ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 06/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


استراتيجية أوباما للأمن القومي

آخر تحديث:السبت ,05/06/2010

سليمان تقي الدين

الخليج

بعد ستة عشر شهراً من المراجعات والنقاشات المكثفة نشر البيت الأبيض الأمريكي وثيقة الأمن القومي . محاور هذه الوثيقة ثلاثة: الأمن العسكري، الأمن الاقتصادي، الدور السياسي والثقافي الأمريكي . مرة جديدة تصوغ الولايات المتحدة سياسة عالمية متكاملة، فيظهر فيها أن أي مكان على هذا الكوكب وكذلك الفضاء الخارجي هو جزء من أمنها القومي . هذا التفكير الامبراطوري لا يحد منه الآن إلاّ معرفة أمريكا بوجود وفاعلية دول كبرى أخرى لا تخوض معها حرباً باردة كما في القرن الماضي، ولكنها تخوض منافسة حقيقية اقتصادية وسياسية وتبني علاقات استراتيجية وتقدم السلاح لدول أخرى مناهضة لأمريكا . لا يتخلّى أوباما طبعاً عن مشروع أمريكا لقيادة العالم، يعطي هذا الدور صفة أخلاقية ويربطه أيضاً بالدور الاقتصادي المتقدم . لكن ما يبحث عنه أوباما هو “الشراكات” مع الدول الأخرى والسعي الى تقاطع المصالح، وهو يبني على تجارب نجحت فيها أمريكا في ربع القرن الماضي مع روسيا والصين . في الملف الإيراني الأكثر حضوراً على الطاولة الأمريكية يجد الكثير من العناصر المشتركة ويحاول أن يفك عقد العناصر غير المشتركة .

 

هناك تباين واضح عن الإدارة السابقة بالتخلّي عن استراتيجية الحروب الاستباقية التي سقطت في عهد بوش الابن أصلاً وراوحت عند أفغانستان والعراق . تتجاوز الإدارة الجديدة فكرة تغيير الأنظمة الراديكالية او المحافظة وتخرج ما اعتبرته “الخطر الإسلامي” من قائمة التحديات لتحصر معركتها مع “الإرهاب” الذي ما زال ملتبساً مع “تنظيم القاعدة” ودول “محور الشر”، ولا تتردد الوثيقة في تسمية “إيران وكوريا” .

 

انتدب جورج بوش الابن نفسه لتغيير ثقافة المنطقة ولتغيير أنظمتها تحت مسميات مكافحة “الإرهاب” “والفاشية الإسلامية” وأنظمة الدكتاتوريات المهيّأة لتعريض الأمن والاستقرار في العالم . لكن أوباما الذي بدأ ولايته بسلوك الانفتاح على الحوار والتفاوض والدبلوماسية وسياسة “القوة الناعمة” لم يسقط من قاموسه احتمالات الحرب ولكن كخيار أخير . سعى ولكنه لم ينجح في تقليص حجم الانتشار العسكري الأمريكي في العالم، وهو يعيد تأهيل وتوسيع القواعد العسكرية الأمريكية خاصة في الخليج وحول العالم القديم ونشر الدروع الصاروخية، وآخر ما يذكر على هذا الصعيد توسيع القاعدة العسكرية في البحرين والاتفاقات العسكرية مع دول الخليج في مواجهة التحدي الايراني .

 

على الصعيد الاقتصادي، تعتبر الوثيقة ان مصالح أمريكا في “الشرق الأوسط” حيوية ومصيرية خاصة الطاقة . وهي تسعى إلى صياغة علاقاتها بدول المنطقة على أساس من حماية هذه المصالح وبالتالي تعزيز علاقاتها مع دول الخليج الصديقة والحليفة . لا معايير أخرى ولا شروط أيدولوجية وثقافية . هناك واقعية مطلقة في التعامل .

 

أما إيران فستبقى الهدف الأساس للتلويح بالعقوبات، بالحصار، وبالخيار الأخير أي الحرب . ورغم كل الحديث الدائر عالمياً عن تباين النظرة الأمريكية -”الإسرائيلية” بل عن “عبء “إسرائيل” الاقتصادي والأمني والسياسي” لا تتردد الوثيقة عن حسم كل هذه التحليلات بإعادة تثبيت “إسرائيل” كجزء عضوي من الأمن القومي الأمريكي . لا يريد الأمريكيون حمايتها فقط بل “إدماجها في نظام الشرق الأوسط” .

 

الادماج يحمل دلالات مهمة، لا يعني ضمان الوجود كأي دول أخرى، بل ضمان الوظيفة والدور كجزء من التوازن الإقليمي . اذا صح هذا التفسير فتوازن القوى يجب ان يرجح في مصلحتها وتزال كل العوائق من أمام هذا الدور .

 

في السياسة الأمريكية “اسرائيل دولة لليهود”، اما الفلسطينيون فيمكن اعطاؤهم “دولة قابلة للحياة متواصلة” أي أنها ليست كامل اراضي1967 هناك تسليم مسبق لدولة اليهود باقتطاع جزء من الضفة الغربية ومن غزّة والحفاظ على بعض المستوطنات لأسباب أمنية وعلى بعض الاراضي الخصبة والمياه . هذه التسوية التي تسعى لها أمريكا تستخدم هذا الكيان الفلسطيني الهزيل جسر عبور لإدماج الدولة العبرية في المنطقة . إنها أفكار صهيونية قديمة تنبعث مجدداً في غموض غير بنّاء لان حق العودة يسقط وحق التجمع في الضفة والقطاع أيضاً غير ممكن واقعياً، وفي خلفية هذا المشروع التوطين، والتعامل مع القدس الشرقية كمركز ديني لا كعاصمة لشعب . هكذا يتعجّل نتنياهو المفاوضات المباشرة لأنه لا يقدم مسبقاً أي تعهد بمبدأ الأرض مقابل السلام ولا بالقرارات الدولية . يريد أن يفاوض سلطة “أوسلو” المتهالكة على ما يسميه حدوداً مؤقتة بانتظار ان ينجز الأمريكيون تغييرات في “الشرق الأوسط” تعطل الضغوط الآتية من الخارج . ومن اللافت أن الخطة الأمريكية تحدثت عن المفاوضات الثنائية في استعادة لتجربة كيسنجر ولما حصل حتى الآن من تجزئة للمسارات وتفكيك للجبهة العربية (كامب ديفيد، أوسلو، وادي عربة) .

 

ولم يعد سراً أن عرضاً “إسرائيلياً” بهذا المعنى قدم لسوريا عبر أكثر من وسيط دولي، ورفضته سوريا كما قال رئيسها، لأنه بالضرورة يغطّي عندئذ اندفاعة سلطة “أوسلو” لمزيد من التنازلات بذريعة تراخي الوضع العربي .

 

اذا كانت أمريكا مع ولاية أوباما تعيد تثبيت هذه المرتكزات لاستراتيجية أمنها القومي حتى في ظل كل المتغيّرات التي تكبّل “إسرائيل” عن المغامرة العسكرية وتكبل أمريكا عسكرياً ومالياً، فإن المناخ الدولي لن يجنح نحو الاستقرار ولن يختط مساراً خارج حروب السيطرة، بل هو ربما يعزز الاتجاهات الفاشية والعنصرية التي تتنامى اليوم في كل مكان أمام حجم المشكلات المتعاظمة وأزمات النظام العالمي . ليس في استراتيجية أوباما ما يبعث الأمل من إدارة دولية عقلانية، وعلى كتفيه طغمة المجمعات المالية والصناعية والنفطية، والكثير من الأزمات الاجتماعية التي لا يمكن أن يضبطها اقتصاد السوق .

==========================

العقبة التركية

سميح صعب

النهار

5-6-2010

 ركيزتا السياسة الاميركية في الشرق الاوسط الان هما المفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل وفرض عقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي. وكل ما يمكن ان يعطل هذين التوجهين لن يحظى بتأييد اميركي. ومن هنا يأتي الاصطدام بالدور التركي سواء في ما يتعلق بالملف النووي الايراني او القضية الفلسطينية.

وعلى رغم ان حماية اسرائيل من الانتقادات الدولية هي سياسة اميركية ثابتة، فإن التبرير الاميركي للهجوم الدموي على "اسطول الحرية" الذي حاولت تركيا ان تقوده في اتجاه غزة، كان مبالغاً في انحيازه وتغطيته للجريمة، لا بل ان المسؤولين الاميركيين كانوا واضحين في تأييدهم لابقاء الحصار على القطاع لأنه يمنع من وجهة نظرهم ووجهة النظر الاسرائيلية وصول الاسلحة الى "حماس". وبما ان تقويض "حماس" هدف اسرائيلي - اميركي مشترك فإن الحصار يجب ان يبقى.

وتالياً، فإن المحاولات التي تبذلها تركيا من أجل رفع الحصار اصطدمت باسرائيل ولم تلقَ تأييداً اميركياً. وكان مفهوماً ان لا تؤيد اميركا محاولات عربية لفك الحصار في ما لو وجدت مثل هذه المحاولات، لكن ان تصل الامور بها الى حد التعامل مع تركيا بالطريقة التي تتعامل بها مع العرب، فإن ذلك يؤشر الى ان ادارة الرئيس باراك اوباما تجازف ايضاً بخسارة حليف استراتيجي في الشرق الاوسط والعالم الاسلامي. فتركيا في إحدى المراحل كانت النموذج الذي تضربه اميركا عن الرؤية التي تريدها للاسلام في العالم، بصفتها معقلاً للاعتدال ونقيضاً للتطرف الذي تقدمه "القاعدة" و"طالبان" عن الاسلام.

اليوم نرى ان اميركا تقف في مواجهة تركيا وتدفعها الى مواقف اكثر تشدداً، ومرد ذلك الى عدم قدرتها على مواجهة اسرائيل حتى بالانتقاد. والرسالة الاميركية-الاسرائيلية المشتركة لأنقرة هي ان تكف عن القيام بأي دور لا يتلاءم مع سياسة اميركا واسرائيل.

فالاتفاق النووي الايراني – التركي - البرازيلي شكل إحراجاً للولايات المتحدة، وقد اعتبرته واشنطن بمثابة عرقلة لمشروع فرض العقوبات على ايران. ومنذ اللحظة الاولى أطلقت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون النار على هذا الاتفاق، واتفقت مع اسرائيل على وصفه بانه محاولة ايرانية للوقوف في وجه العقوبات.

وفي ملف الصراع العربي - الاسرائيلي، تبني ادارة اوباما بعد أكثر من سنة على التعثر في محاولاتها لاحياء المسار الفلسطيني، كل آمالها على المفاوضات غير المباشرة التي اتفق مبدئياً على بدئها بين السلطة الفلسطينة واسرائيل. ولذلك تنظر واشنطن بعدم الارتياح الى كل ما من شأنه ان يعطل انطلاق هذه المفاوضات. ولهذا السبب لم ترَ الولايات المتحدة في عملية قتل نشطاء السلام في عرض البحر عملاً يستأهل التوقف عنده كثيراً، وقالت بوضوح ان المهم ان لا تتعطل المفاوضات غير المباشرة. كما انها حرصت على ان يأتي بيان مجلس الامن مخففاً الى اقصى الحدود بحيث لا يثير اسرائيل ويدفعها الى تغيير رأيها في المفاوضات.

 وبناء على ما تقدم، بات الدور التركي غير مقبول اميركياً بعدما كان غير مقبول اسرائيلياً على اثر الموقف القوي الذي اتخذته انقرة من الحرب الاسرائيلية على غزة. واليوم يساور واشنطن ارتياب من الدور التركي سواء على جبهة الملف النووي الايراني او على جبهة الصراع العربي - الاسرائيلي.

 ولا يشكل الموقف المتساهل حيال الهجوم الدموي على السفينة التركية، حرجاً لاميركا التي ترى ان العرب أصحاب القضية لا يحركون ساكناً منذ ثلاثة اعوام بالنسبة الى حصار غزة، كما ان معظم الدول العربية لا يمانع ضمنياً في فرض العقوبات على ايران. لذا يتساءل المسؤولون الاميركيون عن السبب الذي يدفع تركيا الى تنكّب ادوار تزعج اميركا واسرائيل!

==========================

ما الذي ستفعله تركيا؟

خيرالله خيرالله

الرأي العام

5-6-2010

ما الذي تستطيع أن تفعله تركيا، هل هي القوة الصاعدة في المنطقة، هل لا تزال ذراع حلف شمال الأطلسي في المنطقة، هل يؤثر قتل إسرائيل مواطنين أتراكاً على الخريطة السياسية للشرق الأوسط؟ من يتمعن جيّداً في الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل بمهاجمتها «أسطول الحرية»، الذي كان ينقل مساعدات من أنواع مختلفة إلى قطاع غزة المحاصر، يكتشف بكل بساطة أن الهدف الذي حددته حكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع فيها ايهود باراك واضح كل الوضوح. انها تضع من استعادة قوة الردع الإسرائيلية في مقدم الأولويات. كل ما أرادت الدولة العبرية تكريسه عبر «المجزرة» التي راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء أن لا شيء يقف في وجه استعادة قوة الردع، بما في ذلك العلاقة بتركيا. بكلام أوضح، تبدو إسرائيل على استعداد للتضحية بعلاقتها التاريخية بتركيا من أجل تأكيد استعادتها لقوة الردع التي اهتزت صيف العام 2006 بسبب الخسائر التي منيت بها في حربها مع «حزب الله»، علماً أن تلك الحرب كلفت لبنان الكثير. من يقرأ الرسالة الإسرائيلية جيداً، يكتشف إلى أي حد تبدو إسرائيل على استعداد للذهاب من أجل تأكيد أنها لا تقبل أي تحرش بها، حتى لو كان ذلك عن طريق سفن مدنية تنقل مساعدات إلى غزة، وعليها مواطنون من نحو أربعين جنسية مختلفة. كان لافتاً اختيار إسرائيل الاعتداء على البواخر في المياه الدولية وكأنها تريد الإعلان صراحة أن القانون الدولي آخر همومها، وأنها لا تعبأ سوى بما تعتبره مساً بأمنها واختراقاً له.

هل تنجح إسرائيل في تحقيق ما تصبو إليه؟ الجواب أن حكومة بنيامين نتنياهو والمؤسسة الأمنية، استطاعتا عبر المجزرة التي ارتكبتها في حق مدنيين، اخراج تركيا من موقع الوسيط بينها وبين العرب، وسورية على وجه التحديد. كيف سترد تركيا على إسرائيل، وهل تستطيع جعلها تدفع غالياً ثمن ما ارتكبته في المياه الدولية؟ ان صدقية تركيا تبدو على المحك، كذلك قدرتها على لعب دور يردع إسرائيل ويحد من قدرتها على التصرف كدولة خارجة عن القانون، أو على الأصحّ فوق القانون، لا يهمها سوى تكريس الاحتلال لجزء من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ولهضبة الجولان السورية، بما في ذلك مزارع شبعا المحتلة منذ العام 1967. وهذه المزارع، هي لمزيد من التوضيح والدقة، أرض لبنانية سيطرت عليها سورية في العام 1956.

تضع المواجهة البحرية غير المتكافئة تركيا أمام تحديات جديدة فرضها اصرارها على التعاطي المباشر في الشأن الفلسطيني خصوصاً والعربي عموماً. ما الذي سيغيّره الموقف التركي الجديد على صعيد المعادلة الإقليمية. ذلك ما سنراه في الأيام القليلة المقبلة. سنرى هل في استطاعة تركيا تعويض فقدان العرب توازنهم في ضوء الحرب الأميركية على العراق التي غيّرت الخريطة السياسية للشرق الأوسط وأدخلت المنطقة في حال مخاض، ونقلت مركز الثقل الإقليمي إلى خارج العالم العربي... إلى إيران تحديداً؟

ما حصل ليس امتحاناً لتركيا التي قتل الإسرائيليون عدداً من مواطنيها الذين كانوا على سفن «أسطول الحرية». هناك تحد إسرائيلي للإدارة الأميركية أيضاً. أكدت حكومة ننياهو أنها لا تأبه بردود الفعل الأميركية، وبالمجتمع الدولي ككل، وحتى بالعلاقات الأميركية - التركية التي ستواجه امتحاناً عصيباً في المرحلة المقبلة. أكدت إسرائيل، عن طريق المجزرة والدم الغزير الذي سال، أنها ليست متحمسة لمفاوضات مباشرة، أو غير مباشرة مع الفلسطينيين، حتى لو كان الوسيط بينها وبينهم الرئيس اوباما نفسه. انه تحد مباشر يرتدي طابعاً شخصياً من بيبي نتنياهو للرئيس الأميركي. في النهاية، كل ما أراد بيبي قوله هو انه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المنطقة.

ولكن ما قد يكون أخطر من ذلك كله أن إسرائيل بمهاجمتها السفن المتجهة إلى شاطئ غزة نقلت المعركة إلى حيث تريد بعيداً عن المكان الذي يفترض أن تكون فيه. بالنسبة إلى إسرائيل، تبدو أي معركة محورها غزة معركة سهلة. تستطيع حكومة نتنياهو الادعاء أنها نفذت انسحاباً من جانب واحد صيف العام 2005، حين كان ارييل شارون لا يزال رئيساً للوزراء، من كل القطاع، كما فككت المستعمرات التي أقامتها فيه. لكن ذلك لم يحل دون استمرار إطلاق الصواريخ من غزة، علماً أن تلك الصواريخ من النوع المضحك - المبكي لا أكثر. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس على حق عندما وصف تلك الصواريخ ب«العبثية». الآن، تعمل إسرائيل بكل غطرسة على نقل المعركة إلى غزة مجدداً. المعركة ليست معركة غزة، وصواريخ غزة، والحصار المفروض على القطاع منذ أعوام عدة. المعركة في مكان آخر وذات عنوان مختلف. المعركة هي بكل بساطة وصراحة معركة الدولة الفلسطينية المستقلة التي لن تقوم إلاّ بعد زوال الاحتلال عن القدس الشرقية والضفة الغربية. المعركة معركة العودة إلى المفاوضات المباشرة استناداً إلى مرجعية واضحة. هذه المرجعية هي حدود العام 1967، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة على رأسها القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 1967.

كيف سيواجه العالم إسرائيل؟ هل من قوة تعيدها إلى جادة الصواب عن طريق تأكيد أن المطلوب الخروج من الحلقة المفرغة، والبحث عن تسوية بدل الهرب منها. كل ما تفعله حكومة نتنياهو يتمثل في الهرب من التسوية التي لن ترى النور إلاّ بزوال الاحتلال. ليس مهماً أن تثبت إسرائيل أنها قادرة على الردع وأنها استعادت قدرة الردع، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات مع تركيا. المهمّ تفادي وقوع العرب والفلسطينيين في الفخ الإسرائيلي والتركيز بدلاً من ذلك على الانتهاء من الاحتلال. وقف المفاوضات لا يؤدي إلى نتيجة بمقدار ما أنه يخدم بيبي نتنياهو الذي لا يريد السماع بشيء اسمه دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها اقدس الشرقية.

لا شك أن العالم اتخذ على غير عادته موقفاً معقولاً من المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل. تحدثت غير صحيفة مهمة عن «القرصنة» التي استهدفت سفناً تنقل مساعدات إنسانية إلى غزة عليها مئات المدنيين. كيف البناء على هذا التطور؟ هذه مسؤولية فلسطينية وعربية في آن بدل الرهان على تركيا التي قد تمتلك رداً على إسرائيل كما قد تجد نفسها عاجزة عن الإقدام على أي خطوة تساعد في زوال الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة!

==========================

عودة تركيا.. اللعبة والرهانات

جيفري كمب

( مدير للبرامج الإقليمية الاستراتيجية في مركز نيكسون بواشنطن).

الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

5-6-2010

خلال الحرب الباردة، أصبحت تركيا عضواً في «الناتو»، واحتلت موقعاً أساسياً في الخطوط الأمامية المنوط بها الدفاع عن أوروبا ضد الخطر الذي كانت تمثله دول جنوب شرق أوروبا الأعضاء في حلف «وارسو» السابق... وحافظت على علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة وصلت إلى حد قيامها بإرسال قوات لدعم العمليات التي قادتها الولايات المتحدة خلال الحرب الكورية التي دارت رحاها في خمسينيات القرن الماضي.

ورغم أن تركيا قد تعرضت لعدد من الفورانات السياسية الداخلية، وأن علاقاتها مع اليونان المجاورة قد تدهورت تدهوراً خطيراً بسبب الأزمة في قبرص، فإنها ظلت مع ذلك دولة موالية للغرب تتطلع باهتمام شديد نحو أوروبا سعياً للتعاون الاقتصادي مع دولها قبل أن تتقدم في نهاية المطاف بطلب للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي. وخلال هذه الفترة أيضاً أقامت تركيا علاقات وثيقة للغاية مع إسرائيل، خصوصاً في مجال التعاون العسكري.

وهناك شيئان حدثا في نهاية الحرب الباردة كان لهما تأثيرات بعيدة المدى: الأول أن تركيا أصبحت أكثر ثقة بنفسها، وأكثر اهتماماً بفنائها الخلفي، وبمد نطاق علاقاتها ونفوذها إلى سوريا والعراق وإيران وأفغانستان. وفي نفس الوقت الذي حدث فيه ذلك التحول، شهدت علاقة تركيا بالغرب توتراً ملحوظا على ضوء استمرار الاتحاد الأوروبي في موقفه الرافض لعضويتها في ناديه، كما ساءت علاقاتها مع الولايات المتحدة إلى درجة كبيرة بسبب تداعيات غزو الأخيرة للعراق، والذي أحجمت تركيا عن تأييده. مقابل ذلك، كان التطور الآخر المهم خلال الفترة المذكورة، هو التوسع الكبير في صادرات الطاقة من آسيا الوسطى وبحر قزوين، وهو ما كان يحتاج إلى قدرة على الوصول للأسواق العالمية من خلال الدول المطلة على البحر الأسود، وأهمها تركيا التي كان موقعها وإمكانياتها يؤهلانها للعب دور حيوي في هذا المجال. وكان من الطبيعي على ضوء ذلك أن يتحول موقع تركيا كمعبر للطاقة المتجهة للدول المحتاجة إليها إلى واحد من الأوراق التركية المهمة في الساحة الدولية.

وعلاوة على ذلك، خطت تركيا خطوات واسعة في مجال تحسين علاقاتها مع روسيا، حيث تطور التعاون التجاري بينهما إلى حد كبير، وامتد ليغطي العديد من المجالات أبرزها على وجه الخصوص خطوط أنابيب الطاقة، والمشروعات الإنشائية الكبرى في مختلف أرجاء روسيا، والتي تضطلع فيها تركيا بدور رئيسي.

وفي الشرق الأوسط، توترت علاقة تركيا بإسرائيل على نحو دراماتيكي، خصوصاً بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة نهاية عام 2008 والغارة الأخيرة على أسطول صغير من السفن يقوده الأتراك كان يحمل مساعدات لقطاع غزة المحاصر في 31 مايو. وقبل ذلك، كانت تركيا قد حاولت التوسط من أجل التوصل لاتفاق بين سوريا وإسرائيل من أجل إنهاء حالة الصراع القائم بينهما، غير أن مساعيها في هذا الشأن لم تحقق شيئاً ذي بال. وفي نفس الوقت، حافظت تركيا على علاقات جيدة مع دمشق، وعملت على تحقيق تحسين جذري في علاقاتها مع العراق، بما في ذلك علاقتها مع القيادات الكردية في شماله. ويعود هذا جزئياً إلى حقيقة أن تركيا قد أصبحت في الوقت الراهن أقل اهتماماً بموضوع استقلال الأكراد، وأن رجال الأعمال الأتراك يحققون أرباحاً طائلة من خلال مشاركتهم في أعمال إعادة الإعمار في العراق والمنطقة الكردية بشكل خاص.

وهذا التحسين في العلاقة بين البلدين لقي ترحيباً ملحوظاً من قبل معظم العراقيين. وعلاوة على ذلك، لعبت تركيا دوراً مهماً في أفغانستان، ومن منظور أميركا، فإن هذا الدور قد عوض إحجام أنقرة عن التعاون معها في غزو العراق.

يضاف لذلك قيام تركيا بإرسال جنود إلى أفغانستان، وباعتبارها دولة إسلامية كبيرة كان لانخراطها في الجهود الرامية لإرساء الاستقرار في ذلك البلد مغزى وأهمية كبيران.

كما شهدت العلاقات التركية مع إيران تحسناً ملحوظاً، بيد أن ذلك التحسن سبب قلقا في الولايات المتحدة، ولأوروبا أيضاً لاسيما بعد المحاولة الأخيرة التي قامت بها كل من تركيا والبرازيل للتوسط من أجل التوصل لاتفاقية ترمي لحل الأزمة النووية بين الغرب وإيران من خلال اقتراح خطة لتصدير نصف مخزون اليورانيوم الإيراني المخصب إلى دولة كبرى، لإعادة تخصيبه بدرجة أعلى.

 كثيرون نظروا إلى الجهد التركي في هذا الموضوع على أنها محاولة لتقويض الحزمة الجديدة من عقوبات مجلس الأمن ضد إيران، والتي كانت روسيا والصين قد وافقتا، وإن على مضض، على الانضمام إليها.

البعض يقولون إن عودة تركيا كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط يحمل في طياته ملامح «عثمانية جديدة» واضحة، لكنني أرى أنه من غير الحكمة ومن السابق لأوانه أيضاً استخدام هذه العبارة في الوقت الراهن لأن الاهتمام الأكثر مباشرة من وجهة نظري بالنسبة لحكومة أردوغان وحزب «العدالة والتنمية»، حالياً، هو القيام على نحو منهجي ووئيد بتفكيك دعائم «الكمالية» التي قامت عليها الدولة التركية، والتي اتبعت نهجاً علمانياً مباشراً وصارماً بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في الربع الأول من القرن الماضي.

وكلما تحسن الاقتصاد، زاد الرضا والدعم الشعبي لحزب «العدالة والتنمية»، أما إذا ما تدهورت الأحوال الاقتصادية جراء أزمة جديدة مثلا، فإن المسرح السياسي التركي قد يتغير.

ومع ذلك، تبقى هناك حقائق مؤكدة هي أن تركيا قد أعادت تأسيس نفسها كلاعب إقليمي مهم وقوي. ومن خلال الاعتماد على الموقف الصائب، والحصول على أقصى دعم ممكن من الغرب، يمكن لتركيا والعراق أن يتحولا إلى حصن منيع ضد محاولات دول مثل إيران لها تطلعات لبسط الهيمنة على منطقة الخليج وأماكن أخرى. وتحول تركيا إلى لاعب أساسي في الجهود الرامية لاحتواء إيران، أو تحولها بدلا من ذلك إلى أداة تمكين لادعاءات إيران النووية والسياسية، يعد واحداً من أهم الموضوعات التي تتم مناقشتها في الدوائر الاستراتيجية حالياً.ولا شك أن أزمة تركيا الأخيرة مع إسرائيل، قد رفعت الرهانات في هذا الخصوص إلى مستوى أعلى.

==========================

عملية القرصنة الاسرائيلية في المتوسط .. كيف نقرأها؟

سلطان الحطاب

alhattabsultan@gmail.com

الرأي الاردنية

5-6-2010

امام هذه العملية الصادمة والغريبة التي ارتكبت اسرائيل بها عدوانا سافرا ضد المجتمع الدولي وشرائعه في البحر منتهكة بذلك القوانين ومضيفة اشكالا خطرة من الاستفزاز الذي طلبت منها الادارة الامريكية الامتناع عنه لتمرير المحادثات غير المباشرة في عملية السلام ... امام هذا الواقع الجديد والمؤلم كيف يمكن اعادة قراءة المعادلة في الصراع. مَنْ المستفيد ومَنْ الخاسر ولماذا تقدم اسرائيل على ارتكاب هذه الحماقة بهذا المستوى من الغباء؟...

 

هل هي الهستيريا الاسرائيلية التي ما زالت تعتري اسرائيل بعد حربها التي لم تنتصر فيها على لبنان في تموز 2006 فاصبحت مرتبكة بعد ان ظلت تدمن الانتصارات على النظام العربي وتبتزه باستعراض القوة والعمل الاستخباري؟ ام هي شكل من اشكال معاودة فرد العضلات وارسال الرسائل للقاصي والداني بان اسرائيل هي سيدة البحر وهي التي تحاصر او توقف الحصار وان لا شريك لها في ذلك؟ ام انها تريد ان ترسل رسائل في انها تفضل بقاء الوضع الحالي كما هو في الانقسام الفلسطيني الذي وفر لها ذرائع عديدة ما زالت تستند اليها في الهروب من استحقاقات يلزمها العالم بها؟... وفي كل المقاييس الموضوعية فإن اسرائيل خسرت بهجومها الدموي على المدنيين في عرض البحر، تعرت وانكشفت للذين لا يعرفونها وظهرت على حقيقتها في المنطقة فقد زادت خسارتها لدى تركيا التي كانت صديقة بالأمس لتضاف هذه الخسارة لخسارتها لدولة أخرى في الإقليم هي إيران منذ سقوط حكم الشاه..

 

كما أن دول الإعتدال العربية وتلك الموقعة معها لإتفاقيات ومعاهدات لم تعد تثق وأصبحت محرجة وقادرة على الرد على اسرائيل وإدانتها كما يفعل الأردن الذي وصف اسرائيل على لسان الملك عبدالله الثاني بأنها تلعب بالنار وأنها تستخدم عقلية القلعة وأنها تعزل نفسها بما يشبه عزل كوريا الشمالية.

 

وإذا كان دعاة السلام العرب وأصحاب المبادرة يزداد احراجهم كلما أوغلت اسرائيل في العدوان وواصلت الهروب للأمام من عملية السلام فإن أطرافأ أخرى تستفيد بتأكيد مواقفها وفرضياتها..

 

فسوريا تثبت للعالم ولدول الإقليم ان اسرائيل خطيرة على الأمن والإستقرار ولا يجوز استمرار إجراء المناورات معها وهذه القناعة وصلت تركيا وكذلك اليونان اللتان أوقفتا الشراكة في المناورات البحرية العسكرية مع اسرائيل كم أن تركيا التي اتخذت قرارا شعبيا ورسميا بتسيير قافلة الحرية استطاعت أن تدخل كل بيت عربي وفلسطيني ومسلم مجددا بأعلامها وصور قادتها الذين ترجموا المشاعر الإنسانية وانتصروا للعدل والحرية.

 

تركيا تعيد تسخين المتوسط الذي تملك شواطىء واسعة فيه حرمت منها إيران وبالتالي فإن تركيا تلعب في ملعبها وتكسب جمهور المتفرجين الذين افتقدوا للاعبين عرب منذ زمن.

 

المساهمة التركية في اسطول الحرية حيث كانت تركيا صاحبة الامتياز والبراءة فيه اصطادت اكثر من عصفور بتسيير هذه القافلة فقد استردت دوراً اقليمياً كبيراً واعادت طرح نفسها كقائد في المنطقة ينافس اسرائيل وحتى ايران وقدمت نفسها كممثل للتيار الاسلامي السني بدل ايران التي مثلت الشيعة، واقامت قاعدة مقاومة في جنوب لبنان ( حزب الله ) فهل تقيم تركيا قاعدة من السنة واين غير غزة يصلح لذلك؟ بعد ان تقدم التطمينات على اعادة تأهيل هذا الشكل ليتناسب مع فهمها للاسلام ونموذجها الحاكم في تركيا والمتصف بالانفتاح والاعتدال وهو الاسلام الذي لا يغضب اميركا ولا يحرج النظام العربي. فهل تنجح تركيا في ذلك ؟

 

هل تكون تركيا في توسعها الاقليمي هي الرد المناسب على ايران وهل تكون القادرة على اعادة بناء التوازن في وجه اسرائيل من منظور احداث السلام؟.

 

تركيا جاءت متسلحة بالتاريخ العثماني وميراثه وتقاليده التي لم تمسح تماماً من الذاكرة والوجدان العربي المسلم واذا كان هذا لسواد عيون المسلمين والعرب فإن دورها الناشئ الان قد لايكون لذلك ولكن قد يستفيد منه العرب ان استطاعوا توظيفه وقد يشكو العرب اوجاعاً اقليمية اضافية ان لم يعرفوا توظيفه واستمروا في غيابهم وخوفهم وابتعادهم عن شعوبهم. تركيا تفرض نفسها على المنطقة باسلوب ناعم وحين اقتضى الامر دم وشهداء لكسر العقدة الاسرائيلية قدمت.. فهل اصبح طريقها سالكاً؟؟

==========================

هل بدأ العد العكسي للكيان الغاصب ؟

ضياء الفاهوم

 الدستور

5-6-2010

هناك من يرى أن العدد العكسي بدأ منذ رفض الإسرائيليون مبادرة السلام العربية التي تبناها مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بيروت عام 2002 ، والتي يمكن القول بكل موضوعية اليوم بأنها كانت ضربة معلم لأنها كشفت للدنيا حسب ونسب الصهاينة وأطماعهم غير المحدودة ونواياهم الشريرة ضد كل من ليس صهيوني أو لا يتبنى التصرفات الإسرائيلية مهما كانت بشعة .

 

وهناك من كان يرى أن الإسرائيليين كانوا يراوغون في موضوع القبول بمبادرة السلام العربية التي بتنفيذها حسب تسلسل بنودها سيضع حدا للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية التي احتلت عام 1967 وحل القضية الفلسطينية بمقتضى القرارات الدولية وبما يكفل إعادة الحقوق إلى أصحابها . وكانوا يعتقدون بأن هدف هذه المراوغة كان للحصول على شروط أفضل بالنسبة للإسرائيليين لا أكثر ولا أقل .

 

وبعد العدوان الإسرائيلي التدميري الغاشم على لبنان الشقيق في العام 2006 الذي تصدى له اللبنانيون الأبطال بكل بسالة وأوقعوا أثناءه خسائر في صفوف الإسرائيليين لم يشهدوا مثلها من قبل جاء عدوان إسرائيلي آخر بعده بحوالي سنة ونصف على الأهل في قطاع غزة لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا . وقد تمت إدانته وشجبه بصورة صارخة في أنحاء كثيرة من العالم وفضحه تقرير القاضي النزيه غولدستون الذي أحدث تغييرا كبيرا في آراء الناس على مستوى الكرة الأرضية ، وزاد على ذلك اغتيال القائد محمود المبحوح في دبي بأسلوب قذر لا يرتكبه أحد غير الصهاينة وموسادهم .

 

ثم جاءت فجر الاثنين الماضي ثالثة الأثافي وهي القرصنة الإسرائيلية في عرض البحر ضد أناس عزل تجمعوا من بلدان كثيرة من العالم للقيام بواجب إنساني نبيل هدفه إغاثة مليون وسبعمائة ألف إنسان وتطبيب جراحاتهم وكسر حصارهم اللئيم الذي لم نسمع بمثل ضراوته من قبل .

 

وعلى الرغم من كل ذلك يواصل المسؤولون الإسرائيليون تبجحا وقحا برفضهم أية تحقيقات فيما حصل والتهديد بمعاودة الكرة إزاء أية قوافل حرية أخرى لكسر حصار قطاع غزة وإنقاذ أهله من معاناة فاقت قدرة البشر على الاحتمال .

 

ولذلك وبناء على التطورات الأخيرة التي أظهرت الكيان الغاصب في فلسطين على حقيقته المنافية لكل الشرائع السماوية والقوانين والقرارات الدولية والقيم الإنسانية فإنه يصبح من حق المتفائلين بردة فعل عربية عارمة على مستوى تحدي الجرائم الإسرائيلية التي أصبح من الصعب جدا التغاضي عنها ، كردة الفعل التركية التي لاقت استحسانا على المستويات العربية والإسلامية والدولية ، أن يقولوا أن العد العكسي للكيان الغاصب في فلسطين قد بدأ فعلا وأن الإسرائيليين لن يستطيعوا إنقاذه من الزوال إلا إذا تأدبوا تماما وأنهوا احتلالهم للأراضي العربية ولم يضعوا أية عراقيل في وجه إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف وتخلوا للشعب الفلسطيني عن المستوطنات التي أقاموها في مدينتنا المقدسة وفي كافة أنحاء الضفة الغربية .

 

ولما كان هذا ليس بالأمر الذي من السهل قبوله من قبل أعداء الإنسانية الصهاينة ومن لف لفهم ، وفي مقدمتهم المسؤولون الإسرائيليون الحاليون شديدو التطرف والإجرام الذين تعرضوا لنقد شديد من أنحاء مختلفة من العالم شمل عددا لا بأس به من المعلقين الإسرائيليين الذين أدانوا أيضا قرصنة القوات البحرية الإسرائيلية الدموية بأوامر من الحكومة الإسرائيلية الحالية فإنه يمكن فهم الاستنتاج الذي تبناه كثيرون بأن العد العكسي لتواجد الكيان الغاصب في فلسطين قد بدأ ، والله تعالى أعلم .

==========================

الألمان والتجربة اليونانية

بقلم :علي الصمادي

البيان

5-6-2010

الأوضاع الصعبة التي يعيشها اليونان هذه الأيام تتداخل فيها كثير من خفايا السياسة مع خفايا الاقتصاد، ذلك أن غياب الحكم الرشيد عن هذا البلد في حكومات سابقة قاد الدولة إلى مديونية هائلة تزيد على 300 مليار دولار وأصبحت مهددة بأخطار اجتماعية تهدد كيان الدولة وتؤثر في قرارها السياسي بعد أن فقدت القرار الاقتصادي بسبب مديونيتها الهائلة.

ربما تكون اليونان ضحية أخرى للأزمة وقد تكون رأس جبل الجليد بالنسبة لأوروبا التي تتخوف من يونانيات أخرى في اسبانيا والبرتغال وايرلندا وحتى ايطاليا الدولة الصناعية الكبيرة.الأسباب التي قادت اليونان إلى هذه الكارثة ربما من الصعب أن نحيط بها، لكنها في مجملها تتمثل في زيادة الإنفاق العام وبدرجة تفوق مقدرة الحكومة مخالفة القاعدة الاقتصادية التي تدور حول «اللحاف وطول الرجلي» في اللهجة الفلاحية، فضلاً عن تشوهات تشريعية وتنظيمية تتعلق بالضرائب وقضايا اقتصادية أخرى فضحتها الأزمة.

البعض يعيب على ألمانيا ترددها في مساعدة دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وربما يكون هذا صحيحا لكن من يعرف «العقلية الألمانية» في «البيزنس» يدرك السبب في كون ألمانيا اكبر اقتصاد في أوروبا فضلاً عن كونها اكبر دولة مصدرة في العالم.

ألمانيا وضعت شروطاً ربما تكون قاسية على اليونان لتخفيض العجز في الموازنة ومنها زيادة الضرائب والإصلاحات التشريعية وخفض الإنفاق العام وغيرها، الأمر الذي قد يهدد بإضرابات وموجات عنف وقلاقل اجتماعية.

ولمن لا يعرف فإن كثيرا من الألمان غير راضين عن تقديم مساعدات لليونان، خصوصا أن سبب معاناة هذه الدولة المتوسطية السياحية يعود بالدرجة الأولى إلى أخطاء بشرية تخالف تماما نظرة الألمان إلى العمل، فهم يطالبونها بالمزيد من العمل والجهد وحتى الانضباط الاقتصادي.

الألمان يدركون الآن أن هناك قائمة من الدول قد تلحق بالتجربة اليونانية المرة، وهم لا يستطيعون تقديم المساعدة في كل مرة، حتى وإن كانت هذه الدول تستقبل الصادرات الألمانية في أسواقها.البعض يقول ان وجود أوروبا قوية يعني وجود ألمانيا قوية لأن اليورو كما يصفه البعض هو النسخة الأحدث من المارك الألماني الشهير، والكل يعلم ماذا عملت ألمانيا حتى تظهر الوحدة في أوروبا وكيف عانت في البداية لتحقيق وحدتها ومن ثم وحدة أوروبا، فضلاً عن تجربة مرة عاشتها ألمانيا بعد الحرب الثانية وتقسيمها بين شرقية وغربية.

 

بالطبع ألمانيا لن تقف مكتوفة الأيدي عند ظهور بوادر الخطر في الاقتصاديات الأوروبية الأخرى لكنها من جهة أخرى تريد انضباطا اقتصاديا يضمن للكتلة الأوروبية الاستقرار أمام ما يبدو انه اكبر تحد يواجه القارة العجوز ويهدد بفرط العقد الأوروبي الذي تتزعمه ألمانيا اقتصادياً.

 

اليونان ومن خلال تجربتها القاسية عزلت نفسها عن العالم وعن أوروبا في ظل عولمة عنوانها الاقتصاد، وهي أي اليونان تعرف أن ثمن المساعدات التي قدمتها ألمانيا وصندوق النقد الدولي يعني التنازل عن جزء كبير من القرار الاقتصادي، لكنها مطالبة مع أوروبا بالانتباه أكثر إلى الجانب الاجتماعي وتأثر الشعب اليوناني بإجراءات التقشف، خصوصا أن الكثيرين يرفضون أن يدفعوا ثمن أخطاء حكامهم السابقين، وهي أخطاء راوحت بين الفساد والإسراف في الإنفاق، وربما يكون الشعب والطبقة الفقيرة هم دافعي هذا الثمن الباهظ.

 

ألمانيا وأوروبا اليوم أمام تحد اقتصادي لن يكون سهلاً، وعلاج اليونان رجل أوروبا المريض قد يأخذ سنوات، هذا إذا بقيت اليونان وحدها ولم تنسحب التجربة على دول أخرى، وربما تعاني أوروبا كلها اقتصاديا بسبب التجربة اليونانية، بل أن بعض المتشائمين بدأ يشكك في بقاء الاتحاد نفسه ككتلة اقتصادية واحدة مع وجود اختلالات اقتصادية عديدة ستؤثر حتما على النمو الذي تلقى ضربات سابقة بتأثير الأزمة العالمية وما رافقها من تراجع ثقة المستهلك وحركة التجارة والتصدير، وهي قضية هامة بالنسبة للاقتصاد الألماني الذي يعاني من مشكلة فريدة من نوعها.

وهي ذلك الكم الهائل من المواد والسلع والمنتجات المعدة للتصدير والتي تحتاج إلى أسواق وقوة شرائية جيدة للمستهلك الذي تراجعت ثقته كثيرا خلال العامين الماضيين بفعل الأزمة، وربما يكون هذا حافزا لألمانيا للبقاء على اعلي درجات الاستعداد ومراقبة أداء الاقتصاديات الأوروبية المهددة بالانكماش والعولمة لم تترك لأي كان فرصة الانعزال.

==========================

الصراع على التركة

بقلم :حسين العودات

البيان

5-6-2010

لم يمت العرب بالتأكيد، لكن المظاهر العامة والظروف القائمة ورغبات غير الإقليميين والدوليين وأمنياتهم، توحي جميعها بأن الأمة العربية مريضة بل وكأنها على فراش الموت، ويتحفز الجميع هنا وهناك للانقضاض على تركتها، من دَور وأهمية وموقع استراتيجي وممتلكات وثروات.

 

وامتد الصراع حتى على الدين الذي حمله العرب ونشروه في الشرق والغرب، وساهموا به ومعه في بناء الإمبراطورية العربية الإسلامية، التي غيرت التاريخ الإنساني وأغنت الثقافة العالمية، وساهمت بفعالية في بناء الحضارة الإنسانية.

 

وأظن أن الأمراض التي تنهش في جسم الأمة العربية لم تقض عليها بعد، فمن المستحيل أن تقضي على ثلاثمائة مليون نسمة، يحتلون أهم المراكز الاستراتيجية والجيوسياسية في العالم، معظمهم من الشباب، يتمتعون بعمق ثقافي كفيل بإحياء أمتهم في أي وقت، تمور داخل مجتمعاتهم أسباب التغيير والرغبة بالتطور والحلم ببناء مجتمعات أفضل ودول (إن لم يكن دولة واحدة) حديثة، جاهدين كي يستوعبوا الحداثة والديمقراطية والعقلانية.

 

وينهضوا من جديد ململمين إمكانياتهم مطورين ظروفهم محققين شرطهم الموضوعي، قادرين على امتلاك ناصية أمورهم، محتلين مقعدهم الإقليمي ودورهم الطبيعي كقوة إقليمية هامة لها دور مؤثر ليس فقط في مستقبل المنطقة بل وفي مستقبل العالم أيضاً.

 

تتنازع المنطقة الآن ثلاث قوى إقليمية هي إيران وتركيا وإسرائيل، وللأسف الشديد فإن العرب الذين يمتلكون أهم ما في المنطقة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وجغرافياً وغيره لا يحتلون أي مقعد منافس بين هذه القوى الإقليمية، وبغض النظر عن حنو بعض هذه القوى،مشكورة، على الحال العربي، وتأييدها للحق العربي.

 

كما شأن إيران وتركيا، فإنه ما حك جلدك مثل ظفرك من جهة وإنه من الطبيعي أن تكون مصالح كل من القوتين لها الأولوية الأولى من جهة أخرى، وهذا أمر طبيعي وبديهي ومشروع لكل منهما، أما غير الطبيعي في هذا المجال فهو أن يسند العرب إلى غيرهم رعاية مصالحهم والدفاع عنها والحفاظ عليها، وكأنهم معاقون أو مرضى أوكأن أمتهم على فراش الموت تعاني سكراته.

 

أما الأمر الأكثر إيذاء وضرراً والذي يؤذن بدمار مقبل إن تحقق، فهو أن القوة الإقليمية الثالثة أي (إسرائيل) تعمل بإصرار على أن تكون وريثة العرب اقتصادياً وسياسياً وسيادياً وجيوبوليتيكياً وغير ذلك، وهذه هي الطامة الكبرى.

 

يبدو أنه لم تعد لدى إسرائيل مخاوف وهموم تتعلق بالحفاظ على مااغتصبته من فلسطين عام 1948، ولاخوف على ترحيل المستوطنات من أراضي الضفة، أو (إعادة) تقسيم القدس، أو عودة اللاجئين، فهذا كله في متناول يديها إن شاءت ذلك وإلى حد بعيد.

 

لكن حكوماتها المتعاقبة من اليمين واليسار ترفضه لأنها تسير حسب استراتيجية أكبر وأشمل، تعمل بدأب لبناء (شرق أوسط جديد) يكون لها فيه نصيب الأسد، وتتولى من خلاله التحدث باسم العرب، بعد الهيمنة على سياساتهم واقتصادهم وشؤون حياتهم، بما يؤهلها لوراثتهم كلياً، وعندها تصبح قوة أقليمية يصعب مواجهتها فكيف بالتغلب عليها.

 

ويبدو أن جانباً ليس قليل الأهمية ولا ثانوياً من الصراع الإسرائيلي الإيراني، والإسرائيلي التركي المحتمل لا تبتعد أسبابه عن هذا الإطار، وأن السباق قائم على قدم وساق بين هذه القوى ليتبوأ كل منها مركزاً يؤهله لتحقيق مصالحه، والظفر بالقسم الأكبر من التركة ومن موازين القوى، وإن صح هذا الافتراض فمن المتوقع أن يزداد التنافس التركي الإسرائيلي حاضراً وسيتحول إلى صراع مستقبلا.

 

وربما يفسر الهمجية التي مارستها القوات الإسرائيلية ضد قافلة الحرية باعتبار تركيا راعية لها، ويلقي ضوءاً على حدة الصراع الإسرائيلي الإيراني الذي بلغ مرحلة كسر العظم، وعلى الموقف الإسرائيلي المتطرف من برنامج إيران النووي.

 

وتراقب الإدارة الأمريكية عن قرب مجريات التنافس والصراع، تمهيداً لاختيار الموقف الأفضل لمصالحها، وهاهي سياستها تلعب تحت الطاولة وفوق الطاولة، وتناور وتدلس، وتغير المواقف (ظاهراً أو باطناً) ريثما تتبين ملامح آفاق المستقبل.

 

الأمر الكارثي، هو أن معظم العرب، إما أنهم لا يدركون قدراتهم وحجم إمكانياتهم ومصالحهم القريبة والبعيدة، أو أنهم استطيبوا الاعتماد على قوى إقليمية أخرى، أوعلى قوى دولية، منتظرين أن تستعيد لهم حقوقهم وتحافظ على مصالحهم، وانقسموا على أنفسهم، فبعضهم يؤيد هذه القوة ويراهن عليها ويقيم علاقات استراتيجية معها، وبعضهم الآخر يؤيد قوة ثانية.

 

ولا يبالون بالصراع العنيف الذي يستهدف الهيمنة عليهم وعلى مصالحهم، بعد أن أهملوا إمكانياتهم الذاتية، وقدراتهم الكامنة، وقوتهم الاقتصادية، وموقعهم ودورهم التاريخي، وتجاهلوا أن النظام العربي الحالي أصبح نظاماً عتيقاً.

 

أودت به التطورات العالمية، سواء منها انتهاء الحرب الباردة، أم هيمنة العولمة، أم شيوع مفاهيم المصلحة (البراغماتية) في العلاقات الدولية، وأن من لا يستفيد من مفاهيم الحداثة، والثورة التقنية، ويبني الدولة الحديثة ويحترم مفاهيمها، لن يكون له مكان في عالم اليوم، ولا في أي عالم.

 

لقد أصبح الصراع الإقليمي الآن على أمور أشمل من فلسطين، ولم يعد صراعاً على الأرض والحدود والمياه واللاجئين والقدس فقط، بل تجاوز كل ذلك ليطاول الهيمنة على المنطقة، وتقاسم النفوذ فيها، والاستيلاء على القرار والاقتصاد والبشر والحجر.

 

وفي ضوء هذا ينبغي فهم الصراعات بين القوى الإقليمية وأهدافها، وتفسير كثير من المواقف التي يصعب تفسيرها بمعطيات التحليل المتداول، فلم تعد الرؤية قصيرة المدى كافية لإدراك ما يجري، ومن لا يرى أبعد من أنفه سيتعثر حاضراً ومستقبلاً.

كاتب سوري

==========================

لماذا تختار إسرائيل العنف؟

الجمعة, 04 يونيو 2010

باتريك سيل *

الحياة

تفاوتت في جميع أنحاء العالم أشكال التنديد بالغارة القاتلة التي ألقتها إسرائيل على «أسطول الحرية» الذي كان متجهاً إلى قطاع غزة يوم الاثنين الماضي. فمنهم من وصف هذا الهجوم بإرهاب دولة فيما اعتبره البعض قرصنة وجريمة حرب ورأى فيه البعض الآخر تجلياً جديداً لعدم احترام إسرائيل القانون الدولي ودليلاً على سلوك إجرامي ينمّ عن عدم مبالاتها بحياة الأشخاص من غير اليهود.

وبالنظر إلى فداحة هذا التصرّف وإلى حصيلة القتلى والجرحى في صفوف الناشطين غير المسلحين الذين كانوا يسعون إلى فكّ الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة منذ ثلاث سنوات، تُعتبر هذه الاتهامات مبررة. إلا أنها لا تفسر السبب الذي يدفع إسرائيل إلى التصرف على هذا النحو. فليس زعماؤها العسكريون والمدنيون على حدّ سواء مبتدئين في السياسة وغير واعين لما يقومون به بل كلّ ما يفعلونه متعمدّ ومدروس بدقة. فما هي إذاً الاستراتيجية القاسية التي يعتمدونها؟

يبدو أنّ ثمة عقيدتين أمنيتين مختلفتين حالياً، الأولى موجّهة ضد الفلسطينيين فيما الثانية موجّهة ضد خصوم إسرائيل في الشرق الأوسط الأوسع وعلى رأسهم إيران إلى جانب حلفاء طهران العرب المتشددين مثل سورية و «حزب الله» وحركة «حماس».

وتبدو الاستراتيجية التي تعتمدها إسرائيل حيال الفلسطينيين واضحة للغاية. فمنذ إطلاق المشروع الصهيوني، سعت إسرائيل إلى هزيمتهم وطردهم من أرضهم. ومنذ حرب العام 1967، تسارعت وتيرة حركة الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ظلّ تعاقب الحكومات الإسرائيلية من كافة الأطياف السياسية. فلا يقتصر التوق إلى قيام إسرائيل الكبرى الممتدة من البحر المتوسط إلى نهر الأردن على اليهود المتطرفين دينياً والوطنيين اليمينيين المتشددين فحسب، بل ينتشر هذا الشعور في شكل واسع في إسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ إنشاء هذه الدولة.

وبهدف تحقيق طموحاتها التوسعية، طالما سعت إسرائيل إلى تفادي إجراء مفاوضات جدية مع الفلسطينيين لأن نجاح هذه المفاوضات يعني التنازل عن الأراضي. تكره إسرائيل المعتدلين الفلسطينيين الذين يرغبون في التفاوض مثل رئيس السلطة الفلسطينية السيئ الحظ محمود عباس وتفضّل المتشددين الفلسطينيين مثل حركة «حماس» لأن من غير الممكن التفاوض معهم. وتؤكد العبارة الشعبية التالية التي يكررها الإسرائيليون على صحة هذا الواقع: «كيف يمكنك أن تتفاوض مع شخص يريد أن يقتلك؟».

ويجب اعتبار الاعتداء على الأسطول قبالة سواحل قطاع غزة بمثابة محاولة إسرائيلية جديدة لجعل الفلسطينيين أكثر تطرفاً وبالتالي إحباط ما يسمى «المحادثات عن قرب» حتى قبل بدئها، والتي سعى مبعوث الرئيس باراك أوباما إلى منطقة الشرق الأوسط جورج ميتشل جاهداً لإرسائها. سيتعرض حالياً محمود عباس لضغوط كبيرة حتى ينسحب من هذه المحادثات وإلا فقد ينعته الفلسطينيون والرأي العام الذين يعتريهم غضب شديد بالخائن.

ولا شك في أنّ إسرائيل تعتقد أنّ العاصفة ستمر وأنها ستنجح في كسب الوقت لتوسيع رقعة الاستيطان، وأنه سيتم قريباً نسيان الاعتداء الإسرائيلي المسلح الأخير كما حصل مع الحرب الوحشية التي شنتها على قطاع غزة في نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) 2008 وبداية شهر كانون الثاني (يناير) 2009 بحيث طغت الأحداث الأخرى عليها. فالحصار على قطاع غزة لا يزال مستمراً والفلسطينيون منقسمون والمجتمع الدولي يندد ولا يفعل شيئاً وإسرائيل تتحضر لتوسيع استيطانها.

ولا شك في أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يعتقد أنّ أوباما لن يجرؤ على التعامل بقسوة مع إسرائيل قبل الانتخابات النصفية المتوقع حصولها في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل أو أقله بعدها في حال خسر الديموقراطيون.

أما العقيدة الأمنية الإسرائيلية تجاه الشرق الأوسط الأوسع فقد تكوّنت حتى قبل أن تقوم الدولة الإسرائيلية على يد ديفيد بن غوريون الذي كان أول رئيس للوزراء فيها. ولكي تضمن إسرائيل أمنها واستمرارية وجودها في جوّ عدائي، يجب أن تسيطر عسكرياً على المنطقة وأن تكون أقوى من كلّ أعدائها مجتمعين. لا ينبغي على إسرائيل إظهار أي ضعف ويجب ألا تتردد في استخدام القوة لمواجهة أي تحدّ حتى ذلك الذي يفرضه ناشطو السلام غير المسلحين والموالون للفلسطينيين. أما الشعار الذي رفعته الدولة اليهودية المتحدية فهو «لن يتكرر هذا الأمر مجدداً».

وبهدف الحفاظ على هيمنتها العسكرية على المنطقة، قامت إسرائيل وأصدقاؤها الأميركيون الذين كانوا في موقع جيّد حينها في وزارة الدفاع ومكتب نائب الرئيس الأميركي بدفع أميركا إلى شنّ حرب ضد صدام حسين في العراق عام 2003 ولم يترددوا في اختلاق دلائل تشير إلى حيازة العراق أسلحة دمار شامل. وتعتبر إسرائيل وأميركا أيضاً أنّ الحرب كانت ناجحة بما أنها أبعدت الخطر الذي كان يشكله العراق على إسرائيل على مدى جيل كامل على الأقل.

واليوم، تعتبر إسرائيل أن إيران هي خصمها الأساسي. وفي حال قررت أن تهاجم منشآت إيران النووية فهي تريد أن تكون متأكدة من أنّ الولايات المتحدة ستنضم إليها لإنجاز هذه المهمة ولحمايتها من أي رد فعل عنيف. لكن، لكي تحصل على دعم أميركا، يجب أن تبدي عزمها المطلق على مواجهة أيّ تهديد لهيمنتها والقضاء عليه مهما كان بسيطاً. ويجب النظر إلى الاعتداء الذي شنته إسرائيل على الأسطول المتجه إلى قطاع غزة بمثابة عرض لقوتها ويهدف إلى تمهيد الطريق سياسياً ونفسياً أمام شنّ هجوم على إيران. ويعتبر نتانياهو وأوباما على حدّ سواء أن نزاع إسرائيل مع الفلسطينيين وصراعها مع إيران مرتبطان ببعضهما بعضاً.

ولا شك في أنّ نتانياهو وزملاءه العقائديين انخرطوا في استراتيجية خطرة ومكلفة للغاية. فإسرائيل اليوم على خلاف مع معظم بلدان العالم. وستتعزز مشاعر الكره إزاء الدولة اليهودية ليس في صفوف المسلمين فحسب وقد تترافق بمعاداة للسامية. حتى أنّ محاولة «نزع شرعية» إسرائيل التي تثير قلق عدد كبير من المفكرين اليهود في الولايات المتحدة وأوروبا، قد تجري بسرعة أكبر.

وقد تصعب مقاومة الضغوط الدولية على إسرائيل من أجل رفع الحصار القاسي الذي تفرضه على قطاع غزة منذ ثلاث سنوات. أما مصر التي سبق أن عقدت رسمياً اتفاق سلام مع إسرائيل في عام 1979، فستواجه ضغوطاً كبيرة من قبل شعبها الغاضب من أجل قطع العلاقات معها. وقد أمر الرئيس المصري حسني مبارك الذي يتهمه عدد كبير من العرب بمسايرة إسرائيل في حصارها بفتح معبر رفح لإدخال المعونات الإنسانية إلى قطاع غزة. وقد يرى الأردن الذي تقرب من إسرائيل على مدى سنوات ضرورة الابتعاد عنها.

اما تركيا التي كانت حليفة إسرائيل فقد انضمت إلى صفوف ألد أعدائها. فهذا هو الثمن الباهظ الذي ينبغي على إسرائيل دفعه مقابل قمعها العنيف للفلسطينيين وتوقها الكبير إلى الاستحواذ على الأراضي وطموحاتها الإقليمية الهائلة. وقد تطوّرت الأزمة إلى صراع بين إسرائيل وتركيا لحيازة الهيمنة الإقليمية.

كتب المعلّق الإسرائيلي اليميني موردخاي كيدار من جامعة بار إيلان على موقع «واي نيت» هذا الأسبوع: «من الذي يسيطر على هذه المنطقة؟ ... سيتمّ إيقاف قوات الإمبراطورية العثمانية التي تطمح إلى حكم الشرق الأوسط من جديد عند سواحل قطاع غزة».

ستدفع الولايات المتحدة ثمناً باهظاً بسبب تصرف إسرائيل العدائي. فأصبح حليفها المثير للمشاكل بمثابة عبء ثقيل عليها. أما معضلة أوباما فهي التالية: إن واجه إسرائيل بحزم كما يرغب طبعاً في فعله فسيواجه أزمة سياسية في بلده وإن لم يقم بذلك فستتلطخ سمعته في الخارج.

أما السؤال الأساسي الذي لم يلق جواباً حتى الآن فهو ما إذا كانت الأزمة الدولية ستؤدي إلى أزمة داخلية في إسرائيل. من الممكن أن يطلق الرأي العام الإسرائيلي، الذي يعي الحقد الذي يبادله إياه العالم ويخشى خسارة الدعم الأميركي، ثورة ضد سياسات نتانياهو الخطرة والمتصلبة. وقد يضطر هذا الأخير إلى الاستقالة وإلى خوض انتخابات جديدة.

ويبدو أنّ هذه هي النتيجة التي يأمل أوباما في الوصول إليها.

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط

==========================

القضيّة ربّما كانت الصراع على المشرق

السبت, 05 يونيو 2010

حازم صاغيّة

الحياة

الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في عرض المياه الدوليّة انتهت هزيمةً محقّقة لها، سياسيّاً وديبلوماسيّاً وإعلاميّاً. لكنّها، للأسف، لم تنته نصراً للفلسطينيّين إلاّ إنسانيّاً. وهذا ليس عائداً إلى كون الفلسطينيّين منقسمين فحسب، يفتقرون إلى أداة سياسيّة جامعة، ولا إلى التفاوت المؤلم في الأسعار السياسيّة للدم، حيث تبدّى ما يُراق من دمائهم أرخص وأقلّ فعاليّة مما يُراق من دماء غيرهم.

السبب الأهمّ أنّ النصر السياسيّ معقود ل... تركيا. والأخيرة قد تنجح في إحراز حلول إنسانيّة تعود بالنفع على الفلسطينيّين، لكنّها حكماً لن تستطيع ما هو أكثر من ذلك إلاّ في حال التضافر بين جهودها وجهود السلطة الفلسطينيّة إذا ما تسنّى لها أن تقوى، ومن ورائها سائر الجهد العربيّ والدوليّ. فتركيا بذاتها ليست قوّة عظمى، وهي تبذل قصارى جهدها كي تنتسب إلى النادي الأوروبيّ، ثمّ إنّها محكومة بعلاقات اقتصاديّة مع إسرائيل، وبأخرى عسكريّة واستراتيجيّة مع الولايات المتّحدة والحلف الأطلسيّ ممّا لا تستطيع شعبويّة رجب طيّب أردوغان التغلّب عليه.

بلى، تستطيع أنقرة أن تنجز مهمّة أخرى تجد ما يعزّزها في الحصّة التي ستحصل عليها من الورقة الفلسطينيّة المبدّدة، وتالياً من الورقة العربيّة المفوّتة. وهذه المهمّة هي تحديداً تحسين شروطها للتنافس مع إيران. واحتمال كبير كهذا لا بدّ أن يعاود، من موقع مداور، ربط الوجهة التركيّة بالوجهة الغربيّة، إذ في حال كهذه ستعلو إرادة الجنرالات في أنقرة على إرادة «العدالة والتنمية». وأهمّ من ذلك أنّ تنافساً ضارياً كهذا يستأنف صراعاً على النفوذ بين الطرفين الإقليميّين، هو من تقاليد المنطقة، كما يستأنف نزاعاً مذهبيّاً لا يقلّ تقليديّة تتكاثر اليوم ساحاته.

ولا يفوت المراقب أنّ الصوت الإيرانيّ لم يُسمع في هذه المعمعة، علماً بأنّ الصراخ من شيم طهران. فهي بدت أكثر انشغالاً بأمور معارضتها وبذكرى الخميني، واقتصر رئيسها على الإدلاء بأحكام عامّة لا تسمن ولا تغني من جوع!

فهل نحن على عتبة صراع على المشرق، بالمعنى الذي كانه الصراع الخمسينيّ على سوريّة ما بين مصر والعراق؟ وهل نشهد مضاعفات صراع كهذا في غزّة وفي «حماس» وفي المحطّة الكرديّةّ شمال العراق وفي سائر المحطّات العراقيّة، بل في سوريّة ولبنان أيضاً، على أن تتولّى كلّ «ساحة» تلوين هذا الصراع بلونها، فيما يزايد كلّ طرف على الآخر ب... فلسطين؟.

مثل هذا قد يكون خبراً جيّداً لكثيرين، إلاّ أنّه خبر سيّء لعرب المشرق أوّلاً، لأنّهم، وبأشكال وصيغ متفاوتة، يغدون «ساحات»، لا بلداناً، وللقضيّة الفلسطينيّة ثانياً. ذاك أنّ الأتراك اليوم، بعد إيران وبعد الأنظمة العربيّة، يبدون قدرة ملحوظة على استعمال تلك القضيّة المطروحة بسخاء للاستعمال. وقد يقال إنّ الصراع مع إسرائيل سيستمرّ في صيغة أو أخرى، بقيادة تركيا أو بقيادة إيران. لكنّ هذا شيء آخر غير قضيّة فلسطين المتروكة لانتهازيّين يبيعون الأوهام أو لسذّج تشتريهم الأوهام على شكل صراخ في الشوارع والصحف ومحطّات التلفزيون. وذلك، مرّة أخرى، مؤلم جدّاً.

==========================

المجتمع المدني.. مفهوم بحاجة الى مراجعة

المستقبل - السبت 5 حزيران 2010

العدد 3672 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد حلمي عبدالوهاب()

من بين التمظهرات الجدلية والاستفهامية التي تتعلق بمفهوم "المجتمع المدني" برز في الآونة الأخيرة نقاش انتلجنسي حول معطياته ودلالاته اللغوية، فضلا عن طبيعة العلاقة التي تجمعه بمجموعة من المفاهيم والمصطلحات الأخرى كالمجتمع السياسيّ والمجتمع الأهليّ...إلخ. وإذا بدأنا بدلالة المصطلح لغويا للاحظنا أن ثمة تحفظا مبدئيا على هذه الدلالة من منطلق أنّ لفظة "مدني" تحيلُ في لغتنا العربية إلى "المدينة" ومن ثم، يمكننا بشيء من التجاوز أن نضع عبارة "المجتمع المدني" في مقابلها العربيّ، ألا وهو: "المجتمع البدوي"، تمامًا كما فعل ابن خلدون من قبل حينما استعمل "الاجتماع الحضري" ومقابله "الاجتماع البدوي" كمفهومين إجرائيين في تحليل المجتمع العربيّ خلال عصره والعصور السابقة له.

هذا، ويميز معظم الباحثين بين مرحلتين رئيستين في تاريخ المفهوم، أولاهما: العصر الكلاسيكي لمفهوم المجتمع المدني. وثانيتهما: التصور الغربيّ الحديث في كل من الفكر الماركسي والليبرالي. كما يميز البعض الآخر بين مفهومين مهمين أيضا: الأوّل مرتبط ب"مفهوم المجتمع المدنيّ بالمعنى المؤسساتي والدستوري" باعتباره الصيغة المُمارسة على أرض الواقع. والثاني: ذلك المرتبط بمفهوم "المجتمع المدنيّ بالمعنى المعرفي" وهو المرهون أصلاً بالمساحة المرجعية التي يوفرها مجمل الإنتاج الفكريّ لنخبة هذا المجتمع، أو التي يستفيد منها.

أيّ أنّ مفهوم المجتمع المدنيّ، صعودًا، وفق محور الصيرورة الزمنية، خاضع لجملة من الحدود الفاعلة فيه، أهمها فعل الصيرورة ذاته، باعتبار أنّه مفهوم ناتج عن مجموعة من التفاعلات، الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو ما لاحظه أحدهم حين أكد أن ثمة فرقا كبيرا بين أن تجعل المجتمع المدنيّ هدفا تسعى إليه، من خلال رصد مساحات قادرة معرفيّا على تأسيس هذا المفهوم، وبين أن تطلب بسحب مفهوم محدّد حول هذا المعنى، باعتباره صيغة قادرة على الإنتاج المباشر، في مجتمع ما من نظام ما وقلب هذا النظام إلى نظام مؤسساتيّ، يقوم في تفاصيله على معنى سياسيّ أساسه المجتمع المدنيّ، دون البحث في مساحة المتاح وفهم الممكن المعرفي، أصلاً، لإمكانية حراك هذا المفهوم واقعيا.

والواقع أن كلا من مفهوميّ السلطة والمجتمع المدني من أشد المفاهيم التباسا بالرغم من كثرة تداولهما في الكتابات السياسية والصحافية، لدرجة أنه بات من العسير بالفعل تحديد الإطار الذي تنتمي إليه الكتابات المتعلقة بهذا المفهوم: هل تندرج ضمن سياق الفكر السياسيّ والنظرية السياسية، أم ضمن حقل علم الاجتماع السياسيّ، أم تحت الدراسات الإعلامية المهتمة بالرأي العام والجماعات المؤسِسة للمجتمع المدني، أم في إطار العلاقات الدولية بخاصة بعد أن كثر الحديث أخيرا عن ما يسمى "المجتمع المدني العالمي"؟!

هنا يجب أن نفرّق بين أمرين مهمين: بين أن نطرح هذا الشعار، تكتيكيّا، بغية حجز مساحة سياسيّة تؤمّن لنا إمكانية ممارسة طموح ما محدد وواضح، وبين أن يكون هذا الشعار غاية في حد ذاته وهدفا وتصوّرا لمرحلة مستقبلية أفضل. فإذا كان الاحتمال الأوّل هو الوارد في سياق الاهتمام بمفهوم المجتمع المدني، وهو أنّ هناك بعض الفعاليات التي تريد أن تشرّع لهذا المفهوم، رهنا لطموح سياسيّ تمتلكه، فما عليها إلاّ أن تطالب - وبشكل مباشر- بالتعبير عن هذا الطموح، والذي لا بدّ من أن يتقدّمه وجبة معرفية كافيّة قادرة على حجز الحجم الكافي لصيغته من ضمن البنية الاجتماعية للمجتمع، وليس الاتكاء على تقديم مساحات سوداء تشوب المجتمع، وتقديم نفسها مخلّصا، من مجمل المنتج السلبيّ الذي شاب الحراك السياسيّ والاقتصادي، خلال مراحل سابقة.

أما إذا كان هذا المفهوم يُطرح على أنّه هدف وتصوّر لمستقبل أفضل، فما على من يتبنى طرحه إلاّ أن يضع له أسسه، ويبحث في ثقافة الأمّة عن مفردات تضمن له حراكه، ويُفعل هذه المفردات بغية أن يصّاعد فعل الداخل ليصل أخيرًا إلى مستوى المتصَوَّر، أو المتخيَّل. وعليه أيضا أن يحاول إنتاج المساحة المعرفية القادرة على استيعاب عناصر وملحقات المجتمع المدني، الذي يعمل أو يطمح إليه، ليصبح العنصر القادر على التمييز والإنتاج، في ظلّ فهم متقدّم لمجمل ما يحتويه المجتمع العربيّ عامة.

تاريخيا نشأ مفهوم المجتمع المدني في الفكر الغربي إبان القرن السابع عشر عندما بدأ جون لوك وتوماس هوبز يبحثان عن مفهوم جديد في مقابل الملكية والكنيسة انطلاقا من فكرة المواطنة. ففي الملكية لا يتم النظر للمواطن إلا باعتباره رعية من الرعايا، وفي الكنيسة ينظر إليه باعتباره مؤمنا في مجتمع المؤمنين. وفي كلتا الحالتين كان الوجود الإنسانيّ يستمد مقوماته من خارجه، من السلطة السياسية تارة أو السلطة الدينية أو من كليهما معا تارة أخرى.

ومن ثم، كان مفهوم المجتمع المدني يطرح آنذاك باعتباره بديلا عن كل من الدولة والكنيسة معا! وفيه يصبح المرء عضوا بمحض إرادته يقرر شكل السلطة في المجتمع بحسب ما تمليه المصلحة العامة عن طريق العقد الاجتماعيّ كما حدده لوك واسبينوزا في القرن السابع عشر، وروسو في القرن الثامن عشر. ولعل ذلك هو ما دفع البعض إلى الحديث عن تطور المفهوم بتقسيمه إلى مرحلتين رئيستين: المرحلة الكلاسيكية، والمرحلة الحديثة.

على أن المجتمع المدني كان يقصد آنذاك كل مجتمع بشري خرج من حالة الطبيعة (الفطرية) إلى الحالة المدنية التي تتمثل بوجود هيئة سياسية قائمة على اتفاق تعاقدي. ومن ثم، فهو لا يعرف المراتب الاجتماعية ولا التدرج الاجتماعي، كما أن تركيبته الداخلية لا تعرف بالمثل السيطرة ولا التبعية، لأنّ العلاقات داخله ليست علاقات بين قوى اجتماعية أو طبقات اجتماعية، ولكنها علاقات بين أحرار متساوين. وهو المعنى الذي تغير بشكل جذري فيما بعد على يد كل من: هيجل، وماركس، وأنطونيو غرامشي، وماكس فيبر.

==========================

اغتيال سياسي للحركة الصهيونية

المستقبل - السبت 5 حزيران 2010

العدد 3672 - رأي و فكر - صفحة 19

يوسي بلوم هليفي

(موقع "محلكاه ريشوناه" الإسرائيلي 3/6/2010)

ترجمة: عباس اسماعيل

لم يكن وضعنا يوماً أسوأ مما هوعليه اليوم في العالم. أعداء غدارون من البيت، مع فيالق يسار فوضوي أوروبي ومنافق، انضموا إلى تجمهر عربي، إسلامي معادي للسامية ومجموعات نازية في كل أرجاء العالم. فالكره لإسرائيل بسبب نجاحها القومي الذي لا سابقة له، نموها الإقتصادي، المعرفة والتكنولوجيا تحولت إلى بديل أساسي لكره اليهود القديم من قِبل أوروبا حتى زمن القرون الوسطى، طرد السفارديم وإجبار يهود البرتغال على اعتناق المسيحية، قمع وإذلال يهود الشرق من قِبل الإسلام المتطرف على مر الأجيال.

الصهيونية، كحركة تحرير قومية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، تتعرض لعملية اغتيال سياسي غير مكبوحة من جانب دول الإتحاد الأوروبي والمجتمع الأوروبي المتفسّخ والمنهزم، وذلك منذ خضوعه للغزاة العرب الذين يفرضون روح الإسلام على أوروبا المنافقة والمذعورة.

فالصوت هو صوت "حركات السلام العالمي" لكن اليدين تمسك بسيف حاد مسلط ليس على رقبة دولة إسرائيل فحسب، بل موجه نحو روح ونفس الأمة اليهودية التي ثارت على أرض إسرائيل رغم كل الأخطار.

كثر هم أعداؤنا، والأكثر عداوة بينهم هم من داخلنا، وهم وشاة، حاقدون، مفترون، جواسيس، متآمرون، مقاطعون. تجدهم في كل مؤتمر لنفي الهولوكوست، من بينهم يهود يكشفون عن ذراع مرقّم من أوشفايتس ويعتبرون أبناء شعبهم ك"مواصلين لطريق هتلر".

إلى ذلك ثمة قاضٍ وجلاد يهودي من جنوب أفريقيا يتهم إسرائيل وضباطها بجرائم حرب في غزة. ومن الشرق قام هتلر ليواصل طريقه بصورة الرئيس الإيراني. شكله نازي، تهديداته هي تدمير وقتل الشعب اليهودي، أسلوبه السياسي يتميز باحتقار مطلق للقيم، للأخلاق الإنسانية، ولثقافة احترام حقوق الآخرين.

أكاذيب، غطرسة واستخفاف بشعوب العالم، وخاصة بضعفها الأخلاقي والتصاقها بالمعاداة للسامية القديمة، هي السلاح القوي لأحمدي نجاد، زعيم البلطجيين الإرهابيين في محور الشر السوري، الكوري الشمالي، الحزب اللاهي، الفنزويلّي، التركي والبرازيلي. تهديداته بتدمير دولة إسرائيل والتنبؤات عن نهايتها القريبة، لم تحرّك أبداً، ولا تحرك حتى اليوم منظمة الأمم المتحدة، لأن تهديدا كهذا ضد مجتمع آخر كان يُلزم بعمل سياسي ضد إيران.

هكذا يُُسحق موقف دولة إسرائيل إلى حد أن يشارك حتى رئيس الولايات المتحدة الأميركية، صديقة إسرائيل، في الدعوة إلى إلزام إسرائيل - الوحيدة من بين الدول النووية - المطلوب منها فتح منشآتها للمراقبة من قِبل اللجنة النووية التابعة للأمم المتحدة في العام 2012. وهكذا تحولت منظمة الأمم المتحدة إلى منظمة الألوان المتحدة بكراهية الشعب الإسرائيلي. فمن كل مئات النزاعات في أرجاء العالم، فقط المشكلة الفلسطينية تلقى علاقة متميزة ولا سابقة لها ضد إسرائيل، وكل نشاط دفاع عن النفس يُعتبر وسط المجتمع الدولي لمبغضي إسرائيل ك"جريمة حرب".

إلى هنا، وجدنا هذا الأسبوع أن العقوبات الموعودة ضد إيران النووية تحولت إلى سخرية دولية هزيلة، واسرائيل، أمة صغيرة في بحر عربي وإسلامي كبير متآمر عليها، مطالبة بالكشف عن سلاحها الوجودي أمام أنظار أعدائها.

17 عاما مرت منذ إتفاقيات أوسلو. إتفاقيات قاتلة لم تجلب سلاما رغم الإنسحاب، تدمير مستوطنات كانت قد أُنشئت في قطاع غزة والهروب المذل منه. تقريبا 1600 يهودي قُتلوا على يد الإرهاب الفلسطيني لحماس ومنظمة التحرير الفلسطينية. والهروب من جنوب لبنان كان بداية موجة الإرهاب الأخطر في تاريخ دولة إسرائيل. فسوريا الإرهابية وإيران سلّحتا حزب الله وحولتاه من مجموعة عصابة صغيرة إلى جيش إرهابي مسلح بسلاح صاروخي بعيد المدى، مستحكم بمنظومات دفاعية كجزء من الجيش السوري وقوات إيرانية منتشرة في سوريا ولبنان.

لقد كان ذلك حلما وكسروه، سلاما وقبروه ل"رؤيا السلام" لدى اليسار الإسرائيلي. أما عبراً فأبدا لم يستخلصوا والثرثرة عن "عملية سلام" لم تمت، وإنما فقط تتبدل من لحظة إلى أخرى بمصطلحات جديدة من قبيل "عملية سياسية"، "خريطة طرق"، و "الإنفصال هو الحل".

إلى ذلك، فإن ثمة سنوات طويلة مرّت منذ توقيع اتفاقية الموت مع عرفات في حديقة البيت الأبيض. ووضع الأمة أخذ بالغرق من فشل إلى آخر. فكلما تراجعنا من أجل "السلام"، إزدادت الكراهية، الأذى والإحتقار حيال دولة إسرائيل والشعب اليهودي الذي يعيش فيها. أحد لا يحترم في الشرق الأوسط دولة إسرائيل ولا يخشى منها. وعندما لا يكون هناك احترام في المنطقة الهمجية والبربرية هذه فليس هناك حياة أيضاً. إذ أن آلاف الصواريخ بعيدة المدى موجودة في أيدي إيران، سوريا، حزب الله، وحماس في غزة.

فإسرائيل محاطة من الشرق، من الشمال ومن الجنوب. ومن الأسبوع الماضي أيضا أصبحت محاطة بغزو بحري من جهة الغرب. أمر واحد يصدر من إيران كفيل بإسقاط صليات من الصواريخ المدمرة على المنطقة الضيقة لدولة إسرائيل، إلى المطارات، المنشآت الإستراتيجية، مخازن الطوارئ، تجمعات الجيش والإعلام، أطلاق نار إرهابي باتجاه التجمعات المدنية المكتظة في إسرائيل.

منذ أن أطلق هتلر آلاف الصواريخ على بريطانيا بعد الغزو النورماندي، لم يحصل تخطيط إجرامي كهذا وجريمة حرب حقيقية، ضد أمة سيادية أخرى مسالمة.

لقد سمعنا عربا من مواطني إسرائيل يقولون علناً: "إن إطلاق صواريخ على مدن إسرائيل ليس جريمة حرب لأن دولة إسرائيل هي دولة نازية، وكما فجّر الحلفاء ألمانيا في الحرب العالمية الثانية كذلك من الشرعي أن تطلق كلٌّ من حماس وحزب الله صواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية".

فاللا-شرعية هي سلاح أعداء شعب إسرائيل ودولة إسرائيل، الأخطر من الصواريخ والقذائف الصاروخية، وهو يشلّ ذكاء كثيرين ممن يرغبون في الإعتقاد بأن التنازلات في الميدان سوف تجلب سلاماً.

تعالوا نتذكر الأيام التي لم نخش فيها مقاتلة أعدائنا لأننا اعتقدنا بعدالة طريقنا دون خوفٍ من الإعلام والعدو، كراهية من الخارج وعدو من الداخل. قاتلنا في ميادين المعركة والجبهة الداخلية بقيت محصّنة إزاء الهجمات لأن أعداءنا عرفوا قوتنا وخافوا منها، لأن يدنا كانت طويلة ولم يكن في قلبنا خوف من الرد على أعمالهم الإرهابية بسبعين ضعفا.

واليوم، الضعف والخوف يسيطران على زعمائنا؛ فهم يخافون رأي المجتمع الدولي ولا يظهرون إزاء الشعب والعالم عدالة النهج التي أعطانا مثالا عليها السفير الإسرائيلي في جمعية الأمم المتحدة حاييم هرتسوغ، بعد حرب يوم الغفران، حيث صوتت تلك الجمعية، الحقيرة وعديمة الأخلاق، بأغلبية أصواتها على أن "الصهيونية هي عنصرية"، وسفيرنا المخلص، ألقى أمامهم خطابا رجع صدى قوة عدالته بين الجدران القاسية لهذه المؤسسة المنافقة، وعيون العالم رأت كيف مزق السفير القرار القذر والمخيّب للآمال.

==========================

سقوط «المسلّمات الصهيونية» الخمس.. ودروس أخرى أربعة

زين العابدين الركابي

الشرق الاوسط

5-6-2010

أولى إشارات التدهور أو السقوط هي «فقدان العقل» أو ضعفه.. وللمفكر الرائع ديكارت تعريف مختلف للتهور. فالتهور - عنده - هو «السبق إلى الحكم أو القرار والتصرف قبل النظر العقلي الحصيف في المآلات».. وهذا التعريف ينطبق على «التهور الصهيوني» المتمثل في اختطاف قافلة الحرية في المياه الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط، والعدوان على من فيها، وهو تهور أسقط إحدى المسلمات اليهودية وهي:

1) مسلّمة أو أسطورة «العبقرية الصهيونية» التي طالما روج لها غلاة اليهود، بل روج لها ضعفاء العقول من غير اليهود، ومنهم صغار العقول العرب، إذ زعم نفر من هؤلاء أن التقدم في المنطقة مشروط بقيام تحالف بين «العبقرية اليهودية»، والكم البشري العربي زائد النفط العربي والموارد الأخرى.. وفي هذا السياق نقول: لم يزعم أحد أن إسرائيل ضعيفة، بل هي «قوية» من حيث السلاح - كما ونوعا - ولكن هل تستعمل قوتها ب«عقل»، وفي الاتجاه الصائب؟.. هذا السؤال تكاثرت الأدلة على نفي جوابه بنعم.. ومن أحدث وقائع النفي استعمال القوة والبطش ضد قافلة إنسانية مسالمة فجر الاثنين الماضي، وهو استعمال لا يستطيع عاقل - ولو كان يهوديا - أن يقول إنه كان استعمالا عاقلا صائبا نافعا، بدليل أن إسرائيل خسرت «كل شيء» تقريبا؛ خسرت الرأي العام العالمي، وخسرت حليفا من أقوى حلفائها في المنطقة على مدى ستين عاما وهو تركيا، وخسرت سياسة «حصار غزة» التي كانت تبني عليها آمالا عريضة مديدة، وخسرت المعركة الإعلامية، والمعركة الدبلوماسية، والمعركة القانونية، وخسرت «صورتها» التي جهدت في تجميلها عبر آلاف الأفلام والدراسات والبحوث وحملات العلاقات العامة.. فأين «العقل» في ذلك كله؟..

وهذا السؤال - بالضبط - كان عنوان تعليق موسع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.. وإذا غاب العقل انتفت - بداهة - دعوى «العبقرية الصهيونية».. وبذا تسقط هذه المسلّمة الوهمية، مسلمة «العبقرية الصهيونية المتفوقة».

2) المسلّمة الثانية التي سقطت هي مسلمة «القدرة الصهيونية النافذة أبدا».. فتداعيات اختطاف سفينة الحرية أثبتت أن الصهيونية العالمية ليست هي «الفعال» لما يريد، ليست هي التي تدير الكون من دون الله كما يتوهم ذلك الغلاة في تهويل مؤامراتها وخططها (وهذا نوع من الشرك) وكما يتوهم الغلاة في الاستسلام لمشيئتها من العرب وغيرهم (وهذا نوع من الشرك أيضا).. والدليل على «عجز» الصهيونية أن العالم كله انقلب ضدها في لحظات، ولم تستطع أن تفعل شيئا.. لم تستطع التحكم في «الإعلام العالمي»، ولم تستطع مصادرة حرية الأمم المختلفة في التحرك الصاعق ضدها.

3) المسلمة الصهيونية الثالثة التي سقطت أن إسرائيل هي «الخلاصة المركزة» للقيم الدينية والإنسانية والأخلاقية، وهي «عصارة» الكفاح الغربي في سبيل الحرية والمساواة وحقوق الإنسان كافة.. هذه المسلمة - التي هي عماد فلسفة الدعاية الصهيونية في الغرب وغيره - قد سقطت من خلال العدوان الصهيوني على «الحرية» في قافلة الحرية، وإطلاق الرصاص على القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية التي يحملها ركاب السفن المتنوعو الأعراق والأديان والبيئات والثقافات، المدافعون عن حقوق المستضعفين المعذبين المحاصرين في غزة.. إن من يغتال الحرية ويقتل دعاتها، يكذب إذا هو ادعى أنه يمثل «إرث» الحرية الإنسانية.

4) المسلمة الصهيونية الرابعة التي سقطت - بالعدوان على قافلة الحرية - هي مسلمة أن إسرائيل هي الكتيبة المتقدمة في محاربة الإرهاب. فالعدوان على هذه السفن المسالمة إنما هو إرهاب 100%، إرهاب بالمعنى العلمي والقانوني الدقيق لمفهوم الإرهاب.. القدر المتفق عليه - بين البشر - على مفهوم الإرهاب هو ترويع المدنيين المسالمين وقتلهم لأهداف سياسية. وهذا ما فعلته إسرائيل بالضبط. فكيف يحارب الإرهاب من هو غاطس - بالكلية - في الإرهاب على أوسع نطاق، وأعلى مستوى؟! بل إن هذا السلوك الإرهابي الصهيوني يغذي الإرهاب، بل يستنبت الإرهاب استنباتا ولو لم يكن موجودا من قبل.. وفي محاذاة زمنية مع حدث السفينة الإنسانية، وقع اعتداء إرهابي على قطع بحرية تركية في الاسكندرون. نفذه حزب العمال الكردستاني بتعاون وثيق مع الموساد الإسرائيلي كما تؤكد المعلومات التركية.. وهذا دليل جديد على تورط الكيان الصهيوني في تقديم خدمات معلوماتية ولوجستية للإرهابيين (حزب العمال الكردستاني مصنف أميركيا وأوروبيا بأنه منظمة إرهابية).. وبموجب هذه الوقائع تسقط مسلمة أن إسرائيل هي الكتيبة المتقدمة في مكافحة الإرهاب.

5) المسلمة الصهيونية الخامسة الساقطة هي زعم الحركة الصهيونية العالمية بأنها وفرت «ملاذا آمنا» لليهود في فلسطين المحتلة.. فالملاذ الآمن لا يكون كذلك إلا بتوفير مناخ آمن وسلام حقيقي مع محيط الملاذ.. وخلال ستين عاما عجز الكيان الصهيوني عن تحقيق سلام مع محيطه البشري والجغرافي.. وهذا العجز مسبب؛ إما بانتفاء إرادة السلام، وإما بإرادة سلام على مزاج الكيان الصهيوني، أي سلام يتقبل التهويد والاستيطان واستمرار الاحتلال وانتهاك الحقوق الفلسطينية والعربية كلها.. والعدوان على سفينة الحرية برهان دموي جديد على كفران الكيان الصهيوني بالسلام.. ومن الدلائل الحاسمة على سقوط مسلمة الملاذ الآمن لليهود أن استطلاعا للرأي أجرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قد أظهر أن 50% من الإسرائيليين مرتعبون من المستقبل، وأن 76% يتوقعون هجوما عسكريا مباغتا، كما أن 70% فقدوا الثقة بقيادتهم، وأن 37% يتطلعون للهجرة إلى الخارج، وأن أكثر من 70% قد انعدمت ثقتهم - بإطلاق - في صورة إسرائيل السياسية والأمنية.

ومهما يكن من شأن، فإن الدروس المستنبطة من هذا الحدث الكبير - في ذاته ومآلاته - هي:

أ) لو كان هناك عقل وضمير لسارع جميع كارهي الإرهاب ومقاوميه - بوجه خاص - إلى الاحتفاء ب«العمل السلمي الإنساني» في قافلة الحرية. فهذا النوع من العمل هو البديل الإيجابي الجميل للأفعال الإرهابية القبيحة.

ب) ينبغي ألا نقول الكفر ب«تضامن عربي» ضاعت في ظله الحقوق والقضايا. وإنما نقول: إن هذا الحدث «الإنساني العالمي» قد فتح أوسع أبواب الاجتهاد السياسي والحضاري للتفكير الجدي في الاندماج في «تضامن إنساني أوسع وأصدق وأشرف».. ولقد ثبت أن «المشتركات الإنسانية» أكثر وأعمق مما يتصوره ذوو الأفق الضيق والذهن المحدود المكدود.

ج) بعض الناس أكلته الغيرة من الموقف التركي. ولهؤلاء يقال: إن الغيرة المحمودة مشروطة بالمنافسة الجادة الشريفة المتمثلة في تسجيل أهداف سياسية أكثر وأبرع وأسرع.. أما الغيرة غير المحمودة فهي ذات الحسد العاجز المريض الذي يضر الذات، ولا يوقف حراك أحد في عالمنا هذا.

د) الذين يحلمون ب«التطبيع» مع إسرائيل ينبغي أن يفيقوا من هذه الأحلام. فهذا التطبيع المتوهم لن يحمي الحالمين من الغدر الصهيوني. فتركيا قد طبعت مع هذا الكيان تطبيعا كاملا على مدى ستين عاما. وها هو كيان الغدر يقتل أبناء تركيا المسالمين دون أدنى شعور بقيمة التطبيع مع الجمهورية التركية.

===============================

استهداف «إسرائيل» ل «أسطول الحرية»..

تهديدٌ للبنان أم اختبارٌ للمجتمع الدولي؟

بسام غنوم

الأمان 4/6/2010

بالتوازي مع الانتخابات البلدية ونتائجها على الصعيد اللبناني الداخلي، كان يدور على الساحة السياسية اللبنانية نقاش آخر حول موضوع سلاح المقاومة، وخصوصاً بعد المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال سليمان في مقابلة مع تلفزيون المنار لمناسبة ذكرى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، التي أكد فيها الرئيس سليمان تأييده للمقاومة في مواجهة التهديدات اليومية الاسرائيلية للبنان، وتحديداً معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي اعتبرها في ظل الوضع الذي يعيشه لبنان ضمانة وطنية تضمن الأمن والاستقرار في لبنان وتحميه من تهديدات «إسرائيل».

هذا الموقف السياسي اللافت لرئيس الجمهورية ميشال سليمان من موضوع سلاح المقاومة، ردّ عليه رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع بالقول ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان «يقف طرفاً مع فريق دون آخر في ما يتعلق بالاستراتيجية الدفاعية»، مذكراً اياه بأنه «أتى رئيساً توافقياً بحيث لا يستطيع ان ينطق بلسان فئة من اللبنانيين دون سواها»، ما أثار جدلاً سياسياً كبيراً على الساحة السياسية، وصل الى حد مطالبة جعجع بسحب وزرائه من الحكومة اللبنانية التي تبنى بيانها الوزاري معادلة «الشعب والجيش والمقاومة». وقد اشتدت الحملة على جعجع والقوات اللبنانية مع حادثة ضهر العين التي أدت الى سقوط قتيلين من أنصار تيار المردة على يد أحد أنصار القوات اللبنانية، ما حدا النائب سليمان فرنجية الى طلب اعتقال جعجع وسجنه مجدداً وتحميل رئيس الحكومة سعد الحريري مسؤولية المواقف التي يطلقها حليفه سمير جعجع.

في ظل هذه الأجواء استهدفت «إسرائيل» اسطول الحرية الذي يضم مجموعة كبيرة من الشخصيات السياسية والمنظمات الانسانية والهيئات المدنية، والذي يحمل مساعدات انسانية لأهل غزة المحاصرين من قبل العدوّ الصهيوني منذ أكثر من أربع سنوات، وأدى العدوان الإسرائيلي على اسطول الحرية الى سقوط عشرات الشهداء والجرحى في صفوف المتضامنين مع أهالي غزة بعد عملية قرصنة اسرائيلية دموية للجيش الاسرائيلي على المدنيين العزل في السفن المتجهة الى غزة، الأمر الذي أدّى الى حملة شجب وتنديد واستنكار واسعة لهذه الجريمة الصهيونية الجديدة بحق المدنيين الأبرياء، وكشف مرة أخرى للعالم أجمع عن الوجه القبيح ل«إسرائيل» وجيشها المجرم.

واللافت انه في ظل التهديدات التي كان يطلقها قادة العدوّ الصهيوني لإرهاب المشاركين في اسطول الحرية، كان نائب وزير الخارجية الاسرائيلي داني ايالون يوجه تهديداته للبنان ولرئيس الحكومة سعد الحريري، فقال مهدداً لبنان «ان حزب الله لن يكون المستهدف الوحيد في أي حرب مقبلة، والثمن الذي ستدفعه حكومة لبنان ورئيسها لن يكون أقل من الثمن الذي سيدفعه الحزب، فالقوة التي تمتلكها اسرائيل اذا استخدمت في الرد على أي اعتداء عليها، لن تميز بين لبنان كدولة وحكومة وبين حزب الله».

وهنا يطرح السؤال الآتي: هل استهدفت «إسرائيل» قافلة سفن اسطول الحرية بهذه القسوة والاجرام لتوجيه رسالة ردع الى لبنان بعد المواقف التي اطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ذكرى التحرير والتي اعاد فيها تذكير العدوّ الصهيوني بقدرة المقاومة على الرد المدمّر على أي عدوان يستهدف لبنان؟ وما مدى تأثير ما جرى لاسطول الحرية على الوضع اللبناني الداخلي ولا سيما في ما يتعلق بالجدل حول استراتيجية «الشعب والجيش والمقاومة»؟

بداية، لا بدّ من تأكيد جملة أمور برزت خلال العدوان الصهيوني على اسطول الحرية، هي:

- ان دولة العدوّ الصهيوني دولة قائمة على العدوان والاجرام، ورغم ذلك ما زالت تحظى بالحماية والرعاية من أوروبا واميركا على وجه التحديد، وقد أكدت ذلك ردود الفعل الرسمية الاميركية والأوروبية التي اكتفت فقط بالأسف والدعوة الى التحقيق في العدوان الصهيوني على المدنيين العزل في سفن اسطول الحرية، وبالتالي لم يستطع مجلس الأمن ان يأخذ قراراً بإدانة «إسرائيل» بسبب الموقف الأميركي الرافض لإدانة إسرائيل.

- الجيش الاسرائيلي، عبر عملية القرصنة الموصوفة والاستخدام المفرط للقوة ضد المتضامنين المدنيين في اسطول الحرية، يريد ان يؤكد قدرته على مواجهة أي تحديات مستقبلية، وانه على جهوزية تامة لحماية أمن دولة «إسرائيل».

- أي تهديد، وإن كان محدوداً لأمن «إسرائيل»، سيواجه من قبل الجيش الإسرائيلي بالاستخدام المفرط للقوة، ولو أدى ذلك الى سقوط الكثير من المدنيين الأبرياء. ولعل هذه الرسالة هي الهدف الأول للعدوان الاسرائيلي على سفن اسطول الحرية.

وهنا نتساءل عن مدى انعكاس هذه الرسائل على الجدل اللبناني الداخلي في موضوع سلاح المقاومة.

في البداية لا بدّ من الاشارة الى الموقف اللافت للنائب وليد جنبلاط الذي قال فيه: «رأينا مرة جديدة الوحشية الاسرائيلية التي تعرضت لأسطول الحرية، وهذا السلوك الاسرائيلي يقدم دليلاً جديداً على الرفض المطلق لكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية»، وأضاف: «وهنا، مجدداً لبعض الأصوات اللبنانية السخيفة أو المتآمرة التي تدعو الى الحياد والتي تعتبر أن سلاح المقاومة يعطي الذريعة لإسرائيل لتمارس اعتداءاتها، رأينا البرهان الجديد على أن إسرائيل لا تحتاج إلى ذرائع لتعتدي هنا وهناك».

ويختصر هذا الموقف للنائب جنبلاط موقف اغلبية القوى السياسية اللبنانية باستثناء القوات اللبنانية وحزب الكتائب وبعض الشخصيات المتفرقة في القوى المسيحية في 14 آذار التي تعتبر سلاح المقاومة عامل تهديد لأمن لبنان واستقراره، وليس عامل قوة، ويشاركها في هذا الموقف بعض الشخصيات والقوى السياسية الأخرى التي تعتبر أي كلام عن مواجهة «إسرائيل» بالقوة أو بالموقف نوعاً من «اللغة الخشبية» القديمة التي لا تقدم ولا تؤخر. بل ان هناك من دعا الى تحييد لبنان عن «طريق الافيال في المنطقة»، وكأن منطق هؤلاء في ما يتعلق بسلاح المقاومة هو ان سلاح المقاومة يجلب الخطر على لبنان، بينما الحقيقة الساطعة التي أكدها العدوان الاسرائيلي على اسطول الحرية هي ان سلاح المقاومة رغم كل الملاحظات التي يطلقها البعض في لبنان عن حق أو عن غير وجه حق - وهو الأكثر في كلام هؤلاء - هو الضمان الوحيد لحماية السلم الأهلي ولحماية لبنان من أي اعتداء إسرائيلي، لأن العدوّ الصهيوني سيفكر الف مرة قبل توجيهه ضربة عسكرية للبنان وهذا عنصر قوة للبنان وليس كلاماً خشبياً أو كلاماً فارغاً مثلما يتحدث البعض في مواقفه السياسية المختلفة.

تبقى نقطة أخيرة، هي: هل تستعد «إسرائيل» فعلاً لتوجيه ضربة عسكرية الى لبنان؟ «إسرائيل» في هذا الإطار تمارس لعبة مزدوجة، فهي من ناحية تبعث رسائل طمأنة الى سوريا عبر روسيا وفرنسا، ومن ناحية أخرى تبعث رسائل تهديد الى لبنان عبر تصريحات داني ايالون وغيره من المسؤولين الاسرائيليين، وبالتالي يمكن القول إن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، وخصوصاً إذا اقتصرت ردود الفعل العربية والدولية على الاجرام الصهيوني بحق المشاركين في اسطول الحرية على مجرد الإدانة والاستنكار والأسف، ولم تُتَّخَذ أي اجراءات عقابية بحق «إسرائيل». فهل تشكل عملية اسطول الحرية ضوءاً أحمر للعدو الصهيوني أم تكون بمثابة إشارة خضراء لاستهداف لبنان؟

===========================

الدبلوماسيّة التركيّة الصاعدة.. تدفع بتركيا إلى الأمام

بقلم: سكوت بيترسون

الأمان 4/6/2010

في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي, تؤكد تركيا أنها قوة دبلوماسية صاعدة, بعد الدور الذي لعبتْه في إبرام صفقة نووية مع إيران في الوقت ذاته.

وهذا ما أكده وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، عندما أثنى على الصفقة النووية التي استطاعت تركيا إبرامها مع إيران, قائلاً: إن الاتفاق الذي تشارك فيه البرازيل أيضاً, من شأنه أن يتفادى العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على إيران, وأنها جزء من «الرؤية الإقليمية والعالمية» لتركيا.

نووي إيران

وعلى الرغم من أن الصفقة ما زالت موضع شك, فإنه في غضون ساعات من إبرامها, أعلنت الولايات المتحدة حصولها على دعم من جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لعقد جولة رابعة للنظر في فرض عقوبات على إيران, إلا أن داود أوغلو أشار إلى أن الحديث عن فرض عقوبات شيء سابق لأوانه, لأن الاتفاق مع إيران خلق «بداية نفسية هامة» من الثقة.

ولكنْ مهما كانت النتيجة, فإن دور تركيا رفيع المستوى في المفاوضات النووية الإيرانية، يؤكد مدى انسجامها مع سياستها الخارجية التي تزداد حيوية، وتمتد من الكونغو إلى روسيا وحتى أمريكا اللاتينية، وتسعى لضمّ كل ما يقع بين كل هذا.

وفي إشارةٍ منه إلى الدور التركي, قال ستيفن والت, أستاذ الشؤون الدولية في كلية كينيدي للحقوق بجامعة هارفارد الحكومية: «هذا عرض من العروض الجميلة للسياسة الخارجية التركية الشاملة، حيث بناء شبكات تواصل عديدة مع أكبر عدد ممكن ووضع تركيا في الوسط».

وفي حديث لقناة «إن تي في» التركية, قال داود أوغلو: «التاريخ يتدفق كالنهر, ونحن لا نحاول أن نكون بلداً في النهر فحسب, ولكن أيضاً ينبغي أن نكون أحد من يُوجِّه هذا النهر».

يُشار إلى أن وزير الخارجية التركي استضاف مؤخراً مؤتمراً في إسطنبول عن السياسة الخارجية لبلاده، و«النظام العالمي» في القرن الحادي والعشرين, تحدَّث فيه أوغلو قرابة 90 دقيقة, عن طموحات تركيا المستقبلية.

مفترق طرق

وتستمدُّ تركيا نفوذَها الدبلوماسي جزئيّاً, بسبب موقعها بين الشرق والغرب والشمال والجنوب, وأنها مفترق طرق للناس والتجارة، وملتقًى للأفكار، وممرّاً للطاقة. وربما ساعد تركيا في تعزيز ذلك النفوذ, عامل آخر, هو رفض الاتحاد الأوروبي المتكرِّر لمحاولات انضمامِها, حسب ما قاله أوسلر هامبسون المتخصِّص في الشؤون الدولية بجامعة كارلتون الكندية في أوتاوا. حيث قال هامبسون: «إن الحكومة التركية تستخدم طريقة تظهر للرأي العام أن هناك أموراً أخرى يمكنها القيام بها لتبقى شامخة, فخلال سنوات صارت تركيا النمر الأوروبي الجديد, بسبب التوسع في النمو الاقتصادي».

وقد لاحظ هامبسون اصطحاب الرئيس التركي عبد الله غول إلى الكاميرون والكونغو في آذار الماضي, وفداً مرافقاً له يتكون من 140 رجل أعمال, وهذا دليل على تطور التجارة الإفريقية التركية التي قفزت من 1.5 مليار دولار في عام 2001 لتصل لأكثر من عشرة مليارات دولار العام الماضي.

معايير السياسة الخارجية

وقد تصاعدت وتيرة التحرك التركي الدبلوماسي مؤخراً, حيث جاء الاتفاق النووي مع إيران بعد أسبوع من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لتركيا, ثم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف للاتفاق على عدد من صفقات في مجال الطاقة, بما فيها شراء أول مفاعل تركي للطاقة النووية.

ثم قامتْ مجموعة من كبار القادة الأتراك بعد ذلك بالذهاب إلى اليونان, المنافس التقليدي الإقليمي, لتوقيع 21 صفقة منفصلة, كما اصطحب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان معه عشرة من وزرائه و100 من رجال الأعمال الأتراك, في زيارته لأثينا, واعتبارها نقطة تحوّل في العلاقات التركية اليونانية.

ولا ننسى أن تركيا ترتبط أيضاً بعلاقات وطيدة وعميقة مع البوسنة وصربيا, كما تسعى للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي, بالإضافة إلى استضافتها لاجتماعات الأمم المتحدة في الصومال ودعمها لعملية السلام الفلسطينية والإسرائيلية, وزيارة بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة لتركيا في وقت لاحق.

وفي حديثه في مؤتمر دبلوماسي عُقد مؤخراً, قال أوغلو: «إن تركيا في طور النهوض لأن التاريخ هو الذي ينهض», مضيفاً: «إن تركيا قفزت في تصنيف الدول الأكبر اقتصاداً في العالم من المركز 26 إلى 16, وهذا ما يُعطيها قوة إضافية».

الحدود

ومع ذلك, فهناك حدودٌ لما يمكن أن تحققَه تركيا في الوقت الراهن, كما يقول فادي حكورة الخبير التركي في جامعة «تشاتام هاوس» في لندن: «إنها طموحات تقابلها القدرات, وليس لدينا شك في أن تركيا لديها طموحات إقليمية وعالمية, فقد قامت بفتح أو التخطيط لفتح 12 سفارة جديدة في أفريقيا». وأضاف حكورة: «هناك حديث عن تركيا العثمانية والسياسة الخارجية الجديدة», ولكن ينبغي أن يكون هناك ربط بين القدرات والطموحات, وهذا ما يتطلب إجراءات إصلاحية».

وفي ما يتعلق بالصفقة النووية في إيران, استنكر داود أوغلو بعض الانتقادات المشككة في واشنطن وأوروبا وإسرائيل أن تركيا تحلم بالنهوض, حيث قال الأستاذ الجامعي السابق: «كنت متفائلاً في الماضي, أما الآن فأنا أكثر تفاؤلاً بالنسبة للمستقبل».

ويقول ريتشارد فولك, وهو أستاذ بجامعة برينستون ومقرّر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية: «تركيا تتحرك في ما وراء حدودها, ومن أجل التوصُّل إلى معنى مشترك جديد وواقعية جديدة لعالم تسوده العولمة», مضيفاً: «تركيا تلعب دوراً مستقلّاً هامّاً للغاية, ولاستكشاف مسار للحلول والجغرافيا السياسية غير العنيفة, وهذا ما يفهمه وزير خارجيتها جيداً, أنه لا غنى عن التوصل إلى حلول سلمية للصراعات الكائنة».

=======================

هذا ما يهتف به الأتراك في الشوارع

بقلم: د. إبراهيم الحلالشة

الأمان 4/6/2010

انطلق الشعبُ التركيُّ أمس إلى الشوارع بكل أطيافه وانتماءاته الحزبية، انطلق الإسلاميون فيه والعلمانيون والقوميون، انطلق مؤيدو الحكومة ومعارضوها، ليحتشدوا أمام السفارة الإسرائيلية منذ الصباح الباكر (عقب الاعتداء على أسطول الحرية مباشرة) إلى ما بعد منتصف الليل، وخرجتُ لألتحق بهذه الجموع دون أن أسأل عن عنوان السفارة، فبمجرد أن تصل إلى أي منطقة مركزية في المدينة ترى الحشود تتوجه نحو السفارة بالحافلات والقطارات حاملة أعلام فلسطين وصور أحمد ياسين وحسن نصر الله، فإذا أردت الوصول إلى السفارة فما عليك سوى أن تلتحق بمجموعة من هذه المجموعات حتى تصل في نهاية المطاف إلى السفارة الإسرائيلية التي تحولت إلى قرية محصنة محاصرة يتربص فيها الموظفون من وراء جُدُر..

لفت انتباهي تنوّع أطياف المشاركين في المظاهرات، فمن جهة ترى متديّناً أعفى لحيته وارتدى ملابس صوفية فضفاضة، يهتف ويرد الناس وراءه، ومن جهة أخرى تجد شاباً يلبس الجينز الممزق، ويضع على احدى أذنيه قرطاً (حلقاً)، وقد أطال شعره وربى «سكسوكة شقراء» على وجهه، وفتح الأزرار العلوية الثلاثة من قميصه كعادته ليظهر عقده وعليه قلب حُبّ أهدته إياه عشيقته، ترى هذا الشاب وقد رفعه أصدقاؤه على أكتافهم وهو يصرخ: «تكبير»، ويردد الناس من حوله «الله أكبر».. بل وتسمعه يكبّر تكبيرات العيد ويردد الناس معه (وهي من عادات الشعب التركي في مظاهراته)، مشهد يشدّ الانتباه، ويجعل المرء يدركُ كم هو المدّ الثقافي والحضاري عميقاً في تكوين شخصية المرء.. المحجبات وغير المحجبات، المتدينات وغير المتدينات، المتجلببات والمتَشرّتات، الكل أرخى على كتفيه الكوفية الفلسطينية، الكل حمل العلم الفلسطيني إلى جانب العلم التركي، الكل أخذ يهتف هتافات اعتاد المشاهد العربي أن يسمعَها على شاشات التلفاز دون أن يفهم معناها، الأمر الذي جعلني أدوّن بعضها أثناء المظاهرة حتى أترجمها للمواطن العربي وحتى تعرف الشعوب العربية ما يقوله الشعب التركي.. فإليكم ترجمة هذه الهتافات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الترجمة لن تحافظ على التناسق الموسيقي للهتافات:

(في البحر وفي البر ستستمرّ الانتفاضة, نحن إلى جانب أخينا الفلسطيني, فلتُقهر إسرائيل, كلنا فلسطينيّ.. كلنا سنقاوم, اضربي يا حماس اضربي إسرائيل, سوف نواصل على طريق الشهداء, غزة لنا وستبقى لنا, تحية لحماس ومواصلة للمقاومة, نحن أحفاد الفاتح نحن شوكةٌ في حلق الصهاينة, السن بالسن والدم بالدم الانتقام الانتقام, اضرب يا أردوغان اضرب إسرائيل...)

هذا هو بعض ما كان يردده الشعب التركي في مظاهراته، وقد سمعتُ بعضه وأنا في منزلي، إذ كانت مجموعة من أطفال الحيّ قد اجتمعت في الشارع وأخذت تردد هذه الهتافات لتنذر الجهاز الصهيوني بمستقبل عسير..

=========================

أسطول الحرية.. تصعيد الجريمة يزيد المقاومة ولا يوقفها

بقلم: نبيل شبيب

الأمان 4/6/2010

لن تقف نتائج العدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية «المدني الدولي الإنساني» لكسر الحصار حول قطاع غزة، وما أسفر عنه إجراماً وردود فعل أولى، عند حدود ما يمكن استخلاصه منها لحظة وقوع العدوان نفسه، ولا عند حدود ما صدر من تصريحات رسمية بصياغات قد تستهدف تمرير مفعول «الغضب» أو «المفاجأة»، ثمّ العودة بعد فترة وجيزة إلى «روتينية» الاستخذاء محلياً وإقليمياً، ومواصلة العدوان المتواصل والمتصاعد منذ أكثر من ستة عقود، إسرائيلياَ ودولياً.

الإجرام والتعامل مع الإجرام

أوّل ما يكشف عنه العدوان العسكري على أسطول الحرية أمران اثنان على الأقلّ:

الأول: لا يوجد «خط أحمر» بشأن تصعيد ارتكاب الجريمة في تغييب الردع قبل ارتكابها وغياب العقوبة بعد ارتكابها، فمنذ بقاء هيروشيما وناكازاكي دون محاسبة ولا عقوبة، بدأت النقلة النوعية للحروب العسكرية بحيث باتت تستهدف المدنيين وتسبب الضحايا في صفوفهم بأضعاف ما تسببه على صعيد المقاتلين، ومنذ مذبحة «دير ياسين» الإجرامية بعد مسلسل إجرامي سبقها، تراجعت سياسة محاولة «الردع» الإقليمي تدريجياً إلى منحدر «التراجع» حتى بلغت مستوى «خيار السلام الاستراتيجي الوحيد».. أي الامتناع عن «محاولة الردع» جملة وتفصيلاً.

لا يمكن تبرئة الأطراف العربية ناهيك عن الأطراف الدولية من المشاركة في حمل مسؤولية ما حدث في «عرض البحر» دون أن ينتقص ذلك شيئاً من المسؤولية المباشرة للطرف الذي ارتكب الجريمة.

الأمر الثاني: لا يمكن للسلام والتشبّث به أن يردع الحرب والتشبّث بها، ولا للمفاوضات المباشرة وغير المباشرة، والعلنية والسرية، أن تمنع المذابح الصغيرة والكبيرة، الهمجية والوحشية، ولا يمكن للعلاقات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية، الرسمية وشبه الرسمية، الكاملة والجزئية، أن توقف مسلسل ارتكاب الجرائم. وليست المسؤولية محصورة في عشوائية الإجرام وتصعيده، بل تشمل أوّل ما تشمل عشوائيةَ التعامل مع الإجرام العدواني وعدمَ التصدّي له.

المراجعة الشاملة المطلوبة

من العسير عند متابعة فترة إعداد أسطول الحرية من أجل كسر حصار غزة، أن يوجد تفسير للصمت الرسمي في المنطقة العربية، دون ترجيح أن نوايا العدوان العسكري على المدنيين كانت معروفة لدى من يسلك طريق «الصمت»، ثم يمكن أن تصدر المواقف السياسية الرسمية حسب النتائج، ويمكن أن تتخذ صيغة باتت تقليدية ممقوتة: «حذّرناهم.. ولم يصغوا للتحذير»، أي أنّ «المسؤولية» هي مسؤولية الضحايا الذي خاطروا بأنفسهم ولا تقع على عاتق «المسؤولين» الذين لا يخاطرون بشيء من أجل كسر الحصار الإجرامي, ناهيك عمّن يشارك فيه وشبيه ذلك ما كان أثناء الحرب العدوانية ضدّ القطاع، وما كان أثناء الحرب العدوانية الأخيرة ضد لبنان، وما يتردّد في التعامل مع كلّ من يرفض سياسة التسليم المطلق ويطالب ببعض «الممانعة» وبعض التصدّي على الأقلّ.

لا يكفي وصف ذلك بأنه مجرّد تهرّب من المسؤولية، فهو في حصيلته مشاركة مباشرة في حمل المسؤولية عمّا يترتب عليه على أرض الواقع من اطمئنان الطرف الذي يرتكب عدوانا إجراميا أنه لن يجد «ردّا» فعالا من أيّ مستوى.

وقد استُخدم في تسويغ التراجع تعبير السياسة العقلانية الواقعية إلى درجة الابتذال لتشويه حقيقة صدوره عن ضعف الشعور بالمسؤولية أو افتقادها.

لم يعد المطلوب من الدول العربية أن تراجع قطاعاً واحداً من قطاعات سياستها في قضية فلسطين، مثل حصار غزة والتحرّك رسمياً لكسره، بدلاً من مواقف الخذلان تجاه المتضامنين المدنيين دولياً، فقد أصبحت جميع جوانب السياسات الرسمية في حاجة إلى «انتفاضة رسمية» شاملة ومشتركة، تشمل المصالحة بين الدول العربية التي تطالب الأطراف الفلسطينية بالمصالحة.. وتضع العصي في عجلاتها، وتشمل تعبئة القوى الشعبية في طريق «بدائل إستراتيجية» قويمة بدلاً من التنديد بمن يتحرّك منها بإمكاناته المحدودة على طرق المقاطعة ومناهضة ما يُسمّى «التطبيع» واعتبارها هي الخصم بدلاً من العدوّ الذي يمارس العدوان دون انقطاع.

ليس العدوان على المدنيين في عرض البحر شاهداً على عجز عسكري في المنطقة، بل هو شاهد أيضاً على صناعة العجز السياسي والاقتصادي والإداري، ومرآة عاكسة لنتائج القعود عن تأمين المتطلبات الأولوية للقدرة على التصدي لعدوان قائم متواصل، بل عن مجرّد الإعداد من أجل التصدي لتصعيده على الأقل.

مستقبل المتضامنين مع فلسطين

لن تضيع حصيلة جهود المتضامنين عالمياً مع غزة وأهلها، أو فلسطين وأهلها، وهذا ما يشهد عليه تنامي حجم ما يقدّمونه من عطاء إنساني جليل، ابتداء من تحرّكاتهم الأولى قبل جريمة قتل راشيل كوري على أرض فلسطين، مروراً بالقوافل الشعبية التي انطلقت رغم العوائق من قلب مصر نحو غزة وبالاعتصامات على حدود رفح، وصولاً إلى تلاقي وحدات أسطول الحرية على جمع أناس مدنيين، وآخرين رسميين، من مختلف أنحاء العالم، من الكتّاب والصحفيين والنوّاب والساسة المتقاعدين.

إنّ المقاومة الشعبية المتصاعدة بفلسطين ولبنان وأخواتهما، هي التي جعلت المقاومة الشعبية تتصاعد للتضامن مع فلسطين وأهلها، على مستوى عالمي عابر للحدود، لمواجهة ما تصنعه هيمنةٌ عابرة للحدود ولمختلف الميادين، ولن ينفرد بها الميدان.

لقد بدأت تتساقط الحدود ما بين أشكال المقاومة.. مثلما تساقطت الحدود ما بين أشكال الهيمنة الدولية والمحلية، العابرة لساحات القتال من أفغانستان إلى فلسطين، والعابرة لمنابع طاقة النفط والغاز إلى ساحات احتكار الطاقة السلمية النووية تحت عنوان حظر انتشار السلاح النووي.

ولهذا لا بدّ من زيادة التواصل والتلاحم والتخطيط والتنسيق ما بين مختلف صور المقاومة ضدّ عدوان مسلّح، في كل مكان، وبين مختلف صور التضامن الشعبي مع ما نُشر من فقر ومجاعات في أفريقيا، وحتى ساحات مناهضة استمرار ما تصنع صناديق الرهانات بالمجتمعات الثرية والفقيرة على السواء عبر الشبكة المالية الدولية فيما بينها.

إن عالمنا المعاصر يتغيّر.. ومن العلامات المميّزة للتغيير ذلك الازدياد التدريجي والانتشار التدريجي لمقاومة مختلف أشكال انتهاك العدالة والحقوق والحريات وإنسانية الإنسان، وإن فلسطين تجمع ذلك كلّه في ساحة واحدة، كما أنها تشهد تاريخياً على مسيرة الانتهاكات من بداياتها الأولى، سواء بتزامن وعد بلفور مع تغيير الخارطة الجغرافية للعالم بعد الحرب العالمية الأولى وحقبة توزيع النفوذ على قوى «الانتداب» الاستعماري، أو بتزامن النكبة الكبرى بفلسطين مع توزيع النفوذ على قوى «الاستغلال» المادي على خارطة النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.

إنّنا إلى جانب ما نعايشه من معاناة الضحايا وذويهم، وآخر أفواجهم ضحايا العدوان على أسطول الحرية، نرى أنّ الذين ينضمّون إلى قافلة مقاومة الإجرام المتصاعد كما في فلسطين وما حولها إلى قلب البحر الأبيض المتوسط، ليسوا هم الذين «يسبحون عكس التيار» كما يقال، بل يمارس ذلك أولئك الذي يمتنعون عن التحرّك على طريق المقاومة، محلياً ودولياً، بمختلف أشكالها، ومختلف ميادينها.

وهذا ما يعزّز التأكيد أنّ المستقبل لفلسطين.. وللمتضامنين مع الحق والعدالة والتحرير في فلسطين، وأن المستقبل للإنسان.. وللمتضامنين مع الحقوق الإنسانية على كل صعيد في أنحاء العالم، أمّا من لا يتخلّى عن سياسة العجز والتخاذل الآن، باسم «خيار إستراتيجي وحيد» أو سوى ذلك من المسميات، فيمكن أن يجرفه التيار آجلاً أو عاجلاً.

======================

غوردون براون إذ يبحث عن عمل

وائل السواح

الحياة 1/6/2010

ما الذي سيفعله، رئيس حكومة بريطانيا السابق، غوردون براون الآن؟ وكيف سيكسب عيشه؟ إن راتب براون الشهري هو 133 ألف جنيه إسترليني سنوياً، أي حوالى 200 ألف دولار، وهو مبلغ إذا قسمته على اثني عشر شهراً كان أكثر من 16 ألف دولار. ويتقاضى براون أيضاً بعض النفقات الأخرى بحسب موقعه كزعيم لأعرق ديموقراطية في العالم، وهو مبلغ ليس كذلك الذي يمكن أن تجده في حصالة أولادك، ولكنه ليس مبلغاً كبيراً يمكن رئيس الحكومة أن يعتمد عليه في بقية أيامه. ولا شك في أن براون قد وفر بعضاً من رواتبه للأيام القادمة، خصوصاً أن من المستبعد أن يكون قد حصل على أية مبالغ إضافية كهبات أو رشى، ولكنه سيبدأ منذ اليوم بالتفكير بمستقبله ومستقبل أولاده.

كان من حظ سلفه توني بلير أن عُيِّنَ مبعوثاً للجنة الرباعية لعملية السلام في الشرق الأوسط، وهو عمل يدر بعض المال عليه. أما سلف بلير جون ميجور فانضم إلى مجموعة ماريليبون الاستشارية الأوروبية الخاصة منذ 1998، وكان يتقاضى خمسة وعشرين ألف جنيه إسترليني عن كل محاضرة يلقيها. وهو خدم كرئيس لنادي ساري كنتري للكريكيت خلال عامي 2000 و2001. أما رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر فبعدما كانت المرأة الفولاذية، أصبحت مجرد عضو في مجلس اللوردات، واستعانت ببيع مذكراتها كواحدة من أكثر المذكرات مبيعاً.

وفي 1953، تقاعد الرئيس الأميركي هاري ترومان، ووجد أن من غير اللائق بمقام الرئاسة أن يعمل في التجارة، فكان مصدر رزقه الوحيد هو تقاعده من الجيش وكان يبلغ 112 دولار شهرياً. ثم باع مذكراته بمبلغ 670 ألف دولار، وظل ينتظر حتى أقرَّ الكونغرس قانون تقاعد الضباط القادة في الجيش، فبدأ يحصل على ما مقداره 2000 دولار شهرياً.

الرئيس الأميركي جيمي كارتر، جاء إلى البيض الأبيض من منشأ متواضع، ومن عائلة مزارعي فستق في جورجيا. وعندما حاول استئناف زراعة الفستق بعد تركِه البيت الأبيض وجد أنه مَدِين بمليون دولار. وكان أن شرع يكتب ويكتب، وأرسل إلى المطابع أكثر من عشرين كتاباً. ولئن لم يكن غريباً منه أن يكتب مذكراته وآراءه في السياسة، فإن المفاجأة كانت أنه كتب بضعة كتب للأطفال وديوان شعر ورواية تاريخية ودليلاً لدراسات الكتاب المقدس. ويقود كارتر الآن مؤسسة كارتر لتشجيع الديموقراطية ومراقبة الانتخابات، وكانت آخر نشاطاته مراقبة الانتخابات في السودان.

أما بيل كلينتون فأفضل حالاً من سلفه كارتر. وهو يتقاضى 250 ألف دولار لقاء إلقاء محاضرة واحدة. وتقدر صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في تقرير لها صدر عام 2007 أن كلينتون حصّل حوالى 40 مليون دولار لقاء محاضراته التي ألقاها في السنوات الست التي مرت بين تركه البيت الأبيض وتاريخ نشر التقرير. كما باع كلينتون مذكراته بمبلغ 15 مليون دولار.

في بريطانيا الآن أربعة رؤساء وزراء حكومات سابقون هم ثاتشر وميجور وبلير وبراون. وفي فرنسا، ثمة رئيسان يعيشان بسلام هما شيراك وجيسكار ديستان. وفي الولايات المتحدة أربعة رؤساء أحياء هم كارتر وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن. وفي ألمانيا لا يزال ثلاثة مستشارين على قيد الحياة وهم: شميدت (الذي تجاوز التسعين) وكول وشرودر. وحتى في كوريا الجنوبية، ثمة أربعة رؤساء سابقون على قيد الحياة هم: دوو هوان وتاي وو ويونغ ساي وموو هيون، على أنك ما إن تعبر الحدود باتجاه الشمال حتى يتغير الوضع.

والآن إليكم هذا السؤال: من يتذكر رئيساً سابقاً على قيد الحياة في أي من دول العالم الثالث ودول حركة التحرر الوطني ومجموعة عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي والمنظومة الاشتراكية سابقاً؟ مفهوم الرئيس السابق لا وجود له في هذه الدول، فالرئيس يبقى راهناً، يتم التجديد له إلى ما لا نهاية. وعندما يقرر الرئيس التنحي والإفساح في المجال أمام مرشحين آخرين، «تزحف» الجماهير الغفورة (وفق عبارة الرحابنة على لسان سبع) إلى الشارع تطالب الرئيس بالعدول عن قراره، لأنه الرجل الوحيد الذي يمكنه إنقاذ البلاد أو الاستمرار في مسيرة البناء والتحديث أو مكافحة الإرهاب. وهذا ما حدث على سبيل المثال في اليمن السعيد، عندما قرر الرئيس علي عبدالله صالح عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة في العام 2006، فشهدت شوارع العاصمة صنعاء وأحياؤها مسيرات «جماهيرية حاشدة» لمطالبة الرئيس علي عبدالله صالح بالتراجع عن إعلانه. كما رفعت «الجماهير» أكثر من 86 ألف وثيقة مناشدة تحض الرئيس على العدول عن إعلانه. وشارك «رجال أعمال ومثقفون وأكاديميون ومعلمون وعمال وجمعيات تعاونية ومنظمات مهنية وإبداعية» في رجاء الرئيس عدم التنحي، وفق الصحف اليمنية التي صدرت في ذلك التاريخ.

وعندما ينص الدستور على عدم جواز التمديد للرئيس أكثر من دورة أو دورتين، يتم تعديل الدستور كما حدث في فنزويلا، عندما لم يجد الرئيس هوغو شافيز من بين كل المؤيدين من يستطيع أن يتابع مسيرة «الثورة الاشتراكية وقيم سيمون بوليفار في الحياة والسياسة»، ما أجبره على تعديل الدستور لكي يترشح لفترة ثالثة. وبذلك يثبت شافيز أن لا استثناء للقاعدة التي تقول إن القائد هو الرجل الوحيد القادر على إنقاذ الأمة.

وثمة بالطبع من لا يحتاج إلى تعديل دستوري ولا إلى مسرحيات جماهيرية، فالعقيد القذافي يحكم بلاده منذ أربعة عقود ونيِّف من دون أن يكون له منصب رسمي ليترشح له أساساً.

أما استثناءات القاعدة، فهي التي تتلقى أكبر قدر من الهجوم الإعلامي والسياسي والإرهابي. ولنأخذ مثلين على ذلك: العراق ولبنان. العراق الحديث الذي شهد ثلاثة رؤساء حكومات في غضون خمس سنوات يتلقى أكبر قدر من التدمير الممنهج، سياسياً وإعلامياً وعلى صعيد العمليات الإرهابية المنحطة، وتتعاون عناصر في الداخل والخارج لإفشال العملية الانتخابية التي تمت بنجاح وإفراغها من مضمونها، من أجل عودة سيادة النسيج الطائفي الذي لا يريد أن يستسلم أمام المدِّ الوطني. وفي لبنان ثمة جهود حثيثة لإفراغ العملية الانتخابية من محتواها، وتحويل لبنان أيضاً إلى بلد تحكمه غالبية طائفية من لون محدد. فهل سيحين يوم تعرف فيه هذه الشعوب مفهوم المواطنة بدل القبيلة والطائفة، ومفهوم التداول بدل الهيمنة، ومفهوم الرئيس السابق، الذي ينبغي له أن يجهز سيرته الذاتية ليقدمها هنا وهناك بحثاً عن عمل، لأن وظيفته كرئيس قد انتهت؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ