم العرب كلهم أن إسرائيل، بكل مستوياتها العسكرية والاستراتيجية والسياسية والفكرية... مشغولة منذ انتهاء الحرب في لبنان سنة 2006، بدراسة ما حدث بموضوعية، واستخلاص العبر من تلك الحرب، ومعالجة جوانب القصور، والتخطيط لخوض الحرب القادمة بأسلوب آخر واستراتيجية أخرى، تتجاوز فيها القصور والأخطاء التي وقعت، لمحو عار الهزيمة التي مُني بها الجيش الذي لا يقهر، وذلك بإجراء المناورات الضخمة التي تشارك فيها كل الأسلحة، وبالمشاركة مع الجيش الأمريكي، منذ أربع سنوات، وتحديث الأسلحة وتطويرها، واستكمال القبة الفولاذية، وذلك لخوض المعركة المصيرية لإسرائيل التي وصفها بعض المحللين الإسرائيليين بأنها لا تحتمل الخطأ في الحسابات أو النتائج، لأن ما زودتهم به أمريكا من أسلحة وقذائف حديثة جدا، واتصالات دقيقة، لا يمكن أن تخطىء، فهل ما يزال هناك من يدّعي أن إسرائيل تريد العيش بسلام مع جيرانها العرب، أو أن أمريكا وسيط محايد تريد إشاعة السلام في المنطقة؟

 

إن حادثة سقوط المروحية في رومانيا توجب علينا فتح العيون إلى أقصى مدى لرؤية ما يُخطط ويُدبّر من قبل إسرائيل ضد الأمة العربية،قبل تبادل الاتهامات، فهل نحن قادرون على منع العدوان الذي يُعدّ له، على لبنان، وربما على سورية، بما يمكن أن يسبب من دمار وخراب وأزمات وتوتر وفوضى في المنطقة كله.

======================

الرسالة المقدسة «للجندي الكوني الامريكي» اكذوبة كبرى

يوسف عبدالله محمود

Yousefmahmoud73@yahoo.com

الدستور

3-8-2010

سوّقوا لها ، ارادوا غرسها في اذهان الشعوب النامية ، دافعوا عنها دفاعا حارا ، اتهموا من يكذّبها بأنه "متطرف" او "اصولي" او غير ديمقراطي ، انها مقولة "الجندي الكوني الامريكي" الجندي الكوني الامريكي اكذوبة روّج لها امثال فوكوياما وغيره من كُتّاب "الامبريالية" ، العالم في رأيهم يعيش فوضى وتخلفا واستبدادا ومَن غير الجندي الكوني الامريكي -كما يقول فوكوياما - قادر ان ينهي وتيرة هذه الفوضى ويبعث في ارجاء العالم نسائم الديمقراطية،، من غير هذا الدّركي او الشرطي الامريكي قادر ان يشيع الحرية والعدالة الاجتماعية في هذا الكون،.

 

ان رؤية فوكوياما عنصرية بامتياز تتجلى في كتاباته وبخاصة "نهاية التاريخ" عناوين هذه الرؤية الامبريالية هي: اغتيال "قومية" الشعوب او ادخال اصلاحات تجميلية عليها لتتطابق مع الخط الامبريالي الامريكي وهذا الاغتيال او الاصلاح التجميلي يتطلب اصلاح "الثقافة" بما يتلاءم ايضا والاستراتيجية الامريكية،.

 

"الثقافة" وبخاصة الثقافة العربية الاسلامي هي خصم عنيد للقيم الامريكية المفرغة من اي مضمون انساني ، لذا ينبغي ان تتم منازلتها وتشويهها وتحذير العالم من تطرّفها لا سيما انها -على حد زعمهم - لصيقة بالاسلام الذي -في رأيهم - يشكل اكبر تهديد للعلم الحر.

 

شنّعوا على الاسلام في كتاباتهم الى حد ان وصفوه بأنه دين "ارهاب".. هذا ما فعله فوكوياما وكيفن وغيرهما من مروّجي مقولة "الجندي الامريكي هو جندي يحمل السلام للعالم".

 

هؤلاء المروجون يرون ان اول مهمة على الامبراطورية الامريكية القيام بها هي -كما اسلفت - ضرب الثقافة العربية الاسلامية ضربة موجعة في العمق وعدم ترك المجال لها لاستعادة عافيتها التي كانت لها في الماضي لان استعادتها اكبر تهديد للمصالح الامريكية.

 

وحتى يتم للامبريالية ذلك لا بد من تأجيج الخلافات الطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية بين الشعوب العربية والاسلامية على نحو ما هو ماثل الآن ان في العراق او لبنان او السودان او غيرها من البلدان النامية ، ولا بد ايضا من استقطاب مجموعات من المثقفين العرب والمسلمين وبعض رجال السياسة يدافعون عن المصالح والقيم الغربية عبر الاذاعات والفضائيات العالمية ، كل هؤلاء -مع الاسف - يدافعون بأجر وأجر مرتفع جدا.

 

هؤلاء المثقفون المنتزعة هويتهم العربية يدافعون عن رسالة "الجندي الكوني الامريكي" لانها رسالة ضد الاستبداد في المجتمعات النامية ، كم سخيف هذا القول لا سيما انه بات يُقال بأفواه وألسنة عربية باعت نفسها للامبريالية.

 

اكثر من هذا فقد بتنا نسمع مثقفين عربا يمتدحون الحضارة الامريكية ويبررون لها حق "التفوق" على العالم لانها حضارة منفتحة على القيم الديمقراطية.

 

بالمقابل هناك مثقفون من اصل عربي يحملون الجنسية الامريكية والاوروبية سخروا من اكاذيب هذه الزمرة من الكتّاب العرب الذين باعو اقلامهم للامبريالي مستنكرين ربط الاسلام بالارهاب ، في مقدمة هؤلاء الراحل الكبير ادوارد سعيد في كتابه "تغطية الاسلام" الذي فضح الاكاذيب التي الصقت بالاسلام موضحا ان هذا الدين دين انساني يقوم على المحبة والتسامح والانفتاح لا على التعصب والانغلاق.

 

ان "المثالية" التي تزعمها امريكا لنفسها هي مثالية كاذبة لان ما يجري على الارض من حروب مفزعة لا ينتسب الى اية "مثالية" وكما قال احدهم هناك من يحرصون في امريكا على اعتماد "مكافىء اخلاقي للحرب" ذرّا للرماد في العيون واخفاء للاطماع الامبريالية هذا "المكافىء الاخلاقي" قد سقط منذ زمن بعيد.

 

هذا المفهوم المكافىء "فًرية" امريكية لان حضارة تنفي حقوق الاخرين لا يمكن ان تمتلك اية قيمة اخلاقية.

 

ان تحتكر امريكا قيم الحرية والعدالة وحقوق الانسان "ضلالة" من الضلالات لان هذه القيم الانسانية لا يمكن ان تتجاوز مع العبارة الامبريالية الشهيرة "من ليس معنا فهو ضدنا".

 

عيب الامريكيين انهم يتمسكون بالشعارات البراقة بينما جنديّهم الكوني يمارس القتل في ارجاء مختلفة من العالم،.

الشعارات البراقة التي تسوّقها امريكا "النظام" خطيئتها انها تخفي "الحقيقة".. الحقيقة التي باتت عارية تعيها الشعوب،.

======================

وثائق «ويكيليكس» : أي جديد حول الحرب الأفغانية؟!

ياسر الزعاترة

الدستور

3-8-2010

قرأنا معظم ما نشر من ملخصات للوثائق التي سربها موقع "ويكيليكس" حول الحرب الأفغانية فلم نجد جديدا يذكر ، اللهم سوى شواهد وتفصيلات وروايات لا تضيف الكثير إلى الحقائق التي يعرفها المتابعون.

 

لعل أهم ما في الوثائق هي تلك الأدلة والشواهد والتفصيلات التي تمنحها للمراقب حول استهتار الجيش الأمريكي وقوات الناتو بحياة الإنسان الأفغاني ، مع محاولات محمومة لإخفاء ذلك بكل الوسائل الممكنة ، وهذه ليست جديدة بحال ، فالجميع يدركون أن هدف قيادة الناتو هو الحفاظ على حياة جنودها حتى لو أدى ذلك إلى حصد الآلاف من أرواح الناس الأبرياء ، ولا يتوقف الأمر عند الإنسان الأفغاني ، بل يشمل الجنود الأفغان أيضا ، والذين يقومون في معظمهم بأدوار هي أقرب إلى أعمال المرتزقة ، لأنهم يريدون العيش لا أكثر ، بدليل حجم التهرب من الخدمة في صفوفهم ، وبدليل إدمان الكثير منهم على المخدرات وممارستهم للسرقة والنهب.

 

ما يعني واشنطن إذن هو تقليل الخسائر ، بصرف النظر عما سيفضي إليه ذلك من خسائر في صفوف الأفغان من العسكر ومن المدنيين ، والهدف بعد ذلك هو إخفاء هذه الحقائق بستار من الأكاذيب حول أهداف للقاعدة وحركة طالبان وقع استهدافها ، فيما تستند عمليات القصف إلى معلومات كاذبة هدف أصحابها الحصول على المال وخدمات أخرى.

 

لو كانت حرب الناتو في أفغانستان بمثل ذلك المستوى من النظافة التي يتحدثون عنها ، في مقابل استهتار طالبان بحياة المدنيين كما تشير التقارير العسكرية التي يتم تبنيها إعلاميا ، لو كان الأمر على هذا النحو لانفض الناس من حول الحركة ، ولخسرت حاضنتها الشعبية التي تمنحها القدرة على مواصلة القتال. ونعلم أنه لا يمكن لحركة تمرد أو مقاومة أن تواصل قتالها وتحقق الانتصار من دون حاضنة شعبية ومدد من المقاتلين ، الأمر الذي يتوفر لطالبان ، معطوفا على مزيد من الحقد على الغزاة الذين يستهترون بحياة الناس مقابل الحرص على حياة جنودهم.

 

الجانب الثاني من وثائق "ويكيليكس" هو ذلك المتعلق بدور باكستان فيما يجري ، بخاصة الاستخبارات الباكستانية ، وفي هذا الصدد لا نعثر على جديد في العموم ، اللهم سوى المزيد من التفصيلات والشواهد على هذه الحقيقة ، ومن يعتقد أن باكستان يمكنها التفريط تماما بحركة طالبان ، في وقت ترى فيه كيف توضع خاصرتها الأفغانية بيد أعدائها ، من يعتقد ذلك لا يعرف شيئا في شؤون السياسة. ونتذكر كيف أعلنت هيلاري كلينتون أمام وسائل الإعلام وفي قلب العاصمة الباكستانية أنها غير مقتنعة بأن إسلام أباد لا تعرف مكان اختباء أسامة بن لادن ، مع أن ذلك لا يبدو مؤكدا تماما ، وإن صح بقدر ما فيما يتصل ببعض قادة طالبان ، لأن بن لادن لن يسلم عنقه لجهة استخبارية لا يعرف متى ستبيعه وبأي ثمن أو تحت أية ضغوط ، كما فعلت قبل شهور مع الملا برادار ، الرجل البالغ الأهمية في قيادة طالبان.

 

الاستخبارات الباكستانية توفر الدعم لطالبان ، وفي الوثائق شواهد كثيرة على ذلك ، لكن الأمر لا يتوقف عند باكستان ، فهناك إيران أيضا ، وهنا لا يبدو الأمر مفاجئا كذلك ، وقد قلنا ذلك غير مرة ، لولا أن بعضهم يرفضون مبدأ أن ينسب أي شيء جيد لإيران ، مع أنها لا تفعل ذلك حبا بطالبان ، بل من أجل توريط الولايات المتحدة أكثر فأكثر في المستنقع الأفغاني بما يحول بينها وبين التفكير في توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية ، وأقله السماح للكيان الصهيوني بتنفيذ الضربة.

 

ثمة بعد آخر في الوثائق بعمومها يؤكد حقيقة معروفة أيضا ، مفادها أن القوات الأمريكية بشكل خاص ، والناتو بشكل عام تعيش حالة تخبط في الحرب ، وهي في مستنقع لا تعرف كيفية الخروج منه ، في ظل تفوق كبير لحركة طالبان يتمثل في قدرتها على إدارة حرب طويلة الأمد ضد الغزاة.

 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه التفاصيل يتعلق بالدوافع التي تقف خلف "ويكيليكس" من حيث المبدأ ، ونشر الوثائف الأخيرة بشكل خاص ، وهنا يصعب علينا الاقتناع بحكاية الصحافة الاستقصائية والأهداف النبيلة خلف الموقع ، بقدر ما نميل إلى أن أصابع صهيونية تقف خلفه هدفها الضغط على الجيش الأمريكي الذي بدأ يتدخل أكثر في شؤون السياسة ، بخاصة في عهد أوباما ، وذلك من أجل ألا يتورط (كما فعل من قبل) في الضغط على الدولة العبرية فيما خص سياستها الشرق الأوسطية تحت دعوى تأثيرها على حياة الجنود الأمريكيين في أفغانستان والعراق وعموم المصالح الأمريكية في المنطقة.

======================

ما هي حقيقة السلاح النووي الإسرائيلي؟

محمود كعوش

8/3/2010

القدس العربي

ما نشره الإعلام الصهيوني مؤخراً أوحى لبعض صناع القرار والكتاب والصحافيين العرب بأن السلاح النووي "الإسرائيلي" كان قد استحوذ على حيز كبير من المباحثات التي أجراها رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في واشنطن في الأسبوع الأول من شهر تموز الماضي، خاصة وأن هذا الإعلام أقدم ولأول مرة على الإشارة بشكل مباشر إلى هذا السلاح وألمح إلى أنه كان محل نقاش وبحث مستفيضين بين الرجلين.

وزاد الطين بلة أن صناع القرار والكتاب والصحافيين هؤلاء شرعوا فعلياً في مراهنات جديدة على إدارة الرئيس باراك أوباما، معللين ذلك بأن الموقف الأمريكي قد أصبح محكوماً بالربط بين التصدي للمشروع النووي الإيراني وبين حل القضية الفلسطينية والحصول على دعم دولي لموقف الولايات المتحدة بالنسبة لنزع السلاح النووي، بحيث بات من المتعذر على واشنطن أن تتجاهل الترسانة النووية "الإسرائيلية" في الوقت الذي تواصل فيه محاربة المشروع النووي الإيراني!!

ومن المؤسف أن هؤلاء قد نسوا أو تناسوا أن نتنياهو حاله كحال جميع رؤساء الحكومات "الإسرائيلية" السابقين مع الرؤساء الأميركيين الذين توالوا على السلطة في البيت الأبيض سعى لدى الرئيس باراك أوباما خلال زياراته الرسمية لواشنطن للحصول على تجديدات للتعهدات الأمريكية التي كان قد قدمها الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في عام 1969 إلى رئيسة الوزراء "الإسرائيلية" في حينه غولدا مائير، والتي تضمنت التزاماً بأن لا تقوم الولايات المتحدة بممارسة ضغط على "إسرائيل" من أجل ضمها إلى "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" مقابل أن التزام "إسرائيل" بعدم الإعلان عن حيازتها لهذا النوع من السلاح وعدم القيام بإجراء تجارب نووية.

وكان هؤلاء وعلى إثر اجتماع مماثل لنتنياهو وأوباما جرى في واشنطن أيضاً في وقت سابق من العام الجاري قد أشبعونا صخباً وضجيجاً عن عمق الخلافات "الإسرائيلية" - الأمريكية، عندما ادعوا أن هذه الخلافات لم تشهدها العلاقات بين تل أبيب وواشنطن منذ ثلاثة عقود ونصف، وأنها كانت تنذر بتحولات إستراتيجية في السياسة الأمريكية في المنطقة. ولعلنا لم نزل نذكر حملة التطبيل والتزمير التي قادها صناع الرأي والقرار والصحافة والأعلام في الوطن العربي عقب الخطاب الذي ألقاه الرئيس باراك اوباما في جامعة القاهرة في شهر حزيران 2009.

لكن ولحسن الحظ أنه لم يطل فأل المراهنين على الإدرارة الأميركية كثيراً إذ فاجأهم الرئيس أوباما بتحذير من مغبة توجيه أصابع الاتهام "لإسرائيل" بسبب برنامجها النووي الذي على حد قوله لم تعترف أبدا بوجوده، منذراً بأن مثل هذا الاتهام يمكن أن يعرقل تنظيم مؤتمر دولي حول شرق أوسط خال من السلاح النووي مقرر في عام 2012. وقد ترافق تحذير أوباما مع تأكيد بأن الولايات المتحدة تنوي العمل على فرض عقوبات جديدة على إيران لإقناعها بوقف أنشطتها النووية. ووجه أوباما تحذيره في السادس من شهر تموز الجاري ، في بيان تطرق إلى محادثاته مع رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نيتانياهو في البيت الأبيض، حيث جاء في بيان الرئاسة أن: "الرئيس حرص على الإشارة إلى أن المؤتمر يمكن أن يعقد فقط في حالة شعرت كل الدول بثقة كافية للمشاركة فيه". وحذر أوباما أيضا من أن أية محاولة لاستهداف "إسرائيل" ستجعل آفاق عقد مثل هذا المؤتمر بعيدة الاحتمال.

وكان قد تقرر في شهر أيار الماضي أن يُعقد مؤتمر حول شرق أوسط خال من السلاح النووي، وذلك خلال مؤتمر متابعة معاهدة الحد من الانتشار النووي الذي نظمته الأمم المتحدة في نيويورك. وقد أكد المشاركون في المؤتمر في بيانهم الختامي على ضرورة أن تنضم "إسرائيل" إلى المعاهدة وأن تضع منشآتها النووية كافة تحت الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولم يعترف "الإسرائيليون" أبدا أنهم يمتلكون القنبلة النووية، ويرفضون الانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي.

وفي ختام محادثاته مع نيتانياهو، قال الرئيس الأمريكي إنه أكد لرئيس الحكومة "الإسرائيلية" أن السياسة الأمريكية في مجال انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط "لم تتغير"، موضحاً أن الولايات المتحدة مقتنعة تماما بأنه نظرا إلى حجمها وتاريخها والمنطقة التي توجد فيها والتهديدات التي تواجهها، فإن "إسرائيل" تحظى بواجبات استثنائية في مجال الأمن. وعلى إثر محادثات في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض خصصت للملف النووي الإيراني بين أوباما ونيتانياهو، أكد الرئيس الأمريكي أن بلاده ستواصل الضغط على إيران، حيث قال "إننا ننوي إبقاء الضغط على إيران لتفي بالتزاماتها الدولية وتوقف سلوكها الاستفزازي الذي يجعل منها تهديدا لجيرانها وللمجتمع الدولي". يذكر أن الولايات المتحدة كانت قد شددت على ضرورة أن يفرض مجلس الأمن الدولي في شهر حزيران الماضي عقوبات جديدة على إيران في محاولة لإقناعها بوقف أنشطتها النووية.

السلاح النووي"الإسرائيلي" بين الغموض والوضوح

منذ بناء مفاعل "ديمونا" النووي في عام 1958 وحتى الآن، عملت "إسرائيل" على انتهاج منطق الغموض والتضليل فيما يتعلق بمسألة امتلاكها للسلاح النووي. وهي منذ ولادتها القيصرية في خاصرة الوطن العربي قبل اثنين وستين عاماً اتخذت من سياسة التخويف والترهيب أسلوباً ثابتاً لها، على أمل أن تحقق ما تدعيه ردعاً ضرورياً ومُلحاً، أي ردع الأمة العربية عن استعادة حقوقها ومنعها من الدفاع عن وجودها حاضراً ومستقبلاً أو التفكير في مصالحها الوطنية والقومية. وقد دللت جميع الدراسات والأبحاث الخاصة بالسلاح النووي "الإسرائيلي" على أن "إسرائيل" عملت على تطويع منطق الغموض والتضليل بكل ما اكتنفه من مفردات وعبارات رمادية وأدوات ومتطلبات "ضرورية" لخدمة هذه السياسة التي ارتكزت على عدم تأكيد أو نفي امتلاكها للسلاح النووي، كما وأن تلك الدراسات والأبحاث أظهرت أن قادتها تعمدوا على الدوام الإيحاء للعالم بأنها تمتلك ترسانة نووية ضخمة وأن خيارها النووي قائم طالما أن المخاطر محدقة بها من جيرانها!!

وخدمة للدعاية "الإسرائيلية" في هذا الشأن والترويج لسياسة التخويف والترهيب، جند هؤلاء القادة العديد من الإعلاميين "الإسرائيليين" والغربيين المؤيدين "لإسرائيل" والمعادين للعرب والمسلمين. وغالباً ما كان ذلك يعبر عن نفسه إما من خلال التلميح المتعمّد والمباشر إلى هذه الترسانة النووية أو من خلال التلويح المتعمّد والمباشر بالخيار النووي "الإسرائيلي" خدمة لمزاعم الردع الضروري والملح، باعتبار أن سياسة "إسرائيل" النووية كانت وما زالت تقوم على دعامتين أساسيتين: الأولى تحقيق مفاعيل الردع النووي في مواجهة الأعداء والثانية تجنُب دفع ثمن الانتماء العلني لنادي القوى النووية العالمية!!

لكن ثبات العرب الأصيلين والفخورين بانتمائهم على مواقفهم وإصرارهم الجاد على التصدي للنزعة العدوانية والتوسعية "الإسرائيلية" وتشبثهم بالحقوق الوطنية والقومية للأمة والدفاع عن وجودها الذي عبروا عنه من خلال تصعيد حركة النضال الوطني الفلسطيني وخوض حرب تشرين في عام 1973 ومواجهة اجتياح لبنان في عام 1982 وفرض الهروب الكبير والمذل على "إسرائيل" من جنوبه تحت جنح الظلام بعد 22 عاماً من احتلاله "من 1978 إلى 2000" والانتفاضتين الفلسطينيتين المباركتين والمقاومة العراقية البطلة التي أفرزها احتلال العراق وإنزال هزيمة مدوية بالجيش"الإسرائيلي" في عدوانه على لبنان عام 2006 ، أفشل سياسة التخويف والترهيب "الإسرائيلية" المرتكزة على منطق الغموض والتضليل، كما وأكد ثبات الإرادة العربية وصعوبة بل استحالة انكسارها أو انحنائها أمام جميع الخيارات العدوانية "الإسرائيلية" بما فيها الخيار النووي.

ولربما أن تلك الحقيقة استدعت من "إسرائيل" التحول باتجاه تصعيد وتيرة فبركة الأكاذيب والادعاءات المتواصلة والمتلاحقة حول امتلاك العرب والمسلمين سلاحاً نووياً. وقد ساعدها في الترويج لذلك نفوذها القوي داخل الدوائر الأميركية الحاكمة والتعديل "المدروس والمخطط له" الذي أُدخل على السياسة الأميركية مع انتقال العالم إلى القطبية الواحدة والإفصاح عن النزعة الاستعمارية الجديدة للولايات المتحدة بذات الفجاجة والوقاحة المعهودتين فيها، وظل الغرضُ "الإسرائيلي" يتمحور في دائرة تطوير السلاح النووي بذريعة الردع الضروري والملح.

وفي خضم ذلك التحول، بدأت "إسرائيل" تُشيع تارةً أن العراق يمتلك هذا السلاح، وتارة ثانية أن ليبيا بصدد تطوير قُدراتها نووية، وتارة ثالثة أن إيران بصدد التحضير لصناعة القنبلة النووية، وتارة رابعة أن السلاح النووي العراقي انتقل "بسحر ساحر" و"قدرة قادر" إلى سورية. وبين ليلة وضحاها، أصبحت معظم البلدان العربية والإسلامية في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط تمتلك السلاح النووي، وِفقَ الأكاذيب والادعاءات "الإسرائيلية" المصادق عليها زوراً وبهتاناً من قِبل الدوائر الأميركية الحاكمة.

وبالطبع فإن هذه الدوائر الخاضعة لسلطة تيار المحافظين الجدد الذي يهيمن عليه الصهاينة وأعوانهم في واشنطن تحافظ على يقظتها وبقائها جاهزة وعلى أَهبة الاستعداد لتبني الأكاذيب والادعاءات "الإسرائيلية" والترويج لها، والتلويح بالعصا الغليظة من خلال التهديد بأقصى العقوبات التي تتراوح بين المقاطعة والحصار والاجتياح والاحتلال. كما وتبقى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية "N.P.T" لعام 1968 جاهزة هي الأخرى لفرض تطبيقها على البلدان العربية والإسلامية، مع الحفاظ على إبطال مفعولها عندما يتعلق الأمر "بإسرائيل". ومن المهم الإشارة هنا إلى أن "إسرائيل" هي الدولة النووية الوحيدة في العالم التي لم توقع بعد على هذه المعاهدة، وما زالت ترفض السماح لوكالة الطاقة الذرية الدولية بتفتيش مفاعلاتها النووية كي يبقى برنامجها النووي في منأى عن الأنظار.

سبعة أعوام مرت على اجتياح العراق واحتلاله في أكبر خرق سافر وفاضح للشرعية الدولية وأبشع تحدٍ صارخ ووقح للمجتمع الدولي، ولم تتمكن إدارة المحافظين الجدد الأميركية وحكومة العمال البريطانية وكل المتحالفين معهما "بالرضى أو الإكراه"من إقناع العالم بشرعية الجريمة البربرية والبشعة التي اقترفتاها بحق هذا القطر العربي العزيز والغالي على قلوب كل العرب الغيورين على عروبتهم والمخلصين لأمتهم، خاصة وأنه ثبت بطلان "السلاح النووي العراقي" المزعوم كمسوغ أو مبرر للاجتياح والاحتلال بشكل قطعي، وسقط إلى ما لا رجعة. فكل المعطيات أكدت خلو العراق من هذا السلاح، كما وأن جميع الخبراء الدوليين في الشرق والغرب بدءاً بهانس بليكس وانتهاءً بدافيد كاي أثبتوا بالأدلة والبراهين القطعية عدم وجوده فيه منذ "حرب الخليج الثانية" التي حدثت في شهر كانون الثاني من عام 1991، والتي أطلق الوطنيون والقوميون العرب عليها تسمية العدوان الثلاثيني على العراق.

أما ليبيا فقد فتحت كما بات واضحاً ومعلوماً جميع "خزائنها" النووية أمام التفتيش الدولي، وأجازت للطائرات الأميركية نقل المعدات والمواد ذات الصلة بالسلاح النووي الليبي إلى الولايات المتحدة لتأكيد "حسن نواياها" و"انصياعها" للإرادة الدولية. وهي عندما فعلت ذلك فإنما فعلته مضطرة، بعد أن طال الحصار الدولي الظالم عليها وعلى شعبها وطال معه تخلي الاخوة والأشقاء عنها.

وكانت إيران قد سبقت ليبيا إلى تأكيد "حسن النوايا" و"الانصياع للإرادة الدولية" عندما وقعت على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي ووافقت على إخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي. لكنها ظلت تصر على مواصلة عملها أملاً في استكمال خططها وتنفيذ برنامجها النووي الخاص بالأغراض السلمية، الأمر الذي وضعها في مواجهة سياسية ودبلوماسية "كلامية ساخنة ودائمة"مع تل أبيب وواشنطن وحلفائهما في الغرب والشرق، سعت مؤخراً إلى تبريدها عبر التصريحات المفاجئة وغير المألوفة التي أطلقها علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية وأقر فيها ب"المحرقة اليهودية" وأبدى استعداد بلاده للتخلي عن طموحاتها النووية العسكرية "مقابل الأمن لها وللمنطقة والعالم"، على حد تعبيره.

وبخصوص سورية، فلم يسبق أن تناهى لمسامعنا أنها امتلكت مثل هذه السلاح إلا بعد اجتياح واحتلال العراق وبدء تنامي وتيرة الانتقادات العنيفة للرئيس الأميركي جورج بوش الابن وظله البريطاني توني بلير ودفعهما إلى عُنق الزجاجة على خلفية السلاح النووي العراقي المزعوم، وتعريض المستقبل السياسي لحزبيهما إلى مخاطر حقيقية وجادة عبرت عن نفسها في انتخابات الكونغرس الأميركي الأخيرة وانتخابات مجلس العموم البريطاني قبل ذلك. ولا شك في أن الزعم بامتلاك سورية مثل هذا السلاح من قبل حكام تل أبيب والمحافظين الجدد الذين يسيطرون على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة إنما جاء في إطار ممارسة أقصى الضغوط الممكنة على نظامها في محاولة يائسة لثنيه عن مواقفه الوطنية والقومية الثابتة.

وبالرغم من سيادة منطق الغموض والتضليل على السلاح النووي "الإسرائيلي"، إلا أن خبراء دوليين كثيرين من بينهم بعض "الإسرائيليين" أجمعوا على أن "إسرائيل" ليست دولة نووية فحسب وإنما هي القوة النووية الخامسة في العالم. وقد أكد تلك القناعة استطلاع للرأي العام أجري في "إسرائيل" في عام 1988 إثر تسريب قانون عام 1986 للمعلومات عن المشروع النووي "الإسرائيلي" وأظهر أن أكثر من 50 في المائة من "الإسرائيليين" يعتقدون أن هناك سلاحاً نووياً في بلدهم. كما أكدها استطلاع آخر للرأي العام صدر في مطلع عام 2004 عن "مؤسسة شفاكيم بانوراما الإسرائيلية" المختصة باستطلاعات الرأي والتي تتخذ من تل أبيب مقراً لها دلل على أن 77.4 في المائة من "الإسرائيليين" يعتقدون بأن "إسرائيل" تمتلك سلاحاً نووياً، وأن 81.7 في المائة منهم يشككون بوجود أمنٍ وطني فيها في ظل امتلاكها هذه الأسلحة.

وقد دعم تلك القناعة أكثر فأكثر كشلو موغازيت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" السابق في وصفه منطق الغموض والتضليل الذي اتبعته بلاده في التعامل مع سلاحها النووي باللعبة الساذجة، وتأكيده أنها إحدى أهم القوى النووية الرئيسية في العالم منذ عشرات السنين. وقد شبه موغازيت كل من ينكر وجود السلاح النووي في "إسرائيل" بمن يغطي عينيه براحتيه ويقول: لا توجد هنا قوة نووية.

ولربما كان البروفيسور والخبير النووي مردخاي فعنونو أول "إسرائيلي" تجرأ وكشف النقاب عن سر امتلاك "إسرائيل" سلاحاً نووياً. ففي عام 1986 سرب فعنونو الذي تحول عن اليهودية إلى المسيحية واستبدل اسمه الأول باسم جون عامداً متعمداً سبعاً وخمسين صورة لمفاعل ديمونا النووي القائم في صحراء النقب وعدداً إضافياً من الوثائق الخاصة بالبرنامج النووي "الإسرائيلي" إلى صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، الأمر الذي أدي إلى كشف المستور الخاص بلغز الموقع رقم 2 الذي أُطلقت عليه تسمية وكر البلوتونيوم القاتل، والذي تسبب في إحراج كبير"لإسرائيل" أمام الرأي العام العالمي لأنه لم يكن قد مضى في حينه سوى خمسة أعوام فقط على قيامها بالعدوان على مفاعل تموز النووي العراقي المخصص للأغراض السلمية، يُذكر أن الطائرات الحربية "الإسرائيلية" استغلت آنذاك انشغال العراق في حربه مع إيران "إبان حرب الخليج الأولى" فأغارت في 7 حزيران 1981 على المفاعل ودمرته تماماً، مستبقة بذلك موعد افتتاحه الذي كان مقرراً في اليوم التالي.

وفعنونو الذي أُطلق سراحه في نيسان 2004 بعد أن أمضى 18 عاماً في السجون والزنازين "الإسرائيلية" لم يزل حتى الآن قيد الإقامة الجبرية ولم يزل ممنوعاً من السفر حتى إشعار آخر بأوامر من حكومة تل أبيب والقضاء "الإسرائيلي"، خوفاً من قيامه بالكشف عن مزيد من الأسرار الخاصة بالسلاح النووي "الإسرائيلي" وبالذات مفاعل ديمونا، وحتى لا تخرج مسألة امتلاك "إسرائيل" سلاحاً نووياً من دائرة التجاهل وعدم الاهتمام الدولي المتعمد إلى دائرة الوضوح والاهتمام الدولي غير المتعمد، ولكي تبقى سياستها الخاصة بهذه المسألة أسيرة منطق الغموض والتضليل المتبع .

مئات الكتب والأبحاث والدراسات والوثائق نُشرت حول السياسة النووية "الإسرائيلية" ومفاعل ديمونا النووي الذي يتخذ من باطن أرض صحراء النقب مقراً سرياً له، وقد اعتاد قادة "إسرائيل" منذ بدء العمل بالمفاعل المذكور في عام 1958، كما سبق لي أن ذكرت، على التصريح بين الحين والآخر بأن بلادهم تمتلك سلاحاً نووياً من خلال اعترافات كانوا يطلقونها ثم يتراجعون عنها بذريعة أنها "زلات لسان". وفي كل مرة حدث ذلك، كان يأخذ شكل الخداع المتعمد لخدمة منطق الغموض والتضليل الذي اعتمدته "إسرائيل" في التعامل مع سياستها النووية.

حتى عندما تعهد شيمون بيريز للرئيس الأميركي الديمقراطي الراحل جون كينيدي في ستينات القرن الماضي بأن "إسرائيل" لن تكون البادئة في إدخال السلاح النووي إلى منطقة الشرق الأوسط،، فقد فعل ذلك في ذات الإطار ولخدمة ذات المنطق الذي هو بالأصل مبتدعه، إلى جانب أنه أراد من خلال تعهده اللفظي إعفاء إدارة كينيدي والإدارات الأميركية التي ستعقبها من أي حرج محتمل، في حال طرح الملف النووي "الإسرائيلي" على بساط البحث الدولي!!

ومما لا شك فيه أن اعتراف رئيس الحكومة "الإسرائيلية" السابق أيهود أولمرت أثناء زيارته الرسمية لألمانيا في شهر كانون الأول 2006 بامتلاك بلاده سلاحاً نووياً وتراجعه عن ذلك باعتباره "زلة لسان"، جاء في ذات السياق لتصريحات واعترافات القادة "الإسرائيليين" السابقين، ولم يكن ذلك الاعتراف سوى تأكيد لسر بات معروفاً للقاصي والداني، بعدما انتقل ذلك السلاح من نطاق الغموض والتضليل إلى نطاق التصريح والوضوح!! فذلك الاعتراف الذي جاء في إطار سياسة التخويف والترهيب التي اعتمدها رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على حكم "إسرائيل" أسلوباً ثابتاً لتحقيق ما ادعوه ردعاً ضرورياً وملحاً اكتسب أهمية خاصة لاعتبارين، أولهما أنه توافق مع نشر"المجلة العسكرية الإسرائيلية جينز" ما نسبته إلى خبراء ذرة أفادوا "أن إسرائيل تمتلك بين 150 و200 رأس نووي متفجر يمكن إطلاق بعضها لمدى بعيد بواسطة صواريخ أرض - أرض من طراز يريحو"، وثانيهما أنه أعقب تصريحات لوزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس تحدث فيها عن وجود قدرات نووية "إسرائيلية"، وهو ما فسره المراقبون على أنه جاء في سياق حملة "إسرائيلية" - أميركية مشتركة تستهدف البرنامج النووي الإيراني بشكل خاص.

لم تغب ترسانة السلاح النووي "الإسرائيلي" عن جدول أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عام 1980 وإن تم تجاهلها عمداً بعد حرب الخليج الثانية، وذلك بضغط "إسرائيلي" وتغطية سياسية أميركية بذريعة إفرازات تلك الحرب. ولا شك أيضاً أن واشنطن رفضت على الدوام المطالبات العربية الخاصة بوضع المنشآت النووية "الإسرائيلية" تحت رقابة دولية أو قيام منظمة الأمم المتحدة بعملية إزالة أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط بما فيها سلاح "إسرائيل"، وفي كل مرة تقدمت لجنة متابعة الأسلحة النووية "الإسرائيلية" المنبثقة عن الجامعة العربية أو المجموعة العربية في المنظمة الدولية خطوة باتجاه أي من هذين المقترحين، كانت تواجه بالصد الأميركي قبل الصد "الإسرائيلي".

والمؤسف أن واشنطن ظلت بوقاحتها وصفاقتها المعهودتين تطالب سورية باقتفاء أثر ليبيا في معالجة ما زعمت أنه "سلاح نووي موجود لديها"، هكذا على طريقة "تأبط شراً"، علماً أن أركان النظام فيها كانوا على الدوام المُبادرين إلى المطالبة بإخلاء منطقة الشرق الأوسط بما فيها "إسرائيل" بالطبع من السلاح النووي. وهي اليوم تكرر ذلك مع إيران، وتسعى إلى تحقيق ما هو أبعد وأخطر من ذلك بكثير.

والمفارقة في الأمر أنه في الوقت الذي تمارس فيه واشنطن بدعم من تل أبيب والغرب وبعض بلدان الشرق أيضاً أقصى الضغوط السياسية والدبلوماسية على إيران وتستغل مجلس الأمن الدولي لإجبارها على وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها النووية الخاضعة أصلاً للتفتيش الدولي، تلوذ بالصمت المطبق إزاء السلاح النووي "الإسرائيلي" الذي يشكل تهديداً جدياً وخطيراً لمنطقة الشرق الأوسط وشعوبها، باعتراف الخبراء الإقليميين والدوليين.

يرى البعض ومنهم بيتر هونام الذي أحضر البروفيسور مردخاي فعنونو إلى محرري صحيفة "صنداي تايمز" أن "إسرائيل" ستواصل إنتاج السلاح النووي لكي تبيعه لدول حليفة لا تشكل خطراً عليها. ويرى خبراء آخرون أنها ستواصل تشغيل مفاعل ديمونا لأنها تريد تزويد نفسها بأسلحة نووية أكثر تطوراً بحيث تلبي الرد على ما تزعم أنه "خطر إيراني عليها"، ويتكهن علماء من بينهم فرانك بارنابي بأن "إسرائيل ستتوقف عن إنتاج السلاح النووي لأنها تملك ما يكفي من السلاح المخزن، ولأن المفاعل استهلك نفسه وإذا لم يتم إغلاقه أو تفكيكه بحذر شديد فإن تسرباً واحداً فيه سيتسبب بكارثة كبرى لإسرائيل والمنطقة". ولا يستبعد أصحاب الرأي الأخير أن يكون الوضع المتردي للمفاعل هو السبب الذي ضاعف من عدد المقالات التي بدأت تتحدث عن تفكير قادة "إسرائيل" بالاستعاضة عن منطق الغموض والتضليل بمنطق التصريح والوضوح فيما يختص بسياسة بلادهم النووية واحتمال فتح مفاعل ديمونا أمام التفتيش الدولي في حدود معينة!! ترى من الصادق بينهم في ظل الإصرار الأميركي – "الإسرائيلي" على استهداف إيران سياسياً ودبلوماسياً؟ من الصعب معرفة ذلك، لأن "إسرائيل" ترفض حتى الآن إعطاء الجواب.

كاتب وباحث مقيم بالدانمارك

======================

ثورة يوليو: دروس باقية!

ميشيل كيلو

8/3/2010

القدس العربي

لم يدرس العرب بعد ثورة تموز/ يوليو. ولم يعقد مثقفوهم مؤتمرات مكرسة لها وللحقبة التي أنجبتها وترتبت عليها، رغم إقرار معظمهم بأنها حدث مفصلي في تاريخهم، بالمعنيين السلبي والإيجابي. لم تنل ثورة يوليو حقها من الدرس والتأمل والنقاش، وهي تعامل بتجاهل حتى من الذين يحملون أفكارا وأهدافا تشبه أفكارها وأهدافها.

كما أنها تتعرض حتى يومنا هذا لحملات ضارية يشنها عليها خصومها السابقون من أنصار الفكرين الديني واليساري، والجدد من جماعات التوجهين الديمقراطي والليبرالي. يحدث هذا إما لأن واقعنا يحمل إلى أيامنا الكثير من بصماتها، أو لأنها كانت مشروع النهوض الأكثر أصالة وشمولا وعمقا وجدية الذي عاشه العرب في العصور الحديثة، بعد حقب صعود أنتجها المشروع الإسلامي التأسيسي العظيم، ثم حقب تقدم فتراجع أعقبت ذلك. وما ان جاء العصر الحديث بما حمله من استعمار وتحديات حضارية ومدنية كاسحة، حتى أيقنوا أن لا نجاة لهم بغير مشروع نهوض جديد، فكانت الناصرية هي هذا المشروع، الذي غير حياتهم إلى حد قلب توقفه أو فشله إلى كارثة هزت أركان وجودهم، فلم يبق شيء في واقعهم بعدها كما كان قبلها.

كانت ثورة تموز/ يوليو، كأي مشروع نهوض يستحق اسمه، ثورة مفصلية وشاملة، تواصلت مع عصرها من منطلق استقلالي أتاح لها التفاعل مع مشكلاته ومسائله وفكره دون انغلاق عليه أو استسلام له، ومكنها من إنجاز خطواتها في إطار محدد هو حاضنتها التاريخية الخاصة، التي عرف كيف يترجم كثيرا من مفرداتها بطرق تناسب الزمن الراهن ومتطلباته، فأحدثت حركة إحياء عربي تخطى مصر، بذلت جهدا خارقا للحاق بعصرها دون أن تتخلى عن ذاتيتها أو ترفض الراهن والمستقبلي فيه، ومزجت فكرة العدالة الاجتماعية التي كرسها الإسلام مع فكرة الاشتراكية، التي اعتبرت بديلا تاريخيا حتميا لرأسمالية كونية ظالمة، تسيطر على العالم. ومع أن نقاد التجربة الناصرية عابوا عليها في السنوات الأخيرة أخذها بنموذج في الحكم والممارسة قريب من النموذج الذي كان سائدا في المعسكر السوفييتي، فإنهم تناسوا أمرين مهمين: أولهما أن هذا النموذج كان يبدو ضاربا ومستقبليا، يقدم أدوات وخططا تناسب حاجات الشعوب الفقيرة والمتأخرة، التي لا خيار لديها غير الهلاك بسبب الرأسمالية العالمية ومنتجاتها المحلية أو العمل للنجاة بأي ثمن، بما في ذلك القفز من فوق ضرورات يكبح غيابها هذا العمل، أهمها مسألة الحريات وما يترتب عليها من تنظيمات سياسية واجتماعية وإنجازات فكرية وثقافية. وثانيهما أن الرأسمالية كانت خصما يعني الانخراط في منظومته إضعاف الذات التي تواجهه، مع أن الخلاص منه غايتها وهدفها ومفتاح الاستقلال الوطني والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، فلا يجوز الاستسلام أمامه أو تمكينه من اختراق الثورة، وإلا عاد كاستعمار من الشباك بعد أن طرد من الباب، ووقعت كارثة لا مصلحة لأي فرد أو جماعة فيها، من شأن وقوعها سحق الفرد والجماعة بقسوة أشد من القسوة والعنف، اللذين عرفتهما الحالة الاستعمارية السابقة.

كان خيار الثورة النهوض بالانفكاك عن النظام الرأسمالي من جهة، وانتهاج سبيل الاشتراكية، التي كانت تبدو كخيار إجباري للشعوب الفقيرة والمتأخرة من جهة أخرى. والنهوض، في هذه الحالة، عملية شاملة يراد منها ردم الهوة التي تفصل العالم المتقدم عن العالم المتأخر، تطاول بالضرورة الدولة والمجتمع والمواطن / الفرد، وإلا لن تصل ثمارها إلى هؤلاء، ولن تتم بقدراتهم مجتمعة ومتآلفة، مع إعطاء أولية تحتمها الظروف السائدة للدولة : قاطرة التقدم وضامنة إنجازه، التي تضع خططه وتصوراته، وتتدبر الأموال اللازمة لإنجازه، وتحدد أدوار المساهمين فيه، وتتحمل النتائج المترتبة عليه. بسبب موقف رأس المال العالمي والمحلي من الثورة، مع أنها أعلنت عزمها على إقامة 'رأسمالية وطنية'، ونتيجة لمواقف الرأسمالية العالمية من ثورة جعلت هدفها إخراجها من المجالين الوطني والقومي، وتعبئتهما بحضورها السياسي والاقتصادي والأيديولوجي/الثقافي والعسكري، وبسبب نقص في خبرة القيادة الثورية ووعيها، وقعت بلبلة في أوليات العمل الثوري أدت إلى تركيز شبه حصري على دور الدولة وتلاشى دور المجتمع، الفقير والمتأخر والعاجز عن النهوض بقدراته الخاصة، وتقوض وجود المواطن/الفرد، القانوني والسياسي والتنموي، وتحول إلى مجرد أداة بيد الدولة، فكان تشوه العلاقة بين مكونات الحداثة الثلاثة هذه سببا رئيسيا لما ارتكب من أخطاء وأصاب الواقع في عموميته من انحراف جعله واقعا سلطويا: معاديا أكثر فأكثر للحريات، متوجسا أكثر فأكثر من المجتمع، عاجزا أكثر فأكثر عن السيطرة على أجهزته وكبح تناقضاتها وصراعاتها الداخلية ومجافاة مصالحها ونظراتها لمصالح الثورة ورؤيتها. هذا الحال المأزوم، انكشف خلال حرب عام 1967 وما تلاها من هزيمة واحتلال استنزفا قدرات مصر المادية وقوضا طاقتها الروحية وثقتها بنفسها، بعد أن بدا وكأنها تدار من قيادتين متصارعتين : واحدة علنية يمسك بأعنتها جمال عبد الناصر، تفقد بصورة متزايدة قدرتها على التحكم بالأمور رغم صواب خياراتها وصدق التزامها بمصالح الوطن والشعب وتأييد المجتمع في أغلبيته الساحقة لها. وأخرى خفية، تدفع نحو فشل الناصرية، لعبت دورا مباشرا في هزيمة حزيران/يونيو، وجوفت الوضع وحاصرته وشدته إلى دروب تقوض إمكانية إخراجه من مآزق كاشفة قدر ما هي قاتلة. بعد موت عبد الناصر، بان هذا الواقع على حقيقته، وظهر أن الرجل كان في الحقبة السابقة والتالية للهزيمة مجرد رمز كبير يطفو على سطح النظام، إلا أنه لم يكن ما اعتقده الخلق: اليد التي تمسك بأعنته، والعقل الذي يقرر شؤونه، والإرادة التي تحدد مساره ومصيره. لا عجب أن النظام أسفر عن وجهه الخفي، الحقيقي، بمجرد أن غاب الرجل، بينما افتضح أمر ما كان يسمى 'مراكز القوى' الموالية له، والتي تبين أنها 'مراكز ضعف' لا حول لها ولا طول، تغلب السادات عليها بمجرد أن ألقى يوم 15 أيار/مايو من عام 1971 خطبة أعلن فيها عزلها من مناصبها واعتقال رموزها؛ خطبة لم يقتصر تأثيرها على مصر، وترددت أصداؤها في عدة بلدان عربية، حيث وقعت انقلابات ساداتية أظهرت من جانبها حقيقة السلطة الخفية هناك، وكانت تكتفي بكبح عمل السلطة، فانتقلت إلى حسم ازدواجية السلطة بين 'حاكمين ' تبين أنه لم يكن بيدهم شيء، و'أتباع ' لهم أمسكوا بمفاتيح ومفاصل الأمر القائم وترقبوا لحظة مناسبة لإطاحتهم.

عين الظرف الدولي بصراعاته الكبرى بين الرأسمالية والاشتراكية، والشرط المحلي بطموحه إلى التحرر من سلطان الخارج، وتنمية الداخل في حاضنة تعزز الاستقلال الوطني والدولة السيدة والحرة، إطار العمل العام، دون أن يعين تفاصيل الخيارات أو يفرض عليها طابعا خارجيا : اشتراكيا كان أم رأسماليا. بسبب هذا الوضع، تعرض النظام الناصري إلى قصف مركز انهال عليه من يساره ويمينه، من أنصار الاشتراكية والرأسمالية، وعاش حالة شد وجذب خارجي وداخلي، تضافرت مع تطور داخلي تعارض مع وعوده، فدخل في حقبة من البلبلة والضياع، جعلته لا يرى في أحيان كثيرة حقيقة ما كان يبنيه من نظام: اشتراكي في الظاهر رأسمالي في المضمون، ويدافع عن واقع مجتمعي يحمل قدرا كبيرا مما اسماه أستاذنا ياسين الحافظ 'التأخراكية'، أي نظام اشتراكي منتج للتأخر، وقف على أقدام واهية في مواجهة نظام أراد الحلول محله هو التأخرالية، النظام الذي يذهب إلى التأخر عن طريق الرأسمالية. اعتقد عبد الناصر أن النظام إما أن يكون اشتراكيا أو رأسماليا، فإذا بنظام مصر ينقلب أكثر فأكثر إلى رأسمالية تنتجها سلطة تقيم مجتمعا رأسماليا مافيويا غطته ببهارج كلامية اشتراكية الألفاظ، وعملت لإيهام الشعب بأنه نقله إلى حال تعوضه بالعدالة الاجتماعية عن الحريات. لكن تطور الوضع كشف عن حقيقتين مهمتين، هما:

- أن ما كان يسمى الاشتراكية لم يكن كذلك. وأن ما اعتمد لبلوغه لم يكن الطريق التي توصل إليه أو إلى العدالة الاجتماعية، وأن التضحية بالحريات قوضت الثورة وأهدافها، وهمشت دور الشعب، الذي منحها تأييدا غير مسبوق في التاريخ العربي، كان الاستقواء به سينهي على الأرجح ازدواجية السلطة وسيفتح طريق تقدم حامله المجتمع، وسيغلب كفة قوى التغيير داخل السلطة على التعطيل والرجعة، التي توطدت بمرور الوقت وتعثر التجربة السلطوية، إلى أن كانت لها الكلمة الفصل، بعد غياب الزعيم.

- أن الثورة ليست، ولن تكون إطلاقا، مشروعا قابلا للنجاح، إن انفردت السلطة بحملها أو فرضتها من فوق: بأدواتها ووسائلها المركزية والبيروقراطية. كما أن الرأسمالية العالمية لا تخرج من البلدان المتخلفة بقرار يصدر عن قياداتها، وهي تملك من المفاتيح والقدرات ما يمكنها من اختراق هذه البلدان، فكيف إذا كانت آليات العمل الثوري تجدد النظام القديم في حاضنته الخاصة، وتستعيده وتمكنه من التكيف مع نمط جديد من الرأسمالية، شرقي وسلطوي ومركزي وتابع، لا يشبه في طابعه وآليات اشتغاله نمطها الأوروبي، لكنه أشد قسوة وفسادا من الرأسمالية القديمة، غير السلطوية، التي تم الإجهاز عليها بالتأميم!.

تلاشى النظام الناصري، لكننا نرى اليوم أيضا واقعنا بدلالته، لإيماننا الخفي بأنه كان النظام العربي الوحيد الذي جعلنا رهانه، فجعلناه، بعد الاعتبار بتجربته وأسباب فشله، جزءا من وعدنا الآتي!.

' كاتب وسياسي من سورية

=========================

رحيل المحتل الأميركي..

الافتتاحية

الثلاثاء 3-8-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

a-abboud@scs-net.org

الثورة

لن تستطيع الولايات المتحدة الأميركية أن تفعل للعراق أكثر مما فعلته.. ويكفيها ما فعلته فيه.. وإذ تعلن الدولة المحتلة أنها مقدمة على تخفيف قواتها من العراق إلى 50 ألفاً استعداداً للانسحاب الكامل، فإنها مناسبة طيبة يجب أن نستعجلها لا أن نؤجلها..

هناك من يحاول تصوير العراق على أنه سيكون أمام مأزق عندما تنسحب القوات الأميركية.. هي واحدة من الحالات الفريدة في التاريخ أن يصبح رحيل المحتل نذير شؤم.. وكلما ظهرت مثل هذه الحالة أخفت وراءها مكيدة.‏

ماذا ينقص العراق كي يستلم زمام أموره ويرحب برحيل قوات الاحتلال.. يستلم كامل مقدراته.. بل يبدأ البحث الجدي الموثق الشفاف عن جحيم السنين السبع التي كانت منذ الغزو الأميركي لهذا البلد، الذي عمره بعمر الحضارة الانسانية ،وماجرى له.. ومانهب منه.‏

صحيح تماماً أنه يجب ألا نعوّل على التاريخ و«كنا» وحسب..‏

فنحن نحتاج من يتصدى للمهمة.. مهمة تولي القرار العراقي المستقل..‏

لكن التاريخ.. يقدم لنا أكثر من دليل على أهلية العراقيين لقيادة بلدهم.. ولو كان أن الاحتلال الأميركي قد أضعف بنية العراق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ليضعه في حالة سياسية طابعها الادعاء وخلفيتها أيد تعمل للتفرقة والتخريب.‏

لا أحد يستهين بالتحديات التي يواجهها العراق بعد رحيل القوات الأميركية ..لكن.. من الذي يرى في وضع العراق الراهن الأمن والسلام والحرية والقرار المستقل ووحدة أراضي العراق وأهله؟! يعني بالعربي الفصيح.‏

ماالذي تقوم به اليوم القوات الأميركية كي يشكل رحيلها خطراً طارئاً على العراق..؟!‏

القوات الأميركية في العراق تحمي نفسها، والنهب الأميركي للعراق، وسياسة التجزئة والتقسيم، ولا شيء آخر أبداً..‏

رحيلها بالتأكيد لن يضع العراق على بوابة السلام والأمن والاستقرار والوحدة والاستقلال.. لكنه يقدم خطوة فعلية «أهم وأكبر خطوة» كي يتصدى العراقيون لمهمتهم بإمكاناتهم المتوفرة بالتأكيد إذا ما توافرت النيات .. وأعطيت مصالح العراق الوطن أولوية على مصالح العراق الأقطاب.‏

العراق دولة مشرقية عربية متعددة الأطياف عرفت عبر التاريخ كيف تقيم وحدة شعبها وأرضها وتحميهما من الأخطار.. وهي إلى ذلك ذات صلات وعلاقات قديمة حديثة مع دول الجوار.. فمنذ كان العراق.. كانت سورية وتركيا وإيران وغيرها.. وله في هذه الدول ملاذ حسنٌ. فهو إذ يلجأ إلى إقليمه ومنطقته.. يلجأ إلى مصلحته ومن يفهمون ويقدرون هذه المصلحة..‏

لقد استمرت سورية ومعها بعض الاصوات من دول المنطقة، دول الجوار العراقي.. منذ كان الاحتلال.. بل منذ ظهرت النيات الأميركية العدوانية للغزو.. تكرر الدعوة لوحدة العراق أرضاً وشعباً.. واستقلاله.. وكلما مرّ العراق بفسحة من زمن أظهرت اقتراباً من هذا التوجه، وكانت سورية الداعم الأكيد ودون تردد.‏

واليوم.. سورية كما كانت دائماً.. تريد وحدة العراق واستقلاله وأمنه.. ولها في ذلك كل المصلحة.. دون أن يحتاج لأي برهان. لكن..‏

هي مسؤولية العراقيين التي لم تعد تتحمل طويل التأجيل..‏

فلينهضوا لنجدة بلدهم.. إذ رحيل المحتل يقدم فرصة لذلك على عكس مايحاول البعض أن يصوروا مخاطراً تكمن وراء هذا الرحيل..‏

إنها ساعة فاصلة والعالم يرى وينتظر.. هل نشهد غداً مشهداً سياسياً مختلفاً في العراق.. رداً على الاحتلال وتعاملاً مع قرب رحيله؟!‏

إن كان ذلك.. وهو متاح.. فالمنطقة كلها وليس العراق وحده مقبلة على سد ثغرة كبيرة في مشروع أمن واستقرار المنطقة.‏

نستطيع أن نتفاءل.. نستطيع أن نتشاءم.. لكن لا نستطيع إلا أن نفرح برحيل المحتل.‏

============================

هل يمكن إصلاح ما أفسده الليبراليون الجدد؟

المستقبل - الثلاثاء 3 آب 2010

العدد 3730 - رأي و فكر - صفحة 19

عصام حداد ()

"في صباح الرابع عشر من تموز/ يوليو 1789 لم يكن بوسع أحد أن يتنبأ عمّا سوف يترتب على الهجوم على الباستيل"

جان تزيغلر/ سويسرا

 

وقّع الرئيس اوباما قبل أيام على القانون الذي أجازه أخيراً الكونغرس الأميركي، بعد مجلس النواب، وتضمن منظومة القواعد لإصلاح عمل الأسواق المالية.

وسبق ذلك ان قام وزير الخزانة الأميركي تيموس غايتنر أثناء اجتماعه في برلين مع وزير المالية الالمانية فولفانغ شويبله بمسح الطاولة من كافة المقترحات ذات الصلة والتي كانت موضع تداول في أوروبا. حدث ذلك عشية انعقاد مؤتمرَي تورنتو في كندا في نهاية يونيو 2010 لمجموعة الثمانية وثم لمجموعة العشرين، وهذا ما يفسر الإشارة في البيان الختامي في تورنتو إلى تأجيل البحث في المقترحات المطروحة لاصلاح عمل الأسواق المالية إلى المؤتمر القادم المنوي عقده في نوفمبر 2010 في كوريا الجنوبية.

فريق اوباما لم يكن على استعداد للارتباط بأي قرارات ذات صلة بإصلاح عمل المؤسسات المالية قبل انجازه قانون "دود فرانك بيل" لإصلاح الوول ستريت وحماية المستهلك في البلد الذي انطلقت منه الأزمة المالية العالمية عام 2007. وإذ يخلد هذا القانون رئيسي اللجنة المختصة لصياغة هذا القانون الديموقراطيين كريستوفر دود وبارني فرانك، فهو يضاف إلى سجل منجزات الحزب الديموقراطي الكبيرة (بعد قانون العناية الصحية) رغم تصويت 3 من اعضاء الكونغرس الجمهوريين إلى جانبه.

ورغم كل "التمييع" الذي لحق بهذا القانون في صيغته الأصلية، يبقى في الجوهر دليلاً على انعطاف تاريخي بما يمثله من عودة قوية لحضور الدولة في الرقابة على تنظيم عمل الأسواق المالية ودور البنوك بعد أن سادت هنا سياسة "كف يد الدولة" لمدة ثلاثين عاماً منذ أيام رونالد ريغان ووصلت إلى قمة تطرفها في عهد بوش الابن. وفي هذا التطور الجديد هناك من يريد أن يرى، وعن حق، عودة القرار إلى السلطة السياسية الحاكمة، وفي هذا يكمن الانجاز الكبير الذي حققه فريق اوباما ضد الليبرالية الجديدة واوليغارشية الرأسمال العالمي، وبهذا اعاد للولايات المتحدة دور الريادة في تحديد المسار العالمي على هذا الصعيد.

في أوروبا

تتعثر محاولات الاصلاح رغم مرور ثلاث سنوات على انفجار الأزمة المالية العالمية، ولم تتجاوز حدود التوافق على وضع سقف في نظام المكافآت لكبار المدراء والخبراء في البيوتات المالية، وعبّرت القوى المعارضة للعولمة المتوحشة عن تأييدها لما توافق عليه قادة المانيا وفرنسا وبريطانيا من ضرورة فرض ضريبة على البنوك وان اختلفوا في وجهة استعمالها، في حين تريد فرنسا وبريطانيا استيعابها في موازناتها، تتوجه لالمانيا لوضعها في صندوق خاص لمعالجة احتمالات تعرض أي من المصارف لأزمات لاحقة، وعبّر قادة حركة (ATTAC) عن حماسهم للاقتراح الالماني الفرنسي بفرض رسوم ضريبية على كل التحويلات المالية واعتبرت هذه الخطوة الأكثر تأثيراً لغلق أبواب كازينو المضاربات، بالاضافة إلى ان هكذا ضريبة توفر عائدات ضخمة لخزائن الدول الفارغة، وتساهم في خفض الدين العام فيها وتحرير اقتصادياتها من اوزارها الثقيلة على البرامج الاجتماعية.

الليبرالية الجديدة تقاوم

الحزب الديموقراطي الأميركي اضطر لسحب اقتراح فرض الضريبة على البنوك من مشروع قانون "دود فرانك بيل" ثمناً لموافقة ثلاث سنوات من الجمهوريين في الكونغرس عليه مما سمح بتأمين الأغلبية اللازمة لنجاحه أي 60 صوتاً، وتغدق أوساط الوول ستريت تبرعاتها على الجمهوريين دعماً لهم للانتخابات المقبلة في تشرين الثاني المقبل، في محاولة لتغيير موازين القوى.

وفي أوروبا وعلى وجه الخصوص في المانيا، يضغط اللوبي المالي بكامل قواه على الصعيد الاقتصادي والمالي وكذلك السياسي لعرقلة وتمييع التوجه لفرض الضرائب المشار إليهما، ولا يتورع عن محاولات تفتيت سلطة الحكومة المحافظة الليبرالية ابتزازاً لمنعها من تحقيق ما تراه ضرورياً من الاصلاحات في القطاع المالي لانقاذ مستقبل الاقتصاد الالماني وهو المرتكز الرئيسي للاقتصاد الأوروبي حالياً. وما جرى في مدينة بال (basel) السويسرية من تمييع ما أطلق عليه "بال 3" من خلال تأجيل انطلاق العمل به حتى عام 2018، ورفض ممثلي الجانب الالماني التوقيع على وثائق "بال 3" كان تعبيراً عن مدى قوة تأثير اللوبي المالي.

وجوهر "بال 3" يقوم على تشديد الشروط على عمل البنوك ورأسمالها ويحدد الضرائب عليها لخدمة الانتاج الطبيعي وما تشير إليه تقارير البنك الدولي تقوم لوحة واضحة لقوة الاوليغارشيه المالية العالمية، ففي احدى تقاريره في مطلع هذه السنة أشار إلى أن حجم الأموال التي تتدفق يومياً من مختلف المراكز المالية العالمية يصل إلى ألف مليار دولار، تغير باستمرار هويتها النقدية والقانونية. وفي حين لا يذهب منها سوى 13% في إنتاج القيم والبضائع، فإن 87% ينحصر في اطار المضاربات، ومن هنا يمكن تصور السلطة الهائلة التي تتمتع بها الاوليغارشيه المالية عالمياً. وفي مثال المانيا، حيث يبلغ الدين العام 1,7 ألف مليار يورو تتجمع ثروة نقدية من 46 ألف مليار يورو، كملكية خاصة يمتلك نصفها 1% من المواطنين الالمان، وتكتمل الصورة عبر التذكير بالاحصاءات التي اشارت إلى وجود أغلبية الأثرياء الذي يمتلكون ثروة نقدية في المانيا حيث يبلغ عددهم 860 ألفا ويشكلون مجموع أمثالهم في كل من بريطانيا (448 ألفاً) وفرنسا (383 ألفاً).

أن يقاوم هؤلاء كل ما من شأنه أن يحد من مضاعفة ارباحهم السريعة عبر المضاربات هو ما يلمسه وزير المال الالماني "شوبيله" الذي يصر على إقرار الضريبة على البنوك حتى أيلول المقبل، وهو رجل محافظ مسيحي ديموقراطي (؟!) ويلقى توجهه هذا تأييد كل الأوساط التي تأمل أن يتمكن التوافق الالماني الفرنسي والمدعوم نسبياً من بريطانيا، في تحقيق هذه الخطوات الاصلاحية وقيادة الاتحاد الأوروبي إلى شاطئ الأمان من خلال إنقاذ نادي اليورو والحد من المضابات ضده.

() كاتب لبناني مقيم قي برلين

============================

تعريب الدور السوري في لبنان

غسان الإمام

الشرق الاوسط

3-8-2010

سورية عائدة إلى لبنان! هذا كلام خطير يذكِّر بسلبيات التجربة السورية المرة في هذا البلد الشقيق الصغير. لكن سورية بشار غير سورية الأب. بشار لم يجد ضرورة لإبقاء عسكره هناك. شبكة الخيوط التي أحكم الأب مدها إلى حلفاء وأنصار من كل الطوائف، عَوَّضت الابن عن الوجود العسكري.

بعد المصالحة مع السعودية، انتقلت سورية إلى علاقة جديدة مع لبنان: من شد الخيوط مع الحلفاء. إلى بناء علاقة مؤسسية مع الدولة اللبنانية، ممثلةً بالرئاسة. والحكومة. وبرلمان نبيه بري حليف سورية الأول. علاقة مؤسسية تديرها مهارة الدبلوماسية السورية، بعيدا عن سلبيات الأجهزة الأمنية.

أمن لبنان من أمن سورية. والعكس صحيح. سلوك بشار بعد التشكيل الصعب لحكومة الحريري الابن، أكد للبنانيين رغبة سورية في المحافظة على استقرار لبنان: أمنه. حكومته. الهدنة بين طوائفه. أحزابه. تياراته. العلاقة الشخصية السريعة التي نجح الحريري الابن، في إقامتها مع الأسد الابن، مكَّنت السعودية من الارتقاء بالعلاقة الثنائية مع سورية، من مرحلة المصالحة. إلى مرحلة إدارة مشتركة للأزمة اللبنانية.

الآن، تدخل العلاقة الثنائية مرحلة جديدة: من إدارة الأزمة إلى «محاولة حلها». من المصالحة إلى التفاهم على تجاوز نقاط الاختلاف في التفاصيل، إلى الاتفاق على تجنيب لبنان ردود الفعل الداخلية فيه، على الصراعات الإقليمية والدولية للفوز به.

أكون أكثر صراحة عندما أقول إنه لا بد من الاعتراف بأن التفاهم الثنائي لم يرق، بعد، إلى اتفاق كامل شامل، لتنسيق السياسات والتحالفات السعودية/ السورية في المنطقة. لكن في لبنان بالذات تمكنت السعودية، في هذه المرحلة الصعبة، من استعادة دور النظام العربي المتراجع، أمام الأدوار الإقليمية والدولية (الإيرانية. التركية. الإسرائيلية. الأميركية..).

الصورة هذه المرة لعبت دورا كبيرا في تظهير شفاف وحاسم للدور العربي. يد الرئيس بشار بيد الملك عبد الله أمام العرب والعالم. أين؟ في قصر بعبدا، مقر الشرعية اللبنانية. وإذا شئت القول: في مقر المؤسسة المسيحية السياسية والرسمية المحايدة في الصراعات الطائفية والحزبية، والمتقبلة بترحاب كبير من الرئيس ميشال سليمان للمظلة العربية للبنان.

هذه الصورة ليست مجرد لقطة تذكارية عابرة، لملك جليل ورئيس شاب. إنها وثيقة «تعريب» الدور السوري في لبنان الذي افتقر، قبل وبعد اتفاق الطائف (الذي وضع حدا للحرب الأهلية)، إلى موافقة عربية.

هذا التقريب لم يكن يحدث، لولا موافقة السعودية بالذات. ولولا العلاقة الصادقة التي بناها بشار مع مؤسسات الشرعية اللبنانية، من دون أن يتخلى عن علاقة سورية مع حلفائها وأنصارها. تماما كما لم تتخل السعودية عن أنصارها وحلفائها هناك.

الواقع أن الاتفاق الثنائي لم يكن ممكنا، لارتباط سورية والسعودية العاطفي والسياسي بهؤلاء الأنصار والحلفاء المتهادنين حينا. المتناحرين أحيانا.

ماذا يعني تعريب الدور السوري في لبنان؟ بصراحة أيضا. سورية عائدة لردع أطراف الصراع عن تجاوز «الخطوط الحمر». عائدة لفرض احترام الشرعية الدستورية. للالتزام باتفاقي الطائف والدوحة. للمحافظة على حكومة الوفاق الوطني برئاسة سعد الحريري. لا نزول إلى الشارع. لا اعتصامات مسلحة ب«الأراكيل» تعرقل مجرى القناة الاقتصادية.

التطبيق الميداني للدور السوري المطلوب يعني، أكثر ما يعني، حركة حزب الله الأخيرة، من دون تخلي سورية عن دور الحزب كحركة مقاومة. ومع تفهم سعودي لوجود هذه المقاومة المسلحة (سوريا وإيرانيا)، إلى جانب تعزيز قوة الجيش اللبناني (بعتاد أميركي). كل ذلك كرادع لإسرائيل، يمنع اعتداءاتها واجتياحاتها العشوائية التي روعت هذا البلد العربي الصغير.

من دون التخلي عن حلفها الراهن مع إيران، فسورية لا ترغب في أن تهز حليفتها إيران استقرار لبنان، من خلال استخدام حزب الله ضد الشرعية اللبنانية والديمقراطية التوافقية. بل باتت سورية ضد استخدام إيران للحزب، لتعريض الأمن القومي العربي للخطر، في اشتباك غير متكافئ مع إسرائيل، ينعكس على لبنان دمارا وهلاكا.

البيانات السياسية والإعلامية الصادرة عن الزيارة الثنائية الخاطفة استخدمت تعبيرا ميدانيا جديدا: «رفض استخدام العنف» في لبنان. لا شك أن النصيحة التحذيرية هنا موجهة إلى حزب الله، بعد التهديدات التي أطلقها مرشده وزعيمه، ليس فقط ضد خصومه الذين لجأوا إلى العدالة الدولية، للاقتصاص من قتلة الحريري الأب، وإنما يريد أيضا إلزام الدولة اللبنانية، برفض أي قرار اتهامي للحزب بارتكاب الجريمة، ومنعها من ملاحقتهم والقبض عليهم، لتقديمهم إلى المحكمة!

كسبت سورية مصداقية متجددة لدى اللبنانيين والسعوديين، بعد استبعادها المرجح من الاتهام في قضية الحريري. حتى في ذروة «الاتهام» لها، لم تهدد سورية ب«خربطة» لبنان. كما فعل حسن حزب الله. سورية لم تقبل، كما أظن، بهذا المظهر الجديد لرجل الدين المتسيس: شاشة عملاقة. نظرة تهديدية ماكرة. لسان قادر على حبك رواية شعبوية «مقنعة» للبسطاء ضد المحكمة. ضد الدولة. ضد حكومة الحريري.

هل سورية قادرة على منع الحزب من تجاوز «الخطوط الحمر»؟ سورية قادرة سياسيا، من خلال مصداقيتها الجديدة. ومن خلال تعريب دورها. ميدانيا، سورية لم تعد تملك قوة عسكرية في لبنان. ربما هي قادرة على العودة المؤقتة أمنيا وعسكريا إلى سهل البقاع المجاور، حيث الخزان البشري والطائفي للحزب. بالإضافة إلى أن سورية تملك التأثير على حلفاء الحزب المسيحيين (ميشال عون وسليمان فرنجية) ولدى حلفائه السنة (عمر كرامي). سحبهم من عباءة الحزب يفقده غطاءه الوطني.

«خليك في البيت» لسماع حسن حزب الله اليوم (الثلاثاء). إذا لم يؤجل الظهور على الشاشة. لعله يقدم الرد الإيراني على حركة النظام العربي (السوري/ السعودي) للردع في لبنان. السيد حسن قد تكون لديه معلومات سورية عن استعداد السعودية، لاستخدام نفوذها الدولي لهدهدة «العدالة العمياء» التي قد يهدد قرارها الاتهامي استقرار لبنان وأمنه.

رفض السيد حلا على الطريقة الليبية. بعد التحول السوري، السيد قد يتراجع. قد يقلِّد ليبيا في تقديم «مقرحي» حزبي توجه إليه تهمة الاغتيال، بغير «علم وخبر» من قيادة الحزب. «مقرحي» يعفيه من الملاحقة، فيما يظل المقرحي المريض محرجا لنظام ليبيا، في بقائه على قيد الحياة.

تجنيب حزب الله ويلات الإصبع الدولية الممتدة إليه بالاتهام، يتطلب تغطية أصعب من تغطية أسرار إيران النووية. وإلا، فسيجد حسن حزب الله نفسه مع الرئيس عمر البشير في دائرة اتهام واحدة، فيما يبقى مشعلو حروب العراق. أفغانستان. باكستان، خارج متناول العدالة الدولية!

============================

لبنان.. وجها لوجه مع وجوه الأزمة!

طارق الحميد

tariq@asharqalawsat.com

الشرق الاوسط

3-8-2010

وصلت طائرتنا لمطار بيروت قبل طائرة خادم الحرمين الشريفين، وعلى أثرها انتقلنا فوراً لقصر بعبدا، وما أن دخلنا إلى القاعة المخصصة بالقصر لاستقبال الضيوف، حتى كنا وجهاً لوجه مع وجوه الأزمة السياسية اللبنانية. حضر الجميع في القاعة انتظاراً لوصول خادم الحرمين والرئيس السوري، ومضيفهما الرئيس اللبناني، باستثناء سمير جعجع وحسن نصر الله وأمين الجميل؛ حيث تم الاكتفاء بدعوة أعضاء البرلمان اللبناني، ورؤساء الوزراء السابقين، مما أثار جدالا كبيرا في لبنان.

هي زيارتي الأولى للبنان منذ اغتيال الراحل رفيق الحريري. وكذلك هي المرة الأولى التي ألتقي فيها بعضاً من الوجوه السياسية اللبنانية، وإن كانت العلاقة مع بعضهم محصورة عبر الهاتف، وبالطبع كان اللقاء فرصة أيضاً لرؤية أناس أكن لهم تقديراً واحتراماً كبيرين في لبنان، وبالطبع كانت هناك لقاءات ومصافحات مع أطراف يعتبر التباين السياسي معهم كبيراً، وبعضهم من حزب الله.

وكم كنت أتمنى لو كانت هناك كاميرا ترصد على الهواء اللقاءات الجانبية وما قيل فيها، وكيف أن كثيراً من الساسة اللبنانيين يلتقون ويتمازحون، ويضرب بعضهم بعضاً من تحت الحزام، بكل سهولة، بل وأريحية. فما إن تصافح الأول، ويبادر إلى تعريفك بسياسي لبناني آخر، حتى تجد أن كليهما قد قالا في بعضهما ما قاله مالك في الخمر، ولو كانا من فريق واحد، أو محسوبين على تيار واحد! هناك تسمع شخصية لبنانية معروفة جداً، يقول للسفير الإيراني، وهذا ما سمعته بأذني، «شفت (فلان)؟ كيف رضاك عليه؟»، وحينها نظر إلى أحد الساسة اللبنانيين ضاحكاً وهو يقول «يبدو لك فترة ما زرت لبنان!». وليت كل ما يعلم ويسمع، يقال. لكن للمجالس أماناتها، وللظروف أحكامها.

في القاعة قلت لأحد الأصدقاء تخيل لو أغلقت القاعة على من فيها من الساسة اللبنانيين، وتم نقلهم جميعاً في طائرة إلى مكان بعيد من العالم، فكم سيرتاح لبنان واللبنانيون؟ فرد علي دون أن يكترث، أو حتى يضع عينه في عيني قائلا: «سيخرج مثلهم بعد شهر»، وهمّ مصافحا خصماً له بابتسامة عريضة، ويدين مفتوحتين عانقه بهما!

ملخص ما سمعت ولمست، من الجميع، وبمختلف أطيافهم ورؤاهم، أن خطراً كبيراً يحدق بلبنان، وأن القادم قد يكون أسوأ مما مضى. فحتى أشد المتفائلين من الساسة كان يبدو عليهم القلق من قادم الأيام. كيف لا، وها هو مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله نبيل قاووق يقول: «إن المقاومة تعتبر أن أي اتهام لقادتها وكوادرها هو أحد أشكال العدوان عليها، وهو أشد خطورة من قرار 5 مايو (أيار) 2008، وهي ملتزمة بالدفاع عن إنجازاتها وكرامة مقاوميها إلى آخر حد وحتى النهاية». والمقصود في تصريح قاووق طبعاً هو تذكير اللبنانيين بأنهم سيواجهون نفس مصير انقلاب حزب الله المسلح في بيروت في السابع من مايو 2008، وهذا أمر متوقع بالطبع في حال صدر القرار الظني متهماً حزب الله باغتيال رفيق الحريري.

ودعنا بيروت ولسان الحال يقول: أعان الله لبنان وأهله، فليلهم طويل جداً!

============================

الصهيونية

علي حتر

كنعان - 2 آب (اغسطس) 2010

جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية

ملاحظة:

تقوم جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية في الاردن بتنظيم حلقات تثقيفية حول القضايا العربية والفلسطينية والصهيونية. ولما لهذه الحلقات من اهمية تثقيفية في بناء الوعي الناقد والمعرفة بالعدو الصهيوني، فسوف نقوم بنشر ما نستطيع من هذه الحلقات. "كنعان"

* * *

ليس المهم فقط أن تفهم الطرف الآخر من الصراع الذي تخوضه، كما تُقيّمه أنت، لكن من المهم أن تفهم كيف يفهم الطرف الآخر نفسه، لأنه يخوض الصراع على أساس فهمه لنفسه، الذي تنطلق منه محركاته ودوافعه، لا على أساس ما تعتقده أنت، وإن كان يبني معاركه وخططه للصراع معك، آخذا بالاعتبار فهمك..

ونحن إن كنا نعتبر أن اليهود "ليسوا أمة" بالتعريف الكلاسيكي للأمم، التي يلزمها على الأقل:

- التاريخ المشترك، وهو غير موجود لدى اليهود الذين عاشوا على أراضي الأمم ورفضوا الاندماج فيها

- الأرض المشتركة وهي لم تجمعهم حتى اليوم.. رغم تجمع بعضهم في بلادنا

- اللغة والثقافة المشتركة، وهو ما يحاولون خلقه اليوم لبعض الذين تجمعوا في بلادنا منهم..

- السوق الواحد وهو غير موجود لديهم

لكن مع ذلك، فهم يفهمون أنفسهم أنهم "أمة".. ومن ذلك ينطلقون.. وفهمهم هذا هو التربة التي نمت وتنمو فيها فلسفتهم وقناعاتهم ومشاريعهم..

ولفهمهم وفهم استراتيجياتهم، لا بد من التعامل معهم، ليس على أساس أنهم فعلا أمة، ولكن على أساس أنهم ينطلقون من ذلك، بالإضافة إلى فهمهم لأنفسهم ليس فقط "أنهم أمة" بل "أنهم أمة مميزة عن الآخرين، ولا يمكن أن تقبل التساوي معهم"..

وفهم الصهيونية، ضروري لفهم كل ما يدور في الصراع العربي الأمريكوصهيوني، والصراع اليهودي مع العالم كله..

 

وهذه الورقة، هي محاولة لتبسيط مسألة الصهيونية لتصبح مفهومة لدى الجميع..

 

ميز اليهود أنفسهم في الأماكن التي كانوا يعيشون فيها بطريقة أنتجت بينهم وبين المجتمعات التي عاشوا فيها حالات تنافر مستمر وحالات صراع خفي ومعلن، ترجم عمليا إلى عنف أحيانا، وإلى عزل اجتماعي ومؤامرات متبادلة، وأوجه كثيرة من أوجه التصادم الخفي والمعلن المستمر.

اليهود لا يقبلون الاندماج مع الآخرين، منذ مروا في بلادنا التي جاؤوها قبائل رُحَّلا، وخرجوا منها مشردين كما دخلوا، دون أن يتركوا فيها آثارا مثبتة أو أي نوع من الحضارة.. مع التأكيد على أن خروجهم بعد فترة قصيرة من البلاد حدث منذ أقل من ألفي سنة، وهي مدة غير كافية لإخفاء معالم حضارة لو وجدت، خصوصا في زمن مليء بالأحداث مر على هذه المنطقة..

 

وبسبب:

- رفض اليهود للآخرين من غير اليهود

- وإيمانهم بمقولة شعب الله المختار التي تنتج إحساسا بالتفوق والتميز عن الآخرين

- وشعورهم بالاضطهاد (الذي كان نتاجا طبيعيا لممارساتهم المبنية على قناعاتهم هذه)

- وردود فعل المجتمعات التي عاشوا فيها وميزوا أنفسهم عنها:

كان الغيتو Ghetto

والغيتو هو الحي اليهودي المنعزل عن المجتمع المحيط به.. أي المجتمع اليهودي المصغر الذي كان اليهودي يشعر فيه بالأمان، دون أن يرى نفسه مضطرا للتفاعل مع المجتمع الأكبر، الذي يمثل دولة مشتركة مع الآخرين، وينتج بالتالي حقوقا وواجبات تجاه الذات وتجاه الآخرين. أي أن الغيتو كان يحقق لليهودي القدرة على الانطواء وممارسة حالة اللاانتماء للمجتمع الذي يتبادل معه الاحتقار، وهي حالة كانت متأصلة في اليهودي قبل الصهيونية.. وشرطا من شروط كينونته يهوديا..

 

وتكون في الذهن الأوروبي، مفهوم "شيلوك البندقية"، الذي يعبر عن نظرة الآخرين في أوروبا، لليهودي المرابي الجشع، والذي لا يتوانى عن قطع لحم الإنسان غير اليهودي من أجل بعض المال، حين تحين الفرصة له. (تعطى هنا فكرة عن مسرحية تاجر البندقية لشيكسبير). وما يحدق في مسرحية تاجر البندقية يتكرر في كتابات التلمود التي تسمح لليهودي أن يؤذي الآخرين عندما يكون واثقا من أن فعله لن يسبب الأذى لليهود، أي تحت غطاء القانون كما حدث في "تاجر البندقية".

 

وجاءت بعد ذلك مطاردات محاكم التفتيش في أوروبا، أيام الموت الأسود، حين انتشر الطاعون في أوروبا، ومات الملايين، فاعتقد الأوروبيون أن سببه لعنة حلت عليهم بسبب قبولهم أن يعيش اليهود بينهم، فشنوا على هؤلاء اليهود حملات قتل جماعية. وكان ذلك نتاج التراكمات التي خلفتها مواقف اليهودي الغيتوي ضد هذه من المجتمعات التي سمحت له أن يعيض فيها.

الغيتو Ghetto:

الكلمة تعني بلغة أهل مدينة البندقية (مدينة فينيسيا في إيطاليا)، الخَبَث.

وهي الدليل الحقيقي الأكيد للتنافر بين اليهود ومجتمعاتهم الأوروبية، حيث صاروا يعزلون أنفسهم في أحياء خاصة بهم، تسمى الغيتو، ما زال بعضها قائما حتى اليوم مع اختلاف الجوانب القانونية المتعلقة به.

وكان هناك من يريد أن يتخلص منهم

وكان هناك من يريد أن يستفيد منهم

إنهم حاولوا دائما أن يبقوا كتلة تتعالى على الآخرين،

فنتج ما سمي بالمسألة اليهودية

ونشرت فيها الأبحاث والكتب.

وعكسا لفكرة تشتيتهم القديمة، بدأت فكرة تجميع شراذمهم المنتشرة في العالم، على أرض واحدة، تطفو إلى السطح:

- لدى اليهود أنفسهم.. ليكونوا أمة مواجهة بعد أن سئموا الهروب المستمر في زواريب الغيتوات..

- ولدى الذين يريدون التخلص من اليهود مثل المجتمعات الأوروبية

- ولدى الذين يريدون الاستفادة منهم مثل نابليون وهتلر، ودول وثيقة بانرمان.كامبل وحاليا أمريكا وروسيا..

 

فكانت الصهيونية..

 

الصهيونية هي الحل الذي يشكل امتدادا للغيتو، لكن مع استبداله بدولة..

 

ففي حين كان الغيتو هو الهروب من المواجهة واللجوء إلى الصراع الخفي التآمري مع غير اليهود، من خلال الربا، والسيطرة على الأموال، والهروب إلى حالة اللاانتماء للمجتمع، جاءت الصهيونية لتكون النقلة اليهودية العملية إلى العلن، فتجعل منهم أمة مثل الأمم، فيها انتماء للمجتمع اليهودي، بدل المجتمعات الأوروبية، وقادرة على خوض كل أنواع المواجهة مع الآخرين، سرا وعلنا، في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها. وقادرة على اللعب بالاقتصاد العالمي وابتزازه، كما تفعل مع ألمانيا التي تأخذ منها الأموال الطائلة بحجة ذبح هتلر لليهود، وبالإضافة إلى التآمر الخفي، فهي قادرة على التآمر المحمي بالقوة،

وقد ترجم الانتقال إلى المواجهة عمليا بالخطوات التالية:

- تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية.

- العمل على إنشاء إسرائيل، كدولة لليهود بدل الغيتو،

- العمل على تدجين الصهيونية المسيحية الأمريكية.. لتكون السند القوي الفعلي لهذه الدولة.

 

 وتمكن اليهود فعلا من اختراق وعي ملايين المسيحيين في أمريكا، لتتشكل طوائف المتجددين، والصهاينة المسيحيين، والذين يدعمون اليهود من أجل التواجد في إسرائيل ليتحولوا فيها إلى مسيحيين تمهيدا لعودة المسيح الموجودة في العقيدة المسيحية.. والتي توازيها فكرة مجيء المسيح المخلص في العقيدة اليهودية. (المجيء لأول مرة المتنبأ به في التوراة).

وفي مراحل متأخرة بعد الحرب العالمية الثانية، نشأت فئات أوروبية تشعر بعقدة الذنب تجاه اليهود بعد أن نجح هؤلاء في ترويج الدعاية حول المحرقة المزعومة (الهولوكوست) التي اتهموا الألمان فيها بقتل عدة ملايين منهم.

 

وصارت فكرة تجميع اليهود وتوطينهم في دولة خاصة بهم، تشغل اليهود والمجتمعات الأوروبية فترة طويلة، وكانت الأماكن المقترحة لتلك العملية كثيرة جدا..

 

مواصفات الدولة المطلوبة:

من مواصفات الدولة اليهودية المطلوب إنشاؤها، أنها يجب أن تكون:

1. يهودية خالصة.. لضمان خلوها من الأخطار الداخلية، وهو ما سيظهر في القوانين الإسرائيلية الجديدة التي تجهز للصدور هذه الأيام (2010)، والتي تنص على حلف يمين الولاء للدولة "كدولة يهودية ديموقراطية".. وليس "كدولة فقط"

2. قوية عسكريا.. وأمنيا..

3. قادرة على العمل الخفي لاختراق القيادات في المجتمعات الأخرى

4. قادرة على خوض الصراع الثقافي والإعلامي مع الآخرين، للتمكن من تشويه التاريخ والحقائق ووعي المجتمعات وإرباكها.

5. كذلك يجب أن تكون مضمونة الديمومة.. بالسيطرة على الأرض والماء

6. تملك الأمن الاقتصادي الذي لا يعني فقط القدرة على الصناعة والزراعة، بل يعني ضمان السوق.. والوصول إليه.. وهو ما تسعى له إسرائيل بالقتال من أجل فرض التطبيع بأشكاله على عالمنا العربي..

7. ذات مساحة تكفي لتنفيذ استراتيجياتها وبرامجها المستقبلية:

• الديموغرافية (تجميع أكبر عدد من اليهود في دولة واحدة)

• التمدد فوق مصادر المياه اللازمة (الجولان والليطاني والأغوار والديسي).

• ضمان السيطرة على المصادر اللازمة للحياة مثل الغاز والنفط.. وهو ما يتحقق بالأمور التالية:

- السيطرة المباشرة وهو ما تحاول القيام به اليوم للسيطرة على غاز غزة، وعلى النفط والغاز المكتشفين أمام ساحل لبنان

- السيطرة على الأنظمة والحكومات ومراكز صنع القرار وضمان وجود الحلفاء في الدول العربية وغيرها، التي تنتج مثل هذه المواد، أي الغاز والنفط

• مضمونة الأمن الغذائي، بالزراعة، وهو ما يعني السيطرة على أراضي الجولان والأغوار، ولاحقا سيناء باستصلاح أراضيها.

• مضمونة الأمن العسكري وهو ما يعني الحاجة إلى مناطق عازلة منزوعة السلاح عن الجيوش المحيطة، مثل سيناء والجولان وشرق الأردن، وهو ما يقوله نتنياهو بصراحة في كتابه "مكان تحت الشمس"

8. كما أنها يجب أن تكون ديموقراطية في كل ما يتعلق باليهود.. فقط..

9. ومفتوحة لكل يهود العالم

 

وهذه الصفات كلها ضرورية ما دامت هذه الدولة بديلا للغيتو.. وانتقالا للمواجهة..

وعلى هذه الصفات وانطلاقا منها، يجب أن يتم تقييم أي من الحلول الوهمية المطروحة في المفاوضات والمشاريع الدولية المختلفة..

 

 

مصطلح صهيونية

 

المصطلح له علاقة بالفكرة، لكنه مجرد تسمية، والفكرة تبقى قائمة حتى لو تغير المصطلح..

المفكر والناشط اليهودي ناثان بيرنبام Nathan Birnbaum هو أول من أوجد واستعمل كلمة صهيونية عام 1890م، وهو أسترالي، مولود في فيننا (النمسا) من عائلة يهودية من أوروبا الشرقية، وانتخب أمينا عاما للمنظمة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، لكنه عاد وترك المنظمة عام 1899

 

والصهيونية كمفهوم: هي مسألة حل لمشكلة اليهود في وطن، كما أوضحنا أعلاه، مع إبقائهم يهودا بكل صفات اليهودية التي كانوا يتصفون بها في الغيتو، عدا صفة الانعزال الضعيف، التي أرادوا استبدالها بالانخراط الهجومي، والانعزال المتميز المحمي بالقوة..

 

وبالنسبة لهم فإن أفضل أرض تصلح لتكون لهم وطنا: هي صهيون.. فلسطين. لعلاقة صهيون بالعقيدة.. مع أن العقيدة ليست هي السبب الوحيد لإنشاء الصهيونية أو إنتاج إسرائيل.. بل سنرى أن العقيدة في كثير من الأحيان، غير موجودة بتاتا في فكر كبار قادتها ومفكريها من الذين ساهموا مساهمة رئيسية في إنشاء الكيان الصهيوني.. مثل هرتزل وبن غوريون..

 

 أي أن الصهيونية هي إعادة إنتاج لليهودية ليس بوصفها عقيدة دينية، بل بوصفها تركيبة اجتماعية وفكرية وانعزالية وأنانية، في مشروع وطن قومي لهؤلاء اليهود.. مع كل ما يلزم لتحقيق الغاية، من قوة وعدوان وتمييز وتشتيت وقتل وإبادة للآخرين.. وهو ما يمارسون اليوم.. في بلادنا التي اختاروها وأخذوا بعضها حتى اليوم، ويخططون لأخذ أجزاء أخرى في الوقت الذي يناسبهم..

 

عبر (بن غوريون) غير المؤمن، عن ماهية الصهيونية فقال: "إن الصهيونية تستمد وجودها وحيويتها وقوتها من مصدر عميق عاطفي دائم مستقل عن الزمان والمكان.. وقديم قدم الشعب اليهودي.. هذا المصدر هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة ".. وهو لا يؤمن بالله، مصدر الوعد، أي يؤمن بالوعد دون أن يؤمن بالواعد.. إنها من المسائل الشائكة في فهم اليهودية..

 

ومثلما توفَّر الوطن القومي لجميع الأمم الأخرى، تحاول المخيّلة اليهودية، بالصهيونية، أن تنتج في العقل اليهودي ومنه، فكرة تاريخية عن وطن خاص، فيحققون بذلك:

• برهان ما يقولون عن أنفسهم حول أنهم أمة..

• الحصول على وطن خاص بهم.. غير خاضع مثل الغيتو، لتأثير المجتمعات الأخرى

أهم ما يميز الصهيونية عن الحركات القومية الأخرى، هو أنها تسعى لحل المسألة اليهودية وإيجاد وطن لليهود خارج أوطانهم.. بخلاف الحركات الأخرى التي كانت تسعى للتحرر على أرضها وخلق قومية جمعية تعمل على تأكيد مفهوم أمة لها تاريخها ولغتها وفكرها..

 

الحركة الصهيونية

 

الحركة الصهيونية اعتمدت في مسيرتها أو تكونت على الرابط الديني والقانون الديني اليهودي ووحدة الخبرة اليهودية المشتركة في جميع أنحاء العالم.. وهي خبرة تاريخية غنية بمعنى التمايز والتفرد عن عالم الأغيار.. ويقول اليهود عنها: هذه الخبرة ما هي إلا خبرة أناس عاشوا في عالم الغير دون أن يندمجوا فيه، تآمروا عليه وميزوا أنفسهم فيه وابتزوه حيثما استطاعوا، فتنافر معهم، ورد على تعاليهم ومؤامراتهم بالتصادم الدموي معهم،

ولو قبل اليهود أن يعتبروا أنفسهم كطوائف دينية مثل الطوائف الأخرى.. لاندمجوا في مجتمعاتهم!!

لكنهم أصروا دائما أن يكونوا هؤلاء التوراتيين المختارين فوق الآخرين، والذين يحق لهم أن يقتلوا الإنسان والبهيم، وأن يساوا بين الإنسان غير اليهودي والبهيم، وأن يقلعوا الشجر.. بأوامر إلهية مصنوعة في مخيلتهم..

وفكرة تجميع اليهود في مكان واحد وإنشاء دولة لهم، أو عملية دعم العاملين على إنجاز هذه الفكرة، تسمى صهيونية، عندما تدعو إلى تجميع اليهود في بلادنا، قرب جبل صهيون الملاصق لأسوار القدس

ويعتقد اليهود المؤمنون، أن ألله يسكن في جبل صهيون، كما كتب حاخاماتهم في التوراة، ولهذا يعتبرونه المكان الأفضل، لإقامة كيان لهم هناك، حيث يعملون على أن يتحولوا إلى أمة، ويحولوا بلادنا ومن يستعبدون من شعبنا فيها، إلى وطن قومي ومجال حيوي وخدم لهذه الأمة المصطنعة، في دولة مصطنعة مضمونة الديمومة والقوة..

الأسس النظرية والعقائدية للصهيونية والدولة المراد إنشاؤها (إسرائيل حاليا):

- تاريخ اليهود والثقافة اليهودية والإحساس بالكينونة اليهودية المميزة

- الدين اليهودي..

- اعتبار الدين مع التاريخ اليهودي كافيين لتشكيل أمة يهودية، بغض النظر عن أصول ومنابت مكونات الأمة..

- فكرة شعب الله المختار، وهي الفكرة التي تجعلهم يؤمنون بتميّزهم عن كل شعوب الأرض، التي يسمونها الغوييم، والتي يعتقدون أن الله خلقها لخدمتهم.. وسوف نشرح ذلك بتوسع عند الحديث عن التلمود في محاضرة خاصة.

- فكرة أن الله يسكن في صهيون: (أخبار 16: 9) "رنموا للرب الساكن في صهيون"..

- فكرة أن الشريعة اليهودية تخرج من صهيون « فيعلمنا من طرقه ونسلك فى سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب » ... " ميخا 4 : 2 "

- فكرة أن اليهود الحاليين هم الخلفة الطبيعية لليهود السابقين، حتى لو اختلطت أعراقهم بين بولندي وحبشي ونمساوي وصيني وروسي..

- فكرة أرض الميعاد التي تجعلهم يعتقدون أن الأرض التي اغتصبوا بعضها ويخططون لاغتصاب بعضها الآخر (الذي لم يغتصبوه بعد)، ملْكٌ لهم بفضل وعد إلهي بإعطائها لهم.

- لا بد من التوضيح هنا، أن الأرض المقصودة بالوطن القومي التاريخي ليست فلسطين بمفاهيم سايكس بيكو وما يسمى بحدود 1967، بل هي الأرض التي يُعرِّفها اليهود في التوراة، على أنها تشكل الوطن التاريخي لليهود.. التي تمتد من النيل إلى الفرات، كما يضم التوراة إليها أرض باشان، الواقعة بين السويداء في شمال شرق الجولان وحتى جلعاد من جبال البلقاء.. وتشمل كامل هضبة الجولان.. وهي ترد في أكثر من 62 آية في التوراة على أساس أن الله أعطاها لليهود وليس "وعدهم بها فقط"..

 

لماذا بلادنا

 

هنا لا بد من التنبيه إلى أنه رغم ادعاءات اليهود بانطلاقهم من الدين والعقيدة اليهودية لتحقيق برامجهم، إلا أن معظم قادتهم كانوا ملحدين مثل ثيودور هرتزل مؤسس إسرائيل ودافيد بن غوريون الذي يسمونه مؤسس إسرائيل الحديثة، وسنبين ذلك لاحقا.

 

ولا ترفض أو تناقش فكرة الصهيونية، كل ما ينتج عن إقامة هذا الكيان من جرائم وتنكيل بشعب المنطقة وتفتيت وإضعاف واستعباد ضمن حدود ما يسميه أرض الميعاد، وحدود ما يعتقدون أنه لازم لضمان ديمومتهم وسيطرتهم على الشعب والأرض والمياه وبقية الموارد..

 

الغرب والدولة اليهودية

 

موافقة الغرب الرسمي (أي حكومات الدول الغربية) على إنشاء إسرائيل في بلادنا، عملية سابقة لوعد بلفور..

وهي موافقة أقرتها لجنة بانرمان.كامبل عام 1907، حين قررت سبع دول استعمارية هي بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والبرتغال واسبانيا وإيطاليا، أن مصالحها الاستعمارية في المنطقة تستلزم إقامة دولة غريبة، تمنع شعبها من الوحدة والتطور.. وعرض الصهاينة على هذه الدول إنشاء دولتهم كحل للمشكلة لتكون هي الدولة الغريبة التي ستؤدي الدور، وعلى أساس ذلك، وُكلت بريطانيا بتنفيذ العملية، فكان وعد بلفور.. وكانت "إسرائيل"..

وهذا يعني أن الدعم الغربي لإنشاء الكيان الصهيوني ليس موجها ضد أهلنا في فلسطين فقط، بل ضد أهل المنطقة، وهذا يعني أن أهل المنطقة جميعا مسؤولون عن التصدي له.

 

الصهيونة اليهودية وغير اليهودية

 

الصهيونية اليهودية، هي الصهيونية التي يشكل اليهود عنصرها البشري، الذي يؤمن بما ذُكر أعلاه.

لكن هناك صهيونية غير يهودية، وهي الفكرة التي يعتنقها غير اليهود من كل العقائد والقوميات، بضرورة مساعدة اليهود على تحقيق هدفهم المذكور، لأسباب مختلفة كما وضح سابقا.. ويشكل هؤلاء من غير اليهود عنصرها البشري، من مسيحيين ومسلمين وعرب وغربيين ومن مناطق مختلفة من العالم، إلخ..

 

ولا بد من الإشارة إلى أنه ومنذ البداية، كانت هناك دعوات ومشاريع لتجميع اليهود في بلادنا، مثل دعوة نابليون وبعض الفلاسفة ورجال الدين المسيحي الغربيين في هولندا وبريطانيا وألمانيا.

ولا ننسى أن اليهود أنفسهم، يقولون ويعلمون أطفالهم، في التوراة، مثلا في المزمور 137:(5و6): شلت يميني إن نسيتك يا أورشليم، وليلتصق لساني بسقف حلقي ان لم اذكرك، إن لم افضل اورشليم على اعظم فرحي. رغم أنهم كانوا مجرد عابرين من بلادنا.

هذه الفكرة، توضح ما قاله كثير من اليهود، عن قبولهم المرحلي أحيانا بإنشاء دولة لهم خارج فلسطين، أنه قبول مرحلي تمهيدا للعودة دائما إلى فكرة إقامة الدولة في فلسطين..!! عندما يكون الظرف مناسبا. (وهو ما قاله هرتزل عن الموزامبيق التي أراد أن يأخذها من البرتغال ليقايضها بعد ذلك مع بريطانيا ويأخذ سيناء بدلا عنها

 

فكرة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض

 

حتى يتمكنوا من كسب عطف الكثيرين وتأييدهم، بالإضافة إلى مسألة المصالح والخدمات التي وعدوا الغرب بتقديمها، بالإضافة إلى تشجيع الآخرين بإيجاد مبرر لهم ليوافقوا على إعطاء أرض بور لمن يحتاجها، حين كانوا يعززون فكرة الحصول على فلسطين بالتحديد، بمقولة: إعطاء أرض بلا شعب إلى شعب بلا أرض.

أي أن فلسطين تفتقر إلى السكان، واليهود يفتقرون إلى الأرض، ومن العدل إعطاؤها لهم..

وبعد أن تبين للعالم أن هناك شعبا في البلاد، صار مفكرو الصهاينة يبررون القول السابق، ليبرروا كذبتهم، بالقول إنهم لم يكونوا يقصدون عدم وجود سكان في المنطقة، لكنهم يقصدون عدم وجود أمة متشكلة، تحسن الاستفادة من الأرض المتروكة بلا عمل.. حيث بدؤوا ينشرون فكرة أنه بما أن الفلسطينيين جزء من الأمة العربية التي تحيط يهم وليس لهم دولة، فعليهم أن يندمجوا في هذه الأمة ويعيشوا على أرضها، وبتحلوا عن فلسطين. وهم ينشرون هذه الفكرة حتى اليوم..

 

وفكرة عجز العرب عن الاستفادة من أرضهم ومواردهم، يقولونها اليوم عن لبنان، فهو لا يستطيع في نظرهم الاستفادة من الليطاني ولهذا يجب أن يحولوا هذا النهر ليستفيد اليهود منه في الجليل والأراضي المحتلة!!

 

الاستعمار الإحلالي

 

الاستعمار الذي يتضمن احتلال الأرض عدة أنواع:

• احتلال عسكري مؤقت، تستفيد الدول الاستعمارية فيه من مزايا موقع الدول المغلوبة على أمرها، وتنهب ثروات الدول التي دخلت إليها بقواتها دون أن تحضر معها سكان مدنيين، مثل استعمار البريطانيين للهند

• احتلال عسكري مع الضم الدائم للأرض والشعب مثل خطة فرنسا للجزائر عندما احتلتها واعتبرتها امتدادا لفرنسا من تحت البحر، ومثل احتلال اسبانيا لسبتة ومليلة وتركيا للإسكندرون إلخ..

• احتلال عسكري مع قتل السكان الأصليين أو إبادتهم كما في أمريكا الشمالية وأستراليا

• احتلال مع إقامة مجتمع مشترك بين المحتلين والسكان الأصليين مثل احتلال الإسبان والبرتغاليين لأمريكا اللاتينية

• إحتلال مع استعباد والتمييز ضد السكان الأصليين مثل جنوب إفريقيا قبل إسقاط النظام العنصري فيها.

• احتلال عسكري مع طرد السكان الأصليين والحلول مكانهم، وهو يسمى استعمار إحلالي مثل حالة فلسطين..

 

الفكرة الرئيسية في الصهيونية هي تجميع اليهود في مكان واحد بغض النظر عن هذا المكان..

لكن الأولوية هي في فلسطين..

بعضهم يعتبر اختيار فلسطين مسألة عقائدية، وآخرون يعتبرونها أكثر فعالية في تشجيع اليهود على الهجرة إليها.. والغرب يعتبرها المكان المناسب لتمزيق المنطقة ومنع تطورها ووحدتها..

ولهذا نجد أن المناطق المقترحة من اليهود أنفسهم لإقامة الدولة، تعد بالعشرات..

بعض هذه المقترحات كان يصدر عن أفراد وجهات ضعيفة، فيختفي بسرعة وبعضها كان يصدر عن جهات قوية لكن بدون متابعة،

وبعضها كان يجد متابعة تعطيه أهمية خاصة

 

المناطق التي اقترحت لتجميع اليهود

 

1. مشروع نونيزا فونسيكا عام 1625 لتأسيس مستعمرة يهودية في كوراساو (جزيرة هولندية في البحر الكاريبي بين الأمريكتين)

2. وافق مجلس هولندا على المشروع السابق وتم توطين اليهود في سورينام (شمال البرازيل) القريبة منها في إطار مماثل.

3. عام 1659 منحت شركة الهند الغربية (الفرنسية) تصريحاً لديفيد ناسسي لتأسيس مستعمرة يهودية في كايين (غوايانا الفرنسية، شمال ابرازيل أيضا)

4. عام 1790 اقترح كاتب بولندي توطين اليهود في أوكرانيا.

5. في نهاية القرن الثامن اقترحت اركنساو أو اوريغون غرب أمريكا

6. عام 1797 اقترح اليهودي الأميركي مانويل نوح إقامة دولة في جزيرة ايسلندا

7. عام 1860 دعا فرنسيان إلى بناء دولة يهودية تمتد من السويس إلى أزمير

8. عام 1878 أنشئت "لجنة استعمار قبرص". وحول ذلك كتب هرتزل في يومياته "سنحتشد في قبرص وننطلق منها في يوم من الأيام إلى أرض إسرائيل لكي نستولي عليها عنوة، كما أخذت منا في قديم الزمان".

9. عام 1889 بدأ الممول اليهودي الألماني بول فريدمان اجراءات لتوطين اليهود بالقوة في منطقة مَدْيَن شمال غربي السعودية المتاخمة للعقبة الأردنية

10. عام 1890 اقترحت منطقة من الأرجنتين، مساحتها 2.5 مليون كم مربع.

11. عام 1891 اقترح توطين يهود أوروبا الشرقية في منطقة سهل البقاع اللبناني.

12. عام 1892 أسست الجمعية اليهودية للاستيطان في كندا

13. عام 1893 قاموا بمحاولة لشراء مساحات من الأراضي في منطقة حوران السورية للانطلاق منها.

14. عام أيضا 1893 طلبت "جمعية أحباء صهيون" من السلطان عبد الحميد توطين اليهود شرق الأردن.

15. عام 1902 اقترح هرتزل على وزير المستعمرات البريطاني تشمبرلين إنشاء مستعمرة يهودية في العريش وسيناء. وقال له: "سيكون لإنكلترا عشرة ملايين عميل من أجل عظمتها وسيطرتها".

16. عام 1903 أجرى هرتزل اتصالات مع فرانتز فيليبسون, اليهودي البلجيكي الذي كان يمتلك احتكارات كبيرة في الكونغو، لتأييد فكرة إقامة دولة يهودية في الكونغو (التي كانت محتلة من بلجيكا).

17. عام 1903 و1904 حاول هرتزل إقناع السلطان العثماني باستيطان اليهود في جنوب العراق.

18. عام 1903 اقترحت الحكومة البريطانية مشروع إنشاء مقاطعة صهيونية في شرق كينيا وهو المشروع الذي عرف باسم "مشروع أوغندا".

19. عام 1903 طلب هرتزل من النمسا التوسط لدى البرتغال للسماح بتوطين اليهود في موزامبيق. وكتب هرتزل في مذكراته حول ذلك: "سأعمل كل ما في وسعي للحصول على هذه الأرض الخاملة من الحكومة البرتغالية التي تعاني ضائقة مالية كبيرة... وهذا يهيئ لنا المجال للحصول من الحكومة البريطانية لقاء تنازل لها في ما بعد عن موزامبيق، على شبه جزيرة سيناء بأكملها مع مياه النيل صيفاً وشتاء وربما على قبرص معها. كل هذا في مقابل لا شيء".

20. اقتراح هرتزل على إيطاليا عام 1904 هجرة اليهود نحو طرابلس الغرب ضمن قوانين إيطاليا وأنظمتها.

21. عام 1904 اشترت الجمعية اليهودية للاستيطان أراضي في مقاطعة ريو غراندي سول البرازيلية حيث تم تأسيس مستوطنة مساحتها 93 ألف هكتار.

22. عام 1905 طلب ديفيز تريتش من السلطان العثماني السماح لليهود بالاستيطان في أضنه.

23. ثم حاولوا الحصول على جزيرة رودس اليونانية.

24. عام 1912 اقترحوا على الحكومة البرتغالية توطين اليهود في مستعمرة انغولا

25. عشية صدور وعد بلفور, تقدم طبيب يهودي روسي اسمه رتشتين في الثاني من أيلول 1917 باقتراح إلى فرنسا لإقامة دولة يهودية في الجزء الشمالي من منطقة الخليج العربي تشمل البحرين والاحساء

26. حاولوا إقناع أسترالية بإقامة مستعمرة يهودية تتمتع بالحكم الذاتي في شمال غربي استراليا.

27. وهناك معلومات عن محاولات للاستيطان اليهودي في إكوادور وبيرو وغينيا الجديدة ومدغشقر.

 

الخلاصة

 

الصهيونية فكر يهودي تطبيقي لتجميع اليهود في مكان واحد ليكونوا فيه أقوياء في مواجهة العالم الغربي الذي تعالوا عليه وحاولوا استغلاله بالسيطرة على مراكز الأموال والقرار فيه، فتصادم معهم، لكنهم أقنعوه باستعدادهم أن يخدموه في منطقتنا، فساعدهم لإنشاء دولتهم القوية والمضمونة الديمومة فيها.

وهم من أجل هذا الهدف، ولضمان ديمومتهم، مستعدون لقتل الآخرين وتشريدهم، تحت غطاء وعد إلهي كتبوه لأنفسهم بأنفسهم، بأن يكونوا فوق الأمم وأن يأخذوا أرض الآخرين.

واختيارهم فلسطين مرتبط بقناعات دينية للمؤمنين منهم، أن الله يسكن فيها، وأن شريعتهم صدرت منها وأنه أعطاهم إياها.

والقوة تشكل لديهم الحل، حيث يجب، لأن لا قيمة للآخرين أمام الوعد الإلهي.

وسنبين في الدروس القادمة كيف أن التمسك بالدين هو فقط من أجل تحقيق الأهداف على الأرض، حيث أن معظم قادتهم أعلنوا إلحادهم في أكثر من مناسبة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ