ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 27/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إيران في مفترق الطموحات و المحظورات

يونس الغايسي

6/26/2010

القدس العربي

عقب صدور قرار مجلس الأمن رقم 1929 و ما حواه من عقوبات بمنطوق دولي و بلبوس "أنجلوصهيوني"، ارتكن الكثير من المهتمين إلى هذا الإنجاز الدولي، باعتباره خيارا توافقية انتزع من أدرع مستحيل المصلحة و ممكن السياسة، ينتظر منه ان يجني ثمارا عجزت الدبلوماسية بصورها و الدعاية بتجلياتها عن الإتيان بها، في ظل تصلب الموقف الإيراني حيال برنامجه الأبي عن أي لين .

أهو احتباس سياسي ضاق الأمريكي به -بوسع نفوده- دون تفريغه، حتى يرتكن إلى مكسبه بعد إقراره دوليا و هو الغارق في أزماته المتوالية؟ أم لعلها محاولة لكسر عنق الشرعية و تحويل روح المسؤولية التي أبدتها إيران تعاطيا و المجتمع الدولي، سجل آخرها في محاولة تركية – برازيلية في "ثالوث اتفاقي" كاد أن يشكل ثقبا أسودا لكل المجهودات الأمريكية "لمعاقبة" الطموحات الإيرانية؟؟

حتى في أكثر التوقعات تفاؤلا، الأمر أعقد من أن يوضع حتى في ميزان الربح و الخسارة. أكيد أن المجموعة الدولية المؤتمرة و المتآمرة في أكثر من مناسبة، قبيل موعد إصدار مجلس الأمن قراره، لم تكن تفكر بلحظة صدور القرار، بقدر لحظة ما بعد إصداره و ما ستؤول إليه الأمور، و ما الخيارات المتاحة في مواجهة أي تدابير مقامة، سواء فيما اتصل بقضية الطموحات الإيرانية أو أي طارئ أستجد على الساحة الإقليمية.

فهل ثمة من توصيف للوضع الذي آلت إليه القضية بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي؟

لا احد ينكر مدى الارتباط العضوي بين مجريات الأمور على أرض الواقع، و بين تصورات المحللين في سماء التوقع، دون إقصاء هامش السبق الذي قد يحققه كل حقل في تقديره للوقائع على حساب الآحر، لكن عندما يبرز أفق أي قضية غامضا حد الضبابية مستعصيا على الفهم و التوقع حد العبثية، تتأكد حالة التوهان، التي لا ينفع فيها أي تقدم سياسي أو توقع تحليلي. فيصير من أنجع الخيارات دون البقاء في هذا المأزق، تتبع "خيوط أريان" للخروج من هذه المتاهة، و العودة ببصائر نور من جديد لتسلط على إشكالات القضية.

في عملية الخروج، الرجوع التقدمية، إلى بدايات الازمة بين إيران و المجتمع "الانجلوسكصهوني "، أبرز ما يمكن ان يلاحظ في عملية النشوء الأولى للازمة، في بداية شرارة إحتكاك المصالح، أن ثمة أرقام استراتيجية إقليمية متنازع عليها، تشكل مفتاحا لمشروعين متناقضين لفاعلين متقابلين. أرقام تعد من وجهة نظر أصحاب المشروع الوطني و الإقليمي المستقل كطرف أول، طموحات ينبغي بلوغها، في حين تعد من وجهة نظر أصحاب المشاريع الهيمنية كطرف مقابل، سواء التقليدية منها- الأوروبية- أو الجديدة و المستجدة- الأمريكية و الصهيونية- محظورات ينبغي الحيلولة دون بلوغها .

أرقام و إن تعددت، شكلت وحدة نقيضين، طموحات و محظورات، دلت عليها أحداث مرت بها المنطقة في أوان و أيضا كثنائية دلت على نفس الأحداث في آن. و يمكن ابراز هذه المحظورات/الطموحات في أربع أرقام استراتيجية غيرت و يمكن ان تغير وجه المنطقة:

أولى هذه الأرقام، قيام نظام سياسي في المنطقة يتبنى المنهج الإسلامي كنظام حكم و يسعى لتطبيقه كفلسفة مجتمعية، اعتبر محظورا في أدبيات المصالح الأمريكية لما له من إنعكاسات وخيمة على هذه الأخيرة، و هو ما حدث بالفعل و بنفس الوقع إن لم نقل أشد من مما كان محتملا عام 1979، حين حول هذا الرقم إيران من يد عون للإستراتيجية الأمريكية و قاعدة متقدمة لمصالحها، إلى قوة معادية تتدخل في تقاطع مع هذه المصالح لحرق كل أوراقها الإقليمية. تخوف لا يزال مستمرا و زلزال لا تزال توابعه ممتدة زمنيا، الامر الذي إن دل على شيء ، إنما يدل على مدى عمق هذا التحول، الذي لم يطل فقط إقتصاد الدول الغربية الرمزي-الإيديولوجي و العقائدي- إنما التجاوز طال جوهر المصالح الإقتصادية و الجيوسياسية للقوى "الأنجلوصهيونية".

ثاني هذه الأرقام، الحيلولة دون قيام أي قوة إقليمية معادية يمكن أن يخل رقم قدرتها الكلية-القومية ميزان المعادلة الإقليمية للقوى الغربية. و لعل تاريخ العراق في الربع الأخير من القرن العشرين و بداية القرن الحالي، يحيل إلى هذا الرقم و حمولاته ، منذ حرب الثماني سنوات مرورا بقصف مفاعل تموز العراقي، مصيدة الكويت و أخيرا إخراج النظام و معه الشعب العراقي من سياق التاريخ و الوجود- مشاريع تقسيم العراق-، فكان ذلك أبرز حراك على ذاك الإدراك الأنجلوصهيوني لمدى خطورة هذا المحظور.

و هو نفس السعي الذي تجري وراءه الولايات المتحدة و محور شرها الآن، للحيلولة دون أن تقوم لإيران قائمة، بوسائل عسكرية أو حتى سلمية، في برنامجها النووي، رغم سعي إيران للتواصل مع هذا المحور و من ورائه المجتمع الدولي، بكل لغات الحوار و التعاطي المسؤول، التي اشرنا إليها في مناسبة سابقة ، في خمس لغات إستراتيجية : الدبلوماسية – حبل الحوار المقام رغم حجم الضغوط و تلاعبات-، القانونية- تحملها المسؤولية القانونية عن عضويتها في معاهدة عدم الإنتشار، و أيضا كون طموحاتها السلمية من وحي بنود المعاهدة المجيزة للدول خيار امتلاك الطاقة السلمية- ، الاقتصادية إلى حدود صدور قرار 1920، لم تفرض إيران أي عقوبات إقتصادية رغم ما تعرضت له من ضغوطات في ذات المجال، استخباراتيا – شهادة سي .أي .اي بتخلي إيران عن أي تجارب نووية عسكرية محتملة منذ سنة 2003 و انتفاء أي دليل استخباري على استئناف أي من ذلك-، علميا – لا توجد أي أدلة قاطعة سواء من جانب الوكالة أو مفتشين آخرين بجنوح التجارب النووية الإيرانية عن المسار السلمي-.

المحضور/ المطمح الثالث، إقامة أي شكل من أشكال الوحدة، تحت أي شعار، أكان إسلاميا أم قوميا، يمكن أن يجمع الأطراف القطرية داخل هذا الوطن على كلمة سواء، بالأكيد من وجهة نظر أمريكية، على حساب المصالح "الأنجلوصهيونية". و دخول إيران في شبكة علاقات إستراتيجية مع أطراف دولية و غير دولية إقليميا، التفاف على هذا المحظور، الذي سيواجه مشاريع تقسيم المنطقة، و ينبغي أن يواجه بحملات التعبئة الطائفية على شاكلة تلك العقائدية التي أقيمت لمواجهة العدو السوفيتي سابقا.

أما المحظور/ المطمح الأخير كرقم استراتيجي، فيتعلق بمستقبل الكيان الصهيوني بالمنطقة، باعتباره قاعدة متقدمة جدا للمصالح الغربية، و آخر خطوط للدفاع عن تلك المصالح، لذلك لم تتوانى الإدارة الأمريكية في كثبر من المناسبات في المجازفة لتقديم المساعدة لإبقاء قيمة "إسرائيل " الوجودية و الوظيفية. و لعل موقف النظام الإيراني من شرعية وجود هذا الكيان، كفيل بأن يشكل مرجعية لمواجهة الطموحات الإيرانية مهما بلغ مستوى و مدى جديتها، و بالعكس أيضا قد تصح الصفقة معكوسة، بتخلي إيران عن عدائها للكيان الصهيوني مقابل تقديم تنازلات – لا مرجعية لها أساسا- فيما يتصل بملف طهران النووي.

هي إذن محظورات و طموحات و إن تشكلت في وحدة أرقام إستراتيجية، تشكل خيوط أريان للوصول إلى جوهر القضايا المتنازع عليها بين الشرق و الغرب بالأساس، و التي أريد لها ان تحشر في ملف نووي ، تضيع فيه المعاني و تحال عنده الحمولات، على مسؤولية مجتمع دولي لا يبالي و فلسفة قرار أممي في خواء إلا من وحي الإرادة الأمريكية. في حين يراد للأمة و لشعوب هذا الوطن أن تأخذ في اللحظة بظواهر الأمور، دون جوهرها الممتدة في مسار يرتبط بسوابق اللحظة.

مع ذلك، لا تشكل اللحظة رأس مال إيجابي لصالح القوى الغربية فيما يتصل بالملف النووي الإيراني، فرغم صدور القرار الأممي و ما يحمله من اجماع موقفي أكثر منه مادي ، سكون سيناريوا التوافق مع روسيا و الصين بالأكيد على هدي ما جرى مع ملف كوريا الشمالية، حين ظل التباين الفارق في القرار بين القبول بالنص الأممي و التطبيق في الواقع العملي سيد المواقف في التعامل مع الطموحات الكورية، في حين نجد إيران إلى جانب كسبها موقف قوى، لها تأثيرها البالز في مجالها الإقليمي و الدولي – تركيا و خصوصا البرازيل-، مدعوة لتعمق من شبكة علاقاتها، خاصة مع جيرانها العرب بكل مسؤولية و حسن نية، تحت حتميات الجوار الإستراتيجي، و المصير المشترك خدمة للصالح الإقليمي الموحد، دون أي تجاوز أو محيد عن هذا الخط، كوضعية سيظل التاريخ كفيلا بكشفها و الجغرافيا بلجمها، و كفرصة قد تستغلها القوى "الأنجلوصهيونية" كجرعة تنفس صناعية قد تديم عمر حياة استراتيجيتها الإقليمية ولو بعد حين .

كاتب مغربي

==============================

النظام العربي.. الاستبداد يورث الهزائم

معمر فيصل خولي

6/26/2010

القدس العربي

شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية منذ قدوم حكومة العدالة والتنمية في تركيا عام 2002، عدة مواجهات دبلوماسية مع اسرائيل، أولهما تصريحات رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة، بأن تقدم العلاقة مع اسرائيل مرتبط بجديتها في دفع عملية السلام الى الامام ، الأمر الذي لم يرض اسرائيل،ثانيهما استقباله مجموعة من قيادات حماس بعد فوزها بالانتخابات التشريعية وتشكيل (الحكومة الفلسطينية) في عام 2006 ،وثالثهما،حينما تصدى رئيس الحكومة التركية في مؤتمر دافوس الاقتصادي في اوائل عام 2009، لأكاذيب شمعون بيريس رئيس دولة اسرائيل، الذي حاول أن يبرر العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة، رابعهما الإساءة التي تعرض لها السفير التركي في اسرائيل لدى استدعائه لوزارة خارجيتها، حيث تعامل نائب وزير الخارجية الاسرائيلي معه بطريقة لا تتناسب مع التقاليد والاعراف الدبلوماسية، ومنها انتظار السفير في ممر السفارة، وإزالة العلم التركي من على المنضدة التي أمام السفير،و لم يمر الموقف الاسرائيلي بسلام حيث اضطرت الى تقديم الاعتذار الرسمي للحكومة التركية، وأما آخر تلك المواجهات إعتداء البحرية العسكرية الاسرائيلية في اعالي البحار على اسطول السلام التركي والمتجهة نحو مدينة غزة لكسر الحصار المفروض عليها، وقد أسفر ذلك الاعتداء عن سقوط قتلى في صفوف المتضامنين. وعلى أثر ذلك الإعتداء لم تتوان الحكومة التركية من تصعيد الموقف الدبلوماسي مع اسرائيل، فعلى المستوى الداخلي ألقى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان خطابا في مجلس الشعب التركي واصفا الاعتداء الاسرائيلي بانه 'عمل دنيء وغير مقبول' وعليها دفع ثمن ذلك، كما سحبت تركيا سفيرها من اسرائيل ، وألغت مناورات عسكرية كان من المقرر إجراؤها، أما على المستوى الدولي طلبت الحكومة التركية من مجلس الامن الى عقد اجتماع طارىء لبحث العدوان الاسرائيلي على الاسطول، وفي الاجتماع أدان وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو الاعتداء واصفا إياه بالعمل البربري غير أخلاقي، مطالبا محاسبة اسرائيل وفرض عقوبات عليها. السؤال الذي يجب مواجهته،وان كان فيه ازعاج نفسي ، ما هي مصادر القوة المتاحة للحكومة التركية حتى تعمل على تصعيد وتائر المواجهة الدبلوماسية مع اسرائيل ؟ في حين وقفت الأنظمة العربية من العدوان الأخير على أسطول الحرية، والعدوانين الاسرائيليين على لبنان في تموز(يوليو) 2006، والذي استمر أكثر من 32 يوما ، وعلى الشعب العربي الفلسطيني في غزة في أواخر شهر كانون الثاني من عام 2008، وبداية شهر كانون الأول من عام 2009، والذي استمر اكثر من 22 يوما، موقف المتفرج، والأنكى من ذلك، أنظمة عربية كانت متعاطفة ومتفهمة لدوافع العدوان الاسرائيلي على كلا الشعبين!

تكمن قوة الحكومة التركية من قوة النظام السياسي للدولة التي تبنت الديمقراطية كاساس للحكم بعد الغاء نظام الحزب الواحد عام 1946. وترتكز الديمقراطية على عدة مقومات أساسية، منها التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات، (الفصل هنا لا يعني عدم التعاون بينهم، وإنما عدم افتئات سلطة على غيرها)، وحق المساءلة، والمشاركة السياسية،ووجود مجتمع مدني قوي، واحترام حقوق الانسان. فالحكومة التركية الراهنة لم تصل للحكم على الطريقة العربية التقليدية كالوراثة أو الإنقلابات العسكرية، وإنما وصلت عبر الارادة الشعبية من خلال اجراء انتخابات حرة ونزيهة، تعبر عن ارادة الشعب التركي، وهذا مرتكز آخر من مرتكزات الديمقراطية التي تنبذها الانظمة العربية أنظمة لويس الرابع عشر. فالحكومات في الدول الديمقراطية كالجمهورية التركية تستطيع تحقيق أهداف سياستها الداخلية والخارجية، ومن هذه الأهداف، على مستوى السياسية الداخلية، شرعت قوانين تهدف منها الى توسيع مجال الحريات الفردية، وتشديد العقوبة على التعذيب سواء في السجون او في أقسام الشرطة، وحرية التجمعات والمظاهرات وحق الفرد في الحصول على المعلومات وحق التعبير السلمي عن الرأي بجميع أشكاله وحق الأقليات العرقية في تعلم وتعليم لغاتها، كما أصدرت قانون العفو عن التائبين من حزب العمال الكردستاني الانفصالي، أما اقتصاديا فقد ركزت الحكومة على الإصلاح الإقتصادي، وكانت اولى خطوات ذلك الإصلاح محاربة الفساد، وخاصة فساد النخبة السياسية ، ولعل تحويل ' تانسو تشيللر' و' مسعود يلماظ'، وهما من رؤساء الوزارات السابقين الى التحقيق، كان الدليل الأوضح على صدق الحكومة في توجه نحوالاصلاح الحقيقي، حيث عملت أيضا على تخفيض النفقات الحكومية الى أبعد مدى وخفضت عدد الوزرات وباعت الاف السيارات الحكومية والفيلات الفاخرة التي كانت مخصصة للنواب وشكلت لجانا برلمانية لتعقب الفاسدين الذين سرقوا المصارف الحكومية والخاصة اصدرت قانونا يسمح للحكومة بوضع يد الدولة على أموال أصحاب ومديري هذه المصارف واموال أقاربهم من الدرجة الاولى والثانية واسترداد قيمة ما نهب من هذه الأموال،وبفضل ذلك القانون استطاعت الحكومة في دورة توليها الاولى أن تسترد 46 مليار دولار، وأن تضع منهجا جديدا للعمل، يقوم على الأمانة والصدق والشفافية، ولا تقوم على الرشوة والغش والخداع ، وكانت النتيجة أن قيمة الليرة التركية ارتفعت مقابل الدولار أكثر من 30' وهبطت نسبة الفائدة بمقدار40' وزادت الصادرات التركية بنسبة 34' وهبط معدل التضخم بشكل من 37'الى 9' تقريبا،وزاد الناتج القومي بنسبة الثلث، وارتفع دخل الفرد التركي من 2500دولار عندما تولت الحكومة السلطة الى5500 دولارلأكثر من الضعف، وزادت الاستمارات الاجنبية، وانخفضت ديون تركيا لصندوق النقد الدولي من 23 مليارالى 9 مليار. أما على المستوى الاجتماعي نجحت الحكومة في استقطاب بعض الفئات الاجتماعية الهامة في تركيا، بقطع النظرعن انتمائها الايديولوجي، لما رأت في برنامج الحكومة من تحقيق لأهدافها ومصالحها، فالحكومة بسياساتها الاقتصادية نجحت في استقطاب رجال الأعمال الوطنيين، فتحت أمامهم سبل الاستثمار وتحقيق الارباح، وكان من نتيجة ذلك أن نجحت أيضا في استقطاب قطاع كبير من الفقراء، بعد أن وفرت فرص كبيرة للعمل.

وزاد الدعم الحكومي بسبب توفر قدر كبير من الأموال لترشيد الاستهلاك الحكومي، هذه الأموال ساهمت في على توزيع الكتب والكراسات والأدوات الكتابية على جميع طلاب المدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية مجانا، ويبلغ عددهم عشرة ملايين طالب تقريبا، فزاحت بذلك عبئا كبيرا عن كاهل الفقراء، وخصصت مرتبات للطلاب المحتاجين، وعملت على توزيع مليون ونصف المليون طن من الفحم سنويا مجانا على العائلات الفقيرة في المناطق الباردة، وقد استفاد من هذه المعونة أربعة ملايين تركي. أما على الجانب الاجتماعي قامت الحكومة ببناء 280 ألف شقة سكنية للعائلات الفقيرة بأقساط سهلة وميسرة، أقل من الإيجار الشهري على مدى 20 عاما، ولا تدفع إلا بعد الإنتقال للسكن فيها، وقد وزعت 140 ألف شقة، والباقي في مرحلة ابناء، ويأمل في رفع العدد الى نصف مليون شقة، كما قامت الحكومة أيضا بإنشاء 39 جامعة جديدة وفتح أبواب المستشفيات أمام الفقراء حتى المستشفيات الخاصة، حيث يقوم المريض بدفع نسبة قليلة وتتكفل الدولة بدفع الباقي. هذه الانجازات الداخلية حققتها حكومة لم يتجاوز عمرها السياسي عن ثماني سنوات، أليس الديمقراطية كانت سببا في قدومها؟ ونتساءل هنا أيضا هل لهذه الانجازات الداخلية امتدادا خارجيا؟

فعلى مستوى الخارجي تعاملت الحكومة التركية مع الازمات الدولية على نحو يعكس فهما عميقا للواقع والثوابت، ومرونة كبيرة في التحرك بين هذه وتلك لتحقيق أهدافها. فقد واجهت الحكومه أزمة حادة فور وصولها للحكم، وهي الرغبة الأمريكية في استخدام الاراضي التركية في عدوانها على العراق، والخيارات كانت صعبة، فالحكومة تدرك أنها غير قادرة على مواجهة الغرب، وغير راغبة في استعدائه، فأقدمت على مناورة سياسية تدل على فهمها للواقع والقدرة على استخدام آلياته بشكل جيد. فقد أعلنت أنها لا تمانع في استخدام الاراضي التركية كقواعد عسكرية أمريكية في العدوان،وبما أنها دولة ديمقراطية تحترم مؤسساتها الديمقراطية فأن الامر يستلزم موافقة البرلمان، وجاءت النتيجة بالرفض، وبالطبع أحدث ذلك توترا في العلاقات التركية الأمريكية، ولكنه كان توترا سريعا ما تجاوزه، لأن الموقف ذاته اتسم بالمرونة بسبب قبول الحكومة لهذا الأمر في البداية، في حين تحول الاستبداد العربي الى متعهد خدمات أمريكي، حيث قدم كل الدعم المادي للعدوان على العراق ومن ثم احتلاله، وأما على المستوى الإقليمي أعادت الحكومة الاعتبار للدور التركي في المنطقة باعتباره لاعبا أساسيا، فمنذ قدومها تبنت نظرية تصفير المشكلات مع الجوار الاقليمي، فقد شهدت العلاقات التركية السورية تقدما كبيرا، اما بخصوص الملف النووي الايراني ، سعت الدبلوماسية التركية لتسوية هذا الملف يجنب ايران العقوبات والعدوان،أما علاقتها مع اسرائيل تحولت علاقة تحالف الى علاقة تنافس على النفوذ في منطقة الشرق الاوسط، وما المواجهات الدبلوماسية بين الدولتين الا تأكيدا على ذلك.

فمن كان يتصور في يوم ما،أن تركيا أتاتورك،اولى الدول الاسلامية التي اعترفت بوجود باسرائيل،والتي ارتبطت معها بتحالف استراتيجي في نهاية العقد المنقضي، أن تشهد علاقتهما في المرحلة الراهنة توترا شديدا، وانفتاحا على قضايا أمتنا العربية، أليست تركيا هي التي أرسلت أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة، أليس الاعتداء على الاسطول أعاد تفكير بالحصار المفروض على غزة؟ هذه المواقف التركية من مخرجات ديمقرطيتها ،تركيا يستفزها الحصار المفروض على غزة، وتعمل على رفعه ، والاستبداد العربي يشارك في الجريمة المركبة على الشعب الفلسطيني بشكل عام وعلى غزة بشكل خاص. والدور الوحيد الذي يضطلع به فتح حدوده لعبور المساعدات، واستقبال الجرحى لمعالجتهم. خلاصة القول منذ نشوء الدولة القطرية في الوطن العربي في بداية القرن المنقضي،طغت عليها صفة الاستبداد، وقد أورثنا هذا الاستبداد تركة ثقيلة جدا من الهزائم على الصعد كافة، الان ونحن مع بدايات القرن الواحد والعشرين، فأنه المتعذر استمراريته فلا بد من مشروع ديمقراطي يزيح عنا تركة الاستبداد، الذي أفشل مشروع الدولة . وهذا الامر لن يتحقق (اذا لم يتوفر لدينا مناضلون ديمقراطيون يعملون على صنعها ولا يكف استحضار مقوماتها، فالديمقراطية مسألة سياسية نضالية، لا تقدم على صينية من فضة، ولا على دبابة من فولاذ). كما عبر عنها المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة.

' باحث سياسي أردني مقيم في القاهرة

==============================

حينما يقلق ثعلب«إسرائيل» على مستقبلها ...!

نواف الزرو

 الدستور

26-6-2010

إذا أردت ان تعرف عمق المازق الذي وصلت اليه تلك الدولة المارقة"اسرائيل" ، فاقرأ ردود فعلهم وتصريحاتهم وادبياتهم السياسية ، واذا اردت ان تقف على حالة القلق والارتباك والتخبط في اعقاب التداعيات الاممية المتعاظمة جراء القرصنة العسكرية الدموية على "اسطول الحرية" المدني تماما ، فاقرأ عجوز وثعلب السياسة الاسرائيلية منذ نشأة تلك الدولة...،

 

فماذ يقول هذا الثعلب ...؟،

 

وفق مصادر مقربة منه ، فقد اصبح شمعون بيريز يشعر فى الفترة الأخيرة بالقلق والخطر على مستقبل إسرائيل بسبب تدهور الوضع السياسى وتدنى منزلتها في المجتمع الدولي معاريف - الثلاثاء 15 6 2010"، وبيريز يشعر بالقلق أيضا من إمكانية أن تتحول المقاطعة التلقائية لإسرائيل إلى مقاطعة اقتصادية منتظمة ، ووصفت المصادر وضعه بال "كئيب جدا" بسبب التدهور السريع في مكانة إسرائيل بين دول العالم.

 

فحينما يعرب ثعلب السياسية الاسرائيلية عن شعوره بالقلق والخطر على مستقبل"اسرائيل" ، فالمسألة اذن بمنتهى الجدية وليس مسألة اعلامية استهلاكية...،

 

فتداعيات القرصنة الصهونية الدموية ضد "اسطول الحرية" وعواصف الغضب والاحتجاج والتجريم ضد الدولة الصهيونية وقياداتها ، اظهرت صورة "اسرائيل" في نظر الامم بوصفها دولة الارهاب والقرصنة والعنصرية والاغتيالات..واخطر مافيا على وجه الكرة الارضية ، وعلى انها الدولة المارقة الخارجة على القوانين والمواثيق الاممية والانسانية ، وهذا ليس تهويلا او ديماغوجية ، وانما هي حقائق باتت ساطعة مدعمة بالوثائق والشهادات.

 

لقد هوت"اسرائيل" في اعقاب القرصنة الارهابية على "اسطول الحرية" في عرض البحر وفي قلب المياه الاقليمية ، مرة اخرى على كل الجبهات الانسانية والاخلاقية والقانونية والاعلامية والسياسية والديبلوماسية ، وعلى نحو بات يهدد من وجهة نظرهم بنزع الشرعية الدولية عن هذه الدولة المارقة ، فاصبحت تحت حصار اممي شعبي على نطاق واسع ، ورسمي على نحو لم يكن قائما سابقا ، وتتحدث المعطيات عن ان قوة إسرائيل أو بالأحرى صورة إسرائيل قد اهتزت قيمياً بقدر كبير في أوساط الرأي العام العالمي.

 

وفي تقييم تداعيات القرصنة ، فقد شكلت الموقعة نقطة تحول اممي على مستوى مواقف ووعي الشعوب تجاه تلك الدولة المجرمة.. فقد عادت المجزرة على مرتكبيها كيدا مرتدا لتخرج تلك الدولة خاسرة تماما من معركة لم تظهر فيها سوى بلطجة القوة والنزعة الدموية المؤدلجة.

 

فكانت ردود الفعل العالمية واسعة متنوعة تحتشد ضد الجريمة الصهيونية.

 

الكاتب هنري سيغمان ، مدير برنامج اميركي عن الشرق الاوسط الذي يعمل استاذا زائرا لبرنامج الشرق الاوسط في كلية للدراسات الشرقية والافريقية بجامعة لندن يقول : "في اعقاب الاعتراض الدموي لاسطول قوارب دعم غزة ، اتصل باحد اصدقاء العمر في اسرائيل ، وكان رد فعله مفاجأة غير متوقعة مني ، قال لي بصوت متهدج مليء بالعواطف ان التنديد العالمي الغزير ضد اسرائيل يعكس الايام السوداء في عهد هتلر" ، مضيفا:"هناك حقا سبب للاسرائيليين ولليهود على وجه العموم للتفكير عميقا وبقوة في فترة هتلر السوداء في هذا الوقت بالذات".

 

رئيس الوزراء الماليزي يصف الإسرائيليين بانهم"رجال عصابات عالميون" ويطالب بمحاكمة المسئولين عن الهجوم على "أسطول الحرية" أمام محكمة العدل الدولية" ، مضيفا "أن سلوكا كهذا أصبح ممكنا لأن رجال العصابات العالميين في إسرائيل ، الذين يعرفون أنهم محميون من قبل قوة عالمية".

 

والكاتب السويدي ذائع الصيّت هينيك مانكل الذي يعد من أكثر الروائيين شهرة ومبيعاً في العالم ، والذي شارك في الاسطول ، يحكي قصة تدخل الكوماندوز الاسرئيلي واختطاف السفينة وعمليات الاستنطاق التي تشبه التعذيب ، معتبرا"الانزال الاسرائيلي على "أسطول الحرية" عملا إجراميا بكل المقاييس والمعاني" ، مؤكدا :"ان هذا التصرف يجعل من إسرائيل دولة مارقة ، ومن الجندي الاسرئيلي قرصانا ليس اكثر شرفا من قراصنة بحر الصومال".

 

واسرائيليا - تنطوي الاعترافات والشهادات الاسرائيلية دائما على قدر بالغ من الاهمية اذ تعكس حقيقة وعمق تفكيرهم وقلقهم ونواياهم ، فقد اعترف مسؤولون إسرائيليون في اعقاب القرصنة بأنهم"يخوضون حربا إعلامية خاسرة أثناء دفاعهم عن الحصار الذي تفرضه اسرائيل على القطاع منذ عام "2007 ، وقالت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية"أن المسؤولين الإسرائيليين يقرون بأنهم يخسرون هذه الحرب" ، واعترف شلومو درور المتحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية"إننا متأكدون من شيء واحد وهو أننا نخسر الحرب في كل الأحوال في الإعلام".

 

والمحلل جدعون سامت يثبت في معاريف:"ان اسرائيل تقف اليوم في احدى المفترقات الاكثر خطورة التي شهدتها في تاريخها" ، ليضيف الجنرال شلومو غازيت في معاريف ايضا"ان المعركة هي معركة نزع الشرعية عن اسرائيل" ، وكذلك المحللان ناحوم برنيع وشمعون شيفر يؤكدان في يديعوت"ان المحور الذي أخذ ينشأ بين ايران وتركيا ، يسعى الى تقويض شرعية دولة اسرائيل ، فالحديث اصبح عن تحول تاريخي".

 

اما لماذا نزع الشرعية عن اسرائيل فكتب بن كاسبيت في معاريف تحت عنوان "مكروهون ببساطة"يقول:

 

"لم يعد الناس يصغون لاسرائيل ، واصدقاؤقم يختفون أو ينزلون تحت الارض ، والكارهون يكثرون ، وقد أثر ذلك تأثيرا عميقا" ، ما حدا بالمحلل يوئيل ماركوس ليكتب في هآرتس" العالم كله ضدنا ويهدد وجودنا" قائلا:"صورتنا كمحتلين أدخلت الفلسطينيين بنجاح الى الوعي العالمي ، واسرائيل بحصارها الغبي تعزز هذه الصورة السلبية فقط ، والذي ينبغي أن يقلقنا هو حملة نزع الشرعية عن اسرائيل".

فالدولة الصهيونية اذن تخسر هذه المعركة ايضا - بعد ان خسرت حرب غزة - أمميا -قانونيا - اخلاقيا ومعنويا ،

فعلى قدر حجم وهول ومساحة القرصنة والجريمة ، يجب ان يرتفع بالضرورة سقف المقاضاة والعقاب الذي يجب ان يدفعه قراصنة البحار والاجواء ومجرمو الحرب.

 

كافة الشهادات والوثائق والاعترافات ، التي تتالت في اعقاب المجزرة ، انما من شأنها ان تعزز قلق الثعلب السرائيلي لانها تشكل"لائحة اتهام" قوية فعالة ضد اولئك الجنرالات القراصنة ، ما قد يسمح وفقا للقوانين والمواثيق الاممية ربما

ب"جلب" اسرائيل" الى كرسي العدالة الدولية"في هذه الجريمة اكثر من كافة الجرائم السابقة ، فهذه الجريمة كما هو واضح تشكل نقطة تحول استراتيجي في المواقف التركية والعالمية الشعبية وربما بعض المواقف الرسمية...،.

ولكن - في ظل هذا المشهد الاممي ، يبقى الغائب المغيب الكبير الموقف العربي الرسمي الذي بدأ بلا اي وزن او تأثير في الساحة الدولية....،

==============================

صراعات ومراوحات .. أم «حلول» في المنطقة ؟

محمد شريف الجيوسي

 الدستور

26-6-2010

لا تبدو المصالحة الفلسطينية ممكنة في المنطقة ذلك أن الخلاف الفلسطيني ليس خلافاً تنظيميا فحسب لكنه خلاف جوهري بين تيارين سياسيين عريضين ( وليس خلافاً فحسب بين حركتي حماس وفتح). ولأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة) لا تريد حلاً ، وإن تكن حكومة نتنياهو من أشدها عنصرية وتطرفاً ، وأمريكا غير قادرة أو لا تريد فرض حلْ ، ومعظم أوروبا الرسمية مجتمع منافق في غالبه ، ولا تبدو في الأفق إمكانية من أي نوع أو اتجاه ، على فرض حلْ ما في المنطقة ، ما يعني أن القضية العربية المتعلقة بفلسطين وامتداداتها ستبقى تراوح مكانها في المدى المنظور باتجاه متغيرات ما .

 

وعلى صعيد العراق ، لا تبدو هناك مستجدات جوهرية ، فإدارة أوباما تنوي الانسحاب في موعد اتفاق أبرمه بوش، الصيف المقبل ، في ظل وجود رباعي يتمثل في المقاومة العراقية التي تتخذ طابع الكمون حالياً لاعتبارات ومفاجآت منتظرة. والموساد الإسرائيلي المتغلغل في الشمال العراقي بخاصة ، وحكومة منتهية الولاية في بغداد يبدو أمر تشكيل بديلة لها أصعب من الوصول إلى كوكب المريخ في ظل المعطيات الراهنة . والوجود الإيراني الموضوعي المختلف حول حجمه الحقيقي في العراق. كما توجد 3 قوى ثانوية ، أولها الوجود التركي المعنوي من خلال التركمان والضربات المحدودة التي توجهها لحزب العمال الكردستاني التركي في الشمال ، وثانيها الشركات الأمريكية الأمنية وغيرها .. و أخيراً الوجود العربي الذي مازال غير فاعل وغير قادر على التأثير بقوة في الأحداث .

 

من هنا فليس في قدرة احد الحسم باتجاه ما ، وإن كان العراق مفتوحاً على خيارين: قيام حكم عسكري في المنطقة الخضراء بقوة السلاح الميلاشيوي وبدعم خارجي على ما يستطيع من العراق ( ما يعني شرذمته ) أو أن تقدم المقاومة العراقية مفاجئة بتحريره. من هنا لا يبدو في المدى القريب المنظور ملامح حل مؤكد. لكن المرجح أن يسبق التحرير الأخير أعلى درجات التصعيد المليشوي المسلح .

 

وفي السودان رغم التطمينات التي تقدمها الحكومة على صعُدْ دارفور والجنوب والتحولات الديمقراطية ما زالت المخاطر قائمة ، وبعض المعارضين لم يرتقوا إلى مستوى التحدي فيعملوا لإخراج السودان من مناخ الاحتمالات السيئة المفتوحة ، فالوطن لجميع أبنائه في نهاية التحليل ، بغض النظر عن الساكنين في ردهات الحكم بالخرطوم ، ونجاة الوطن وبقاؤه موحداً وآمنا أبقى للجميع من تشرذمه .

 

وحتى استكمال محادثات دارفور ، والتوصل إلى اتفاقات سلام ملزمة هناك ، وبروز نجاحات واضحة للحكومة السودانية الجديدة وهو المتوقع ، وبدء تنفيذ بعض اتفاقات التنمية العربية في الجنوب ، فإنه إلى جانب عوامل عديدة أشرت إليها غير مرة تصب في صالح شعب الجنوب ، فإن الوحدة ستكون خياره المأمول ، لكنه حتى ذلك الحين ، فالسودان في حالة من الترقب والانتظار .

 

ومثله الصومال ( ولكن على نحوْ دموي عنفوي ) تقف فيه قوى أجنبية وراء قوى داخلية تمدها بالسلاح والتصلب ، ولو أن الأمر يترك من قبلها جميعاً لشعب الصومال ، لكان الأمن وتوافق مكوناته أقرب إلى التحقق مع تدخلها في الصراع ، ولا تبدو الصومال مهيأة في المديين القريب والمتوسط لأي حل ، وربما ساعد تعافي السودان واستقراره ، على خروج الصومال من دواماته .

 

ولا تبدو المعضلة التي حركتها إسرائيل في منابع نهر النيل مقبلة على حلْ مرضْ قريباً ، لكل من السودان ومصر الأشد حاجة لمياهه من دول المنبع التي لا مشكلات مائية لديها ، لكن إسرائيل ( التي تربطها معاهدة سلام مريحة بمصر ) حريصة على الإضرار بها وبجارتها السودان.

 

واليمن تتجاذبه 4 صراعات بين محرضين على انفصال الجنوب من قبل زعامات طالما اقتتلت فيما بينها حتى أتى اقتتالها على انجازات سنين عديدة ، وحوثيين في الشمال ، وتدخل أمريكي ل ( محاربة الإرهاب ) وقاعدة كان أفضل لو أنها ركزت صراعها على الوجود الأمريكي في أفغانستان وباكستان ، بدلاً من اليمن المهدد بوحدته ونقل الصراع إلى الجوار بما يخدم التجزئة والتغلغل الأمريكي والصهيوني

 

لا تبدو آفاق حل ، ما لم تبادر الحكومة اليمنية إلى الحوار واستبعاد التدخل الأمريكي ، ووعي أطراف الصراع لمخاطر استمراره والدخول في الحوار . بهذا المعنى فالمنطقة غير مقبلة على تسويات أو حلول أو"شبهات"سلام وإنما على صراعات ومراوحات وحالات انتظار في أحسن الحالات .

==============================

الحرب أو الحصار ؟

حياة الحويك عطية

الدستور

26-6-2010

هل هي مقدمات الحرب ، أم مقتضيات تطبيق الحصار والعقوبات ؟

دزينة من السفن الحربية المقاتلة ، بينها ثلاث غواصات نووية اسرائيلية ، تعبر قناة السويس الى الخليج العربي وتنتشر قبالة الشواطىء الايرانية . تطور يأتي متزامنا مع اعلان اسرائيل عن اطلاق قمرها الجديد للتجسس ، اوفيك 9 الموجه نحو الاراضي الايرانية . اعلان تزامن بدوره مع زيارة وفد عسكري عالي المستوى ، الى الصين ، برئاسة الجنرال يائير غولان قائد الدفاع السلبي . ومنذ مساء الاحد الفائت وحتى اليوم تمكن الوفد من لقاء عدد كبير من مسؤولي الجيش الصيني خاصة ، اولئك المسؤولين عن التصنيع العسكري .

 

وفي حين نشرت الصحف الاسرائيلية هذا الخبر فانها علقت عليه بقولها ان اسرائيل ترجو من خلال اعادة اطلاق التعاون مع الصين ضمان التزام بكين التزاما كاملا بتطبيق العقوبات على ايران .

 

غير ان هذا التعاون يبدو في الحقيقة سابقا لزيارة غولان حيث ان رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عاموس يادين ، قد زار بكين زيارة طويلة قبل اسابيع من الموافقة على العقوبات .

 

وباضافة هذه التطورات في عملية التنافس على الصين بين ايران واسرائيل ، الى الضغوط والاغراءات التي تقدم اميركيا واسرائيليا الى روسيا ، ولم تكن آخر ثمارها موافقة روسيا على العقوبات ، ورفضها تسليم صواريخ اس 300 لطهران ، ولا زيارة ميديفيديف الودية جدا الى اوباما ، فان السؤال الخطير الذي يطرح الان هو : هل ان اكتمال الحلقة وتشديدها يهدف الى احكام الحصار ام الى ترتيب ساحة الحرب ؟

 

وهل ستكون هناك ضربة أميركية - اسرائيلية مشتركة لايران ؟

 

المتشائمون يمضون حد توقع حصولها مع نهاية المونديال ، انطلاقا من اذربيجان ، بناء على ما حصل من جورجيا قبل سنتين ، وما عرف بعد انتهاء الازمة من ان قواعد اسرائيلية كانت جاهزة للانطلاق ضد ايران لو لم تحسم روسيا الأزمة في مهدها . وهذا ما يعيد الى ما قاله حسن نصرالله يومها من ان حرب جورجيا هي امتداد لحرب لبنان 2006 .

 

الاقل تشاؤما لا يوافقون على موعد نهاية المونديال ، ويتوقعون انتظار واشنطن لنتائج التغييرات الجديدة في افعانستان ، وتوقع ان يحقق بترايوس ما فشل فيه سلفه هناك ، وان تحقق واشنطن ضم باكستان الى طوق الحصار والتعاون في الحرب .

 

غير ان آخرين لا يختلفون في امر تشديد الطوق بكل محطاته هذه ولكن لاجل أهداف الحصار فحسب ، على امل ان تشديده واحكامه سيؤديان الى تفجر ايران من داخل دون توريط الولايات المتحدة في حرب جديدة ليست في مصلحتها ولا في مجال قدرتها حاليا . خاصة مع ما يمكن ان يؤدي اليه ذلك على الساحة العراقية . وفي لحظة تغيير مفصلي على الساحة الافغانية ، لم تؤت ايا من ثمارها بعد . بحيث تخرب الضربة كل ما تم ترتيبه على الاولى وكا ما يخطط لترتيبه على الثانية . وتعيد واشنطن الى مربع الصراع الاول على ساحتي الاحتلالين مضيفة اليهما ساحة مواجهة عسكرية ثالثة .

 

لكن حسابات إسرائيل هي غير حسابات أميركا ، ولها من يمارس ضغوطه لدفع الرئيس الأميركي الى قرارات لا تعدم التبرير والاغراءات والضغوط . فمن الذي سينتصر في القرار قبل السؤال عمن سينتصر في الحرب ؟

 

ويظل الخاسر الاكبر في كل الاحوال هو العرب كلهم وعرب الخليج بشكل خاص حيث دخل مزيد من السفن العسكرية الاميركية مياههم ، واعلنت ايران ايضا عن نشر غواصات وسفن الحرس الثوري ، واضيفت الى القوتين سفن وبوارج وغواصات اسرائيلية .

==============================

ابعاد العقوبات الجديدة على إيران

د. هايل ودعان الدعجة

الرأي الاردنية

26-6-2010

يمثل قرار مجلس الامن بفرض حزمة جديدة من العقوبات على ايران، لدفعها على ا لتراجع عن نشاطاتها النووية، ضربة الى الدبلوماسية التركية البرازيلية، التي نجحت في التوصل الى الاتفاق الثلاثي بين كل من تركيا والبرازيل وايران، التي وافقت بموجبه على تبادل اليورانيوم الضعيف التخصيب الذي لديها بوقود نووي مخصب بنسبة 20% لمفاعلها المخصص للاغراض المدنية. وهو الاتفاق الذي اثبت انعدام التأثير الغربي الاميركي والاوروبي في منطقة الشرق الاوسط. او لنقل عدم ثقة دول المنطقة بالنوايا الغربية في التعاطي مع ملفاتها. الامر الذي اوجد فراغا سياسيا امكن استغلاله وتعبئته من قبل دول طامحة للعب دور في الإقليم المضطرب. ما يؤكد ان الفرصة اصبحت سانحة أمام العديد من الأطراف الدولية لمنافسة اميركا ودول أوروبا في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية. وما تجاهل الغرب لهذا الاتفاق الذي شكل خطوة عملية ايجابية على طريق حل الملف النووي الإيراني المعقد، الا بمثابة الدليل على عدم رغبته في رؤية اطراف أخرى تنازعه في المنطقة التي يعتبرها حيوية بالنسبة لمصالحه القومية والاستراتيجية. حيث ابدى قلقه وشكوكه بجدوى هذا الاتفاق، واصراره على فرض عقوبات دولية على إيران بحجة عدم احترامها التزاماتها الدولية، معتبرا خطوتها محاولة للتهرب من الضغوط الدولية. ما يعطي الانطباع بان الولايات المتحدة غير جادة بحل هذا الملف عن طريق الجهود الدبلوماسية التي ربما احرجت الولايات المتحدة. خاصة ان الاتفاق مع ايران حقق الى حد كبير مطالب اميركا التي قدمتها قبل اشهر، حسب ما ذكر الرئيس البرازيلي ايناسيو لولا دا سليفا.

 

من هنا فان التهديدات الايرانية التي جاءت على لسان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، ورئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني، بوضع الاتفاق جانبا، وباعادة النظر بعلاقات بلاده بالوكالة الدولية للطاقة النووية بسبب العقوبات الجديدة، لا تخدم ايران بقدر ما تخدم الولايات المتحدة وبعض دول اوروبا، التي يهمها تعطيل هذا الاتفاق الذي انجزه غيرها، بعد فشل مجموعة الدول الست الاجتماع بايران حول برنامجها النووي. ما حدا برئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي حمل بعنف على معارضي الاتفاق الى القول « ان الدول التي تنتقد هذا الاتفاق تشعر بالغيرة لان البرازيل وتركيا تمكنتا من التوسط وتحقيق نجاح دبلوماسي كانت دول اخرى تتفاوض بشأنه منذ سنتين بدون ان تتوصل الى أي نتيجة «. حتى انه طالب اميركا والدول النووية الاخرى بضرورة التخلص من ترساناتها النووية، لكي تكون مقنعة بتعاطيها مع ملف ايران النووي. اذن نحن امام معادلات وسيناريوهات دولية جديدة تشي بشيء من التراجع في النفوذ الاميركي في المنطقة، حتى ان الولايات المتحدة التي قادتها غطرستها وغرورها، بعد تفردها بالقيادة العالمية، الى استباحة حرمة دول اخرى كالعراق وافغانستان بصورة احادية ضاربة بالشرعية الدولية ومواقف الكثير من دول العالم المؤثرة عرض الحائط، نجدها هذه الايام ( تتوسل ) عند بعض الدول المنافسة لها، والتي تزاحمها اقتسام النفوذ في الساحة العالمية من اجل كسب رضاها وموافقتها على بعض الخطوات التي تنوي اتخاذها، كتوددها لروسيا والصين من اجل فرض عقوبات على ايران. من هنا يمكن ان نقرأ ما قاله الرئيس الاميركي باراك اوباما في الكلمة التي القاها في الجمعية العامة للامم المتحدة مؤخرا عندما ذكر.. بان الوقت قد حان للعالم للتحرك في اتجاه جديد.. وعلينا ان ندخل في حقبة جديدة من المشاركة تقوم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، ويجب أن يبدا عملنا الان .. فهو الوقت المناسب للتحرك بروح من التعددية المتجددة، وخلق امم متحدة ذات عمل جماعي حقيقي».

==============================

هل يحدث انقلاب «عسكري» في الولايات المتحدة الاميركية؟

محمد خرّوب

kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

26-6-2010

بالتأكيد، لن يحدث مثل هذا «العمل» في بلاد تجذرت فيها دولة المؤسسات والقانون وغدا دستورها (وتعديلاته) ناظماً للعلاقات بين المستويات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبالتالي خضعت المؤسسة العسكرية «المحترفة» لقرار المستوى السياسي «المنتخب» وليس المعيّن او الآتي على ظهر الدبابة.

 

يمكن للمثال هذا ان ينسحب على كل الديمقراطيات الاوروبية الاخرى (كانت حال الجنرالات اليونانيين في العام 1967 مختلفة وشاذة وغير مسبوقة، لكنها ايضاً لم تتكرر بعد ان عرف عسكر اوروبا ضيق هامش تحركهم بل وايضاً كان يمكن ملاحظة المآل الذي انتهى اليه صعود الجنرال البولندي يازولسكي الى سدة الحكم خلال اضرابات ميناء بناء السفن في جدانسك التي قادها ليخ فاليسا، رغم وجود غورباتشوف بل بسبب وجوده).

 

اسرائيل قد تكون استثناء، والاجابة على عنوان المقالة مسربل بالغموض بل هو مفتوح، لان احتمالات حدوث انقلاب كهذا وارد ليس فقط بسبب عسكرة المجتمع الاسرائيلي وخروج معظم إن لم نقل «كل» الساسة وقادة الاحزاب من معطف المؤسسة العسكرية والأمنية واسعة النفوذ والامكانات والموارد، وإنما ايضاً لان «المنطق» العسكري هو الذي يحكم ويوجه خطوات الائتلافات الحزبية الحاكمة وإن كانت المؤسسة العسكرية ما تزال تخضع لقرار المستوى السياسي حتى الان، إلاّ أن تزايد نسبة الاصوليين المتدينين القادمين من مدارس وبيئة وثقافة دينية انعزالية ومتزمتة، تضع امكانية حدوث انقلاب عسكري او «تمرد» واردة، وبخاصة في مواجهة ملفّين يزدادان تعقيداً، احدهما ما تشهده اسرائيل الان من انقسام اثر قرار محكمة العدل العليا بسجن اولياء أمور الطالبات المتزمتين الذين يرفضون تسجيل غير (الحريديين الاشكناز «اليهود الغربيين) في مدارسهم بحجة وجود ثقافة مختلفة لدى هؤلاء، ما اعتبرته المحكمة تمييزاً عنصرياً، وهنا ثارت ثائرة الجمهور الحريدي الذي رفع شعار «نذهب الى السجن منشدين» فيما اختلقت الاعذار لنسائهم، وما يزال الجدل والسجالات متواصلة.. أما السبب الآخر الذي يمكن ان يدفع لحدوث انقلاب او تمرد عسكري هو رفض وحدات في جيش الاحتلال الاسرائيلي تزداد نسبة المتدينين فيها، تنفيذ أي أوامر باخلاء مستوطنات في حال حكمت المحكمة العليا بذلك او تم التوصل الى اتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية (ايا كان شكل هذا الاتفاق) تحت شعار «اليهود لا يطردون اليهود».

 

عودة الى اميركا..

الجنرال «الثرثار» ستانلي مكريستال دفع ثمن ثرثرته وثقته الزائدة بنفسه واختار اطلاق الرصاص على رجليه، فتم طرده ودون أي اثر للاعتذار الذي رفعه، وكان باراك اوباما دقيقاً في وصف انتقادات مكريستال بانه لا يمكن التسامح مع هذا السلوك من ضابط عسكري، مستطرداً: إن سلوك مكريستال لم يرق الى المقاييس التي يجب ان يتحلى بها ضابط قائد، ولأنها (تقوّض) السيطرة المدنية على القوات العسكرية وهي سيطرة في جوهر نظامنا الديمقراطي.

هاهم يغيّرون «الجياد» اثناء المعركة، وخصوصاً انهم لا يتنازلون ولا يتسامحون في أي مس بالديمقراطية او خيانة ثقة الجمهور مثل «الكذب» عليه كما في «ووترغيت» التي قضت على المستقبل السياسي لريتشارد نيكسون وقضية مونيكا لوينسكي التي كادت تطيح ببل كلينتون ليس لعلاقته الجنسية بها، وانما لانه حنث اليمين وكذب عندما قال (بعد اليمين) ان لا علاقة جنسية تربطه بالمتدربة في البيت الابيض وبقية الحكاية معروفة.

 

هنا لا يملك المرء ترف ابعاد الاعجاب والانبهار بمتانة «المؤسسة» في النظم الديمقراطية وبالتأكيد تشكل الولايات المتحدة نموذجاً في استقلالية المؤسسات وتجذرها في بيئتها.

لكنها هذه الديمقراطيات المثيرة للاعجاب (...) هي التي ترتكب جرائم الحرب والتطهير العرقي وتنظم الانقلابات وتغتال الشخصيات وتخرب الاقتصادات وتنشر الشائعات وتتاجر بالحروب والسلاح وتدشن الحروب الاهلية تحت ستار المحافظة على المصالح القومية الاميركية وكأنها تريد القول ان كل شيء وكل مقاربة مشروعة ايا كانت الاساليب التي توصل لهذا الهدف.

.. نأتي الى تركيا التي عرفت ثلاثة انقلابات عسكرية والوثائق تقول انها تمت بضوء اخضر اميركي، كانت على طاولة الرئيس السابق جورج بوش بعد ان رفض مجلس النواب التركي السماح للقوات الاميركية بفتح جبهة شمالية ضد نظام صدام حسين عام 2003.

يورد شموئيل روزنر في صحيفة معاريف الاسرائيلية يوم الاثنين الماضي (21/6) «الحكاية» التالية: «.. قبل اربع سنوات تقريباً، اجتمع بعض مستشاري الرئيس جورج بوش كي يقرروا ما العمل مع تركيا، ليس نقاشاً نظرياً، بل مسألة موضعية كانت على جدول الأعمال.. ضباط اتراك على مستوى عال طلبوا الاستيضاح، ماذا سيكون موقف الادارة إذا ما وقع في تركيا انقلاب أي إذا ما اسقط الجيش الحكم الديمقراطي، الذي هو ايضاً اسلامي.

المواقف انقسمت – يواصل روزنر السرد المثير – ليس بشكل دقيق حسب المفتاح التالي: مكتب نائب الرئيس ريتشارد تشيني مال لتأييد الضباط، وزارة الدفاع ترددت، في مجلس الأمن القومي كانت المواقف منقسمة.. ولكن في وزارة الخارجية، كالصخرة المنيعة جلست كوندليزا رايس واعلنت بان لا أمل في ان تدعم الولايات المتحدة مثل هذه الخطوة، قاطعة، حازمة، فقد اقنعت الرئيس: تركيا هي النموذج للديمقراطية الاسلامية.

اطال المعلق الاسرائيلي سرد التفاصيل لكن ما نريد قوله هو: ان «العبث» بالعالم هو مهمة اميركية امبريالية بامتياز أما ديمقراطيتهم المثيرة للاعجاب فهي لهم ومن أجلهم وليس للرعاع (كما ينظرون الينا في واشنطن وتل ابيب ولندن).

==============================

ماكريستال قال كلمته ومشى

سميح صعب

النهار

26-6-2010

أبعد من قرار إقالة قائد القوات الاميركية في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال وتعيين الجنرال ديفيد بترايوس خلفاً له، هو ما كشف عنه هذا الحدث المفاجئ من مأزق اميركي حقيقي بعد تسع سنين من الحرب في هذا البلد، وهي مرشحة بعد فيتنام لتصير أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة.

فماكريستال تمت الاستعانة به في افغانستان قبل عام خلفاً للجنرال ديفيد ماكرنين الذي أخذت عليه القيادة السياسية في اميركا انه مسؤول عن الاساءة الى سمعة الولايات المتحدة في صفوف الافغان بسبب تسرعه في اتخاذ قرارات بشن عمليات عسكرية نجمت عنها خسائر فادحة بين المدنيين الافغان مما انعكس تزايداً في نقمة المواطنين الافغان العاديين ضد القوات الاجنبية.

وجيء بماكريستال على اساس انه صاحب قصة نجاح في العراق، وإليه يعزى التقدم الامني الذي حققته خطة بغداد ومنطقة الانبار منذ 2007 عندما انحسر نسبياً نفوذ "القاعدة" نتيجة انشاء مجالس الصحوة في المناطق السنية من العراق وتغيير ولاء الكثير من المقاتلين السنة من التنظيم الاصولي الى ما بات يعرف بقوات الصحوة التي اعلنت ولاءها للقوات الاميركية.

وبناء على سجله، كان ماكريستال من بين واضعي استراتيجية اوباما في افغانستان القائمة على زيادة القوات وشن هجمات لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها "طالبان" في الاعوام الاخيرة ومن ثم ارغام الحركة بعد الحاق سلسلة من الهزائم العسكرية بها على القبول بالجلوس الى طاولة المفاوضات، الامر الذي يسمح للقوات الاميركية ببدء الانسحاب من افغانستان اعتباراً من تموز 2011.

بيد ان هذه الاستراتيجية التي تطبق منذ أشهر، ووجهت بكثير من العراقيل. فالهجوم الذي شن على مرجاه في ولاية هلمند سار ببطء شديد. وتمكنت "طالبان" من الانسحاب من امام "المارينز" ومن ثم بدء هجمات كر وفر على القوات الاميركية والاطلسية. كما ان الهجوم الذي تستعد له القوات الاميركية والاطلسية على ولاية قندهار المعقل الرئيسي ل"لطالبان" في الجنوب لم يكتمل بعد نظراً الى الحاجة الى أعداد كبيرة من القوات.

كما واجهت الاستراتيجية الاميركية عقبة اساسية تمثلت في إحجام حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي عن ارسال المزيد من القوات لمساندة القوات الاميركية. ليس هذا فحسب، بل ان عدداً من الدول المساهمة بقوات بدأت تحدد مواعيد للخروج من هذا البلد على غرار ما فعلت الولايات المتحدة نفسها.

وزاد في التعقيدات ارتفاع الخسائر البشرية للقوات الاميركية والاطلسية مع وصول التعزيزات الجديدة. وكان حزيران الشهر الاكثر دموية للقوات الاجنبية منذ الاحتلال الاميركي عام 2001. ويضاف الى ذلك الفساد المستشري في اوساط الحكومة الافغانية وما يؤدي اليه من نقمة شعبية على الحكومة وعدم تجاوب مع جهودها لتأييد الحملات العسكرية على "طالبان".

كل هذه العوامل ولّدت الاحباط لدى ماكريستال ودفعته الى الاستخفاف بالقيادة السياسية في واشنطن. ويبقى الدافع الاساسي الى اليأس من افغانستان، هو انها حرب بلا أفق، فالرهان على تحقيق انتصار عسكري على "طالبان" بات فكرة غير قابلة للتحقيق حتى في رأي معظم القادة الميدانيين.

واميركا هي الان في وضع أصعب من وضع الاتحاد السوفياتي السابق في الثمانينات من القرن الماضي. فهي تعلم ان الحكومة الافغانية غير قادرة على الصمود امام "طالبان" في حال انسحاب القوات الاميركية الان او على المدى المنظور او المتوسط. في حين ان البقاء هناك ترتفع كلفته البشرية والمادية من دون ان تلوح في الافق أية مخارج من الطريق المسدود. قال ماكريستال كلمته ومشى. وأتخذ اوباما قراراً بإقالته. لكن ذلك لن يخرج اميركا من الورطة.

==============================

مدى كفاءة الجهاز الديبلوماسي التركي للأدوار التركية الجديدة ؟

جهاد الزين

النهار

26-6-2010

تقترب تركيا، استناداً الى تراكم تجربتها التغييرية، من أن تصبح في القرنين العشرين والحادي والعشرين بالنسبة للعالم المسلم وربما أوسع من العالم المسلم، ما كانته انكترا أو ما مثلته انكلترا في القرنين السابع عشر والثامن عشر بالنسبة لأوروبا والغرب بل والعالم. ما أعنيه جوهرياً هنا فكرة رئيسة بل وحيدة: التغيير السلمي او التغيير في سياق سلمي عام. لا يعني هذا في التاريخين الانكليزي (ق16-17) والتركي (ق20) أنه لم يحدث عنف، ولكن حسب التعبير الذي يستخدمه غالبا المفكرون الأوروبيون حول انكلترا أنه لم تحدث انقطاعات شاملة في المجتمع والدولة على غرار الانقطاع الذي عبرت عنه الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، وتلاحقت على مدى عدد من المحطات الثورية في القرن الذي تلاه، أو كالانقطاعين الكبيرين في التاريخ الأميركي الأول في حرب الاستقلال في سبعينات القرن الثامن عشر، والثاني في الحرب الأهلية المندلعة لبضع سنوات عام 1860. الثورة لم تحصل بشكل ثوري في انكلترا بل وبشكل مؤسسي عموماً، فهل بتنا نشهد في تركيا لاسيما مع نضوج تحولات العقود الثلاثة الأخيرة في البنية الاقتصادية السياسية للمجتمع والدولة هذه الثورة البنيوية... المتواصلة في تراكم تقدمي؟ لا تمكن الكتابة عن السياسة الخارجية التركية الجديدة بدون هذا الإطار الداخلي للدولة التركية كما تشكلت وانطلقت بعد العام 1923 تاريخ تأسيس الجمهورية، وإتسمت منذ ذلك الحين بثبات مؤسسي، مقرون بسياق قادر على إستيعاب العنف الداخلي... داخله. هذا هو المستند الأول.

كما لا يستقيم أي بحث في السياسة الخارجية التركية بدون المستند الآخر، وهو أن العديد من المتغيرات التي جسدتها الديبلوماسية التركية في سنوات حكومات حزب "العدالة والتنمية" الحاكم منذ العام 2002 انزرعت بذورها في عقود سابقة. وإذا كانت العشرية الأولى من هذا القرن هي سنوات بدء الحصاد، فإن التسعينات من القرن المنصرم هي سنوات بدء التفتح الذي سرّعه انفتاح آفاق وتحديات ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وظهر في أول تغيير ديبلوماسي جوهري عبر العلاقة الإيجابية التي لا سابقة لها بين العدوين التقليديين تركيا واليونان بعد زلزال إزميت عام 1999، دون أن ننسى الصدمة الداخلية الكبرى – والتي لم تفهم معانيها العميقة يومها الأوساط السياسية والثقافية العربية -، ألا وهي المتمثلة بقبول المؤسسة العسكرية التركية تشكيل اول حكومة برئاسة الإسلامي الأصولي نجم الدين إربكان عام 1996 لتسارع الى إقصائه بعد بضعة أشهر، الأمر الذي فاقم سوء الفهم العربي الذي جاءه إقصاء أربكان ليعزز أفكاره الجاهزة والقديمة حينها بينما لم تحرك لدى النخب العربية (عموماً)، أي استشراف لمعنى خطوة تعيين إربكان (بعد وصول حزبه أولا في الانتخابات طبعاً) على مستقبل الحياة السياسية في تركيا، والتي – أي الخطوة – ستجعل ترشيح ثم وصول رجب طيب أردوغان وحزبه اسهل عام 2002!

منعطف استراتيجي تأسيسي آخر في تغيير السياسة الخارجية التركية قبل وصول حزب "العدالة والتنمية" الى السلطة هو تخلي القيادة السورية بزعامة الرئيس حافظ الاسد بشكل نهائي عن احتضان حزب العمال الكردستاني المسلح عام 1998 (رسمياً في اتفاق أضنه). أياً كانت أسباب هذا التخلي وهي ليست موضوعنا هنا، فلا يمكن تصور ما آلت اليه العلاقات السورية – التركية في عهد الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء أردوغان من تقدم مدهش ومتين بدون اتفاق أضنه. هذا منعطف ثمنته عالياً المؤسسة العسكرية التركية، عبر مساهمتها ليس فقط في صناعته بل أيضاً في تشجيع التقدم النوعي الذي تلاه، وهو تأكيد آخر أن التحولات التركية في السياسة الخارجية هي حصيلة جهد تراكمي لأجيال من النخب التركية وليس لفئة أو جيل واحد على أهمية الدور القيادي الذاهب أبعد للجيل الحالي ورموزه عبدالله غول وأردوغان وأحمد داود أوغلو.

هناك طاقم حكومي في أنقرة اليوم لا يقوم فقط بتطوير ديبلوماسية إسلامية في المحيط المسلم لتركيا، المباشر وغير المباشر، ولكنه أيضاً طاقم يحب هذا الدور وهو مدرب على مفاهيم ومصطلحات تخدم هذا الاتجاه. ومع وجود أحمد داود اوغلو كوزير للخارجية فهذه الديبلوماسية لديها مفكرها الذي ينم ما وصلنا من مؤلفاته (وبعض أهمها غير متوافر حتى اللحظة بالعربية) عن قدرة في مجال العلوم السياسية، على ما سماه جان دانيال يوماً متاثراً بكاتب مغاربي في مجال مختلف عما نحن بصدده واود ان استخدمه هنا "أسلمة الحداثة" كمقابل للمصطلح الأكثر تداولا "تحديث الإسلام". رغم كل الضجيج الذي يثيره نقد رجب طيب أردوغان لإسرائيل منذ حرب غزة مروراً بمشادة دافوس والرد على إهانة السفير التركي في اسرائيل، وما لا يزال يليها فإنه من غير الدقيق، بل من غير الصحيح، اختصار التحولات في السياسة الخارجية التركية بالمحيط العربي والمسلم قياساً بتحسن صورة تركيا في الملف القبرصي نتيجة نمط جدي من المرونة التركية من جهة، ومن جهة اخرى نتيجة الموقف السلبي للقبارصة اليونانيين من مشروع الحل الدولي في الاستفتاء الأخير.كذلك في الادارة الكفية لحزب "العدالة والتنمية" لمشروع الانضمام الى اوروبا، والتي تجعله مع القوى التي تمثل في المجتمع التركي رأس قيادة تحالف قوى اجتماعية – اقتصادية جديدة لهذا النزوع الاوروبي التحديثي. يضاف الى ذلك استقرار بناء سياسي اقتصادي في العلاقة مع روسيا وعلاقة ايجابية متواصلة مع ايران واصلها وطورها اكثر حزب "العدالة والتنمية" اقتصادياً وسياسياً... كل هذا بينما ساهم وصول باراك اوباما الى الرئاسة الاميركية مع سياسته وخطابه المختلفين حيال العلاقة بالعالم المسلم والعراق والصراع الفلسطيني – الاسرائيلي في جعل المسافة التركية غير المألوفة عن اسرائيل مسافة مفهومة اكثر (ولا اقول مقبولة) لدى النخب الاميركية والرأي العام الاميركي.

يراودني السؤال دائما منذ بدأ اهتمامي بالشأن التركي وخلاله بالديبلوماسيين الاتراك في بيروت وانقرة واحياناً في عواصم اخرى، مما اتاح لي حتى الآن التعرف على اجيال مختلفة في الجهاز الديبلوماسي التركي، بعضها شاب وبعضها اصبح متقاعدا... يراودني السؤال الذي لا اعرف ما اذا كان ان يطرحه وكيف على نفسه الوزير احمد داود اوغلو وهو السؤال المفترض ان يزداد الحاحا منذ النصف الاول من تسعينات القرن الماضي وان يصبح شديد الضرورة كلما تقدمت امكانات تركيا باعتبارها نمرا اقتصاديا وكدولة محورية في عدد من المناطق في العالم من اوروبا الى الشرق الاوسط: هل يستطيع الجهاز الديبلوماسي التركي الوارث لتقاليد وخبرات عريقة ان يقوم بالمهمات الجديدة التي يتطلبها تطور البنية السياسية الاقتصادية لدور الدولة التركية مع كل الطاقة المدربة التي يتمتع بها اشخاصا ونظم عمل؟ تم طرح الموضوع بطريقة ما من قبل بعض اقلام معلقي الصحافة التركية بطريقة مختلفة وفي وقت مبكر نسبياً في النصف الاول من التسعينات عندما جرى التساؤل مرارا عن اي فئة هي الاكثر ريادية في تركيا اليوم بعد انفتاح الآفاق امامها من البلقان الى آسيا الوسطى، هل هم الديبلوماسيون ام المثقفون ام رجال الاعمال؟ وأظهرت السنوات الاولى من التجربة التركية في آسيا الوسطى كما رأى بعضهم آنذاك ان رجال الاعمال هم الذين اظهروا هذه الريادية بينما بقيت الفئات الاخرى رغم مجهوداتها اسيرة تقليديتها المبنية على زمن الانكفاء التركي الذي فرضته ظروف تأسيس الجمهورية في ظل انهيار الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى، والذي عبر طويلا اي معظم القرن العشرين عن الهدف الرئيسي الذي وضعه مصطفى كمال اتاتورك لبقاء الأمة التركية في صراع البقاء الضاري في العصور الحديثة.

انها لمفارقة هائلة بل تحمل قدرا كبيرا من سخرية التاريخ ان الجهاز الديبلوماسي لتركيا المنكفئة سيجد نفسه غارقا معظم الوقت بين 1923 و1992 في التعامل مع نزاعات حدودية خطرة ومكلفة إثنيا على اكثر من جبهة متنقلة شمالا وجنوبا، شرقا وغرباً بينما العقدان الاخيران لمرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة، اي مرحلة عودة انطلاق الدور التركي الى الخارج سيشهدان تحقيقاً تركياً تدريجياً لمحيط اي لحدود تكاد تصل الى شعار عزيز على داود اوغلو وهو صفر مشاكل لولا مشكلة مناطق الجنوب الشرقي (الكردي) المفتوحة على الحدود مع العراق، وباتت الآن فقط مع تلك الحدود. المفارقة اذن ان تركيا المنكفئة كانت ذات حدود كثيرة متوترة اما تركيا المتوسعة ديبلوماسياً واقتصادياً فذات حدود مستقرة وهادئة هي الأكثر استقراراً منذ انجزت الحركة الوطنية التركية بين 1920 و1923 خريطة تركيا التي نعرف الآن. هناك بين المثقفين الاتراك من يطرح المسألة، مسألة مدى قدرة النخبة الديبلوماسية التركية في بنيتها الحالية على تلبية التحديات التركية الجديدة من منظور اكثر شمولا، اذ يحيل الموضوع على كل النخب التركية في الدولة وفي المجتمع فيسأل: هل تركيا الحالية من مختصيها وجامعاتها ومراكز ابحاثها وبرامجها وصحافتها وموازناتها الخاصة والعامة، مهيأة لهذه المهمات الجديدة كدولة اقليمية عظمى وليس ديبلوماسييها وحتى سياسييها فقط؟ انطلاقا من أنه في زمننا لا يمكن الفصل بين هذه المستويات لقياس قوة الدولة؟ هذه ملاحظات سبقت وجود حزب "العدالة والتنمية" ثم احمد داود اوغلو، وستأتي بعدهما وان كانت نجاحات حزب "العدالة والتنمية" جعلت هذه الاسئلة ضرورية بل حاسمة في نظرة تركيا الى نفسها وفي نظرتنا اليها.

==============================

الغرب والحرب القذرة

آخر تحديث:السبت ,26/06/2010

الحسين الزاوي

الخليج

ما يحدث من صراع ما بين القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين من جهة، والقوى الإقليمية الصاعدة خاصة في آسيا وأمريكا الجنوبية من جهة أخرى، يؤكد أن القوى المهيمنة على خيرات البشرية لا تريد أن تتخلى عن مراكز نفوذها، وتسعى بكل الوسائل والسبل المشروعة وغير المشروعة من أجل وأد حمى التمرد في مهدها، وذلك بتوظيف استراتيجية حرب شرسة تتسم بكثير من الوساخة، لأن الأيدي التي تُنفذها تحترف بكفاءة عالية فنون المجابهة القذرة التي لا تردد في توجيه ضربات استخباراتية واقتصادية، تتنافى بشكل صارخ مع المواثيق الدولية التي صاغتها هذه القوى نفسها لمحاصرة كل من يشق عصا الطاعة، أو يسعى إلى التغريد خارج السرب .

 

ويمكن القول إن ما حدث لإيران وما يحدث حالياً لتركيا يندرج ضمن سياسة تهدف إلى احتواء القوة الصاعدة والمتنامية لهاتين الدولتين وصولاً إلى تدجينهما، حيث إن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن أجمعت بشكل يندر حدوثه على فرض عقوبات مشددة على إيران من أجل حملها على التراجع بشأن ملفها النووي الموجه للأغراض السلمية . والغريب في هذه الخطوة هو أن روسيا التي دافعت عن العقوبات حاولت مؤخراً أن تنأى بنفسها عن العقوبات الإضافية والأحادية الجانب التي أقدمت على فرضها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وهي التي كانت تعلم يقيناً أن عقوبات مجلس الأمن ليست سوى خطوة أولية تفتح شهية العقوبات التي يريد الغرب فرضها على إيران بدعم من القوى الصهيونية النافذة في مراكز القرار الدولي .

 

والشيء نفسه يحدث لتركيا لأنها أرادت أن تقف في وجه الصلف “الإسرائيلي”، فرغم أن الجمهورية التركية تعتبر عضواً في حلف الناتو وتقدم خدمات لوجستية ودعماً استراتيجياً كبيراً للغرب في حربه على “القاعدة” وما يوصف بالإرهاب، إلا أن ذلك كله لا يشفع لها عندما يصبح خصمها المباشر هو الكيان الصهيوني الذي يرسم عملاؤه السياسات الأمنية والدفاعية للدول الكبرى . وقد كان لافتاً أن التبرم الغربي من المواقف التركية الجديدة انطلق من العواصم الغربية المعروفة بدعمها التاريخي وغير المشروط ل”إسرائيل”، حيث إن النواب الأمريكيين الذين يدعمون “إسرائيل” في مجلس النواب دعوا إدارة بلادهم إلى تغيير طبيعة تحالفها مع تركيا بعد تداعيات أحداث أسطول الحرية، الذي كان متجهاً إلى غزة من أجل فك الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني . والموقف نفسه يتكرر في أكثر من عاصمة غربية، وتحديداً لدى وسائل إعلامها، التي تسبح بحمد “إسرائيل” بكرة وأصيلاً . فأغلبية التحاليل الغربية أرادت أن تقلل من نزاهة وصدق نوايا تركيا في دعمها للشعب الفلسطيني . واعتبر الكثير من الأوساط الأوروبية، أن تركيا تريد أن تضغط على دول الاتحاد من خلال توظيف ورقة الصراع في الشرق الأوسط، ووصفت بعد الأقلام الأوروبية المأجورة، الحراك التركي الجديد بالقول إنه يشبه موقف “الضفدعة التي تريد أن تبدو أكبر من الثور”، وتلك إشارة واضحة وشديدة الصراحة والوقاحة معاً، إلى أن الغرب لا يريد أن يكون لتركيا حجم أكبر من حجمها الذي رسمته لها القوى الكبرى .

 

والواقع أن الغرب يتخوف كثيراً من التوجهات السياسية الجديدة للدبلوماسية التركية، ويسعى إلى الضغط عليها باستعمال مختلف الوسائل، ومن بينها ورقة الوضع الداخلي والصراع مع حزب العمال الكردستاني . فتوقيت التفجيرات التي تقوم بها بعض العناصر المحسوبة على هذا الحزب، يؤكد أن هناك أجندة غربية واضحة يتم تنفيذها في تركيا، باستعمال تكتيكات متعددة، تراهن على أسلوب خلط الأوراق والدفع بالأوضاع الداخلية لدول المنطقة إلى عتبة التفسخ والانفجار، لأن ما لا يمكن تنفيذه بأياد أجنبية يمكن أن تتكفل بتجسيده قوى تملك مصالح داخلية مشبوهة تتقاطع مع المصالح الأجنبية .

 

لقد أذهلت النجاحات التركية الأخيرة الغرب بقدر ما أخافته، فقد استطاع وزير الخارجية داوود أوغلو أن ينتزع موقفاً جديداً وجدياً من طهران بشأن تخصيب اليورانيوم، بعد مفاوضات دامت ما يقارب 18 ساعة، واستدرجت إلى جانبها إحدى القوى الاقتصادية الصاعدة في أمريكا الجنوبية ممثلة في البرازيل، وتسعى حالياً إلى تعزيز وجودها الاقتصادي والدبلوماسي في الكثير من الدول الإفريقية أسوة بالوجود الصيني المزاحم للدور التقليدي الغربي في المنطقة، وذلك فضلاً عن الدور التاريخي النشط لتركيا في بعض مناطق القوقاز وآسيا الوسطى . كما أن ما يزيد من حنق وتبرم الغرب من تركيا هو أنه لم يستطع حتى الآن أن يدق إسفيناً بينها وبين جارتها القوية إيران، فقد اتضح في أكثر من مناسبة أن دوري البلدين، وخلافاً لكل التوقعات، يكملان بعضهما بعضاً ولا يتصادمان، بل إن إيران مكنت تركيا من توظيف ملفها النووي لتعزيز نفوذها في المنطقة، ويمثل ذلك سلوكاً ينذر حدوثه في منطقة عرفت تاريخياً بضيق الأفق وبضبابية الرؤية الاستراتيجية لدى قادتها . وهذه المستجدات والشواهد الجديدة تزيد كلها، من عنف الحرب القذرة التي ينفذها الغرب على القوى الصاعدة وتحديداً في العالمين العربي والإسلامي، خاصة بعد أن تبخرت مؤخراً أوهام حيادية بعض الدول الكبرى كالصين وروسيا اللتين أثبتتا أنهما لا تعرفان سوى لغة واحدة هي لغة المصالح، التي كانت، وستظل ربما لعقود مقبلة، تتقاطع مع الغرب وليس مع الدول العربية والإسلامية التي أضحى معظمها غارقاً في يم الفساد وسوء تسيير أموال النفط .

==============================

شرعنة حصار غزة

آخر تحديث:السبت ,26/06/2010

عصام نعمان

الخليج

قبل ثلاثة أسابيع، كان العالم في معظمه يندد ب “إسرائيل” ويدين فعلتها الإجرامية بحق “أسطول الحرية لغزة” . اليوم يتبارى زعماء أمريكا وأوروبا في تقريظ “إسرائيل” والإشادة برفعها “الحصار المدني” عن غزة، وتبرير استمرارها في فرض “الحصار الأمني” .

 

ما سبب التحوّل الملحوظ؟ إنه قرار بنيامين نتنياهو استجابة لرغبة حلفائه الأطلسيين في تخفيف الحصار لتنفيس الضغوط المتزايدة على “إسرائيل” وشركائها الدوليين والإقليميين .

 

حلفاء نتنياهو لم يضغطوا عليه بصورة مباشرة لتخفيف الحصار، بل أقنعوه بضرورة التخفيف لمصلحة “إسرائيل” وشركائها . قالوا له إن الضغوط تتزايد من أجل مباشرة تحقيق دولي في فعلة “إسرائيل” الإجرامية فجر 31/5/2010 في المياه الدولية . التحقيق الدولي خطير لأنه لا يكشف إجرام “إسرائيل” وخرقها القانون الدولي فحسب، بل يقذف في وجه المجتمع الدولي أيضاً سؤالاً اتهامياً صاغه معلّق الشؤون العربية في صحيفة “هآرتس” (20/6/2010) على النحو الآتي: “أين كانت جميع الدول الموقعة على وثائق حقوق الإنسان السامية التي صاغتها الأمم المتحدة لدى فرض الحصار الخانق على غزة؟” .

 

قالوا له: التحقيق الدولي، إذا ما جرى، يكشف فاعل الجريمة والشريك فيها والمتستّر عليها . سارعْ إلى إجازة نقل الغذاء والدواء ومواد البناء إلى القطاع المحاصر منذ أكثر من ثلاث سنوات كي نتمكّن، في المقابل، من إجازة تمديد حبس مليون ونصف المليون فلسطيني في القطاع بدعوى منع وصول السلاح إلى “حماس” .

 

نتنياهو أجرى حساباته واقتنع، من حيث المبدأ، بجدوى التخفيف من الحصار، غير أنه خطط وأفلح في استخلاص ثمنٍ باهظ لاستجابة طلب الحلفاء والشركاء . فقد أصدر ديوانه بياناً بأن “إسرائيل” ستنشر قائمة بالمواد المحظر إدخالها بدلاً من القائمة الحالية بالمواد المسموح بتمريرها . القائمة الجديدة ستسمح بتوسيع إدخال مواد البناء للمشاريع التي تقرها السلطة الفلسطينية وتخضع لمراقبة دولية، وكذلك لمشاريع إقامة مبانٍ سكنية كتلك التي تنفذها الأمم المتحدة في خان يونس .

 

تصريح نتنياهو الذي أعقب بيان ديوانه يكشف حقيقة الصفقة التي عقدها مع حلفائه الأمريكيين والأوروبيين والثمن الباهظ المطلوب تدفيعه للفلسطينيين والعرب . فقد أعلن رئيس الحكومة العنصرية الصهيونية بالفم الملآن: “لقد جرّدنا حركة حماس من القدرة على اتهام “إسرائيل” بأنها تلحق الضرر بالسكان المدنيين . إن أصدقاءنا في العالم يدعمون قرارنا ويمنحون شرعية دولية لاستمرار الحصار الأمني المفروض على حماس . لن يكون هناك حصار مدني على غزة، بل حصار أمني يتّم تشديده الآن” .

 

تشديد الحصار الأمني بدأ فوراً، إذا أعلن وزير الحرب إيهود باراك بعد اجتماعه إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن “التحقيق الدولي وُضع على الرف”، وأن لبنان سيكون مسؤولاً إن سمح لسفن جديدة بالانطلاق من موانئه باتجاه غزة لفك الحصار عنها . أمريكا تجاوبت سريعاً مع الدعوة إلى استخدام القنوات الموجودة، لا السفن، لنقل المساعدات إلى غزة . الجيش “الإسرائيلي” هدد بمعاملة سفن لبنان على غرار سفن “أسطول الحرية” . الخارجية “الإسرائيلية” طلبت إلى الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة تمرير رسائل إلى الحكومة اللبنانية بأن “إسرائيل” ستقوم باعتقال ركاب السفن اللبنانيين ومحاكمتهم بدعوى انتمائهم إلى دولة عدو، وأن “حزب الله” يكمن وراء توجيه السفن إلى غزة . كما طلبت الخارجية “الإسرائيلية” من الفاتيكان عدم السماح لرهبان وراهبات بالمشاركة في السفن المتجهة إلى غزة لكونها تحمل ركاباً معادين ل “إسرائيل” .

 

فوق ذلك، وفي إطار شرعنة الحصار على غزة، سربت الخارجية “الإسرائيلية” بأنه يجري درس إمكانية وضع رقابة دولية على المعابر المؤدية إلى غزة كشرط لفتحها أمام المواد المدنية .

 

أما الثمن الباهظ المراد تقاضيه لقاء الوعد برفع الحصار المدني، فقد تجلى غداة إعلان نتنياهو عن تخفيفه وترحيب أمريكا وأوربا بقراره، إذ جرى الإعلان عن خطة بناء تقضي بهدم 22 منزلاً فلسطينياً في القدس الشرقية لإقامة “حديقة الملك” في منطقة حي البستان الواقعة على مشارف القدس والتي تسكنها غالبية من العرب، إلى ذلك أمرت المحكمة العليا في “إسرائيل” بإبقاء ثلاثة نواب ووزير سابق من “حماس” خارج حدود القدس، إلى حين النظر في قرار وزارة الداخلية “الإسرائيلية” إبعادهم عن المدينة . كما ردد بعض الصحف “الإسرائيلية” أن تل أبيب لن تتوانى قبل البدء بتخفيف الحصار المدني، عن تأخير تنفيذه إلى أن تسمح “حماس” للصليب الأحمر الدولي بتفقد الجندي الأسير جلعاد شاليت . واللافت أن اللجنة الرباعية كانت شفعت ترحيبها بتخفيف الحصار “الإسرائيلي” عن غزة بمطالبة “حماس” تمكين الصليب الأحمر من معاينة شاليت .

 

أجل، هكذا تتم شرعنة الحصار: الاعتراف، بادئ الأمر، بوجوده . ثم التظاهر برفع شطره المدني والإبقاء على شطره الأمني . وتحت ستار هذا التقسيم المصطنع لمضمون الحصار، يجري تمديد حبس شعب غزة البالغ تعداده مليون ونصف المليون في أكبر سجن في التاريخ المعاصر، مع استمرار الحظر على مواد مدنية كثيرة أبرزها السماد الطبيعي والصناعي اللازم للزراعة بدعوى أنه مادة مزدوجة الاستعمال وتدخل في صنع الصورايخ! إلى ذلك كله تجري شرعنة الحصار بحلته الجديدة بامتداح “إسرائيل” لموافقتها على تخفيفه، كما بالسعي إلى توثيقه بوضع رقابة دولية على جميع المعابر المؤدية إلى القطاع .

 

كيف نواجه هذا التطور الخطير والمؤذي؟ باعتماد سياسة ذات مرتكزات ثلاثة:

 

الأول، إبقاء قضية رفع الحصار كاملاً بتسيير المزيد من الأساطيل المؤلفة من مئات السفن المتجهة إلى غزة، المحمّلة بالمتضامنين الأحرار من شتى الجنسيات، المستعدين للاشتباك مع جنود البحر “الإسرائيليين” بالأيدي وسائر “فنون” المقاومة البدنية المجردة من أي سلاح، من أجل صنع حدث بل أحداث لافتة تجتذب أضواء وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية .

 

الثاني، إثارة قضية المجزرة التي اقترفتها “إسرائيل” فجر 31/5/2010 في عمق المياه الدولية خارقة بذلك قاعدة “المرور البريء”، الأمر الذي يستوجب إدانة من مجلس الأمن وقراراً بإجراء تحقيق دولي، حتى إذا رفض مجلس الأمن اتخاذ هذا القرار أو رفضت “إسرائيل” الامتثال له في حال اتخاذه، بادرت تركيا وكل دولة تعتبر نفسها متضررة من فعلة “إسرائيل” الإجرامية فجر 31/5/2010 إلى تسيير قطع من أسطولها لمرافقة سفن أساطيل الحرية المتجهة إلى غزة في المياه الدولية وحتى في المياه الإقليمية لقطاع غزة .

الثالث، إقناع مصر بابقاء معبر رفح مفتوحاً بصورة دائمة أمام شعب غزة، ومسموحاً استخدامه لشتى الأغراض بما في ذلك انتقال الأشخاص والبضائع ومواد الغذاء والدواء والبناء، وفصل مسألة المعبر عن مسألة المصالحة الفلسطينية وعن مسألة الجندي “الإسرائيلي” الأسير جلعاد شاليت .

إن الكفاح من أجل فك الحصار بصورة كاملة وبلا شروط عن غزة هو أفعل وأرقى أشكال المقاومة المدنية في عصرنا، ويجب أن يكسب الفلسطينيون هذه المعركة مثلما كسب اللبنانيون، بالمقاومة الميدانية، النزال ضد “إسرائيل” وحربها العدوانية العام 2006 .

==============================

في سورية ممنوع عليك أن تنتقد إيران أيضاً!

زين الشامي

الرأي العام

26-6-2010

أعرف الكاتب والناشط في «إعلان دمشق»علي العبد الله منذ أعوام طويلة، وهي معرفة تؤهلني للقول ان هذا الرجل شفاف لدرجة البراءة، وصلب وعنيد مثل اولئك الذين يعتقدون أنهم خلقوا ليؤدوا مهمة كبيرة، لكن هذه الصلابة سرعان ما تتحول إلى مرونة خلال النقاش والحوار السياسي، ولأنه بهذه المواصفات فقلما وجدت أن هناك شخصاً واحداً فقط على خصومة معه، على العكس تماماً، كل من يعرف علي العبد الله يحترمه ويحبه ويقدره.

لكن هذا الشخص دفع غالياً ضريبة أخلاقه وشعبيته بين النشطاء والمعارضين السوريين، ونتيجة مواقفه السياسية الواضحة ازاء النظام، ليس ذلك فقط، لقد دفع علي العبد الله ضريبة مواقفه السياسية وآرائه من النظام الإيراني وولاية الفقيه، كما لو أنه مواطن إيراني، نعم، لقد أعادت هذه السلطات علي العبد الله إلى سجن عدرا رغم انتهاء محكوميته البالغة عامين ونصف العام التي قضاها، ووجهت إليه اتهامات جديدة بإضعاف الروح القومية و«نشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة»، و«تعكير صفوة العلاقات مع دولة أجنبية»على خلفية مقال كان قد كتبه خلال وجوده في السجن عن العلاقات السورية الإيرانية حيث انتقد نظام ولاية الفقيه في إيران الذي يمنح صلاحيات سياسية مطلقة لشخصية دينية.

لكن ما يثير في هذه الاتهامات أنها أتت، كما قلنا، من السلطات السورية، وإذا افترضنا أن ذلك ليس صحيحاً، فما هذه الذريعة الواهنة لسجن ناشط ومعارض سوري على خلفية انتقاد نظام ولاية الفقيه في وقت يقوم به نشطاء إيرانيون بتوجيه انتقادات قوية لنظام ولاية الفقيه والرئيس محمود احمدي نجاد من داخل إيران نفسها، ويتظاهرون ويهتفون دون أن تقوم السلطات الإيرانية، بتوجيه اتهامات مماثلة لهم؟

كلنا يعرف أن غالبية السجناء الإيرانيين اليوم ممن هم من المعارضة قد تم سجنهم لدورهم الكبير في التظاهرات الكبيرة التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات الإيرانية، وهو ما أشعر النظام الإيراني بخوف وخشية كبيرين على مستقبله، لكن أن تقوم السلطات السورية بسجن سوري لمجرد أنه انتقد نظام ولاية الفقيه، فهذا لعمري غريب ولم يحصل في تاريخ سورية لا القديم ولا الحديث!

ان ما حصل لا يعبر ولا يعكس علاقة تحالفية بين دمشق وطهران، بل يعكس نوعاً آخر على حساب مواطن سوري شريف وحر وصاحب رأي، وان ما حصل ينتهك معايير السيادة الوطنية. فالنظام الذي لا يقبل على منظمات حقوق الانسان الدولية أن تطالب أو تتدخل لصالح سجين رأي في سورية بحجة السيادة، والنظام الذي لا يقبل أن يتدخل الرئيس الفرنسي نيقولاي ساركوزي، أو وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بسبب الحجة نفسها «السيادة»، عليه ألا يسجن مواطنيه بسبب قول رأيهم السياسي والفكري في ظاهرة وحالة تهم كل المواطنين العرب، ونقصد الشأن الإيراني والنظام السياسي فيه.

ثم من ناحية ثانية كيف يمكن لمقالة في صحيفة أو موقع الكتروني لم تقرأها غالبية من السوريين لأنها حجبت عنهم، كيف يمكن لمقالة أن توهن نفسية الأمة العربية كلها، وكيف يمكن لمقالة رأي أن تساهم في تعكير العلاقات بين دولتين صديقتين في وقت لم تستطع الولايات المتحدة وكل الدول الغربية التي ضغطت على النظام السوري من أجل فك عرى هذه العلاقة، نقول كيف يمكن لمقالة عادية لم يقرأها إلا العشرات ان تعكر صفو هذه العلاقة وهذا التحالف الذي يمتد على أكثر من ثلاثة عقود من الزمن؟

منطق غريب، اتهامات غريبة، وشعب سوري مسكين لا حول له ولا قوة. نحن شعب نريد أن نعيش دون خوف، دون سجن لمجرد أننا نكتب أو نتكلم أو نفكر، أو ننتقد نظام ولاية الفقيه.

==============================

هل يواجه العالم أزمة نفط؟

السبت, 26 يونيو 2010

عيد بن مسعود الجهني *

الحياة

في المحاضرة التي ألقيتُها مساء السبت الماضي في المكتب الثقافي التعليمي المصري في الرياض كانت هناك أسئلة عدة حول النفط ويمكن اختيار أحد الأسئلة المهمة وهو: هل العالم يواجه أزمة طاقة؟ وعلى وجه الخصوص أزمة نفط؟ والإجابة على مثل هذا السؤال ليست عصية فمن يتتبع مسيرة انتاج النفط يدرك الأسباب الرئيسية التي تجعل الكثيرين يطرحون هذا السؤال وهم يقرأون ويتابعون أطروحات المتشائمين، القائلين أن العالم سيشهد قريباً نهاية النفط، أما المتفائلون وهم كثر ونحن منهم، فإنهم يذهبون إلى التأكيد على ان الأرض ستظل تجود بهذا السائل العزيز لعقود طويلة، بل وأكثر من ذلك فإن احتياطيه سيزداد وان كانت زيادته لن تكون بالسرعة التي بلغها في القرن الماضي! وأمام آراء المتشائمين والمتفائلين فإن البعض يبقى في حيرة من أمر مستقبل النفط.

هذا النفط يمثل السياسة والاقتصاد، كما انه محرك الأحداث والصراعات والنزاعات وحتى الحروب خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً منطقة الخليج العربي (للأسف) التي شهدت حربين مدمرتين بسبب النفط باعتباره النفط روح العالم اليوم، فكان النفط أهم العوامل التي لعبت دوراً خطيراً في صياغة السياسة العالمية خلال القرن الماضي الذي كان مشحوناً بالأحداث الكبيرة والاكتشافات المثيرة والصناعات الثقيلة، فكان البترول عصب شريان الحياة في السلم والحرب آنذاك وما زال وسيبقى.

وفي هذه الألفية الثالثة وهي امتداد لأحداث القرن الماضي الجسام تم احتلال افغانستان بسبب موقعه الاستراتيجي واطلالته على نفط بحر قزوين، الذي تقدر الإحصاءات أن احتياطيه النفطي بين 40 و 50 بليون برميل، كما تم احتلال العراق بسبب موقعه الاستراتيجي واحتياطي نفطه الذي يبلغ 115 بليون برميل لتتصدر أزمة الطاقة أحداث هذه الألفية وصراعاتها باعتبار ان من يسيطر على النفط يتحكم في الأحداث ويسخرها، خصوصاً نفط الشرق الأوسط وبلادنا العربية جزء منه. وعن أهمية نفط الشرق الأوسط قال تشرشل السياسي المحنك والخبير العسكري: «من يملك بترول الشرق الأوسط يستطيع أن يحكم العالم».

كان تشرشل أميرالاً في البحرية البريطانية قبل ان يصبح رئيساً لحكومة بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، وكان قرار الحكومة البريطانية قبل الحرب الثانية بالتحول عن استعمال الفحم إلى البترول كوقود للسفن الحربية البريطانية بناء على توجيه منه، وقد اعتبر ذلك نقطة تحول حقيقية في تاريخ الصناعة البترولية، نتيجتها الحتمية كانت تحسن كفاءة السفن الحربية البريطانية في الحرب فكانت عاملاً مهماً في حسم الحرب لمصلحة الحلفاء، وأبرزت أهمية النفط في دفع عملية التنمية وتفوق القوة العسكرية.

وعلى رغم الإسراف في استهلاك النفط، بسبب رخصه وعدم تقدير الدول المستهلكة لقيمة هذه السلعة الاستراتيجية خاصة في الفترة الواقعة بين عامي 1949و 1972، اذ شجع النفط الرخيص دول أوروبا ومعها اليابان على احلاله محل الفحم، وكانت النتيجة الحتمية هي زيادة استهلاك أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بشكل غير مسبوق حيث وصل في أميركا في بداية السبعينات إلى حوالى 16.5 مليون برميل يومياً بعد أن كان في أوائل الخمسينات بحدود 5.8 مليون برميل يومياً، وفي أوروبا كان في أوائل الخمسينات اقل من مليون برميل يومياً وقفز هذا الرقم في بداية السبعينات إلى 14 مليون برميل يومياً.

إلا أن النفط بقي صامداً شامخاً كالطود، بل انه كلما زاد استهلاكه كلما زاد احتياطيه وكأنه يقول للدول الصناعية المستهلك الرئيس له: انا بحر لا ينضب بأخذ السواقي ولا يقل بكثرة الدلاء، والدليل واضح لا يحتاج الى بيان، ففي عام 1940 والحرب الكونية الثانية المدمرة تدور رحاها تقتل البشر وتحرق الشجر وتدمر البناء لم يتجاوز استهلاك الدول أطراف الحرب وغيرها 4 ملايين برميل يومياً، ثم قفز هذا الرقم عام 1950 ليبلغ 20 مليون برميل يومياً وتتابعت قفزات الاستهلاك ليبلغ عام 1973، الى 57 مليون برميل يومياً، ومع نهاية القرن الماضي كان بحدود 77 مليون برميل يومياً وفي هذا العام يحوم الاستهلاك بين 85 و 86 مليون برميل يومياً، طبقاً لتقديرات منظمة «اوبك» ووكالة الطاقة الدولية التي تقدم النصح في الطاقة ل 28 دولة صناعية هي أهم مستهلكي النفط، ورفعت الوكالة توقعاتها الأربعاء الماضي لنمو الطلب العالمي على النفط إلى 1.2 مليون برميل يومياً في كل سنة من السنوات الخمس المقبلة ليبلغ 91.9 مليون يومياً عام 2015.

هذه القفزات المتسارعة للاستهلاك قابلها على الجانب الآخر تزايُد مستمر للاحتياطي النفطي فمثلاً كان احتياطي دول مجلس التعاون الخليجي الذي يعتبر رئة العالم النفطية في عام 1970 لا يتجاوز 240 بليون برميل بينما يبلغ اليوم حوالى 486 بليون برميل، واحتياطي منظمة «اوبك» الذي كان في عام 1995 بحدود 814 بليون برميل ونسبته بالنسبة الى الاحتياطي العالمي آنذاك 78.65 في المئة أصبح اليوم 939.4 بليون برميل ويمثل 80.7 في المئة بالنسبة الى إجمالي الاحتياطي العالمي البالغ 1164.30 بليون برميل.

وهذه الزيادات المضطردة في الاحتياطي النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية ومنظمة «اوبك» وغيرها تدحض نبرات التشاؤم التي برزت مع ثورة أسعار النفط الأولى عام 1973 حول حجم احتياطي النفط حيث ساد الاعتقاد أن بعض الآبار في طريقها للنضوب او تدني حجم احتياطيها وهو ما يجعل العالم يواجه حتماً أزمة نفطية غير مسبوقة بعد عصر النفط الرخيص.

ومن تحليل أرقام الاحتياطي النفطي المثبت عالمياً فإن «أوبك» هي التي تحتل مكانة مهمة باحتياطيها الذي أوردناه آنفاً، ودول مجلس التعاون الخليجي اضافة إلى العراق وايران والدول العربية المنتجة للنفط هي صاحبة المحيط النفطي الشاسع، على رغم أن مساهمة «أوبك» في سوق النفط الدولية لا تتجاوز40 في المئة والنسبة الباقية 60 في المئة هي حصة الدول خارج «أوبك» وشركات النفط الدولية تقل نسبتها في الاحتياطي النفطي المثبت عالمياً عن 20 في المئة.

إن الدول الصناعية (المستهلك الرئيسي للنفط) تدرك أن النفط لن ينضب في المستقبل المنظور، ولأن سوق النفط الدولية مشبعة بالنفط الزائد عن حاجة الدول المستهلكة، فهناك فائض أكثر من مليوني برميل يبحث عن مشترين، وعلى رغم حادثة التسرب النفطي بسبب انفجار منصة حفر تابعة لشركة النفط العملاقة «بي بي» في خليج المكسيك، الا ان ذلك لم يؤثر إيجاباً في أسعار النفط، بل بالعكس فإن الأسعار تعتبر متدنية وتحوم بين 73 و76 دولاراً مقارنة مع ما بلغته سابقاً عندما كسرت حاجز 86 دولاراً للبرميل.

المهم أننا إذا نظرنا إلى حجم الاحتياطي النفطي العالمي فإن في حجمه الكبير إجابة شافية حتى للمتشائمين القائلين بقرب غروب شمس النفط وإن الاحتياطي يقول إن النفط باقٍ وإنه معين لا ينضب.

* رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية.

==============================

«تغيير وجه المنطقة»

السبت, 26 يونيو 2010

حازم صاغيّة

الحياة

منذ فترة وبعض الإعلام العربيّ المتحمّس ماضٍ في إعلان «تغيّر وجه المنطقة». والشيء نفسه سبق أن أعلنه جهاراً سياسيّون وحزبيّون مناضلون ونضاليّون.

فحين تتحدّى طهران الولايات المتّحدة أو إسرائيل، يتغيّر «وجه المنطقة»، وحين تقف تركيا موقفاً متشدّداً حيال الدولة العبريّة، يحصل الشيء نفسه. وحين تصاب الأخيرة بهزيمة إعلاميّة وسياسيّة في معركة «أسطول الحريّة»، نتحدّث عن تغيّر متسارع الألوان، بإيقاع سينمائيّ للكلمة، يعتري ذاك الوجه.

وتغيّر وجه المنطقة معناه، عند أصحابه، اقترابنا من دخول بوّابات النهضة، أو ربّما الجنّة، وضرب أوتادنا في الغد الزاهر. «فبعد اليوم»، كما يقال بإفراط وخطابيّة، لن يكون ما كان بالأمس من «خضوع وذلّ». والانتصارات المتوالية التي وعدنا بها أمين عام «حزب الله» اللبنانيّ توفّر البراهين الفائضة لطالبيها.

غنيّ عن القول إنّ الوجه الذي يتغيّر بهذه الكثرة لا يكون وجهاً، كما لا يكون ما يتعرّض له تغيّراً. إنّه، في أغلب الظنّ، اختراعنا المنبعث عن توهّم يفترض الوقائع، بكثير من السرعة، ثمّ يعلن تغييرها بالسرعة ذاتها.

وهنا لا بأس بالتذكير بأنّ وجه المنطقة المزعوم، ومن ورائه وجه التاريخ المزعوم هو أيضاً، سبق أن «تغيّرا»، في العهد الناصريّ، بوتائر لن نستطيع اللحاق بها اليوم مهما شددنا الهمّة وبالغنا في عدّ التغيّرات. وفي تلك الأيّام، كما في يومنا الراهن، فوّتنا ونفوّت على عقولنا فرصة الكلام الدقيق والعقلانيّ، مثلما فوّتنا ونفوّت على نفوسنا الإحباطات التي لا بدّ أن تنشأ، بعد غد، بنتيجة الكلام الحاليّ المضخّم. وربّما كان الأسوأ ما يترتّب على هذا «النهج» من نسف لكلّ ثقة متبقّية بين المتكلّم والمخاطَب، بين السياسيّ أو الكاتب أو المذيع وبين السامع والمتلقّي، في هذه الدنيا العربيّة الواسعة التي تتبادل بيع التماسيح المقتولة في بحار غامضة. فمن يتفوّه بكلام عقل عن سعي تركيا إلى الانضمام الى الاتّحاد الأوروبيّ، أو عن طموحات إيران في أدوار إقليميّة، ومن يربط بين هذه الاتّجاهات والسياسات المتّبعة، يكون ناشراً مشبوهاً لليأس في زمن الاحتفال الصاخب.

بيد أنّ أمراً آخر يستوقف مَن يتابعون المزاج المتولّد عن إحباط متراكم وعن معجزات رؤيويّة تُغرق «في شبر ماء». فالمزاج هذا، المستشري عربيّاً، والهائل القدرة على تخدير العقل، يفترض، في ما يفترض، أن التغيّر ومن ثمّ النهضة والتقدّم تنجرّ عن حرب أو معركة أو مجرّد حركة عنفيّة قد تتقلّص إلى مشادّة متوتّرة في دافوس أو في عرض البحر...

ومؤلم أنّ هؤلاء آتون من تاريخ سبق للدولة الأيوبيّة أن حقّقت فيه نصراً عسكريّاً مبيناً على الصليبيّين. إلاّ أنّها، ما إن حقّقت النصر العسكريّ، حتّى تفسّخت. ونحن أبناء تجارب أخرى من هذا الصنف الذي يعلو عسكريّاً قبل أن يهبط مدنيّاً وينحطّ في كلّ مجال آخر.

فالغربيّون، في المقابل، حين يتحدّثون عن «تغيّر وجه» منطقتهم، يشيرون إلى قرون ظهرت في خلالها الطباعة والتنوير والإصلاح الدينيّ والنهضة والثورات العلميّة والزراعيّة والصناعيّة. أمّا نحن، المسرعون والمسربلون ب»خصوصيّتنا»، فمعاذ الله أن نقلّد «الرجل الأبيض»!

==============================

الدم التركي والثمن العربي المطلوب

المستقبل - السبت 26 حزيران 2010

العدد 3693 - رأي و فكر - صفحة 19

غازي دحمان

الدم التركي الذي سال فوق مياه شرق المتوسط، هل يكتب فصلاً جديداً في تاريخ العلاقات على هذه البقعة؟

بداية، هذا الدم المسال، يأتي في سياق عملية الاستحضار، والحضور المكثف للدور والوجود التركيين في ثنايا ومنعطفات وتفاصيل الهيكل الجيوسياسي والديموغرافي للمنطقة، تلك العملية التي بدأت بمقاربات نظرية وضعها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، أقرب ما تكون الى تمرينات ذهنية في العلاقات الدولية، وفي أحسن الأحوال، إعادة صياغة (معينة)، لنظرية (الفراغ) التي صاغها وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دلاس في خمسينات القرن الماضي. وها هي، يتم اليوم، تزكيتها بالدم؟

من المقاربات النظرية، وحتى وقوع الدم فوق المتوسط، أحيلت تركيا من دولة، ذات تاريخ امبراطوري امبريالي أحياناً، فضلاً عن برانيتها حيث جعلت من التخوم رابطها الوحيد في المنطقة، (لمنع التأثير الكردي، ولحصر حوارها مع العرب في المجال الأمني)، الى طرف أصيل في الجسم الذي خرج منه مصطفى كمال أتاتورك، بعملية قيصرية، كانت قد انتهت بالدم أيضاً، وبصياغة معقدة، تنطلق من فكرة أن الشرق بقعة مملوءة بالعقد والكوابح والمطبات، التي تعيق مسار تركيا نحو الحداثة، ومن الضروري مغادرتها وفق مبدأ الإنسلاخ.

الدم التركي فوق المتوسط اليوم، يعد خاتمة عملية (إرادوية)، صممها الأتراك والعرب، وبدايةً لمرحلة جديدة تعلن عن نفسها بكل وضوح وشفافية، مفادها، أن الأتراك باتوا شركاء، ليس في الترتيبات الخاصة بالمنطقة، وإنما في صنع السياسات الإقليمية، بما يعني ذلك من تحديد لمساراتها، وتكييف لعملياتها، أخذاً بالاعتبار متغير الحضور التركي ومتطلباته واستحقاقاته.

لا شك، أن لذلك أبعاداً خطيرة، سيكتشفها العقل السياسي العربي ما بعد بعد فوات الأوان.

أولاً: إعادة تركيب المشهد الشرق أوسطي بإضافة هذا الثقل الوازن لتركيا، ما يعني (فيزيائياً وحسابياً)، تخفيف الوزن العربي في التفاعلات الإقليمية أولاً والدولية ثانياً، وتالياً تهميش الحضور العربي الآيل للزوال أصلاً.

ثانياً: إعادة صوغ آليات الصراع العربي الإسرائيلي بما يتفق والمقاربة التركية لهذا الصراع، إذ لا يمكن بعد اليوم الحديث عن آليات ومقاربات عربية، بعد أن دفعت تركيا رسوم اشتراكها في الصراع، وبتزكية عربية.

ثالثاً: إعادة تركيب العلاقات العربية الإقليمية، بما يتناسب ووضعية الدخول التركي، الأمر الذي سيترتب عليه، التأسيس لحالة من الصراع والتنافس الإقليمي على حساب المصالح العربية وقضاياهم الحيوية بالدرجة الأولى.

رابعاً: يشترط استحضار تركيا الى الهيكل العربي، إخراج مصر حكماً من هذا الإطار، باعتبار أن الفعالية التركية لا يمكن تحقيقها إلا في الساحات التي تلعب فيها مصر، أو التي يُفترض أن يكون لها أدوار مؤثرة فيها (غزة، والمفاوضات العربية الإسرائيلية). ومن الواضح أنه منذ بداية التحرك التركي باتجاه الملفات المذكورة اقتصر الفعل المصري على ردود الأفعال وحسب.

خامساً: يستدعي الحضور التركي المكثف في التفاصيل العربية، الاستعداد لدفع الاستحقاقات المترتبة عليه، فالدول ليست جمعيات خيرية تقدم مواقف بالمجان، هذا مبدأ سياسي بسيط ومفهوم، وخطأ العرب أنهم تعجلوا بالحكم على الدور التركي في المنطقة.

لطالما اشتكى العرب من التدخل الإيراني في شؤونهم، وقد سبب هذا التدخل في مراحل معينة، ولا يزال، المزيد من الإشكاليات الجيواستراتيجية التي كلفت العرب قسطاً من دمائهم وحضورهم الدولي، وها هم اليوم يعيدون إنتاج تجربتهم مع تركيا، ولكن بطريقة، فيها الكثير من التشويق والدراما، تماماً كمثل المسلسلات التركية التي بات يفضلها المشاهد العربي عن نظيراتها العربية.

==============================

مفهوم السياسة بين عالمين

عادل درويش

الشرق الاوسط

26-6-2010

يمكن التعرف على شاغل الرأي العام البريطاني في فترة زمنية من انشغال الصحافة البريطانية (مقروءة، مسموعة ومرئية، وإلكترونية)، باعتبار أن الصحافة في اقتصاديات السوق الحرة هي سلعة، مستهلكوها القراء والمشاهدون، فلا أحزاب أو دولة تدعم هذه الوسائل هنا، وبالتالي لا يمكن لمدير تحرير صحيفة (ومدير التحرير هنا ليس بالتوصيف الوظيفي في الصحف العربية، أي منظم للصفحات والإخراج، وإنما إداري تنفيذي هو حلقة الربط بين مجلس الإدارة ورئاسة التحرير والإعلان) أن يفرض اتجاها معينا على الصفحات أو نشرة الأخبار إذا كان الأمر لا يهم القراء.

والمقصود بالشاغل الإعلامي، كمرآة تعكس الرأي العام لدى الأمة، هو مجمل اتجاهات العناوين الرئيسية على الصفحات الأولى أو مقالات الرأي، والأهم من ذلك بريد القراء للمحررين (وهذا يستحق موضوعا قائما بذاته؛ لأن رسائل القراء هنا أغلبها من المتخصصين، تصحيحا لمعلومة في خبر، أو إضافة تاريخية بوثيقة، أو من شاهد على واقعة، وليست مجرد إثبات الوجود بمبدأ «خالف تعرف»). فبديهي أن أي قارئ أو مشاهد لن يتكبد مشقة الكتابة إذا لم تكن القضية تهمه، أو تمس حياته مباشرة، وهذا يفسر سبب اهتمامه بالخبر في المقام الأول.

فشاغل الرأي العام لم يكن أفغانستان التي يموت الجنود يوميا فيها، بل الميزانية التي قدمها وزير المالية جورج أوزبورن للبرلمان ظهر الثلاثاء.

الشاغل الأكبر للإعلام كان ما تعنيه الميزانية لدافعي الضرائب، أو حتى من لا يدفعونها، كالتلامذة وأصحاب المعاشات وربات البيوت أو أمهات بلا عائل. كل شخص يحسب ما سيبقى في جيبه آخر الأسبوع (الطبقات العاملة ومتلقو إعانة البطالة، أو مطلقات يتلقين الإعانة الاجتماعية)، أو آخر الشهر (كموظفي الطبقة المتوسطة)، أو في نهاية العام (كرجال الأعمال والمهنيين غير الموظفين والمستثمرين، وهم المجموعة التي تدر أكثر من نصف الدخل القومي للبلاد، وأكثر من ثلثي دخل مصلحة الضرائب والجمارك). أيضا كل يحسب مستوى الخدمات التي يتلقاها من رعاية صحية وتعليم ومواصلات ونظافة شوارع مقابل ضرائبه العامة والمحلية، خاصة أن وزير المالية أوزبورن (وهو كما ذكرت سابقا، أقوى وأهم منصب حكومي بعد رئيس الوزراء) كان صريحا في أنها ميزانية تقشف وتقليل إنفاق، وتأجيل لصرف المعاش (من 65 سنة إلى 68 سنة).

شبكات التلفزيون خصصت ندوات لمناقشة وزير المالية، ومساعديه كوزير الخزانة، ووزيري الإنفاق والمشتريات في الحكومة (ال«بي بي سي» استضافت رئيس الوزارة ديفيد كاميرون ونائبه في الائتلاف الحكومي نيك كليغ زعيم الديمقراطيين الأحرار، أمام جمهور جلدهما بأسئلة هجومية، واتهمهما بالانحياز لصالح الأثرياء على حساب الفقراء في ندوة بث مباشر).

الشبكات خصصت وقت بث مباشر لوزير مالية الظل، أليستر دارلينغ، وكان وزير مالية حكومة العمال التي فصلها الناخبون من الوظيفة في انتخابات الشهر الماضي؛ ليبدي رأيه، ويتهم الحكومة بتصميم ميزانية ستخنق النمو والاستثمارات.

الحكم في النهاية للمشاهدين، وقراء مئات الأعمدة لمعلقين، كل يلقي بدلوه في بحر الميزانية من جانب معين من شاطئ البحيرة الاقتصادية.

وليعذرني من يعرف مسبقا من القراء أن مقياس نضج الشعوب ديمقراطيا وسياسيا ليس بالخروج في مظاهرات لتأييد قضية حركتها الصحافة في عواطف الجماهير أو ضد عدو وهمي، بقدر ما هي تعريف الناخب دافع الضرائب «للسياسة».

فالسياسة لمواطني الديمقراطيات الناضجة ليست الهتاف «بيوليو أو سبتمبر أو تشرين» أو «بالروح وبالدم» في المؤتمر الجماهيري للزعيم، أو تأييدا لرغبته في إنشاء «وحدة ما يغلبها غلاب» مع بلد يحكمه نظام آيديولوجيته «دخلت مزاج الزعيم»، فأطلق إعلامه «ليخترع» أسسا تاريخية وجغرافية ولغوية وأحلاما وأوهاما لهذه الوحدة؛ و«سياسة» الناضجين ليست صراعا في الشوارع و«الفيس بوك» حول تأييد جيران أو معاداة آخرين. «السياسة» عند مواطني الديمقراطيات الناضجة هي ما يؤثر سلبا وإيجابا على تفاصيل الحياة اليومية، سواء من حركة السوق وأسعار فائدة إقراض البنوك للمحلات والأعمال الصغيرة، وتكاليف ركن السيارة وتنظيف الشوارع، التي بدورها تخضع لقوانين تصدرها البرلمانات، وأصلها مطالب تتعلق بتفاصيل جمع القمامة أو إضاءة الشوارع، أثارها سكان دائرة انتخابية مع نائبهم، فقدمها سؤالا في البرلمان، ودرستها لجنة، وأصبحت مشروع قانون دخل حيز التنفيذ بتصويت الأغلبية.

قبل يومين تضمنت صفحة الرسائل في «التلغراف» 15 من القراء (بأسماء حقيقية وعناوين ومهن، أو خلفية أكاديمية تمنح المصداقية لمعلومات الرسالة)، ثمانية مباشرة عن الاقتصاد، بأرقام تدل على التنقيب في تفاصيل الميزانية (نشرت الميزانية في 114 صفحة فولسكاب فور انتهاء وزير المالية من خطابه في البرلمان، حيث ركز على العموميات لا التفاصيل)، وثلاثة عن تأثير مشروعات كهرباء على الريف، وواحد عن كرة القدم، واثنين لتعطيل لوائح الأمن والسلامة الأوروبية للأعمال. هناك خطاب موقع من كولونيل متقاعد تساءل عما إذا كان تحويل أفغانستان نحو الديمقراطية هو «مصلحة حيوية لبريطانيا» تستحق التضحية بالأرواح؟ معلومات الخطابات من مصادر موثقة علمية.

تابعت، بمساعدة باحثين، في اليوم نفسه خطابات القراء على مواقع ثلاث من كبريات صحف القاهرة وبيروت، وكل صحيفة فيها 16 ضعف خطابات التلغراف.

معظم كاتبيها بأسماء حركية أو مستعارة، ولا عناوين لهم (لا ينشر خطاب هنا دون محادثة مرسله تليفونيا والتأكد من هويته).

بعض القراء العرب «يكفر» عبارة في المقال (مستشهدا بحديث شريف أو مرجع ديني)؛ والباقي لا يهتم بمشاكل «تافهة» كالمواصلات أو إضاءة الشوارع، بل بالسياسة الدولية كالتطبيع مع إسرائيل (وكأن المصريين حلوا مشكلات المواصلات، والمجاري، وسكن المقابر، وازدحام فصول مدارس فيها كل شيء إلا التعليم، ولم يبق إلا التطبيع! ولم يذكر أي تعليق حقائق رقمية كتحويل 45 مليار دولار منذ توقيع اتفاقية السلام من الإنفاق العسكري إلى خدمات مدنية، مع 27 مليار دولار دعم أميركي لمصر).

أو بفك الحصار عن غزة، ومسؤولية بريطانيا (ترى كم منهم طالع المراسلات الثلاثية: اللورد بلفور - روزتشيلد - الأمير فيصل مابين 1913 - 1917؟)، ولا ذكر لمسؤولية حماس أو الناخب الغزاوي العارف مسبقا بأن التصويت لحماس يضمن الحصار.

أو كمسؤولية «النفوذ الصهيوني» عن كل المشاكل، كاستقالة الجنرال ستانلي ماكريستال من قيادة القوات الدولية في أفغانستان، بعد إهانته في مقابلة صحافية لإدارة الرئيس باراك أوباما، الذي تؤكد بعض تعليقات قراء الصحف العربية أن الصهاينة أدخلوه البيت الأبيض ليغري العرب بمعسول الكلام، بينما يطبق سياسة

===========================

الحاجة لمزيد من الحملات على نسق "إلهام من محمد"

فياز موغال

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

25 حزيران/يونيو 2010

www.commongroundnews.org

إشبيلية، إسبانيا - تم إطلاق حملة "إلهام من محمد" قبل أسابيع قليلة لتسليط الضوء على المسلمين البريطانيين الذين يساهمون في المجتمع البريطاني. وتهدف الحملة، وهي برعاية "مؤسسة استكشاف الإسلام" ومركزها المملكة المتحدة، والتي تنشر مواد ابتكارية عن الإسلام، إلى تحطيم الرؤى الخاطئة من خلال إظهار المسلمين كدعاة للعدالة الاجتماعية والمساواة في النوع الاجتماعي والبيئة.

 

وتتكون الحركة من ملصقات وموقع إلكتروني (www.inspiredbymohammad.com) يعرض صوراً إيجابية وقصصاً مشرقة تقدم بدائل للسرد المؤذي عن الإسلام والمسلمين الذي يتم طرحه يومياً تقريباً من قبل صحف وطنية معينة في المملكة المتحدة.

 

صدمتني حدّة الحملة وأنا جالس في الحي اليهودي العتيق في إشبيلية، وخصوصاً بالنظر إلى أنني زرت القصر حديثاً، وهو قصر ملكي كان في السابق حِصناً بناه البربر المسلمين عام 1360. يعطي القصر الإسباني، ومعه مواقع أخرى في هذه المدينة العظيمة كانت قد استخدمتها أحياناً مجموعات دينية مختلفة أثناء حقب مختلفة، معنى وقيمة لتعبير "العيش المشترك" بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة.

 

وكأحد سكان لندن، عاش معظم حياته في مدينة ذات تنوع، أدهشتني نتائج استطلاع أجرته منظمة بحوث مركزها المملكة المتحدة، أجري مؤخراً على ألفي شخص. وجدت YouGov أن ثلث المستَطلَعين يرون الإسلام كديانة عنفية. ويعتقد أقل من واحد من كل خمسة أن للإسلام أثر إيجابي على الدولة، بينما يعتقد 68% من المستطلعين أنه دين ظلم وقهر. المحزن أن الشخص الذي يرتبط بالإسلام في أذهان الناس بعد النبي محمد (ص) هو أسامة بن لادن.

 

تبرز نتائج كهذه الصدع الهائل من سوء الفهم والتصوير النمطي المتناميين بين المسلمين وغير المسلمين.

 

لم يبدأ هذا الصدع بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وإنما بعد أن أعلن آية الله روح الله الخميني أن كتاب سلمان رشدي "الآيات الشيطانية" الذي صدر عام 1988 كان "تجديفاً"، وبعد مواجهة عام 1986 السياسية والعسكرية بين الولايات المتحدة والقائد الليبي معمر القذافي، وبعد حرب الخليج الأولى عام 1990، وأزمات عديدة أخرى أظهرت جميعها المسلمين في أسوأ صورة ممكنة.

 

ولكن إذا أردنا توخّي الصدق فإن معظم هذه الأحداث العالمية لم يكن لها سوى القليل من العلاقة، إن وجدت، مع الغالبية الساحقة من المسلمين أو الإسلام.

 

أرقام استطلاع YouGov مربكة وتُشعِر الإنسان بالاضطراب لأنها تظهر أن هناك حاجة إلى بذل جهود مضنية لضمان وجود منظور متوازن للإسلام والمسلمين في المملكة المتحدة. فبالإضافة إلى حملة "إلهام من محمد"، التي تعطي وجوهاً ووجهات نظر إنسانية لمسلمين يدعمون العمل الاجتماعي الضروري جداً في البلد، هناك حاجة ماسة إلى تطوير برامج تؤدي إلى تفكيك العلاقة الظاهرية بين الإسلام والعنف.

 

وتثير حملة "إلهام من محمد" الاهتمام بشكل خاص من حيث أنها تحاول وضع المسلمين في مضمون المجتمعات المحلية وإضفاء الإنسانية على قصصهم.

 

تصف الحملة المسلمين على سبيل المثال، الذين يقيمون حملات من أجل الحفاظ على البيئة ويتمسكون بالقانون الإنجليزي ويعملون على إيجاد تغيير اجتماعي إيجابي من خلال العمل الاجتماعي. رغم أن هذه الصور تعرض مسلمين منخرطين فيما يبدو أنه نشاطات عادية، إلا أن لذلك أثر عندما تكون عروض عديدة في الإعلام تظهرهم بصورة عنفية ضمنياً.

 

يقف جوهر الإسلام نفسه معارضاً للعنف، الذي يوافق الدين عليه فقط في ظروف محددة لوقف الجريمة أو أعمال القتل الجماعي، أو الدفاع عن النفس. لذا فإن الربط بين العنف والإسلام ليس بعيداً عن الدقة فحسب، بل أنه يفترض أن أمثال أسامة بن لادن في هذا العالم هم مثل عليا للمسلمين والإسلام، بينما تتعارض في الواقع الأساليب الساخرة التي يتحكمون من خلالها بالدين، بشكل واضح مع ما يقوله الإسلام وعلماؤه.

 

بالإضافة إلى تصوير مئات الآلاف من المسلمين من الأطباء وأطباء الأسنان وعمال المستشفيات والعاملين الاجتماعيين والمهندسين والعسكريين ومدراء المشاريع والمصرفيين الاستثماريين، والممرضات والصيادلة وموظفي الحكومة وغيرهم من العاملين الهامين في المجتمع والذين تبرزهم هذه الحملة، هناك حاجة كذلك للتشارك في قصص هؤلاء المسلمين المنخرطين في حماية المملكة المتحدة.

 

هنا تكمن الإجابة على مواجهة الإجحافات والجهل اللذين يغذيان الخلاف الاجتماعي وسوء الفهم. إذا كان هؤلاء الذين استطلعوا من قبل YouGov يخافون الإسلام أو المسلمين، لنريهم إذن أننا نعمل بنشاط لحماية سلامة جميع سكان المملكة المتحدة، وهي دولة عزيزة علينا جميعاً نحن الذين نسكن هنا.

___________

* فياز موغال هو مؤسس ومدير منظمة "قضايا الإيمان" (Faith Matters) (www.faith-matters.org) وهي منظمة تعمل في مجال حل النزاعات وإيجاد تماسك مجتمعي في المملكة المتحدة وفي الشرق الأوسط. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

=============================

جامعة روتردام الإسلامية برؤية معاصرة

يان فيليكس إنغلهارد

مصدر المقال: Qantara.de

 6 حزيران/يونيو 2010

www.qantara.de

روتردام، هولندا - يبدو تورال كوج Tural Koç، الرئيس الإداري لجامعة روتردام الإسلامية (IUR) في مزاج حسن، إذ إنه اقترب كثيراً من تحقيق الهدف الرامي إلى تحويل جامعته إلى جامعة معترف بها رسمياً. فبعد دراسة شاملة للموضوعات والشكليات الخاصة بهذه الجامعة، أصبحت الدائرة الهولندية المعنية باعتماد المؤسَّسات التعليمية قريبة من الاعتراف رسمياً بأول تخصّص دراسي في جامعة روتردام الإسلامية.

 

وبعد هذا الاعتراف الرسمي سوف يحصل طلبة الماجستير المشاركون في برنامج "الوعظ الإسلامي" على شهادة معترف بها رسمياً. وبناء على ذلك فإن هذه الجامعة تسير في أفضل طريق نحو تحقيق هدفها الرامي إلى تخريج نخبة من الأكاديميين المسلمين في هولندا، حسب تعبير تورال كوج.

 

وجامعة روتردام الإسلامية تسير في هذه الطريق منذ عام 2003، وذلك بعدما تم تخصيص مبنى مدرسة قديم يقع في وسط مدينة روتردام، ليكون مقراً لهذه الجامعة. وموقع هذه الجامعة المجاور لمبنى كنيسة كاثوليكية وأخرى بروتستانتية يعكس نظام الأعمدة الذي ما يزال قائماً في هولندا، والذي يتم طبقاً له وبحسب توزيع الطوائف الدينية تنظيم المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية هناك.

 

ويقول تورال كوج: "نحن نتأقلم مع هذا النظام، ونعمل على دمج عمود إسلامي في المجتمع الهولندي". ومن المفترض أن تكون جامعة روتردام الإسلامية جزءا من هذا النظام. ولكن بقاؤها بشكل دائم في هذا النظام يتوقف كثيراً على الاعتراف الرسمي بها.

 

ومن أجل تحقيق ذلك، يعزف المسؤولون عن هذه الجامعة الإسلامية بإتقان على أوتار مؤسسة راغبة في الاندماج: فهم يحيون فعاليات حول الحوار بين الأديان، ويقيمون دعوات لمشاركتهم الإفطار في شهر رمضان، وينظّمون مؤتمرات حول التسامح في الإسلام، بالإضافة إلى محافظتهم على علاقات وثيقة مع ممثّلي الكنائس والسياسيين. وفي كل هذه الفعاليات يلعب رئيس الجامعة، الأستاذ أحمد أكغوندوز Ahmed Akgündüz، الدور الرئيسي. ويتم هنا تطبيق تعليمات الدكتور أكغوندوز الذي يبلغ عمره خمسة وخمسين عاماً، وقد سبق له العمل في جامعات تركية وكذلك أمريكية خاصة في مجال الشريعة الإسلامية، فآراؤه لها وزن.

 

ومن المفترض أن تكون جامعة روتردام الإسلامية جامعة من المسلمين وللمسلمين. ويبلغ حالياً عدد الطلبة المسجلين فيها نحو مائتي طالب. وتشمل التخصصات الدراسية المعروضة فيها موضوعات مثل دراسة الفقه الإسلامي والفنون الإسلامية والوعظ الإسلامي، بالإضافة إلى دراسة اللغة العربية والقانون وتاريخ الإسلام وكذلك دراسة الأديان المقارنة.

 

ويتم التعليم فيها باللغتين العربية والهولندية. وبالإضافة إلى المكتبة التي تضم مجموعة واسعة من كتب الفقه الإسلامي التقليدية ومراجع الشريعة الإسلامية، يوجد في هذه الجامعة مرسم صغير يتم فيه تدريس فن الخط وفن الإبرو التركي، أي الرسم على الماء أو الترخيم على الورق.

 

من يريد دراسة الفقه الإسلامي في هولندا أو الوعظ، لا يعتمد في ذلك على الدراسة في جامعة روتردام الإسلامية. فهذه التخصصات الدراسية موجودة أيضاً في جامعات أوترخت وأمستردام ولاهاي ولايدن، وبشهادة تخرّج معترف بها رسمياً ومع إمكانية الحصول على منحة دراسية، يحصل عليها كل طالب يدرس في هولندا في جامعة حكومية. وفي هذه الجامعات هناك مدرّسون جامعيون يتمتّعون بمؤهلات أكاديمية، لا يوجد مثلها سوى لدى عدد قليل من المدرّسين العاملين في الجامعة الإسلامية.

 

والجامعة الإسلامية تواجه بقساوة ثلاثة عوامل في التنافس مع الجامعات الحكومية التي تتيح التخرّج بشهادات معترف بها رسمياً، والحصول على تمويل للدراسة، بالإضافة إلى جودة التعليم ونوعيته. ولكن مع ذلك تعتبر هذه الجامعة نفسها أفضل من غيرها. ومثلما يقول رئيسها، الأستاذ أحمد أكغوندوز: "المسلمون بالذات هم أفضل من يستطيعون تدريس الفقه والفن الإسلامي والوعظ." وجامعة روتردام الإسلامية بالذات تختلف عن الجامعات الحكومية لأنها المؤسسة المسلمة الحقيقية التي تجمع بين المذاهب الإسلامية من جميع أنحاء العالم.

 

وتجتمع في جامعة روتردام الإسلامية قناعات مختلفة، مثلاً عندما يتناقش الطلاب الذين تعود أصول آبائهم وأمهاتهم إلى المغرب وتركيا وإندونيسيا أو باكستان مع مدرّسين من مصر أو سوريا حول موضوعات خاصة بتطبيق تعاليم دينية. ومن هذه الموضوعات على سبيل المثال إلى أي حدّ يجوز للبائعات والبائعين المسلمين الذين يعملون في متاجر هولندية العمل في بيع الخمر ولحم الخنزير - لاسيما وأن ذلك يعتبر جزءا من عملهم؟ أو ما هو الموقف الذي ينبغي للمسلمين الهولنديين اتخاذه إزاء المثلية الجنسية؟ وباختصار: لا ينبغي لهم الترحيب بها، لكن يجب عليهم تقبّلها.

 

وللخوض في مثل هذه الموضوعات تقدم جامعة روتردام الإسلامية صرحاً يستطيع تحت سقفه جميع المسلمين الذين يعيشون في هولندا تكوين آرائهم الدينية، مثلما يقول رئيس الجامعة. ويتفق معه في رأيه هذا أيضاً الباحث نيكو لاندمان من جامعة أوترخت، إذ يقول الأستاذ لاندمان: "تنوّع المدرّسين والطلبة يجعل جامعة روتردام الإسلامية موطناً للخطاب الإسلامي الداخلي"، ويشهد كذلك لهذه الجامعة بأنها تؤدي "دوراً إيجابياً وبناءاً" في هولندا، الدولة متعددة الثقافات.

______________

* يان فيليكس إنغلهارد هو كاتب مستقل. تقوم خدمة الأرضية المشتركة بتوزيع هذا المقال المختصر بإذن من Qantara.de. يمكن الحصول على النص الكامل من الموقع Qantara.de.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

======================

سلام فياض واستغفال الشعب الفلسطيني

منير شفيق

منسق عام المؤتمر القومي - الإسلامي

صحيفة العرب القطرية

مرّت بفلسطين عبر تاريخها المعاصر قيادات عظيمة ختمت حياتها بالاستشهاد أو السجون والمنافي.

وعرفت فلسطين في تاريخها قيادات عاشوا حياتهم وختموها بملحمة مأساة. وخبِرَت قادة في تجربتها الطويلة حاولوا الرقص على الحبال العربية أو الدولية فذهبوا غير مأسوف عليهم، أو ما زالوا لا قيمة لهم. وابتليت فلسطين بقيادات انحرفت عن المبادئ وقدّمت التنازلات وانتهوا بفاجعة، وكل فاجعة غير الأخرى.

ومؤخراً عرفت فلسطين قيادات تعايشت مع خيبة الأمل بالتسوية، وقد تعرّت من أجلها، فانتهت مساعيها من أجل ضمانة مستقبل أبنائها في عالم الصفقات والأموال. ولكن فلسطين لم تعرف قيادة مثل قيادة سلام فياض، تشارك العدو في قسوته الأمنية على الشعب، وقد هبطت عليه بمظلة من طوافة أميركية، فكرسّت الانقسام ووضعت الضفة الغربية تحت أقدام جنرال أميركي اسمه كيث دايتون.

هذه القيادة أصبحت شذوذاً في تاريخ اجتمعت فيه المآسي والكوارث والشهداء، وقد جاءت من خارج التاريخ الفلسطيني لتنقلب عليه 180 درجة.

إنها بطبيعة الحال تسير ضدّ الشعب وقضيّته كما لم يفعل أحد من قبل، رغم الذين تراجعوا عن الثوابت بما يشيب لهوْله شعر الوِلدان.

أن تصبح جلاداً للضفة الغربية، وحارساً على أمن قوات الاحتلال، كابتاً للأنفاس، مانعاً لأي تضامن مع قطاع غزة وهي تحت الحصار أو وهي في مواجهة العدوان الصهيوني، وحتى التضامن الفعلي مع أسطول الحريّة، فهذا أمر لم تعرفه فلسطين قط. ولكي يكتمل هذا النموذج من القيادة الشاذة في تاريخ فلسطين، راحت تحوّل نفسها إلى مهزلة وأضحوكة وبهدلة، وهي تظن أنها في ذلك تتستّر على فضيحتها في التعامل الأمني غير المحدود مع الاحتلال الصهيوني، وفي محاولة إخراج الضفة الغربية من معادلة الشعب الفلسطيني، وهي التي كانت دائماً في القلب منه، وفي مقدّمته، وستبقى.

كيف؟.. بدأت العملية بشراء ضمائر بعض الكوادر سواء بتقليدهم مناصب ما كانوا ليحلموا بالوصول إليها، أو بتقديم رشاوى مكشوفة (تمليكاً لبيوت وشقق) وغير مكشوفة (أرصدة وسواها).

كان هذا على مستوى التعامل على أساس بناء مؤسسات الدولة تحت دعوى «التنظيم والكفاءة والابتعاد عن الفساد».

ثم تمّ الانتقال لتبييض الصفحة المتسّخة بالتعاون الأمني مع العدو والمشاركة في أخصّ مؤسسّاته (مؤتمر هرتسليا)، والإعداد لإعلان الدولة بعد بناء مؤسسّاتها، كأن المشكلة في بناء المؤسسّات وليس في الاحتلال وتحرير الأرض.

وهنا تبرز «كيف» ثانية حول «تبييض الصفحة»؟

الإعلان أسبوعياً عن مشروع مدرسي أو اجتماعي أو ثقافي، وتحضير المسرح لمشاركة رئيس الوزراء وسماع خطاب «تنموي» منه. وهنا يُصار إلى ترتيب العلاقة بينه وبين بعض الوجهاء (لاختلافهم)، ولا لغة هنا غير لغة الرشاوى والتوظيف في مؤسسّات الدولة. طبعاً هذا الأسلوب معروف، وقد مورِس منذ عهد الانتداب على نطاق واسع مع المخاتير ووجهاء العائلات، ولكنه لم يُجْدِ نفعاً في نهاية المطاف لأنه يصبّ في معارضة صارخة في السياسة مع الرأي العام الفلسطيني.

ففلسطين لا تعالج مشاكل شعبها ببناء مدرسة، أو مشروع زراعي، أو رشوة وجيه، فمشكلتها سياسية وجودية لا حلّ لها مع استمرار الاغتصاب الصهيوني للأرض وتهجير السكان، أو مع الاحتلال والمستوطنات وتهويد القدس. فكل ما يفعله فياض في محاولة التقرّب الشكلي من الوجهاء والموظفين -ومهما دفع من ثمن- لا قيمة له غير خداع النفس أو الانخداع بما يقوله المنافقون والتُفَّه والمباعون.

ولكن المختلِف الجديد في قيادة سلام فياض عن قيادات واحتلالات حاولت تملّق الشعب بتلك الأساليب، هو إدخال طرق الدعاية المؤمركة الحداثية على التحرّكات.

مثلاً، أن يضع الحطّة الفلسطينية على كتفيه ويذهب إلى نِعلين معلناً مقاومة الجدار، فيبدو مشهداً هزلياً ينقله التلفاز كأنه يقول للمشاهد «لا تظن أنني أضحك عليك بهذه البهلوانيات».

أو مثلاً، عندما يضع على باب بيته: «هذا البيت خال من منتجات المستوطنات» ويأخذ الصور، وهو الذي يقبل -مثله مثل محمود عباس- بمبدأ تبادل الأراضي في الضفة، أي ضمّ المستوطنات لدولة الكيان الصهيوني. أفلا نكون أمام بهلوانية وإن كان نتنياهو قد غضب منها. فنتنياهو لا يرضيه حتى ما يقوله الصهاينة الأقل تطرّفاً نسبياً منه، فليس موقف نتنياهو بحجّة للتستّر خلفها.

وبالمناسبة، كل التنازلات الفلسطينية تستّرت بحجّة المعارضة الصهيونية لها.

أو مثلاً، ذلك المنظر المضحك الذي ظهر فيه سلام فياض في ملعب «الماراثون الرياضي» وهو يلبس القميص الأحمر وحوله المزركش وعلى رأسه «الكاسكيت»، باعتباره «راعي الرياضة» أو «الرياضي الأول».

وهكذا نكون أمام بهلوان يريد أن يخفي أنيابه ومخالبه الدامية المغروسة في الضفة الغربية، وفي لحوم أبناء المقاومة الفلسطينية، من خلال اتفاقه الأمني مع الاحتلال. هذا ومن دون فتح الملف السياسي الذي يبدأ بخطابه في هرتسيليا ويريد أن ينتهي ببناء مؤسّسات الدولة لإعلانها بما تيّسّر من مكان في ظل الاحتلال. وما أعلنه من تفهّم أو «لا اعتراض» على الرواية التوراتية التي يستند إليها الكيان الصهيوني في اغتصاب فلسطين.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ