ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 15/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ملء الفراغ في الشرق الأوسط

المستقبل - الاثنين 14 حزيران 2010

العدد 3681 - رأي و فكر - صفحة 19

خيرالله خيرالله

تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط على نحو لا سابق له. في اقل من اسبوع، هناك جريمة الاعتراض الاسرائيلي ل"اسطول الحرية" الذي سعى الذين يقفون خلفه الى فكّ الحصار الظالم الذي تتعرض له غزة. وهناك الدفعة الرابعة من العقوبات الدولية على ايران التي اقرها مجلس الامن التابع للامم المتحدة. اذا كان مطلوبا تبسيط الامور، يمكن القول ان هناك بروزا واضحا للدور التركي على الصعيد الاقليمي وهناك في الوقت ذاته بداية تفاهم عالمي لضرورة الحؤول دون حصول ايران على السلاح النووي. وهذا ما يفسر الى حد كبير التضايق الايراني من الموقف الروسي الذي عبر عنه الرئيس محمود احمدي نجاد في تصريحاته ومواقفه الاخيرة.

يتبين يوميا، مع تراكم الأحداث ان الوضع في الشرق الأوسط كله ليس طبيعيا. لكن الصعود التركي في مواجهة السياسية الهجومية لايران يعكس الى حد كبير نشوء توازنات جديدة في المنطقة في ظل الغياب العراقي. لا دليل على هذا الغياب اكثر من الواقع المتمثل في ان ثلاثة اشهر مرت على الانتخابات العراقية والبلد لا يزال من دون حكومة. وفي حال تسمية رئيس للحكومة اليوم او غدا او بعد غد، لن يكون ذلك في معزل عن ايران التي وضعت فيتو على الدكتور اياد علاّوي الذي كان على راس "القائمة العراقية" التي فازت باكبر عدد من المقاعد في انتخابات السابع من آذار - مارس الماضي. وفي حال كلّف علاوي تشكيل الحكومة، ستوضع عليه شروط تعجيزية، كي يستسلم للمطالب الايرانية... او يفشل. كان طبيعيا اعطاء رئيس اللائحة التي احرزت اكبر عدد من المقاعد فرصة تشكيل حكومة استنادا الى القوانين والاصول المعمول بها في العراق منذ اطاحة النظام السابق. ولكن ما العمل عندما يكون هناك من يريد اثبات ان الانتخابات لا معنى لها وان هناك منتصرا وحيدا في الحرب الاميركية على العراق وان هذا المنتصر ليس الولايات المتحدة !

أجرى النظام في إيران عملية قيصرية أدت الى تحالف جديد ذي طابع مذهبي من اجل قطع طريق رئاسة الحكومة على الدكتور علاوي او جعله يستسلم. يحصل ذلك على الرغم من ان علاّوي يحظى بتاييد شعبي كبير في الاوساط الشيعية والسنية وحتى الكردية ولدى كل من لديه حد ادنى من الشعور الوطني في العراق. يبدو ممنوعا على العراق استعادة عافيته في ظل حكومة مركزية قوية قادرة على تطبيق اللامركزية بطريقة لا تسيء الى وحدة البلد وتحافظ في الوقت نفسه على التوازنات الداخلية والاقليمية وعلى الامتدادات العربية الطبيعية للعراق. يبدو مطلوبا اكثر من اي وقت ان يكون العراق مجرد "ساحة" لأيران على غرار ما هو الوضع عليه في لبنان، الى حدّ ما طبعا. مورست في لبنان ضغوط شديدة لتأكيد ان الوطن الصغير ليس سوى امتداد لمحور اقليمي يبدأ في طهران وان عليه بالتالي التصويت ضد العقوبات الجديدة التي فرضها المجتمع الدولي على النظام الايراني عن طريق مجلس الامن. قاوم لبنان الضغوط بكل انواعها واعتمد، عبر الامتناع عن التصويت، منطق العقل والتعقل في مواجهة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها تحت شعارات مضحكة - مبكية من نوع "المقاومة" وما شابه ذلك...

في اساس الخلل الاقليمي ما شهده ويشهده العراق. لا يمكن بالطبع الدفاع عن النظام السابق الذي اسقطه الاميركي لأسباب لم تتضح بعد، مستندا الى تبريرات لا علاقة لها بالحقيقة. ولكن لا يمكن في الوقت ذاته تجاهل ان المنطقة تبحث عن صيغة جديدة في ضوء الغياب العراقي. لقد نشأ الشرق الاوسط الجديد في العشرينات من القرن الماضي بعد انهيار الامبراطورية العثمانية. كان العراق احدى الركائز الاساسية للنظام الاقليمي الجديد. كان في الوقت ذاته ركنا من اركان المثلث الذي يحافظ على التوازن الاقليمي والذي يضمه مع تركيا وايران. الآن انهار المثلث ولا بدّ من ملء الفراغ الناجم عن ذلك.

في انتظار ملء هذا الفراغ الذي تشجع عليه سياسة اميركية غير واضحة تقوم على فكرة الانسحاب من العراق عسكريا ضمن المهل الزمنية التي التزمهتها ادارة باراك اوباما، تبدو حال المخاض مرشحة للاستمرار طويلا. المؤسف ان تسارع وتيرة الاحداث لا يساعد العرب عموما - هذا اذا كان هناك من موقف عربي موحد - والفلسطينيين خصوصا على التقاط انفاسهم.

على ماذا سيرسو الوضع في الشرق الاوسط. الاكيد اليوم ان هناك تنافسا، بل صراعا، على العراق. هذا الصراع لن ينتهي بين ليلة وضحاها. على العكس من ذلك، تبدو معركة العراق معركة طويلة جدا وفي غاية التعقيد في آن، نظرا الى اهمية البلد على صعيد بناء النظام الاقليمي اوّلا والى موقعه الجغرافي وثرواته ثانيا واخيرا. طول المعركة لا يعفي من طرح اسئلة في غاية الاهمية. من بين الأسئلة ماذا يجري داخل ايران نفسها وهل طبيعي استمرار الوضع الراهن؟ هل طبيعي ان يظل الشعب الايراني بحضارته العريقة تحت حكم "الحرس الثوري" الذي نفّذ انقلابا بكل معنى الكلمة ووضع حدا لأي عملية تطوير للنظام؟

وماذا عن تركيا؟ هل تتابع التصعيد مع اسرائيل وما الذي ستفعله في مرحلة ما بعد التصعيد الكلامي؟ وماذا عن اسرائيل نفسها وحكومتها المتطرفة التي لا تدري ان هناك حدودا لمنطق القوة وارهاب الدولة؟

في كل الاحوال، ما يبدو مؤسفا غياب العرب عن المعادلة الشرق اوسطية. غيابهم يتجلى في عجزهم عن لعب اي دور بناء في العراق من جهة او قول كلمة حق في شأن ما يجري على ارض فلسطين... بما في ذلك ان القضية ليست قضية غزة والمتاجرة بغزة. انها قضية شعب يريد الانتهاء من الاحتلال ويريد الحصول على حقوقه الوطنية عبر قيام دولة مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، استنادا الى خطوط العام 1967. هل تذهب الحقوق الفلسطينية ضحية حال المخاض التي يمر بها الشرق الاوسط؟

=========================

الصراع على العراق سيزداد حدّة

خيرالله خيرالله

الرأي العام

14-6-2010

كيف سترد إيران على القرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن في ظل تسارع الأحداث في الشرق الأوسط من جهة وإصرارها على ضرورة رمي القرار في «سلة المهملات»؟ كان لافتا أنه في أقل من أسبوع، حصلت جريمة الاعتراض الإسرائيلي ل «اسطول الحرية» الذي سعى الذين يقفون خلفه إلى فكّ الحصار الظالم الذي تتعرض له غزة. وبعد أيام، جاءت الدفعة الرابعة من العقوبات الدولية على إيران التي أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إذا كان مطلوباً تبسيط الأمور، يمكن القول ان هناك بروزاً واضحاً للدور التركي على الصعيد الإقليمي، وهناك في الوقت ذاته بداية تفاهم عالمي لضرورة الحؤول دون حصول إيران على السلاح النووي. وهذا ما يفسر إلى حد كبير التضايق الإيراني من الموقف الروسي الذي عبر عنه الرئيس محمود أحمدي نجاد في تصريحاته ومواقفه الأخيرة.

يتبين يومياً، مع تراكم الأحداث أن الوضع في الشرق الأوسط كله ليس طبيعياً. لكن الصعود التركي في مواجهة السياسية الهجومية لإيران يعكس إلى حد كبير نشوء توازنات جديدة في المنطقة في ظل الغياب العراقي والعربي عموماً. لا دليل على هذا الغياب أكثر من الواقع المتمثل في أن ثلاثة أشهر مرت على الانتخابات العراقية والبلد لا يزال من دون حكومة. وفي حال تسمية رئيس للحكومة اليوم أو غداً أو بعد غد، لن يكون ذلك في معزل عن إيران التي وضعت فيتو على الدكتور اياد علاّوي الذي كان على رأس «القائمة العراقية» التي فازت بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات السابع من مارس الماضي. كان طبيعياً اعطاء رئيس اللائحة التي أحرزت أكبر عدد من المقاعد فرصة تشكيل حكومة استناداً إلى القوانين والأصول المعمول بها في العراق منذ إطاحة النظام السابق. ولكن ما العمل عندما يكون هناك من يريد اثبات أن الانتخابات لا معنى لها، وأن هناك منتصراً وحيداً في الحرب الأميركية على العراق، وأن هذا المنتصر ليس الولايات المتحدة!

أجرى النظام في إيران عملية قيصرية أدت إلى تحالف جديد ذي طابع مذهبي من أجل قطع طريق رئاسة الحكومة على الدكتور علاوي أو جعله يستسلم. يحصل ذلك رغم أن علاّوي يحظى بتأييد شعبي كبير في الأوساط الشيعية والسنية وحتى الكردية، ولدى كل من لديه حد أدنى من الشعور الوطني في العراق. يبدو ممنوعاً على العراق استعادة عافيته في ظل حكومة مركزية قوية قادرة على تطبيق اللا مركزية بطريقة لا تسيء إلى وحدة البلد، وتحافظ في الوقت نفسه على التوازنات الداخلية والإقليمية، وعلى الامتدادات العربية الطبيعية للعراق. يبدو مطلوباً أكثر من أي وقت أن يكون العراق مجرد «ساحة» لإيران على غرار ما هو الوضع عليه في لبنان، إلى حدّ ما طبعاً. مورست في لبنان ضغوط شديدة لتأكيد أن الوطن الصغير ليس سوى امتداد لمحور إقليمي يبدأ في طهران وأن عليه بالتالي التصويت ضد العقوبات الجديدة التي فرضها المجتمع الدولي على النظام الإيراني عن طريق مجلس الأمن. قاوم لبنان الضغوط بكل أنواعها واعتمد، عبر الامتناع عن التصويت، منطق العقل والتعقل في مواجهة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها تحت شعارات مضحكة - مبكية من نوع «المقاومة» وما شابه ذلك. كانت الهجمة على لبنان جزءا لا يتجزأ من الرد الإيراني على العقوبات. ولكن يبدو واضحاً من القراءة المتأنية لما تلا صدور القرار أن الإيرانيين اختاروا العراق للتأكيد للأميركيين وغيرهم أنهم قوة لا يمكن الاستهانة بها.

في أساس الخلل الإقليمي ما شهده ويشهده العراق. لا يمكن بالطبع الدفاع عن النظام السابق، الذي خرب العراق والمنطقة والذي أسقطه الأميركي لأسباب لم تتضح بعد، مستنداً إلى تبريرات لا علاقة لها بالحقيقة. ولكن لا يمكن في الوقت ذاته تجاهل أن المنطقة تبحث عن صيغة جديدة في ضوء الغياب العراقي. لقد نشأ الشرق الأوسط الجديد في العشرينات من القرن الماضي بعد انهيار الامبراطورية العثمانية. كان العراق إحدى الركائز الاساسية للنظام الإقليمي الجديد. كان في الوقت ذاته ركناً من أركان المثلث الذي يحافظ على التوازن الإقليمي والذي يضمه مع تركيا وإيران. الآن انهار المثلث ولابدّ من ملء الفراغ الناجم عن ذلك.

في انتظار ملء هذا الفراغ الذي تشجع عليه سياسة أميركية غير واضحة تقوم على فكرة الانسحاب من العراق عسكرياً ضمن المهل الزمنية التي التزمتها إدارة باراك اوباما، تبدو حال المخاض مرشحة للاستمرار طويلاً. المؤسف أن تسارع وتيرة الأحداث لا يساعد العرب عموماً، هذا إذا كان هناك من موقف عربي موحد، والفلسطينيين خصوصاً على التقاط انفاسهم.

على ماذا سيرسو الوضع في الشرق الأوسط. الأكيد اليوم أن هناك تنافساً، بل صراعاً، على العراق. هذا الصراع زادت حدته ولن ينتهي بين ليلة وضحاها. على العكس من ذلك، تبدو معركة العراق معركة طويلة جداً وفي غاية التعقيد في آن، نظراً إلى أهمية البلد على صعيد بناء النظام الإقليمي أوّلاً، وإلى موقعه الجغرافي، وثرواته ثانياً وأخيراً. طول المعركة لا يعفي من طرح اسئلة في غاية الأهمية. من بين الأسئلة ماذا يجرى داخل إيران نفسها، وهل طبيعي استمرار الوضع الراهن، هل طبيعي أن يظل الشعب الإيراني بحضارته العريقة تحت حكم «الحرس الثوري» الذي نفّذ انقلاباً بكل معنى الكلمة، ووضع حداً لأي عملية تطوير للنظام؟

وماذا عن تركيا التي خطفت غزة من إيران، ولو جزئياً؟ هل تتابع التصعيد مع اسرائيل وما الذي ستفعله في مرحلة ما بعد التصعيد الكلامي؟ وماذا عن إسرائيل نفسها وحكومتها المتطرفة التي لا تدري أن هناك حدوداً لمنطق القوة وإرهاب الدولة؟

في كل الأحوال، ما يبدو مؤسفاً غياب العرب عن المعادلة الشرق أوسطية. غيابهم يتجلى في عجزهم عن لعب أي دور بناء في العراق من جهة، أو قول كلمة حق في شأن ما يجرى على أرض فلسطين... بما في ذلك أن القضية ليست قضية غزة والمتاجرة بغزة. انها قضية شعب يريد الانتهاء من الاحتلال، ويريد الحصول على حقوقه الوطنية عبر قيام دولة مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، استناداً إلى خطوط العام 1967. هل تذهب الحقوق الفلسطينية ضحية حال المخاض التي يمر بها الشرق الأوسط؟

=========================

محور تركيا - البرازيل والدور العربي الغائب

آخر تحديث:الاثنين ,14/06/2010

كلوفيس مقصود

الخليج

كان تصويت عضوي مجلس الأمن تركيا والبرازيل ضد قرار فرض العقوبات على إيران التي جعلها الرئيس أوباما إحدى أولوياته في علاقته الخارجية، مؤشراً واضحاً على انفكاك من أي رصيد متبق للتبعية التي ميزت علاقات الولايات المتحدة مع هاتين الدولتين . بمعنى آخر شكّل الرفض الأمريكي للمبادرة التركية البرازيلية حافزاً لكي تصبح قناعات هاتين الدولتين سياسات لهما . وحيث كان نجاح الحزبين الحاكمين فيهما في انتخابات مستقيمة وبالتالي معبرة عن موقف مواطنيهما، لذا فإن محوراً جديداً من شأنه أن يشكل أداة جذب للعديد من دول عالم الجنوب وغيرها مرجعية لممارسة استقلالية الإرادة والقرار ومن ثم توفير مناخ ملائم لتسريع نظام عالمي يتميز بتعددية القطبية كما يعمل على تعزيز وسائل وآليات الدبلوماسية الوقائية ما يؤهل الدول النامية أن تعمل على حل النزاعات بما يسرّع فرص تمكينها تأمين التنمية المستدامة وإخراج عالم الجنوب من حالات الفقر والأزمات الغذائية والمائية، وبالتالي الحد من الفجوة القائمة بين عالمي الجنوب والشمال ويمهد لإزالة الطبقية داخلها .

 

أما النتيجة المباشرة لمدلول هذا الاقتراع في مجلس الأمن أن تركيا والبرازيل مصممتان على حماية مناعة دول المناطق التي تنتميان إليها، وعلى الدول الكبرى وخاصة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن من الآن فصاعداً أن تعي أن الاستكانة حتى لإجماعها لن تحول مستقبلاً عن مواجهات عند الاضطرار بعد استنفاد كل محاولات الإقناع وتجربة كل الخيارات التي توفر التفاهم وعدم إخضاع المجتمع الدولي لاستمرار التوتر والتوجس من احتمالات النزاع والحروب .

 

هل هذا يعني أن مبادرة المحور التركي البرازيلي لا تشارك العديد من تقويمات عالمية عن مخاطر انتشار الأسلحة النووية؟ ما يستغربه هذا المحور والكثير من الرأي العام العالمي هو لماذا يتم ترسيخ ازدواجية المعايير في ما يتعلق بممارسة ضغط قد يكون مطلوباً مثلاً على إيران حيث لا يوجد دليل واضح وقاطع على أنها بصدد إنتاج سلاح نووي رغم أن إيران تتعمد خطاباً ملتبساً في هذا المضمار، وبالتالي يؤدي إلى أثر سلبي على علاقاتها الدولية، في حين أن “إسرائيل” التي لديها أسلحة نووية تبقى كأنها محصنة ضد أي مساءلة في هذا الشأن .

 

صحيح أنه خلال موازين القوى سابقاً، خاصة أثناء القطبية الثنائية، كانت الإدارات الأمريكية وبمساندة بعض الدول الغربية تبقي “إسرائيل” بمنأى عن المساءلة لأن الإدارات الأمريكية منذ قيام “إسرائيل” تقيم نفسها ضامنة ومن دون تردد كون أمن “إسرائيل” مرتبطاً بتفوقها الاستراتيجي على مجمل الدول العربية .

 

إن هذا الموقف الثابت الذي تكرره كل الإدارات الأمريكية بما فيها الإدارة الحالية أجاز أن تبقى “إسرائيل” منفلتة من أي عقاب، ومتمردة على كل قرارات الأمم المتحدة، وخارقة بشكل متواصل للقانون الدولي كما القانون الإنساني، ومدركة بالتالي أن بإمكانها تعطيل أي قرار من مجلس الأمن بممارسة الولايات المتحدة حق النقض، ويشاركها في ذلك أحياناً بعض الدول الحليفة لها . يتبين لنا أن ما قامت به “إسرائيل” في 31 مايو/ أيار الماضي في عرض البحر من عدوان على باخرة الحرية التركية ما أدى إلى استشهاد تسعة من الأتراك المتضامنين مع شعب غزة كان استفزازاً اعتبرته “إسرائيل” محاولة إجهاض لقدراتها في إملاء وفرض سياساتها على المنطقة والعالم . جاء الجواب التركي حاسماً بجديته ومعبّراً عن أن استباحة حقوق الشعب الفلسطيني وخاصة أهالي غزة تهدد السلام في المنطقة وتعتبر عملاً عدائياً لتركيا، كما تقوض احتمالات التنمية والحرية والحقوق الوطنية والقومية لشعوب المنطقة، فكان الموقف الذي أعلنته تركيا ومن ثم بلورته أن فلتان “إسرائيل” في عدوانها وتحديها للشرعية الدولية لن يبقيا من دون ردع وتكلفة . هذا الموقف جعلَ الأمة العربية تدرك أن التقاعس تحت ستار “الواقعية” لا يمكن أن يبقى سائداً، وأن الجماهير العربية تواقة إلى الكرامة فعلاً وليس وصفاً، وهو ما جعل الموقف التركي المصمم على كسر حصار غزة وليس تلطيفه، هو الواقعية الجديدة التي من شأنها أن تساهم في إخراجنا من السكوت والتفكك وهامشية حضورنا .

 

حان الوقت ألا يبقى ما تقوم به “إسرائيل” من جرائم حرب مبعثرة كأنها ممارسات منفصلة عن قناعات عقائدية واحدة لديها، وليس هنا مجال بحث مسيرة ارتكاب الجرائم التي قامت بها منذ دير ياسين، ومن ثم التمدد الاستيطاني الذي حولته إلى تجاوز لقرار التقسيم الذي أعطاها 25% من فلسطين التاريخية، وثم أصبحت عام 67 مسيطرة على 78% من أرض فلسطين والتي تعمل اليوم على ما تبقى من فلسطين التاريخية بواسطة تهويد القدس والسيطرة على المياه والحصار الجائر لغزة . هذا التراكم يفسر ما هو حاصل في المدة الأخيرة من تزوير جوازات سفر لدول تعترف بها لاغتيال القائد الفلسطيني محمود المبحوح وخرق القرار 1701 من خلال انتهاك الطيران “الإسرائيلي” لأجواء لبنان وترسيخ عنف الحصار على أهالي غزة واستمرارها في التحايل على من يحميها في الإدارة الأمريكية، حيث اعتبرت أن طلب الرئيس أوباما بتجميد الاستيطان لعشرة أشهر بغية “تسهيل” ما سمي خطأ بالمفاوضات، وكان رد نتنياهو استعداد حكومته القيام ب”تنازلات أليمة” وقبول التجميد في حين كان يجب أن تكون مطالبة إدارة أوباما تفكيك المستوطنات وهذا لم يحصل . لماذا لم يحصل؟ لأن “إسرائيل” تتصرف على أنها الدولة الوحيدة في العالم التي لا يعرف العالم حدودها وهي عضو في الأمم المتحدة ولا تعرف الأمم المتحدة حدودها .

 

السؤال؟

 

لماذا تتمتع “إسرائيل” بهذه الحصانة؟ ولماذا باستطاعتها ألا ترد على أي سؤال؟ ولماذا لا تقبل أي لجنة تحقيق تعمل على التأكد من خروقاتها؟ ولماذا تجيز لنفسها إهانة أمثال القاضي ريتشارد غولدستون ومقرر لجنة حقوق الإنسان ريتشارد فولك؟ ولماذا تعتبر أن لها الحق في أن تكون فوق القانون؟ ولماذا تعتقد أن باستطاعتها استمرار ممارسة التمييز ضد المواطنين العرب داخل أراضي ،48 هذا التمييز الذي صار الممهد للترحيل؟ ولماذا الإصرار على الشعب الفلسطيني أن يعترف ب”يهودية” الكيان باعتباره دولة يهود العالم؟ هذه أسئلة قليلة من عديد من تساؤلات كثيرة . . وكثيرة جداً، ولماذا لا تجيب على أي منها؟ ولماذا لا يصر المجتمع الدولي على أن تكون لأسئلته أجوبة؟

 

أخيراً . . كان المنظر في فيينا بالأمس عندما طرحت المجموعة العربية ومعها دول عدم الانحياز موضوع السلاح النووي ل”إسرائيل” وكونها غير منضمة إلى اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) حيث حاول بعض الممثلين الغربيين تأجيل الموضوع الذري “الإسرائيلي” ومنهم دول زوّرت جوازات مواطنيها، ومنظر السفير “الإسرائيلي” لدى الوكالة وحيداً مع حارسه خارجاً من دون أي كلمة كأنه استغرب أن يثار الموضوع . . لكن الموضوع أثير وأصبح ممكناً متابعته، وأصبح السؤال لماذا لم يثر من قبل؟

 

المنظر الآخر في اسطنبول حيث انعقد المنتدى الاقتصادي العربي التركي، كانت صورة الرئيس أردوغان وأمين الجامعة العربية عمرو موسى، توحي باحتمال أن محور تركيا البرازيل قد يمهد لأمتنا العربية استرجاع حيوية حضورها فتكون خميرة لإخراج الأمة وشعوبها من حالة الكآبة وغموض المصير . كان المنظر واعداً كأن رؤية عمرو موسى منذ بضعة أشهر والتي أعلن عنها في قمة سرت مرشحة الآن لأن تكون بدورها الواقعية العربية الجديدة .

=========================

العرب وتركيا الجديدة

آخر تحديث:الاثنين ,14/06/2010

عبد الاله بلقزيز

الخليج

تتزايد، منذ سنوات، مشاعر الإعجاب بتركيا ورئيس وزرائها رجب طيب أردوغان في أوساط النخب والشعب في البلاد العربية، بسبب ما أبدته من مواقف سياسية مناصرة للقضية الفلسطينية والقضايا العربية، وأحياناً بحماسة بالغة تشدّ إليها الأنظار .

 

والحق أن هذا التحوّل في مواقف تركيا تجاه محيطها العربي بدأ منذ مطلع هذا القرن مع صعود “حزب العدالة والتنمية” إلى السلطة في أنقرة . وإذا كانت ذاكرتنا القريبة تعود بنا إلى مواقف تركية شجاعة من قبيل هجوم أردوغان على الإرهابي شمعون بيريز: سفّاح قانا وغزة، والانسحاب من المنصة التي جمعته به وبعمرو موسى في منتدى دافوس، واستدعاء السفير التركي لدى الكيان الصهيوني، والمطالبة الدائمة برفع الحصار عن غزة ومهاجمة “إسرائيل” في كل المحافل الدولية على جرائمها، ومناهضة جدار الفصل في رفح . . . فإن امتناع تركيا عن الرضوخ للإرادة الأمريكية بفتح جبهة حرب شمالية على العراق أثناء غزوه في مارس/ آذار 2003 والسماح للجيوش الغازية باستعمال أراضيها كان من المواقف التاريخية الشجاعة التي لا يمكن للعرب أن ينسوها لتركيا وحكومتها، فضلاً عن حرصها الدائم على وحدة العراق في وجه التقسيم الذي هدّد كيانه الوطني .

 

بدت هذه السياسة وكأنها تجذّف كليةً ضدّ تيار السياسة التقليدية لتركيا تجاه الوطن العربي منذ مصطفى كمال أتاتورك قبل ما يزيد على ثمانية عقود وانقلابها الكبير على تاريخها الإسلامي ومحيطها الحضاري وحزامه الأقرب: المحيط العربي وما كان الانقلاب ذاك بسبب إلغائها منصب الخلافة وإقامة نظام علماني، فذاك ممّا كان شرطاً لا مفر منه كي تتقدم، وإنما كان بسبب إلغائها الحرف العربي وقطيعتها الكاملة مع ميراثها الحضاري، واتجاهها نحو الغرب ومحالفته . وليس لأحدٍ منّا أن ينسى، في هذا المعرض، اصطفاف تركيا الخمسينات ضدّ حركة التحرر الوطني العربية ومصر الناصرية وانتظامها في أحلاف إقليمية معادية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . كما ليس لأحدٍ منّا أن ينسى ما رتّبه انضمامها إلى “حلف شمال الأطلسي” على سياساتها الإقليمية من خيارات دفعنا ثمنها في الوطن العربي .

 

بدأ العد العكسي لهذه السياسة التركية المعادية نحو تصويب مسارها منذ النصف الثاني من عقد التسعينات الماضي، منذ صعود “حزب الرفاه” بزعامة الطيب الذكر نجم الدين أربكان إلى السلطة متحالفاً مع تانسو تشيلر وحزب “الطريق القويم”: قبل الانقلاب “الدستوري” على حكومة الشراكة . ولقد كان أكثر أطر “حزب العدالة والتنمية” الحالي أعضاء في حزب أربكان قبل الانشقاق عنه . لكن حكومة أربكان سجلت، منذ ذلك الحين، مقدمات تحوّل في مزاج تركيا السياسي وولاءاتها هي التي ستثمر خيارات اليوم فيها . هل في هذا المنحى الجديد الذي تسلكه تركيا دليل عودة إلى “هويتها” الإسلامية؟

 

ليس من شك في أن بعض ذلك صحيح على الصعيدين الثقافي والنفسي، ذلك أن تركيا “العدالة والتنمية” تحاول أن تتصالح مع تاريخها ومجتمعها بتدرّج وعقلانية ومن دون انقلابات مثيرة ومغامرة، وفي ذلك نقطة القوة التي تتحصن بها النخبة السياسية الحاكمة اليوم في وجه من يتربّص بها من الخصوم ويتحيّن فرصة الانقضاض عليها .

 

مَن يريد أن يحتجّ بتركيا “العدالة والتنمية” ليثبت أن الإسلام قادر على إنتاج مجتمع موحّد ومتضامن ومتقدم، وعلى إنتاج نظام سياسي مستقر ذي صدقية في العالم، عليه أن يكون على مثال “العدالة والتنمية” حزباً مدنياً يؤمن بالعلمانية ويطبّقها، بل ينتقل بها من علمانية مرتبكة خائفة يحرسها الجيش إلى علمانية يحرسها المجتمع والشعب والنخب السياسية والمدنية، إذ بالعلمانية صعد “حزب العدالة والتنمية” إلى السلطة، وبالعلمانية يمارس السلطة من دون أن يفقد أعضاؤه إيمانهم بالإسلام أو استلهامهم قيَمه في الحياة العامة .

 

هل مواقف تركيا من قضية فلسطين وقضايا العرب نتيجة “موقف إسلامي” لنخبتها الحاكمة؟

 

لا . ولسنا نقول لا بسبب أن تركيا العدالة والتنمية ما تزال تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني، وإنما نقول ذلك لأن منطق مصالح الدولة العليا هو الذي يحكم موقف “حزب العدالة والتنمية” . والمنطق هذا يقتضي من تركيا أن تستثمر ورقة استراتيجية في العلاقة بالغرب أهملتها الحكومات السابقة فيها هي “ورقة” العالم العربي والإسلامي . قد تكون المشاعر الإسلامية للحزب الحاكم رافداً ومورداً لهذا التوجه الجديد . لكنه قطعاً توجه صنعته المصالح الحيوية القومية لتركيا في المقام الأول . وليس عيباً أن تكون المصالح وراء هذا التوجه، بل العيب ألا نلتقي نحن العرب هذه المصالح فنحسن البناء عليها .

=========================

تأملات في جوهر الصراع

بقلم :فيكتور ديفيز هانسون

الدستور

14-6-2010

ما زلنا حتى الآن نتجادل حول ما إذا كان من الحكمة الإغارة على تلك المواقع التي كان يتخندق فيها اليابانيون أو ما إذا كانت السيطرة على كل تلك الجزر أمراً ضرورياً من الناحية الاستراتيجية.

 

لكن مع ذلك لا أحد منا يشكك في سجل سلاح البحرية الأميركي الحافل بالمواقع التي ألحق فيها هزائم نكراء بجنود المشاة اليابانيين، محطمين بذلك أسطورة الجندي الياباني الذي لا يهزم.

 

ومنذ الحرب العالمية الثانية، لا تتردد قيادة قواتنا المسلحة في استدعاء وحدات سلاح البحرية إلى أي مكان تجد فيه أميركا نفسها عالقة في موقف صعب أمام أعداء، يفترض أنهم غير قابلين للهزيمة، في أماكن دموية مثل الإنشون وحوض الشوسين في كوريا، هيو وكيه سان، خلال حرب فيتنام، الحصارين الدمويين لبلدة الفلوجة في العراق، والآن في أفغانستان.

 

وعلى مدار القرنين الأخيرين، بزغت حقيقتان مهمتان حول سلاح البحرية الأميركي. الأولى، أنهم قادرون على هزيمة أعتى خصوم أميركا في أقسى الظروف. والثانية، أن طريقتهم الخاصة في القيام بعملهم، وثقافتهم غير المألوفة في ما يتعلق بالاعتداد بالذات، تزعج مخططينا العسكريين، إلى درجة أن بعض كبار القيادات يحاولون إما كبح استقلاليتهم أو التخلص من سلاح البحرية من أصله.

 

فبعد المعارك الشرسة التي خاضها جنود المارينز في حملة الباسيفيكي خلال الحرب العالمية الثانية، أراد وزير الدفاع لويس جونسون تفكيك سلاح البحرية، متسائلاً عن جدوى عمليات الإنزال البرمائية في العصر النووي. وقد وافقه الرأي رئيسه هاري ترومان، الذي لم يكن هو الآخر يحب غرور المارينز.

 

ثم جاءت بعد ذلك الحرب الكورية، وفجأة أصبح البنتاغون يطالب بزيادة حجم سلاح البحرية. وكان القتال ضد عتاة المحاربين الكوريين الشماليين والصينيين الشيوعيين، من أشرس المعارك في تاريخ الحروب المنظمة على مدى ثلاثة آلاف سنة.

 

وقد أثبتت استراتيجية إنزال القوات على الشواطئ المعادية، التي كانت تعتبر فكرة قديمة بالية في تلك الفترة، مرة أخرى أنها طريقة ذكية للتفوق التكتيكي على العدو.

 

وبقي سلاح البحرية بعد الحرب الكورية وبعد لويس جونسون وهاري ترومان، وظل يكدّ ليبني لنفسه موارده الخاصة للدعم اللوجستي والدعم الجوي ومبادئه التكتيكية الخاصة.

 

وكان الاكتفاء الذاتي، الذي حظي به سلاح البحرية، ردة فعل سببها انعدام الثقة ببقية أذرع القوات المسلحة الأميركية منذ أيام الحرب العالمية الثانية، حين افتقر المارينز للدعم من سلاح الجوي والأسطول البحري، إضافة إلى هواجس المارينز وخشيتهم من أن فروع القوات المسلحة الأخرى ربما تكون معجبة بروحهم القتالية، لكنها متحاملة عليهم بسبب الاستقلالية العالية التي يتمتعون بها.

 

والآن ها نحن نشهد مرة أخرى واحدة من هذه الهبّات الدورية لإعادة تفحص دور سلاح البحرية. وهذه المرة، يقول المناهضون إن الصورة النمطية القديمة لجنود المارينز المتفانين الأشاوس، لا تنسجم مع ظروف خوض حروب مدنية ضد حركات التمرد تحت قيادة دولية موحدة.

 

وقد بدأت وحدات المارينز الآن بإعادة الانتشار من العراق إلى أفغانستان، وهي تقوم ببناء قاعدة ضخمة في ديلارام، وتخطط لانتزاع السيطرة على إقليم نيمروز النائي ذي البيئة الوعرة، والذي لا يزال إلى الآن معقلاً صلباً من معاقل طالبان.

 

وبينما تركز قوات الناتو على المدن الكبرى في أفغانستان، يعتقد المارينز أن بإمكانهم أن يكسبوا تأييد السكان المحليين بطريقتهم الخاصة، ومجابهة وقهر طالبان واستعادة السيطرة على كافة مناطق إقليم نيمروز، مطلقين تحذيرهم المعهود «لا صديق أفضل منا، ولا عدوّ أسوأ منا».

 

إذن، مرة أخرى، يبدو المارينز مقتنعين بأن براعتهم وشجاعتهم يمكن أن تنجحا في ما فشل فيه الآخرون. ومرة أخرى، لا يبدو أن الجميع متفق معهم.

 

فلقد نقل عن السفير الأميركي في أفغانستان، الجنرال المتقاعد كارل إيكنبيري، تعليق يشير فيه إلى وجود قوات تمثل 41 بلداً في أفغانستان.. والقوة رقم 42 تمثل سلاح البحرية!

 

كما نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول في إدارة أوباما طلب عدم الكشف عن اسمه، قوله: «لدينا ترابط عملياتي مع جميع حلفائنا في الناتو تقريباً، يعتبر أفضل من ترابطنا مع سلاح البحرية الأميركي».

 

بل إن بعض المسؤولين يطلقون على معسكر المارينز الجديد في نيمروز اسم «مارينستان».. وكأن جنود المارينز في مشهد مقتبس من أحد روايات كيبلينغ أو كونراد، أصبحوا قوة مارقة، وأقاموا مقاطعة عمليات مستقلة خاصة بهم.

 

لكن، مرة أخرى، من الحكمة عدم العبث باستقلالية سلاح البحرية، على اعتبار أن أساليبه في التدريب، الانتشار، القتال، التعامل مع حركات التمرد وحتى خوض الحروب التقليدية، عادة ما تتوج بالنجاح في النهاية. بطبيعة الحال.

 

المظاهر السياسية والتكنولوجية للحرب دائمة التغير، لكن جوهرها المتمثل في استخدام العنف المنظم كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية، لم يتغير منذ العصور القديمة.. ولن يتغير جوهر الصراعات المسلحة طالما لم تتغير الطبيعية البشرية نفسها.

أستاذ الدراسات الكلاسيكية والتاريخية في جامعة ستانفورد

=========================

تركيا.. من حليف إلى أكثر الدول عداوة

ترجمة

الأثنين 14-6-2010م

إعداد وترجمة :أحمد أبوهدبة

الثورة

لاتزال قضية مهاجمة أسطول الحرية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي تتفاعل في الشارع الإسرائيلي وتلقي بظلالها الثقيلة على العلاقات التركية –الإسرائيلية الآخذة بالتدهور على نحو سريع وصلت إلى مستوى «كارثي» على حد تعبير معاريف،

في وقت أصبحت فيه العلاقات التركية - الإسرائيلية مدار بحث للصحافة الإسرائيلية ومراكز البحث والدراسة المقربة من صناع القرار في المؤسسة السياسية في إسرائيل، ولاسيما على ضوء الهجوم الشديد التي تشنه الصحافة الإسرائيلية على السياسات التركية والحكومة والمسؤولين الأتراك وفي مقدمتهم رئيس الوزراء رجب طيب اوردوغان في أعقاب الخطوات التي اتخذتها الحكومة التركية بعد جريمة أسطول الحرية والمتمثلة في استدعاء السفير التركي الجديد في تل أبيب واستدعاء السفير الإسرائيلي في أنقرة وإعلان تركيا عن إلغاء مشاركة إسرائيل في ثلاث مناورات مشتركة مقررة في وقت لاحق وإعلان أنقرة الرغبة في إعادة النظر في العديد من الصفقات العسكرية الموقعة بين الجانبين، وهي صفقات تشمل طائرات من دون طيار ودبابات متطورة، والتلويح بالتوجه إلى روسيا والصين كبديل من المصدر الإسرائيلي للسلاح، وهو أمر من شأنه إلحاق ضربة كبيرة بالمجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي.وأخيرا ربط تركيا إعادة العلاقة إلى سابق عهدها برفع إسرائيل الحصار عن قطاع غزة. إلى جانب تأثر الميزان التجاري بين البلدين بشكل سريع لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقة بين البلدين بحيث تحولت تركيا «من بلد حليف إلى أكثر الدول عداوة لإسرائيل»على حد تعبير صحيفة إسرائيل اليوم.‏

المؤسسة العسكرية.. حالة من القلق والخوف‏

ويرى محللون إسرائيليون ان وصول العلاقات الإسرائيلية التركية إلى هذه المرحلة الحساسة لم يكن نتيجة عوامل طارئة حصلت على حين غرة، بل جاءت نتيجة أسباب وتراكمات مختلفة وكثيرة ومتغيرات سياسية داخلية وإقليمية ودولية، حيث إن الظروف التي نشأت فيها العلاقات القوية بين الطرفين تغيرت كثيراً إذ وصلت الآن مع حزب العدالة والتنمية إلى مرحلة إعادة النظر في الأولويات والخيارات، وهي خيارات تشير بشكل واضح إلى أن العلاقة بين أنقرة وتل أبيب تقترب من نقطة حاسمة، والمؤكد هنا هو أن تركيا التي أصبحت دولة إقليمية مركزية كبرى لم تعد تخشى من التداعيات التي قد تؤثر فيها جراء دخول علاقاتها مع إسرائيل في مرحلة جديدة، مقابل إحساس إسرائيل بخسارة استراتيجية لحقت بها، وهي مرتبكة وعاجزة في الوقت نفسه عن استعادة هذه الخسارة.‏

والجديد في ذلك ما نقلته صحيفة يديعوت احرونوت عن الصحيفة البريطانية «الصاندي تايمز» في تقرير لها يفيد ان المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعيش حالة من القلق والخوف الشديدين من ردود الفعل التركية.‏

وأضافت يديعوت أن تركيا قررت ايضا عدم إشراك الجيش الإسرائيلي في عدة مناورات سيجريها الجيش التركي للتعاون مع جيوش أجنبية في السنة القريبة القادمة وأهمها «انطوليان ايغل» – مناورة سنوية واسعة النطاق ستجرى في تشرين الأول القريب وكان الجيش الإسرائيلي شريكا شبه دائم فيها حتى ما قبل سنتين. وفي السنة الماضية ايضا أعلنت تركيا عن إلغاء مشاركة إسرائيل في المناورة، ولكن هذه السنة لم تتلق إسرائيل على الإطلاق مسبقا دعوة للمشاركة فيها.‏

من هو المتضرر الوحيد؟!‏

ومن جهة أخرى المتضرر الوحيد من التوتر الشديد بين الدولتين هو سلاح الجو الإسرائيلي، الذي يبحث الان عن مناطق تدريب بديلة للمجال الجوي التركي. في السنوات الاخيرة نشر السلاح، أسرار قتالية ونقليات في قواعد سلاح الجو التركي، ولكن بسبب تدهور العلاقات تقرر منذ السنة الماضية عدم تنفيذ تدريبات لتركيا. احد البدائل التي تجري دراستها هي رومانيا. ففي 2006 وقع اتفاق مبدئي يكون بوسع سلاح الجو الإسرائيلي بموجبه التدرب في الدولة البلقانية، ويدرس في الجيش الإسرائيلي الان امكانية تطبيق الاتفاق. في سلاح الجو يأخذون بالحسبان ايضا دولا أخرى يكون ممكنا فيها إجراء التدريب‏

وبموازاة ذلك، أردفت الصحيفة تقول، صدر في الجيش الإسرائيلي في الآونة الاخيرة توجيه جديد من شعبة العمليات يحظر على الجنود وعلى الضباط بشكل تام السفر إلى تركيا. وقد صدر هذا التوجيه في أعقاب ردود الفعل القاسية في الشارع التركي على سيطرة مقاتلي الوحدة البحرية على «مرمرة» وفي أعقاب التهديد المحدق بالمواطنين الإسرائيليين. وينضم هذا التوجيه إلى التحذير الذي نشرته قيادة مكافحة الإرهاب ودعا كل مواطني إسرائيل إلى تأجيل رحلاتهم الجوية إلى تركيا إلى ان يتضح الوضع الأمني في الدولة. في الجيش الإسرائيلي أوضحوا بأن هذا التوجيه سيبقى ساري المفعول حتى إشعار آخر.‏

مصيبة استراتيجية‏

الملفت للنظر ان الصحافة الإسرائيلية قد انضمت لكثير من السياسيين الإسرائيليين الذين انبروا يهاجمون تركيا ويتهمون سياساتها الجديدة المعادية لإسرائيل ليست نتيجة نهج وممارسات السياسات الإسرائيلية نفسها وإنما نتيجة دوافع ورغبات حزب العدالة والتنمية وزعمائه، وقد خلت معظم تحليلات الصحف الإسرائيلية من أي تقييم موضوعي للعديد من الأحداث التي ساهمت في وصول العلاقة التركية- الإسرائيلية إلى ما وصلت اليه وخاصة الحرب العدوانية على غزة وحصارها والهجوم على أسطول الحرية فتحت عنوان «مصيبة استراتيجية» كتب بن كاسبيت في معاريف يقول: «على قادة الدولة أن يسيروا على أطرف أصابعهم، وفي جهاز الامن يحذرون جدا على كبريائه، ولكن كل من له عينان واذنان في رأسه يفهم بان رجب طيب اردوغان أصبح مثيرا للتحريض والكراهية، ناجعا وهداما. ديماغوجي خطير، داهية، لا يتردد في استخدام الوسائل ويشدد كل لحظة خطابه. اردوغان لا يتردد في ان يعترف بان حماس هي حزب شقيق لحزبه ويرى، في واقع الأمر، في إسماعيل هنية، خالد مشعل، احمد الجعبري نوعا من «النموذج للإقتداء. رئيس الوزراء التركي خرج منذ زمن بعيد عن نطاق المشكلة الموضعية او الآنية. اردوغان، صحيح حتى الان هو مصيبة استراتيجية آخذة في التجسد أمامنا. «هو احمدي نجاد الثاني»، قال ليس أمس مصدر سياسي كبير في القدس، وفي ذات النفس اقسم إلا اقتبسه من عول على تركيا بان تكون الحلقة الأقوى في محور الدول سوية العقل في المنطقة، يحصل عليها الان كحجر أساس لمحور الشر.‏

وعلى نفس المنوال كتب تسفي بارئيل في هآرتس معلقا:«ماذا يوجد في تركيا يغضب جدا الإسرائيليين، لدرجة أنه يبدو أنه لو كانت لديهم امكانية لألقوا عليها بقنبلة نووية؟ لماذا فقط عندما يقول رئيس وزراء تركيا بصوت عال ما يقوله متظاهرون في كل العالم صراخا يعتبر كعدو الشعب؟ لماذا عندما يزايد أخلاقيا على إسرائيل ويطالبها بالضبط ما يطالب به إسرائيليون كثيرون حكومتهم يتعاظم الغضب وكأن تركيا هي ايران؟ كان يكفي مشاهدة المظاهرات التي جرت يوم الخميس أمام السفارة التركية في تل أبيب كي نفهم بأن شعارا واحدا فقط كان ناقصا: «الموت لاردوغان، الإبادة لتركيا».‏

وتابع بارئيل يقول: «تركيا آمنت ببراءة بأنه سيكون بوسعها ايضا إقناع حليفتها، إسرائيل، باستغلال قدراتها وعلاقاتها كي تدفع إلى الأمام المسيرة السلمية مع الفلسطينيين ومع سورية. ولكن تركيا لا تزال لم تستوعب حقيقة ان سرقة الجياد على نحو مشترك مع إسرائيل عززت فقط اعتقاد إسرائيل بأنها لا تحتاج إلى السلام.‏

عزلة دولية متعاظمة‏

أما غاليا ليندشتراوس الباحثة في معهد الأمن القومي فقد كتبت في إسرائيل اليوم تحت عنوان «فوز تركي» تقول: «نتائج السيطرة على أسطول الإغاثة لغزة، وحقيقة أن نصف المشاركين على الأقل ونصف القتلى بينهم كانوا مواطنين أتراك، أدت بالعلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى درك أسفل غير مسبوق. الأزمة، التي ساهمت فيها ايضا أخطاء جسيمة في الجانب الإسرائيلي هي نتيجة سياسة تركية مقصودة. فمنذ زمن والأتراك يعتقدون بان سياسة عدم الحوار بين إسرائيل وحماس، وكذا ايضا الحصار على غزة، ليستا فقط مغلوطتين بل وأيضا تؤديان إلى تدهور إقليمي. غياب سياسة إسرائيلية مبادر اليها، في خلاف بارز مع نزعة النشاط التركية، يشدد فقط الانتقاد التركي المتعاظم على السياسة الإسرائيلية، التي تعتبر في نظر الأتراك هدامة للمنطقة. تعبير واضح على مدى تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل هو التحذير الذي نشرته قيادة مكافحة الإرهاب. معقول أن يكون مثل هذا القرار وان كان يمكنه أن يشهد على تهديدات ملموسة توجد لدى محافل الاستخبارات الإسرائيلية، ما كان يمكنه أن يتخذ دون مصادقة مناسبة من القيادات السياسية. وهكذا، اقترب الوقت الذي سيصبح فيه السفر إلى ايطاليا في أوساط الكثيرين عملا غير مسؤول كالسفر إلى سيناء.‏

وتابعت الكاتبة تقول: «الانشغال في إلغاء السفريات إلى تركيا يبدو كالانشغال في الصغائر، حيث انه بالتوازي توجد على جدول الأعمال مواضيع ثقيلة الوزن، كوقف التعاون الاستخباري بين الدولتين، وما يبدو كرفض جارف من جانب تركيا للسماح بعمل إسرائيلي في ايران في ظل استخدام المجال الجوي التركي. ولكن بالذات هذا الانشغال المهووس بالسياحة إلى تركيا حين يكون في الخلفية مسائل اكثر أهمية، يدل كم سيكون كبيرا عدد الإسرائيليين الذين سيتضررون من تواصل التدهور في العلاقات مع تركيا. كما سيكون من الخطأ ايضا احتساب الضرر فقط من ناحية أمنية او اقتصادية. منظومة العلاقات الطيبة لإسرائيل مع تركيا في التسعينيات شكل في إسرائيل ايضا أساسا للشرعية. صحيح أنه واحد آخر من أسس الشرعية الأخرى، إلا انه مع ذلك أساس ذو مغزى. وحتى لو لم يطرأ قطع للعلاقات مع تركيا، فإن الوضع الحالي يدل على عملية العزلة الدولية المتعاظمة لإسرائيل.‏

=========================

قمة سليمان - الأسد أمام الإجابة على سؤال أساسي

هل يذهب لبنان وسوريا معاً الى الحرب أو الى السلام؟

اميل خوري

النهار

14-6-2010

إذا كانت الاولوية هي لحماية لبنان من اعتداء اسرائيلي محتمل ومن تداعيات حروب وقلاقل في المنطقة، فان التطمينات التي حصل عليها الرئيس سليمان والرئيس الحريري في جولاتهما واتصالاتهما قد لا تكون كافية اذا لم تستكمل بتطمينات إن لم يكن بضمانات يتم الحصول عليها خصوصا من سوريا وايران كونهما دولتين ممانعتين ولهما موقف واضح من اسرائيل.

لذلك ترى اوساط سياسية ان يبدأ بناء الثقة بين لبنان وسوريا بالتفاهم على السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية كي يكون لقمة الرئيس سليمان والرئيس الاسد غدا في دمشق نتيجة مثمرة كما كانت نتيجة القمة الاولى والاخيرة التي عقدت بين الرئيس شهاب والرئيس عبد الناصر وكانت نتائجها كافية وليست في حاجة الى عقد سلسلة قمم كما حصل مع عهود سابقة في لبنان.

لقد اتفق الرئيس شهاب والرئيس عبد الناصر على ان يتم التنسيق بينهما في السياستين الخارجية والدفاعية لان السياسة الخارجية تعكس الشيء الكثير من السياسة الداخلية، كما ان السياسة الداخلية تنعكس على السياسة الخارجية، وان تحقيق الامن والاستقرار يتأثران بالسياسة الدفاعية، وقد ادى التوصل الى اتفاق حول ذلك الى جعل لبنان ينعم بالهدوء والاستقرار بفضل تعاون الجماعة "الناصرية" في لبنان مع الحكم بحيث اطلقت يده في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشؤون الداخلية، فكان للحكم هيبته وسلطته وسطوته.

ولا شيء يمنع ان يحصل بين الرئيس سليمان والرئيس الاسد ما حصل بين الرئيس شهاب والرئيس عبد الناصر، فيكون تفاهم قبل اي شيء آخر على السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية فيكون تنسيق دائم بينهما قبل اتخاذ اي موقف.

والمطلوب في الوقت الحاضر هو التفاهم على السياسة الدفاعية بحيث لا يظل هذا الموضوع نقطة خلاف واختلاف بين القيادات اللبنانية، سواء في مجلس الوزراء او على طاولة الحوار، بين من يريد استعادة ما تبقى من الاراضي المحتلة بقوة السلاح (جيش وشعب ومقاومة) ومن يريد استعادتها بالتفاوض وهو الاقل كلفة مهما طال وقته.

والسؤال الذي يحتاج الى جواب لبناني – سوري واحد هو: هل يذهب لبنان وسوريا معا الى الحرب ام يذهبان معا الى مفاوضات السلام؟ اذ لا يعقل ان يذهب لبنان وحده الى الحرب فيما سوريا تذهب وحدها الى مفاوضات السلام كما يحصل حتى الآن. فاذا كان الجواب على هذا السؤال هو الذهاب معا الى الحرب عندها ينبغي الاتفاق على التحضير لذلك جيشا وشعبا ومقاومة في كلا البلدين وهذا يتطلب وضع استراتيجية دفاعية مشتركة يحول وضعها دون استمرار الخلاف في لبنان حولها والدخول في مزايدات سياسية وشعبوية. وهذه الاستراتيجية هي التي تحدد دورا لسلاح المقاومة ومتى يكون هذا الدور، كما تحدد مصير السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وهو موضوع خلاف ايضا، وقد يصير اتفاق مثلا على تمركز قوات لبنانية – سورية داخل اراض لبنانية وداخل اراض سورية وفي نقاط استراتيجية.

ويذكر ان مشروع الاتفاق الثلاثي بين لبنان وسوريا، الذي وضع عام 1985 وحصل انقلاب داخلي عليه حال دون تطبيقه، كان قد نص في باب "العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا" على ان الارتباط المصيري بها هو التعبير الابرز لعروبة لبنان"، واستندت هذه العلاقات، كما جاء في المشروع، على نظرة تكامل استراتيجي بينهما ومفهوم هذا التكامل "ان تكون امكانات كل من البلدين متممة لامكانات الآخر بما يحقق مصالحهما المشتركة ويجدد ذلك في اطار الاتفاقات الثنائية في اطر قانونية".

وفي المجالات العسكرية اقترح المشروع "الاتفاق على تمركز وحدات عسكرية سورية في نقاط محددة في لبنان وفق مقتضيات الامن الاستراتيجي السوري واللبناني في مواجهة اسرائيل"، وفي السياسة الخارجية "تنسيق كامل وثابت في كل القضايا"، وفي العلاقات الامنية "تحديد مشترك للاخطار الرئيسية التي تهدد امن البلدين وتوحيد النظرة الى هذه الاخطار واقرار اتفاقات تؤمن التنسيق بين الاجهزة الامنية"، وفي المجال الاقتصادي "التنسيق والتكامل على رغم تباين الانظمة"، وفي العلاقات التربوية "التنسيق من خلال لجان مشتركة كشرط من شروط ترسيخ القربى بين الاجيال الطالعة في كل من البلدين مع الحفاظ على حرية التعليم"، وفي المجال الاعلامي "منع التشويش الاعلامي الموجه الى علاقات البلدين المتميزة".

هذا ما نص عليه مشروع "الاتفاق الثلاثي" الذي لم ير النور بسبب انقسام اللبنانيين حوله، فكان اتفاق الطائف البديل منه، ولم يحظ هو ايضا بموافقة كل اللبنانيين ومن الاسباب تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وكان تطبيق هذا الاتفاق بشكل منقوص وانتقائي في رأي البعض تطبيقا ضمنياً ل"الاتفاق الثلاثي".

اما اذا كان الجواب هو الدخول في مفاوضات سلام مع اسرائيل لأن هذا ما يسعى اليه جاهدا المجتمع الدولي وغالبية المجتمع العربي، فينبغي الاتفاق بين لبنان وسوريا على كيفية الدخول في هذه المفاوضات، هل يكون الدخول فيها معا تأكيدا لعودة التلازم بين المسارين اللبناني والسوري، ام يكون الدخول فيها مستقلا لكل دولة مع التنسيق الدائم قبل وبعد بدء المفاوضات ونهايتها باعتبار ان لكل دولة وضعا خاصا مع اسرائيل. فنظرة الدولة العبرية الى الوضع في الجولان شيء ونظرتها الى الوضع في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر شيء آخر.

إن القمة اللبنانية – السورية ينبغي ان تكون قمة منتجة فلا يظل عقدها مجرد تبادل سلامات وتحيات ومجاملات فيما المنطقة تواجه مرحلة دقيقة وخطرة تتطلب موقفا موحدا عربيا وفلسطينيا، وبالتحديد لبنانياً – سورياً، وذلك بوضع خطة لاستراتيجية حرب او استراتيجية سلام بعيدا عن المزايدات والمهاترات.

والواقع انه اذا ظل لبنان معرضا لخطر عدوان اسرائيلي او لتداعيات حروب في المنطقة، لا تعود تنفع الاتفاقات المعقودة في شتى المجالات لأن تطبيقها يتعطل والمنفعة منها تكون في جعل لبنان آمنا وهادئا ومستقرا.

وانطلاقا من هذا التفكير، كانت الاولوية عند الرئيس سليمان والرئيس الحريري هي توفير شبكة امان للبنان، لأن من دونها لا اقتصاد ولا ازدهار، وتوفير هذه الشبكة يحتاج الى تطمينات إن لم يكن ضمانات من دول صديقة وشقيقة معا، وهو ما ينبغي الحصول عليه في لقاء القمة غدا بين الرئيس سليمان والرئيس الاسد بالاجابة عن سؤال حول كيفية استعادة الاراضي المحتلة من اسرائيل.

=========================

قراءة في نهضتين عربيتين (1)

ميشيل كيلو

14-6-2010

يوزع العرب تاريخهم السياسي الحديث على مراحل تفصل بين نهضتين، جرت أولاهما في مطالع القرن التاسع عشر وانتهت بعد منتصفه بقليل، وثانيتهما في منتصف القرن العشرين وانتهت في أوائل الثلث الأخير منه. في هذا النوع من التحقيب، تكون النهضة الأولى، التي قادها محمد علي وابنه إبراهيم باشا، قد عاشت قرابة نصف قرن، بينما عاشت الثانية، التي حملت اسم جمال عبد الناصر وارتبطت به، حوالى عقدين ونيف. إلى هذا، شهد تاريخ العرب الحديث نهضة فكرية، سبقت النهضتين السياسيتين وامتدت من الثلث الأول من القرن التاسع عشر إلى مطالع القرن العشرين، ركزت على تعريف العرب بالفكر الأوروبي الحديث، وخاصة منه ما اعتبره اليسار «الفكر البرجوازي»، ثم تواصلت في طور جديد عرفه الثلث الأول من هذا القرن وامتد حتى الربع الثالث منه، عبر عن نفسه في مدرسة فكرية / أيديولوجية غلب عليها الطابع القومي والاشتراكي، فشل حاملها السياسي من دول وأحزاب قومية واشتراكية في تحقيق وعوده حول تغيير الأمر الوطني والقومي القائم، مما أدى إلى استعادة أسئلة ومسائل النهضة الأولى، التي تمحورت أساسا حول ما يجب تداركه على صعيد الفكر من قضايا كالمواطنة وحقوق الإنسان والدستور والقانون وتنظيمات المجتمع والدولة، ليتاح لنا اللحاق بأوروبا على صعيد الواقع. لا حاجة إلى القول إن محاولتي النهضة السياسيتين بدأتا كلتاهما في مصر، وأن النهضتين الفكريتين انطلقتا أساسا من لبنان، ثم انتشرتا إلى مصر وبلاد الشام، وترتب عليهما تأسيس أحزاب وتيارات سياسية اعتبرت أدوات جديدة وفاعلة للعمل العام، المحلي/ الوطني، والعربي/ القومي.

عرف التاريخ الأوروبي فترة مديدة اتسمت بنهضة سياسية تلت نهضة فكرية/ معرفية دامت قروناً عديدة، شقت لها الطريق أو/ وتزامنت معها في بعض مراحلها. حققت النهضتان، وخاصة الفكرية منهما، انقلاباً نوعياً في وعي الواقع وإقامة شروط تغييره، بلغ ذروته في الثورة الفرنسية، التي قيل بحق إنها كانت من صنع روسو ومونتسكيو وهوبز ولوك، وأنها «الطور الثاني، الذي تحقق في الواقع، من ثورة جرت في ميدان الفكر» (هيجل). أما في تاريخنا الحديث، فقد قامت على الدوام هوة بين واقع السياسة القائم وفكر النهضة، وبين بنية وطابع الواقع وبنية وهوية هذا الفكر. وبينما تعين الواقع السياسي بنظام تسلطي وفردي في كلتا حالتي النهضة السياسية، طالب الفكر ب  وتركز على تقصي وتلمس سبل تحقيق الحرية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والمواطن، ودقرطة في الدولة والمجتمع. بهذا الافتراق بين الطابع السياسي لدولة تنشد التحديث وتقوم بتحقيقه، وهو سلطاني/ دولوي، وبين فكر النهضة، الذي قدم بديلا يناقض هذا الطابع، وربط التحديث بسلطة بديلة، وقع احتجاز مضاعف ومتبادل، فلا النخب المثقفة نجحت في إقناع النخبة الحاكمة بقبول التغيير المنشود، ولا هذه قبلت رهان التحديث المفتوح، المجتمعي والديموقراطي المنطلق والمآل، الذي قدمته هذه النخب، أو منحتها حرية الوصول إلى الشعب، خوفا من أن تحدث أفكارها تحولاً في وعيه يجعله حامل مشروع التغيير، على غرار ما وقع خلال التجربة الأوروبية، حيث مكنت الحرية الشعب من لعب دور حاسم في الشأن العام، خاصة إبان الثورة الفرنسية، التي اعتبرت نموذجاً تظاهر فيه عمق التغيير المطلوب من جهة، وفعل الفكر الملموس والحاسم من جهة أخرى.

أعتقد أن محاولة النهضة الأولى فشلت بسبب التناقض بين طابع الدولة ومسعى التحديث، الذي حاولت أن تنفرد بحمله وتجعله مقتصراً عليها بالأساس، فجاء تحديثاً ناقصاً، سلطوياً واستبدادياً، وقاد إلى نتائج احتجزت وأحبطت التحديث كمشروع شامل يطاول الدولة والسلطة والمجتمع، أهمها سقوط مصر  مركز ومنطلق مشروع التحديث السلطوي  تحت الاستعمار، الذي مكن نخبتها الحاكمة من إعادة إنتاج نفسها في إطاره وتحت حمايته. وكانت تجاربها وصراعاتها الأولى ضده قد أظهرت عجزها عن مواجهته أو تجاوزه، وأقنعتها أن مصيرها يرتبط بتجديد سلطانها بالتعاون معه، وأن تحديث المجتمع والدولة في حاضنة النهضة الفكرية سيفضي إلى تقويض سيطرتها. باختبارها التحديث من فوق، السلطوي والجزئي، وجدت حركة النهضة نفسها في مواجهة تحد فشلت عموما في مواجهته، أجبرها على التحول من حركة فكرية/ معرفية مثلها مثقفون إلى حركة سياسية ميدانية ارتبط مصيرها بقدرتها على تحديث وعي الشعب وتعبئته من أجل نضال وطني/ اجتماعي ينخرط فيه المواطنون، يتولى القيام بالانقلاب السياسي المنشود، القادر على كسر وتخطي تحالف النخبة الحاكمة مع القوى الخارجية، التي كانت قد تحولت في هذه الأثناء إلى احتلال استعماري داخلي.

كيف واجه الاحتلال ممكنات النهضة والتحديث الفكري؟. سبقت الإشارة إلى أنه تبنى تحديثاً بديلاً موضوعه وأداته السلطة وطبقات وقوى اجتماعية وفكرية حاملة لها، هدفه إعادة إنتاج النخبة الحاكمة في حاضنته ولخدمته، بينما عمل على ربط النخب المالكة بالسلطة. بذلك، استحال حدوث توافقات تاريخية بين النخب المختلفة خارج إطاره وضده، كما حدث في اليابان خلال الفترة ذاتها تقريباً من نهاية القرن التاسع عشر. ساعد التحديث السلطوي الاحتلال على أن يمسك من فوق، من مستوى الدولة والسلطة، بالشأن السياسي العام، ومكنه من تغيير وظيفة النخبة الحاكمة، التي حاولت بالأمس القريب  في عهد محمد علي وإبراهيم باشا  تحقيق مشروع يتجاوز حدود مصر إلى مجال أوسع يشاركها اللغة والدين والتاريخ والهوية، يمكن لاتحاده معها أو خضوعه لها أن يحدث انقلاباً في علاقات القوى الدولية وموازين القوى داخل الإقليم العربي، فصارت من الآن فصاعداً أداة حجبت أية نهضة، ووظفت قدراتها لمنع بلدها من تحديث نفسه في سياق وطني/شعبي/يعادي الهيمنة والسيطرة الخارجيتين، وينتشر منه إلى بقية البلدان العربية. هذا التبدل، الذي قلب دور النخبة الحاكمة رأسا على عقب، تطلب تحولاً هيكلياً في بنية النخب السياسية، وتعزيز وتوسيع النخب المالكة، التي كانت تنتج من فوق، وصارت الآن قاعدة السلطة وحاملها، وصار بوسعها حفظ الاستقرار الداخلي وإدارة مصر بالتعاون مع النخب الحاكمة، خدمة لبريطانيا، التي كان نائبها في مصر، اللورد كرومر، قد أجاب رداً على سؤال: كيف ستحكم مصر، بالقول: سأحكم من يحكمون مصر.

قبل الاحتلال، كانت النخبة الحاكمة منخرطة في مشروع نهضة اقتصادية وعسكرية وسياسية وعلمية، فغدا من الضروري عكس دورها، لتلعب دوراً يفرمل هذه النهضة ويحول دون وصولها إلى المجتمع، ويستبدلها بتحديث تابع يزيد فارق التقدم بين السلطة وبين مجتمعها، ويتيح لها القبض بيد قوية على بلدها، وتقويض جهود النخب المثقفة لوضع فكرها في خدمة واقع سياسي من نمط مختلف، يحمله الشعب عامة والطبقة الوسطى خاصة. بذلك، انقلبت أسرة محمد علي على مؤسسها، وتحولت من قوة تحديث لمصر وتوحيد للعرب إلى قوة محافظة ورجعية، وطدت دور ومكانة طبقة الملاك العقاريين، الرجعية أساساً والمعادية للتحديث العام، في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واكتفت بحكم مصر، التي فقدت وظيفتها العربية أو مارستها بطريقة ناقصة ومشوهة، مثلما حدث قبل الحرب العالمية الأولى، خلال الحقبة التي تم فيها الاتفاق على تقسيم المشرق العربي بين فرنسا وإنكلترا، وإعطاء فلسطين للصهاينة، ثم إبان ما سمي حرب فلسطين عام 1948، حيث بلغ هذا الدور ذروته. بانقلاب النخبة الحاكمة على مشروعها الأصلي، آل التحديث من مشروع تغييري متكامل إلى سلسلة تدابير وإجراءات جزئية ومتفرقة أجهضته وطوت صفحته. ولعل هذه المفارقة تظهر بأكثر صورها وضوحاً من خلال بناء دار الأوبرا، التي أنفقت عليها مبالغ طائلة من أموال الديون الأجنبية، وأقيمت لتقديم عرض موسيقي معين (أوبرا عايده للموسيقي الإيطالي فردي) ارتبط بمناسبة معينة (افتتاح قناة السويس)، بينما كانت نسبة سكان بيوت الطين والأميين تقارب الخمسة وتسعين في المئة من شعب مصر ! .

ساعد انقلاب النخبة المصرية الحاكمة على دورها ومشروعها الاستعماريْن البريطاني والفرنسي على تشطير المنطقة العربية وتقسيمها ورسم حدود داخلية ومصطنعة فيها، والتهامها قطعة بعد أخرى، بينما كان تحديث السلطة والطبقة المالكة يغرق مصر في حال شقها إلى عالمين: عالم نخب مالكة وحاكمة يرفل في النعيم، ويتمتع بحماية القوات البريطانية المنتشرة في أرض الكنانة، وآخر يقاسي الأمرّين، يشمل الشعب، وخاصة منه الفلاحون والعمال ومعظم شرائح لفئات الوسطى.

[[[[[

ليس من قبيل المصادفة أن تكون محاولة النهضة السياسية الثانية، التي بدأت في مصر مع ثورة عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، قد بدأت بإزاحة النخبتين المصريتين الحاكمة ثم المالكة، واستعادت مكونات جوهرية من مشروع محمد علي السياسي، الداخلي والعربي، مع الأخذ بمطالب عبرت عنها نقاط برنامج الثورة الست، وخاصة ما اتصل منها ببناء الديموقراطية السليمة، والرأسمالية الوطنية، والجيش الوطني القوي، ومراعاة فارق الزمان واختلاف الأحوال، والاهتمام ببعض المفردات الفكرية الجديدة كالعدالة والمساواة وسيادة القانون والمواطنة، التي دخلت أو أدخلت إلى المشروع السياسي الجديد، لتضفي طابعاً شعبياً عليه يساعد على جسر الهوة بين النخبة الحاكمة والمجتمع.

على الصعيد الفكري، ابتعدت النهضة الجديدة، بعد أعوام قليلة من قيام الثورة، عن مفردات رئيسة في مشروع النهضة الفكرية الأول، اعتبرتها برجوازية أو رأسمالية أو ليبرالية فات زمانها، رأت فيها أداة لإنتاج واقع سياسي مغاير للواقع الذي أرادت الثورة بناءه، يجدد تبعية المجتمعات والدول العربية، التي كانت قد نالت استقلالها، للنظام الرأسمالي. في الوقت نفسه، نشرت النهضة الثانية رؤية سياسية اختلفت عن رؤية النهضة الأولى بطابع أيديولوجي أخذ بالشق القومي والاشتراكي من مشروع التقدم الغربي، اعتقاداً منه بأنه يجبّ المشروع الأول، الذي اعتبر رأسمالي المآل برجوازي الحامل، ويلغي الحاجة إلى تحقيق ركائزه ومكوناته، باحتواء مفرداته الإيجابية في منظومتها وإدراجها في مستوى فكري أرفع يرقيها ويتيح تأسيس نسق سياسي جديد يتخطى الرأسمالية وينتمي إلى مرحلة تاريخية تالية لها. في مشروع النهضة الجديد، لم يكن هناك، في زعم أنصاره، حاجة إلى المواطنة وحقوق الإنسان، وفصل السيادة الشعبية عن السلطة الجديدة، لأنها لا تمثل فقط الجماعة الوطنية، بل هي هذه الجماعة ذاتها. لا حاجة أيضاً إلى فصل السلطات، لأن ذلك يشق الدولة إلى قطاعات متباينة الوظائف ويضعف وحدة الجماعة السياسية والمجتمعية. ليس من الضروري كذلك أن تكون الحرية رافعة النسق السياسي، فهو يحققها بوصفه حكم الضرورة والتعبير المشخص عن الحتمية التاريخية وقوانينها الموضوعية، المستقلة عن إرادة البشر، والقادرة على إلغائها في حالات كثيرة. أخيراً، لا حاجة إلى الديموقراطية باعتبارها حكم الشعب بالشعب وللشعب، فهي متحققة حكماً في النظام الجديد، وإن كان طابعها الشعبي يجعلها هنا مختلفة عن ديموقراطية البرجوازية، حكم القلة المشوه والذاهب حتماً إلى الفوضى.

=========================

هل خسرت المعارضة الايرانية.. معركتها الاخيرة؟!

الرأي الاردنية

14-6-2010

كثيرون اخذوا على الرئيس الاميركي باراك اوباما, عدم دعمه المباشر لمظاهرات المعارضة الايرانية أو ما وصف بالثورة الخضراء قبل عام, ورأوا في صمته على قمع ميليشيا «الباسيج» هذه المظاهرات التي انطلقت احتجاجاً على نتائج انتخابات الثاني عشر من حزيران 2009, حيث رأى مؤيدو «الاصلاحي» مير حسين موسوي كذلك مهدي خروبي واولئك الذين يدعمون الرئيس الاسبق محمد خاتمي, ورئيس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني, انه جرى تزويرها ما دفعهم لرفع شعارات واطلاق هتافات تنادي بالموت للديكتاتور (يقصدون الرئيس محمد احمدي نجاد) وتغمز من قناة المرشد الروحي علي خامنئي, الذي اعلن في غير تحفظ انه يدعم نجاد كرئيس شرعي جاء من خلال صناديق الاقتراع..

 

الرئيس اوباما ذاته, الذي بررت اوساطه عدم دعم المعارضة قبل عام كي لا يستفز الحكومة الايرانية, التي كان يأمل أن ينخرط معها في حوار حول ملفها النووي مباشرة بعد الانتخابات, وجد نفسه بعد عام واثر النجاح التكتيكي الذي سجله باستصدار القرار 1929 عن مجلس الامن «حاصداً» دعماً روسياً وصينياً, نقول: وجد اوباما نفسه في حاجة الى ارسال رسالة تضامن (إقرأ تحريض) مع المعارضة الايرانية, مشيداً بشجاعتها وتضحياتها في سبيل حرية الايرانيين ودمقرطة حياتهم السياسية والاجتماعية.. فهل ما تزال المعارضة الايرانية مصرة على المضي قدماً في مواجهتها لنظام احمدي نجاد أم ان المشهد انقلب لغير صالحها؟

 

ثمة من المؤشرات والدلائل ما يشي بأن صفوف المعارضة قد تصدعت وأنها وإن نجحت في جذب المزيد من المؤيدين وخصوصاً اولئك الناقدين (او الناقمين لا فرق) للنظام الايراني، إلاّ انها لم تسجل أي نجاح يذكر في الابقاء على الزخم الذي ميّز مظاهراتها قبل عام, ولم تنجح في تأطير هذا الدعم العفوي الذي أسهمت جهات عديدة في توفيره, في حركة او تيار, بدا للحظة وكأنه يوشك على اطاحة النظام (قال مهدي خروبي قبل ايام ان زعماء المعارضة لا يريدون الاطاحة بالنظام, لكن النظام ابتعد عن الشعب) الذي فوجئ بحجم المعارضة – وعنفها كما ينبغي القول – ما افسح في المجال لقوات النظام وخصوصاً الحرس الثوري صاحب النفوذ والهيبة والحضور، التهديد باستخدام القوة بشدة، وبالتالي اربك المعارضة وفتت صفوفها وزاد من عزلة رموز الاصلاح, موسوي وخروبي وخاتمي ورفسنجاني، اضطر اثنان منهم (رفسنجاني وخاتمي) للانسحاب بهدوء (او تحت الضغط) من الصفوف الأولى، ولم يجد موسوي سوى مواصلة التمترس في «المواقع» التي اختارها، فيما آثر مهدي خروبي اعلان اعترافه بالحكومة الجديدة، لان المرشد الروحي اعترف بها معلناً عدم اعترافه بشرعية احمدي نجاد.

 

مياه كثيرة سالت تحت الجسر الايراني، موالاة ومعارضة، خلال العام الذي انصرم، لم تكن وقائع المواجهات «الاعلامية» بينهما سوى بعض تجليات لعبة الكر والفر, التي تميزت بها علاقاتهما المتوترة, والتي سجلت مراكمة للنجاحات التي احرزها النظام داخلياً وخارجياً, وصلت الاخيرة ذروتها في اعلان طهران الثلاثي الذي تم التوقيع عليه بين البرازيل وتركيا وايران, ما لبثت واشنطن أن رفضته وسرّعت باستصدار قرار من مجلس الامن يفرض للمرة الرابعة, عقوبات على ايران, قيل أنها الأشد, فوجدت المعارضة نفسها في وضع لا تحسد عليه, فهي أن خرجت للتظاهر بدت وكأنها توفر رياحاً جديدة لأشرعة الساعين الى «خنق» ايران, ما يمنح خطاب حكومة نجاد الفرصة لتأكيد اتهاماتها للمعارضة بأنها عميلة لقوى الاستكبار العالمي, وهو ما كان ايضاً فحوى رسائل ال (SMS) التي تبعثها اجهزة حكومة نجاد للمواطنين الايرانيين, جاء فيها «عزيزي المواطن, لقد خدعتك وسائل اعلام اجنبية وأنت تعمل لصالحها, واذا فعلت ذلك مرة اخرى, ستعامل طبقاً لقواعد الشريعة الاسلامية «و... اذا لم تخرج (المعارضة بالطبع) الى الشارع سواء بترخيص أم بغيره, فإنها ستغامر بفقدان ما تبقى لها من رصيد تآكل كثيراً في العام الذي انقضى على انتخابات 12 حزيران 2009..

 

المعارضة لم تخرج الى الشارع, لكن حكومة نجاد لم تترك الامور للصدفة وأتخذت كل الاساليب والاجراءات لاحباط أي مظاهرات, وبخاصة أنها في وضع لا تحسد عليه أيضاً, بعد أن لم تنجح كل مناوراتها والمقاربات التي طرحتها لتجنب العقوبات, وشراء المزيد من الوقت بهدف خلق تناقضات داخل مجلس الامن وخصوصاً مجموعة 5 + 1..

 

من السذاجة الاعتقاد أن نظام احمدي نجاد سيرفع الراية البيضاء ويعلن استسلامه, عبر تفكيك برنامجه النووي والخضوع بلا قيود للاملاءات الغربية, الا انه من الحماقة ايضاً اعتبار ان طهران باتت محاصرة ومكبلة الايدي والقدرات والادوار..

الاسابيع المقبلة.. ستقول..

=========================

الأزمة العالمية للمياه

د. عميش يوسف عميش

الرأي الاردنية

14-6-2010

قديماً كانت معظم الحروب تنشب بين القبائل بسبب المياه ومحاولة الاستيلاء على منابعها والاستقرار بجانبها وحمايتها لان المياه ظلت شريان حياة الشعوب. وفي القرن الحادي والعشرين نتساءل:هل حلت مشاكل المياه في العالم. فلقد نقص المخزون وازدادت الحاجة للشرب بازدياد سكان العالم (83) مليون سنوياً كذلك للزراعة والصناعة. مجلة (National Geographic) خصصت عدد نيسان 2010 ، لدراسة غير مسبوقة عن المياه بعنوان (الماء –عالمنا الظامئ). في المقدمة يقول المحرر (كريس جونز) ان 97% من مياه العالم مالحة و 2% مخزونة بشكل جليد ويتبقى 1% فقط لاستعمال العالم، ويتوقع ان يعيش 1.8 بليون إنسان عام 2025 في مناطق ضحلة المياه. التقرير مهم لتثقيف الشعوب للتعامل مع المياه الصالحة للشرب وعدم استنزافها.وحسب تقرير (WHO – UNICEF) (2008) فان الأنابيب الناقلة للمياه والمحمية من التلوث حسنت نوعية المياه وتغذي 87% من سكان العالم. وحسب المجلة الجغرافية 70% من مياه العالم العذبة حبيسة الثلوج ونحن نشرب كميات مياه بأسرع من المستخرجة، وان ثلثي المياه تستعمل لري مصادر الغذاء. الأمريكيون يستهلكون 100 جالون لكل منزل يومياً (378 لتراً) بينما معظم سكان العالم الفقير 5 جالونات (20 لتراً) وان 46% من سكان العالم ليس لديهم أنابيب لتوصيل المياه لمنازلهم ومعظم نساء العالم الثالث يمشين (3.7) ميلا يومياً لنقل المياه للمنازل. إحصاءات (WHO)تدل ان شخصا من بين كل ثمانية يفتقر للحصول على الماء النظيف. وان 3.3 مليون نسمة يموتون كل عام بسبب مشاكل صحية لها علاقة بالمياه. فمثلاً غسل اليدين بالماء والصابون يقلل الإصابة بالاسهالات بنسبة 45% واستخدام مرشحات للمياه يقلل من الإصابة «بالديدان» بنسبة 99%. التقرير يذكر ان طول شبكة مياه مدينة نيويورك 85 ميلاً لكن كمية التسرب 35 مليون جالون يومياً. أما بناء السدود عالمياً فساهم بتشريد 80 مليون إنسان. كما أن برك السباحة في أمريكا تستنزف (150) بليون جالون كل عام بسبب تبخرها وهدرها. الدراسة تذكر ان 6.5 بليون (سكان العالم) يعيشون على ما مساحته (40) بليون كم وان 5% - 10% من استهلاك المياه يذهب للشرب والطبخ والاستحمام وتعزيز الصحة العامة. و 10% - 20% تستهلكه الصناعة وما تبقى 70%-85% للزراعة. هناك ضياع وتسيب واستخدامات خاطئة للمياه لا بد من الحد منها، وأحسن مثل لمنع ذلك هو ما فعلته هولندا حيث كانت اول دولة تضع ضرائب على تبديد المياه. أما كيفية التصرف للحصول على ماء نقي فذلك مشكلة عالمية لكن هناك بعض المؤسسات تحاول المساعدة (1) « منظمة ما يسمى الماء للناس» تقوم بتحسين ماء الشرب في العالم النامي (2) منظمة المدافعين عن الماء بغرض جلب المياه والمحافظة على نظافتها (3) المنظمة الدولية لخدمات المياه لمكافحة الأمراض الناشئة عن المياه الملوثة (4) المنظمة العالمية للتحدي المائي وتعمل على اكتشاف الماء النظيف. هذا وقد حددت الدراسة يوم 23/3 من كل عام (اليوم الدولي للمياه). وأهميته هو تنبيه وتحذير العالم حول أزمة المياه. أما ازمة المياه في الاردن (فيتبع).

=========================

الاستقطاب الأميركي... والدرس البريطاني

بيل ناب (مستشار استراتيجي

 إعلامي لخمسة رؤساء

أميركيين ولرئيس الوزراء

 البريطاني ديفيد كاميرون)

واشنطن بوست الاميركية

الرأي الاردنية

14-6-2010

عليك أن تتخيل نظاماً سياسيّاً شديد الاستقطاب، وتتحكم فيه أحزاب متمرسة وعنيدة في مواقفها ومعارضتها لسياسات بعضها بعضاً من جانب، وجمهور عام مغلوب على أمره. هل هذا هو حال نظامنا السياسي هنا في الولايات المتحدة؟ وفي بريطانيا أيضاً؟ الإجابة: «نعم» في كلتا الحالتين، مع إضافة أن الانتخابات العامة التي جرت في بريطانيا مؤخراً وضعت حدّاً لذلك النظام بتنصيبها حكومة ائتلاف حزبي جديدة.

والحقيقة أن الجزء الأعظم من التجربة الديمقراطية الأميركية يقوم على تراثنا السياسي المشترك مع بريطانيا. وعليه فإنه ينبغي لنا التطلع إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي كي نتمكن من معالجة علل نظامنا السياسي.

وينبغي أن يبدأ هذا التطلع بالنظر إلى ما شهدته بريطانيا في انتخابات الشهر الماضي. فلم يكن التحالف الحكومي الجديد الذي جمع بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار نتيجة لنظام برلماني يسمح بإقامة مثل هذه التحالفات. والحقيقة أن النظام البرلماني البريطاني القائم على مبدأ الحكم بالأغلبية في الأساس، يجعل من إقامة هذه التحالفات أمراً لا ضرورة له إن لم يكن مستحيلاً أصلاً. وخلافاً لكافة التوقعات السابقة لإجراء الانتخابات، فإن جمهور الناخبين الغاضب لم يكن هو الذي قرر هذه النتيجة. بل الحقيقة هي أن النتيجة الملتبسة التي أسفرت عنها الانتخابات -حيث لم تصل نسبة التأييد الشعبي لحزب العمال الحاكم حينها إلى 30 في المئة، بينما فشل حزب المحافظين المنافس له في تحقيق أغلبية برلمانية، الأمر الذي مكن حزب الديمقراطيين الأحرار الصاعد من تحقيق نسبة مئوية واحدة في الانتخابات الأخيرة تفوق تلك التي حصل عليها في الانتخابات العامة السابقة. بل ينبغي القول إن الديمقراطيين الأحرار خسروا عمليّاً خمسة من مقاعدهم البرلمانية. والسؤال الآن: هل في هذه النتائج ما يشير إلى «تغيير سياسي» كان قد تنبأ به كثيرون قبل تلك الانتخابات؟

إن التغيير السياسي لم يأت نتيجة للانتخابات البريطانية الأخيرة، وإنما جاء بسبب القيادة السياسية. ذلك أن زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون -الذي يتولى حاليّاً منصب رئيس الوزراء- ووزير ماليته جورج أوزبورن، وكذلك زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، تمكنوا من قراءة الواقع السياسي لبلادهم ورؤية ما يمكن عمله وفقاً لمعطيات الخريطة، فقرروا المغامرة بمصيرهم السياسي فيما رأوا فيه فرصة يجب على بلادهم أن تستثمرها.

هذا وقد أبدى كثير من ناشطي كلا الحزبين المتحالفين عدم رضاهم عن التنازلات التي قدمها الطرفان عن مبادراتهما ومواقفهما السياسية السابقة للانتخابات. غير أن قيادة كلا الحزبين اتخذت من القرارات والمواقف ما جعل منها شيئاً فريداً في الممارسة السياسية البريطانية الحديثة. والمقصود بذلك ممارستها لدور «القيادة» في الأساس. فقد تمكنت قيادات كلا الحزبين من فرض التغيير على كافة مستويات الحزب على أساس التوصل إلى ما هو مشترك بين الحزبين. فعلى سبيل المثال أعلن «كليج» والبيان السياسي الذي أصدره حزب الديمقراطيين الأحرار معارضتهما للخفض المباشر للموازنة العامة. وكان كاميرون قد خاض سباقه الانتخابي على خلفية الوعد بخفض ضريبة الميراث ودافع عن هذه السياسة طوال المناظرات السياسية التي أجريت قبيل الانتخابات. غير أن كليهما تنازل عن تلك المواقف والسياسات عقب تشكيل الائتلاف الحكومي الحالي الذي جمع بينهما.

ولم تكن هذه التنازلات عن المبادئ سهلة في سبيل جني مكاسب الإمساك بمقاليد السلطة. وبدلاً من وصفها بالتنازلات، فالصحيح أنها عملية اتخاذ قرارات مدروسة ومحكمة، وبذل فيها جهد شاق في استخدام حلول السياسات ومرونتها من أجل تحديد خيارات أغلبية حاكمة جديدة. وفي رأي قيادات كلا الحزبين أن من شأن هذه القرارات أن تمهد لمستقبل بريطاني باهر في نهاية الأمر.

وحتى الآن يبدو مجرد تصور إمكانية سيادة نهج جديد للحكم في واشنطن حلماً صعباً وبعيد المنال، غير أنه يظل ممكناً في حال توفر ثلاثة شروط أساسية لحدوثه، هي:

الشرط الأول: ينبغي لقادة كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري تجاوز الكيد السياسي في صفوف الحزبين. ولا يمكن حدوث هذا التجاوز بطريقة مسيئة أو غير لائقة. فالحقيقة أن معظم الذين يتمسكون بالمواقف الخلافية لحزبهم، إنما يفعلون ذلك عن صدق وقناعة تامة. ولكن لا ينبغي السماح لهؤلاء بأن يكونوا هم الخلفية المحركة للماكينة الحزبية والمحددة لقراراتها وسياساتها. ولنذكر أن سياساتنا القومية قد خسرت مركزها القيادي كثيراً جراء انسياقها وراء ما يبث في المدونات الإلكترونية، وخوفها من الإعلانات الهجومية المضادة التي لا تزيد مدتها عن 30 ثانية. ولعل الخطوة الضرورية الأولى نحو الإصلاح السياسي هي العثور على القادة المستقلين من ذوي الشكيمة التي تمكنهم من الوقوف في وجه المواقف السياسية المتطرفة في كلا الحزبين.

وهناك بريق أمل في الموقف الحازم الذي اتخذه الرئيس أوباما بتمسكه في وجه المعارضين بسياسة إصلاح النظام التعليمي. كما أظهر السيناتور ليندسي جراهام موقفاً مشابهاً حتى لحظة تنازله عنه على أقل تقدير، ببذله مساعي حثيثة في البحث عن موقف توافقي بشأن تشريع التغير المناخي. وليست هذه سوى نماذج ضئيلة جدّاً لما تعنيه القيادة، بيد أنها تشير إلى إمكانية ترجمتها إلى واقع في سياساتنا القومية الأميركية.

والشرط الثاني: يتلخص في قدرة القيادة على تحديد الأهداف والأولويات. فليست جميع الأولويات بذات الدرجة من الأهمية، كما يمكن التخلي عن بعضها إذا لزم الأمر. فعلى سبيل المثال كان «كليج» على قناعة شخصية كبيرة بأهمية انضمام بريطانيا إلى عملة «اليورو»، ولكن تلك القناعة لم تعد أولوية عنده وتخلى عنها بمحض إرادته الآن. والفكرة هنا ليست مجرد التخلي عن المبادئ، وإنما تحوير الأولويات وإعادة ترتيبها بما يساعد القيادة على خدمة الصالح العام لبلادها.

أما الشرط الثالث فهو أصعب الشروط التي يتطلبها الإصلاح السياسي في بلادنا: الصبر.. الصبر. ذلك أن النجاح يتطلب اتخاذ خطوات جريئة وبالسرعة اللازمة مع ضرورة التمسك بما عقدت عليه القيادة العزم حتى في أصعب الأوقات، على أن توضح هذه الأهداف على نحو كافٍ لعامة الجمهور. وعلى القيادة ألا تحتكم في ممارستها لدورها إلى ما تسفر عنه استطلاعات الرأي العام أو ما ينشر في صفحات جرائد التابلويد. والتحدي الذي تواجهه القيادة هنا هو قراءة الوسيلتين معاً لمعرفة مزاج الجمهور وتحقيق الأهداف المرجوة.

ومع سذاجة الاعتقاد بأن تصفو المياه بين الجمهوريين والديمقراطيين بهذه السهولة، إلا أن عليهم أن يدركوا أن أشد ما تحتاجه سياسات واشنطن الآن هو وحدة الإرادة والقدرة على تحديد الأرضيات والأهداف المشتركة وتوجيه دفة القيادة نحوها. وكما قال وينستون تشرشل في هذا الصدد: «إن ثمن العظمة الشعور بالمسؤولية». وما أشد حاجة أميركا اليوم إلى شيء من العظمة.

=========================

الإسلام والمسلمون في أميركا .. الآن

د. غسان إسماعيل عبدالخالق

 الدستور

14-6-2010

ثلاث إشارات قوية تم إرسالها من داخل الولايات المتحدة الأميركية ومفادها أن هناك تيّاراً عقلانياً قد بات يتبنى ضرورة القيام بعملية مراجعة حقيقية وشجاعة لصورة الإسلام والمسلمين.

 

أولى هذه الإشارات يتمثل في إعلان الرئيس الأميركي أوباما إسقاط مصطلح (الحرب على الإرهاب) من أدبيات السياسة الأميركية وهو المصطلح الذي عمّدته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وربطته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالإسلام والمسلمين. وقد أسهم منظرو اليمين الأميركي في تعميق هذا الربط إلى الحد الذي استخدم معه صموئيل هنتنغتون مصطلح (الحدود الدموية للاسلام) أكثر من مرة في محاضراته وندواته.

 

ثانية هذه الإشارات تتمثل في تصويت أعضاء المجلس البلدي لمدينة نيويورك وبأغلبية كبيرة جداً على إقامة مسجد ومركز ثقافي اسلامي قرب موقع البرجين الذين تعرضا للهجوم في الحادي عشر من سبتمبر عام ,2001 وعلى الرغم من أن هذا المشروع قد واجه وما زال يواجه معارضة شديدة مصدرها مقاولو حروب الكراهية والمناوئون لكل ما هو عربي واسلامي ، إلا أن المضي في هذا المشروع يمكن أن يضع حداً حقيقياً وملموساً للتمييز المتفاقم ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية ، ما دفع بوزير العدل الأميركي إلى الاعتراف بأن %62 من الأميركيين المسلمين يتعرضون إلى تمييز عنصري شديد،،.

 

الإشارة الثالثة تمثلت في دراسة أميركية ميدانية حديثة ، أكدت أن الأميركيين المسلمين هم الأكثر تعليماً في الولايات المتحدة الأميركية ، فضلاً عن أنهم الأكثر اندماجاً في المجتمع والأكثر احتراماً للعمل بوصفه المحور الرئيس لحياة الانسان.

 

وعلى الرغم من أن نتائج هذه الدراسة ما كانت لتفاجئ أحداً قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001 لأن الاسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية مثلوا فعلاً قوة تغيير إيجابي ملموس ، إلا أن هذه الدراسة ما كانت لتنشر في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الذي سخر كل امكانيات الإدارة الاميركية لشن حرب مقدسة على الاسلام والمسلمين في كل مكان ، رغم إدعاءات تلك الإدارة بأنها تفصل فصلاً دقيقاً بين الاسلام والمسلمين من جهة وبين الارهابيين الذين يدينون بالاسلام من جهة ثانية.

 

على أن مثل هذه الاشارات تظل في حاجة ماسة إلى المزيد من التأكيد على ضرورة إعادة النظر في الصورة النمطية السلبية للاسلام والمسلمين ، لأن المناوئين لإعادة انتاج هذه الصورة ما زالوا يتمترسون في حقول حقدهم ويتشبثون باجترار أحزانهم ، إلى الحد الذي يعتقدون معه بأن إقامة مسجد ومركز ثقافي اسلامي على مقربة من موقع البرجين هو اهانة كبيرة لذكرى ضحايا الهجوم،،.

 

مع أن التفكير المنطقي في المشروع لن يقود إلا باتجاه الاعتقاد بأن اقامة المسجد والمركز هي أكبر ردّ على المتاجرين بحروب الكراهية بين الأديان والأعراق وأكبر دليل على أن الاسلام والمسلمين فوق أي اتهام بالارهاب ، خاصة أن عدداً كبيراً من ضحايا الهجوم هم مسلمون.

=========================

توهمات واشنطن ومفاجآت طهران!

محمد صادق الحسيني

6/14/2010

القدس العربي

يخطئ صينيون ويتوهمون اذا ما ظنوا ان الايرانيين سينسون لهم هذا الموقف اللامبدئي تجاه قرار تشديد العقوبات الجديد على ايران من قبل مجلس يمثل في ابسط توصيف له اداة طيعة بيد قوة امبريالية هي نمر من ورق كما كان يصفها زعيمهم الراحل ماو تسي تونغ !

ويخطئ الروس اكثر وسيندمون على مقايضتهم لصداقة ايران مقابل حفنة من المواقف او الامتيازات الدولية الامريكية هنا او هناك، وعندما سيستيقظون من غفلتهم تلك، سيدفعون ازاء تلك القرارات ثمنا باهظا كما قال رئيس وزرائهم فلاديمير بوتين نفسه في مهاتفته للرئيس الفرنسي ساركوزي !

كما سيكتشف المسؤولون اللبنانيون كم كانوا مخدوعين بمن نصحهم باتخاذ موقف اللاموقف ازاء قضية واضحة وصريحة وشفافة هي في جنسها من جنس المواقف التي تصب في صلب مصلحتهم الوطنية العليا وتضيف الى قوتهم المقاومة قوة اضافية فيما لو وقفوا الى جانب من ساندهم ودعمهم، وليس الى جانب من ضغط عليهم مرة وهددهم ونكل بهم وساند عدوهم مرات ومرات !.

لكن ذلك كله ليس هو بيت القصيد في ما حصل في مجلس الامن الدولي يوم التقى الجمعان، جمع بقايا معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ممن ظنوا ولا يزالون يحلمون بان موازين القوة لا تزال هي هي كما الفوها منذ ذلك الحين، وجمع آخر يقوى ويشتد عوده وتزداد عزيمته وارادته المستقلة رغم قلة اهله ووحشة الطريق في المعادلة الظاهرية الآيلة الى الافول والاندحار !

ان ايران التي تستقبل اليوم قرارات عقوبات جديدة، هي ليست فقط نفس ايران التي توطنت على مثل هكذا قرارات منذ نحو ثلاثة عقود، وهي بالمناسبة القرارات التي جعلتها ترقى الى سدة القوى الصاعدة في معادلة عالم حيوي جديد ينهض مقابل عالم قديم يتآكل وينهار، بل انها اليوم اقوى بكثير مما كانت عليه يوم فرضت عليها القرارات الاولى منذ ما قبل قانون داماتو الاستعماري الى اليوم، وبالتالي فان القرارات الجديدة لن تزيدها الا اصرارا على تقدمها في طموحاتها النووية والمفاجآت بانتظار الجميع ومن لا يقنع الا ان يرى بعينه، فايام الانتظار لن تدوم وعندها لن ينفع الندم ويكون الوقت متأخرا لمن اخطأ في حساباته وظن ان واشنطن قدر لا مفر منه !

في مجال التخصيب للاغراض السلمية، كما في مجال التصنيع الحربي، كما في مجال مقاومة الحصار ستفاجئ ايران مجموع الدول المحتكرة للعلوم والتكنولوجيا، بان كسر الحصار ليس سوى ارادة حرة تكبر مع كل اصرار جديد على حصار ظالم جديد !

وها هي تركيا والبرازيل تنضم اليوم رسميا الى جهود ايران الذاتية في كسر الحصار، وهناك الكثير ممن نذر نفسه لمقاومة الهيمنة والاحتكار الدوليين ممن يعرفهم جماعة الحصار ولكنهم يكابرون !

واما اذا ما فكرت واشنطن بان هذه القرارات ستمنحها الفرصة للقيام بخطوات نوعية اضافية احادية من نوع تفتيش السفن التجارية الايرانية، او الاستيلاء على بضاعة استراتيجية قادمة الى طهران من هنا او هناك، فلتستعد لحرب ضروس من نوع لم تعتد عليها حتى الآن، ليس اقلها بان يتحول مضيق هرمز الى حبل مشنقة تخنق فيه وبه تجارة امريكا ومن يقف مع امريكا، وهذا غيض من فيض ما ينتظر الادارة الامريكية المعتدية عند ذاك !

لم يكن احمدي نجاد يسخر ولا يبالغ عندما قال بان اوباما هو فرصة امريكا الاخيرة، وان ايران هي فرصة اوباما الاخيرة، فقد آن الاوان ليجرب اوباما من الآن فصاعدا ان كان يقصد التغيير فعلا تجاه العالم الاسلامي ام انه مقيد ومكبل بحكومة صهيونية خفية اقوى منه ومن ادارته !

ولمن لم يسمع بدقة عما حصل من حيثيات بخصوص اتفاق 'اعلان طهران' الاخير لتبادل اليورانيوم المخصب بنسبة منخفضة بيورانيوم مخصب بنسبة اعلى نقول بان اصل الاقتراح انما ورد من اوباما نفسه في رسالتين منفصلتين الى كل من رئيس البرازيل ورئيس وزراء تركيا، وانما وافقت عليه ايران لان البلدين الصديقين الآنفي الذكر قد تعهدا لطهران بان الاتفاق سينفذ !

اما وقد نقض اوباما تعهداته ولجأ الى سياسة العصا والجزرة كما يفضل الامريكيون تسميتها ظنا منهم بان ايران لن تلتزم الا بطريقة الكاوبوي التي عودهم بعض العالم القديم على استساغتها، فان طهران الحرة والمستقلة والمصممة على المضي قدما في صعود سلم طموحاتها ستريه ما لم يره حتى الآن !

فطهران القادرة على التخصيب باي درجة تشاء والقادرة على انتاج الوقود النووي اللازم لتشغيل مفاعلها في العاصمة المخصص لمعالجة اهلها من اصحاب الامراض الصعبة سوف لن تترك نحو مليون مراجع من سكانها تحت رحمة المحتكرين للدواء، بعد احتكارهم للقوة !

لقد ارادت طهران ان تثبت للعالم الحر وهو الذي تزداد دوائره اتساعا بان واشنطن تكذب، وانها تنقض تعهداتها وتوافقاتها، وان مثل هذه الامور عندها مثل شربة الماء، وهو ما اثبتته بالفعل وتاليا فقد سقطت ورقة التوت التي كانت تتغطى بها، فيما اكتشف العالم صدقية ايران وشفافيتها !

وكما حصل ومنذ ثلاثة عقود ولا يزال يحصل مع فرنسا 'موطن الاحرار' حيث تملك ايران نحو عشرة بالمائة من عقد شركة اوروديف الخاصة بانتاج الوقود النووي، والتي كان ولا يزال يفترض على 'باريس الحرية ' ان تسلم طهران حصتها من هذه الشركة مواد نووية مخصبة، فيما تنقض حكومات باريس المتعاقبة تعهداتها تلك التي قطعتها لطهران قانونيا، هاهي واشنطن تضع تعهداتها لكل من انقرة وريودوجانيرو تحت قدميها، وبسبب ضغط الصهاينة وحكومتهم العالمية الخفية !

وهنا ثمة من يعتقد جازما بان اوباما انما اضطر للجوء الى هذا النقض الصريح والفاضح، انما قام بذلك لاجل انقاذ حكومة نتنياهو- ليبرمان من ورطتهما الجهنمية في جريمة اسطول الحرية، وذلك للتغطية على تداعيات تلك الجريمة على المستويات الدولية والتي باتت كالدوائر المتعددة التي تضيق الخناق على حكومة تل ابيب الخارجة على القانون والمتورطة في ارهاب الدولة المشين.

واذا ما اضفنا الى ذلك مجموع ما تعانيه ادارة اوباما من انكسارات وتعثرات في اكثر من حقل اقتصادي ومالي وسياسي وامني في العالم، فاننا نستطيع فهم الحالة المأساوية التي تعيشها ادارة الديمقراطيين وهي التي تستعد للانتخابات النصفية في الخريف المقبل، ما يجعلها حتما بحاجة ماسة الى ابقاء ملف ايران النووي في الواجهة باعتباره الحجة والذريعة التي تحاول فيها ان تشد بعض العصب القومي الامريكي الداخلي في وجه عدو خارجي مزعوم

=========================

سورية سمير قصير

صبحي حديدي

6/14/2010

القدس العربي

مرّت، قبل أيام، سنة خامسة على اغتيال الكاتب والمؤرّخ والصحافي والمناضل الشهيد سمير قصير (1960  2005)، وسط مشهد لبناني بائس، على صعيد سياسي، وأصعدة أخرى فكرية وثقافية وأخلاقية، تبرّر اختناق المرء بغصّة إنسانية تلقائية، عنوانها ببساطة: أتنكسر، تباعاً، حزمة أحلام قصير، في لبنان حرّ ديمقراطي مستقلّ؟ وفي جارة سورية شقيقة، حرّة بدورها، متحرّرة من الإستبداد، ديمقراطية، وتعددية؟ وفي صيغة للمعارضة العربية، جديدة ومستنيرة، مثقفة وعصرية، متكاتفة ومتكاملة؟ وهل يجوز، من باب 'الواقعية السياسية' كما يبشّر البعض، أن نختزل شخصية قصير السياسية والفكرية في مآلات هذه اللحظة الراهنة وحدها، أي في ملفّ العلاقات السورية  اللبنانية، وانهيارات حركة 14 أذار عموماً؛ أو في أقدار ما سُمّي 'ثورة الأرز'، انتفاضة الإستقلال خلال أسابيع شباط (فبراير) وآذار (مارس) 2005، تحديداً؟

وهل يصحّ، في استطراد هذا الطراز من التفكير، قبول محاولات 'إعادة إنتاج' الرجل، بوصفه محض وليد جميل، اتصف ب'النضارة' و'النباهة'، أنجبه يسار لبناني (تبعثرت قسماته، ولعلها ضاعت نهائياً، بين الحزب الشيوعي اللبناني، ومنظمة العمل الشيوعي، ويسار 'فتح')؛ وليس بوصفه أحد أبرز قادة الشطر العلماني اليساري، الشبابي والثقافي، في تلك الانتفاضة، والرائي البصير الذي قال الكلام الأشجع ضدّ المركّب الأمني  السياسي  الطائفي اللبناني المشتغل لدى النظام السوري؟ وهل في باب تكريمه أن يكتشف البعض اليوم فجوة بين أنساق تفكيره، على نحو يجيز لهم تجزئة سمير قصير إلى أوّل أقلّ معارضة للنظام السوري، خلال سنوات إقامته الباريسية؛ وثانٍ أكثر عداء للنظام السوري وللحريرية، أيام 'المنبر الديمقراطي'؛ وثالث منخرط في حريرية سعد الحريري، يستدرج 'اليسار الديمقراطي' إلى حركة 14 آذار؛ ورابع يتناهبه 'انتماء فلسطيني'، و'انتماء سوري'، و'انتماء لبناني'؟

للناس مذاهب شتى في النظر إلى قصير بالطبع، لا سيما أولئك الذين عاشوا معه تجربة حياة أو عمل أو رأي، ولا يحقّ لأحد أن يغلق أبواب النظر إلى الراحل عند زاوية واحدة أحادية دون سواها، أياً كان مقدار الإفراط في قراءة أفكاره أو تأويلها. هذا أمر، ومحاولات 'تشذيب' آرائه  وخاصة الموقف من النظام السوري، والتلازم بين الهاجسين الوطني والديمقراطي في لبنان وسورية  على خلفية التطورات الراهنة، سلبية كانت أم إيجابية، أمر مختلف تماماً، ينقلب في الحال الثانية إلى ما يشبه التزوير والتشويه والمسخ. وسواء أخطأ أم أصاب في تقدير ذلك التلازم، ومدى تأثيره في احتمالات تفكك بنية الإستبداد السوري، فإنّ معارضة قصير للنظام السوري كانت ركيزة جوهرية في معمار تفكيره، فلم تتضاءل على امتداد كتاباته، بل تبلورت وارتقت عملياً في اقترابه الشديد من قوى المعارضة السورية.

ومنذ أن تعرّفت على الراحل، في باريس، أواخر الثمانينيات، لست أذكر حواراً بيننا غابت عن عناصره معارضة قصير الثابتة للنظام السوري، ليس من منطلق الوجود العسكري والأمني للنظام في لبنان، بل في اعتبار 'الحركة التصحيحية' بمثابة سلطة استبداد وفساد وتخريب وطني واجتماعي لحاضر سورية ومستقبلها. وأجدني أقرّ بأننا اختلفنا، قبيل أشهر سبقت اغتياله، حول واقع نظام بشار الأسد: كان يرى أنه آخذ في الضعف، وكنت أرى أنه يستمدّ قوّة من الإحتلال الأمريكي للعراق، ومن تعاظم النفوذ الإقليمي الإيراني؛ وكان يعقد الكثير من الآمال على المحكمة الدولية، وكنت أراها لعبة خداع دولية، في الوقت الضائع. ولكني أسجّل أنّ حجم تفاؤله بتأثير المعارضة السورية كان لا يتفوّق على تفاؤلي الحذر فحسب، بل كنت بالقياس إليه أبدو متشائماً!

ولهذ لا أرتاب، البتة، في أنّ استهداف قصير بُني أيضاً على ربطه السليم، والجسور تماماً، بين استعادة الديمقراطية اللبنانية وتطويرها، واستعادة الديمقراطية التي عرفتها سورية في أكثر من مرحلة على امتداد تاريخها الحديث، قبل وقوع البلاد أسيرة استبداد حزب البعث سنة 1963. المطلوب، إذاً، لم يكن ذلك اللبناني، الديمقراطي، اليساري إجمالاً، الناقد للنظام الأمني، إسوة بالأنظمة الطائفية والإقطاعية والعائلية، الداعي إلى قطيعة صريحة مع الماضي المريض الفاسد المتهالك... فحسب؛ بل، أيضاً، ذلك اللبناني الذي بات يرى الصلة الوشيجة بين شعبين واستقلالين وديمقراطيتين: في لبنان، وفي سورية.

ونتذكر أنّ الراحل كان قد نحت تعبيراً طريفاً، تامّ الإنطباق على واقع الحال، في وصف طبيعة الشراكة بين النظام الأمني اللبناني وسيّده النظام الأمني السوري: 'اللبنانية  السورية للتلازم والعلاقات المميزة، شركة غير محدودة اللامسؤولية'! وليس عندي، اليوم، سبب واحد يجعلني أنخرط في رياضة إعادة إنتاج مواقف قصير من النظام السوري، انطلاقاً من أنّ الغرام الراهن الذي تشهده الشركة الأسدية  الحريرية قد برهن على خطأ جوهري في تلك المواقف، وبالتالي فإنّ الوفاء للشهيد يقتضي 'تهذيب'، وربما استبعاد، تلك الكتلة من أفكاره، وردّه إلى سنوات 'البراءة' في باريس، أو في كتابات 'مجلة الدراسات الفلسطينية' وال'موند ديبلوماتيك'...

فلستُ أعتبر مواقف قصير صائبة وثاقبة وصحيحة، اليوم كما في الأمس، فقط؛ بل أراها اكتسبت مصداقية أعلى طيلة خمس سنوات من المساومات والألعاب والمحاصصات والمصالحات التي انخرطت فيها الشركة غير محدودة اللامسؤولية، ذاتها، دون سواها!

=====================

العيش على الأمل داخل إيران

رامين جهانبيلغو

الشرق الاوسط

14-6-2010

على الرغم من ضرورة العقوبات من أجل إحباط البرنامج النووي الإيراني، تبقى هذه العقوبات قضية ثانوية، ذلك أن تحدي الشرعية الأخلاقية والسياسية للعنف الذي تمارسه الدولة الإيرانية ضد مواطنيها ينبغي أن يشكل أولوية ملحة أمام المجتمع الدولي. بعد مرور عام من أعمال القسوة غير العادية، بات التضامن مع أولئك الذين يناضلون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان على القدر نفسه من الأهمية مثل العقوبات الموجهة ضد حكام إيران.

الواضح أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي عقدت في 12 يونيو (حزيران) 2009 بدلت مصير الجمهورية الإسلامية، حيث مثلت المظاهرات غير المسبوقة تحديات خطيرة، ليس لمصداقية محمود أحمدي نجاد السياسية فحسب كرئيس لإيران، وإنما كذلك للمكانة الأخلاقية لآية الله علي خامنئي وشرعيته كمرشد أعلى للثورة.

وشكل الغضب العام واندلاع التشاحنات بين مهندسي الثورة أخطر التحديات أمام النظام الديني الإيراني منذ أن حل محل الشاه عام 1979. ووجدت العناصر الإصلاحية التي ساورها اعتقاد بأن النظام سمح بمساحة للإصلاح في مواجهة هيكل استبدادي استخدم عنفا متطرفا في ضمان بقائه السياسي. وخاطر آخرون بأن تجرأوا بالمطالبة بحقوقهم المدنية فتعرضوا إلى السجن والتعذيب والاغتصاب والإعدام. وتوحي الحملات الصارمة المكثفة ضد الصحافيين والمثقفين والطلاب والناشطات المعنيات بالمرأة بمدى عزم النظام الإيراني على تأمين مستقبله السياسي.

وعلى الرغم من أن المظاهرات الشعبية عجزت عن وضع نهاية للنظام الإيراني، فإنها أضرت كثيرا بشرعيته على الصعيدين الداخلي والخارجي. قطعا، يثير تراجع أعداد المظاهرات في شوارع طهران انطباعا بانحسار حركة الاعتراض وأن مير حسين موسوي ومهدي كروبي يفقدان الزخم الخاص بهما. والواضح أنه سيتعين على هذين الزعيمين المعارضين تقرير ما إذا كانوا سيمضون قدما أم سيقبلون اتفاقا مذلا مع حكومة أحمدي نجاد من شأنه تقليص مكانتهما الأخلاقية والسياسية بصورة بالغة. بالنسبة إلى السلطات الإيرانية، لا يزال التساؤل القائم حول ما إذا كانت الحملات الصارمة المستمرة نجحت في وضع نهاية للمساعي الشعبية نحو الديمقراطية أم أنها على النقيض، أثارت تحديا أوسع لحكمهم.

وتترك مثل هذه الديناميكيات الناشئة المرتبطة بالسلطة المنشقين الذين يشكلون «الحركة الخضراء» الإيرانية في مواجهة خيارات صعبة، فإذا ما مضوا في الإصرار على ممارسة حقوقهم القانونية عبر المظاهرات السلمية، فإنهم يخاطرون بإثارة مزيد من سفك الدماء من جانب المؤسسة العسكرية وقوات الأمن الساعية إلى نيل مزيد من السلطة باسم الاستقرار. وإذا ما وضعوا نهاية لحركة العصيان المدني التي ينظمونها بسبب أعمال القمع العنيفة على امتداد العام الماضي، فإنهم قد يخسرون اهتمام وتعاطف العالم الخارجي.

الأمر المؤكد أن الهيكل السياسي الإيراني يواجه أزمة شرعية، حيث فقدت العناصر المسيطرة حاليا على السلطة مصداقيتها الأخلاقية جراء قسوتها وأكاذيبها. عبر التأكيد على المبدأ الجمهوري للسيادة الشعبية، قدمت «الحركة الخضراء» ادعاء شرعية مضادة في مواجهة السيادة المطلقة للمرشد الأعلى.

وتتمثل القضية الآن فيما إذا كانت الجماهير الإيرانية سترفض السيادة المطلقة من الأعلى، حتى في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى فرضها بالعنف، مع إبداء إيمانها بالتحدي الشعبي غير العنيف من جانب المجتمع المدني من أسفل. في خضم مجتمع سياسي عنيف مثل إيران، يعد اختيار التحرك غير العنيف من قبل «الحركة الخضراء» الإيرانية دليلا على النضج السياسي والاستقامة الأخلاقية. وعبر اتخاذ هذا الموقف الأخلاقي، أعتقد أن هذه الحركة ستزيد حجتها السياسية قوة.

وإذا كان المجتمع الدولي يرغب في دعم هذا السعي غير العنيف وراء الديمقراطية في إيران، فيجب عليه الاعتراف بأصوات الانشقاق وتشجيعها داخل وخارج إيران. وتعتمد فرص الديمقراطية في إيران بدرجة كبيرة في الوقت الحالي على ما إذا كانت انتهاكات حقوق الإنسان، ومساءلة أولئك الذين يقترفونها، تحتل مكانة كبيرة في الأجندة العالمية.

إن خلق تحد غير عنيف لعنف النظام السياسي من دون فقدان الأمل ليس بمهمة يسيرة، بل يعتقد الكثير من المحللين أنها مهمة غير ممكنة. وربما كانوا صائبين.

إن الأمل هو العماد الوحيد الذي يساعد على تماسك الحركة المدنية الإيرانية. والأمل هو مستقبل الديمقراطية الإيرانية. وإدراك أن العالم يأبه لما يجري في البلاد يشكل عنصرا حيويا في الحفاظ على هذا الأمل حيا.

* منشق إيراني ترأس قسم الدراسات المعاصرة في مكتب الأبحاث الثقافية في طهران حتى إلقاء القبض عليه في أبريل (نيسان) 2006. وأطلق سراحه في أغسطس (آب) من العام نفسه، ويعيش حاليا في المنفى بكندا، حيث يتولى التدريس في جامعة تورنتو

======================

الفجرنيوز: تنشر شهادة اشهر كاتب سويدي حول مجزرة "أسطول الحرية"

الفجرنيوز

التاريخ: الأحد, 13. جوان 2010

فلسطين،غزة:شارك الكاتب السويدي ذائع الصيّت هينيك مانكل مع ناشطي "أسطول الحرية" سفرتهم الجماعية إلى قطاع غزة لكسر الحصار الاسرائيلي قبل ان يقتحمها الكوموماندوز الاسرائيلي ويقتل 9 شهداء من الناشطين الاتراك ويجرح عشرات اخرين. وخلال الرحلة القصيرة دون مانكل، الذي يعد من أكثر الروائيين شهرة ومبيعاً في العالم، مذكراته. ترجم نصها الطويل بشكل سريع إلى الكثير من لغات العالم ونشرته اغلب الصحف الدولية الكبرى. ولاهمية الشهادة، تقدم الى قرائها مقتطفات منه، قام بترجمتها الزميل عبد السلام الككلي.

يحكي الكاتب هنا قصة تدخل الكوماندوز الاسرئيلي واختطاف السفينة وعمليات الاستنطاق التي تشبه التعذيب. كتب مانكل النص بأسلوب تلقائي جدا وبجمل قصيرة متتابعة بسرعة مدهشة.

واعتبر مانكل الانزال الاسرائيلي على "أسطول الحرية" عملا إجراميا بكل المقاييس والمعاني، وقال ان هذا التصرف يجعل من إسرائيل دولة مارقة، ومن الجندي الاسرئيلي قرصانا ليس اكثر شرفا من قراصنة بحر الصومال. وكتب مانكل الآتي:

 

*الاثنين 31 أيار (مايو). الرابعة والنصف فجرا:

لا أكاد أجد الوقت لأنام حتى أستيقظ من جديد. أرى وأنا اصعد إلى "الجسر" أن الأضواء الكاشفة تنير الباخرة الكبيرة. واسمع، فجأة، طلقات نار فأدرك أن إسرائيل اختارت المواجهة العنيفة في المياه الدولية. تمر ساعة بالضبط قبل أن نرى الزوارق المطاطية السوداء الصلبة تقترب وعلى ظهرها جنود مقنعون.إنهم يستولون على السفينة. نجتمع نحن هناك على مدرج القيادة. لكن الجنود يريدون إنزالنا عن "الجسر". يفقدون صبرهم. ويأخذ رجل بعض الوقت ليطيعهم فيتلقى على الفور طلقة مسدس على ذراعه. فيسقط ويصاب آخر – وقد تثاقل - برصاصة مطاطية. أعتقد أن هذا يحدث بجانبي. انه حقيقة مطلقة. أناس لم يفعلوا شيئا يضربون كالماشية ويعاقبون على إبطائهم.

نُجمّع على الجسر ونُجبر على الجلوس ونبقى هناك لمدة إحدى عشرة ساعة حتى ترسي باخرتنا في إسرائيل. كان الجنود يصوروننا من وقت إلى آخر رغم انه لا حق لهم في ذلك. أريد أن أدون بعض الجمل لكن جنديا يتقدم في الحال و يسألني عما اكتب. هذه هي المرة الوحيدة التي أتوتر فيها. أرد عليه بان هذا ليس من شانه. لا أرى سوى عينيه ولا اعرف فيما يفكر. لكنه استدار وانصرف. إحدى عشرة ساعة ونحن متكدسون في الحر. يبدو هذا ضربا من التعذيب . وحتى عندما نحتاج إلى التبول نطلب الإذن في ذلك. كان كل الطعام الذي يعطى لنا بسكويتا وخبزا محمصا وتفاحا. لم يكن لنا الحق في إعداد قهوة رغم انه كان بإمكاننا أن نعدها دون أن نفارق مكاننا.. قررنا معا ألا نطلب من الجنود السماح لنا بالطبخ وإلا فإنهم سيصوروننا وسيفيدهم هذا فيما بعد ليبينوا أنهم كانوا كرماء معنا. نكتفي إذن بالبسكويت. الوضعية بأكملها اهانة جماعية (في غضون ذلك كان الجنود يسحبون الفرش خارج المقصورات وينامون على الجسر الخلفي).

لدي كل الوقت، خلال هذه الإحدى عشرة ساعة لأتوصل إلى خلاصة. لقد هوجمنا في عرض البحر، في المياه الدولية. هذا يعني أن الإسرائيليين يتصرفون كقراصنة وهم ليسوا أفضل من أولئك الذين يستبدون في عرض بحر الصومال. وفي اللحظة التي استولوا فيها على قيادة السفينة وبدأوا يشقون الطريق نحو إسرائيل يمكن أن نقول إننا تعرضنا أيضا الى عملية اختطاف. لقد كان هذا التدخل من بدايته إلى نهايته خارجا عن القانون نحاول أن نتحدث فيما بيننا لنفهم ما الذي يمكن أن يحدث في هذه اللحظات. ونحن مصدومون من أن الإسرائيليين استطاعوا اختيار هذا "الحل" الذي يضعهم وظهورهم على الحائط والذي يورطهم. كان الجنود ينظرون إلينا. البعض منهم يتظاهرون بأنهم يجهلون الانكليزية لكن في الحقيقة كانوا كلهم يفهمونها جيدا. وكان بينهم أيضا بعض الفتيات. يظهر عليهن الحرج.

عندما وصلنا إلى الرصيف في احد موانئ إسرائيل - لا ادري اين يقع - أنزلونا ارضا وأجبرونا على الجري في الطرقات بين الجنود بينما كان يُصورنا التلفزيون العسكري. واعتقد أن هذا هو الشيء الذي لن اغفره لهم أبدا. هذا الأمر على وجه التحديد. لم يكن في مخيلتي في هذه اللحظة سوى الأوغاد والقاذورات.

فصلونا بعضنا عن بعض. ولم يكن لنا الحق في التواصل فيما بيننا. وفجأة ها هو شخص من وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية يقف بجانبي. افهم انه هنا ليتأكد انه لن يقع تعنيفي كثيرا. فأنا رغم كل شيء معروف بالقدر الكافي في إسرائيل ككاتب وأعمالي مترجمة إلى العبرية. سألني إذا كنت احتاج شيئا؟

 

نعم . أن يطلق سبيلي. وسبيل البقية أيضا.

لم يجبني.. طلبت منه ان ينصرف فتراجع بعض خطوات لكنه لم يذهب رغم ذلك. بطبيعة الحال لم اعترف بشيء. أُعلمت انه سيتم طردي. وأضاف الرجل الذي حمل إليّ الخبر انه معجب بكتبي. أفكر في احتمال أن أجد طريقة حتى لا تقع ترجمة كتاباتي إلى العبرية في المستقبل. لكن هذه فكرة لم تصل بعد إلى منتهاها. يسود جو من الفوضى العارمة في "مركز الإيواء" هذا. يُضرب احدنا في الفينة بعد الفينة. يُطرح أرضا ويربط وتقيد يداه. فكرت مرات عدة انه لا احد سيصدقني عندما سأحكي قصتي. ولكن كثيرا من العيون تشاهد ما تشاهده عيناي. كثيرون من سيشهدون. كثيرون من سيضطرون إلى التسليم بان ما أقوله هو الحقيقة. مثال واحد يكفي. كان بجانبي رجل رفض فجأة أن تؤخذ بصماته. ولكنه رضي بأن يقع تصويره. لماذا تؤخذ بصماته؟ انه يعتقد انه لم يقترف شرا. ولذلك رفض وقاوم. ضُرب. وحين بُطح أرضا، جُر الى خارج القاعة. إلى أين؟ لا ادري. أي كلمات استعملها؟ بشاعة.لا إنسانية. عليّ فقط أن اختار لفظا من هذين اللفظين.

 

الساعة الثالثة والعشرون: أُقتدنا نحن السويديين الثلاثة أنا والنائب والمرأة الطبيبة إلى مركز للإيقاف. تم فصلنا، والقوا إلينا بساندويتشات لها طعم نشافة غسيل قديمة. كان الليل طويلا. وكان حذائي عبارة عن وسادة لي .

 

*الأول من حزيران (يونيو) ظهرا:

فجأة تم جمعنا أنا والنائب. وأعلمونا انه سيتم اقتيادنا إلى طائرة من طائرات خطوط "لوفتانزا" لترحيلنا. رفضنا أن نرحل حتى نعلم مصير مرافقتنا س. ولما علمنا أنها في الطريق هي أيضا غادرنا زنزانتنا. في الطائرة أعطتني المضيفة زوجا من الجوارب فقد عمد احد أفراد الكومندوس إلى سرقة جواربي في المركب الذي كنت على متنه. انهارت أسطورة. أسطورة الجندي الإسرائيلي الشجاع والمثالي. الآن يمكن أن نقول عن الجنود الإسرائيليين أيضا إنهم لصوص حقراء. لم أكن أنا الوحيد الذي وقعت سرقته. نقود. بطاقات ائتمان. ثياب. آلات إضاءة. حواسيب. كل هذا كان عرضة للنهب. لقد تعرض الكثيرون منا إلى السرقة على سطح هذه السفينة التي هاجمها في الفجر جنود ملثمون ليسوا في الواقع غير قراصنة مزيفين.

في الغد أي الثاني من حزيران (يونيو) استمع إلى طائر ينحب. إنها أنشودة إلى كل من قضوا نحبهم. الآن تبقّى ما يجب فعله. حتى لا نضيع الهدف. وهو أن نرفع الحصار عن غزة. سيحقق ذلك. ووراء هذا الهدف ينتظر آخرون. أن نقضي على نظام تمييز عنصري. يحتاج هذا بلا شك إلى وقت. ولكننا لن ننتظر إلى الأبد.

==========================

نزع فتيل نقطة الانفجار في غزة

بروس رايدل

مصدر المقال: معهد بروكغنز، مدونة Up Front

2 حزيران/يونيو 2010

www.brookings.edu

واشنطن العاصمة – ألقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في شهر شباط/فبراير الماضي وفي المنتدى العالمي الأمريكي الإسلامي لمعهد بروكنغز في الدوحة بقطر خطاباً عاطفياً نادى فيه بإنهاء "الحصار" على غزة وبأن ترفع إسرائيل الحصار البحري للقطاع بالغ الصغر (140 ميلاً مربعاً) من الأرض التي تشكل وطناً لمليون ونصف المليون من الفلسطينيين.

 

حصل أردوغان على هتاف حار من جمهور من المسلمين من دول متنوعة مثل إندونيسيا وعُمان ونيجيريا. سيطرت على المنتدى نفسه حوارات حول الوضع في غزة ومعضلة الفلسطينيين الذين يعيشون هناك. كان من الواضح أن أردوغان أراد أن يدفع بهذه القضية إلى الواجهة.

 

ساند أردوغان وتركيا نداءهم هذا الأسبوع الماضي بإرسال أسطول قوارب الإغاثة "أسطول الحرية" إلى غزة. قام الكوماندوز الإسرائيليون بالهجوم على القارب وقتلوا عدداً ممن على متنه، مشعلين أزمة جديدة، الأمر الذي ترك تركيا مصممة على رفع القضية ومطالبة كل هيئة دولية، بما فيها مجلس الأمن في الأمم المتحدة ومجلس حلف شمال الأطلسي باتخاذ الإجراءات ضد إسرائيل.

 

لقد فشل حصار غزة. لم يتمكن من إضعاف سيطرة حماس على القطاع، بل يبدو أنه عمل على تقويتها. وهو كذلك لم يتمكن من نزع سلاح حماس، وتراجعت فتح، العدو القديم لحماس في غزة. أما معارضو حماس وسيطرتها على قطاع غزة اليوم فقد أصبحوا أفراد المجموعات الأكثر تطرّفاً وأصولية، الذين يصطفّون إلى جانب القاعدة.

 

كذلك أصبحت حليفتنا مصر خسارة جانبية في العملية. وبسبب استمرارها في إغلاق حدودها مع غزة، يرى المسلمون القاهرة على أنها تعمل على تيسير الحصار، تحرك الرئيس مبارك بسرعة هذا الأسبوع لفتح الحدود، ولكن من غير المحتمل أن يشكل ذلك حلاً دائماً.

 

لقد أضرّ الحصار إلى درجة كبيرة بموقف أمريكا في العالم الإسلامي لأنه أصبح يُنظَر إلينا على أننا ندافع عنه. قد يكون الأمريكيون أبدوا اهتماماً محدوداً للوضع خلال السنتين الماضيتين، ولكنه يشكل أخباراً متواصلة من المغرب إلى إندونيسيا، والفضل يعود بذلك إلى قناة الجزيرة وغيرها من قنوات الأخبار المستمرة لمدة 24 ساعة. لقد أصبح حصار غزة أداة تجنيد رئيسية للقاعدة وحزب الله وغيرها من المجموعات المتطرفة. كذلك كان الحصار واحداً من دوافع الانتحاري الأردني الذي قتل ستة ضباط من وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية في 30 كانون الأول/ديسمبر 2009 في أفغانستان. تعمل قضية غزة على إفشال مبادرة أوباما لتغيير وجهات نظر المسلمين تجاه أمريكا، والتي أبرزها في خطابه في القاهرة قبل سنة.

 

وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الوضع في غزة هذا الأسبوع بأنه "لا يمكن إدامته". وهي على حق، ولكن سياسة الولايات المتحدة "لا يمكن إدامتها" كذلك. نحتاج لأن نجد طريقة لإيصال المعونة الإنسانية إلى غزة مع ضمان عدم تمكن حماس من تهريب المزيد من الصواريخ لقصف المدن الإسرائيلية، وهذا يمنع القاعدة وغيرها من المتطرفين من تهريب "المتطوعين" الذين يريدون شن الجهاد.

 

لحسن الحظ أن هناك مسابقة لنظام عالمي لمراقبة عمليات الشحن في المنطقة. أوجدت الأمم المتحدة في تسعينات القرن الماضي نظاماً خاصاً لتفتيش البضائع المرسلة إلى العراق التي كانت وقتها ترزح تحت عقوبات الأمم المتحدة، من خلال ميناء العقبة الأردني. استأجرت الأمم المتحدة مؤسسة لويدز من لندن لتوفير مفتشين قاموا بتفتيش كل شحنة لضمان عدم استيراد العراق لمواد ممنوعة، وخاصة أسلحة وتكنولوجيا الدمار الشامل. حصل الشعب العراقي على الإغاثة، ولكن صدام حسين لم يحصل على أسلحة الدمار الشامل.

 

هناك حاجة ماسة وملحّة لإنشاء نظام كهذا لنزع فتيل غزة. يستطيع حلف شمال الأطلسي المساعدة على توفير المفتشين، ولديه وجود مضاد للإرهاب في منطقة البحر الأبيض المتوسط تحت اسم "عملية المهمة النشطة" تم إيجادها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. إذا رفضت حماس قبول نظام كهذا فإن مسؤولية أية معاناة في غزة تقع عليها. وإذا حصل ذلك، يستطيع العالم وقتها أن يبدأ بإعادة بناء غزة.

___________

* بروس رايدل زميل رئيس في السياسة الخارجية في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز. تقوم خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية بتوزيع هذا المقال.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

==========================

تعليق حول الهجوم على "أسطول الحرية": "إسرائيل باتت تسير نحو عزلة خطيرة"

بيتينا ماركس*

ترجمة: عماد مبارك غانم

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2010

الهجوم الإسرائيلي على "أسطول الحرية" وردود الأفعال الدولية ينذران بأن إسرائيل في طريقها إلى عزلة خطيرة وأن التمسك بلغة القوة لن يسمح للإسرائيليين ببناء مستقبل لبلادهم يقوم على الديمقراطية والانفتاح وفق تعليق الصحفية بيتينا ماركس.

أخذت تفقد إسرائيل في الوقت الراهن آخر أصدقائها وحلفائها، فالدولة العبرية تتحول بشكل متزايد إلى بلد، لم يعد أي أحد يرغب في الاقتراب منه. وما الهجوم على الأسطول الدولي، الذي حاول كسر الحصار على قطاع غزة، إلا الذروة مرحلة سياسية، احتملها العالم حتى الآن وبات تفهمها يتراجع تدريجياً.

وتتصاعد وتيرة الانزعاج من هذه السياسية بشكل متزايد. وبعد أن كانت الانتقادات تأتي من الشعوب الأوروبية فقط منذ زمن طويل، بدأت الآن الحكومات الأوروبية هي الأخرى ، التي كانت تعد حتى الآن أصدقاء أوفياء لإسرائيل، بالابتعاد عنها.

وحتى الآن رضيت حكومات الدول الأوروبية بأن تفعل إسرائيل ما تريد في المناطق الفلسطينية المحتلة وقيامها بالتوسع الاستيطاني في القدس الشرقية، الذي يقابله عدم السماح للفلسطينيين القاطنين هناك بتوسيع منازلهم ومساكنهم لملائمة حاجاتهم المتزايدة. وقد تعود المرء على أن تحبس إسرائيل 1.5 مليون شخص في قطاع غزة في ظروف بعيدة عن الكرامة الإنسانية، وأنها تحتجز في سجونها قرابة 700 قاصر فلسطيني.

وهذا لم يقف حائلاً لا أمام تركيا في إبرام علاقات عسكرية مع إسرائيل، ولا أمام منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في أن تضم القدس إلى عضويتها. وهذا لم يمنع الأوروبيين من السماح للاعبين الإسرائيليين للعب في بطولة أوروبا وللمطربين الإسرائيليين للغناء في مسابقة الأغنية الأوروبية.

 

سياسات غير مفهومة

وبأناة لا يمكن فهما قبلت العواصم الأوروبية بكل استفزاز تقوم به إسرائيل، وبفهم لا يُعقل لتصرفات إسرائيل في المناطق المحتلة. ولا تُنسى صور الرؤساء والقادة الأوروبيين –ومن بينهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أيضاً- الذين أكدوا حضورهم لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهود أولمرت بعد يوم واحد من الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة في كانون الثاني/ يناير 2009، ولم يجدوا كلمة واحدة للتعبير عن تعاطفهم مع الضحايا في غزة. وحتى هذا العمل العسكري، الذي أودى بحياة 1400 شخص في قطاع غزة المحاصر، لم يواجه اعتراضاً إلا من قبل شعوب أوروبا، أما الحكومات فقد اكتفت –وإن فعلت- بالتوبيخ المخفف اللهجة.

لكن يبدو الآن أن هذه الصفحة في طريقها إلى الطي، فالهجوم على السفن، التي كانت تشق طريقها في المياه الدولية، أدى على الأقل إلى أن تنظر هذه الحكومات إلى القدس بوجوه قلقة وتتوجه إليها بكلمات مُنذرة، بل حتى إن بعض الحكومات تجرأت على شيء لم تفعله أي منها حتى الآن واستدعت السفير الإسرائيلي.

في إسرائيل جوبهت هذه الانتقادات كالعادة بتفسيرات اعتبرتها: مهينة وبغير المتفهمة وبالعدوانية. يبدو أن الزعماء السياسيين والشعب الإسرائيلي تراجعوا إلى الخنادق، وأخذوا يراقبون منها العالم، الذي يبدو أنه بات يتأمل إسرائيل بصورة سيئة.

إن مجمل طيف المشاعر الإسرائيلية المتعلقة "بالعزلة الرائعة" يمكن تتبعه في وسائل الإعلام الإسرائيلية في يوم الهجوم على "أسطول الحرية"؛ ففي وقت مبكر من صباح ذلك اليوم حين وصلت أولى الأنباء عن الحادثة، عمَّت حالة من الصدمة والذعر. وفي البرامج الصباحية لراديو إسرائيل تساءل الصحفيون بفزع: "ما الذي فعلناه؟ وكيف يمكن أن يحدث هذا؟ وكيف ستكون ردود الفعل العالمية تجاه هذا الأمر؟".

 

"لم نقم إلا بالدفاع عن أنفسنا!"

ولكن بعد ساعات قليلة تدارك المذيعون وضيوفهم أنفسهم وتعبئوا بمقدار جديد من الثقة بالنفس. "ماذا؟ علينا أن نعتذر؟" تساءل أحد المذيعين بامتعاض. "ولماذا نعتذر؟ لم نقم إلا بالدفاع عن أنفسنا في النهاية!". لم يقم أي منها بالتفوه بكلمة توحي بنقد الذات، ولم يبدو أنهم اعتراهم أي شك في تصرف الجيش الإسرائيلي.

وفي المساء حل تبرير الذات محل عقدة الضحية. وفي التلفزيون الإسرائيلي بُثت الآن فقط تلك الصور، التي سجلها الجيش الإسرائيلي أثناء دخول السفينة. وظهر في هذه الصور أشخاص غير واضحين المعالم على متن السفينة، انهالوا على ما يبدو على الجنود المقتحمين بالعصي.

"أرادوا قتلنا"، بهذه العبارة اشتكى جنود الوحدات الخاصة، الذين بدت صور جراحهم في التسجيل بادية للعيان، ولكن من غير أن تظهر وجوههم. وعلى وجه السرعة تم تلاقف ذكرى واقعة قتل في رام الله. ففي عام 2000، بُعيد اندلاع الانتفاضة، قُتل جنديان إسرائيليان في رام الله من قبل حشد غاضب في أحد مراكز الشرطة، بعد أن ضلاّ طريقهما على ما يبدو إلى داخل المدينة الفلسطينية.

والآن بات يُدعى بلهجة متناغمة أن هذا التهديد مشابهاً لذاك. وإن كان الأمر لا يبعث على درجة كبيرة من الحزن، فإنه مدعاة الضحك: كانت نتائج هذا الفعل العسكري بين تسعة وتسعة عشر قتيلاً وأكثر من أربعين جريحا على جانب المحتجين، لكن قيادة الجيش الإسرائيلي ترى نفسها أنها كانت الضحية الحقيقية.

وبعد عشرة أعوام من تحرك الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، ولاسيما ضد المدنيين الفلسطينيين والأشخاص المسلحين بصورة سيئة، يبدو أن الجنود اعتادوا على أن يُسلم المرء نفسه لهم على الفور. فليس هناك حيز للمقاومة، وإن كانت قليلة وضعيفة. المجتمع الإسرائيلي يعتبر من غير المشروع أن يقوم المرء بالدفاع عن نفسه أمام الجيش الإسرائيلي. وفي هذه المنطقة لا يحق لأحد أن يدافع عن نفسه، باستثناء إسرائيل.

لكن إسرائيل باتت تسير من خلال موقفها هذا ببطء نحو عزلة خطيرة. فنزعة الانكفاء على الذات دون اعتبار الرأي العام العالمي يمكن أن تتحول إلى عقلية متخندقة لا تستطيع قراءة الواقع، الأمر الذي لن يسمح لإسرائيليين ببناء مستقبل لبلادهم قائم على الديمقراطية والعدل والانفتاح.

________

*د. بيتينا ماركس عملت لفترة طويلة مراسلة للقناة التلفزيونية الألمانية الأولى لشؤون الشرق الأوسط. وتعمل الآن مراسلة رئيسية للدويتشه فيله في برلين. صدر لها مؤخرا كتاب "غزة....تقارير من بلاد بلا أمل".

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ