ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 18/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أما آن الأوان لفرنسا أن تعتذر عن جرائمها الاستعمارية؟

محسن الندوي

7/17/2010

القدس العربي

خضعت مجموعة من دول العالم العربي للاستعمار الفرنسي؛ الذي بدأ في اختراق المنطقة المغاربية منذ 1832 من خلال احتلال الجزائر؛ ووصلت السيطرة الاستعمارية ذروتها بعد فرض الحماية على المغرب سنة 1912 .

و نفس الوضع عاشته سوريا في المشرق العربي؛ فقد فرض الانتداب الفرنسي عليها بضوء أخضر من عصبة الأمم المتحدة عام 1922؛ و ذلك بادعاء المساعدة في إنشاء مؤسسات للدولة؛ بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. و خلال فترة الانتداب هذه كانت الدولة الخاضعة للانتداب الفرنسي موحدة؛ تجمع سوريا و لبنان؛ و بعد انتهاء فترة الانتداب في أواخر أربعينيات القرن العشرين؛ نشأ كيانان مستقلان هما الجمهورية السورية والجمهورية اللبنانية.

و قد استمرت الهيمنة الاستعمارية الفرنسية؛ حتى حدود الستينيات من القرن العشرين (بخصوص المغرب العربي)؛ حيث انسحبت فرنسا على وقع مقاومة شرسة؛ سواء في المغرب أو في الجزائر أو في تونس ... لكن هذا الانسحاب لم يكن تاما؛ لأنه كان من جنس الاستقلال المشوه و الناقص الذي قبل به الانتهازيون؛ خدمة لمصالحهم الخاصة؛ و ضدا على مصلحة أوطانهم.

المبحث الاول - الاستعمار الفرنسي للدول المغاربية : مقاربة تاريخية

تعرضت الجزائر للغزو الفرنسي في عام 1830م، ويعود الطمع الفرنسي في الجزائر إلى عهد نابليون، حيث كان يعتبر الجزائر سوقًا خارجية ضرورية لتطوير الصناعة الفرنسية؛ ولذلك قررت فرنسا احتلال الجزائر ولم يبقَ أمامها إلاَّ الذريعة المناسبة للغزو. ووجدت فرنسا ضالتها عندما عجزت الجزائر عن سداد دينها لفرنسا، وحدثت بينهما تجاذبات ثُمَّ منازعات، وفي إحدى هذه المنازعات قام حسين باشا والي الجزائر بضرب القنصل الفرنسي بمروحة كانت في يده، واتخذت فرنسا هذا الحادث التافه مبرِّرًا لاحتلال الجزائر. ومن ثَمَّ فرضت فرنسا الحصار على ميناء الجزائر في شهر يونيو حزيران 1827م والذي استمر حتى عام 1830م، حيث تم اجتياح الجزائر عسكريًّا بقُرابة ستين ألفًا من الجنود الفرنسيين، ودارت معركة غير متكافئة انتهت بتوقيع حسين باشا وثيقة استسلامه. وفي صباح يوم 5 من يوليوتموز 1830م دخلت القوات الفرنسية إلى مدينة الجزائر، وقد استغرق إخضاع كافَّة المدن الجزائرية أربعين عامًا كاملة؛ بسبب مقاومة الشعب الجزائري الباسلة.

وقد هبَّ المغرب لنصرة الجزائر بعد وقوعها في براثن الاحتلال الفرنسي، وقد كانت الدولة المغربية في هذه الفترة وحتى منتصف القرن التاسع عشر دولة قوية ومُهابة، وذلك على الرغم من عدم تمكُّنها من تخليص مدينتيها سبتة ومليلة من يد الاحتلال الإسباني، فإنَّ الدولة المغربية هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تنضوِ تحت راية الخلافة العثمانية، ورغم ذلك استمر المغرب في مساندة المقاومة الجزائرية بعد أن عجز الجيش العثماني عن حمايتها.

وبالطبع لم تكن المساعدات المغربية خافية عن المستعمر الفرنسي الذي اقتنص هذه الفرصة وكشف عن أغراضه الاستعمارية تجاه المغرب، فأقدمت فرنسا على التعجيل بغزو المغرب بحجة إيقاف الإمدادات التي تصل منها إلى الجزائريين فتعينهم على التمرد والمقاومة. وبالفعل استطاع الجيش الفرنسي أن يضع قدمه في المغرب بعد انتصاره على جيشه في معركة وادي إيسلي في 14 من أغسطس 1844م، وأُرغمت المغرب على الدخول في معاهدة حماية مع فرنسا.

 

المبحث الثاني- انتهاكات فرنسا لحقوق الانسان المغاربي في الحقبة الاستعمارية :

المطلب الاول - تصريحات القادة الفرنسيين المحرّضة على انتهاكات حقوق الانسان ابان الاستعمار:

لقد ارتكبت المجازر والمذابح الجماعية في حق شعوب مدنية كل ذنبها أنها رفضت وجود الأجنبي على أرضها فكان ذلك فمنذ السنة الأولى للاحتلال بالجزائر أي منذ 1830 ، جاء في تقرير اللجنة الإفريقية عام 1833 إلى الحكومة الفرنسية التي كانت كلفتها بالتحقيق في الجرائم ما يلي:

"هذه هي طريقتنا في الحرب ضد العرب.. قتل الرجال وأخذ النساء و الأطفال ووضعهم في بواخر ونفيهم إلى جزر الماركيز البولينيزية باختصار: القضاء على كل من يرفض الركوع تحت أقدامنا كالكلاب، لقد أحصينا القتلى من النساء والأطفال فوجدناهم ألفين وثلاثمائة، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب بسيط هو أننا لم نكن نترك جرحاهم على قيد الحياة" الضابط الفرنسي مونتايناك :"لقد حطّمنا ممتلكات المؤسسات الدينية وجردنا السكان الذين وعدناهم بالاحترام.. وأخذنا الممتلكات الخاصة بدون تعويض .. وذبحنا أناسا كانوا يحملون عهد الآمان .. وحاكمنا رجالا يتمتعون بسمعة القديسين في بلادهم.. لأنهم كانوا شجعانا."

المطلب الثاني - جرائم فرنسا متعددة نذكر منها :

اولا- عمليات الإبادة الجماعية:

لقد كان الضباط الفرنسيون يعملون ما في وسعهم للقضاء على شعوب بأكملها بالبلدان المغاربية المستعمرة، وخاصة بالجزائر ومحو شخصيتهم الوطنية وهويتهم العربية والاسلامية ، وهذا بإراقة دم السكان الأبرياء العزل وتنظيم حملات إبادة جماعية تقشعر الأبدان لفظاعتها ويصعب على العقل البشري تصورها، وهذه بعض العينات و النماذج الدالة على ذلك:

في 26 نوفمبر تشرين الثاني من عام 1830 نظمت الحامية الفرنسية في مدينة البليدة بالجزائر مذبحة رهيبة ضد السكان العزل، لم يرحم فيها شيخ مسن ولا عجوز ولا امرأة ولا حتى الأطفال الرضع. لقد تفنن الضابط ترولير قائد الحامية في تنظيم هذه المذبحة بحيث حول المدينة إلى مقبرة في بضع ساعات ، إذ امتلأت الشوارع بجثث القتلى الذين يجهل عددهم . لقد وقعت هذه الجريمة على إثر الهجوم الذي نظمه المقاومون ضد الحامية الفرنسية بالمدينة، وبعد انسحاب هؤلاء قامت القوات الفرنسية بالانتقام من السكان العزل.

وقد بلغ عدد القتلى في مدينة سطيف الجزائرية في مايو ايار 1945م ما يقرب الأربعين ألفاً.

ويشنع الكونت هيريسيون على هذه القبائح التي لا مبرر لها فيقول : " فظائع لا مثيل لها، أوامر الشنق تصدر من نفوس كالصخر يقوم بتنفيذها جلادون قلوبهم كالحجر.. في أناس مساكين جُلُّ ذنبهم أنهم لايستطيعون إرشادنا إلى ما نطلب إليهم أن يرشدونا إليه ".

وقد تفنن المستعمرون في طرق إبادة هذه الشعوب، ومما أبدعوه في هذا الباب طريقة يسمونها "جهنم" حيث يتبع الجنود الهاربين من النساء والأطفال والرجال إلى الكهوف فيشعلون عند باب الكهف ناراً عظيمة، فيموت من بداخله حرقاً أو خنقاً ".

ويعترف الرائد مونتانياك الذي كان يقود الجيش الفرنسي الاستعماري بنواحي سكيكدة عام 1843 بجريمة قطع رؤوس العرب، لاعتقاده أن العرب بدءا من خمسة عشر سنة يجب أن يقتلوا ، وباعتبار آخر:" يجب أن نبيد كل من يرفض الزحف كالكلاب عند أرجلنا..." كما اشتهر هذا القائد العسكري بممارسة التقتيل ضد المدنيين حتى أثناء توقف المقاومة المسلحة، ويفضل تقطيع الرؤوس بدلا من الإيداع في السجن، واستراتيجيته المفضلة كانت حرب الإبادة وتقتيل السكان الأصليين دون أدنى اعتبار لجنسهم.

وفي هذا الصدد كتب مونتانياك لأحد أصدقائه :" تطلب مني ماذا كنا نفعل بالنساء، كنا نحتفظ ببعضهن كرهائن، بينما كنا نقايض أخريات بأحصنة وبيع ما تبقى منهن في المزاد العلني كقطيع غنم ، ويقول في موضع آخر:" هذه هي طريقتنا في الحرب ضد العرب يا صديقي.. قتل الرجال وأخذ النساء و الأطفال ووضعهم في بواخر ونفيهم إلى جزر الماركيز البولينيزية باختصار : القضاء على كل من يرفض الركوع تحت أقدامنا كالكلاب".

ثانيا- الخضوع والاستعباد من اجل مصالح فرنسا :

والتي يلخصها قادة فرنسا المستبدين بما يلي "يستطيع العرب أن يثوروا, لكن سوف يتم إدماجهم.. السكان المحليون يجب أن يوضعوا أمام الخيار الضيق وهو إما أن يندمجوا أو يختفوا" .أما في المغرب, وحيث التركيز على البعد العسكري فقط, فإن التأريخ الرسمي لعهد الحماية المغربية بدأ سنة 1912 بالتوقيع على معاهدة فاس بين فرنسا والسلطان ، فيما كان الغزو الفرنسي العسكري على الأرض قد بدأ عام 1907, ولم ينته عملياً إلا باستقلال المغرب كلياً عام 1956. وخلال فترة الاستعمار الأولى 1912 إلى 1934 عملت فرنسا على انخراط المغاربة في جيشها الإمبراطوري الذي خاض الحرب العالمية الأولى, وزادت نسبة المغاربة في الجيش وأعداد قتلاهم بشكل كبير في حقبة ما بعد الحرب ووصولاً إلى مرحلة الحرب العالمية الثانية. إن نسبة الفرنسيين في الفرق المتمركزة في المغرب, أو التي خاضت المعارك انطلاقاً من المغرب انخفضت بعد الحرب الأولى إلى ما يقارب 40% فقط، في حين كان البقية من المغاربة. فالجيش الفرنسي مثلاً في الحربين العالميتين كانت معظم قطاعاته المنطلقة من أفريقيا مشكلة من جنود أفارقة سود تحت قيادة الضباط الفرنسيين للدفاع عن "مصالح فرنسا الإمبراطورية" ومحمياتها الأفريقية.وكان من الآثار بالغة التدمير لتلك السياسة هو شحن العلاقات الشعبية بين المحميات الأفريقية بالتوتر والكراهية بسبب استخدام قطاعات عسكرية مكونة من شعب أفريقي معين لاحتلال أو قمع شعب أفريقي آخر. مثلاً استُخدِم السنغاليون في الحرب ضد الجزائر والمغرب, وهكذا, بما كان يوفر استراتيجية تفريق إقليمي تضمن عدم بروز أي روح كفاحية جماعية ضد القوة المستعمِرة نفسها, وتحويل العداء إلى ما بين الشعوب الخاضعة للقوة المستعمرة للدفاع عنها وعن محميتها المغربية".

ثالثا- تجويع الناس وافقارهم :

لقد وظف المستعمر الفرنسي المستبد أبناء جلدته في مؤسسات الدول المغاربية المستعمرَة، وأقصى أهل البلاد الأصليين ، ومن ذلك أن فرنسا وظفت في الجزائر في الدوائر العقارية 200 موظف منهم ثمانية فقط من الجزائريين، فيما لم يبلغ عدد المغاربة في وزارة الشؤون الإجتماعية في المغرب سوى أربعة من الحُجَّاب فيما قارب الفرنسيون المائتين والخمسين.

وقد كان العمال في صفاقص بتونس من عمال شركة الفوسفات الفرنسية يسكنون بمعدل 10 عمال في كل كوخ، فيما تحدثت الصحف الفرنسية عن مدينة التنك ( مراكش ) حيث يسكن 200000 من العمال وعائلاتهم في بيوت أو أكواخ من التنك أو الخشب الذي يلتقطونه من مخلفات الشحن، وقد تحدثت إحدى الصحف الفرنسية عن القسوة البالغة التي يعيشها العمال المغاربة وعائلاتهم في هذه البيوت من غير توفر أي إجراءات تضمن صحتهم وسلامتهم.

ونتيجة لضعف رواتب العمال في مراكش وانتشار الفقر بأبشع صوره كتب أحد أطباء وادي الداد في جنوب مراكش: " إن الأطفال في هذه البلاد يأكلون التراب. لماذا ؟ أذلك من الفقر أو الجوع أم أنها عادة مجهولة المنشأ ؟ لا أستطيع أن أقول شيئاً، ولكن هذا الواقع ماثل هنا. إن الأطفال يأكلون التراب ويصابون بالأمراض الخطيرة : فقر الدم وتضخم الطحال.. ".

ورغم الاستغلال الواسع للموارد الطبيعية والقوى البشرية فإن المستعمر لم يقدم أبسط الخدمات الإنسانية وهي الصحة والتعليم ففي الجزائر التي اعتبرتها فرنسا جزءً منها لم يستطع سوى 12% من أطفال الجزائر ممارسة عملية التعلم، وانخفضت النسبة في مراكش إلى 10%، وفي أفريقيا الغربية إلى 7.6 %، وفي تشاد إلى 4.7%، فيما ارتفعت في أفريقيا السوداء إلى 18% من أطفال تلك البلاد.

ويخلص هنري كلود إلى أن نسبة التعليم في المستعمرات الفرنسية جملة لا يتجاوز 9 % من أطفال المستعمرات الفرنسية.

وأما الخدمات الصحية فجرى تأمينها في المناطق التي ينتشر فيها الفرنسيون فيما كان لكل 10000 جزائري طبيب واحد، وتصل هذه النسبة في الأقاليم الجنوبية للجزائر إلى 30000/1، وفي مراكش 45000/1 فيما لكل 50000 شخص في غينيا طبيب واحد.

رابعا- جرائم فرنسا النووية في شمال افرقيا:

في 13 فبراير شباط من سنة 1960م نفذت فرنسا تفجيرا نوويا (عملية اليربوع الأزرق)في منطقة (رفان) في أقصى جنوب غرب الصحراء الجزائرية ، بلغت قوته ستون(60)كيلو طن ، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف قوة القنبلة التي ألقت بها الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما في عام 1945م. هذه القنبلة تلتها قنبلة (اليربوع الأبيض) ثم (اليربوع الأحمر) حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي . و في الأخير اختتمت فرنسا جرائمها بالقنبلة الرابعة و الأخيرة التي سميت (اليربوع الأخضر). و قد طالت هذه الجرائم فترة ما بعد الاستقلال ، حيث نفذت فرنسا ما بين 1960-1966م أكثر من عشرين تفجيرا نوويا على الأراضي الجزائرية ؛ و ما يزيد عن أربعين تجربة نووية ، مما أدى إلى تلوث المنطقة برمتها في محيط مائة وخمسين كلم من موقع الانفجار .

و هنا تجدر الإشارة إلى أن جزر بولينيزيا الاستوائية الموجودة في قلب المحيط الهادي ، قد عاشت نفس التجارب النووية مع فرنسا .

و قد استهدفت فرنسا الجار الغربي للجزائر ، أي المغرب ، بدءا بضرب أسوار مدينة طنجة بسلاح المدفعية في السادس من غشت آب 1844م بقيادة (دو جوانفيل). و في الحادي عشر من غشت 1844م ضربت وحدات الأسطول الفرنسي مرسى الصويرة . و في الرابع عشر من غشت آب اندلعت معركة إسلي ؛ ليوقع المغرب بعدها معاهدات أفقدته هامشا كبيرا من سيادته.

لا ننسى أن فرنسا تحالفت مع إسبانيا في مواجهة المقاومة الريفية الباسلة بسلاح الغازات السامة المحظورة دوليا بموجب معاهدة فرساي و مواثيق جنيف و الجمعية العامة للأمم المتحدة ، و ذلك بعد فشل إسبانيا في إحراز أي انتصار ضد بطل الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي . و تؤكد الكاتبة الإسبانية ماريا روسا دي مادارياغا تورط فرنسا في حرب الغازات السامة إلى جانب إسبانيا ، من خلال رسالة القايد حدو بن حمو إلى امحمد ، أخ عبد الكريم الخطابي ، المؤرخة في 24 يونيو حزيران 1922م( وجدت في أرشيف الوزير الفرنسي المكلف بالشؤون الخارجية في المغرب ، المجلد 518 ) أخبره فيها بأن باخرة فرنسية وصلت في السادس عشر من الشهر المذكور إلى مليلية محملة ب 99 قنطارا من الغازات ، دون تحديد نوعها ؛ فأخبره بأنه قد تم إرسال ثلاثمائة جندي إلى فرنسا ليتدربوا في مصنع على كيفية تركيب و استعمال الغازات السامة خلال الحرب.(مغاربة في خدمة فرانكو) .

هذا، وقد كشف برينو باريلو باحث في التاريخ الفرنسي متخصص في التجارب النووية الفرنسية في ندوة تاريخية عقدت بالعاصمة الجزائر ، أن فرنسا استخدمت 42ألف جزائري ك" فئران تجارب" في تفجير أولى قنابلها النووية بصحراء رقان في أقصى الجنوب الجزائري ، الأولى كانت بتاريخ 13أكتوبر/تشرين الأول 1960و الثانية تم تفجيرها في 27ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه . وأشار باريلو الى إنّ معظم الصحراء الجزائرية متضررة من الاشعاعات النووية المنتشرة عبر الرياح، ويبقى سكان تلك المناطق مهددين بما تفرزه شظايا البلوتونيوم، موضحا إنّ اتفاقية إيفيان التي وقعتها فرنسا مع جبهة التحرير الجزائرية والتي كانت مقدمة لاستقلال البلاد فيما بعد، نصت على استكمال الطرف الفرنسي لتجاربه النووية في الصحراء الجزائرية، مضيفا انّ فرنسا أجرت 210تجارب نووية بين 1960و1996، وتعدّ بذلك ثالث قوة نووية بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي البائد..

المبحث الثالث – فرنسا اليوم والحنين الى الاستعمار العنصري:

اولا – فرنسا اليوم :" الذئب ارتدى لباس الحمل "

بمناسبة احتفال فرنسا بعيدها الوطني الذي يخلّد في 14 يوليوز تموز كل عام، تظاهر مئات الأشخاص يوم الثلاثاء 13 يوليوز تموز 2010 في باريس رافعين لافتات تطالب فرنسا بإنهاء ما أسموه علاقات التبعية التي تربطها بمستعمراتها السابقة في أفريقيا. وردد المشاركون في المسيرة هتافات تندد بدعوة الرئيس نيكولا ساركوزي لقادة 13 بلدا أفريقيا للمشاركة في احتفال فرنسا اليوم بعيدها الوطني .واعتبر المتظاهرون أن الهدف من تلك الخطوة هو "تأكيد ولاء" تلك البلدان لباريس، في الوقت الذي تحل فيه الذكرى الخمسون لاستقلال 14 مستعمرة فرنسية سابقة في أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء.وردد المحتجون عبر مكبرات الصوت هتافات تندد بما أسموه "الاستعمار الجديد" الذي تمارسه فرنسا في البلدان الأفريقية التي كانت تخضع لحكمها المباشر.وقالت القيادية في الحزب الجديد المناوئ للرأسمالية، جيزيل فيلهاندلير إن المشاركين جاؤوا للتعبير "عن استنكارهم لمحاولة الذئب ارتداء لبوس الحمل"، مشيرة إلى أن السلطات الفرنسية تسعى إلى "استغفال الأفارقة واللعب على ذاكرتهم التاريخية حينما تدعوهم للاحتفال في العاصمة الاستعمارية السابقة بتحررهم النسبي من نير الاحتلال عام 1960".وأضافت السياسية اليسارية أن المتظاهرين يريدون إيصال رسالة إلى قادة فرنسا، مفادها أنه "يجب على باريس إنهاء علاقات التبعية التي تربطها بالمستعمرات السابقة وإلغاء ديونها على تلك البلدان وإغلاق قواعدها ومراكزها العسكرية في أفريقيا التي تضم حوالي 8000 جندي".ونددت فيلهاندلير بما وصفته بتواطؤ الحكومات الفرنسية المتعاقبة، منذ 1958 مع الأنظمة الاستبدادية والانقلابية في القارة الأفريقية، واعتبرت أن ذلك النهج السياسي أدى إلى "نهب موارد البلدان الأفريقية من كبريات الشركات الفرنسية والحكام المحليين الفاسدين وإبقاء الأغلبية الكاسحة من سكان تلك البلدان في حالة من الفقر المدقع والجهل المطبق".

ثانيا - فرنسا تمجّد الحقبة الاستعمارية الاجرامية قانونا وتشريعا:

أقر البرلمان الفرنسي قانونا سمّي بقانون العار قانون 23 فبراير2005 ، القانون الذي مجّد الأعمال الشنيعة التي قام بها الاستعمار الفرنسي في مستعمراته المختلفة عبر العالم نظرا لما يحتويه من تضليل للحقائق وتشويه وتحريف للتاريخ ونظرا لإهانته لذاكرة الشعوب وتاريخها.

ينص هذا القانون في مادته الأولى على ما يلي: «تعبر (الأمة الفرنسية) عن عرفانها للنساء والرجال الذين شاركوا في المهمة التي أنجزتها فرنسا في مقاطعاتها السابقة بالجزائر، المغرب، تونس والهند الصينية وفي كل البلدان التي كانت تحت السيادة الفرنسية. وتعترف (الأمة الفرنسية) بالآلام التي كابدها والتضحيات التي بذلها المرحلون الأعضاء السابقون في التشكيلات الإضافية والمدمجون، المفقودون والضحايا المدنيون والعسكريون خلال الأحداث المتعلقة بمسار استقلال هذه المقاطعات والأقاليم السابقة وتعرب لهم ولعائلاتهم بصورة علنية عن عرفانها...».

ان القانون رقم 158-2005 ل 23 فبراير شباط 2005 المتعلق بعرفان الأمة وبالمساهمة الوطنية لفائدة الفرنسيين المرحلين أهمل وأغفل جملة وتفصيلا الطرف الآخر، أو بالأحرى الوجه الأسود للاستعمار الفرنسي والممارسات اللاإنسانية والجرائم والنهب والسرقة والتنكيل والتعذيب والتجهيل وطمس الهوية ومحو الشخصية والتاريخ والدين.

كما نص القانون على إدخال مقررات وبرامج دراسية جديدة تبرز الإيجابيات الحضارية للحقبة الاستعمارية!. وليس من قبيل الصدف أيضا أن تقرر السلطات الفرنسية إقامة نصب تذكاري بمقبرة «مارينيان» بجنوب فرنسا تخليدا وتمجيدا لأعضاء سابقين في منظمة الجيش السري التي اغتالت وقتلت عشرات الآلاف من الجزائريين.

والتساؤل الذي يلح في الطرح هو : كيف تصادق فرنسا على قانون يمجّد الاستعمار والأعمال الوحشية في عصر العولمة ومجتمع المعرفة والمجتمع الرقمي، في عصر حقوق الإنسان والعدالة والمساواة والحوار بين الشعوب والأمم والحضارات والديانات!

يبدو أن بلد «الحرية العدالة المساواة» حنّ إلى القرنين الثامن والتاسع عشر ليعود من النافذة ويعود ويذّكر الإنسانية جمعاء بأعمال يخجل منها أي إنسان في العالم ينعم بعقل سليم وبقيم إنسانية.

ان قانون 23 فبراير 2005 يعتبر بكل المقاييس قانون عنصري، يزّيف ويحرّف التاريخ والذاكرة الإنسانية كما يعتبر تدخلاً سافراً في شؤون المستعمرات السابقة لفرنسا.

ثالثا- فرنسا اليوم دولة الاستعلاء بامتياز:

في محطّة جولته المغاربية في الجزائر بعد فوزه مباشرة، أعاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تأكيد موقف الإدارات الفرنسية من الجرائم والارتكابات التي مارستها إدارات الحرب الاستعمارية ضدّ الشعب الجزائري، في الإقرار بما حدث ولكن من دون الاعتراف بالمسؤولية وما يترتّب عليها. وفي لقاءاته وتصريحاته الصحافية، أصرّ ساركوزي على القول «انسوا التاريخ والثورة والجرائم وتعالوا نتحدّث في الأمور التي تهمّ بلدينا في الوقت الحاضر كأمور النفط والغاز والبزنس»!.

أما في محطّته الإفريقية في 2007 فقد أغضب الرئيس الفرنسي الأفارقة حين قال «إن الأفارقة لا تاريخ لهم»، وذلك في خطبة ألقاها في العاصمة السنغالية داكار، ذكر فيها «أن مأساة إفريقيا تكمن في أن الرجل الإفريقي لم يدخل كلياً إلى التاريخ، والأفارقة لم يقحموا أنفسهم حقيقة في المستقبل»!. ودفع هذا الكلام المؤرخة أدام با كوناري وهي زوجة الرئيس المالي السابق والأمين العام للاتحاد الإفريقي ألفا عمر كوناري إلى حضّ الأكاديميّين الأفارقة إلى كتابة تاريخ القارة، ليكون ذلك بمثابة ردّ على الرئيس الفرنسي. وقالت باكوناري إن تلك التأكيدات الساركوزية مبنية على كليشيهات وعلى نظريات «أوكليدية» حول إفريقيا وعلى تصور استعماري، وهي تقول «إن إفريقيا لا تاريخ لها»

رابعا- فرنسا اليوم : من الاستعمار العسكري الى الاستعمار الثقافي الفرنكفوني الجديد

ان مصطلح الفرنكوفونية، قد قام الجغرافي الفرنسي أونيزيم ركلوس Onesume Reclus باشتقاقه عام 1871م، وهو مكون من مقطعين: فرنكو (من فرنسا) وفوني (من صوت)، ونادراً ما تصادف هذا المصطلح قبل عام 1930م رغم اشتقاقه عام 1871م، إلا أنه أخذ في الانتشار منذ عام 1960م، وقد تم انتشاره عام 1962م عندما بدأت فرنسا إحياء النزعة الأدبية الإفريقية لبعض حكامها كليوبولد سنغور (السنغال) ، أو وهاماني ديوري (النيجر) ، أو الحبيب بورقيبة (تونس) ، أو بعض الحكام الآسيويين كالزعيم سيرمانوك؛ إذ أفردت مجلة إسبري Esprit عدداً خاصاً عن اللغة الفرنسية والمتحدثين بها وآدابهم، وانطلقت الكلمة.

يصف الكاتب المصري محمد حسنين هيكل الفرانكفونية بأنها "تيار غريب طارئ"، فيقول "وأخيراً وفجأة ظهر على ساحة المنطقة مشروع طارئ باسم الفرانكفونية، وهو مشروع منظمة غريبة لا تعبر بالنسبة إلى الأمة عن هوية، ولا أمن ولا مصلحة، ولا أمل، بل قامت على إنشائه الدولة الفرنسية بسلطتها، وتوجهه الدولة الفرنسية بأدواتها، وتديره الدولة الفرنسية بأجهزتها".

وقد اعتمدت فرنسا؛ في استعمارها الفرنكفوني الجديد على النخبة السياسية و الثقافية في البلاد التي استعمرتها مثل المغرب والجزائر وتونس ؛ لذلك كانت هذه النخبة أول حاضن لهذه الطموحات الاستعمارية؛ و أول مروج لها؛ و ذلك تحت يافطة الانفتاح اللغوي؛ و التبادل الثقافي؛ و ترويج قيم الحداثة .. والهدف طبعا الذي لا يخفى على احد، هو اقصاء اللغة العربية، عن طريق استبدالها تارة باللغة الفرنسية وتارة اخرى باللهجات المحلية وبالتالي محاولة طمس الهوية العربية والاسلامية لشعوب هذه البلدان وهو الامر الذي لم يحصل ولن يحصل ابدا.

والتساؤل الذي يطرح نفسه هو متى ستعتذر فرنسا لشعوب المنطقة عن فظائع حقبتها الاستعمارية ؟

باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية – المغرب

=================

من باكستان إلى إيران : قتل أعمى يستحق الإدانة

ياسر الزعاترة

الدستور

7/17/2010

من أي فقه ينهل هؤلاء الذين يقتلون الناس بالجملة هنا وهناك؟ وكيف لا ينظرون إلى دين الله الذي يشوهونه ويسيئون إليه ، بينما يدّعون نصرته ، وكيف لا ينظرون إلى هذه الأمة التي يزعمون نصرتها بينما يثيرون فيها أسوأ النعرات؟،

 

من باكستان إلى أوغندا إلى إيران وقبل ذلك العراق والصومال ، مسلسل قتل أعمى يلبس ثوب الإسلام والإسلام منه براء. نعم الإسلام منه براء ، لأنه دين يعلي شأن الإنسان ، وأذّن قرآنه في البشر إلى يوم الدين أنه "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". والنفس هنا ليست النفس المسلمة وحدها ، ولكن النفس الإنسانية التي لا يجوز قتلها إلا بالحق الواضح الذي لا لبس فيه.

 

الذين يدافعون عن هذا اللون من القتل الأعمى ، هم أقوام بلا عقل ولا ضمير (جهلة في أقل تقدير) ، فضلا عن أولئك الذين يمارسونه ، ومن العبث أن يعتقد مسلم أنه سيذهب إلى الجنة حين يقتل أناسا أبرياء يشاهدون مباراة لكرة القدم ، أو حين يفجر نفسه في مسجد أو حسينية أو حتى سوق شعبي.

 

نتذكر ذلك كله بمناسبة التفجير الذي وقع في مسجد زاهدان ، وقبله انفجار المسجد في باكستان ، إلى جانب التفجير الذي وقع في أوغندا ، فيما كنا قد توقفنا مرارا عن بعض التفجيرات التي تحدث في العراق.

 

سيقول بعض الموتورين إن إيران تضطهد أهل السنّة ، وأن من حقهم الرد ، وهو كلام يستحق الازدراء (رغم موافقتنا على قضية الاضطهاد وإدانتنا الواضحة لها) ، لأن الرد لا يكون بقتل الأبرياء بهذه الطريقة ، ونسأل هل يمكن التسامح في المقابل مع شيعة في بعض الدول العربية يقومون بالرد على ما يعانونه من تهميش (أقله بحسب رأيهم) عبر قتل الناس في المساجد؟،

 

أليس من العار أن تخرج هيلاري كلينتون وعدد من المسؤولين الأمريكان ليدينوا العمل الإجرامي في زاهدان ، فيبدون كما لو كانوا أحرص على الشعب الإيراني ودماء المسلمين ممن يزعمون الجهاد في سبيل الله؟،

 

هذا فكر كارثي تطور في السنوات الأخيرة عنوانه استباحة دماء المسلمين بشكل خاص ، والأبرياء بشكل عام لا نعرف كيف نبت بين ظهراني المسلمين.

 

لا "أبو محمد المقدسي" الذي يعرّف بأنه منظر السلفية الجهادية ، ولا أسامة بن لادن ولا الشيخ عبد الله عزام من قبل يمكن أن يقبلوا مثل هذه الأعمال التي تقتل الناس بلا حساب ، فمن أين يستقي أولئك القوم فقههم ، وكيف يتساهلون في الدماء على هذا النحو؟،

 

حدثني من أثق به من العراقيين ، أن بعض أولئك قتلوا رمزا من رموز عشيرته في الفلوجة ، وعندما فتح بيت العزاء ، جاء أحدهم ففجر نفسه بين الناس ، فقتل عددا وجرح آخرين ، وعندما ألقي القبض على من وقف وراء الجريمتين ، وتبين أنه عربي من خارج العراق ، كان يضحك من دون اكتراث قائلا لهم: لماذا أنتم منزعجون إلى هذا الحد؟، إذا كانوا أبرياء فقد ذهبوا إلى الجنة ، وإذا كانوا مذنبين فقد نالوا عقابهم. هل وضع هذا نفسه وصيا على العباد؟ ثم ماذا عن الذين بترت أقدامهم وفقدوا أعينهم؟،

 

نتحدث في هذا الشأن ونحن نشعر بالمرارة ، لأننا مع الجهاد والمقاومة في عناوينها الصحيحة وضد الأهداف المشروعة ، كما هو الحال في فلسطين والعراق وأفغانستان ، فيما نعلم أن تلك الأعمال تشوّه صورة الإسلام والمسلمين ، وصورة الجهاد الحقيقي أيضا.

 

مثل هذا الفكر الأعمى ليس حكرا على المسلمين ، بل هو موجود في كل الأديان والمذاهب (التركيز على المسلمين ليس بريئا بالطبع) ، لكنه هنا يشوه دينا لم يعرف التاريخ له مثيلا في إعلاء قيمة الإنسان ، ولا بد تبعا لذلك من وقفة من قبل علماء الإسلام تدين ذلك الفكر وتعريه دون تردد ، بخاصة من قبل الرموز المحسوبين على تيار السلفية الجهادية الذي تنسب إليه بعض تلك الأعمال ، مع العلم أن الإنكار لم يعد مجديا ، أعني إنكار نسبة أكثر تلك الأعمال لمسلمين يعتقدون أنهم يجاهدون في سبيل الله ، لأنه لا أحد يفجر نفسه بهذه الطريقة في مثل هذه الأهداف غير المسلمين (ثمة استثناءات بالطبع) ، فضلا عن أن يصار إلى تبني العمل كما هو حال تفجير أوغندا (حركة الشباب المجاهدين) ، وتفجير زاهدان (جند الإسلام) وأعمال أخرى مشابهة.

=================

لماذا أَخْفَقَت أمريكا استخباراتياً في حروبها؟

يوسف عبدالله محمود

الدستور

7/17/2010

جميع الحروب التي خاضته امريكا في الخارج ومنذ نشوئها لم تكن حروباً دفاعية عن اخطار حقيقية هددنها في عقر دارها. كانت مع الاسف حروباً امبريالية بامتياز. إن في ضرب اليابان او الفيتنام أو افغانستان أو العراق أو غيرها في امريكا اللاتينية. الهدف منها اخضاع هذه البلدان للسيادة الامريكية. نهب خيراتها وجعلها اسواقاً تجارية لشركاتها العملاقة.

 

في شهادته الجريئة وذات المصداقية امام لجنة القوات المسلحة الامريكية في مجلس الشيوخ الامريكي ادلى الدكتور ديفيد كي رئيس فريق رصد العراق المكلف بتعقب أسلحة الدمار الشامل التي فجّرت إشاعة امتلاك العراق له حرباً ضروباً ما زالت تداعياتها الى اليوم تحصد أرواح الآلاف من العراقيين. كشف ديفيد كي عن مساوئ وكذب الاستخبارات الامريكية وهو يدلي بشهادته. او ان هذا الخبير اخفاقات امريكا في العالم الذي اعتبرته غابةً من حقها ان تفرض وصايتها عليه. يقول هذا الخبير إن امريكا دأبت على تضخم التهديد القادم من دول بعيدة عنها. ضخمت خطر الفيتنام فكان أن وقعت في مستنقع هذه الحرب التي حصدت مئات الآلاف من كلا الجانبين.

 

ويمضي ديفيد كي قائلاً: ضخمت خطر الاتحاد السوفيتي السابق عليها. وما ان سقط كنمر من ورق حتى بدا أن هذا التهديد مبالغ فيه.

 

من ناحية اخرى راحت امريكا وما زالت تقاوم الحركات الوطنية في العالم ناسية انها حركات مشروعة هدفها انقاذ بلدان نامية من الدكتاتوريات المتعاقبة. يتوصل هذا الخبير الى (ان الاخفاق كان كامناً في قدرتنا الاستخباراتية البشرية ضعيفة التمويل والمتخلفة. قابليتنا لفهم الآخر هذا هو جوهر مشكلة امريكا مع نفسها ومع جميع الآخرين).

 

جلسة استماع لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ 28 1 2004 وانظر: (الحلم الامريكي كابوس العالم ، تاليف: ضياءالدين سرداد وميريل ريفز ترجمة فاضل جتكر 352ص مكتبة العبيكان - العودة.

 

ما قاله في شهادته رئيس فريق رصد العراف كان ينبغي ان يزيل الغشاوة عن عيون قادة الحرب في امريكا من المحافظين الجدد امثال الرئيس السابق بوش وتشيني ورامسفيلد وآخرين الذين اوصلوا العالم الى هذه الماساة العالمية التي اتت على الاخضر والياسب في امريكا قبل غيرها. يكفي ان نشير هنا ان الجندي الامريكي في افغانستان او العراق يكلف الخزينة الامريكية - كما يقول الخبراء - مليون دولار سنوياً. فما بالك بتكلفة عشرات الالوف هناك،

 

ما هو مخيب للآمال انه رغم كل هذه الاخاات الامريكية لم يحاول مسؤول امريكي كبير قراءة ما وراءها،

 

الغالبية في البيت الابيض تكذب. من يجرؤ فيكشف عن لاحقيقة يضيف عليه حتى يستقيل او تتم تنحيته عن المسؤولية،

 

امريكا فعلاً تعيش في اوهام. تتمسك بميثولوجيا مخيبة للآمال ، تجعل من الاسطورة حقيقة. تسوفها اعلاميا الى شعبها. يقول مؤلف الكتاب السابق الذكر:

 

(ان الامبريالية الامريكية لسيت عًلّةً متعذرى الشفاء ، غير انها عًلّة مُشوَّهة. أنها تشوّه الغرائز الانسانية الضرورية لبناء عالم مسالم). المرجع السابق ص,354

 

على امريكا ان تدرك انّ العالم اليوم في مرحلة (تحوُّل) ، ولا تستطيع اية قوة في الارض معاكسة للتاريخ ان تلغي هذا (التحوّل). جدليّة التاريخ تقول هذا. على امريكا وباقي الدول الامبريالية في اوروبا ان تدرك ان مصير (الاستغلال) ونهب العالم الثالث الى زوال طال الزمان أم قصر. (التحوّل) قادم قادم. البشرية ضاقت ذرعاً بالحروب. وَهُنا أراني التفت الى عالمنا العربي المتفسخ فاقول ينبغي أن يدرك العرب ان بلدانهم لست مجرد (رقعة جغرافية) تزخر بالمواد الخام ، يطمع فيها الطامعون. إن هذه الرقعة (تاريخ وحضارة) فلا ندع هذا التاريخ وهذه الحضارة تُباد،

علينا كعرب ان ندرك اننا لسنا مجرد رقعة جغرافية لًدَرًّ الغًلال على الامبرياليين.

نحن حضارة ممتدة في اعماق الزمن.

وحتى ينظر الينا هكذا ، علينا ان نتجاوز كل الخلافات البينية التي تبرز فجأة دون ان يكون ثمة مرر منطقي لبروزها. علينا ان نصدق مع انفسنا فنبني (المواطنية) الحقيقية في بلداننا العربية والاسلامية ، فلا يعود هناك تاثير سلبي للعشائرية والطائفية والقطرية. ما هو مؤسف أن هذه (الموانية) باتت تتقهقر عربياً واسلامياً لتحل محلها الطائفية والعرقية والمذهبية والعشائرية.

وتلك آفات تستثمرها الامبريالية وهي تغزونا عسكريا او اقتصاديا او ثقافيا. علينا كعرب ومسلمين ان نقرا نقاط ضعفنا فنعالجها بالفعل لا بالقول.

لا يجوز ان يبقى هذا الانحدار في الفكر السياسي العربي على ما هو. انه انحدار يسطح الوعي ويدخل (الهوية) في معارك: أطرافها الرئيسيون هم الامبرياليون انفسهم او المتعاونون معهم من المثقفين العرب الذين رخصت عليهم هويتهم العربية ، فعقوها ايما عقوق.

يبقى ان اقول ، حتى نتمكن من التصدي للامبريالية علينا الا نترك لها ثغرة واحدة تتيح لها ان تخترق كياناتنا ، وتعبث بكل ما هو مقدس من قيمنا. أتساءل: متى نفعل ذلك،

=================

تراجعَ أوباما ودخل لعبة الخداع

بقلم :حسين العودات

البيان

7/17/2010

في ضوء حملة الرئيس باراك أوباما الانتخابية، والأفكار التي طرحها والمواقف السياسية التي تبناها، وطبيعة شخصية الرجل وتاريخه ونمط تفكيره وتعامله وتجاربه التي عاشها، كان من الصعب التنبؤ ثم الاقتناع بأنه من ذوي ازدواجية القول والرأي، وممارسي الصيف والشتاء على صيف واحد.

 

وقد شرح الرئيس موقفه بالتفصيل من الصراع العربي الإسرائيلي في خطابه الأول الموجه للعالم الإسلامي الذي ألقاه في تركيا، وخطابه الثاني الموجه للعالم العربي الذي ألقاه في القاهرة.

 

وكان الخطابان في الواقع منسجمين مع السياق العام للسياسة المأمولة من الرئيس الجديد للولايات المتحدة ومع توجهاته في حملته الانتخابية، مثل مواقفه من رفض الاستيطان والعمل على إقامة الدولتين والوصول إلى تسوية فيها شيء من العدالة، والإشارة إلى آلام الشعب الفلسطيني وحقوقه وإلى الشرعية الدولية، ولاشك أنه قدم للعرب في هذين الخطابين جرعة تفاؤل.

 

وكانوا سعداء بما قاله، وتأملوا خيراً واعتقدوا أنه جاء إلى البيت الأبيض الرئيس الذي يتفهم حقوقهم. خاصة وأنه أول رئيس أميركي يقول ما قال وانتظر الجميع بدء تطبيق الأقوال والسياسات المعلنة في حيز الواقع.

 

لقد أوحى التطبيق العملي لهذه الأفكار خلال السنة الأولى بتباشير ممارسات جديدة مارستها الإدارة عندما عينت السيناتور ميتشيل وسيطا متفرغاً، وأرسلت نائب الرئيس لزيارة المنطقة للسبب نفسه، ورفضت مشاريع الاستيطان الإسرائيلية الجديدة، وأحيت قرارات الرباعية.

 

وأكد الرئيس أوباما جديته وإصراره على هذه السياسة، عندما استقبل بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل في مارس الماضي استقبالاً فاتراً، فلم تؤخذ الصورة التقليدية للقاء، ولم يودعه كالعادة حتى باب صالة الاستقبال.

 

وقد سرب بعض الصحافيين الأميركيين وبعض ضباط الجيش فضلاً عن بعض الاستراتيجيين أقوالاً تشير إلى أن إسرائيل أصبحت عبئاً على الولايات المتحدة، وأن علاقتهما الاستراتيجية والتاريخية تواجه بعض الخلل والصعوبات لأول مرة منذ إنشاء إسرائيل.

 

وافترض المراقبون والمحللون السياسيون بل والأوساط السياسية الأوروبية والأميركية والشرق أوسطية أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة سوف تزداد سوءاً وتدهوراً في القادم من الأيام.

 

يبدو أن بنيامين نتانياهو والأوساط الصهيونية داخل إسرائيل وخارجها وخاصة في الولايات المتحدة هي الوحيدة التي لم تخش لا قطيعة مع الإدارة الأميركية ولا صعوبات في العلاقات الاستراتيجية، ولا حتى تغيرا بالعلاقات التكتيكية والإجرائية.

 

وكانت واثقة من عجز أوباما عن الاستمرار في سياسته المناوئة لسياسة نتانياهو العدوانية والصلفة والمستهترة بالإدارة الأميركية وبالقانون الدولي وبالرأي العام العالمي، بدليل أن نتانياهو كان يستقبل أي مبعوث أميركي بقرارات استيطان جديدة، فاستقبل نائب الرئيس بايدن بقرار البدء ببناء (1600) وحدة استيطانية، ورحب بالمبعوث ميتشيل بقرار استيطان لأحد أحياء القدس، دون خشية من السياسة الأميركية، بل دون أن يأخذ في اعتباره التعامل مع هذه الإدارة ورجالها بشيء من التهذيب أو الدبلوماسية.

 

في مطلع الأسبوع الثاني من الشهر الجاري زار نتانياهيو واشنطن، ولم يتوقع أحد أن يستقبل الرئيس أوباما بنيامين نتانياهو بالجفاء نفسه والصد نفسه اللذين كانا في المرة الماضية، وكانت معظم التوقعات تقول ان الاستقبال سيكون معتدلاً هذه المرة وليس جافاً كما كان في المرة السابقة، وسيتم بحث عديد من القضايا المطروحة والمتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي والوضع الإيراني والعلاقات التركية الإسرائيلية.

 

وتوقع معظم المراقبين أن الرئيس الأميركي سيطالب نتانياهو، على الأقل، بأن يتحلى بشيء من المسؤولية والتعامل المعتدل مع القانون الدولي، وان يخفف من صلفه وتطرفه وفجاجة سياسته، وبالتالي يكون الرئيس أوباما قد حافظ على نهج سياسته الشرق أوسطية بشكل عام، ونصح الحليف الاستراتيجي الإسرائيلي بالاعتدال، وحافظ على مصالح بلاده وعلى شيء من الدفء في العلاقات الإسرائيلية الأميركية كما يطالبه بعض اعضاء الكونغرس.

 

إلا أن الرئيس أوباما انقلب على نفسه وتراجع في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد المقابلة من خلال تصريحاته غير المقنعة، والتي لا توحي بأنه هو نفسه مقتنع بها ويصدقها، حيث وصف نتانياهو بأنه معتدل يتصرف بمسؤولية ويسعى للسلام، ودخل في لعبة خداع نفسه والعرب كما كان أسلافه من الرؤساء الجمهوريين والديموقراطيين يخدعونهم منذ أكثر من نصف قرن.

 

قال الرئيس الأميركي ان الحديث عن تصدع الحلف بينهما لا أساس له من الصحة، وشدد على أن إدارته لم تطلب أبداً من إسرائيل اتخاذ أي خطوات يمكن أن تقوض (أمنها) مشيداً بتخفيف حصار الحكومة الإسرائيلية لقطاع غزة.

 

وأشار إلى أن محادثاته مع نتانياهو تناولت مجموعة واسعة من القضايا المشتركة، وأعلن انه هنأ نتانياهو (على التقدم الذي تحقق عبر السماح بإدخال مزيد من السلع إلى غزة) وطالب بضمان أمن إسرائيل (المشروع) عبر منع تدفق الصواريخ والأسلحة على حركة حماس، وعبر عن قناعته بأن نتانياهو مستعد (للمخاطرة) من أجل السلام والدخول في مفاوضات مباشرة.

 

وفيما يتعلق بالتسلح النووي الإسرائيلي قال إنه يعتقد ( أن لإسرائيل متطلبات أمنية خاصة) وبرر هذه المتطلبات (بالنظر إلى حجمها وتاريخها وموقعها والمخاطر التي تواجهها) ولهذا السبب أعلن التزامه (بأمن إسرائيل) وتأييده لامتلاكها السلاح النووي.

يتساءل المراقب هل حقاً ان الرئيس الأميركي مقتنع بماقال؟ وهلا فعلاً أنه يصدق رغبة نتانياهو بالسلام وبأن ما سماه التقدم في إدخال السلع على غزة هو الحل بدلاً من إلغاء حصارها الهمجي ؟.

وأخيراً كيف ينسجم موقفه من زيادة العقوبات على إيران بحجة سعيها لامتلاك السلاح النووي ودفاعه عن امتلاك إسرائيل مئات القنابل النووية، والبلدان يقعان في منطقة واحدة، وهمجية إسرائيل وعدوانيتها مشهودة؟.

يبدو أن الرئيس الأميركي دخل لعبة الخداع، خداع النفس وخداع العرب، كما دخلها أسلافه من قبل استجابة للضغوط الداخلية.

=================

الاستبداد الليبرالي

بقلم :مجدي شندي

البيان

7/17/2010

تثير قضية فصل أوكتافيا نصر رئيس قسم الشرق الأوسط في شبكة سي إن إن وقضية إجبار السفيرة البريطانية في لبنان فرانسيس غاي على الاعتذار لمجرد إشادتهما بالمرجع الديني الراحل محمد حسين فضل الله كثيرا من الفزع، خاصة وان الشبكة الإخبارية الشهيرة ووزارة الخارجية البريطانية تعاملت معهما وكأنهما ارتكبتا فعلا فاضحا لا يليق بمثلهما، ومرجع هذا الفزع عدة أسباب:

 

فالقضية برمتها تؤكد من جديد أن الحرية التي أتاحتها لنا وسائل الاتصال الحديثة في التعبير عن ذاتنا ليست الا توهما، فالمدونات الشخصية التي حلت محل دفتر الذكريات والمواقع الاجتماعية التي حلت محل جلسات السمر مع الأصدقاء في قبضة الأخ الأكبر على النحو الذي صوره به جورج اورويل في روايته الفذة 1984 (حيث يكون البشر مجرد أرقام هامشية في الحياة بلا مشاعر ولا عواطف.

 

وليس لديهم طموحات أو آمال، يعملون كالآلات خوفا من الأخ الأكبر ولينالوا رضاه لأنه يراقبهم على مدار الساعة) فأوكتافيا كتبت رأيها في صفحتها على موقع تويتر( ولم تقله على شاشة سي إن إن) وفرانسيس كتبت ذلك في مدونة شخصية (وليس في إطار نشاط رسمي للسفارة) لكن هناك آلاف العيون تراقب وتحلل وتؤول وتعد الأنفاس دون أن ندري ثم تحاسب أصحاب الرأي المغردين خارج السرب.

 

- ثم ان الحرية التي يتغنى بها الغرب ذات اتجاه واحد، حرية أن تكون مع القطيع الذي يسبح ليل نهار بحمد إسرائيل وفضلها على البشرية وصواب كل ما تفعل، وإن حاول السياسي أو الإعلامي والباحث والمؤرخ والسينمائي أن يكون ذاته وأن يعكس قناعاته عليه أولا أن يتحسس رأسه، فيما عدا ذلك ليس مهما أن يكون مؤمنا أو كافرا، فاسدا أو صالحا، مزورا أو باحثا عن الحقيقة، فإسرائيل تحولت في واقع الحال الى صنم، وكل من يخرج عن عبادتها فقد صبأ.

 

ولم تعد القضية فقط ان تبدي حب إسرائيل رغما عن أنفك، وإنما أصبح مطلوبا أن تلعن أعداءها وأن تساهم في أبلستهم، ومن ثم فإن اي عاقل عليه أن يتفرس الف مرة في وجوه اولئك الذين يحظون بدعم غربي سواء كانوا ساسة او كتابا أو إعلاميين، فمزاعم الاستقلالية والمصالح المشتركة سقطت.

 

والقول بأن الجهات الغربية تدعم شخصا أو حزبا أو مؤسسة إعلامية لأنها تنشر التنوير أو تدافع عن القيم الليبرالية أو تسعى للتغيير مجرد أكذوبة كبيرة وتواطؤ على الذات، وبالانتقال من العام الى الشخصي فقد ألحت علي صحيفة مصرية من هذا النوع على مدى سنوات لكتابة مقال دوري فيها، وحين سألت: هل سقفكم السياسي يسمح بنشر كتاباتي؟ رد رئيس التحرير:

 

نحن لا سقف لنا.. اكتب ما تشاء، وأرسلت مقالا يتصادم مع مصالح الغرب وإسرائيل في المنطقة كنوع من الاختبار، وكنت اعرف النتيجة مقدما، فمن يضع نفسه ضمن الآلة الدعائية الغربية او يتلقى تمويلا من جهات خارجية لا يستطيع أن يكون سيد قراره وإن زعم وإدعى.

 

وربما يأتي وقت قريب تتاح فيه وثائق تكشف تلقي وسائط إعلامية يظنها كثيرون مستقلة ومحايدة وتلعب دورا بطوليا في مجتمعاتها لأموال من جهات غربية، ليعرف القارئ والمشاهد أن رقعة المتلاعبين بالعقول أكثر اتساعا مما يظن، وأن «سولوفان الحرية» المغلفة به كثير من الأفكار ليس الا ستارا لعملية غسيل أدمغة بشعة.

- ثالثا انه إذا كان الغرب لا يحتمل وجود أفراد يتمتعون باستقلالية التفكير، فكيف يتسع صدره لديمقراطيات تتمتع باستقلالية القرار السياسي، وتعمل على صون المصالح الوطنية لدولها، العارفون ببواطن الأمور يدركون أن الغرب مستعد للتعامل مع الشيطان إذا كان يخدم مصالحه، أما الأحرار والمناضلون الحقيقيون فلم يعد لهم مكان الا في الأساطير.

=================

هل تستمر تركيا في دعم فلسطين ؟

ليلى الحمود

laylaalhmoud@yahoo.com

الرأي الاردنية

7/17/2010

ما قامت به تركيا إزاء إسرائيل يجب أن يحظى بالاحترام والتقدير، لا ان يقابل بعدم العرفان، والتشكيك في مأرب تركيا التي مهما كانت فهي في صالح العرب عموماً، حيث ان من يقف في مواجهة عدوي هو بالضرورة صديقي قياساً على نظرية عدو عدوي صديقي وصديق عدوي عدوي، وما فعلته تركيا مهما كانت الدوافع الذاتية والخاصة فيظل هذا شيء يفرح قلب كل من ناله أذى من إسرائيل يوماً.. فكيف لا يفرح أهل غزة ورام الله، واللاجئون المشردون هنا وهناك والمحاصرون والمنكوبون في منازلهم وأوطانهم، كيف لا يعتبرون موقف تركيا موقفاً مشرفاً ورائعاً ومسانداً لكل من ينتظر الثأر من إسرائيل؟؟.

 

صحيح أن تركيا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بنشوء إسرائيل.. وكان عتب العرب والمسلمين عليها عظيماً آنذاك وكان هنالك تعاون بين تركيا وإسرائيل من كل نوع، غير أن وقوف تركيا الآن بجرأة لم يقفها أحد ضد الحصار الإسرائيلي على غزة والذي استمر ثلاثة أعوام دون أن يهز شعرة واحدة في بدن العالم، الذي كان غافلاً تماماً عمّا يحدث في غزة وفلسطين، ان هذا ليسجّل لتركيا بمداد العرفان والفضل الجميل.

 

أما التشكيك في النوايا من قبل بعض من يروجون لهذا التشكيك، وبأن تركيا لها أغراض وأهداف وأطماع في منطقة الشرق الأوسط.. فأطماعها المزعومة تلك ليست في كل الأحوال بقدر أطماع غيرها من الدول التي نهبت خيرات الشرق الأوسط وزرعت إسرائيل كشوكة في حلق العرب من المحيط إلى الخليج.. فأي مصلحة لتركيا في قطع مصالحها مع إسرائيل القوية، وأي أطماع لها ستتحقق مع الدول العربية الضعيفة والمتهاوية!؟.

 

تركيا دولة قوية ومساندتها لقضية فلسطين مكسب لكل العرب ولا يجب أن يؤثر علينا ما تنشره إسرائيل وأذنابها من أن تركيا تطمع بدور قيادي في الشرق الأوسط، حتى وان كان هذا صحيحاً فليكن، وهو أفضل من أي دور قيادي لإسرائيل أو لأيّ دولة أخرى تحاول السيطرة على الشرق الأوسط!.. أليس هذا صحيحاً؟؟.

 

ما يقال الآن عن تركيا، وما يروّج ضدها، كان قد قيل مثله تماماً عن إيران وبأن لها أطماع في المنطقة متجاهلين أطماع إسرائيل وأميركا، وما كان من نتائج تلك الأطماع في ضياع فلسطين، واحتلال العراق إلى غير هذا من حروب مستمرة في أفغانستان بحجة القضاء على الإرهاب، بينما الإرهاب يكمن في جلابيب من يدعون محاربته، كيف لا وهم مَنْ جعلوا من فلسطين هدية خالصة لليهود ليضيع الوطن وليتشرد الناس منها وليظلوا على مدى ستة عقود ونيف بلا حقوق!!.. كيف لا وهم من استباحوا العراق لأن كان في نيته أن يؤسس لدولة قوية تملك السلاح النووي؟؟ كيف لا وإسرائيل تشترط في قيام دولة فلسطين أن تكون منزوعة السلاح؟ أما الدول الأخرى العربية عموماً فيجب ألا تحظى بأي تكنولوجيا نووية!!.

 

ذلك لأن إسرائيل صنيعة الغرب يجب أن تقود هي منطقة الشرق الأوسط! ولا بأس لو توسعت أو احتلت المزيد من الأرض، فهي ما زالت دولة بلا حدود!! وإلى أن ترسم حدودها تفعل بمن حولها ما تريد، وتحتل الأرض التي ترغب!!

 

كثيرون مثلي يؤمنون أن عدو عدوي هو صديقي.. وإذا كانت تركيا أو إيران أو أي بلد آخر أعداء لإسرائيل فهؤلاء كلهم أصدقائي لأن إسرائيل دولة غير شرعية قامت بالاستيلاء والاغتصاب والتهجير والقتل والسلب ومنحها العالم الشرعية في سابقة لم تحدث في التاريخ، وكل وقفة ضد إسرائيل هي وقفة شرعية استناداً لهذا المنطق.

=================

البعد الثقافي للصراع العربي الإسرائيلي

المستقبل - الجمعة 16 تموز 2010

العدد 3712 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

في الثقافة اليهودية ان العالم كله ضد اليهود، وان من يؤيدهم فهو اما منافق أو انتهازي، ولذلك فان هذه الثقافة تجسد عدم الثقة بالآخر وعدم الاطمئنان الا الى الذات اليهودية.

لا تنطلق هذه الثقافة من فراغ. فتاريخ العلاقات اليهودية مع العالم حافل بالمحن والمآسي الانسانية التي كان اليهود ضحاياها. من روسيا القيصرية حيث تعرض اليهود للاضطهاد والتنكيل، امتداداً حتى بريطانيا حيث منعوا من دخول المملكة، مروراً بفرنسا حيث تشكل قضية الضابط اليهودي الفرنسي دريفوس نموذجاً للاضطهاد، وانتهاء بألمانيا حيث مارست النازية الهتلرية أبشع ما عرفته الانسانية من جرائم ضد الانسانية تمثلت في معسكرات الاعتقال التي تحولت الى أفران لصهر الأجساد البشرية.

حتى تجارب الهجرة من دولة الى اخرى، سواء كانت هجرات فردية أو جماعية، اتسمت بالكثير من صور المعاناة. ولم تكن الولايات المتحدة بالذات بعيدة عنها. فقد منعت أثناء الحرب العالمية الثانية سفينة شحن كانت تنقل مهاجرين يهوداً من أوروبة من الرسو في أي من موانئها.

واليوم عندما يندد المجتمع الدولي بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وفي مدن ومخيمات الضفة الغربية وكذلك في لبنان، وعندما يدين ارتكابها جريمة القرصنة في المياه الدولية ضد قافلة تحمل مساعدات انسانية الى غزة المحاصرة، فان الثقافة اليهودية تتعامل مع هذه المواقف الانسانية على انها امتداد واستمرار لمشاعر الكراهية ضد اليهود.

وفي الثقافة اليهودية ايضاً أن ما عاناه اليهود لأجيال عديدة على أيدي المجتمعات الغربية من شرق جبال الأورال حتى غرب نهر التايمز، يحتم على هذه المجتمعات أن تدفع الثمن دعماً وتأييداً ومساعدات لإسرائيل، وليس انتقاداً لسياستها أو تعريضاً بمواقفها أو تشهيراً بقياداتها.

وفي الواقع فقد مرت عقود طويلة تصرفت خلالها هذه المجتمعات على اساس ان إسرائيل على حق دائماً، أياً كان الخطأ الذي ترتكبه. حتى بات هذا التصرف وكأنه من الثوابت التي لا تتبدل ولا تتغير. وفي كل مرة كانت فيها إسرائيل تشعر بأن ثمة استعداداً لفك الالتزام بهذه الثوابت، كانت تبادر الى رفع تهمة اللاسامية مذكرة هذه المجتمعات الغربية بما فعلته باليهود.. وبالتالي بالثمن الذي يجب أن تواصل تسديده اليهم من خلال إسرائيل. وقد نجحت هذه السياسة طوال العقود الخمسة الأخيرة، مما شجع إسرائيل على ارتكاب المزيد من الخطايا والأخطاء التي بدت من خلالها دولة خارجة على القانون.

فهي دولة نووية ترفض الانضمام الى معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية. وهي دولة محتلة لأراضي دول أخرى. وهذه الظاهرة أي ظاهرة الاحتلال هي الوحيدة المستمرة في عالم القران الواحد والعشرين.. وهي دولة معتدية على الدول المجاورة. وهي دولة ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، كما اكد ذلك تقرير الأمم المتحدة الذي وضعته اللجنة القانونية برئاسة القاضي اليهودي- ريتشارد غولدستون.

وهي دولة تمارس الارهاب فتغتال شخصيات وطنية لمجرد اعتبار انها تشكل خطراً على أمنها، فتنتهك سيادة دولة سيدة (الامارات العربية المتحدة) وتزوّر جوازات سفر دول كبرى (بريطانيا وألمانيا وفرنسا واستراليا وبلجيكا)، وتصادر السفن في أعالي البحار السفينة التركية - وتقتل المتطوعين من الأبرياء العزل، وتمارس التمييز العنصري الديني ضد العرب المسلمين والمسيحيين الذين تهدم بيوتهم وتصادر أراضيهم وتنسف بيوت العبادة المقدسة لديهم.

حتى ان الكاتب والروائي الإسرائيلي عاموس عوز قال في مقال نشرته له مجلة نيويرك تايمز :

"على مدار ألفي عام، عرف اليهود صورة القوة فقط في صورة ضربات السياط على أظهرنا. وعلى مدار العقود القليلة الماضية، كنا قادرين على استخدام القوة بأنفسنا، وهذه القوة، مراراً وتكراراً، أضرّتنا ".

ومنذ حرب الأيام الستة عام 1967، ركزت إسرائيل اهتمامها على القوة العسكرية. وكما يقول المثل "ان من يحمل مطرقة كبيرة، تبدو له كل مشكلة وكأنها مسمار". وبعد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة والمقاطعة العنيفة للسفن المدنية التي تحمل المساعدات الانسانية، وُلد الشعار الذي يقول "إن ما لا يمكن فعله بالقوة يمكن فعله بقوة أكبر". وتنبع وجهة النظر هذه من الافتراض الخاطئ بأن سيطرة حماس على غزة يمكن إنهاؤها بقوة السلاح، أو بصفة عامة يمكن سحق المشكلة الفلسطينية بدلا من حلها ".

لم يكن يجرؤ انسان غربي على تحذير إسرائيل من انها في خطر. فكيف إذا كان هذا الانسان يهوديا.. بل ويهوديا صهيونياً ايضاً؟

لقد أعرب المفكر الفرنسي اليهودي بيرنار هنري ليفي المعروف بتأييده لإسرائيل، عن قلقه على وجود الدولة العبرية بسبب استمرار الاحتلال والاستيطان، داعياً الإسرائيليين الى التخلي عن "حلم إسرائيل الكبرى" والفلسطينيين الى التخلي عن جزء من حلمهم بالعودة.

وقال ليفي في مقابلة مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن "اي شخص يحب هذا البلد الفريد إسرائيل- يجب أن يفهم أن وجوده في خطر بسبب الاحتلال والاستيطان".

في ضوء هذه الوقائع بدأت تتكون عناصر ثقافة عالمية جديدة تقوم على قاعدة ان إسرائيل هي ضد العالم كله، في مقابل الثقافة اليهودية التي قامت على أساس أن العالم كله هو ضد اليهود!!

لقد مرّ جنوب افريقيا بهذه المرحلة ايضاً، فلم يستطع عليها صبراً، إذ سرعان ما تهاوى وانهار نظام التمييز العنصري. فإلى متى تستطيع إسرائيل أن تصمد؟.

لقد بدأ التفكك من الداخل. والداخل هنا ليس المجتمع الإسرائيلي فقط، انما المجتمع اليهودي الأوسع. ذلك انه بقدر ما تتغلل العلمانية (من خلال الزواج المختلط والحياة المشتركة) بين يهود أوروبة والولايات المتحدة على وجه الخصوص مع غير اليهود، يزداد جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف الديني. فاستناداً الى جريدة هآرتس الإسرائيلية فان عدد المتدينين الشبان في صفوف الجيش الإسرائيلي ارتفع من 2 في المئة عام 1990 الى 30 في المئة حالياً. وحتى عام 2008 كان 60 في المئة من الضباط في الوحدات القتالية في الجيش من اتباع التيار الديني الصهيوني و70 في المئة منهم من ألوية المشاة المختارة، و75 في المئة من الوحدات الخاصة. وكشف الرئيس الأسبق للشاباك يعكوف بيري أن معظم مسؤولي المناطق في الجهاز أصبحوا من أتباع التيار الديني. وهذا يعني ان إسرائيل تسير نحو التهويد والتطرف الديني، وان المجتمعات اليهودية في العالم تسير أكثر فأكثر نحو العلمانية.

تشير هذه التحولات المتناقضة بين ما يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي وما يحدث داخل المجتمعات الغربية (الأميركية والأوروبية) الى ارتفاع حدة الصراع بين ثقافة تقول بأن العالم ضد اليهود.. وثقافة معاكسة تقول بل ان إسرائيل هي ضد العالم.

ويبدو ان تقرير مستقبل إسرائيل في الشرق الأوسط يتوقف على أي الثقافتين سوف تسود وتنتصر!!.

=================

بانتظار «غودو» الأميركي

الياس سحاب

السفير

7/17/2010

أعتقد ان المرحلة التي يمكن ان نطلق عليها عنوان «انتظار غودو الاميركي»، في تاريخ القضية الفلسطينية، والتعامل العربي العام مع هذه القضية، لم تولد دفعة واحدة، بل هي كانت حاضرة دائماً، حتى قبل ان تحتل صدارة العمل العربي. فحتى مرحلة التصادم العربي مع الامتداد العربي للنفوذ الاجنبي، في عقدي الخمسينيات والستينيات، مرحلة قيادة جمال عبد الناصر، كان يتعايش معها خط رسمي وازن في السياسة العربية، يرى ان ادارة القضايا العربية العامة بأسلوب التصادم مع النفوذ الاجنبي في المنطقة، عندما كان انكليزياً فرنسيا في البداية، وعندما تحول الى نفوذ اميركي صاف، هي نوع من المغامرة غير المحمودة العواقب، وان البديل هو محاولة العرب نيل حظوة في عواصم النفوذ الاجنبي (لندن وباريس، ثم واشنطن)، تضاهي حظوة المشروع الصهيوني لديها، حتى بعد ان تجسد هذا المشروع بدولة اسرائيل.

طبعا، هذا الخط كانت فيه عيوب اساسية، منذ البداية، انه كان يغفل طبيعة التحالف الاستعماري الصهيوني في مشروع اقامة دولة اسرائيل، وكان يحصر أبوة المشروع الصهيوني، بالحركة الصهيونية وحدها.

المهم ان هذا الخط الوازن في السياسة العربية الرسمية، ظل يتخذ من الخط الآخر وقيادته (عبد الناصر) موقف المعارضة والمناكفة، الذي كان يصل في كثير من الاحيان الى موقف العداء او التربص (الموقف من وحدة مصر وسوريا مثال حي على ذلك)، حتى جاءت حرب عام 1967.

لقد مثلت النتيجة العسكرية لهذه الحرب، هزيمة للمشروع العربي العصري التحرري النهضوي وقيادته. لكن من عجائب القدر وغرائبه، أنها مثلت انتصاراً ليس لإسرائيل وحدها، والنفوذ الاجنبي في المنطقة العربية، بل ايضاً انتصاراً للخط العربي المحافظ، والذي ظل مصراً على اعتبار مكافحة النفوذ الاجنبي في المنطقة العربية نوعاً من المغامرة غير المحسوبة العواقب. ورأى قادة هذا الخط العربي في هزيمة حزيران تأكيداً تاريخياً وعملياً لصحة وجهة نظرهم.

بعد ذلك، جاءت مرحلة ملتبسة، ظلت تتراوح بين عام 1967 وعام 1973، وهي المرحلة التي كانت قيادتها معقودة اللواء في نصفها الأول لجمال عبد الناصر، ثم تحولت القيادة في نصفها الثاني لأنور السادات.

نلاحظ هنا ان الجيش المصري العصري، الذي اعاد عبد الناصر تأسيسه كواحد من مجموعة خطواته ليثبت ان حيوية مصر وأمتها العربية من حولها، قادرة على الرد على الهزيمة بكل عناصرها العسكرية والسياسية والثقافية، هو الجيش الذي خاض حرب الاستنزاف، بعد هزيمة 1967، حتى رحيل عبد الناصر عام 1970، وهو نفسه الذي خاض بعد ذلك حرب العبور في تشرين الأول 1973. كان الجيش المصري العصري في الحدثين هو نفسه، لكن القيادة السياسية كانت قد تغيرت.

عند هذه النقطة بالذات، بدأ التحول الكبير في السياسة العربية المعاصرة، الذي ما زال ساري المفعول حتى يومنا هذا. فقيادة عبد الناصر خاضت حرب الاستنزاف (تمهيداً لحرب العبور) لتثبت ان الرهان على ارادة الامة العربية في استخلاص حقوقها وفرض كلمتها ومصالحها العليا ممكنة من خلال التعبير الكامل عن الارادة العربية الحرة (عسكرياً وسياسياً وثقافياً). اما قيادة انور السادات فقد كشفت منذ الايام الاولى لحرب العبور، انها تريد ان تثبت ان اوراق اللعبة بيد اميركا بنسبة تسعة وتسعين في المئة (على حد التعبير الحرفي لأنور السادات)، وانه انما خاض حرب العبور ليثبت لواشنطن ان العرب يستحقون حصة من حصيلة النفوذ الاميركي في المنطقة. وهذا المعنى ايضا عبر عنه الرئيس السادات حرفياً عندما عرض في احد خطاباته حصيلة مفاوضاته السياسية مع هنري كيسنجر.

وعندما توجت هذه المرحلة الوليدة، بعد ذلك بخمس سنوات، باتفاقية كامب دافيد، اصبح واضحا وضوح الشمس، ان انور السادات قد ربط مصير المنطقة العربية بشكل عام (هو ومن معه من قادة عرب يحملون النظرية نفسها) ومصير حل القضية الفلسطينية، بانتظار «غودو الاميركي».

بعد ذلك بسنوات، ومع سريان مفعول التحول التاريخي في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، الذي بدأ بتغييرات جذرية في الميثاق الوطني الفلسطيني، وصولا الى اتفاقيات اوسلو، اكتمل عهد التفاف القيادات العربية حول الخط القديم القائل بأن مقارعة النفوذ الاجنبي مغامرة وخيمة العواقب، وان الحلول التاريخية للمنطقة مرهونة بمجموعها، بمسايرة النفوذ الاجنبي (الاميركي حالياً) في المنطقة، على ان تأتي الحلول التاريخية، لكل قضايا المصير العربي، وعلى رأسها قضية فلسطين، بالتفاهم التام، بل الانصياع التام للنفوذ الاجنبي، بدل مقارعته.

انها مرحلة انتظار العرب «لغودو الاميركي»، الذي لا يأتي، لا في مسرحية بيكيت، ولا في تاريخ العرب المعاصر، وهي مرحلة تذكر بمطلع القرن العشرين، عندما كانت المرحلة مرحلة «انتظار غودو البريطاني»، (مراسلات الحسين ماكماهون) التي كانت حصيلتها تقسيم الولايات العربية وتجزئتها وانتزاع عروبة فلسطين، بعد ان كان الامل العربي المعقود على «غودو البريطاني»، هو الوحدة العربية الشاملة، تحت قيادة العرش الهاشمي.

ومع ذلك، فإن غودو الاميركي ممكن ان يصل ذات يوم، ولكن في حالة واحدة فقط، عندما يفرض العرب على النفوذ الاميركي في المنطقة، ثمناً باهظاً من مصالحه لاستمرار، محاباته المهووسة لمطامع الحركة الصهيونية في فلسطين وفي المنطقة العربية كلها.

=================

على أميركا أن تفرض حلاً في مرحلة ما

-13-

سركيس نعوم

النهار

7/17/2010

بدأ الموظف الاميركي السابق والباحث الحالي الذي تعد منطقة الشرق الاوسط مجال عمله حديثه بأزمة هذه المنطقة، قال: "لا تزال هذه الازمة وعملية السلام من اولويات ادارة باراك اوباما. إنه يهتم بها كثيراً. وموفده الى المنطقة السيناتور السابق جورج ميتشل سيعمل عليها بكثير من الجد. اما احتمالات نجاحه التي تشغل بالك او التي تسأل عنها فيمكن القول انها تبقى صفراً ما لم يجد النزاع الكبير خارجها حلاً له بعد. والمقصود بذلك الخلاف بين بنيامين نتنياهو وحكومته من جهة وباراك اوباما وادارته من جهة اخرى حول هذا الموضوع. وعندما يُحل هذا الخلاف تصير مقاربة القضية اسهل وتبادل التنازلات من اطراف الازمة على تناقضهم ممكناً. كان نتنياهو في كندا. تحدث هاتفياً ثلاث مرات مع اوباما. كان يريد العودة الى بلاده عبر واشنطن للقائه كما كان مقرراً. لكنه لم يعرّج على واشنطن. واعتقد ان اوباما دعاه الى صرف النظر عن الزيارة بعد عملية تصدي الجيش الاسرائيلي ل"الفلوتيلا" اي "اسطول الحرية"، وإيقاعه في صفوف الموجودين على احدى سفنه قتلى وجرحى. وكان لواشنطن موقف سلبي من عملية التصدي هذه. ولذلك فانها لم تشأ ان تصبح العلاقة مع نتنياهو اسوأ مما هي عليه. وفي رأيي لا يمكن أن تنجح المحادثات غير المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين ويجب ان تتحول مباشرة، اذذاك يصبح ميتشل فاعلاً. ولا بد من تنازلات من الطرفين. طبعاً لا بد ان يكون الحوار او المفاوضات مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. لكن لا بد في الوقت نفسه من التحدث مع "حماس". علماً ان الولايات المتحدة لن تفعل ذلك، بل حلفاء لها وبالنيابة عنها. وقد يكون الحليف المؤهل لذلك اكثر من غيره بريطانيا. لا يمكن احداً أن يعتبر ان نتنياهو حقق انجازاً عندما قال انه قبل "حل الدولتين". ذلك انه لا يزال مصراً على مراقبة الاجواء والسيطرة على المياه والحدود بين "دولة فلسطين" المنتظرة واسرائيل والاردن في الوقت نفسه وعلى كل شيء تقريباً. فضلاً عن انه لا يقبل من مظاهر الدولة الفلسطينية او من مقوماتها الا العلم والنشيد الوطني وجواز السفر. هذه لن تكون دولة. وهذا ما قلته لأحد اعضاء منظمة "ايباك" (منظمة يهودية اميركية تدافع رسمياً عن اسرائيل ومصالحها) اثناء غداء جمعنا".

هل يعلن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض "دولته" اي دولة فلسطين في 2011 كما سبق ان اعلن؟ سألت. اجاب الموظف الاميركي السابق والباحث الحالي نفسه: "لا اعرف. لكن اذا وصلنا الى سنة 2011 ولم يتحقق اي تقدم فإنني لا استبعد ان يعلن فياض ومعه رئيس السلطة محمود عباس دولة فلسطين. اذ لا يعود هناك خيار آخر امامهما. وهما قد لا يذهبان الى مجلس الامن بل الى الجمعية العمومية للامم المتحدة حيث لا "فيتو" اي لا حق نقض لأي دولة كبرى وخصوصاً لاميركا المنحازة دوماً الى اسرائيل. وقد يحقق ذلك لهما اعترافاً اممياً واسعاً بدولة فلسطين. على كل حال تساعد اميركا جدياً في بناء مؤسسات "دولة فلسطين" وذلك بالتعاون مع رئيس الوزراء سلام فياض وحكومته. وهي مؤسسات ادارية ومدنية وامنية وعسكرية".

هل نتنياهو رجل سلام؟ سألتُ. اجاب: "لا اعرف. لكنه ليس رجل مبادئ. انه يتمتع بغريزة البقاء (Survival). يمكن ان يذهب ساعة يرى مصلحة له في ذلك الى زعيمة حزب "كاديما" المعارض تسيبي ليفني من اجل اقامة ائتلاف معها. وفي كل الاحوال قد يكون عليه اذا وصلت عملية السلام الى مرحلة متقدمة ان يذهب الى الانتخابات".

اين اميركا من كل ذلك؟ ماذا يمكن ان تفعل او ماذا يجب ان تفعل لإيصال هذه القضية المعقّدة الى مرحلة الحل النهائي؟ سألت. اجاب: "في مرحلة من المراحل على اميركا ان تفرض حلاً او مشروع حل او مشروع اطار واضح ومفصل للحل". علّقتُ: عرض الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون بعد مفاوضات مضنية اطار حل اواخر ولايته الثانية على الفلسطينيين والاسرائيليين. لكنه رُفِض. هل يفيد تكرار هذا الامر؟ ردَّ: "معك حق. عرض الحل او اطار الحل يجب ان يقترن بالقدرة على تطبيقه او على فرضه على الطرفين المعنيين به مباشرة او على اقناعهما به. ليبيا، وانا على تعاطٍ استشاري معها، تتحدث عن دولة "اسراطين" (كلمة مشتقة من جمع النصف الاول والأخير من كلمتي اسرائيل وفلسطين). وزعيمها العقيد معمر القذافي يقول ان "اسراطين" هي دولة واحدة بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط. في دولة كهذه لا بد ان تصبح الغالبية الشعبية مع مرور السنين فلسطينية، فيتحول اليهود اقلية، هذا اعتراض اليهود الاسرائيليين على هذه الدولة. ولكن ماذا ينتظرون او ماذا يتوقعون؟ اذا كانوا يرفضون عملياً حل الدولتين او لا يسهلون التوصل اليه ويستمرون في محاولة افراغ دولة فلسطين المحتملة من كل مقومات الدولة فإن "الدولة الواحدة" التي يخافون منها ستصبح امراً واقعاً".

ماذا عن سوريا؟ سألت، اجاب الموظف الاميركي السابق والباحث الحالي نفسه: "الجمهوريون في الكونغرس يعوقون تثبيت السفير الاميركي لدى سوريا الذي عيّنه الرئيس اوباما. ويعوقون تالياً سياسة الحوار التي ارادها مع سوريا (Engagement). والسبب هو انهم يريدون إلحاق الهزيمة بالرئيس الديموقراطي. لكن الرئيس الاميركي لا يريد فرض تثبيت السفير وحده، وذلك ممكن باجراءات معينة. هناك نحو 250 تثبيتاً لموظفين كبار يعوقها جمهوريو الكونغرس، ولن يثبت السفير فورد الا مع الآخرين. وسوريا تعرف هذا الامر".

هل يكون اوباما رئيساً لولاية واحدة كما يردد البعض القليل في واشنطن وحتى في نيويورك؟

=================

نتنياهو فرض أجندته

سميح صعب

النهار

7/17/2010

نجح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في فرض أجندته على الرئيس الاميركي باراك اوباما في الوقت الذي بدا لوهلة ان الادارة الديموقراطية في البيت الابيض عازمة على المضي حتى النهاية في تحدي الحكومة الاسرائيلية المتشددة. وهكذا تبقى الحسابات الانتخابية الاميركية المعيار الذي يحدد اولويات البيت الابيض في السياسة الخارجية.

قبل ايام، أطلق الناطق باسم البيت الابيض روبرت غيبس تحذيراً من احتمال خسارة الديموقراطيين مجلس النواب في انتخابات منتصف الولاية التي ستجري في 2 تشرين الثاني المقبل.

وهذا التحذير يعني ضمناً ان اوباما غير قادر في الاشهر المقبلة على ممارسة كثير من الضغوط على اسرائيل، لأن من شأن ذلك ان يرتد فقداناً للحزب الديموقراطي لغالبيته المريحة التي يتمتع بها في مجلس النواب حالياً، في حال حصول مواجهة مع مجموعات الضغط اليهودية.

وقد اختار اوباما فعلاً إبطاء العملية السلمية في الشرق الاوسط او ارجائها بسبب عدم قدرته على مواجهة نتنياهو واللوبي اليهودي من دون ان يتضرر داخلياً لا سيما ان شعبية الرئيس بدأت تتراجع الى مستويات لم تبلغها من قبل. وبدا ان تحذير غيبس بمثابة رد على الفلسطينيين والعرب الذين يطالبونه بالضغط على الحكومة الاسرائيلية المتشددة.

وبات اوباما ونتنياهو الآن في موقعين متشابهين في الهموم: الرئيس الاميركي ينصب همه في المرحلة المقبلة على إنقاذ حزبه الديموقراطي من خسارة الانتخابات النصفية. ورئيس الوزراء الاسرائيلي يركز كل جهوده للحفاظ على إئتلافه الحكومي من الانفراط. وفي النهاية تدفع عملية التسوية ثمن الانشغالين الاميركي والاسرائيلي.

منذ تسلم نتنياهو السلطة، كان كل اهتمامه ينصب على كيفية اقناع اوباما بأن الوقت لم يحن لتسوية سياسية مع الفلسطينيين، وان العمل يجب ان يجري على تحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين على اساس ان الفلسطينيين عندما سيشعرون بتحسن وضعهم الاقتصادي سيتخلون عن مطلب إقامة الدولة المستقلة. كما دفع نتنياهو في اتجاه الملف الايراني باعتباره هو المشكلة في المنطقة وليست اسرائيل. وقد نجح في اقناع البيت الابيض في استصدار دفعة جديدة من العقوبات القاسية بحق ايران.

في السنة الاولى من ولاية اوباما، كان هناك اهتمام اميركي بكيفية المصالحة مع العالم الاسلامي إنطلاقاً من التفتيش عن تسوية للصراع العربي-الاسرائيلي. وفي السنة الثانية يبدو اوباما مهتماً أكثر في ابتكار الطرق لمصالحة نتنياهو وعدم الظهور بمظهر الضاغط على اسرائيل او بمظهر من يريد خوض مواجهة مع اسرائيل لحملها على القبول بحل للقضية الفلسطينية.

لقد تراجعت اهتمامات اوباما الى مستوى الاضطلاع بدور الوسيط في مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل، ومن ثم المطالبة بعد ذلك بتحويلها الى مفاوضات مباشرة، بعيداً عن أي اقتراحات جدية تتعلق بقضايا الوضع النهائي.

ومع تراجع اوباما امام نتنياهو، تعمل اسرائيل على إزالة كل امكانية او اساس لقيام دولة فلسطينية مستقبلاً، من جرف احياء الفلسطينيين في القدس الشرقية وطرد نوابها المنتمين الى "حماس"، الى وصل الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة بالمدينة.

وبعد ذلك يسعى نتنياهو الى مقايضة التمديد الموقت للتجميد الشكلي للبناء في مستوطنات الضفة الغربية، بقبولهم بدء مفاوضات مباشرة. كما يعدهم باحتمال التوصل الى حل، لكن مع تعليق تنفيذه لسنوات.

وهكذا يثبت مجدداً ان اسرائيل تريد امناً وسلاماً لنفسها من دون ان تدفع ثمناً لذلك. لا بل ان الامر اسوأ من ذلك بكثير عندما يسخر وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان من المتفائلين بإيجاد حل او توقع سلام في السنوات المقبلة، ويبحث في الوقت عينه عن وسيلة لتهجير فلسطينيي عام 1948.

وبالمحصلة، فإن الضغوط الاميركية لن تذهب في اتجاه اسرائيل وإنما في اتجاه الطرف الاضعف كما جرت العادة!

=================

السلام خيار استراتيجي أم وحيد؟

آخر تحديث:السبت ,17/07/2010

أسامة عبد الرحمن

الخليج

لا ضير أن يكون السلام خياراً استراتيجياً، ولكن يجب ألا يكون الخيار الوحيد، لأنه لا يجوز إلغاء أي خيار آخر بينما الكيان الصهيوني، لم يلغ أياً من خياراته، وخيار الحرب خياره الاستراتيجي، وربما ما كان السلام خياراً بحكم أنه كيان قائم على العدوان ويعتبره ركيزة وجوده . ولكن لا يضيره أن يلوّح بين فترة وأخرى بالسلام لكي يجمل صورته أمام العالم .

 

إن اعتبار السلام الخيار الوحيد، يزيد من غطرسة الكيان الصهيوني وعربدته واستباحته للحقوق الفلسطينية والعربية . وواضح أنه منذ دخول مصر في مأزق الصلح مع الكيان الصهيوني، زادت وتيرة الاعتداءات الصهيونية في الوقت الذي بدت مصر مقيدة لا تملك المؤازرة أو المناصرة لأي طرف عربي تطاله الاعتداءات الصهيونية . وربما كان الهدف الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية من وراء الصلح المصري مع الكيان الصهيوني، إخراج مصر وتقييدها، وقد كانت ذات الثقل الأكبر في النظام الرسمي العربي .

 

وربما تصور العرب أن تركيزهم على السلام يجعلهم محل تقدير عالمي، ويجمل صورتهم في الغرب، وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، بعد أن غدا “الإرهاب” بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، صفة تنطبق على العرب بصورة خاصة، واستثمرها الكيان الصهيوني، كما استثمرتها الولايات المتحدة الأمريكية لتعظيم منافعها، وابتزاز العالم العربي . ومن المعروف أن الصورة النمطية للعرب في وسائل الإعلام الغربية والأمريكية بصورة خاصة، هي صورة للتخلف بكل ألوانه، وفي شتى أبعاده .

 

وإذا كان النظام الرسمي العربي، قد أعلن السلام خياره الاستراتيجي، لأن الحرب مع الكيان الصهيوني، لم تخلف إلا الخراب والدمار وإهدار الطاقات والإمكانات والموارد، فإنه من الضروري عدم اعتباره خياراً وحيداً والعض عليه بالنواجذ . ذلك أن التاريخ لا يقف عند مرحلة واحدة، ولا بد أن يكون هناك تقييم شامل للوضع العربي، .

 

صحيح أن الوضع العربي الراهن، يبدو هشاً، ومازال التشرذم والانقسام والانكفاء القطري، سمة غالبة .

 

ومعروف أن الكيان الصهيوني، يستفيد كثيراً من أي انقسام عربي، أو حرب خارج نطاقه، وأبرز مثال على ذلك، الحرب الطاحنة بين العراق وإيران، ثم الغزو العراقي للكويت، وجاء الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله ليكون الكيان الصهيوني المستفيد الأكبر من وراء ذلك . فهو بمنأى عن هذه الحروب التي أهدرت الإمكانات والطاقات والموارد العربية، ووجهتها في غير وجهتها الصحيحة ضد الكيان الصهيوني، في الوقت الذي كان يزيد من تطوير قدراته وإمكاناته وموارده، ويزيد من ترسانة الأسلحة الحديثة والمتطورة لتزيد قدرته على الهيمنة وبسط النفوذ واستباحة الأرض الفلسطينية والعربية، والحقوق الفلسطينية والعربية، ما زاد من سعة الفجوة بين قدراته والقدرات العربية، بحيث يبدو الوضع العربي هشاً أنهكته حروب لا معنى لها، ولا مبرر لها ، ويبدو الكيان الصهيوني مدخراً كل إمكاناته وطاقاته وموارده ومطوراً لها .

=================

مصر وفرنسا دولتان أم حالتان؟

آخر تحديث:السبت ,17/07/2010

جميل مطر

الخليج

انفجرت فضيحة بيتينكور في وقت كانت أعصاب الفرنسيين تحترق غضباً على فضيحة أخرى أشد وقعاً وأكثر إساءة لسمعة فرنسا، إنها فضيحة الخلاف المدوي الذي نشب داخل فريق كرة القدم الفرنسي المشارك في دورة جنوب إفريقيا . لم تكن الهزيمة السبب الرئيسي للغضب بقدر ما كانت الطريقة التي تصرف بها اللاعبون مع مدرب الفريق، ومع بعضهم بعضاً، والطريقة التي تصرفت بها وزيرة الدولة للشؤون الرياضية راما يادي التي رافقت الفريق . يلفت الانتباه أن الوزيرة نصف الإفريقية لا يتجاوز عمرها الثالثة والثلاثين وتردد أثناء الأزمة أنها انتقدت نزول الفريق في فندق “خمسة نجوم”، وأن مكتبها في باريس حجز لها في فندق مماثل قبل أن تنتقل منه إلى القنصلية الفرنسية للمبيت فيها . تقول صحف فرنسية إن الوزيرة السمراء لم تنتقل من فندقها المتميز مع موظفي مكتبها إلا بعد أن وصلتها انتقادات من باريس . .

 

كانت فضيحة العلاقات داخل فريق الكرة فرصة لتشن وسائل الإعلام حملة على الفساد الذي خرب الرياضة في فرنسا بعد أن كاد يخرب كل شيء آخر . وصفت إحدى الصحف ساخرة تمرد الرياضيين بأنه أول مظاهرة في التاريخ يقوم بها أثرياء من أصحاب الملايين، باعتبار أن الرياضيين الفرنسيين كغيرهم من اللاعبين في دول أخرى أصبحوا من طبقة الأثرياء، ولكن أيضاً باعتبار أن المواطن الفرنسي العادي لا ينظر بعطف إلى “الأغنياء الجدد” بشكل عام، وبالتأكيد يكره هؤلاء الذين يتفاخرون بثروتهم المفاجئة ويتصرفون تصرفات غير لائقة .

 

اكتشفت مع ذلك، من خلال أحاديث مع مفكرين منشغلين بالهم الفرنسي العام أن للقضية أبعاداً أخرى . اكتشفت أن الفريق الفرنسي الذي لعب في جنوب إفريقيا يكاد يكون ممثلاً خير تمثيل لفرنسا الجديدة . بمعنى آخر، ضم الفريق لاعبين من أصول أوروبية بيضاء، ولاعبين من أصول إفريقية سوداء، وآخرين من أصول عربية سمراء . ويؤكد قطاع كبير من المفكرين، أو على الأقل من العينة الصغيرة التي اختلطت بها، أن “فيروس” العنصرية والطائفية الذي يجتاح أنحاء شتى من أوروبا أصاب فريق الكرة الفرنسي فانهزم وجلب على فرنسا العار، وأضاف إلى أوجه القصور في فرنسا وجهاً قبيحاً . من ناحية أخرى، فقد اللاعبون شعبيتهم ليس فقط لتصرفاتهم الخرقاء وتفاخرهم بالثروة، ولكن أيضاً بسبب مشكلة “الأنا المتضخمة” في الثقافة الجديدة للعبة كرة القدم وهي “الأنا” التي أثارت، حسب تعبير أحد الإعلاميين ، “قرف” قطاعات واسعة في النخبة المثقفة في باريس .

 

نذكر ويذكرون لساركوزي العنف الذي استخدمه ضد احتجاجات سكان الضواحي من أصول إفريقية وعربية عندما كان وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس شيراك . وعندما بدأ يشكل حكومته فور انتخابه رئيساً قيل إنه سيختار رشيدة داتي المغاربية الأصل وزيرة للعدل . لم يكن معروفاً عن رشيدة كفاءة معينة أو خبرة فائقة . أنا شخصياً كنت واحداً من مجموعة لم يفاجئها اختيار رشيدة داتي، لأننا كنا نعرف شيئاً عن علاقتها القوية بنيكولا ساركوزي وزوجته السابقة سيسيليا التي ألحت على تعيينها وزيرة . ما لم يكن معروفاً على نطاق واسع هو أن رشيدة كانت حاضرة وبقوة في الفترة الحرجة حين وقعت سيسيليا في حب ريتشار آتياس أحد أشهر رجال العلاقات العامة في كل أوروبا . بذلت رشيدة جهداً في محاولة إقناع سيسيليا بتأجيل طلاقها من نيكولا إلى ما بعد توليه المنصب وشجعتها على أن تستخدم شعبيتها ونفوذها لكسب التأييد له . وبالفعل بقيت سيسيليا إلى جانب رجل كانت تكرهه حتى فوزه . وفي النهاية وقبل رحيلها مع عشيقها إلى الولايات المتحدة طلبت سيسيليا من نيكولا تعيين رشيدة في الحكومة .

 

خرجت رشيدة من الوزارة غير مأسوف عليها بعد أن فقدت ثقة الرئيس وخاصمت زوجته الجديدة كارلا، وتخلت عنها القيادات الشعبية والسياسية من أصول مغاربية وإسلامية بعد أن اتخذت عدة مواقف ضدهم وتحالفت مع قيادات الجالية اليهودية، واندمجت في مجتمعهم المغلق عادة، ودخلت في علاقات عمل مع رجال أعمال، ثم عادت تمارس وظيفة رئاسة الحي السابع في باريس وهي الآن تبحث عن عمل إضافي يدر دخلا أوفر . لا يفوتني أن أذكر أن أبواباً عديدة حاولت رشيدة طرقها لم تفتح لها تفادياً لإغضاب كارلا، وبخاصة بعد أن تردد أن رشيدة مسؤولة عن شائعات هزت فرنسا تحدثت عن خلافات بين كارلا ونيكولا وعن أمور كثيرة تتعلق بكل منهما على حدة .

 

استمرت أحاديث الفضائح، وحاولت بجهد استدراج الأصدقاء والمعارف إلى أحاديث أخرى ولعلي أفلحت .

 

لم تكن سهلة محاولات إقناع الضيوف الذين أسعدوني وقبلوا دعوتي، أو إقناع المضيفين الذين خصصوا وقتاً وجهداً لاستضافتي مع آخرين، بالتطرق إلى قضايا أخرى غير موضوعات الفضائح والفساد وانهيارات منظومة القيم في فرنسا .

 

ذهبت إلى فرنسا، بينما أوروبا بأسرها تعاني تداعيات أزمة مالية حادة وعجز فادح في موازناتها والعلاقات الألمانية الفرنسية ترزح من جديد تحت ضغوط الشكوك التقليدية، وبينما يستعر بين القيادات السياسية في إيطاليا وفرنسا تنافس حاد على خفة الظل ووفرة الجاذبية للجنس الآخر، وكفاءة التحكم في وسائط الإعلام وتشويه صور المعارضين السياسيين، ذهبت وفي الذهن أسئلة حائرة عن حقيقة العلاقات بين مصر وفرنسا، وجدوى هذه العلاقات بالنسبة إلى شعبي البلدين .

 

فشلت في الإقناع معظم الوقت، ونجحت في آخر الوقت، استمرت أحاديث الفساد وسوء الإدارة والعجز في الأداء . وزير الفرانكفونية استأجروا له طائرة خاصة تكلفت 000 .130 يورو لأداء مهمة رسمية في دولة من دول الكاريبي، بينما لا تتجاوز قيمة بطاقة السفر على طائرة تجارية 8000 يورو . وزير آخر (كريستيان بلانسيه) أنفق من ميزانية وزارته مبلغ 000 .12 يورو على شراء علب سيجار من النوع الفاخر الذي يدخنه بشراهة . وفضيلة عمارة، الوزيرة من أصل مغاربي والرئيسة السابقة لمؤسسة “لا عاهرات ولا ساقطات”، قامت بتأجير أو إعارة شقتها الحكومية إلى شقيقها وعائلتها ليسكنوا فيها .

 

يحدث هذا وكثير غيره في وقت صدرت فيه تعليمات السيد الرئيس بالتخلص من 000 .10 سيارة حكومية و700 شقة ومنتجع لسكن الوزراء وكبار المسؤولين . رائحة الفساد تزكم الأنوف، وتناقضات الحكم في هذا الشأن تزيد زكامها . فالرئيس الذي أصدر أوامره إلى فرانسوا فيون رئيس الوزراء بعمل كل ما من شأنه خفض النفقات الحكومية واستخدم لهجة حاسمة وغاضبة حين قال في رسالته إلى رئيس وزرائه، “لا أريد أن أرى أموال دافعي الضرائب تسدد فواتير السيجار والطائرات الخاصة والشقق السرية والمنتجعات الشتوية والصيفية . أريد أن أرى تقليصاً في عدد المرافقين للوزراء، وأراهم يستخدمون القطارات في التنقل داخل فرنسا”، ووجه بأن ينزل الرسميون الفرنسيون في ضيافة سفراء فرنسا وقناصلها أو في المباني الحكومية في الخارج، وألا يستخدموا الفنادق الفاخرة . .هذا الرئيس فات عليه أو على مساعديه أمر بالغ الأهمية .

 

لاحظ الفرنسيون كما تلاحظ شعوب كثيرة تعيش هذا العصر، عصر الفساد الأعظم، أن تعليمات السيد الرئيس لم تتضمن تخفيضات في الإنفاق على قصور الرئاسة أو مصيف الرئيس في بريجانسو، وفي شاتو دي رامبوييه في إيل دي فرانس . ولم تشر إلى الطائرة الجديدة ال “إيرباص A330” المخصصة لرحلاته، وثمنها يزيد على 220 مليون دولار . ويضيف نائب عن الحزب الاشتراكي إلى قائمة بذخ الرئيس الطلب الذي تقدم به ساركوزي لزيادة رواتبه بنسبة 170 في المائة .

 

هناك غضب لا شك في وجوده في دوائر الفكر والثقافة، كثيرون يعتبرون نيكولا ساركوزي الضامن الأول للفساد والفاسدين وحامي مكاسبهم وداعم جهودهم . يتهمونه بأنه المسؤول عما آلت إليه الأحوال في فرنسا، قال لي أستاذ جامعي إن ساركوزي أنجز في أقل من ثلاث سنوات حجم تخريب في فرنسا لم ينجز مثله كافة الرؤساء الذين خدموا في ظل الجمهورية الخامسة على امتداد ثلاثين عاماً أو يزيد، وأجرى أحد الكتّاب الصحافيين المرموقين مقارنة بين فريق الكرة الذي فاز عام 1998 وفريق الكرة الذي عاد بالفضيحة قبل أسبوعين . قال إن الأول كان في تشكيله وأدائه وعلاقاته يعبر عن درجة لا بأس بها من الاندماج الاجتماعي في فرنسا، ويعبّر أيضاً عن توافر درجة كبيرة من التفاؤل بمستقبل فرنسا . الفريق الثاني الذي لعب في جنوب إفريقيا عبر هو الآخر أحسن تعبير عن حالة فرنسا الراهنة: تشرذم ديني وعرقي، أجواء معادية للعرب والمسلمين، حالة عصبية ضد رموز المهاجرين من شمال إفريقيا، وضد رموز العولمة في قطاع المصارف والمضاربات وضد لاعبي كرة القدم الذين يحصلون على رواتب هائلة لا تقارن بما يحصل عليه المثقفون والأكاديميون الفرنسيون . أضف إلى كل هذا حال الإحباط الذي خيم على الفريق وحال الإحباط العام الذي يخيم على العاصمة الفرنسية .

 

***

 

سمعت آلان جوبيه وزير الخارجية الأسبق يقول إن فرنسا اليوم أسوأ حالاً مما كانت عليه عام 1997 . قال إن سياسات الحكومة الحالية تسببت في “بعثرة” الوطن، وستترك فرنسا أمام تحديات أكبر ووضع أشد تعقيداً وعجز مالي هائل . آخرون ضموا صوتهم إلى صوت آلان جوبيه معترضين على أن يكون التدخل في أعمال اتحاد كرة القدم إحدى مهام رئيس الجمهورية . أذهلتني دقة وثراء التعبير الذي استخدمه جوبيه لوصف نتائج سياسات ساركوزي “بعثرة الوطن” . ألا تصف عبارة “بعثرة وطن” حال مصر في شهورها الأخيرة وصفاً دقيقاً؟ ثم تشعر بمدى التدهور في أوضاع فرنسا ومسؤولية الرئيس ساركوزي شخصياً عن هذا التدهور عندما تسمع جان بيير رافاران رئيس الوزراء السابق يقول “سيكون مفيداً للرئيس أن يتكلم”، وعندما تقرأ تصريحاً لمارتن أوبري زعيمة الحزب الاشتراكي تقول فيه “توجد في فرنسا الآن أزمة ثقة خطيرة” .

 

لا تخفى على الزائر لفرنسا حقيقة أن شعبية رئيس الدولة منحسرة، والقول إنها بلغت درجة من التدني لم تبلغه شعبية رئيس سابق للجمهورية قول لا مبالغة فيه . سمعت عن كراهية أغلبية الفرنسيين لرجل سوف يتسبب في أن يجعلهم يستمرون في العمل إلى ما بعد سن الستين ليستحقوا تقاعداً كاملاً . وسمعت عن غضب الطبقة السياسية التي حكمت فرنسا على امتداد الأجيال، بسبب محاولته نسف قواعد هذه الطبقة واستبدال طبقة أخرى بها تكون من صنعه هو وليس من صنع مؤسسات النخبة . المعروف مثلاً أن الأكثرية العظمى من كبار رجال الإدارة والسياسة والدبلوماسية وأصحاب المناصب الكبرى تتكون عادة من خريجي المدرسة الوطنية للإدارة ENA، ولم يجر العرف على أن يستعين الرئيس وغيره من قادة الدولة بخريجي معاهد أقل مستوى أو سمعة، وهو بالضبط عكس ما فعله نيكولا ساركوزي الذي شجع إدارة الدولة على تجنيد كبار موظفيها من خريجي كليات ومعاهد أخرى أقل مستوى . لذلك لا أرى مبالغة في تصريح مسيو جوبيه الذي يحذر فيه من انفراط مؤسسات فرنسا القيادية والسياسية وتدهور القيم . ونظراً لاهتمامي بانهيارات القيم في بلدي وبلاد أخرى انتهزت الفرصة وسألت عن كوشنير وزير الخارجية الغائب معظم الوقت عن الصورة . جاءني الرد بأن ساركوزي انتزع اختصاصات كوشنير لنفسه يساعده كلود جيان وجان دافيد لوفيت . وجاءني رد آخر من دبلوماسي مخضرم قال إن كوشنير كان مثل فقاعة هواء . وفقاعات الهواء لا تعيش طويلاً وهي قد تخدع بعض الناس بعض الوقت، ولكن لن تخدع كل الناس طول الوقت . أذكر جيداً صوراً لكوشنير في البوسنة يحمل الدقيق على ظهره ليطعم الفقراء، وعندما أصبح وزيراً وقف ضد محاولات إنقاذ الفلسطينيين المحاصرين وغيرهم من العرب المأزومين .

 

من ناحية أخرى، كان واضحاً لي، ولغيري، أن الاستعدادات للترشيح لانتخابات الرئاسة القادمة في فرنسا بدأت مبكراً على غير العادة . وفي الواقع لم تكن عودة مسيو ديفيليبان رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق إلى الساحة السياسية سوى إعلان عن أن اليمين الفرنسي لم يعد يتحمل إخفافات ساركوزي . يكفيه أن الرئيس، بسياساته المتطرفة ضد الفرنسيين من أصول إفريقية وعربية وضد القضايا العربية وبخاصة القضية الفلسطينية، ومواقفه المتشددة ضد إيران ودعمه لسياسات التوحش الرأسمالي، شجع تيارات التطرف اليميني بشكل عام وجعل حزب جان - ماري لوبان أقوى مما هو في الواقع، الأمر الذي ينذر بنزوح أصوات كثيرة من أحزاب اليمين إلى جهة اليمين المتشدد في الانتخابات المقبلة .

 

***

 

كثيراً ما تكون سخرية الشعوب مرّة . قالت لي سيدة فرنسية “ندفع ثمن عقدة ساركوزي بسبب قصر قامته، نحن أمة لم نحترم إلا الزعماء طوال القامة، نعتقد، وربما عن حق، أن القامة الطويلة للزعيم ترفع قامة الأمة . ديغول كان طويل القامة وهكذا كان جاك شيراك ومن قبله جيسكار ديستان وإن ليس بنفس الطول . والآن يستعد ديفيليبان وهو أيضاً فارع الطول بالإضافة إلى اعتماده على تاريخ مشرف في المواقف الدولية في مواجهة الولايات المتحدة وانحيازه إلى حقوق الأقليات في فرنسا” . ختمت الأستاذة كلامها بالقول، إن ساركوزي أخطأ حين سلم حق اختيار أصدقاء القصر والبلاط المقربين، وبالتالي المؤثرين في السياسة، إلى السيدة كارلا بروني تيديسكي . المعروف أن كارلا لا تخفي تفضيلها صحبة هؤلاء الحواريين الذين يلتفون حولها على كبار المثقفين والمستشارين . هؤلاء يقال إن الرئيس يلتقي ببعضهم ثلاث مرات في الأسبوع، أي في الليالي التي يبيت فيها في بيت السيدة كارلا .

 

***

 

حملت معي إلى باريس أسئلة عن التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الفرنسية في عهد حكومة الرئيس ساركوزي، ذهبت وأنا أعرف مسبقاً أن الفرنسيين في أحوال عادية يعشقون الحديث عن السياسة الخارجية . تصادف هذه المرة أنني كنت هناك وحالة الحنين مستعرة، وحديث الأمجاد يعلو فوق أي حديث كرد فعل مفهوم على حال الإحباط وزحمة الفضائح . ولما كنت حريصاً على الاستماع إلى آراء فرنسية في مسيرة السياسة الخارجية لحكومة الرئيس ساركوزي، سعيت إلى تدبير لقاء فطور مع شخصية لامعة في دوائر صنع السياسة الخارجية .

 

قضينا الدقائق الأولى نتبادل الرأي حول حرارة الجو التي بدت مرتفعة على غير عادتها في ساعة مبكرة من ساعات الصباح، وقبل أن ننتهي من شرب عصير البرتقال المثلج وننتقل إلى القهوة الفرنسية التي أعرف عن ثقة وتجربة وإدمان أن قهوة أخرى لا تعادلها في النكهة أو القدرة على تنشيط الذهن، وفي نفس واحد طلب كل منا من الآخر تقديم تفسيره لظاهرة الزيارات الرسمية المتكررة التي يقوم بها الرئيس المصري لفرنسا . قال رفيق الإفطار إنه لم يحسبها حساباً دقيقاً، ولكنه يظن أن الرئيس المصري زار فرنسا عدداً من المرات ربما أكثر من أنجيلا ميركل، مع العلم أن هناك اتفاقات مكتوبة وعرفية تفرض على زعيمي ألمانيا وفرنسا الالتقاء مرات عديدة خلال العام . ولا شك أنه يوجد بين ألمانيا وفرنسا من مشكلات جوار ودفاع واقتصاد ومصالح أوروبية واستراتيجية دولية وقضايا تكامل أوروبي وهجرة، ما يبرر عقد هذه اللقاءات العديدة بين المسؤولين الألمان والفرنسيين على اختلاف مراتبهم وليس فقط على مستوى القيادة الأعلى . يعرف صديقي وأعرف أنا أيضاً أنه لا توجد بين مصر وفرنسا من القضايا والمشكلات ما يستدعي هذا العدد من اللقاءات على مستوى الرئاسة، وهو عدد غير مسبوق في العلاقات العادية بين الدول، وبخاصة إذا لاحظنا أنه لا تعقد اجتماعات على مستويات أدنى، ما يعنى أن ما يدور في لقاءات القمة لا يستدعي أو يستحق المتابعة .

 

غريباً كان أمر هذا الصديق الفرنسي، أعرف الكثير عن سعة اطلاعه وأسمع أكثر عن تأثيره الواسع في صنع بعض سياسات فرنسا الخارجية، وتأكدت من كثافة شبكة اتصالاته في الداخل والخارج، ومع ذلك وجدته يقف حائراً أمام سؤالي عن ماهية الموضوعات التي يناقشها الرئيسان أو يتفاوضان عليها ويقرران أمراً لا نعرفه بشأنها . يعترف بأن هذا السؤال تصدر قائمة الأسئلة التي كان ينوي طرحها خلال لقائنا، وكان يأمل أن يجد عندي إجابات عنها، قال إنه بحث ونقب ولم يجد، بل إنه لم يعثر على عائد ملموس ومؤثر في قوة الدولتين ومكانتيهما وتأثيرهما داخل المحيط الإقليمي لكل منهما نتيجة هذه اللقاءات المتكررة . كل ما خرج به هو أن نفوذ الدولتين حسب معايير كثيرة ينحسر، وأن الرئيسين، حسب معايير أيضاً كثيرة، يواجهان مرحلة لعلها الأسوأ في عهد كل منهما .

 

انتقلنا إلى تفاصيل قضايا في السياسة الخارجية الفرنسية، تحدثنا عن تدهور موقف فرنسا في الصراع العربي “الإسرائيلي”، فسمعت منه عبارة ترددت في أحاديث كثيرة جرت الليلة السابقة، قال إن السياسة الخارجية الفرنسية خاضعة الآن لنفوذ اليهود أكثر من أي مرحلة سابقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . إن ساركوزي نفسه لا يخفي إيمانه بما تمثله “إسرائيل”، وسخطه على العرب والفلسطينيين، ولا أقول كراهيته لهم وهي الكلمة التي سمعتها من أكثر من شخص . أشهد أنني حرت في تقرير إن كنت سعدت أم حزنت بتعليق لصديق فرنسي قال فيه . . “على كل حال . . نحن نحسدكم على مساحة الحرية التي تتمتعون بها في بلادكم . أنتم كإعلاميين وأكاديميين تستطيعون انتقاد “إسرائيل” علانية في مصر، أما نحن فلا نستطيع” .

 

ومع ذلك سمعت انتقاداً للسياسة الخارجية المصرية من ضيف انضم متأخراً إلى مائدة الإفطار وله علاقة بدوائر الإعلام الفرنسية . قال الضيف إنه يسمع من أصدقاء له في الخارجية الفرنسية الشكوى من أن انسحاب مصر من العمل الإقليمي في الشرق الأوسط أضاف عبئاً إلى أعباء كثيرة تقع الآن على عاتق السياسة الخارجية الفرنسية . اختار الضيف نماذج لهذه الأعباء منها بروز دور لإيران لم تكن لتستحقه لولا غياب مصر، ومنها أيضاً أزمات السودان والقرن الإفريقي المتلاحقة، وحال الفزع شبه الدائم الذي تعيش فيه دول الخليج وشعوبه، ومنها أحوال المشرق العربي، ما اضطر فرنسا إلى مضاعفة جهودها وتدخلها في لبنان ودفعها لدعم الدور السوري في شؤون المنطقة .

 

أضاف الضيف “ولا أخفيك أن عدداً من المسؤولين الفرنسيين القريبين من الرئيس سعداء، لأن انشغال تركيا بالشؤون العربية وتوتر علاقاتها ب “إسرائيل” أثبت قوة حجة فرنسا للحيلولة ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فالاتحاد لن يسمح بانضمام دولة تعادي “إسرائيل” . إنه الشرط غير المعلن “في وثائق الاتحاد” . لذلك بدت مألوفة تحية أحد الساسة الفرنسيين التقيت معه على العشاء في اليوم نفسه، حين بادرني أثناء ترحيبه بالقول “هنيئاً لكم بتركيا، نشكركم لأنكم أتحتم لها الفرصة لتكشف حقيقة نواياها تجاه “إسرائيل” . كانت فرصة ذهبية عرفنا من خلالها أن تركيا لا تصلح إطلاقاً لعضوية الاتحاد الأوروبي” . قلت ولكنها عضو في الناتو وستبقى عضواً . جاء الرد سريعاً “الناتو أمر مختلف، لأنه يجمعكم، يهوداً وعرباً ومسلمين، بنا” .

 

هكذا قادتني الظروف، ولكن في دولة غير عربية، لأسمع انتقاداً للسياسة الخارجية المصرية التي تسببت في انعزال مصر وانحسار دورها الإقليمي والدولي . مرة أخرى أطأطئ الرأس خجلاً متخيلاً مسؤولاً مصرياً كبيراً يجلس في مقعدي مستمعاً إلى رأي الساسة الفرنسيين في السياسة الخارجية المصرية، فيتصدى لهم بالرد الذي صار مألوفاً ومقززاً في آن واحد “هل تريدون منا أن نحارب؟” . أتمنى لو أن المسؤولين في مصر عن صنع السياسة الخارجية فكروا في صياغة رد آخر يحل محل الرد المهين والفارغ من المضمون الذي صار موضوعاً لسخرية واسعة . سمعت طالباً يدرس العلاقات الدولية في إحدى جامعات أوروبا يقترح من باب الهزل تعديل الرد ليصبح على النحو الآتي: “الدول تحقق مصالحها وتسوي صراعاتها الدولية عن طريقين لا ثالث لهما، طريق الحرب وطريق الانعزال” . ويضيف متشبثاً باقتراحه أنه إذا أخذنا به فسيكون إضافة إلى علوم السياسة والصراع، وحكمة تصلح لعصر قادم لا تقوم فيه بين الدول علاقات، ولا تنشغل الحكومات برسم أو صنع سياسات خارجية، عصر لن تنشأ فيه حاجة إلى وزارات للخارجية .

=================

معنى تحرك البازار في إيران

خير الله خير الله

الرأي العام

7/17/2010

لا يمكن بأي شكل الاستخفاف بالحدث المهم الذي شهدته إيران قبل أيام. يتمثل هذا الحدث في انضمام البازار إلى حركة الاحتجاج على النهج الذي يتبعه الرئيس محمود أحمدي نجاد وحكومته. كان للبازار دائماً دور في أي تحرك ذي طابع سياسي في إيران طوال حكم الشاه. دعم البازار ثورة آية الله الخميني وساعد في اسقاط نظام الشاه. بعد ذلك، لعب دوراً أساسياً على صعيد دعم النظام الذي حظي بتأييد الطبقة التي يرمز إليها البازار. استطاع النظام الإيراني القائم منذ واحد وثلاثين عاماً الحصول على دعم تجار البازار عن طريق المحافظة على مصالحهم. أن يتخلى أهل البازار عن القيمين على النظام، أو على الأصحّ عن المجموعة الحاكمة حالياً، يعكس بحد ذاته تطوراً كبيراً ويشير إلى أن هناك تحولات في العمق طرأت على المجتمع الإيراني، وعلى موقفه من محمود أحمدي نجاد وما يمثله.

لم يعد سرّاً أن انقلاباً حصل في إيران. نُفّذ الانقلاب على مرحلتين. كانت الأولى، لدى انتخاب أحمدي نجاد رئيساً في يونيو 2005. ينسى كثيرون الآن أن منافسه على الرئاسة كان وقتذاك هاشمي رفسنجاني الرئيس السابق وأحد أعمدة النظام، واحد المقربين من الخميني... ومن البازار. حقق أحمدي نجاد في حينه انتصاراً ساحقاً على رفسنجاني بحصوله، تقريباً، على ضعفي الأصوات التي حصل عليها (نحو سبعة عشر مليون صوت لأحمدي نجاد في مقابل أقل من عشرة ملايين صوت لرفسنجاني). بدا واضحاً أن إيران دخلت مرحلة جديدة شكل أحمدي نجاد رأس الحربة فيها.

من كان لديه أدنى شك في ذلك، فقد تأكد من الأمر في يونيو 2009 عندما فاز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية مجدداً في ظروف أقلّ مما يمكن أن توصف به أنها ملتبسة. اعترض منافسوه، على رأسهم مير حسين موسوي على النتيجة، وحركوا الناس. اتخذ تحركهم شكل ثورة سلمية سميت ب«الثورة الخضراء». ولكن بدا واضحاً أن شيئاً ما كان ينقص التحرك الشعبي الذي واجهته السلطة بالقمع. أكدت السلطة المدعومة من «الحرس الثوري»، بتغطية من مرشد الجمهورية الإسلامية، آية الله خامنئي، أنها لن تسمح بأي عودة عن الانقلاب وبأي تجاوز لمحمود أحمدي نجاد أو للخط الذي يمثله. ما كان ينقص «الثورة الخضراء» هو دعم البازار الذي يعبر في العادة عن نبض الشارع وما يحس به المواطن العادي في طهران وخارجها.

من الواضح أن انضمام البازار إلى المعترضين يشير إلى أنّ عملية العد العكسي لعهد محمود أحمدي نجاد وكل ما يمثله، دخلت مرحلة جديدة أكثر جدية من الماضي. يعود ذلك إلى سببين رئيسيين أولهما، عدم قدرة الرئيس الإيراني على التعاطي مع المجتمع الدولي، والآخر، سياساته الداخلية التي تنم عن قصر نظر، في أحسن الأحوال.

لم يستوعب أحمدي نجاد أن العقوبات الدولية أمر جدّي وأنه لا يمكن الاستخفاف بها وأنها ستكون لها، عاجلاً أم آجلاً، انعكاساتها على المواطن الإيراني. هزأ من العقوبات ولا يزال يتظاهر بأنها غير ذات شأن إلى أن اكتشف أن الأمر ليس مزحة خصوصاً عندما يصل إلى حدّ الاضطرار إلى رفع الدعم عن الوقود. انه قرار غير شعبي سيبدأ تنفيذه في سبتمبر المقبل وهو يطول ملايين الإيرانيين المستفيدين من الدعم.

ما لم يستوعبه الرئيس الإيراني أيضاً أن توزيع الأموال، وان بمبالغ صغيرة، على المواطنين يمكن أن يساعد في رفع شعبيته. لكن مثل هذه السياسة تتسم بالعقم في المدى الطويل، خصوصاً أنها تساهم في قيام اقتصاد ذي طابع ريعي لا يصب في مصلحة المواطن الفقير الذي تعود على الدعم الحكومي من جهة، وبدأ يسأل من جهة أخرى لماذا تذهب أموال الدولة الإيرانية إلى بعض الفئات في لبنان أو غزة؟

شيئاً فشيئاً، تزداد النقمة على المجموعة الحاكمة في إيران. انضم البازار إلى المعترضين على محمود أحمدي نجاد. بدأ الإيرانيون يتساءلون: لماذا تحدى المجتمع الدولي بهذه الطريقة السافرة؟ ما الفائدة من البرنامج النووي الذي يكلف أموالاً باهظة ولا يعود على المواطن العادي سوى بالعقوبات؟

منذ إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً قبل أربعة عشر شهراً لم تتوقف الاحتجاجات في إيران. اللافت حالياً أن رقعة هذه الاحتجاجات تتسع خصوصاً بعدما طالت كل فئات المجتمع، بما في ذلك الذين يودون السفر إلى الخارج. هناك حظر على هبوط الطائرات الإيرانية في معظم مطارات أوروبا. وهذا يعني أن على كل إيراني يريد مغادرة البلد شراء تذكرة السفر بالعملة الصعبة. بكلام أوضح، بات عليه أن يدفع خمس مرات ثمن التذكرة التي كانت تسمح له بالسفر بواسطة الخطوط الإيرانية.

في النهاية، لا يمكن لأيّ دولة من الحجم المتوسط مثل إيران أن تلعب أدواراً على الصعيد الإقليمي تفوق حجم قدراتها. مثل هذه الأدوار ستكلفها كثيراً، خصوصاً في غياب القاعدة الاقتصادية الصلبة. لعلّ الفشل الأكبر للثورة الإيرانية في العجز عن الاستغناء عن النفط ومداخيل النفط. وعد القيمون على الثورة منذ اليوم الأول لإسقاط الشاه والتخلص من نظامه بعدم ابقاء الاقتصاد أسيراً للنفط. بعد واحد وثلاثين عاماً على الثورة، يبدو النظام الإيراني أسير النفط أكثر من أي وقت. من يتحكم في أسعار النفط يتحكم في الاقتصاد الإيراني. لم يتنبه محمود أحمدي نجاد إلى العلاقة بين الاقتصاد والدور الإقليمي أو العالمي. لم يتذكر أن انهيار الاتحاد السوفياتي إنما تسبب فيه ضعف قاعدته الاقتصادية قبل أي شيء آخر. هل يستفيد من درس الاتحاد السوفياتي الذي كان قوة نووية وترسانة عسكرية ضخمة تقف على اقتصاد ضعيف؟ في حال تنبه إلى ذلك، سينصرف اليوم قبل غد إلى الهموم الداخلية لإيران وسيطرح على نفسه سؤالاً في غاية البساطة: لماذا بلغت النقمة البازار؟

كاتب لبناني مقيم في لندن

=================

أبعاد البرنامج النووي الإيراني وفرص نجاحه

السبت, 17 يوليو 2010

شفيق ناظم الغبرا *

الحياة

اصبحت ايران في المرحلة الاخيرة نقطة الارتكاز الاساسية بالنسبة الى السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. فوضع ايران وعلى الاخص منذ منتصف هذا العقد يلخص كل المسائل. لقد ارتفع نفوذها الاقليمي واصبحت لها مواقع على جبهة الصراع العربي الاسرائيلي كما ان برنامجها النووي يكاد يتحول من حلم الى حقيقة. من جهة اخرى تعتبر اسرائيل ايران العدو الاول والاخطر عليها وذلك بسبب تطور نفوذها الاقليمي وطبيعة نظامها المتصادم مع السياسة الاسرائيلية والاميركية، لكن اكثر ما يقلق اسرائيل هو البرنامج النووي الايراني. فهذا البرنامج بالنسبة الى اسرائيل يغير موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط. ان التوجهات النووية الايرانية ستؤدي الى مسألتين: الاولى كسر احتكار اسرائيل للسلاح النووي في الشرق الاوسط(وهي تملك قرابة ٢٠٠ رأس نووي) والثانية تحقيق توازن وردع بين إسرائيل من جهة وإيران من جهة اخرى.

وتشير المعلومات التي تتردد في الاوساط المقربة من الادارة الاميركية الى ان ايران توصلت عام ٢٠٠٨ الى صنع قنبلة نووية لكنها تمهلت ولم تقم بعبور النقطة الحمراء تفادياً لأزمة كبرى. اي ان ايران لم تقم بوضع اللمسات الاخيرة على منتوجها الذري وذلك لأنها لم تكن مهيأة لفتح معركة دولية كبرى حول قدراتها النووية. وتشير ذات الاوساط المقربة الى ان قيام ايران بعدم اجتياز النقطة الحمراء خفف من الاحتقان عام ٢٠٠٨ موقتاً وعلى الاخص في الساحة الاسرائيلية التي تعتبر النووي الايراني خطراً وجودياً بالنسبة اليها. وتفسر هذه الاوساط التباطؤ الايراني على انه تحضير لمفاجأة العالم بقدرات اكبر من مجرد قنبلة واحدة، فايران لن تذهب الى العلنية في ما يتعلق بوضعها النووي الا اذا اصبحت تمتلك اساساً ترسانة جاهزة متكاملة. وهناك رؤية اخرى في الوسط الاميركي ترى ان ايران تسعى الى تحقيق كل انواع التقدم التكنولوجي نحو امتلاك قدرات نووية (النموذج الياباني) من دون القيام بالتصنيع النهائي.

وليس غريباً ان نظام الثورة الاسلامية في ايران سعى لامتلاك القوة النووية. ففي التاريخ الاسلامي مثّل الشيعة على الدوام القوة الاساسية للمعارضة، وقد ادى هذا الى نشوء حالة من غياب الامان في المشاعر الشيعية الدينية والعقيدية تعبر عن نفسها في طريقة استذكار مجازر التاريخ وحالات الاضطهاد. وبالمنطق ذاته ليس غريباً ان تسعى اسرائيل فور انتهاء حرب ١٩٤٨ الى امتلاك القوة النووية انطلاقاً من تجربة مرتبطة بحالة الخوف والاضطهاد التي عاشها اليهود عبر التاريخ وعلى الاخص في أوروبا. ان السعي النووي في الحالة الايرانية ينم عن مشاعر خوف وقلق لها بعدها التاريخي كما ينم عن شعور ايراني مرتبط بموقع ايران ودورها وحضارتها، اما السعي النووي الاسرائيلي فهو الآخر ينم عن مشاعر خوف عميقة مرتبطة بتاريخ اليهود في اوروبا لكنه ينم عن سعي إسرائيل لتبوؤ موقع محدد في ميزان الشرق الاوسط والميزان العالمي يقوم على عقيدة القوة. لهذا ليس غريباً ان تكون اول دولة نووية في الاقليم هي اسرائيل وثاني دولة نووية في الاقليم هي ايران. ان هذه المقارنة تؤكد أن على العالم ان يتعامل مع النووي الاسرائيلي كما يتعامل مع النووي الايراني. يجب ان تكون المعاملة متساوية بين اسرائيل وايران من حيث الرفض او القبول. هناك تناقض في السياسة الاميركية يضر بصدقيتها ويساهم في زعزعة الايمان بعدالة القانون الدولي المراد الحفاظ عليه. هذا بالطبع يساهم في افشال السياسة الاميركية التي تركز على ايران وتتفادى التركيز على اسرائيل.

ومهما بدت الضغوط في هذه المرحلة على ايران فمن الواضح انها تتمسك بقدراتها النووية ولا يبدو في المدى المنظور انها تطرح الامر للمساومة وان كان بامكانها التأجيل والمرواغة لتحقيق مكاسب استراتيجية. ان التوصل الى عقد اتفاق استراتيجي اميركي ايراني لم ينضج بعد، فالشروط الاميركية تتصادم مع الشروط الايرانية خاصة ان جزءاً من المطالب الاميركية تجاه ايران هي حتى الان مطالب اسرائيلية مرتبطة بايقاف النووي وفصل التحالف الايراني مع «حماس» و»حزب الله» والقوى العراقية. وهذا تعتبره ايران تجفيفاً لقدراتها ونقاط قوتها بينما لا تتخلى اسرائيل والولايات المتحدة في الجهة المقابلة عن نقاط قوتهما. ان ايران تسعى الى انتزاع اعتراف اميركي واضح بمصالحها التجارية والاقتصادية والسياسية في الشرق الاوسط ومنطقة الخليج، ولكنها تسعى ايضاً الى وضع القوة الاسرائيلية في اطارها من خلال انتزاع عنصر التفوق الاستراتيجي الذي تتميز به. فايران متصادمة مع اسرائيل عقيدياً وسياسياً وامنياً وما حرب ٢٠٠٦ بين «حزب الله» وإسرائيل الا دليل على عمق هذا التصادم الذي تعود جذوره الى التعاون الوثيق بين نظام الشاه السابق وإسرائيل. وتتضمن السياسة الايرانية في الوقت ذاته السعي الى التزام اميركي بعدم تغيير النظام الايراني، بل على الاغلب ان سياسة عدم تغيير النظام اصبحت امراً مفروغاً منه مع إدارة الرئيس اوباما.

وقد تجد إيران في حالة ازدياد الضغوط عليها ان المدخل لايقاف الضغوط الدولية والتخلص من العقوبات التي فرضت عليها مؤخراً ان تعلن عن قدراتها النووية وتقوم بتفجير نووي. فوفق التجربة الباكستانية تغيرت المعادلة بمجرد الاعلان عن تفجير نووي وسقطت الضغوط العالمية عن باكستان دفعة واحدة. ان ايقاف القدرات النووية الايرانية اصبح متأخرا، وستكون ايران الدولة النووية القادمة، وسيجعلها هذا الوضع قادرة على المقايضة والقبول بدرجة من الرقابة الدولية في ظل تحقيق مكاسب جديدة في منطقة الشرق الاوسط.

وبالرغم من تراجع آفاق الضربة العسكرية الاميركية الا ان آفاق المغامرة الاسرائيلية في ضرب ايران لم تختفِ. ان معظم التقديرات تشير الى ان ايران تجاوزت الحد الذي تستطيع من خلاله اسرائيل ايقاف برنامج ايران النووي بواسطة ضربة عسكرية. إن اسرائيل قد تقبل على مغامرات كبيرة بهدف توريط الولايات المتحدة المتورطة اساساً في كل من افغانستان والعراق. وفي الوقت نفسه فالضغوط الاسرائيلية وتحركات اللوبي اليهودي تهدف الى محاصرة الرئيس اوباما وفرض خيارات قاسية عليه تتطلب مزيداً من العقوبات والضغوط على ايران. الصراع الايراني - الاميركي هو في الاساس في جانب منه صراع اسرائيلي - ايراني.

في نفس الوقت يصعب الحفاظ على حالة من الاتفاق بين الدول الكبرى في التعامل مع ايران. فقرار العقوبات الجديد رقم ١٩٢٩الذي اقره مجلس الامن في الشهر الماضي بموافقة الصين وروسيا استهدف ان لا تقوم الولايات المتحدة من جابنها وبصورة احادية بفرض عقوبات على ايران. لكن قيام الكونغرس الاميركي بعد ذلك بتمرير قوانين احادية الجانب تفرض العقوبات على ايران جعل الصين بالتحديد تشعر انها خُدعت في مجلس الامن. فقد وقع تفاهم بين الصين والولايات المتحدة يمنع الولايات المتحدة من فرض عقوبات من جانبها بصورة مباشرة على ايران مقابل موافقة الصين على العقوبات في مجلس الامن. بمعنى آخر هناك شقوق في التحالف الدولي الراهن وحدود لاستمرار هذا التحالف خاصة مع الصين وهذا ما تعرفه ايران جيداً. ويعزز هذا وجود مصالح صينية كبرى مع ايران في مجال الطاقة وفي مجالات اخرى. كما ان انسحاب بعض الشركات العالمية والاوروبية من ايران بسبب العقوبات قد يساهم في جعل الصين تحقق مكاسب تجارية في إيران ما يمهد لصعود دور الصين كدولة كبرى في منطقة الخليج من الباب الايراني اولا ثم من الباب العراقي مستقبلا.

ان العقوبات التي فرضت قبل اسابيع من خلال قرار في مجلس الأمن ستصيب الشعب الايراني ولن تصيب النظام، وسوف تساهم في ضرب المعارضة الايرانية وتقوية النظام وبالاخص الجناح اليميني فيه. هذا ما فعلته العقوبات في العراق وهذا ما قد تفعله في ايران في حال استمرارها. لكن الواضح ايضاً ان ايران لن تقبل بعقوبات طويلة، وانها ستسعى لاستخدام قدراتها في التأثير المضاد. لنتذكر جيداً ان ايران تملك القدرة على التأثير على المعادلات من خلال كل من العراق وافغانستان ومن خلال حاجة الولايات المتحدة لتأمين انسحابات وتهدئة كما انها تملك نسبة من المفاجآت في الملف النووي. ولدى ايران القدرة على تحريك جبهة الصراع العربي الاسرائيل كما لديها، فيما لو تعرضت لاعتداء، قدرات لتحريك عجلة العنف والفوضى في مناطق مختلفة من العالم الاسلامي. لهذا تمثل ايران قوة اقليمية تملك تاريخاً وعمقاً حضارياً كما لديها قدرات دينية وثقافية وحضارية وسياسية بإمكانها توظيفها في اللحظة المناسبة. ان السياسة الاميركية بتناقضاتها المختلفة ساهمت عبر تغيير النظام العراقي واسقاط نظام «طالبان» في افغانستان وعبر ضغوطها السلبية بعد 11 أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١ في مواجهة كل من المملكة العربية السعودية ومصر في تقوية ايران والاسهام في صعود نفوذها.

تحاول الولايات المتحدة الآن تحجيم ايران بعد ان وجدت ان سياساتها ادت الى ما ادت اليه. هذا هو الطريق الخطأ للسياسة الاميركية الذي سيؤدي الى فوضى جديدة وتعميق للارهاب، بل ان الطريق الصائب هو ذلك الذي يتعامل جدياً مع الصراع العربي الاسرائيلي بصفته الاساس الذي يساهم في تفجير حروب وكوارث المستقبل. اليس امتداد ايران نحو جنوب لبنان وسورية وغزة وربما غدا الى الضفة الغربية مرتبطاً بوجود صراع عربي اسرائيلي واستيطان إسرائيلي وتهديد يومي للقدس وحصار دائم لقطاع غزة؟ المشكلة الاساسية هي في القدس قبل ان تكون في طهران وواشنطن.

* استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

=================

سورية والحريري وسقف الاستقرار

الجمعة, 16 يوليو 2010

وليد شقير

الحياة

تشكل زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق الأحد المقبل محطة أساسية لاختبار مدى إمكان إحداث تقدم في العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد مضي زهاء 7 أشهر على زيارة الحريري الأولى التي وصفت بالتاريخية نظراً الى المصالحة التي تخللتها بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد.

ومع أن البنود التي تحتاج الى ترجمة مرحلة التوافق اللبناني - السوري الى نتائج عملية وملموسة كثيرة، فإن الزيارة المرتقبة ستتيح تنفيذ بند ثانٍ من بنود البيان المشترك الذي صدر في 14 آب (أغسطس) 2009 عند أول زيارة قام بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان لدمشق بعد انتخابه، إثر تنفيذ بند إقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. والبند الثاني هو «مراجعة الاتفاقات الثنائية»، الذي يفترض بالزيارة أن تحسمه بعد أشهر من اللقاءات والاتصالات، مضافاً إليه حسم الموقف من 18 اتفاقاً جديداً.

لكن الأهم أن الزيارة تتم في إطار المقاربة الجديدة التي قرر الحريري اعتمادها في العلاقة مع دمشق منذ زيارته الأولى، والتي تقوم على أن تحسين العلاقات لا يمكن أن يتم في ظل طرح الشروط والشروط المضادة، وفي ظل اشتراط تنفيذ سورية ما يطالبها لبنان به لتحسين العلاقة، نظراً الى اعتقاده أن المقاربة الإيجابية بعيداً من التشنج هي التي تسمح بالتوصل الى ما يريده لبنان. وإذا كان الاعتقاد أن هذه المقاربة الإيجابية قوبلت بإيجابية من الجانب السوري الى الآن، خصوصاً أن الحريري تعاطى بصبر وتشبث بمقاربته الهادئة إزاء ضغوط وسلبيات تجاهه من بعض حلفاء دمشق في لبنان، فإنه لا بد من النظر الى الإطار الإقليمي والدولي الذي تجري فيه الزيارة، بما يتجاوز ما يمكن أن يكون لها من آثار مباشرة على الوضع اللبناني.

ولا بد من التذكّر هنا أن ما تشهده العلاقة بين البلدين يتم تحت سقف التفاهم السعودي – السوري الذي تطوّر في الآونة الأخيرة الى تعاون في قضايا إقليمية ساخنة أبرزها العراق الآن. وهذا السقف هو حفظ الاستقرار في لبنان كأولوية قصوى، مع ما يعنيه ذلك من جهود سورية لتثبيت هذا الاستقرار، حل المشاكل العالقة بين البلدين بالتواصل الدائم، وترك اللبنانيين يعالجون شؤونهم الداخلية في إطار حكومة الوحدة الوطنية...

لكن المشهد الإقليمي الذي تتم الزيارة في إطاره يتعدى ذلك أيضاً. فالدول الكبرى المعنية بالاستقرار في لبنان، من الولايات المتحدة مروراً بأوروبا، انتهاء بروسيا، تعتبر أن سورية حققت لهذا الغرض خطوات لكنها غير كافية، فيما ترى دمشق أن الانفتاح عليها من قبل هذه الدول منذ حصول التهدئة في لبنان لم يكن كافياً.

وإذا كانت الدول الكبرى، بما فيها روسيا، تأمل من القيادة السورية سياسة أكثر استقلالاً عن إيران، فإن هذه القيادة تعتمد استراتيجية مرنة تحت سقف استمرار تحالفها مع إيران، تقوم على التمايز عنها في مواجهة الأخطار التي تتعرض لها المنطقة، وتقوم على تطبيع العلاقة السورية – العربية بدءاً بالمصالحة مع السعودية وعلى توثيق العلاقة مع تركيا في شكل تصاعدي مع الخشية التي عبر عنها الرئيس الأسد من انفراط العلاقة التركية – الإسرائيلية، وآثارها السلبية على إمكان استئناف التفاوض على عملية السلام مع إسرائيل، باعتباره يعتمد أنقرة قناة التفاوض الرئيسة، هذا إضافة الى اعتماده سياسة التطبيع مع دول أوروبا وأميركا، التي تعتبر أن لبنان أحد ميادين اختبار الدور السوري في الاستقرار إضافة الى العراق وفلسطين.

وإذا كان حليف سورية الوثيق، إيران، استخدم في الآونة الأخيرة لبنان صندوق بريد ليبعث برسائل من طريق الصدامات التي وقعت بين «حزب الله» و «يونيفيل» رداً على العقوبات ضد إيران، أو لأسباب تتعلق بما هو آتٍ رداً على المحكمة الدولية، كما قيل، وبإشارات لباريس عبر تجميد الاتفاق الأمني اللبناني – الفرنسي نظراً الى تشددها في العقوبات، فإن الجانب السوري استخدم «صندوق البريد» اللبناني ليبعث برسائل مختلفة انطلاقاً من ازدواجية استراتيجيته القائمة على الانفتاح والإبقاء على تحالفه مع إيران و «حزب الله». فدمشق حرصت عبر حلفائها، لا سيما رئيس البرلمان نبيه بري على تهدئة المشاكل مع «يونيفيل»، لتأكيد حرصها على تجنب ما يقود الى تسهيل حصول حرب إسرائيلية على لبنان. وهي سبق أن أبدت تفهمها لموقف لبنان بالامتناع عن التصويت على العقوبات ضد إيران، بخلاف «حزب الله» الذي انتقد عدم وقوف الحكومة ضد العقوبات.

إلا أن هذا كلّه لا يعني أن دمشق ستقدم أكثر مما يحفظ الاستقرار، الذي يهتز أحياناً، في تمايزها عن إيران، لأن تخليها عن أوراق كثيرة متروك للوقت المناسب، ومقابل خطوات أكبر من آفاق الانفتاح الحالي عليها، أقلها استعادتها الجولان...

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ