ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 02/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إسرائيل 2010: عاجزة عن الحرب والسلام والأحادية أيضاً

المستقبل - الثلاثاء 1 حزيران 2010

العدد 3668 - رأي و فكر - صفحة 19

ماجد عزام()

عاجزة عن الحرب والسلام والاحادية ايضا هكذا تبدو إسرائيل فى الذكرى الثانية والستين لقيامها ونكبة فلسطين.

بعد سنوات قليلة على انطلاق التسوية باطارها الجديد مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو اتضح ان اسرائيل عاجزة عن السلام وان اقصى ما قد يطرحه أي مسوؤل اسرائيلي لا يتساوق مع الحد الادنى الذى يمكن ان يقبل به اى مسوؤل فلسطينى تبدى هذا جليا فى قمة كامب ديفيد الثانية-صيف العام 2000 كما فى لقاءات طابا مطلع العام 2001 لان اهود باراك لم يذهب من اجل التسوية وانما حسب زعمه لكشف القناع عن وجه الشهيد ياسرعرفات وعندما طرح دولة فلسطينية كقطعة الجبنة السويسرية بلا اى خرائط او خطط تفصيلية ومن دون ان تتجاوز فى الجوهر خيار اليمين التاريخى اى الحكم الذاتى البلدى الموسع علما ان عديدين فى اسرائيل راوا باراك يمينياً متنكراً حتى ان ارئيل شارون كان يمتدحه كثيرا لما فعله لليمين حيث قال ذات مرة" لقد استلقى على الجدار من اجلنا "فى اشارة الى تصريحاته بعد فشل قمة كامب ديفيد الزاعمة ان ليس من شريك فى الجهة المقابلة وان القيادة الفلسطينية ليست جادة فى التوصل الى اتفاق نهائى مع اسرائيل وانما تبحث عن تدمير هذه الاخيرة ولكن بالوسائل الناعمة والسياسية والديبلوماسية .

اذن فى نهاية القرن العشرين اتضح ان اسرائيل عاجزة عن السلام او أنها لا ترغب به بالاساس ومباشرة بعد ذلك اتضح ايضا عجزها عن الحرب رغم ان هذا الامر بدأ نظريا مع الانتفاضة الاولى والمقولة الشهيرة لرئيس الاركان انذاك الجنرال دان شومرون ليس من حل عسكرى فى مواجهة اطفال الحجارة وبالاحرى ليس من حل عسكرى فى مواجهة شعب يبحث عن الحرية وتقرير المصير غير ان ارئيل شارون ظن ان بامكانه ان يفعل ما عجز عن فعله شومرون ورابين وجنرالات آخرون من قبل ووضع شعارا لحملته الانتخابية الاولى عام 2001 "دعوا الجيش ينتصر" وتعهد بسحق الانتفاضة الثانية التى اندلعت كنتيجة لفشل قمة كامب ديفيد - خلال مائة يوم غير انه وحسب تعبيره الشهير من هنا"السلطة" راى الامور التى لا ترى من هناك"المعارضة" وبعد محاولات يائسة استمرت عامين ونصفاً امن شارون ان ليس بالامكان فرض الهزيمة على الفلسطينيين بالوسائل العسكرية وعندها تبنى الفكرة الاحادية التى كان اهود باراك نظر اليها منذ العام 2000 بعدما اقتنع هو الاخر ان ليس من حل عسكرى للصراع وانما سياسى فقط.

اذن إقرارا بالعجز عن الحرب وعدم امتلاك الارادة الكافية للسلام لجا شارون الى النظرية الاحادية فك الارتباط- زاعما الافتقاد الى الشريك الفلسطينى مستغلا الهجمة العسكرية الاميركية على المنطقة اثر غزو العراق ظنا منه ان الفرصة مؤاتية لرسم حدود اسرائيل من جانب واحد وفق جدار الفصل وعلى قاعدة الرؤى والمصالح الاستراتيجية والحيوية للدولة العبري.

بعد تنفيذ الجزء الاول من خطة فك الارتباط اوالانفصال من طرف واحد عن الفلسطينيين عبر الانسحاب من قطاع غزة واعادة الانتشار فى شمال الضفة الغربية اسس شارون حزب كديما على اساس الفكر الاحادى وقرر الذهاب الى انتخابات مبكرة من اجل استكمال الانفصال عن الفلسطينيين غير ان القدر لم يمهله فتولى اهود اولمرت السلطة بالصدفة متعهدا المضى قدما على طريق تراث شارون وواضعا الانطواء او الجزء الثانى من خطة فك الارتباط هدفا سياسيا له وعنوانا لحملته الانتخابية 2006 .

ايام قليلة بعد تشكيل حكومته الاولى انهارت الفكرة الاحادية كما الاساس العقائدى لكديما تراث شارون عندما اسرت حماس جلعاد شاليت واسر حزب الله اهود غولد فيسر والداد ريغيف وفشل اولمرت فى استعادتهما او حتى تحقيق الاهداف الاخرى التى وضعها لحرب لبنان ومن وقتها اضحى اولمرت جثة سياسية وبات رحيله هو مسالة وقت فقط .

ما جرى فى غزة العام الماضى يختصر فى الحقيقة القصة كلها حيث تأكد عجز اسرائيل عن الحرب بمعنى تحقيق اهداف سياسية بوسائل عسكرية كما انها من جانب اخر كرست حقيقة ان لا فرصة للسلام او ان من يرتكب فظاعات كهذه لا يمكن ان يمتلك الارادة للسلام عمليا التسوية بشكلها الحديث ماتت اكلينيكيا مع حرب غزة وحتى العودة الى المفاوضات المباشرة اضحت جد صعبة حكومة اليمين الحالية سهلت تظهير هذه القناعة الفلسطينية علما ان الحرب وما جرى قبلها اثبتت ايضا ان ليس من فرصة للاحادية بمعناها الشارونى القاء المفاتيح والمغادرة ليس حلا وفق التعبير الشهير لتسيبى لفنى .

مشاكل ونزاعات حكومة اليمين الحالية مع الحلفاء اوروبا واميركا تعبر بدقة عن التخبط الذى تعيشه فى ظل افتقادها لخيارات جدية على المسار الفلسطينى اى حرب لن تحقق اهداف جدية وذات بال كما قال اهود باراك وغابى اشكنازى لاولمرت اثناء حرب غزة كما ان الحكومة تفتقد لارادة الاتفاق والتسوية مع الفلسطينيين وترفض الاحادية باعتبارها هربا وتعبيراً عن الانهزامية فى مواجهة الفلسطينيين والعرب وامكانية ادارة الوضع الراهن لسنوات وفق هذيان بينى بيغن او ثرثرات نتن ياهو عن السلام الاقتصادى لا تسمن ولا تغنى من جوع كما قال اهود باراك-محلل شوؤن الشرق الاوسط بالحكومة حسب التعبير الساخر لاحد المعلقين ذات مرة عدم قيام دولة فلسطينية يعنى قيام دولة واحدة اما غير يهودية اى ديموقراطية لكل مواطنيها او غير ديموقراطية دولة فصل عنصرى وفى كلتا الحالتين وبعيدا عن التصريحات الانفعالية والمتسرعة احيانا فان هذا الخيار اى الدولة الواحدة يستحق ويقتضى عملا اكثر جدية على المستويات المختلفة فلسطينيا وعربيا ودوليا ايضا باعتباره اكثر واقعية من خيار الدولتين الميت سريرياً منذ زمن طويل وينتظر فقط من يمتلك الشجاعة والارادة للاعلان عن ذلك بشكل رسمى

 () مدير مركز شرق المتوسط للاعلام.

=====================

حصار على إسرائيل

افتتاحية

("هآرتس 28/5/2010)

المستقبل - الثلاثاء 1 حزيران 2010

العدد 3668 - رأي و فكر - صفحة 19

سفن مكللة بأعلام فلسطين ويافطات تأييد لسكان قطاع غزة، محملة بالمنتجات الاستهلاكية المخصصة للسكان المحاصرين هناك منذ نحو 4 سنوات، تهدد الدولة. يمكن الاعتقاد جراء رد فعل الحكومة ومن الاستعدادات لصد "اسطول السلام"، بأن من يخضع لحصار وحشي هي دولة إسرائيل وليس غزة..

تجد إسرائيل صعوبة متزايدة في ان تشرح للعالم سبب الحصار. اذا كان هدفه هو منع اطلاق صواريخ القسام على إسرائيل، فقد كانت هذه ذريعة لحملة "رصاص مصهور". واذا كانت إسرائيل تتطلع الى ان تشدد بواسطته الضغط على سكان غزة، الى ان يثوروا ضد حكم حماس ويتسببوا في انهياره، او ان تقرر حماس الاستجابة للضغط الإسرائيلي فإن السنوات الأربع التي مرت تشهد على فشل هذه السياسة.

علاوة على ذلك، أليست المعاناة التي تلحقها إسرائيل بمليون ونصف مليون انسان هي عمل غير انساني يزعزع جدا مكانتها في العالم؟ واذا كان الضغط على غزة هو الوسيلة الناجعة الوحيدة، فما معنى القانون الجديد الذي يرمي الى تشديد شروط الاعتقال لسجناء حماس؟ يبدو ان الحكومة لا تنجح في بلورة استراتيجية مناسبة لتحرير جلعاد شليط، وهي تتمسك بكل قشة كي تظهر أنها تقوم ب"فعل" ما.

تعرف الحكومة جيدا "شارة الثمن" التي يتعين عليها دفعها لاطلاق سراح شاليت. كما انها ادارت مفاوضات غير مباشرة مع حماس بل واعربت عن استعدادها لاطلاق سراح عدد كبير من السجناء. وبقي الخلاف حول بضعة سجناء ارتكبوا جرائم خطيرة جدا، لا توافق إسرائيل على اطلاق سراحهم. الاصرار الإسرائيلي الشديد على رفض اطلاق سراح هؤلاء السجناء يتبين بانه باهظ الثمن جدا في هذه الاثناء. فعلاقات إسرائيل مع تركيا تآكلت بشكل جوهري بسبب السياسة في غزة، وبعض دول اوروبا، التي تعتبر بدورها حماس منظمة ارهابية، تنتقد سياسة الحصار، والبضائع الإسرائيلية تعاني من المقاطعة، والرأي العام العالمي لم يعد يوافق على الحصار. عدد المشاركين في الاسطول ووظائفهم، بينهم دبلوماسيون وشخصيات عامة، يدل على ذلك.

تدعي إسرائيل، بأنه لا يوجد جوع في غزة وان المنتجات الحيوية تدخل القطاع كالمعتاد. وفضلا عن ذلك فان إسرائيل مستعدة لأن تنقل ما تحمله السفن الى القطاع ولكن عبر ميناء اسدود وبواسطة الجيش الإسرائيلي، وليس من عبر السفن نفسها. اذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن إسرائيل لا تعارض مجرد المساعدة بل مظاهرة التأييد لسكان القطاع. بيد انه كان ممكنا منذ البداية منع مظاهرة التأييد هذه لو كانت إسرائيل قررت ازالة الحصار عديم الجدوى وأتاحت لسكان قطاع غزة بأن يعيشوا حياة طبيعية.

حتى لو نجحت إسرائيل في أن تمنع وصول الاسطول الى غزة، فمن المتوقع لها المزيد من مظاهرات التأييد التي سيتعين عليها التصدي لها. من الافضل للحكومة ان تقرر، وفورا، بأنها تعود الى المفاوضات غير المباشرة مع حماس، وان تخفف من حدة موقفها في مسألة اطلاق سراح السجناء وأن ترفع الحصار عن غزة. من شأن هذا الثمن أن يتضح كمنخفض نسبيا مقارنة بالمس بمكانة إسرائيل.

=====================

الحصار.. الحصار..

الافتتاحية

الثلاثاء 1-6-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

هنا سفر حصارهم يبتدي..

هنا سفر حصارنا في انتهاء..‏‏‏

بالأذن من الراحل الكبير محمود درويش..‏‏‏

العالم يدين.. يشجب.. يستنكر.. يرفض.. ثم ماذا..؟! العالم يحاصر الجريمة..‏‏‏

يجب ألا تفلت الجريمة من الجزاء.. وألا تنجو إسرائيل من العقاب.. إنه التحدي الأكيد للأمم المتحدة.. لمجلس حقوق الإنسان.. لمحكمة العدل الدولية.. ولمحكمة الجنايات الدولية، طالما أظهرت استعدادات للاقتراب من أحداث المنطقة، وطالبت قادة عرباً أن يسلموا أنفسهم..‏‏‏

أهم ما يمكن أن يفعله العالم اليوم:‏‏‏

1- «تضافر الجهود لعدم السماح لإسرائيل في الإفلات من العقاب على الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها..» كما حدد السيد الرئيس بشار الأسد في اتصاله مع الرئيس التركي عبد الله غل.‏‏‏

2- إنهاء الحصار..‏‏‏

صمَتَ العالم على الاحتلال.. فكان العدوان..صمَتَ على العدوان.. فكان الحصار.. صمَتَ على الحصار فكانت الجريمة النكراء وهي دون أي تجاوز وصفي، إرهاب دولة علني -كما وصفها الزعيم التركي رجب طيب أردوغان- وعلى عين العالم كله..‏‏‏

بل إن عصابة نتنياهو- ليبرمان.. تتطلع إلى أن يعترف العالم بكيانهما الارهابي كحالة استثنائية يحق له أن يفعل ما يشاء..‏‏‏

كل ذلك.. ويجب ألا يأخذونا إلى التفاصيل.. عبر الكذب والتضليل والشروح الجغرافية الطويلة..‏‏‏

إنهاء الحصار أولاً.. وهي مقدمة لانهاء الاحتلال.. ثم السلام..‏‏‏

بتقديرنا أن ذلك ما يمثل إرادة العالم.. هل في العالم من وافق على الجريمة النكراء..؟‏‏‏

الشجب والاستنكار والادانة والرفض.. مهم جداً.. إنه حصار الجريمة..‏‏‏

ربما هي المرة الأولى في التاريخ التي يظهر فيها العالم.. كل العالم فهمه الحقيقي لإسرائيل وسلوكها.. ويراها دون ستار من التزييف، وهي ترتكب الجريمة بدم بارد.‏‏‏

لقد قامت إسرائيل على عدة دعائم.. منها المال والسلاح والقتل والغدر.. وأيضاً التضليل..‏‏‏

إسرائيل ضللت الجزء الكبير من العالم سنين طويلة.. ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الراهن.. بدأت تتكشف للعالم حقائق لم يكن له أن يجهلها.. ومع العدوان على غزة أصبح التستر على إسرائيل صعباً جداً.. وهذا ما واجهته مع تقرير غولدستون.‏‏‏

أما اليوم.. فليس لعين أن تقول: لم أرَ قتلاً بدم بارد مع سبق الترصد والإصرار لشهداء ارتكبوا «معصية» المغامرة بايصال لقمة غذاء أو حبة دواء.. وقالوا لا.. للحصار.‏‏‏

من فوق مياه المتوسط انقشع غيم لنقرأ من خلفه تفاصيل الأيدي المجرمة.. وليضيء دم اختلطت فيه مشاعر العالم.. كل العالم.. دون تمييز.. يجمعهم أن ينتهي الحصار.‏‏‏

=====================

مجزرة «سفن السلام»: إسرائيل تحاصر نفسها

الثلاثاء, 01 يونيو 2010

مصطفى زين

الحياة

كان نتانياهو في طريقه إلى البيت الأبيض ليحصد ثمار ضغطه على الرئيس باراك أوباما، عندما هاجم جيشه بضع سفن تحمل مواد غذائية لإغاثة المحاصرين في غزة. «سفن السلام» أصبحت لديه أخطر من قنبلة نووية. استنفر كل قواته. أعلن حال الطوارئ. ارتكب المجزرة بدم بارد. أفلت قبلها من مجازر كثيرة. كانت الولايات المتحدة وأوروبا جاهزتين لتبرير أي عمل من أعماله. مجلس الأمن في خدمته. إذا توصل إلى قرار يعطله الفيتو الأميركي. الأمم المتحدة حوّلها إلى نكتة. لم يحاسبه أحد منذ ارتكابه مجزرة كفر قاسم، إلى أحدث مجازره في غزة، مروراً بمجزرتي قانا.

كان واضحاً أن الحكومة الإسرائيلية تتجه إلى التصعيد، بعدما تأكدت من أن واشنطن أطلقت يدها في المنطقة بعدما اتخذت قراراً بالانسحاب منها وتركها لأصدقائها، وهي في مقدمهم. تأكدت من ذلك عندما التقى أوباما، قبل أسبوعين، أعضاء في الكونغرس يزايدون بصهيونيتهم على نتانياهو نفسه، وبعضهم أشد عنصرية من وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان. اعترف سيد البيت الأبيض أمامهم بأنه اصطدم في بداية عهده بكثير من الألغام في الشرق الأوسط. لم يقل من زرعها. لكن كل المؤشرات الصادرة من البيت الأبيض وتراجعه عن تعهداته إيجاد تسوية سلمية للصراع في المنطقة خلال فترة زمنية قصيرة ووقف الاستيطان (العقبة الأساسية في طريق السلام) والبدء بمفاوضات الحل النهائي إلخ... كل ذلك يؤكد اقتناعه بأن إسرائيل زرعتها وبأن اللجوء إلى حضنها الدافئ، بدلاً من مواجهتها، أضمن له ولحزبه، وأكثر أماناً من المغامرة بالضغط على نتانياهو الذي أثبت أن نفوذه في واشنطن يفوق نفوذ أي رئيس.

أصبح أوباما مقتنعاً بأن أسلافه في البيت الأبيض كانوا محقين بدعمهم إسرائيل، فأهدى حكومتها مبلغاً إضافياً لاستكمال استعداداتها في مواجهة هاجس الصواريخ المعادية. وهو يبحث عن مكان في الدول العربية لنصب رادار يعمل بالتكامل مع رادار آخر في الدولة العبرية لمواجهة إيران.

الألغام في الشرق الأوسط جعلت أوباما يرسل أركان البيت الأبيض إلى إسرائيل. وبعضهم الآخر جال على رؤساء الجالية اليهودية والحاخامين في الولايات المتحدة لطمأنتهم إلى أنه لن يحيد عن «الدعم الدائم والثابت للديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، خصوصاً أن انتخابات الكونغرس على الأبواب والجمهوريون يهددونه بالانفتاح أكثر على اليهود. فضّل أوباما أن يكبل يديه بنفسه بالتراجع عن تعهداته. راح يتقرب من الزعماء الأكثر تطرفاً. سكت عن دعوة الناشط اليهودي الحائز على جائزة نوبل للسلام إيلي فيزيل إلى إخراج القدس من المفاوضات. كافأه على شجاعته بدعوته إلى عشاء في البيت الأبيض.

لا يمكن التصديق أن أوباما خطا كل هذه الخطوات إلى الوراء مقابل زيادة تبرعات اليهود لحزبه من أجل الفوز بانتخابات الكونغرس. المسألة أبعد من ذلك. إنها تتعلق بالانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط. انسحاب عسكري من العراق. وإيجاد رادع لإيران، كي لا تملأ الفراغ، وهذا لا يتم إلا بالتعاون مع إسرائيل ومع الأصدقاء المستعدين لذلك. أي ترك المنطقة لأصحابها، ومساعدة الحلفاء بالسلاح والديبلوماسية من بعيد، بدلاً من الغوص عسكرياً في المستنقع. وإلى الاعتماد على الأصدقاء الذين يحمون مصالحها، أقرت واشنطن استراتيجية الجنرال ديفيد بترايوس: اللجوء إلى النشاط الاستخباراتي السري، والعودة إلى الأساليب القديمة في دعم المنشقين عن حكوماتهم سياسياً وعسكرياً إذا لزم الأمر، من دون التورط مباشرة في الصراع.

لتطبيق هذه الاستراتيجية لا بد من حلفاء، في طليعتهم الحليف المقدس إسرائيل التي كلما زاد رصيدها في واشنطن كلما أصابها جنون العظمة وفقدت أعصابها وأمعنت في جرائمها، ومنها مجزرة «سفن السلام» بالأمس. لكنها في الوقت ذاته تمعن في محاصرة نفسها بالأعداء.

=====================

«لعنة» القائمة المالية

الثلاثاء, 01 يونيو 2010

علي بن طلال الجهني *

الحياة

قبل ربع قرن، بالكمال والتمام، سألت السيد ستيفن بيكتل: لماذا لم يختر جدك ووالدك وأنت من بعدهما طرح أسهم لشركة مربحة عريقة مثل «بيكتل» للاكتتاب العام في أسواق المال؟ أليس طرح الأسهم في الأسواق من أفضل وسائل تعظيم رأس المال الذي سيساعد «بيكتل» كما ساعد غيرها، على التوسع في الاستثمار وتمويل المشاريع؟

وكان جوابه يتلخص في أن «بيكتل» تخصصت في تنفيذ المشاريع الإنشائية المعقدة الضخمة، التي يتعذر تنفيذها إن لم يستحل، في فترة وجيزة كربع سنة أو نصفها أو حتى عام كامل في معظم الأحيان. وفي أعقاب كساد 1929 المروع، وبعد اكتشاف تداول أسهم مئات الشركات التي تخصص في تداولها وتسويقها من تفننوا في إخراج دراسات جدوى اقتصادية تزور الحقيقة، حتى صار الكثير من عامة الناس قد يشترون أسهم شركات قيل لهم إنها شركات قائمة ثم اكتشفوا بعد شهر أو أشهر انها اختفت من الوجود. أصدر الكونغرس في عام 1934 قانوناً يقضي مما يقضي، بفرض إصدار قوائم مالية ربع سنوية لكل شركة مساهمة يتم تداول أسهمها في أسواق المال الأميركية، أملاً في أن يؤدي ذلك الى القضاء على تداول أسهم شركات لا وجود لها إلا في نشرات تسويق أسهمها. وبعد ذلك حذت دول كثيرة حذو أميركا.

ولكن، وكما يحدث في كثير من الأحوال، فقد ترتبت على الالتزام بتنفيذ ذلك القانون سلبيات كثيرة. ففي حين أن ذلك القانون حقق الغرض الأهم من إصداره، إذ قلل من وجود شركات لا وجود لها بعد ربع سنة من بدء تداول أسهمها، ففي الوقت ذاته غيّر حوافز القيادات التنفيذية لمعظم الشركات، بما فيها الشركات الكبيرة العتيدة، للاهتمام بما تظهره القوائم المالية القصيرة الأجل كربع السنوية، على حساب الاستثمار الطويل الأجل المكلف آنياً والمثمر آجلاً الذي يرفع الدخل الدائم على المدى الطويل.

ثم أضاف ستيف بيكتل: لو نحن طرحنا أسهم «بيكتل» للاكتتاب العام، على رغم المغريات، فلا نرجح قدرة ذلك الكيان الضخم على الاستمرار في النمو والإسهام في تنفيذ مشاريع عملاقة لا تقدر على تنفيذها إلا المنشآت الاقتصادية التي تستثمر عائداتها لرفع إمكاناتها الفنية وديمومة نموها.

ويقول عضو مجلس النواب الأميركي السابق المهندس الدكتور دونالد ريتر، والذي حصل على الدكتوراه في هندسة التعدين من جامعة «أم آي تي» إن الكثيرين من قيادات الشركات المساهمة الناجحة الكبيرة، اشتكوا إليه مما يلاقونه من معاناة للالتزام بإصدار قوائم مالية ربع سنوية للحيلولة دون انخفاض أسعار أسهم شركاتهم. فحتى مديرو محافظ الاستثمار، بما في ذلك التي توظف مبالغ التأمينات الاجتماعية لغالبية العاملين، يصدرون تقارير ربع سنوية، ووفقاً لما تظهره هذه التقارير يتم تحديد مبالغ مكافآتهم.

وفي عام 1992 تقدم النائب ريتر بقانون يقضي بإلغاء القانون الذي ألزم الشركات المساهمة بإصدار قوائم مالية ربع سنوية، والاكتفاء بإصدار قوائم مالية سنوية من دون منع من أراد إصدار قوائم مالية ربع سنوية أو حتى شهرية.

وأهم الحيثيات التي أوردها النائب ريتر، وانطلاقاً من خلفيته العلمية، أن مصدر التقدم الاقتصادي المادي، هو «البحث والتطوير». وأهم البحوث وتطبيقاتها تتم إما في مختبرات الجامعات القيادية وتمولها الشركات أو في مختبرات الشركات ذاتها إن كانت قادرة على ذلك. وهذه بحوث تحتاج الى وقت ولا يتم جني ثمارها إلا بعد سنوات. وإصدار قوائم ربع سنوية يغري بالاهتمام بالأرباح السريعة على حساب ديمومة النمو ويقلل من الاستثمار في البحوث العلمية وتطبيقاتها.

والذي حدث في عام 1992 أن لوبيات المضاربين، وما يُسمى بيوت الاستثمار، وما يُسمى بالمحللين الفنيين وغيرهم ممن يستمدون جل دخلهم من التغييرات اليومية لأسعار الأسهم، اتحدوا جميعاً لإسقاط مشروع القانون الذي تقدم به ريتر ولم يؤيده إلا العدد القليل من النواب.

وكما هو متوقع كانت أهم تبريرات من عارضوا المشروع أن المستثمرين يحتاجون الى مراجعة القوائم المالية بأسرع وقت يمكن لهم الحصول عليها.

وهذه أقوال يرددها دائماً من ينظرون الى أسواق المال كحلبات للقمار والمضاربة، غير أن الحقيقة أن ضررها على المدى الطويل أكثر من نفعها بالنسبة الى المستثمرين الحقيقيين، على خلاف المضاربين، لأن المستثمر الحقيقي ينظر الى شراء الأسهم كاستثمار طويل الأجل، ويعرف أن أكثر المستفيدين من تكرار عمليات البيع والشراء، هم المضاربون والسماسرة الذين يأتي جل دخلهم من عمليات البيع والشراء، وليس المستثمرين.

والله من وراء القصد.

=====================

حرب رمزية

آخر تحديث:الثلاثاء ,01/06/2010

خيري منصور

الخليج

لم يشهد البحر المتوسط حرباً رمزية كالتي يشهدها الآن منذ الإغريق، فالأوديسة الجديدة بطبعتها العربية تبدأ من المطلع ذاته، والمتكرر على امتداد العصور وهو أن البحر لمن غلب واللؤلؤ المكنون فيه لمن غلب، لكن الحرب التي تدور الآن بين سفن عزلاء إلا من ضمائر من تقلّهم من معظم جنسيات هذا الكوكب هي من طراز فريد، فهي تتاخم الأسطورة من حيث الدلالات الرمزية، حيث تتصدى أسراب عصافير لطائرات مقاتلة، ويشهر الأطفال السّنابل الذهبية مقابل صواريخ معدّة لحصاد أعناقهم .

 

وما الخيام والحافلات المخصصة للسجون التي أعدتها دولة الاستيطان لهؤلاء القادمين من كل فجٍ عميق إلا التعبير الأدق عن هزيمة المنتصر، ونقطة الضعف الأشبه بعقب أخيل التي يعاني منها القوي الأعمى الذي أخطأ الطريق إلى الانتصار فوجد نفسه في قاع الهزيمة، بمقياس أخلاقي وإنساني أولاً .

 

إن المشهد الذي يقدمه الآن البحر المتوسط يندر أن يتكرر في الحروب الكلاسيكية، لأن تلك الحروب تشارك فيها أساطيل وغواصات مدججة بالأسلحة، ومتكافئة أو شبه متكافئة على الأقل، هذه الحرب لا تكافؤ فيها بمقياس الأسلحة، وأجهزة الرّصد، والسّجون التي فتحت أبوابها وزنازينها ولو كان المعيار الرصيد هو السّلاح لعاد أسطول الحرية إلى حيث جاء تماماً كما يعود نهر إلى منبعه لأنه ضلّ الطريق إلى المصبّ .

 

حرب طرفاها ثور هائج وضرير، مقابل طائر سنونو يبشر بالربيع، في زمن تحول بكل فصوله إلى خريف مزمن .

 

هنا في هذه المعادلة الرّمزية يقف الحقّ مقابل الباطل، ويواصل العصفور غناءه أمام الثعبان، لأن الحياة يجب أن تستمر بهذا الجدل الخالد بين القوي الأحمق والضعيف الذكي .

 

ومن يبادرون إلى أفعال إنسانية ذات مغزى تاريخي لا يبالون بالنتائج القريبة لأنهم ليسوا برغماتيين، بل هم من سلالة التراجيديا التي تشكل منها نصف ثالث وغير مشهود للتاريخ، إنه النصف الفائض الذي يكون فيه المنتصر مهزوماً، والمهزوم منتصراً بحيث تسقط النقطة الفاصلة بين الغار والعار .

 

إن الإنسانية بحاجة إلى إجراء اختبارات لما تبقى من منسوبها في أزمنة الاستبداد والخنوع الوبائي الذي تنتقل عدوى جرثومته من قارة إلى قارة، وما يشهده البحر المتوسط الآن واحد من أعسر الاختبارات لأن هناك بشراً يدافعون عن بشريتهم وقباطنة يقترحون على القراصنة أسلوباً آخر في التفكير ونمطاً جديداً من الممارسة .

 

ليس مهماً لأصحاب الأهداف النبيلة السّاعية إلى الدفاع عما تبقى من شرف وكرامة إنسانية أن يحققوا أهدافهم بمقياس مادي وواقعي، لأن مجرد الشّروع في العصيان على قانون الغاب الجديد هو خطوة باسلة باتجاه مُستقبل حرّ وأقل ارتهاناً للقوة الغاشمة .

إننا نعيش زمناً رغم ما يعج به من ضجيج الآلات ومكبرات التكنولوجيا يستعيد وهج الأسطورة، لكن في بعدها العقلاني الفاعل .

=====================

مصر في السودان: الدور الغائب

آخر تحديث:الثلاثاء ,01/06/2010

فهمي هويدي

الخليج

إذا أردت أن تشير إلى نموذج للإخفاق في السياسة الخارجية وإهدار مقومات أمن مصر القومي فما عليك إلا أن تقلب صفحات ملف العلاقات المصرية السودانية في العقود الثلاثة الأخيرة .

 

-1-

 

“السودان يمر بمرحلة عصيبة من تطوره المعاصر، ومصر أيضاً تمر بمرحلة حرجة، وكلا البلدين مثقل بأعبائه وديونه الخارجية، وسط ضرورات للدفاع والأمن القومي لا مفر من الوفاء بها . وفي خضم هذه الظروف، تكون الحاجة للتنسيق والتعاون مع أقرب الأقربين ضرورة حياة أو موت، وليست ترفاً أو تزيدا (ص9)، إن هموم السودان هي هموم مصرية، وإن هموم مصر هي هموم سودانية، الأمر الذي يستدعي البحث في جوهر العلاقات المصرية السودانية، التي ستظل هي الأصل، وهي الجوهر والأساس، لقد حان الوقت لتدعيم الوجود المادي المتبادل لكل من مصر والسودان، ذلك الوجود القادر وحده على اختزال المسافة بين القاهرة والخرطوم (ص16) . لماذا يظل طريق الاتصال الشعبي (بين مصر والسودان) طريقاً ذا اتجاه واحد، فالمواطن السوداني هو الذي يزور مصر . والوزير السوداني هو الذي يحضر للاجتماع في مصر . والنقابي السوداني هو الذي يسعى للقاء زملائه في مصر، وتتوقف الحركة على هذا الطريق في الاتجاه الآخر؟ لماذا تتوتر العلاقة الشعبية كلما شاب التوتر علاقة الحكومات؟ (ص 22)

 

رغم وجود الإحساس بأهمية النيل كشريان للحياة في مصر، فإن فكرة تأمين منابعه كأحد شرايين الأمن القومي المصري لم تكن متبلورة كما هي عليه الآن، لأنه لم يكن وارداً أن هناك قوة تستطيع أن تحد من كمية أو تؤثر في نوعية المياه المتدفقة إلى مصر، لكن يظل حرص مصر على تأمين حدودها الجنوبية أحد المبادئ الأساسية في سياستها . وأدركت الحكومات المتعاقبة على حكم مصر أهمية ذلك، فكان الارتباط على مر التاريخ بين مصر والسودان، إن ذراعاً مهمة للأمن المصري تمتد في إفريقيا حيث منابع النيل . ذلك أنه من شأن أي تهديد لتدفق مياهه أن يمثل تهديداً أساسياً لمصر . ومن هنا فعلاقة مصر بالبلدان المكونة لحوض النيل يجب أن يكون أساسها الود والتنسيق والتعاون (ص32) .

 

“إن عبدالناصر لم يكن غريباً على السودان . ولم يكن غريباً على أوبوتي في أوغندا . أو كينياتا في كينيا أو نيريري في تنزانيا “كما كانت علاقاته طيبة مع هيلاسلاسي في إثيوبيا” لذلك كانت الدعوة للتعاون العربي الإفريقي تحمل في داخلها دعوة للتعاون بين دول حوض النيل . ومما لا جدال فيه أن النيل من منبعه إلى مصبه يمثل وحدة إقليمية لا تؤثر فيها الحدود السياسية . وقد خرج من هذه الدول مشروع دولة وادي النيل الكبرى . بهدف تقوية التعاون والتقارب لكي يستفيد كل من يعيش حول النيل من مياهه” . (ص 34)

 

-2-

 

صدق أو لا تصدق، هذا الكلام عمره أكثر من عشرين عاماً، إذ هو موثق في كتاب من 700 صفحة أصدره مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد “جامعة القاهرة” بالتعاون مع شعبة العلوم السياسية بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في جامعة الخرطوم . وكانت الجهتان قد نظمتا ندوة في القاهرة حول العلاقات المصرية السودانية في منتصف شهر مايو/أيار عام ،1989 اشترك فيها 26 باحثاً من الطرفين . والفقرات التي أوردتها بمثابة نقطة في بحر الكلمات والأوراق التي قدمت في الندوة .

 

بطبيعة الحال لم تكن تلك الندوة فريدة في بابها . ورغم أنها من أهم الندوات التي عالجت عناوين ملف العلاقة بين البلدين، إلا أنها لم تكن الوحيدة، وإنما سبقتها وتلتها ندوات وحوارات أخرى قتلت الموضوع بحثاً . الأمر الذي يعني أن الباحثين على الجانبين أنفقوا وقتا طويلا في تشخيص تلك العلاقة، بحيث لم يعد لأي طرف عذر في الادعاء سواء بأنه لم يكن يعرف أو أنه فوجئ بأي تطور لاحق فرض نفسه على عناوين الصحف وصدارة نشرات الأخبار . وهو ما يسوّغ لنا أن نقول إن ملف العلاقات المصرية السودانية يعد نموذجاً لحالة كثر فيها الكلام وندر الفعل .

 

إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية (منتصف أربعينات القرن الماضي) كانت وحدة وادي النيل أحد العناوين المهمة في الساحة السياسية المصرية . وفي المرحلة الناصرية التي حصل السودان خلالها على استقلاله عام ،1956 ظلت العلاقات هادئة نسبياً باستثناء التوتر الذي خيم عليها بسبب ثورة أكتوبر/تشرين الأول عام ،1964 إذ وقع الطرفان اتفاقية الانتفاع بمياه النيل عام ،59 كما وقعا اتفاقية الدفاع المشترك عام ،1976 في المرحلة الساداتية ظلت العلاقات مع الخرطوم على تحسنها النسبي في ظل حكم الرئيس جعفر نميري، الأمر الذي أدى إلى توقيع ميثاق “التكامل” بين البلدين عام ،1982 في بداية حكم الرئيس مبارك . وبعد إسقاط حكم نميري عام 1985 وتولى الصادق المهدي رئاسة الحكومة، تم في عام 1987 توقيع ميثاق “الإخاء” بين البلدين، بديلا عن “التكامل” .

 

لم يغير ميثاق الإخاء من الجمود المخيم على علاقات البلدين في تلك المرحلة . وقد استمر الجمود بعد انقلاب الفريق عمر البشير في عام ،1989 الذي كان يقف وراءه الدكتور حسن الترابي، وبعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك في عام ،1995 التي قيل إن بعض عناصر السلطة في الخرطوم كانوا ضالعين فيها، تدهورت العلاقات أكثر فأكثر، وترتب على ذلك أن سقط السودان والقارة الإفريقية كلها من أجندة الاستراتيجية المصرية . وكان ذلك “الانسحاب” متزامناً مع أجواء خروج مصر من المشهد العربي التي خيمت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع “إسرائيل” عام 1979 .

 

في هذا الصدد سجل محجوب محمد صالح رئيس تحرير جريدة “الأيام” السودانية في ورقة قدمها إلى ندوة العلاقات التي عقدت في عام ،1989 أن التعامل مع السودان ظل مقصوراً على مؤسسة الرئاسة في مصر، وليس عبر القنوات المتعارفة للتعامل مع الدول الأخرى، إذ يغلب عليها الطابع الأمني، بحيث أصبحت السياسة تجاه السودان تحددها التقارير الأمنية أكثر مما تحددها قراءة الواقع السياسي أو التحليل السياسي .

 

-3-

 

في ظل تراجع الدور المصري في العالم العربي، أصبحت مصر الغائب الأكبر عن السودان . هذه العبارة سمعتها من الدكتور حسن مكي مدير جامعة إفريقيا العالمية في الخرطوم . وقد عبرت عن ذات المعنى مقالة نشرتها جريدة الصحافة (عدد 20/5/2010) كان عنوانها تراجع الدور المصري في السودان . ومما قاله كاتبها خالد سعد “إن مصر لم تعد من الدول الرئيسية التي تستطيع التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في الشأن السوداني . وبات الوجود المصري في البلاد مجرد ذكرى من بقايا الماضي . ونقل الكاتب عن أحد أساتذة العلوم السياسية بالسودان، الدكتور عبدالرحمن خريس أن التأثير المصري في المنطقة كلها قد خفت، بحيث لم تعد مصر قادرة على منافسة الدور الأمريكي أو “الإسرائيلي” في إفريقيا، بعدما تعاظم دور الدولتين في ظل غياب القاهرة . مما ذكره الدكتور خريس أيضا أن تفريط مصر في علاقاتها الإفريقية أضر بمصالحها .

 

لقد كان التعليم مثلا من أهم الساحات التي غابت عنها مصر . إذ منذ أربع سنوات أعلن عن إقامة فرع لجامعة الإسكندرية في جوبا عاصمة الجنوب، لكن المشروع لم ير النور إلى الآن . ومنذ ست سنوات (في عام 2004) تم الاتفاق على إقامة جامعة القاهرة في السودان بمواصفات معينة، وخصصت الأرض للمشروع بالخرطوم وتم بناء المبنى الإداري، وكان مقرراً أن تفتتح في شهر أغسطس/آب من العام الماضي (2009) ولكن المشروع لم ير النور بدوره .

 

تجلى التقاعس والتراخي المصري في التعامل مع السودان في قصة دعوة شيخ الأزهر السابق، الشيخ محمد السيد طنطاوي، لزيارة الخرطوم قبل ثلاث سنوات . فقد وجه إليه الدعوة الدكتور حسن مكي رئيس الجامعة الإفريقية العالمية، فرد عليه مكتب شيخ الأزهر برسالة ذكرت أن الشيخ في مقام رئيس الوزراء، وينبغي أن توجه إليه الدعوة من نظير له . ولأنه لا يوجد في النظام السوداني رئيس للوزراء فإن مستشار الرئيس للشؤون الدينية الدكتور أحمد علي الإمام وقع خطاب الدعوة وأرسلها إليه فلم ترد القاهرة . وحينذاك أرسل إليه الدكتور مصطفي عثمان مستشار الرئيس دعوة ثالثة، فلم يرد عليها، ومات الرجل من دون أن تطأ قدمه أرض الخرطوم، ولم يعرف للأزهر حضور في السودان .

 

-4-

 

في ظل غياب مصر تواجه مصر الآن مأزقاً من شقين، أحدهما يتعلق بدعوة دول المنبع إعادة النظر في توزيع حصص مياه النيل، والثاني يتمثل في احتمال انفصال جنوب السودان عن شماله، في استفتاء تقرير المصير الذي يفترض أن يتم بعد ستة أشهر (في شهر يناير/كانون الثاني المقبل)، وهو مأزق كان بوسعنا أن نتجنبه لو أن الصورة التي كانت مرئية منذ عشرين عاما أخذت على محمل الجد، وتم الاستعانة بها في وضع استراتيجية وسياسة بعيدة المدى تليق بدولة كبيرة ومؤثرة مثل مصر، لكنها حين تراجعت صغرت .

 

لقد تحدث كثيرون عن موضوع إعادة توزيع حصص مياه النيل . وفهمنا أنه أمر خطير حقاً لكنه ليس عاجلاً، لكن مسألة انفصال جنوب السودان التي تلوح في الأفق الآن لم تلق ما تستحقه من تنبيه واهتمام، ولا تزال تعامل بالتراخي وعدم الاكتراث الذي أصبح من سمات الدور المصري الباهت في السودان، رغم ما تمثله من تهديد لأمن مصر .

 

لقد سبق أن تحدثت عن المخططات الغربية و”الإسرائيلية” التي تستهدف تمزيق السودان، والتي يراهن بعضها على انفصال جنوب السودان، خصوصاً اتحاد شرق إفريقيا . وهو المشروع الاستعماري الذي طرحته بريطانيا في القرن الماضي، ليضم كينيا وأوغندا وتنزانيا وربما جنوب إفريقيا، لكي يكون عازلاً بين العرب والأفارقة . وفي هذه الحالة فإن مناطق أحواض الأنهار التي راهنت مصر على زيادة حصتها المستقبلية منها لمواجهة احتياجات الزيادة السكانية، ستكون كلها في الجنوب وخارج سيطرة الشمال، ذلك أن مصر بحاجة إلى عشرة ملايين متر مكعب اضافية من المياه خلال السنوات العشر القادمة، ويتعين عليها أن تدخل في مفاوضات مع “دولة الجنوب” المفترضة وأن تخضع لشروطها لكي تحصل على ما تريد، علما بأن تلك الدولة الضعيفة ستكون معتمدة على الولايات المتحدة و”إسرائيل” بالدرجة الأولى . وللبلدين حضور قوي الآن في الإقليم .

 

إن نخبة الشمال لديها كلام كثير عن تأثير الانفصال في مصر، وقد علمت أن هذا الكلام نقل إلى القاهرة التي زارها مؤخراً وفد حذر من مغبة هذا الاحتمال، والسؤال الذي يحيرهم وسمعته على لسان أكثر من واحد منهم هو: ماذا تنتظر مصر ولماذا تقف متفرجة على ما يجري؟

=====================

دروس يمكن للغرب تعلمها من العالم العربي

بقلم :ستيفن مازياس

البيان

1-6-2010

قبيل التحاقي مؤخراً بالعمل كمدير أكاديمي لمقر كلية انسياد لإدارة الأعمال في الشرق الأوسط، والذي تحتضنه العاصمة الإماراتية أبوظبي، لم أكن قد عملت أو عشت خارج الولايات المتحدة من قبل.

 

وبعد أن بدأت حياتي الجديدة كأجنبي مقيم في المنطقة العربية، ظهرت مستجدات مثيرة للاهتمام من حولي، تمثلت في مجملها بالتساؤلات المطروحة من قبل زملائي وأصدقائي من خارج المنطقة، وحتى أفراد عائلتي، حول الكثير من الأمور الحياتية هنا، بدءاً بالجِمال وصولاً إلى التطرف..

 

لكن نوعاَ آخر من الأسئلة حفزني لكتابة هذا المقال، وهي أسئلة حول المخاوف المرتبطة بتركيز السلطات في أيدي الجهات الحاكمة لدول المنطقة.

 

على المستوى السطحي، أستطيع تفهم الإشكاليات التي تفرزها هذه الحالة، كقضايا حقوق الإنسان ودور الدولة وباقي الأطراف في المجتمع، وهي إشكاليات موجودة في أي نظام سياسي.

 

لكنني في الوقت نفسه، أرى في تخوف البعض من إمكانية وجود مبدأ السلطة المطلقة في منطقة الشرق الأوسط، ما يدعو للسخرية، خاصة وأن هذه النظرة تحمل في طياتها تسليماً ضمنياً بوجود قيود على نفوذ الحكام في دول الغرب الصناعي، فمن المستغرب كيف يميل أولئك الذين يطرحون تلك التساؤلات والمخاوف، إلى تجاهل حقيقة أن أمراء «وول ستريت» هم الذين تسببوا في الأزمة التي يشهدها النظام المالي العالمي؟!

 

لقد بنا سلاطين الدجل في «وول ستريت» أبراجاً مالية بحجم أبراج بابل، وخدعوا العالم لشراء أوراق مالية لا قيمة لها، ومن ثم ساهموا في تصميم خطة لإنقاذ مؤسساتهم وشركاتهم بالاعتماد على أموال دافعي الضرائب، واتضح لاحقاً أن تلك الأموال التي تم ضخها لإنقاذ المؤسسات المالية والمصارف، قد استعملت لدفع مليارات الدولارات كحوافز ومكافآت، لنفس أولئك المتنفذين في «وول ستريت» الذين أدخلوا العالم في الأزمة المالية!

 

وبناء على هذه الحقائق، أصبحتُ أكثر تخوفاً تجاه مراكز القوى في «وول ستريت»، بالمقارنة مع تركز السلطات في أيدي حكام دول منطقة الشرق الأوسط. وبعد التعمق في هذه الطروحات والأسس المبنية عليها، توصلت إلى قناعة بأن الديمقراطيات الصناعية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية التي أعرفها حق المعرفة، قد فشلت فشلاً ذريعاً في كبح جماح أصحاب المصالح والحد من نفوذهم المفسد.

 

وبالطبع يرجع هذا التدهور إلى تاريخ طويل حتى قبل بداية الأزمة العالمية الراهنة، ويتجاوز أيضاً إشكالية ضعف الرقابة على المؤسسات المالية العملاقة. وبالنسبة لي، فقد شكل انتقالي إلى العالم العربي، أرضية خصبة للتمعن في الأفكار التي كونتها حول طرق تقييد نفوذ المصالح الشخصية، وحاولت فهم البيئة الثقافية الجديدة التي انتقلت للعيش فيها واستيعاب تاريخها، واستطعت تحديد ظاهرتين رئيسيتين في آلية التفاعل بين الدولة والشعب في دول المنطقة.

 

تتمثل الظاهرة الأولى في مدى شخصنة السلطة هنا، فعلى عكس مراكز القوى في «وول ستريت»، الذين يفضلون البقاء خلف الكواليس، فإن من يمارس مبدأ تركيز السلطة في هذه المنطقة، عليه أن يكون في الواجهة على مرأى من الجميع. ومما لاحظته أن ذلك يسهم في أن يدرك أصحاب السلطة المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ويساهم في إيضاح دورهم أمام الشعب. فلدى وجودهم في قمة السلطة، تكون لأفعالهم تداعيات سياسية ورمزية.

 

أعتقد أن صناع القرار المدركين لوجودهم في دائرة الضوء أمام الرأي العام، يعون ضرورة أن تعكس أفعالهم شخصياتهم كأفراد، وأن تعكس أيضاً مكانتهم الاجتماعية. ومن جانب آخر، يستطيع الشعب تحديد ومعرفة من هم أصحاب السلطة والقرار الذين يمكن اللجوء إليهم عند الحاجة.

 

من خلال قراءة هذه المعطيات، فإنني لا ألمح إلى أن هذه المنظومة كاملة أو أنها أفضل بالمقارنة مع الأنظمة الأخرى، لكني أرى أن الوقت ربما قد حان لتبدأ الدول الصناعية في كشف مراكز القوى الموجودة فيها وإظهارها للرأي العام. وقد حان الآن الوقت المناسب لكي تدخل الأطراف التي ستتولى قيادة الاقتصاد العالمي، دائرة الضوء وتكون ظاهرة ومعروفة للجميع، وأن لا يسمح لها بالعمل خلف الكواليس والتهرب من مسؤولياتها.

 

أما الظاهرة الثانية التي أثارت اهتمامي، فقد كانت فكرة «المجلس»، والتي تتمحور حول مبدأ جلوس الأفراد مع بعضهم البعض، في مجالس ضمن مجموعات ذات اهتمامات مشتركة.

 

وبعيداً عن التقليل من أهميتها، تجدر الإشارة إلى أن العديد من المراقبين يبدون بعض الملاحظات حول محدودية الانتخاب لتكوين مجالس تشرف على المسائل المهمة، حيث باتت الانتخابات الوطنية حافلة بالضجيج على غرار سباقات الأحصنة، فكل ما يهم هو الفوز، أما النقاشات الموضوعية والتنازلات البناءة فمكانها محدود جداً، في أفضل الحالات.

 

وقد انتقل هذا الحراك السياسي الخطير إلى العملية التشريعية بحد ذاتها، حيث باتت التجاذبات السياسية ظاهرة يومية، حتى عند مناقشة الأمور المهمة على الصعيد الوطني. فعلى سبيل المثال، فإن قانون الرعاية الصحية الذي تم إقراره مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية، لم يتلق أي دعم يذكر من الحزب المعارض، رغم وجود إجماع شامل من جميع الأطراف على ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات في هذا المجال.

 

ربما في مقدور الغرب الصناعي أن يتعلم بعض الدروس في إدارة مراكز القوى، خاصة أولئك الذين لم يتم انتخابهم من قبل الشعوب، من خلال الاطلاع على تجربة هذه الاجتماعات التقليدية في العالم العربي.

 

وما يهم، في النهاية، هو التعلم من بعضنا البعض، فأنا سعيد بوجودي هنا لأن هناك الكثير أمامي كإنسان لأتعلمه، وأدعو أبناء وطني في الولايات المتحدة وغيرهم من دول العالم الغربي، لكي يوسعوا آفاق الافتراضات التي يبنونها ويتابعوا ويحاولوا الاستيعاب بشكل أعمق.

أستاذ ريادة الأعمال والمدير الأكاديمي لمقر كلية انسياد لإدارة الأعمال في الشرق الأوسط في أبوظبي

=====================

من دلال المغربي إلى.. «قافلة الحرية».. إلى فلسطين

نصري الصايغ

السفير

1-6-2010

I الطريق إلى فلسطين.. مراراً

وتبقى فلسطين أكبر من لغتها.. أكثر اتساعاً من أرضها.. أبعد من أن تصل إليها دفعة واحدة، من دون أن تكتب بطاقة مرورك إليها بدمك. هي كذلك من زمن بعيد.. عصية على السهل، شيء من المستحيل. لكن أحداً لا يصدق أن فلسطين، ليست موجودة، في كل الأمكنة، حيث القلب، عاصمة الضمير الإنساني، والعقل، محجة العقل السياسي.

الطريق إلى فلسطين؟

لا درب إليها من دون دم. لا عودة إليها من دون منع. هي الممتنعة دائماً، والمطلوبة أبداً، والسالكون إليها، بشر من فلسطين، ولو لم يولدوا فيها، ولو لم يتعمدوا فيها، ولو لم يكونوا عرباً، ولو لم يكونوا من سلالة أرض وإنجاب... السالكون إليها، بشر الأقاصي: من الشرق جاؤوها، من الجنوب أمّوها، من الغرب حاولوها، ومن الشمال هبطوا إليها.

فلسطين، العاصمة التي نذرت لتكون مكان إقامة للإنسانية، في لحظة اصطفاء الروح ولحظة التنازل عن التبرير. لقد استحقت فلسطين انبياءها الحقيقيين، الذين كتبوا سيرتهم، نضالاً ودماً وشهادة... وقداستها مطوّبة، من حجيج المقاتلين فيها ومنها وإليها.

قبل «قافلة الحرية» التي اغتالت اسرائيل ملائكتها، قوافل من رسلٍ، آياتهم أشد وطأة من «يا أيها الذين...».

II مرحبا يا دلال... بعد 32 عاماً

في الساعة السادسة وأربعين دقيقة من مساء الحادي عشر من آذار عام 1978، وصلت دلال المغربي، مع مجموعة «دير ياسين»، لتنفيذ عملية الشهيد كمال عدوان داخل الأراضي المحتلة.

وصلت دلال ورفاقها بزورقين مطاطيين إلى منطقة قرب حيفا. خاضت في بحر من الأمواج. المتوسط يدفعها باتجاه الريح، وإرادتها تدفعها باتجاه فلسطين... وبعد معاناة الدوار البحري، وخسارة بعض الرفاق، استطاعت «قافلة كمال عدوان» أو «قافلة دير ياسين»، ان تصل إلى فلسطين.

سيطرت دلال المغربي مع رفاقها على سيارة ركاب صغيرة. قالت: فلنفتح الطريق عبوراً إلى حيفا. غنت ورندحت. «إلى حيفا خذوني معكم». في المسار إلى الوطن، أدركوا سيارة ركاب كبيرة وكانت متجهة إلى حيفا، وبعد فترة وجيزة سيطرت على سيارات أخرى للركاب... واحتجزت حوالى 80 شخصاً...

وانفتحت الطريق إلى تل أبيب... انتثروا في الأرض. توزعوا في الحقول. وكان مذاق الوصول مضمخاً بالدم. مشطت إسرائيل شاطئ المتوسط بحثاً عن أشقاء لدلال. خافت أن يكون الموج قد أخفى زورقا... استنفرت قواتها البرية والبحرية والجوية... وبرغم ذلك، فقد فشلت في منع عبور دلال ورفاقها إلى فلسطين.

ومنذ ذلك الزمن واسرائيل تفتش المتوسط، واليوم وبعد 32 عاماً، حاولت «قافلة الحرية» ان تجتاز الماء، لتبلغ مستقر التراب الفلسطيني في غزة... ونجحت في بلوغ الشاطئ، مضرجة بالشهداء.

كانت دلال، تحمل سلاحاً... وقد أوصلها السلاح إلى هناك. وكان رفاق دلال في «قافلة الحرية» يحملون سلاحاً أشد فتكاً من سلاح دلال الناري.. كانوا قديسين.. تسلحوا بالإنسانية.. تمنطقوا بالحق الإنساني والدولي والأخلاقي.. كانوا أقوياء وهم عراة. كانوا في مقام لا تقوى اسرائيل على الإقامة فيه. لذلك، وكما قتلت دلال المغربي ورفاقها، قتلت أبناء دلال المغربي في «قافلة الحرية».

تحية يا دلال... لم يذهب دمك سدى. ودير ياسين، لا تزال في البال الفلسطيني والعالمي... والطريق إليها رهن بمن يسلكها.

III لسنا وحدنا.. فلسطين عالمنا

ليس هناك أسوأ من أن تشعر أنك وحيد.. يفترسك اليأس عندما تدرك أن العالم أصمّ ولا يسمعك.. وكم مرة شعرنا بالوحدة، وداخلنا الإحباط، حتى بات اليقين عندنا: اننا ملعونون.. ولا أحد يشبهنا.

بلى!!! هناك من يشبهنا، وربما يكون أشد ألما منا... لسنا غرباء عن هذا العالم الحقيقي. كنا ننظر إلى العالم من خلال أنظمته السياسية، ونهمل الأمل الذي راودنا، بأن الشعوب ليست على دين ملوكها، فبعضها على الأقل، على دين قلوبها وعقولها.

وكما نصب الضمير الشعبي العالمي حصاره على جنوب افريقيا، يستعد اليوم لاشهار حصاره على اسرائيل.

طبعا، لا أتحدث عن أنظمة عربية.. الشعوب العربية متشوّقة لولادتها الفلسطينية. متشوقة لامتشاق قبضاتها، ولاستعمال اللغة المناسبة لتحطيم أغلالها.. هي «تحت الحصار» مثل فلسطين. وحصارها من أهل السلطة عليها، والسلطة ليست منها البتة.

إنهم في أوروبا يعيدون الحياة إلى فلسطين. تركيا في الطليعة. إيران أولا. لسنا وحدنا في هذا العالم.

ريجيس دوبريه وحده، أثار زوبعة في فرنسا. منذ أسبوعين، كتب تقريراً عن فلسطين، بناء على طلب من الرئيس السابق جاك شيراك... لم يكن شيراك في الاليزيه عندما أنهى تقريره.

قرأ المسؤولون التقرير وفيه ما يجعل الحجر يقشعر. وصف وصفا. أنشأ بلغته ما يحصل في غزة. كان واضحاً وصادقاً. غير ان من قرأ التقرير، أقفله بقفا يده، وقال له: «هذا كلام صحيح، لا يصح ان نقوله بصوت مرتفع. كنا نظن، أن الأنظمة البوليسية ظلامية.. اكتشفنا أن الأنظمة الديموقراطية، المشهود بصفاء عرقها الانتخابي، الراسية على مبادئ حقوق الإنسان، تمارس القمع بوحشية فظة. ووجه الوحشية فيها، قراصنة الإعلام ووحوش الكتاب المفترسين».

لذا، إذا سمعت باراك أوباما يتحدث عن حقوق الإنسان أو عن السلام أو عن الحرية، فقل له إخرس. سُدّ ما تبقى من كلام تتفوه به. كذلك أفعل مع وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون. أما إذا نطق زعيم أوروبي بمثل هذه البضاعة الفاسدة، فردها إليه... اصفعه ان شئت ولو من بعيد.

أما أتباع هؤلاء من العرب، كتاباً وإعلاميين ومثقفين، فلا تقم لهم وزنا...هل تسمع ذلك رابطة كتاب أصدقاء عموس عوز «إضرب الرأس ولا تضرب الذنبا». هل قرأت دعاية «بايكون»؟

IV ريجيس دوبريه ونوام تشومسكي وآخرون

أمثال ريجيس دوبريه ونوام تشومسكي و... كثر جداً. وهؤلاء، تنبهوا إلى فلسطين، لأن شعبها ما زال ممسكاً بحبال الأجراس الفلسطينية، يقرعها بحجارته ودمه وشهدائه.

تموت فلسطين عندما تسقط بنادقها. عندما تتهاوى سواعدها. وهي حتى الآن، لا تزال على صراط الشهادة، ولا تستسلم. تصوروا، أن مليون وثمانمئة ألف فلسطيني قيد الاعتقال في غزة، داخل أسوار الحصار. متروكون لبؤسهم وأوجاعهم وفقرهم ومعاناتهم وموتهم... ومع ذلك، فهي لا تستسلم... غزة هاشم هذه، فيها شيء من المسيح، انها تقوم دائماً وتقاتل بصليبها.

ولأن أهل فلسطين والمقاومة والشعوب العربية، لم يسقطوا فلسطين من مقامها المزمن، يتحلق حولها مناضلون أمميون، يدينون بدين ابن عربي، «أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه». والحب فيض انساني راق. عطاء الروح في صفائها. تنزّلٌ أخلاقي في الممارسة. وهؤلاء الذين قدموا من دول شتى، يدينون بديانات شتى وأفكار شتى، التموا من شتاتهم الجغرافي ليوحدوا باسم فلسطين، القيم الإنسانية.

هؤلاء... سياستهم عصية على الفهم الدبلوماسي. سياستهم فك الحصار. سياستهم حرية الإنسان. سياستهم الإسهام في استيلاد الوطن الفلسطيني.

استشهد بريجيس دوبريه ونوام تشومسكي... ولا آتي على ذكر أي «مفكر» أو «وجيه ثقافي» أوروبي. كان يعاقب الفلسطيني، لأنه يقاوم بالسلاح. وكان يطالبه، بحجة الدفاع عنه، ان يقاوم بالسلم... حتى إن مايكل مور، المؤيد للحق الفلسطيني، نصح الشعب الفلسطيني بالاعتصام والصيام... لأن مثل هذه الأساليب، لا يمكن أن تتخذ منها اسرائيل حجة لقمعها.

هل يذكر هؤلاء، ان استشهاد محمد الدره، لم تقع مسؤوليته على الجنود الاسرائيليين، بل على أبيه. ألم يقل أمثال «برنار هنري ليفي وغلوكسمان وفنكلكروت، ان الفلسطينيين مجرمون لأنهم يدفعون بأطفالهم كي يقفوا في مرمى النيران الاسرائيلية؟

ومع ذلك، لا مفر من تأكيد الحقيقة التالية: اسرائيل، كما قتلت الدرة، وراشيل كوري و... تقتل «رواد فك الحصار عن غزة» في قافلة الحرية. الفعل الأكثر رواجاً واستعمالا في اسرائيل هو فعل قتل.

... ويبشرك أهل السلطة في فلسطين «بانتفاضة بيضاء»...

الأبيض ممنوع في اسرائيل.

V «يا أشرف الناس وأنبل الناس..»

أقدمت المقاومة على خطف جنديين من شمال فلسطين. هددت إسرائيل بغزو لبنان وتدميره، واستعادة الجنديين. أيّد كثير من العرب اسرائيل. دعموها صمتاً أو قولاً أوفعلا. وقف العالم«المتمدن» صفا واحداً في صف اسرائيل. حلفاء أميركا من اللبنانيين كانوا السباقين في تأثيم المقاومة.

انهم هم... لم يتغيروا... حتى هذه المرة، كانوا في صف اسرائيل. وإليكم الأدلة.

القافلة تتحدى الأنظمة العربية، لانها أولاً، تسعى إلى كسر الحصار. وهم مع الحصار قلبا وقوالب من حديد. ثم ان القافلة تتكنى بالحرية. والأنظمة العربية على عداء فج مع الحرية والأحرار. ثم إنها تفضح اسرائيل عالمياً، وهم يخيطون معها نص «انهاء فلسطين» كيفما اتفق.

انها الصورة ذاتها دائماً...

من يشبهنا في العالم، هو معنا. وهم كثر جداً، ولكنهم ليسوا من أهل اليسر السياسي والمالي والاعلامي. ومن هو ضدنا، يشبه انظمتنا، المرعية من قبل أنظمة «النظام الدولي»، وما يسمى، بقوى المجتمع الدولي.

من 32 عاماً، روت دلال المغربي أرض العبور إلى فلسطين. وقبل ذلك، رواها كثر من الفدائيين والثوار.

وبعد ذلك، انسكب الدم والحب مراراً، لإبقاء الطريق إلى فلسطين سالكة ولو بالإرادة والحلم.

واليوم، يرتوي بحر فلسطين، بدماء شرفاء هذا العالم، الذين يصح فيهم قول السيد حسن «يا أشرف الناس وأنبل الناس».

VI من عبد الناصر إلى مانديلا

نستذكر جمال عبد الناصر.

نقول: لا بأس ان كان يتكلم الفارسية أو التركية.

نستذكر المطران ايلاريون كبوجي:

نقول: تهريب السلاح إلى المقاتلين، قداس مسيحي، وطلقات الرصاص، قربانة الوطن.

نستذكر المقاومة الإسلامية:

نقول: وسيرى الله أعمالكم، وسيرى المؤمنون ذلك، وغير المؤمنين أيضا...

نتساءل: هل سيكون لهذا الحدث أبعاد سياسية؟

نقول: الطريق مفتوح للتغيير والنظام العالمي السائد مسدود الأفق. ومجلس الأمن، مجلس حرب يدعى... والمجتمع الدولي مؤلف من قراصنة وأرقاء...

من يدري كيف سيكون العالم بعد أعوام؟ انما، علينا أن نتذكر، ان جنوب افريقيا، تحررت ب: مانديلا من الداخل، والضمير الإنساني من الخارج. انها لمعادلة يصعب الانتصار عليها. لصمود الأول وتفاني الثاني.

=====================

"أسطول الحرية": خطورة الجريمة وإشاراتها المخيفة

علي حماده

النهار

1-6-2010

هل ارتكب الاسرائيليون خطأ جسيماً في السياسة لا يمكن اصلاحه باعتدائهم على "اسطول الحرية" وانزالهم قتلى وجرحى من الوفد الانساني المتعدد الجنسية؟

للمرة الاولى منذ بدء التحول في الموقف التركي حيال قضايا المنطقة، وللمرة الاولى ايضا منذ بدء تصاعد التوتر بين انقره وتل ابيب، تغامر الحكومة الاسرائيلية في دفع علاقاتها مع تركيا الى الانهيار الشامل من خلال الاعتداء الذي سقط بنتيجته مواطنون اتراك. وقد كان معلوما ان مشروع توجيه الاسطول نحو غزة حظي بتشجيع الحكومة التركية التي كان يفترض فيها ان توفر بتغطيتها له وبرفعها العلم التركي مظلة تحميه من اي اعتداء اسرائيلي. لكن ما حصل ان الاسرائيليين دفعوا الامر الى حافة الهاوية على اعتبار ان وصول الاسطول الى شواطئ غزة بحماية تركية يغير في معطيات الواقع على الارض، فضلا عن انه يقوض قدرة الردع الاسرائيلية التي تأثرت سلبا منذ حرب تموز 2006.

تصدى الاسرائيليون في اعتدائهم لتدخل تركي متعاظم في الصراع مع الفلسطينيين. غامروا بحصول قطيعة مع انقرة التي شكلت مدى عقود طويلة عمقا استراتيجيا لاسرائيل المطوقة من جيرانها العرب. فإذا بتركيا ترفع جدارا بينها وبين الدولة العبرية وتتنافس مع العامل الايراني بوسائل واساليب اخرى على انتزاع الورقة العربية عبر تصدر الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وتثقيل الموقف الفلسطيني المتشدد الذي كانت ايران حتى حرب غزة الاخيرة (2008-2009 ) شريكه الاستراتيجي الاقليمي الاوحد.

حصل الاعتداء. وكان واضحا من خلال سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا ان قرارا اعطي للجيش الاسرائيلي بعدم ضبط النفس، وإلا لما بررت كل الروايات الاسرائيلية عن انتزاع سلاح من يد جندي، إطلاق النار بكثافة ادت الى سقوط كل هؤلاء القتلى والجرحى.

اذا هناك قرار اسرائيلي بالتصعيد. ولا يستبعد ان يكون دافعه محاولة تل ابيب ترميم القدرة الردعية التي تتآكل في كل يوم يمر من دون ان تجد حلا لمعضلة غزة او لبنان. واليوم فإن المواجهة مع تركيا التي بلغت حدها الاقصى، ستعيد رسم خطوط التوتر الجديدة في المنطقة، وخصوصا ان تصرف اسرائيل التصعيدي في ازمة "اسطول الحرية" وتحديدا مع تركيا، ينبئ بمنحى اسرائيلي الى ترميم القدرة الردعية بأي ثمن.

بناء على ما تقدم، ثمة سؤال مطروح بالنسبة الى الواقع اللبناني: هل تذهب اسرائيل الى حد شن حرب على "حزب الله" في اطار سياسة ترميم قدرتها الردعية؟

ان الاستحقاقات المترتبة على رغبة المجتمع الدولي في تحريك السلام مع الحديث عن مبادرة يجري التحضير لها تقضي بفرض حل نهائي اميركي - دولي على الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، كلها تجعل من الحكومة اليمينية في اسرائيل اكثر اضطرابا، مما يعني ان خطر الانزلاق نحو حرب في المنطقة بات اكبر من اي وقت مضى. ويتزامن الواقع المشار اليه مع اضطراب ايراني كبير بفعل اقتراب موعد فرض العقوبات عليها في مجلس الامن في اطار النزاع حول البرنامج النووي، مما يشكل تقاطعا اسرائيليا – ايرانيا موضوعيا على ان اشعال حرب جديدة يعيد خلط الاوراق، ويؤجل استحقاقات كبيرة داهمة اكثر من اي وقت.

لبنانيا، المطلوب ضبط هوامش التحرك لدى الجميع بحيث لا تؤدي مغامرة شبيهة بمغامرة 12 تموز 2006 الى وضع لبنان على مشرحة التقاطع الاقليمي الدموي. يجب ان يتحلى المسؤولون بالشجاعة الكافية للتخلي عن خطاب خشبي لا يعكس حقيقة الخطر الكبير الذي يحوم فوق رؤوس اللبنانيين. فثمة ثوران هائجان في المنطقة ينبغي الابتعاد عن طريقهما!

=====================

دخلت تركيا خرجت مصر

امين قمورية

النهار

1-6-2010

اسرائيل تعشق الدم ولا يهنأ لها العيش من دونه. في السابق كانت هذه العادة السيئة والملعونة لا ترتب عليها اكلافاً باهظة فكانت تمارسها ساعة تشاء وبالطريقة التي تريد. منذ تموز 2006 صار لكل نقطة دم تستبيحها ثمن غال. حرب لبنان الثانية كان ثمنها لجنة فينوغراد التي عرّت جيشها. عملية "الرصاص المصبوب" في غزة افضت الى تقرير غولدستون الذي شوه صورتها. اغتيال المبحوح في دبي كشف استخفافها بحلفائها. مواصلتها الاستيطان في القدس هز علاقتها ب"أمها" الحنون اميركا.

أثمان كبيرة ستترتب عليها بعد الحماقة الدموية التي ارتكبتها امس على متن "اسطول الحرية لغزة". ضربت ضربتها ولم تصب عصفورين بحجر، بل ستتلقى آلاف الحجار على رأسها. كرة الثلج الدولية التي انطلقت ضدها بقرار محكمة لاهاي في شأن جدار الفصل وكبرت بتقرير غولدستون وبملاحقة ضباطها في اسبانيا وبريطانيا وبلجيكا، صارت جبلاً بالأمس. كيف تبرر في القانون الدولي جريمة موصوفة في المياه الدولية ؟ كيف ستقنع الاسوجيين والنروجيين والايرلنديين والفرنسيين بأن اطلاقها النار على نوابهم كان دفاعا عن النفس؟ من ستقنع عندما "تؤكد" ان غزة هي التي تحاصر اسرائيل؟

ربما تجد من ينقذها من احراج البحث عن الجواب المناسب لهذه الاسئلة مثلما وجدت من ينقذها في لجنة حقوق الانسان اثناء المناقشة الاولى لتقرير غولدستون! لكن من سيعيد تركيا اليها بعد الان؟

اسرائيل ارادت معاقبة "الارهابي" اردوغان على "انقاذه" ايران من مقصلة العقوبات الدولية، وضربه على يده بسبب حبه الفائض لفلسطين وغزة وفتحه صدر تركيا لسوريا، لكنها بحماقتها الموصوفة والقاتلة كرست تركيا عدوا جديدا وفاعلا ضدها في الصراع على فلسطين، لا بل كرست نقل هذا الصراع من صراع عربي - اسرائيلي الى صراع شرق اوسطي - اسرائيلي.

قبل ثلاثين عاماً خسرت ايران الشاه حليفا. أمس ثبتت عمليا خسارتها للحليف السابق الاخر تركيا. بفعلتها البشعة والمقصودة ضد الاتراك وحّدت الموقف التركي الداخلي ضدها، وصارت خصومتها قاسما مشتركا بين الجيش والحكومة بعدما كانت العلاقة مع اسرائيل موضع خلاف بين الطرفين. فهل تقبل رئاسة الاركان المعتزة بقوميتها والشديدة التمسك بتركيتها ان يستباح الدم التركي بالمجان؟ حتما آذان ضباط الاركان الاسرائيليين لم تطرب ابدا لدى سماعهم "صديقهم" رئيس الاركان التركي يصف ما جرى في البحر بأنه "خطير جدا ولا يمكن السكوت عليه"!

في الماضي شكلت دولتا الطرف في الشرق الاوسط ايران وتركيا متنفساً لاسرائيل التي كانت محاصرة بدول المركز او ما يسمى دول الطوق . اليوم انقلبت المعادلة وصارت الاطراف هي الطوق فيما فضلت بعض دول المركز ان تكون المتنفس، فاسرائيل ما كانت لتستميت في تثبيت حصارها البحري لغزة لولا خشيتها من ان تسبب الاحراج الكبير لمصر التي تكفلت بالحصار البري. ويردد "اصحاب النيات السيئة" ان النقطة الأبرز التي اثارها رئيس المخابرات المصرية مع المسؤولين الاسرائيليين في زيارته الاخيرة لتل ابيب هي منع السفن من الوصول الى غزة وارجاعها فورا من حيث انطلقت حتى لا تظهر القاهرة بمظهر المحاصر الوحيد للقطاع ، وحتى لا تضطر هذه السفن للتوجه الى الموانىء المصرية وتكرار فضيحة ما حدث مع "قافلة شريان الحياة لغزة".

أمس دخلت تركيا دائرة الصراع. لكن، ويا للاسف، خرجت مصر!

=====================

إسرائيل... حصار غزّة الذي سيخنقها!

Assem.alabed@gmail.com

عاصم العابد

الرأي الاردنية

1-6-2010

وقعت اسرائيل في اكبر فخ يمكن ان تقع فيه اية دولة محتلة. والفخ الذي تجد اسرائيل نفسها فيه لا فكاك منه ولا منجاة، فعصابات الاحتلال الاسرائيلي اصبحت في حالة اختلال والحصار الاجرامي الخانق الذي ضربته اسرائيل على غزّة، اصبح يحاصرها ويضغط على عنقها بشدة متصاعدة.

 

فقد هاجمت اسرائيل بوحشية «اسطول الحرية»، الذي يضم المئات من الشرفاء والاحرار العزّل المتضامنين مع اخوانهم المحاصرين من مختلف انحاء العالم، واعتدت عليهم في عدوان غير محسوب الارتدادات والخسائر، بهدف منع كسر الحصار على غزّة، محتقرة - كعادتها- قانون البحار والملاحة الدولي والقانون الاخلاقي الانساني ومقارفة ارهابا على مستوى الدولة وقرصنة اين منها قرصنة الصومال، ومجازفة - كعادتها- بايقاع خسائر بشرية بالعشرات ( 20 شهيدا و30 جريحا)، لا تقاس بما قارفته في جنوب لبنان 2006 وغزة 2008 على قاعدة ان اسرائيل مدعومة وان العالم ينسى!!

 

لقد اختارت اسرائيل الحل الذي لا تختار غيره دائما، الحل الذي لا تعرف غيره، الحل العسكري واستخدام القوة الوفيرة بافراط، مع ما يترتب على هذا الخيار من ردود فعل اقليمية ودولية بحكم توفر الاعلام المسبق الذي كان يتابع اسطول الحرية ساعة بساعة وبحكم ان المتضامنين من جنسيات واعراق وديانات ودول عديدة.

 

معركة كسر الحصار ابتدأت واندلعت، والهشاشة الاسرائيلية بارزة وصارخة والمأزق الاسرائيلي يزداد انفتاحا واتساعا وانكشافا. والحصار الاسرائيلي على غزة يتحول كالتسونامي ليصبح حصارا على اسرائيل وكرة من النار بين يديها لا يفيد فيها تقليبها من يد الى يد، فهذه نار كبرى وليس تقليب حبة كستناء. فقوافل الحرية سوف تتلاحق وقد عرفت مسارها الذي رسمه الرواد الشهداء بالدم وبالشرف وبالفداء وبالتضامن في اعلى ذراه الاخلاقية.

 

لقد ضربت اسرائيل، الموجة الاولى من «اساطيل الحرية»، وهاهي تقع في شر اعمالها وتخسر الكثير من علاقاتها، ومن صورتها المضللة التي انطلت الى حين على الراي العام الدولي، وتدخل في مواجهات مختلفة النوعية والدرجة، مع الاردن وتركيا والجزائرواليونان واسبانيا وفرنسا ومصر والمغرب والدول الاسكندنافية، ومختلف الدول التي شارك مواطنوها في حركة التضامن العادلة مع المحاصرين في غزة.

 

والنتيجة التي لا مفر من تحققها هي ان اللهب يندلع ويمتد الى الخط الاخضر ويشمل عرب فلسطين ووادي عارة الاستراتيجي محققا وحدة فلسطين، بسببين الاول هو التضامن العارم مع اهلهم المحاصرين في غزة والثاني بسبب استهداف حياة الشيخ المناضل رائد صلاح حارس الاقصى الشجاع.

 

ان «اسطول الحرية» هو اكبر عملية مقاومة سلمية شعبية، بعد المقاومة التي استنها المهاتما غاندي مؤسس ومعلم النضال السلمي - الساتياجراها- في الثلاثينات والاربعينات ضد الاحتلال البريطاني للهند. ونحن اذ نترحم على قافلة شهداء «اسطول الحرية 1» فاننا نحترم ونقدر بسالة وشجاعة المتضامنين الذين كانوا يعرفون ان الذين ينتظرونهم على ابواب غزة هم نتنياهو وباراك وليبرمان التلاميذ المخلصون لتعاليم الارهاب الدموي الصهيوني المكشوف والمعروف، نسل جابوتنسكي وبيغن وشامير.

 

شعوب العالم، وخاصة شعب تركيا العظيم، تغلي الان على خلفية العمل العسكري الاسرائيلي المجرم، ضد ابنائه المدنيين العزل في اعالي البحار وفي المياه الدولية، وان دماء المتضامنين التي اريقت، تختلط اليوم بدماء الشهداء الفلسطينيين وتعلن وحدة بني البشر في مواجهة الظلم والشر والجريمة والارهاب.

 

ان ارتدادات هذا الارهاب الاسرائيلي ينبغي ان تظل موجهة فقط ضد العدو الصهيوني، وفقط ضد الحصار، وفقط ضد الاحتلال الاسرائيلي المجرم. فعندنا في الاردن يتوحد الرسمي مع الاهلي في استنكار وادانة هذا الارهاب وهذه الوحشية الصهيونية الجديدة، وقد قلنا ان لدى الاردن خيارات كثيرة متعددة، ويجدر ان نبدأ في استخدام خياراتنا.

=====================

ماذا يعني ضعف المعارضة العربية؟!

ميشيل كيلو

6/1/2010

القدس العربي

كلما فتحت سيرة المعارضة العربية، لاحظ جماعة النظام العربي أنها ضعيفة. المعارضة ضعيفة: هذا هو النبأ السار، الذي يزفه لنا عالمنا الرسمي، قبل أن يضيف: بما أن المعارضة ضعيفة، فإن من الصعب أن تتحسن أحوال العرب. هكذا، بسحبة واحدة ، تصير المعارضة، التي لا تنفك تعير بضعفها، مسؤولة عن حال عربي لعين، لا يغيظ عدوا ولا يسر صديقا.

المعارضة العربية ضعيفة. هذا الاكتشاف لا يحمل جديدا. إنها ضعيفة حقا وضعفها أمر مؤكد منذ وقت طويل. غير أن القول بضعف المعارضة لا يجب أن يكون بداية الكلام، بل نهايته، خلاصته الأخيرة، التي تفتح شهيتنا للتفكير والنقاش بدل أن تفتح باب الشماتة، ما دام ضعف المعارضة حدثا كاشفا إلى أبعد الحدود، يتعلق أساسا وبدرجة أولى بالنظم وأحوالها، أكثر مما يتعلق بمئات أو آلاف قليلة من الأفراد، يعارضون، أو ينسبون أنفسهم إلى معارضة الأمر العربي القائم.

لو قال أحد بين عامي 1933 و1945 إن المعارضة الألمانية ضعيفة، لذهب ذهن متابعي أوضاع ألمانيا إلى النظام الهتلري أكثر بكثير مما كان سيذهب إلى المعارضة، ولتذكر هؤلاء بنية النظام وممارساته، وما سار عليه من إقصاء وإبادة للآخرين، ومن رفض مطلق للاعتراف بحق الاختلاف، في علاقاته مع المواطن والمجتمع والدولة، ولفكروا بالطريقة والوسائل التي عالج من خلالهما أي انزياح عن مواقفه وآرائه، وكيف مارس القتل الفردي والجماعي، وطبق سياسات إجرامية على الجميع، سواء كانوا من أنصاره أم خصومه أم من المحايدين. قبل الحرب العالمية الثانية، كتب مؤرخون ألمان وأجانب كثيرون عن المعارضة الألمانية وأحوالها ومصائرها المأساوية، لكنهم ناقشوا أوضاعها انطلاقا من أوضاع النظام وبدلالتها، واعتبروا ضعفها من الأحداث التي تفضح حقيقته، ورأوا فيه نتيجة طبيعية لإغلاق المجال العام وقصره على الحزب النازي وأجهزته القمعية الجبارة من جهة، ولخطط الملاحقة والتضييق والإبادة، التي تعرض لها على مدار الساعة كل من لم ينتسب إلى النازية، وحتى بعض أبرز من انتسبوا إليها، من جهة أخرى، فمن غير الجائز رد الضعف إلى وضع المعارضة الذاتي وحده، أو إلى أخطائها وحدها وهي موجودة حتما وقد تكون فادحة -. قال الدارسون: لو تعرض الحزب النازي، الواسع الانتشار والحديدي التنظيم والمسلح، لقدر مماثل من الاضطهاد والملاحقات والتصفيات، لما كان حاله أفضل من حال المعارضة الألمانية، التي تمت تصفية معظم قادتها في أفران الغاز، وهلك الملايين من أعضائها وأنصارها جوعا وتعذيبا وهم يكدون كالعبيد في المناجم ومصانع السلاح، أو قتلوا خلال غارات الحلفاء الجوية على مواقع عملهم ومعسكرات اعتقالهم، ولم ينج منهم بالكاد أحد، رغم أن أحزابهم نالت مجتمعة قرابة أحد عشر مليون صوت في انتخابات عام 1933، التي أوصلت هتلر إلى السلطة.

عندنا، يقفز كثير من كتابنا عن الواقعة الأهم، وهي طابع نظمنا القمعي، الذي يمكنها من الاستئثار بكل شيء: من السلطة والثروة والقوة إلى الإعلام والتعليم والخدمات الاجتماعية والاقتصادية، إلى توزيع الأرزاق وتقرير المصائر العامة والفردية، ومن القدرة شبه الكلية على تقطيع أو احتلال قنوات التواصل الاجتماعي والسياسي، إلى ممارسة رقابة لحظية على عقول وأرواح المواطنين، الذين يولدون ويموتون في ظل سلطة هي تجمع مؤسسات حجر وقمع تمكن حكوماتها من إحكام قبضتها على أي جديد يظهر في بلادها، مما يمر عبر قنواتها أو يخضع لمقصها ويتكيف مع معاييرها ومصالحها، فإنه يصير من قبيل التعالم السخيف اكتشاف أن المعارضة ضعيفة، فكيف إذا أضيف إلى هذا الاكتشاف استنتاج أكثر سخفا ومجافاة للحقيقة يدعي أن ضعف المعارضة هو مشكلة بلداننا العربية!.

ثمة أسئلة يطرحها الواقع العربي على من يقولون بضعف المعارضة العربية: هل المجتمعات العربية، التي تتعرض منذ قرابة نصف قرن أو يزيد لسياسات وتدابير تنفرد السلطة بتقريرها انفرادا مطلقا، قوية؟. وهل الدولة العربية، التي تنفرد السلطة بوضع قوانينها وتديرها دون أية مشاركة من أية جهة أخرى، قوية؟ أخيرا: هل السلطة العربية نفسها، التي تفرد سلطانها على كل شيء وفي كل مكان، وتكتم أنفاس مجتمعاتها ومواطنيها، قوية؟.. إذا كانت المجتمعات العربية قوية، لماذا تقبل التهميش، وتصمت على تدهور أوضاعها، وتخضع خضوعا شبه مطلق لسلطة تنكر حقها في المساهمة بأي شيء أو شأن، مع أن حصتها من ثروات وطنها تتناقص، وفقرها يتزايد حتى صار واحدة من العلامات الفارقة لوجودها؟ وإذا كانت الدولة قوية، لماذا تسمح بانتهاك السلطة لقوانينها، وبقفزها من فوق مصالحها العليا، وتخريب علاقاتها مع مجتمعاتها؟ وإذا كانت السلطة قوية، لماذا هزمت في كل صراع أو عراك خاضته مع الخارج، أي خارج، وفشلت في تنمية بلدانها وفي إقامة حد أدنى من العلاقات الودية والسلمية مع جوارها العرب؟ أخيرا: هل أحزاب هذه السلطة قوية / أم أنها تجمعات مغلوبة على أمرها، انتسب أعضاؤها إليها لتفادي مصير مواطنيهم البائس، وكي ينجوا من القمع والتجويع؟ لو كانت السلطة قوية، هل كانت بحاجة لأن تنقض دون رحمة على أي شخص تتباين آراؤه عن آرائها، مهما كان التباين طفيفا وهامشيا، ولأن تتصرف وكأن مصيرها معلق على رأي أو سلوك أو كلمة يقولها أحد من رعاياها؟ هل هكذا يكون سلوك القوي؟

لا شك في أن المعارضة العربية ضعيفة. هذا تحصيل حاصل. لكن ضعفها يكمن أيضا في ضعف المجتمع والدولة، وفي تشوه السلطة وتغولها وشعور من بيدهم أمرها بالخوف من مواطنيهم، واعتقادهم أن إضعاف المجتمع ومراقبته وإذلاله وتعريضه لعمليات تطهير دائمة، من ضرورات دوام الحال، وأن عدوهم الحقيقي الوحيد موجود داخل مجالهم الوطني وليس خارجه، فلا بد من التنمر عليه واستخدام عنف مفتوح وغير محدود ضده. أليس سلوك هؤلاء دليلا دامغا على ضعفهم؟ ألا يشي بغربتهم عن داخلهم وبخوفهم منه، وبعجزهم عن التصدي لمشكلاته بالطريقة التي تعتمدها السلطة القوية في كل مكان: أي بالسياسة وأدواتها؟. أليس مسخ السلطة إلى أجهزة قمع، واستخدام كل ما في حوزة الممسكين بأعنتها من وسائط لدعم طابعها القهري ولإفقار مواطنيهم ووضعهم بعضهم في مواجهة بعضهم الآخر، والتعامل معهم كما تتعامل سلطة أجنبية مع شعب غريب تخوض حربا متنوعة الأشكال ضده، علامة ضعف قاتل للرسمية العربية، التي تضرب عرض الحائط بما تؤكد عليه دعايتها حول وحدة الحال المطلقة بينها وبين شعبها، وحول تفانيها في خدمته. في الختام، تمارس السلطات العربية سياسات إضعاف منهجي لمجتمعاتها، خوفا من أن ينمو فيها بدائل لها أو أن تتلمس سبل الخروج مما هي فيه. هذه هي وظيفتها الرئيسية، وهي ليست وظيفة سلطة قوية بأي حال من الأحوال.

ليس إضعاف المجتمع عموما والمعارضة خصوصا مما تعمل له سلطة شرعية وقوية. إنه بالأحرى وصمة عار على جبين السلطة، إن كان نتاجا مقصودا لبرامجها وممارساتها. في هذه الحالة، العامة عند عرب زماننا الشقي، يغدو من الخطأ عزل ضعف المعارضة عن ضعف الدولة والمجتمع والسلطة، ويصير ضعفها مقياسا ل، وبرهانا على، تدهور وانهيار الحكم الشرعي، وإفلاس أساليب السياسة المدنية والقانونية، يؤدي إلى مزيد من عجز الممسكين بالسلطة عن السيطرة على الشأن العام بغير العنف، الذي يمكن أن يصيب عندئذ أي شخص أو جماعة، مع أنه يضعف أيضا من يمارسونه ويقيد قدرتهم على تلبية حاجات وطنهم وشعبهم، وبناء قوة داخلية قادرة على رد الأخطار الخارجية - إن كان ردها مطلوبا أساسا- هذه الحلقة الشيطانية المفرغة، لا تبقي للسلطة أي مظهر من مظاهر القوة غير استخدام وتصعيد العنف ضد داخلها، وتجاهل ما يجمع عليه الفكر السياسي الحديث، وهو أن قوة الحكم من قوة مجتمعه ودولته ومعارضته، وأن شرعيته تتوقف أيضا على قبول الأخيرة بها، هذا إذا كان يعبر حقا عن وطنه، ويحظى بتأييد مواطنيه، ويفهم أن المعارضة هي وجه من وجوه الإرادة العامة، يعمل ضمن ثوابت وطنية متوافق عليها، ترتبط السلامة العامة بدوره في ترسيخها، وبنضاله من أجل تقوية مجتمعه ودولته، خاصة في مراحل البناء الداخلي ومواجهة التحديات الخارجية، التي تكون السلطة والمعارضة خلالها في قارب واحد، وتكون نجاتهما في تكامل قوتيهما، ويؤدي إضعافهما المتبادل إلى هلاكهما معا، وإن في أزمنة متباينة.

هل تتوهم السلطة، التي تضعف مجتمعها ودولته، وتقوض المعارضة، أنها قوية ؟ على مستوى الكلام، هي تفعل ذلك أو شيئا منه. أما على مستوى الواقع، فتؤكد تجارب التاريخ أنها تشعر بضعفها وتخاف نتائجه، وأن شعورها وخوفها هما اللذان يضيقان عليها الخناق، فلا تجد طريقة شرعية تخرجها من مأزقها، فتجنح إلى كتم أنفاس مواطنيها، أفرادا وجماعات، كي لا تنطلق نهايتها من كلمة أو هتاف أو صرخة أو احتجاج، على غرار ما حدث في رومانيا. إن مشكلة العرب تكمن أساسا في ضعف السلطة، التي تولت أمورهم واحتكرت شؤونهم، وأضعفت مجتمعاتهم ودولهم، وانخرطت في مغامرات كشفت خلالها أوطانها وتسببت في هزيمتها. هذه السلطة تتحمل مسؤولية حصرية عن أحوال العرب الراهنة، فكيف يقول من يقول: إن ضعف المعارضة هو اليوم مشكلة العرب، بينما كان عليه القول: لقد أضعفت السلطة المجتمع والدولة والمواطن، وأقامت أوضاعا تحول دون قيام معارضة، وهذه هي مشكلة العرب، اليوم، وإلى أن تغيير هذه السلطة.

لا تتباهى السلطة القوية بضعف المعارضة، ولا تضعف سلطة رشيدة وعاقلة المعارضة في بلدانها. لا تفعل سلطة وطنية وعقلانية شيئا كهذا، وتدرك أن لكل مجتمع تعبيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متباينة تجسد رؤى ومصالح شرائحه وفئاته وطبقاته المختلفة، التي تتوحد، بالمقابل، في مشتركاته الجامعة، داخل حقل السياسة وغيره من حقول الشأن العام. وقد بينت تجارب العصر الحديث أن مصالح الدولة والمجتمع العليا تنتفي في ظل سلطة أحدية السياسة والطابع والخطاب والرموز، لأن سلطة كهذه لا يكون لها أي هدف آخر غير الحفاظ على حكمها.

لا تكون المعارضة ضعيفة في مجتمع حر وقوي. ولا تلاحق وتقمع في دولة حق وقانون وشرعية. بالمقابل، لا تكون المعارضة قوية في مجتمع ضعيف ومستعبد ودولة متهالكة وسلطة مستبدة. كما لا تتحمل المعارضة وزر أوضاع لا علاقة لها بتقريرها أو إقامتها، يقتصر دورها فيها على التعرض للقمع والملاحقة. هذا ما يقوله لنا واقع العرب القائم، المهزوم والفاشل والمخجل إلى أبعد حد!.

' كاتب وسياسي من سورية

=====================

أسطول الحرية والموقف العربي المطلوب

د . محمد صالح المسفر

6/1/2010

القدس العربي

مجموعة من سفن النقل البحري وبرفقتها سفن أخرى تحمل رجال إعلام وقادة رأي في أكثر من ثلاثين دولة وبرلمانيين من يهود ومسيحيين ومسلمين يتجهون في قافلة بحرية نحو ميناء غزة كسرا للحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر على سكان القطاع لأكثر من أربع سنوات.

هذا الأسطول البحري ليس أسطولا بحريا مدججا بالسلاح، ليس أسطولا من أساطيل الغزو الذي تعودت عليه موانىء البحر المتوسط العربية عبر التاريخ. انه أسطول الحرية ينقل الإمدادات الإنسانية والتموين، غذاء دواء ملابس كتبا للأطفال ومعدات دراسية لا شيء غير ذلك. هذا الأسطول سيواجه مخاطر جسيمة سيقدم عليها الجيش الصهيوني وتلحق بتلك البواخر أضرارا قد تؤدي بحياة الكثير من المتطوعين من شعوب وديانات مختلفة.

لقد اقتحم الجيش الاسرائيلي عن طريق البحر والجو البواخر المتجهة الى غزة سلميا وقتلوا وجرحوا العديد من النشطاء واستولوا على تلك البواخر بقوة السلاح في المياه الدولية وغيروا اتجاه مسارها تحت التهديد العسكري واعتقال الناشطين المسالمين ومصادرة ما جلبوه لشعب غزة المحاصر وكانت ردة الفعل قد انطلقت من تركيا وقام مناصرو هؤلاء النشطاء الشجعان في مدن تركيا وكذلك بعض الدول الغربية بمسيرات ومظاهرات احتجاجية ضد الحصار وضد الإجراءات العسكرية الإسرائيلية ضد المسالمين المدنيين الذين على ظهور السفن المشار إليها .

وعلى ذلك خرجت جماهير حاشدة بعد منتصف الليل في شوارع اسطنبول متجهة إلى السفارة الإسرائيلية لمحاصرتها والاعتصام أمامها احتجاجا على ما تفعله القوات البحرية الإسرائيلية ضد أسطول الحرية.

والسؤال ماذا سيكون رد فعل منظمات المجتمع المدني العربي، واتحاد العمال العرب، والمحامين والمعلمين العرب، وكذلك اتحاد الكتاب والأحزاب العربية؟ ماذا سيكون رد علماء وفقهاء المسلمين في الوطن العربي وخارجه تجاه ما تفعله اسرائيل ضد المتضامنين وبواخرهم؟ هل سنشهد اليوم رد فعل حاسم في العواصم العربية على مستوى الشعب، ماذا سيكون رد فعل أهلنا في الضفة الغربية على ما فعلته القوات البحرية الاسرائيلية ضد النشطاء المسالمين على ظهر أسطول الحرية المتجه لأهلنا في غزة لكسر الحصار عنهم وتزويدهم بما يحتاجون من مؤن إنسانية؟

يبحر إلى غزة بهدف كسر الحصار عن أهلنا المحاصرين من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي والحكومة المصرية أكثر من 700 ناشط من جنسيات وديانات مختلفة كما أسلفنا، هل يعقل أن يتحرك أنصار الحرية والعدالة والمساواة الإنسانية من أوروبا لكسر الحصار عن غزة والعرب يتفرجون، لماذا لا تقوم منظمات المجتمع المدني في الوطن العربي وكذلك أئمة المساجد وخطباء الجمعة والمهتمين بحجاب المرأة وشرعية زواج المسيار، وزواج المصياف، وزواج الفرند (الصديقة) بتنظيم مسيرات برية وبحرية نحو فلسطين اعني غزة على وجه التحديد لكسر الحصار أولا .

إن الشهداء الذين سقطوا بالأمس بفعل القوة الصهيونية في المياه الدولية أمام قطاع غزة يعتبر النظام السياسي المصري مشاركا في اغتيال هؤلاء الشهداء لأنه لو لم يكن معبر رفح المصري الفلسطيني مغلقا بأمر من الإدارة المصرية لما اضطر مواطنون من أكثر من ثلاثين دولة تجمعهم الديانات السماوية الثلاث لركوب المخاطر عبر البحار في سبيل إيصال الإمدادات والتموين الإنساني إلى أهلنا في غزة المحاصرين. إن النظام السياسي في مصر مطالب اليوم قبل غيره برفع الحصار عن قطاع غزة مرة والى الأبد حتى لا تكون شريكة في قتل أهلنا في غزة.

إن المواطن العربي يحمل المسؤولية عن قتل وجرح العشرات من المتطوعين عربا وغير عرب إسلاميين وغير إسلاميين والإمعان في حصار غزة كلا من سلطة رام الله والنظام المصري كما أسلفت إلى جانب العدو الإسرائيلي ومن هنا علينا نحن المواطنين في كل أرجاء الوطن العربي أن نهب لمساعدة اسر الشهداء الذين سقطوا وهم يحاولون إنقاذ أهلنا في غزة من الهلاك تحت الحصار الإسرائيلي المصري نطالب كل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية والإسلامية بان تخصص دخلا شهريا مدى الحياة لأسر الشهداء الابطال الذين سقطوا بالأمس دفاعا عن غزة.

اليوم أو غدا ستدعي الجامعة العربية إلى اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية لتدارس الموقف ومن هنا مطلبنا الوحيد هو تجميد ما سمي بالمبادرة العربية، واستدعاء السفراء من تل أبيب وإخراج السفراء والمعتمدين الإسرائيليين من أي عاصمة عربية يتواجدون بها وفتح الحدود مع قطاع غزة بشكل كامل وابدي .

آخر القول: شكرا لأمير دولة قطر لبيانه الذي أدلى به أمام محفل دولي عقد بالأمس في الدوحة والذي أدان فيه الجريمة الإسرائيلية التي ارتكبت في المياه الدولية ضد سفن مدنية غير مسلحة ومناشدته كل القوى العربية والدولية بان تتخذ قرارا حاسما وفعالا تجاه إسرائيل لا يرتكز على الشجب والإدانة.

=====================

لماذا ارتكبت إسرائيل الجريمة؟

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

1-6-2010

لماذا هاجمت إسرائيل القافلة البحرية في المياه الدولية، ولم تنتظر وصولها إلى المياه الإقليمية لغزة المحتلة؟ السبب أن القيادة الإسرائيلية تدري أن الضجة ستكون أكبر، والقضية ستكون معقدة، وستضطر القوى المعتدلة في المنطقة إلى الانكماش والتراجع، وسيخرج قطار التفاوض عن مساره، وهذا ما قد يحدث غدا. بسبب جريمة قتل المتظاهرين في «قافلة الحرية»، لن يستطيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس البدء في التفاوض الذي رضي به قبل فترة قصيرة بعد ضمانات وتطمينات ووعود عربية ودولية. الآن كله يتبخر بفضل ضغط حلف إيران الذي سير القافلة، وجريمة نتنياهو الذي حولها إلى قضية دولية.

ما الذي كان يضير الإسرائيليين لو سمحوا للقافلة بالدخول، والرسو، وإلقاء المشاركين خطبهم الحماسية، ثم الإبحار عائدين إلى بلدانهم؟ فعلا، لا شيء. خصوصا وأنها قافلة رمزية لا تهدم جدرانا أو تحفر أنفاقا. هم يريدون تخريب المفاوضات، وهي تريد تخريبها أيضا، وهنا خدمت القافلة الطرفين من دون الحاجة إلى تنسيق أو إصدار بيانات. كان بإمكانها السماح للسفن بالدخول وهي تعرف أن السماح لها لن يعني أبدا إنهاء الحصار. فقد سبقها دخول شحنات ووصلت سفن، وغادرت، وبقي الحصار الأرضي والبحري. إسرائيل تدرك أنه كان بإمكانها منع القافلة البحرية بسد الطريق بقواتها البحرية. وكان بإمكان إسرائيل اقتياد السفن إلى ميناء إسرائيلي واحتجازها هناك. وكان بإمكانها تنفيذ عملية إنزال الكوماندوز والسيطرة على قيادة السفن دون الحاجة إلى استخدام الرصاص الحي، بالغاز المسيل للدموع أو الرصاص البلاستيكي مثلا، كما هو معهود في أقصى حالات المواجهة مع المدنيين والعزل. رغم كثرة الخيارات، فإن القيادة الإسرائيلية اختارت الهجوم المسلح، ومن الواضح أن التعليمات كانت بقتل عدد من الركاب العزل، وجاءت بعض إصابات القتلى رصاصات في الرأس مباشرة، مما يؤكد نية الهجوم بتعمد القتل.

أجزم أن القيادة الإسرائيلية المتطرفة الحالية تجد أن خير حليف لها اليوم هم المتطرفون في المنطقة، والطرفان يحققان الهدف نفسه، إفشال مشروع أوباما. إسرائيل تعتقد أن جريمة أمس قد ترفع رد الفعل إلى عنف يسهم في زيادة شد الخناق على الفلسطينيين، وتعتقد أن العملية ستدفع العرب إلى رفض الحل السلمي. طبعا لا بديل عندهم أصلا لإقامة دولة فلسطينية. وإيران وحلفاؤها يرون الشيء نفسه ويعتقدون أن فضيحة أمس ستحاصر الدول العربية المعتدلة، وستحرجها سياسيا، وستلغي المشروع الأميركي الجديد بالتفاوض، كما يفرض معسكر إيران هذا نفسه على المنطقة بتحقيق أهدافه الأخرى التي ليس بينها طبعا تحرير فلسطين ولا مواجهة إسرائيل.

وقد أثبتت الأحداث الماضية أن المعسكر المتطرف يملك قدرة رائعة على إثارة الجماهير، وافتعال المعارك الكلامية، وفرض أجندته السياسية بعد ذلك. وبفراسة السياسي الماهر يعرف جيدا هذا الفريق حدود رد الفعل من الطرف الآخر، أي إسرائيل. فهو يدرك أن تسيير القافلة لن يكسر الحصار، ويعرف أن كسر الحصار سهل لو أراد ذلك فعلا، أولا من خلال إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط الذي لا يستحق احتجازه كل هذه المعاناة التي يدفع ثمنها أكثر من مليون فلسطيني كل يوم، لكنه لا يريد إطلاق شاليط لأن ذلك يلغي حالة التوتر، فلا يكون هناك حصار ومواجهات وقضية يرفع قميصها كل يوم لأغراضه الأخرى.

alrashed@asharqalawsat.com

=====================

نموذج المستقبل تركي.. وليس إيرانيا

هاشم صالح

الشرق الاوسط

1-6-2010

لا يمكن للمجتمعات العربية أن تنتقل دفعة واحدة من العهد الأصولي القديم إلى العهد العلماني الحديث. كل مطالبة بذلك تعجيز، ومراهقة فكرية، واستخفاف بثقل الواقع والتاريخ. وإنما يلزمها المرور بمرحلة وسطى تدريجية هي ما يمكن أن ندعوه بالمرحلة الإسلامية الديمقراطية على غرار الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا. وهذا ما يفعله حزب العدالة والتنمية في تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان وعبد الله غل ورفاقهما. وسواء أكنا معجبين بكل توجهات هذا الحزب أم لا فإن ذلك لا يغير في الأمر شيئا. فمن الواضح أنه يعبر عن المرحلة التاريخية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية تركية كانت أم عربية أم سوى ذلك. عندما وصل هذا الحزب إلى سدة السلطة قبل بضع سنوات دب الذعر في صفوف الداخل العلماني والخارج الغربي على حد سواء. واعتقدوا أن الأصولية على الطريقة الإيرانية أو حتى البن لادنية قد أصبحت على الأبواب! ولكن تبين في ما بعد ومن خلال السياسات المنتهجة أن هناك خطا إسلاميا ثالثا غير الخط الإيراني وغير الخط الطالباني. إنه خط التحديث المعقول والمصالحة بين الإسلام وقيم العصر وقوانينه وتشريعاته. والدليل على ذلك أن التشريعات التركية المطبقة حاليا في ظل حزب العدالة والتنمية أصبحت تقريبا كلها متوافقة مع القانون الدولي الحديث. هل نعلم مثلا أن تركيا أعطت حق التصويت للمرأة قبل فرنسا بعشر سنوات أو أكثر؟ أتاتورك فرضه عام 1930 في حين أن ديغول لم يستطع فرضه إلا عام 1944. ولم يتراجع الحزب الإسلامي الوسطي عن هذا القرار على الرغم من كره الإسلاميين عموما لأتاتورك. ولم يتراجع عن قرار منع تعدد الزوجات كما كان متوقعا. هل نعلم أن الحجاب ممنوع في الجامعات التركية والمؤسسات العامة للدولة ومسموح به في الجامعات الفرنسية والأميركية؟ من يصدق ذلك؟ ولهذا السبب أرسل رئيس الوزراء بناته للدراسة في الولايات المتحدة لأنه لم يستطع تغيير القانون السابق. أو قل غيّره ولكن رؤساء الجامعات رفضوا تنفيذه. هل نعلم أن حرية العبادة مكفولة للجميع في تركيا من أرمن ويهود.. الخ؟ يضاف إلى ذلك أن التنافس على السلطة يتم بين عدة أحزاب مختلفة في برامجها وتوجهاتها الفكرية ومن يربح أغلبية الشعب حلال عليه. إنه يتسلم السلطة لا أكثر ولا أقل. إذن هناك فهم آخر للإسلام ممكن: فهم عقلاني، وسطي، جريء، تحديثي. هذا لا يعني بالطبع أن تركيا أصبحت دولة ديمقراطية حديثة مستنيرة 100%، وأن كل المشكلات قد حُلّت! فحقوق الأقليات، وحرية التعبير، وحرية تناول المشروبات الكحولية، والمساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم، وبقية الحريات الفردية، لا تزال مشكلات مطروحة. ولكن البلاد سائرة على الطريق. وما قطعته في ظرف بضع سنوات يبشر بالخير. وأهم شيء حققته أخيرا هو التالي: إنهاء أسطورة الرعب من حكم الإسلاميين! فهم ليسوا البعبع الذي كنا نتوقعه، إلا إذا فهموا الإسلام خطأ. فلا أحد يفكر في إعادة تركيا إلى العصور الوسطى في ظل أردوغان، ولا أحد يريد تطبيق نظام الحاكمية على طريقة المودودي وسيد قطب، أو ولاية الفقيه على طريقة الخميني وعلي خامنئي. لا.. الشعب هو الذي يحكم نفسه بنفسه عن طريق الانتخابات والتصويت الحر. من يصدق ذلك؟ وهذا يحدث في بلد إسلامي كبير. وبحسب معلوماتنا فإن القادة الحاليين لم يستغلوا وضعهم في السلطة من أجل إعادة المجتمع إلى الوراء أو فرض أيديولوجيتهم عليه. أو قل إنهم حاولوا ثم تراجعوا. فالأحزاب العلمانية لا تزال موجودة بقوة وهي تتصدى لأي خطوة ارتكاسية، وكذلك الجيش، والاتحاد الأوروبي. ولكنها خسرت السلطة لأنها فشلت في إدارة الشؤون الاقتصادية وتحسين وضع الناس، ثم لأنها نخبوية. هذا في حين أن دخل الإنسان التركي في ظل الحزب الإسلامي الحاكم زاد بنسبة 20 % منذ عام 2004 وحتى اليوم. وأصبح معدل النمو الاقتصادي 6 % سنويا، أي أنه يقترب من الدول الصاعدة كالهند والصين.

ويرى الباحث الفرنسي المطلع غي سورمان أن الإسلام لا يمنع التنمية إذا ما فُهم على حقيقته. بل ويمكن القول إنه يحبّذها ويشجع عليها. لماذا؟ لأن القرآن الكريم هو الكتاب المقدس الوحيد الذي يثني على الغني ولا يدينه، وذلك على عكس الإنجيل وكتب البوذية. ولأن النبي نفسه كان تاجرا بل ويشتغل عند امرأة غنية وعظيمة هي خديجة بنت خويلد. وبالتالي فالنجاح المادي في الإسلام هو دليل على الاصطفاء والاختيار من قبل الله. وهذا يشبه موقف اللاهوت البروتستانتي التقدمي كما درسه ماكس فيبر في أطروحته الشهيرة عن العلاقة بين اللاهوت الكالفيني والرأسمالية.

ولكن ينبغي الاعتراف بأن للنجاح التركي أسبابا أخرى غير لاهوتية كالدعم الأوروبي الهائل. صحيح أن الاتحاد الأوروبي يرفض انضمام تركيا سياسيا. ولكن لا أحد يتحدث عن علاقة الشراكة المتميزة التي تحظى بها تركيا وتؤدي إلى تقوية اقتصادها ودعمه بشكل لا مثيل له.

أخيرا لا نستطيع القول إن إسلام التنوير قد انتصر في تركيا! فهذا كلام سابق لأوانه. ولكن هناك خطوات إيجابية على الطريق. فلماذا لا نشيد بها؟ ثم إن هذه الخطوات تتم عن طريق حزب إسلامي لا علماني. وهنا يكمن مكر العقل أو مكر التاريخ كما يقول هيغل. فالتاريخ يتقدم إلى الأمام عن طريق أناس كان من المفترض أن يعيدوه إلى الوراء! يحصل ذلك كما لو أنه يستخدمهم لتحقيق غايات مضادة لهم، أو لكأنه يتقدم غصبا عنهم. فأنت لا تستطيع أن تتجاوز المرحلة الأصولية قبل المرور فيها ومعاركتها وجها لوجه لكي تتوضح الإشكالية التراثية فعلا. لا يمكن القفز عليها. هذا ليس حلا. وأكبر دليل على ذلك الفشل الذريع للأحزاب «التقدمية» العربية. هنا تكمن أهمية العامل السلبي في التاريخ. فله جوانب إيجابية ضخمة. التاريخ لا يتوصل إلى الإيجابي إلا بعد المرور بالسلبي وإنهاكه واستنفاد مشروعيته التاريخية حتى آخر لحظة، حتى آخر قطرة. بعدئذ يولد الجديد حقا وتشرق شمس الحرية. ذلك أن جميع المفكرين يعلمون الآن علم اليقين أن انتصار التنوير العربي أو الإسلامي سوف يستغرق عدة أجيال، ولن يحصل اليوم أو غدا، وإنما بعد غد.

========================

"أنكل" أوباما ولسانه المشقوق

منير العكش

الجزيرة نت 30/5/2010

يطلق الهنود الحمر على من يخونهم من بني جلدتهم مع المستعمرين البيض اسم "التفاحة"، لأنه لم يبق له من هنديته إلا البشرة الحمراء، أما من الداخل فقد أصبح كالمستعمر الأبيض، أبيضَ السياسة والأخلاق، وأبيض النظرة إلى معتقدات أهله وثقافتهم وذوقهم وسلوكهم وتراثهم الروحي.

كذلك فإنهم يشبهون "مكتب الشؤون الهندية" الذي أنشأه لهم المستعمرون البيض وجعلوه بمثابة "السلطة الوطنية" للهنود الحمر، بالنمل الأبيض. ذلك لأن هذه الآفة من أخطر ما يواجهه الأميركيون في حياتهم اليومية لأنها تنخر قواعد بيوتهم وتعطبها من الداخل وربما تؤدي بها إلى الانهيار.

صحيح أن المستعمرين البيض استولوا على 97% من أراضي الهنود ووقعوا معهم 371 معاهدة استولوا بمقتضاها على ما يعادل ملياري هكتار من الأرض (محاضر الكونغرس 1971، الدورة الأولى)، ثم لم يحترموا واحدة منها، إلا أن هذه الـ3% الباقية من أراضي الهنود ما زالت إلى الآن مطمعاً وعرضة للنهب والاستيطان. وعلى الرغم من أنها قطع من الأراضي ممزقة مخردقة معزولة مطوقة متباعدة كأنها ضفة غربية عملاقة، فإن مجموع مساحتها أكبر من مساحة الجزيرة البريطانية.

فجأة اكتشف الغزاة أن هذه الأراضي البور التي حشر فيها الهنود بالقوة والإرهاب ليقضموا فيها الحصى والتراب، والتي ظنت الحكومة الاتحادية أنها ستصبح مقابر جماعية تبتلع ما تبقى من هؤلاء الأشقياء.. اكتشفوا أنها تضم كنوزاً يسيل لها لعاب الشركات الكبرى على اختلافها. لقد تبين لهم أن في هذه الأراضي التي لا تعيش فيها السحالي والضباب ثلثي احتياطي "الولايات المتحدة" من اليورانيوم، وربعَ الفحم الكبريتي، وخُمسَ الغاز والنفط، ومخزوناً هائلاً من الذهب والنحاس والماس وبوكسيت الألمنيوم، وغير ذلك من الكنوز التي أعطت الغزاة مبرراً إضافياً لزرع "النمل الأبيض" في قواعد البيت الهندي وتأسيس أدهى نظام استعمار داخلي على وجه الأرض تحت مظلة "السلطة الوطنية" للهنود الحمر.

في ظل "مكتب الشؤون الهندية"، منذ إنشائه عام 1824 (باسم مختلف في السنوات الأولى) حتى اليوم، سطت الشركات العملاقة على معظم ما في أراضي الهنود من ثروات رغم ما يُسمعك المسؤولون عنه من شعارات الصمود وعدم التفريط والغيرة المحترقة على ماضي الهنود وحاضرهم.

بفضل هذا "النمل الأبيض" الذي زرعه الغزاة في قواعد البيت الهندي، تعتبر نسبة فقر التغذية بين الهنود أعلى من المعدل الأميركي بـ12 ضعفاً، ونسبة تعاطي الكحول أعلى بتسع مرات، ونسبة الموت عامة أعلى بخمس مرات. الهنود اليوم أكثر جماعات هذه الإمبراطورية المتخمة عرضة للأمراض والأوبئة التي اختفت تماما، ولديهم أعلى نسبة انتحار وإدمان على المخدرات. بفضل مكتب الشؤون الهندية تم تعقير الكثير من نساء الهنود، وتم خطف معظم أطفالهم في سن الرابعة وإلحاقهم بمدارس داخلية مات 50% منهم قبل أن يتخرجوا. أما من كتبت لهم الحياة فقد سلبوا من أسمائهم ولغاتهم وتقاليدهم وهنديتهم وتحولوا إلى ألغام داخل المجتمع الهندي، أو مسؤولين في مكتب الشؤون الهندية.

ومعلوم أن الحكومة الاتحادية هي التي تختار مسؤولي هذا المكتب وتمنحهم سلطات وهمية وأبهات وألقاباً خاوية لقاء أن يوقعوا من حين لآخر على ورقة مكتوبة في واشنطن أو على عقد مصاغ في هذه الشركة أو تلك. كل سلطة هؤلاء "الشخصيات" تنحصر في أن يوقعوا باسم الهنود الحمر على ما يشاء الغزاة، فهم يوقعون على تعديلات تنقض هذه المعاهدة أو تلك، أو تعطل شرعيتها وتبخر ما تبقى من السيادة الإسمية للهنود على أراضيهم. وهم يوقعون "باسم الشعوب الهندية" على عقود يتنازلون بمقتضاها عن ثروات بلادهم مقابل بِنسٍ واحد عن كل دولار منهوب من كنوز أراضيهم.

إنهم يوقعون على مهمات إقناع الهنود بعدم المقاومة ونبذ العنف والعيش على عسل التسويف، ويوقعون على تفريغ مأساتهم من بعدها الحضاري والثقافي والإنساني والأخلاقي وعلى كل ما أحال قضية اغتصاب قارة كاملة وإبادة أكثر من 112 مليون إنسان في أبشع محرقة في التاريخ البشري إلى سوء تفاهم عابر. وهذا ما دعا رَسل مينز أحد أبرز قادة الحركة الهندية المعاصرة إلى القول في رسالة غاضبة موجهة إلى كل الشعوب الهندية "إن انقاذ الهنود من فقرهم وشقائهم لن يتم إلا بعد القضاء على مكتب الشؤون الهندية".

النمل الأبيض

مَن يقوم بدور النمل الأبيض لدى الأميركيين السود يشبهونه بحلوى تسمى "أوريو" وهي طبقتان من "البسكويت" الأسود وبينهما مادة سكرية بيضاء، لكن الاسم الشائع للأسود المتأبيض هو "أنكل توم"، وقد جاء الاصطلاح من رواية "كابين العم توم" (1852) للروائية الأميركية هرييت بيشر ستو. "العم توم" في الرواية أسود متفوق أخلاقياً على سيده الأبيض، لكنه استعمل فيما بعد اصطلاحاً مهيناً لوصف من يخون بني جنسه من السود بالذل والخنوع والمبالغة في التملق للسيد الأبيض. ومن ظاهرة هذا الأسود المتأبيض استعار علم النفس ما يعرف بوباء العم توم، ومن أعراض هذا الوباء المبالغة في النفاق والخنوع والتملق كما يعبر عن ذلك القول المأثور في كليلة ودمنة "كلني يا مولاي".

لطالما وَصفت منظمات الحقوق المدنية السوداء أوباما بحلوى "الأوريو" تارة وبالعم توم تارة أخرى، كما أطلقتهما من قبل على كثير من الشخصيات السوداء البارزة التي ما زالت تعمل لصالح المؤسسة الأميركية الحاكمة بروح العبد المطيع.

ولعل أقرب مثلين على هذه الوباء كما يراه الأميركيون السود المعاصرون هما وزير الخارجية السابق كولن باول الذي اتخذته "ذي فيليج فويس" (صوت القرية) أنموذجاً لوباء العم توم، وصورته وهو يقود حصان طروادة إلى هارلم قلعة السود في نيويورك (15 أغسطس/آب 2000). والمثل الثاني على هذا الوباء يتمثل في تفاني وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس في خدمة سيدها الأبيض.. إنها على مدى ثماني سنوات من عملها مستشارة للأمن القومي ثم وزيرة للخارجية، ورغم معاناتها من العنصرية وهي طفلة في برمنغهام (ألاباما)، لم تكتف بأن أدارت ظهرها لبني جنسها في الولايات المتحدة وأفريقيا، وإنما كانت من ألد أعداء حركة الحقوق المدنية السوداء.

 

لقد ورثت عن أبيها القس الفذ وباء العم توم حيث كان يصف المناضلين السود من أجل الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوثر كينغ بأنهم "شرذمة نيغرو (واللفظ يستخدم تحقيراً) ضالين جهلة". أما هي فقد وصفت نضالهم وتضحياتهم وشهداءهم بأنه "عبث لا معنى له"، وهنا تعلق مجلة "بلاك كومنتايتور" (1 ديسمبر/كانون الأول 2005) بأن "رايس لا تختلف عن أبيها.. إنها لن تتورع عن أن تبصق على قبر مارتن لوثر كينغ وعلى تلك النفوس الشجاعة التي بذلت حياتها من أجل أن تكون رايس حيث هي الآن". لكن كوندي التي فتنها "أنكل توم" لبنان ذات يوم ليست باستثناء في المؤسسة الحاكمة الأميركية، فمعظم السود في الحزب الجمهوري متهمون -كما يقول عضو الكونغرس تيموثي جونسون- بأنهم يكرهون بني جنسهم، ويطلق عليهم اسم "العم توم" (6 أبريل/نيسان 2010).

أبرز من أطلَقَ على باراك أوباما اسم "العم توم" هو رالف نادر أشهر محامي المستهلكين في الولايات المتحدة حيث اتهمه بأنه لا يختلف عن سلفه جورج بوش في خدمة الشركات الكبرى، شركات الرأسمال والنفط والسلاح وتجارة الموت. وبالطبع لم يكن رالف نادر مخطئاً، فكل وعود أوباما للفقراء وأبناء الطبقة الوسطى تبخرت ساعة دخوله البيت الأبيض، على غرار كل من سبقه من أصحاب اللسان المشقوق.

تضليل وشقشقة

كل الحملات الانتخابية التي شهدتُها منذ أيام رونالد ريغان حتى باراك أوباما، سواء كانت للرئاسة أو لعضوية الكونغرس، كانت مباريات ضارية في التضليل وشقشقة اللسان، لا فرق بين أبيض وأسود، وديمقراطي وجمهوري. كلاهما يحيي كرنفالاً تديره مدارس التمثيل وشركات العلاقات العامة وتُنفَق فيه ملايين الدولارات على مكياج الوجوه، ودراسة شكل البسمات والحركات والمصافحات، ومشاهد توزيع القبل الأبوية للأطفال أمام العدسات، وطبيعة الملابس التي يفضلها هذا الجمهور أو ذاك.

كلاهما يبيع أسهم حروبه المقبلة في مساومات مافيوية مع مديري شركات السلاح وتجارة الموت، وكلاهما يصطحب زوجته وأطفاله وكلابه ليوهم بأنه رب عائلة مخلص طيب القلب، وكلاهما لا تنكشف فضائح خيانته لزوجته ولا يظهر أطفاله غير الشرعيين إلا بعد خسارته المعركة الانتخابية (يراجع كتاب شلّي روس "فضائح وفساد في السياسة الأميركية").

أما خطب هؤلاء المرشحين فتتغير لهجتها ولكنتها وموضوعاتها وأساليبها وطريقة إلقائها وتعابير الوجه الملازمة لكل جملة فيها مع طبيعة الجمهور، ففي الأماكن الفقيرة يستعير المرشح لنفسه وجه الفادي المخلص، فيبيع الآمال والأحلام، ولا يمل من اختراع القصص الكاذبة عن أمه الفقيرة وأبيه "المعَتّر" وجارته المعوزة. أما في مناطق "اليانكي" والزنابير (البيض الأنجلوسكسون البروتستانت) فيتحدث عن الدور الرسالي للولايات المتحدة في العالم، وعن عظمة الشعب الأميركي وتفوقه واستثنائيته، وعن الحاضر المجيد الذي سيصبح أكثر مجداً وغنى وقوة.

وحين يخطب المرشح أمام مناهضي الحرب فإنه يصطنع الحزن، وقد يستعين بما يشبه البصل لدر الدموع على الضحايا الذين يتفطر قلبه عطفاً مع أهلهم ومحبيهم. هنا لا يمل المرشح من الوعد بعدم زج "أطفالنا" في خطوط النار، وهي الأسطوانة التي أدارها كل الرؤساء الأميركيين منذ حرب فيتنام. كل الرؤساء علقوا هذه الكليشيهات بما في ذلك "أنكل أوباما" الذي يخوض الآن حرباً في أفغانستان، وحرباً في باكستان، وحرباً (يبدو أن بتراوس سيوسع رحاها) في اليمن ودول الخليج والصومال وإيران وفلسطين المحتلة.

لم يتغير شيء منذ فيتنام حتى أفغانستان، كلها كانت حروباً "نبيلة خيرية" أُسقطت فيها أكثر من خمسين حكومة شرعية وغير شرعية، استبدادية وديمقراطية، وقُصفت بالقنابل أكثر من ثلاثين أمة، ودمرت حياة ملايين البشر في أميركا اللاتينية وأفريقيا والعالم الإسلامي.

لم يرحل قط رئيس أميركي من الدنيا وليس على يديه دم شعب من الشعوب، ولم يعرف التاريخ الأميركي قط يوماً واحداً فقط توقَّفَ فيه القتل والتدمير، ولم يعرف فن الخطابة عبر تاريخه أبلغ من رؤساء أميركا وهم يحاضرون في العفة إلا ربما رؤساء وزراء بريطانيا.

كل هذه الاحتفالات الانتخابية التي ترتفع فيها الأعلام وأنواع عجيبة من الزينة والزخرف، وتتطاير فيها البالونات على اختلاف ألوانها، ويحشد لها في حفلة الترشيح النهائية آلاف المحازبين والمحازبات، هي مشاهد مصممة لتعمي عيون الناخبين والناخبات والمتأمركين والمتأمركات عن أن الديمقراطية في الولايات المتحدة تبيع جسدها للمال والقوة.

وما أوباما ببدعة في خطابه ووعوده. إنه لم يَبدُ استثناءً إلا لأنه جاء بعد رئيس مَكابيّ جلف، أخرق المنطق، بذيء اللسان، كَسّر كل شيء بما في ذلك اللغة الإنجليزية. أما من حيث اللون فإن أوباما ليس بأسود ولا بأبيض.. أمه "آن دنهام" أميركية بيضاء من كنساس إحدى قلاع العنصريين البيض والمقر الرئيسي للنازيين الجدد المعروفين باسم "الأمم الأريانية". ثم إنه لا يكاد يعرف أباه الأسود "المسلم" الذي قتل في حادث سيارة عام 1982، فقد تفرق والداه عام 1963 عندما كان في الثانية من عمره فكفلته أمه. ولما بلغ السادسة تزوجت من الإندونيسي "لولو سويتورو" فحملت ابنها وانتقلت إلى جاكرتا.

شخصية أوباما

كل مدارك أوباما ووعيه الباطن وحساسيته للعالم من حوله تبلورت في كنف أمه، ثم في كنف جدته البيضاء حين عاد من جاكرتا ليعيش معها في هاواي، كما تشهد على ذلك سيرته الذاتية بعنوان "أحلام أبي". وأما طبقياً فالرجل من أصحاب الملايين.. صحيح أنه لا توجد معلومات واضحة عن ثروته، لكن من المعروف أن دخله في عام 2005 كان أكثر من مليوني دولار، وأن صلاته الوثيقة بغابة الرأسمال مكنته من أن يجمع 58 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى من حملته الانتخابية. هناك دائماً خلط مغشوش لأوراق هذه اللعبة الطبقية/العرقية التي تديرها مافيا المال والسلاح وتجارة الموت باسم الديمقراطية في أميركا.

وبالتأكيد فقد كان لرعونة بوش (الابن) الفضلُ الأكبر في نجاح أوباما وخسارة منافسه جون ماكين. كانت هذه الرعونة تطارد العجوز الدموي المخضرم وتنخر أعصابه، بل كانت الكابوس الذي سكن حملته الانتخابية. كل الأكاذيب التي افتراها ماكين ليوهم الناخبين بأنه ليس بوشاً آخر يتحدث مع الله ولا يفتح فمه إلا للأكل والكذب وتناول المخدرات، لم تنفع. وهذا ما عزز من أوهام الكثيرين الذين ظنوا أن انتخاب رئيس ديمقراطي لا أسود ولا أبيض سيضمد جراح أميركا في الداخل ويلمع صورتها في الخارج. أفففف! بعد الآن لن يكون هناك تشيني آخر ولا رمسفيلد جديد، وسيتطهر مجلس الأمن القومي من مستشارة بَزَّت النازيين في دعواها إلى "تغيير العقل العراقي كمقدمة لتغيير العقل العربي".

انتهت الجعجعة واللغة الفجة والقتل المسرحي.. لقد أسدلت الستارة على "الأخ الأكبر" واستعاد مسدس أميركا كاتم صوته مثلما استعادت السياسة الخارجية قفازها المخملي. وهذا لعله التغيير الوحيد الذي جاء به العم أوباما، فشركات السلاح صارت تعمل 25 ساعة في اليوم، وشركات المال التي لم يكفها ما سرقته من الفقراء والطبقة الوسطى تسرق الآن مال الدولة.. لقد حول إليها العم أوباما أكبر كمية من الثروة في التاريخ الأميركي. أما الأهداف الإستراتيجية الكبرى التي رعتها كل الإدارات السابقة -الديمقراطية والجمهورية- فما زالت هي هي منذ بداية القرن الماضي على الأقل.

كل ما في "كابين العم أوباما" وتاريخه وتصرفاته وتصريحاته التي يضرب بعضها بعضاً، يؤكد أنه لا يختلف إسرائيلياًً عن كابين "العم بوش" وعن التزام الإدارات السابقة بالمفكرة الصهيونية. فقبل أن يبدأ بنصب مصيدته للمغفلين المسلمين مستعيناً بمكاتب الشؤون الهندية في العالم العربي وبمراكز العلاقات العامة (مارتن إنديك أند كو)، كشف أوباما في لقاء مع جيفري غولدبرغ (أتلانتيك، 21 مايو/أيار 2008) عن عمق الفكرة الصهيونية والأخلاق اليهودية في تربيته وثقافته ومشاعره، وعن التزامه بهذه الفكرة التزاماً لا يختلف عن جورج بوش.

ويروي أوباما أنه كان في جنوب أفريقيا حين اعتدت إسرائيل على لبنان عام 2006 فألقى خطاباً بتلك المناسبة جاء فيه "لا يخطرن ببال أحد أن أميركا ستقف موقفاً ألطف من موقف جورج بوش عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل.. ولا يتوهمن أحد بأنه سيجد في ظل رئاستي أي موقف أقل صلابة بأمن إسرائيل". ("أمن إسرائيل" في اللغة الأورويلية الأميركية يعني أمن الاحتلال الإسرائيلي، وأمن الاستيطان، وأمن توفير المجال الحيوي لهذا الاحتلال والاستيطان في أي بقعة من العالم العربي).

وفي رام الله يخاطب العم أوباما مجموعة من الطلاب الفلسطينيين، تحت سمع وبصر كبير المهرجين الفلسطينيين فيقول (المصدر السابق) "اسمعوا جيداً.. إذا كنتم تنتظرون من أميركا أن تبتعد عن إسرائيل فأنتم واهمون واهمون. إن التزامنا والتزامي أنا شخصياً بأمن إسرائيل لا يقبل نقاشاً". ثم يكشف عن دور اليهود في حياته الشخصية والسياسية فيقول متباهياً إن "اليهود وراء نجاحي في شيكاغو.. إن لهم دوراً مركزياً في هذا النجاح.. لهذا يتهمني السود بأنني أقرب إلى اليهود مني إلى السود". (لعل أطرف ما في هذا "التهود" قول إيلينا كاغَن التي اختارها أوباما قاضية في المحكمة العليا بأنه "أول رئيس أميركي يهودي").

ثم يسرد بعض التفاصيل العاطفية عن الكتب والمؤلفين اليهود الذين صاغوا حساسيته الأولى مثل ليون أوريس وفيليب روث "لقد تعلمت فن الأخلاق من اليهود.. إن فيليب روث صاغ حساسيتي (لروث علاقة غريبة مع الموساد كما يدل كتابه "عملية شيلوك").. وعندما أفكر بالفكرة الصهيونية إنما أفكر بمشاعري التي تكونت تجاه إسرائيل حين كنت في الصف السادس ودخلت معسكراً يشرف عليه يهودي أميركي أمضى وقتاً في إسرائيل (للسياحة؟).. تلك كانت أعرق ما في ذاكرتي عن إسرائيل التي امتزجت بعد ذلك بالإعجاب بالتجربة الصهيونية في المستوطنات الجماعية (الكيبوتس)".

ومثل هذه المبالغات النفاقية -إن صحت- تنسجم مع "أعراض وباء العم توم" ومع الأهداف الإستراتيجية الكبرى التي رعتها كل الإدارات السابقة، ديمقراطية وجمهورية.

وهنا لا بد من التذكير بأن ما يسمى "مشروع القرن الأميركي الجديد" الذي شاع صيته في زمن بوش ليس بجديد على الإطلاق، بل كان محاولة يائسة لتطوير مشروع "نازي أميركي" مضاد تبناه الرئيس ودرو ولسون الذي زعم هو أيضا أن الله تحدث معه في ردهات البيت الأبيض.

أما مشروع الرئيس ولسون فقد وضعه الإستراتيجي الجغرافي الأميركي إشعيا بومن ورسم فيه معالم الإمبراطورية الأميركية في القرن العشرين، مؤمرِكاً فيه أفكار الألماني النازي فريدريك راتزل عما يسمى بالمجال الحيوي (ليبنزراوم).

ويتلخص هذا "المجال الحيوي" الأميركي بأن ترث الولايات المتحدة مستعمرات بريطانيا والقوى الاستعمارية الأوروبية الأخرى بحيث لا يبقى شبر من الأرض خارج السيطرة الأميركية، مؤكداً أن من يتحكم بما سمي يومها حديثاً "الشرق الأوسط" يتحكم بالعالم كله، على أن تكون التكلفة قليلة. لكنه استثنى من هذه التكلفة القليلة جزر الفلبين التي قال الرئيس ولسون بأن الله نفسه أمره باحتلالها. (اصطلاح "الشرق الأوسط" -أو "الأدنى" سابقاً- افتراه "مكتب الهند" البريطاني في خمسينيات القرن التاسع عشر بهدف تزوير هوية المنطقة العربية الإسلامية ودس ما ليس منها فيها، لكنه لم ينتشر إلا بعدما استخدمه الإستراتيجي البحري الأميركي ألفرد ماهن عام 1902. وما يزال هناك عرب ومسلمون يستخدمونه للتدليل على حقيقة وعيهم بهوية هذه المنطقة).

هذا الهوس الأميركي بوراثة مستعمرات بريطانيا والقوى الاستعمارية الأوروبية الأخرى هو التفسير الوحيد لموقف الرئيس أيزنهاور من عدوان السويس. لقد وجدت أميركا في حرب 1956 فرصتها الذهبية لكي تعلن للعالم "مات الملك، عاش الملك".

إشعيا بومن هو الذي حدد المفاهيم واللغة والمبررات اللازمة للمجال الحيوي الأميركي على أساس اقتصادي: إن تراكمُ الرأسمال والإنتاج في الولايات المتحدة يحتاج إلى غزو ساحق لأسواق العالم، كما أوضح ذلك في كتابه "العالم الجديد" (نحو 800 صفحة وأكثر من 200 خريطة) الذي أصبح إنجيل ما يسمى القرن الأميركي في البيت الأبيض منذ ودرو ولسون حتى جورج بوش. هذا نظام عالمي جديد محورُه حقُّ الولايات المتحدة في سرقة كل شعوب الأرض باعتبارها "المجال الحيوي للاقتصاد الأميركي.. أمة قدرُها المتجلي أن تزداد غنى على حساب ما يصفه بومن بالشعوب والأعراق الضعيفة. ومنذ مقدمة الكتاب يقول بومن "إننا مضطرون -شئنا أم أبينا- إلى أن نمسك بزمام العالم الحالي، بطريقة أو بأخرى".

بهذا المنطق شارك بومن في مؤتمر باريس للسلام عام 1919 بتكليف من ولسون، بهدف "نقل صولجان الإمبراطورية البريطانية من لندن إلى واشنطن". كان يعلم أن القوى الاستعمارية الأوروبية لا تزال في المركز السياسي للعالم و"لابد من اتباع إستراتيجية جيوسياسية لتغيير هذا الواقع بحيث تصبح الولايات المتحدة المركز السياسي للعالم، وتصبح المسيطرة على عصبة الأمم" (الأمم المتحدة لاحقاً). أما كيف ستفتح واشنطن مستعمرات القوى الأوروبية للرأسمال الأميركي المتوحش، فهذا ما كان الشغل الشاغل للإدارات الأميركية منذ ولسون حتى ترومان.

لقد ركز ولسون وكل من جاء بعده من الرؤساء على حرية التعامل التجاري بين الدول المستقلة (أوروبا)، وعلى أن تحصل المستعمرات المؤهلة للاستقلال على استقلالها في ظل سلطة وطنية لا تختلف عن "مكتب الشؤون الهندية". أما المستعمرات غير المؤهلة فيجب أن تحكم مباشرة من قبل مفوضيات دولية أو انتداب دولي.

ثم سعت الولايات المتحدة بعد الحرب الثانية إلى استيعاب القوى الاستعمارية نفسها في المجال الحيوي الأميركي، وهذا أهم ما تعرض له الرئيس ترومان في خطبة ولايته الثانية عام 1949 حيث أراد استيعاب أوروبا بمشروع مارشال، على أن يليه برنامج استثمار وتنمية في المستعمرات الأوروبية.

إذن، يجب أن لا نضيع في التفاصيل ولا في تحليل خطبة هذا الرئيس أو ذاك، وأن لا ننخدع ببهلوانيات لغة كبير المهرجين الفلسطينيين أو كبير متعهدي التفليسة الفلسطينية، فليس عبثاً أن يسمي العرب الخطيب بالشقشقة (لهاة البعير) ويشبهوا المكثار منها بالبعير الكثير الهدر، ويقولوا إن كثيراً من الخطب من شقاشق الشيطان (منسوب -دون قصد مسبق- لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه).

كل هذه التفاصيل بل كل ما يسمى عقيدة هذا الرئيس أو سياسة ذاك، هو مجرد فهم وتطبيق مرحلي لهذه الإستراتيجية العامة. ولم تكن عقيدة كارتر التي تبناها كل من أعقبه من رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين، ولا الحربان اللتان خاضهما بوش (الأب والابن) ضد أهلنا في العراق، إلا مثلاً حياً على طاغوت إستراتيجية "الليبنزراوم الأميركي" كما رسمها بومن في أول القرن.

أما أوباما فليس هناك ما يدل على أنه أدار ظهره لإستراتيجية "الليبنزراوم الأميركي" أو عقيدة كارتر. إنه رغم شقشقته في الحديث عن الانسحاب من العراق، أكد أكثر من مرة على الحاجة إلى الاحتفاظ بحضور عسكري قوي في منطقة الخليج، وأنه لن يتردد في استخدام القوة لحماية المصالح الأميركية الحيوية. وبالطبع فإن سياسة تبرير استخدام القوة للحفاظ على المصالح الأميركية يعني أننا قد نشهد تزايداً في حركة الاستيطان الأميركي المسلح في المنطقة، وأن واشنطن لن تطفئ حربا إلا بنار حرب جديدة، وهذا عهدها منذ إنشائها حتى الآن.

لفلسطين لدى الرؤساء الأميركيين شأن آخر، فهي ليست مجرد "إستراتيجية" أو اقتصاد أو "مجال حيوي"، وبالتأكيد فهي ليست سياسة خارجية إلا في الإطار البيرقراطي. فطالما أن إنشاء الولايات المتحدة وتاريخها لم يكن إلا تأسياً بفكرة إسرائيل التاريخية، وطالما أن بلاغة العنف التي استعارت أخلاقها من فكرة إسرائيل التاريخية وأساطيرها وأنماط سلوك مجرميها، بدءاً من العهد المقدس الذي عقده المهاجرون الأوائل مع يهوه في عرض المحيط، وانتهاء بمكالمة الرئيس بوش معه في البيت الأبيض واعتقاده بأنه "موسى العصر"، فإن الأميركيين ورؤساءهم -على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم- لا يتفقون على شيء كاتفاقهم على المشروع الصهيوني الذي يشربه الأميركيون مع حليب أمهاتهم ثقافيا، وتاريخياً، وتربوياً، وإعلاميا، ودينياً، ومثلاً أخلاقياً أعلى.

كل تاريخ الولايات المتحدة كما يروي المؤرخ كونراد شيري هو "تاريخ القناعة الراسخة بأن الأميركيين هم الإسرائيليون فعلاً، وشعب الله المختار حقاً". وخطر هذه القناعة لا يكمن في تلبسها بمصالح شركات النفط ومصانع السلاح وداء الكَلَب الإمبراطوري وحسب، بل يكمن أيضاً في استيعاب هذه القناعة لكل ميتافيزيقا الكراهية العبرانية وهوس الإبادة والاستعباد للفلسطينيين الكنعانيين بخاصة، ولكل حضارات العالم العربي القديم بعامة، من قبل أن يولد هرتزل ومشروعه بثلاثة قرون. ولو أن هرتزل لم يخلق لاختلقوا هرتزلاً آخر.

والأمر هنا يتعدى ما يسمى زوراً بالصهيونية المسيحية، لأن "غالبية الأميركيين ومعهم كبار المسؤولين السياسيين -كما يقول عالم الأديان ستيفن أوليري- لا يختلفون عن هذه الجماعات (الصهيونية الدموية) إلا في درجة التوتر وطريقة التعبير (مرة بلغة بوش، ومرة بلغة أوباما). إن "نزعة الافتراس.. تنتشر بينهم.. وعلينا أن لا نسرع إلى طمأنة أنفسنا بأن هذا الاعتقاد أحمق، فنحن على أبواب زمن قد تكون فيه الحماقة هي القاعدة".

وفي كتاب "المواجهة بين عصر العقل وعصر الرؤيا" يقول الفيلسوف ريتشارد پوبكين "إن الإنجليز على طرفي المحيط (بريطانيا والولايات المتحدة) أكثر حماسة من اليهود لتأسيس الدولة اليهودية وبناء معبد سليمان، وإن صهيونيتهم هي التي صنعت الحركة الصهيونية (اليهودية) وانتشلتها من هامشيتها".

صهيونية يهودية

نعم.. الصهيونية الأنجلوسكسونية على طرفي المحيط هي التي صنعت الصهيونية اليهودية، وهي التي رعتها وغذتها وأعطتها زخمها بالقوة والسلاح، وبالتدمير المنهجي للعالم الإسلامي والعربي، وبمكاتب الشؤون الهندية التي أسسها بيرسي كوكس أوائل القرن الماضي في كثير من العواصم العربية لتكون شريكاًً للمشروع الصهيوني في فلسطين. اليهود يريدون ما يسمونه "أرض إسرائيل"، أما الإنجليز على طرفي المحيط فيريدون أرض إسرائيل وإسماعيل وإبراهيم. هل هي مصادفة بريئة أن كل رؤساء الحكومة البريطانيين العشرين في السنوات المئة الأخيرة، من بلفور 1902-1905 إلى بلير 1997-2007 بدون استثناء -حتى لا نذهب في تاريخ الجريمة المنظمة بعيداً- لم ينهوا ولايتهم إلا وعلى أيديهم دم عربي؟

بدون الصهيونية الأنجلوسكسونية وهذه المكاتب الهندية الرديفة التي صنعوها في العالم العربي، لم يكن كِتاب "الدولة اليهودية" لهرتزل أكثر من هلوسات مدمن على المخدرات. كان يهود ذلك الزمان يتخوفون من إلحاح بريطانيا والولايات المتحدة على إنشاء دولة لهم في فلسطين. وحين بلغ الضغط على اليهود الأميركيين أقصاه في مؤتمر شيكاغو الذي عقد برئاسة المعمداني وليام بلاكستون (عام 1890) أي قبل المؤتمر الصهيوني الأول بسبع سنوات، غضب الحاخام الأكبر إميل هيرش وقال "إننا يهود هذا العصر لا نرغب في أن نعاد إلى فلسطين.. إننا لن نعود أبداً لتأسيس كيان قومي خاص، ولا نقبل بأن يسقط علينا الآخرون ما يريدونه هم أنفسهم لنا". ثم تجلت المعارضة اليهودية للمشروع الصهيوني الأميركي في افتتاحية كتبتها صحيفة "نيويورك صن" جاء فيها "إن غالبية اليهود يرفضون إعادتهم إلى فلسطين، وإن على الولايات المتحدة أن لا تحشر أنفها في ما لا يعنيها".

ثم إننا نجد في كتاب سيسيل روث الوثائقي "مقالات ووجوه في التاريخ اليهودي الإنجليزي" معلومات كثيرة عن دخول المهاجرين الإنجليز الأوائل في الدين اليهودي أفواجاً، مما جعلهم نواة الطائفة اليهودية الأميركية. وهذا أمر بالغ الخطورة، فهو يعني أن النواة الصلبة ليهود أميركا اليوم هي نواة أنغلوسكسونية وليست ساميّة كما يُتَوهَّم، ويعني أن المفكرة الصهيونية الجيوسياسية لليهود والأنغلوسكسون هي مفكرة أيدولوجية واحدة لكل الإدارات والرؤساء والأحزاب في واشنطن ولندن وتل أبيب. لهذا -ربما- قال الحاخام لي ليفنغر في كتابه عن تاريخ اليهود في الولايات المتحدة إن "الأميركيين أكثر يهودية من اليهود".

نعم قد تتخذ هذه المفكرة الأيدولوجية تعابير أورويلية مختلفة مثل "القيم المشتركة" و"الحلف الإستراتيجي" و"الالتزام الأخلاقي" و"الالتزام بأمن إسرائيل" و"الحرب على الإرهاب" وغير ذلك من التعميات، لكنها جميعها لا تعني إلا الالتزام بالمشروع الصهيوني، وهي في كل الأحوال تستمد أخلاقها من معين آسن مشترك: إسرائيل فوق أخلاق البشر، وقوانين البشر، وحريات البشر، وحياة البشر، وفوق كل الرؤساء من جورج واشنطن إلى باراك أوباما.

ليس هناك من رئيس أو إدارة أو مؤسسة أميركية حاكمة تستطيع أن تتحدى هذه الثوابت.. فلسطين ليست كوريا أو فيتنام أو أفغانستان أو الفلبين.. فلسطين هي الرحم التي ولد منها الغرب اصطلاحاً ومفهوماً مقابل العالم العربي الإسلامي حضارياً وجيوسياسياً.. فلسطين -والقدس تحديدًا- هي الشرارة التي أشعلت نار المواجهة التي أججها الغرب على مدى السنوات الألف الماضية.

لا يمكن فهم قضية فلسطين بمعزل عن المواجهة مع الغرب الذي تجسده اليوم أميركا وقُفّتها البريطانية. بدون فلسطين -والقدس على التحديد- لن يكون هناك غرب وشرق، فباسم احتلال فلسطين (أرض كنعان) صنع الإنجليز أميركا، وباسم هذه الاستعارة أهلكوا سكان قارتين كاملتين وأبادوا ملايين البشر في البقعة التي تسمى اليوم الولايات المتحدة، كما فعلوا ذلك في أستراليا ونيوزيلندا ومئات الجزر التي استعمروها.

لا تغيير

لن يتغير شيء في زمن العم أوباما.. كل ما يستطيع فعله هو أن يبني للقضية الفلسطينية غرفة غاز يسميها "دولة فلسطين"، كما نصب سلفه بيل كلينتون للفلسطينيين خازوقاً سمّاه "السلطة الوطنية"، ونصب كارتر قبلهما في جسد العرب سرطاناًً اسمه "كامب ديفد".

لن يتغير شيء حتى تدرك الولايات المتحدة بأنها ستدفع الثمن من اقتصادها وبشرها، وهذا ما لن تفعله الأنظمة العربية التي لم تعد تقدمية ولا رجعية ولا رأسمالية ولا اشتراكية ولا ليبرالية ولا راديكالية ولا ديمقراطية ولا استبدادية، ولا يمكن وصفها إلا بأنها نسخ مشوهة من "مكتب الشؤون الهندية".

لقد أضرت هذه الأنظمة بالعرب أكثر مما أضر مكتب الشؤون الهندية بالهنود الحمر حين تبرعت هذه الأنظمة للولايات المتحدة بما عجز عن تحقيقه كل فرسان الحروب الصليبية، وحين أعانتها على اقتلاع شجرة المشروع السياسي المحمدي من روضتها التي نبتت فيها. هذه القواعد الأميركية المنتشرة من سيناء والبحرين حتى شمال العراق والتي يعمل أوباما على تعزيزها وتوسيعها وزيادة عددها، لا يشبهها في تاريخ المنطقة -من حيث الوظيفة- إلا تلك القلاع التي بناها الصليبيون لمساندة احتلالهم لبيت المقدس ونهبهم لثروات العرب والمسلمين، وليتخذوا منها قواعد للعدوان على هذا البلد العربي المسلم أو ذاك.

إن المشروع السياسي الذي أطلق هذه الأمة من دولة المدينة سياسياً ومن غزوة بدر عسكريا، فأعطاها هويتها وبنى حضارتها وبسط جناحيها على نصف كوكب الأرض، قد تقهقر -بفضل هذه الأنظمة- إلى نقطة المنطلق مهزوماً مهاناً مسحوقاً تحت الدبابة الأميركية وفي النقطة المقدسة التي انطلق منها.

وللأسف، فقد تعبتْ الإهاناتُ وفقدت الشتائم والسباب معانيها، وماتت كل هذه اللغة عندما مات فيهم الحياء والخجل والوطنية والإيمان والشرف، وماتت فيهم حتى غريزة البقاء. ما العمل؟ ماذا يفعل المرء حين يرى في فراش ابنه أفعى؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ