ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 18/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


السياسة الخارجية الأمريكية وتداعياتها على مستقبل الصراع العربي الصهيوني

د. سعد ناجي جواد

5/17/2010

القدس العربي

في البداية لا بد لي من التذكير أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة هي وليدة اولا الاعتبارات الداخلية الامريكية وثانيا ما يُسمّى بالمصالح الإستراتيجية الامريكية. والأخيرة ليست مصالح الشعب الامريكي بل مصالح النخب الحاكمة التي تشكلها تحالف المجمّع العسكري الصناعي والشركات النفطية والمؤسسات المالية الكبرى وإلى حد ما الإنجيليين التبشيريين.

والإلتفات إلى الإعتبارات الداخلية مهم جدا لأن الكثير من القضايا تربك المراقب غير الامريكي عند محاولة تفسيره لسلوك الإدارات الامريكية المتتالية للعديد من الملفات الساخنة وغير الساخنة في العالم. فمجموعات الضغط الداخلية الامريكية هي التي توجّه مسار التشريعات في الكونغرس الامريكي. النائب في مجلس الممثلين والشيخ في مجلس الشيوخ مدينان إلى حد كبير لوجودهما في الكونغرس الامريكي إلى تلك المجموعات التي تشكل المصدر الأساسي لتمويل حملاتهما الإنتخابية. كما أن قضايا الدين تلعب دورا اساسيا في العديد من الولايات الجنوبية المحافظة التي تشكل الثقل الإنتخابي للحزب الجمهوري على صعيد الدولة الإتحادية. وتعاطف تلك المجموعات مع الكيان الصهيوني شبيه بالتكليف الديني الناتج عن قراءتهم الحرفية للعهد القديم. وبالتالي لا يستطيع أي مسؤول امريكي منتخب أن يتجاوز تلك المجوعات في التشريعات وفي رسم السياسات. أما اللوبي الصهيوني الذي تقوده مجموعة العلاقات الامريكية الإسرائيلية المعروفة ب'أيباك' فهو من أهم وأقوى المجموعات الضاغطة وإن لم يكن الأقوى، والمؤثرة في صنع القرار السياسي الخارجي في الكونغرس أولا وثانيا في الإدارة. فجمعية المتقاعدين الامريكيين AARP تٌعدّ أكبر واقوى المجموعات الضاغطة. مجموعة منتجي الحليب أيضا أهم من اللوبي الصهيوني. غير أن الأخير له سيطرة لا مثيل لها على كافة وسائل الإعلام والمؤسسات المالية غير المصرفية والعديد من التجمعات المهنية كنقابات المحامين والأطباء.

إنعكاس كل ذلك على تحديد السياسة الخارجية الامريكية واضح. تاريخيا، الجمهور الامريكي لا يهتم كثيرا بالقضايا الخارجية. تكوين العقل الامريكي إذا جاز الكلام يجعله يجنح إلى الإنعزالية التي هي موقعه الطبيعي. والدعوة إلى دور امريكي في قيادة العالم ليست نابعة من الجمهور بل من النخب. وهذا شكل أحد المحاور الخلافية عند الاباء المؤسسين لتوجهات ودور الولايات المتحدة. ففريق منهم كان لا يريد للدولة الناشئة التورط في مشاكل أوروبا والعالم بينما فريق آخر نادى بما سماّه القدر المتجلّي للولايات المتحدة لقيادة العالم. فهي المدينة على الجبل، أورشليم الجديدة، التي ستنقذ العالم بمبادئها. تغلّبت تلك النزعة في عهد الرئيس ماكنلي ومن ثمة تيودور روزفلت في آواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين والحملات العسكرية في كوبا والفلبين. وشكلت القاعدة الفكرية لسياسات الهيمنة والسيطرة للولايات المتحدة علما أن المصالح الاقتصادية والإستراتيجية كانت الدافع الحقيقي لتلك السياسات. المهم هو أن المجال لرسم سياسات الولايات المتحدة الخارجية متروك للمجموعات الضاغطة كالمجمع العسكري الصناعي والشركات النفطية والمالية وطبعا اللوبي الصهيوني.

استطاع الأخير، أي اللوبي الصهيوني، أن يقنع المؤسسة الحاكمة المبنية على التحالف الذي ذكرته سابقا أن يسمح له بالتأثير المباشر على رسم سياسيات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط واستطرادا منطقة أوراسيا الإستراتيجية وذلك بناء على مفهوم 'القيم المشتركة' وعلى مبدأ المصالح المشتركة. ففيما يتعلق بالقيم المشتركة هو اللعب على تشابه تاريخ نشأة الدولتين: استعمار واستيطان واقتلاع السكان الأصليين بحجج توراتية وإرساء نظام حكم خاص بالمستعمرين. من جهة أخرى أقنع الكيان الصهيوني عبر اللوبي التابع له المؤسسة الحاكمة على وجود مصالح مشتركة بين الولايات المتحدة والكيان وأن الأخير حامي لتلك المصالح ضد كل المخاطر التي ستنجم إذا توحدّت المنطقة سواء على صعيد قومي أو على صعيد إسلامي. برز ذلك بشكل واضح بعد حرب 1967 حيث أخذت العلاقة الامريكية الصهيونية منحى التحالف الإستراتيجي على كافة الأصعدة، أي العسكرية والأمنية والسياسية، وثقافية. لذلك اصبح منع توحيد المنطقة هدفا إستراتيجيا للولايات المتحدة وحيويا للكيان الصهيوني.

هنا تلتقي مصالح المجمع العسكري الصناعي والشركات النفطية على فرض سياسة 'فرّق تسد' في المنطقة للتغلغل فيها والسيطرة عليها. تدعمها وسائل الإعلام التي صاغت خطابا ثقافيا لترويج تلك السياسة والتي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني وإلى حد كبير في الجامعات الامريكية حيث يمارس ذلك اللوبي إرهابا فكريا ذهب ضحيته العديد من الأساتذة الذين تجرأوا على التصدي لسياسات الكيان في الأراضي المحتلة. أذكر على سبيل المثال وليس الحصر نورمان فينكلشتاين الذي انتقد في كتاب مفصلي اللوبي الصهيوني حول الاستغلال البذيء للمحرقة. من جهة أخرى أشير إلى الملاحقات والتهجم الذي تعرّض له المغفور له ادوارد سعيد واليوم جوزيف مسعد. رأس الحربة لذلك الإرهاب الفكري الذي يمارس في الجامعات هو دانيال بايبس الذي أنشأ موقعا إلكترونيا 'كامبوس واتش' لملاحقة الأساتذة والطلاب الذين ينتقدون إسرائيل ونعتهم بمعاداة السامية والطلب من إدارات الجامعات إما بطرد المتهمين أو التعرّض لسحب الدعم المالي من المؤسسات اليهودية لتلك الجامعات. في الماضي، كانت تلك السياسة فاعلة.

أما اليوم فبدأ أفول النفوذ الصهيوني بشكل ملحوظ تجّلّى ذلك بنجاح كتاب جون ميرشايمير من جامعة شيكاغو المرموقة وستيفن والت من جامعة هارفرد في فضح اللوبي الصهيوني ودوره السلبي في تهديد المصالح الامريكية في المنطقة بسبب السياسات المنحازة لمصلحة إسرائيل. مؤشر آخر هو وجود مؤسسة يهودية منافسة لأيباك المعروفة ب'جاي ستريت' تحاول التأثير على سياسة الإدارة الامريكية والضغط من أجل إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 جنبا إلى جنب مع الكيان الصهيوني، وذلك لضمان بقاء إسرائيل. مؤشر ثالث هو تعاظم التحركات الشعبية المناهضة لسياسات الكيان والتي بدأت تؤثر في الجسم الصهيوني. أذكر على سبيل المثال مقاطعة العديد من الأساتذة الإسرائيليين لمحاضراتهم وزياراتهم للجامعات الامريكية؛ وقرار الكنيسة البرسبيتيرية في تصفية استثماراتها في الشركات التي تستثمر في إسرائيل؛ والموجة الشعبية لمقاطعة الكيان وبضائعه؛ وهناك ايضا بعض التحركات النقابية كعمال مرفأ لوس انجليس الذين رفضوا إفراغ سفن إسرائيلية إبان العدوان على غزة. ملحمة غزة كانت عامل تحول أساسي في الرأي العام الامريكي رغم كل محاولات التمويه لما حصل من جرائم ارتكبها الكيان والتشويش والتشويه على حركات المقاومة في فلسطين.

الأزمة الأخيرة والمستمرة بين الإدارة الحالية وحكومة الكيان مؤشر آخر لا بد من التوقف عليه بعض الشيء. لديّ عدة ملاحظات على تلك الأزمة الفعلية:

أولا- من الخطأ اعتبار الأزمة بين إدارة اوباما وحكومة الكيان أزمة عابرة بل هي حقيقية حيث بات واضحا لصانعي القرار في البيت الأبيض وفي مراكز الأبحاث أن المصالح الامريكية قد تتقاطع في بعض الأحيان مع المصالح الصهيونية ولكن بالمقابل هناك مصالح إستراتيجية للولايات المتحدة لا يستطيع الكيان الصهويوني أن يؤمنها كما كان الأمر حتى مطلع الألفية الحالية. الفشل في حرب تموز وفي غزة أقنع القادة العسكريين في البنتاغون أن الكيان الصهيوني كان دون المستوى في الأداء العسكري وقد يتحول إلى عبء إستراتيجي على الولايات المتحدة.

ثانيا- الخطأ الثاني هو اعتبار الانفصال بين مصالح الولايات المتحدة ومصالح إسرائيل هي لمصلحة العرب. فما زالت الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة هي هي، أي، السيطرة المباشرة على منابع النفط، الهيمنة على المقدرات السياسية والاقتصادية والثقافية لدول المنطقة وجعل شعوبها سوقا استهلاكيا بامتياز. وبالتالي السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تشجعها الولايات المتحدة ليست سياسات في مصلحة شعوب المنطقة. أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فما زالت الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل ولكن بمفهومها الخاص وليس بالمفهوم الصهيوني المبني على التوسع الجغرافي والسياسي والأمني والاقتصادي والثقافي في المنطقة وأن الحقوق الفلسطينية لن تتحق أو تعود كاملة. فالهيمنة هي فقط للولايات المتحدة وليست لإسرائيل.

ثالثا- لتحقيق أهداف الولايات المتحدة بات واضحا للإدارة الحالية وللباحثين والمفكرين في تلك الشؤون داخل مراكز الأبحاث المختصة أن الإرتباط بين كافة الملفات الساخنة واضح وأن النقطة المركزية هي حل الصراع العربي الصهيوني على قاعدة حل الدولتين. أذكر على سبيل المثال موقف غاري سامور المسؤول الأول عن قضايا الطاقة في الولايات المتحدة والذي صرح بالحرف الواحد أن حل القضايا الساخنة في مجال الطاقة مرتبط بحل قضية شرق الأوسط وإحلال السلام (FP .Cable 12/5/2010)). الإدارة الحالية جادة في هذا السياق ولكن الاعتبارات الداخلية ما زالت قوية وتحول دون تحقيق تلك الأهداف. هذا لا يعني أنها ستكف عن الضغط لتحقيق أهدافها كما لا يعني أنها ستنجح. ويعود ذلك لأسباب عديدة منها الخلل البنيوي والنظامي الداخلي في الولايات المتحدة الذي يكبّلها ويسلب منها الإمكانيات المادية لتحقيق تلك الأهداف. كما أن الأزمة الإقتصادية الداخلية في الولايات المتحدة عامل أساسي ومستمر في إضعاف قدرات الولايات المتحدة. أي بمعنى آخر ليست للولايات المتحدة حتى الآن إستراتيجية واضحة لكافة الملفات بشكل متكامل أو حتى بشكل منفرد. فهي مازالت تتعامل معها من موقع ردة الفعل وليس من موقع المبادر. هذا ما يفسر حالة الإرباك التي تكلمت عنها في بحث نشرته صحيفة 'السفير' في كانون الأول(ديسمبر) من العام الماضي.

رابعا- من مؤشرات التباين بين المصالح الامريكية ومصالح الكيان هو الملف النووي الإيراني. وصلت الإدارة الامريكية ومعها العديد من مراكز الأبحاث أنه من المستحيل إيقاف ايران في تملك المعرفة التكنولوجية النووية (وحتى الحصول على السلاح النووي وإن كانت الأخيرة ما زالت تصرح عن عدم رغبتها في امتلاكها لذلك السلاح). القناعة الامريكية هي عدم جدوى بذل أي مجهود لإيقاف ذلك.

الإدارة اليوم منكبة على بلورة إستراتيجة جديدة هي إستراتيجية الاحتواء كما فعلت مع الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة. سياسة الاحتواء تختلف عن سياسة العقوبات أو الضربة العسكرية لأنها سياسة طويلة المدى وأكثر ضررا على ايران من الضربات المباشرة أو العقوبات التي تقوّي النظام بدلا من إضعافه. وهي مبنية على ضرورة أخلاء المنطقة من السلاح النووي. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا ما شملت السياسة إسرائيل بحد ذاتها. الجدير بالذكر أن مصر تقود حملة في الأمم المتحدة مع مجموعة دول عدم الإنحياز لنزع السلاح النووي من المنطقة. ولا يمكن أن يتصور أحد أن مصر لم تنسق ذلك الأمر مع الولايات المتحدة. يعلم الرئيس الامريكي أنه لا يمكن أن يجنّد العالم في سياسة احتواء إيران في الملف النووي إن لم يعالج الملف النووي الإسرائيلي. في هذا السياق أشير إلى ما كتبته صحيف 'معاريف' في عددها في 7 نيسان/ابريل 2010. تقول الصحيفة أن زيارات علماء الذرة الإسرائيليين العاملين في معمل ديمونا للولايات المتحدة كانت زيارات روتينية للتعرف على آخر التطورات في التكنولوجيا النووية وتطبيقاتها العسكرية. توقف كل ذلك الآن! لم تعد الولايات المتحدة راغبة في تزويد إسرائيل بتلك المعرفة وهذا مؤشر آخر يدعم ما سردته من تحولات في الموقف الامريكي.

خامسا - لا بد من الإشارة إلى مواقف عدة رموز في المؤسسة العسكرية والأمنية الامريكية تفيد جميعها ب'برودة' الشعور تجاه الكيان. أول هذه المواقف شهادة الجنرال بترايوس لهيئة الأركان المشتركة الامريكية والتي تمّ تسريبها من قبل البنتاغون للإعلام تفيد أن سياسات حكومة نتنياهو تهدد حياة الجنود الامريكيين في كل من العراق وأفغانستان. الموقف الثاني، هو شهادة الجنرال دايتون الذي كان مسؤولا عن تدريب قوى الأمن الفلسطينية على قمع المظاهرات الفلسطينية ضد السلطة الفلسطينية أو لتأييد المقاومة في الضفة الغربية. أفاد أن سر نجاح التعبئة للشبان الفلسطينيين هي التلويح بالدولة الفلسطينية المستقلة. أما سياسات حكومة الكيان فتهدد تحقيق قيام تلك الدولة. لذلك حذّر دايتون من عدم إمكانيته في الإستمرار في ضبط تلك القوى. أما الموقف الثالث والملفت للنظر فهو موقف الأميرال مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي حاضر منذ اسبوعين في جامعة في ولاية وست فيرجينيا أمام حشد من الطلاب الطيارين. سأله أحد الطلاب متى ستقوم المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. السؤال بحد ذاته وإذاعته ملفت للغاية. أما جواب مولن فهو أكثر إثارة في عدم الإجابة المباشرة وإذاعة ذلك الأمر. لم تقف الأمور عند ذلك الحد. سأله طالب آخر 'هل ستصدر لنا الأوامر بإسقاط طائرة إسرائيلية إذا ما حلّقت في الأجواء العراقية إذا ما أرادت قصف مواقع المفاعل النووي الإيراني ؟' أيضا السؤال ملفت وعدم الإجابة المباشرة أكثر غرابة. سردت هذه الوقائع التي تؤكد أن تحوّلات حصلت في العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأن هذه التحولات ليست لمصلحة إسرائيل كما تفيد كافة وسائل الإعلام الصهيونية.

ماذا بعد كل ذلك؟ من الواضح أن الولايات المتحدة مازالت عاجزة عن أخذ المبادرة في أي قضية ساخنة في المنطقة سواء في أفغانستان أو في الملف النووي الإيراني أو في العراق أو في الصراع العربي الصهيوني. وهذا الواقع طبيعي ولا يمكن أن يكون غير ذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الخلل البنيوي والنظامي داخل الولايات المتحدة وتداعيات الأزمة الاقتصادية المالية المستمرة. كما أن الحليف الأوروبي يتخبط بأزمة اقتصادية ومالية لا تقل خطورتها عن الأزمة الامريكية والتي تهدد حتى عقد الاتحاد الأوروبي بالانفراط إذا ما لم تتم معالجة تلك الأزمة. بالنسبة لي، أذهب إلى أبعد من ذلك وأقول إن لم تقم القيادات الامريكية بإصلاحات جذرية في بنية النظام السياسي الامريكي وهيكل اقتصادها فإن تفاقم الأزمة الاقتصادية التي مازالت مستمرة تهدد وحدة الكيان الامريكي. فما حصل للإتحاد السوفييتي قد يحصل للولايات المتحدة. من سخرية الدهر أن افغانستان وقبلها العراق ساهمت كل منهما في كشف عورة الإمبراطورية غير المعلنة. اليوم، ما يواجه الولايات المتحدة الخيار بين خيارين لا ثالث لهما: إما الحفاظ على الجمهورية وإما الحفاظ على الإمبراطورية. في رأيي لن تستطيع أن تحافظ على أي منهما.

' اكاديمي عراقي

====================

على هامش النكبة .. نكبة ثقافية

رنا بشاره

5/17/2010

القدس العربي

لن تساعد الانكليزية كثيرا في فرنسا. فبالعرف القومي الفرنسي تحتل الفرنسية المكانة الأولى حتى مع الزائر أو السائح الغريب. وإن أجدت الفرنسية، فذلك كفيل ببعض من دفء الترحيب الذي يثلج غربتك، ولربما تنال هزة رأس من أحدهم تعبيرا عن الإعجاب والثناء على إلمامك باللغة كونك من أصول غير فرنسية واجتهدت في تعلمها.

وإن كان الانغلاق اللغوي ملموسا عند الفرنسيين أكثر من غيرهم، إلا أن الانحياز للغة الام، بل التعصب لها، قائم عند الشعوب المختلفة عموما والغربية خصوصا، رغم كثرة ما قد يجمع بين الأمم من فكر وثقافة وحضارة.

ليس بالضرورة أن تقضي لغة التحالفات الاستراتيجية السياسية أو الاقتصادية بين الدول والتقارب الثقافي بين شعوبها على اللغة الأم، فكل ينظر الى لغته الام على أنها محور ثقافته، وشكل من أشكال الهوية الخصوصية، وأداة لتعزيز مكانة الشعوب، ووعاء لأفكارها وحضارتها وتطورها الفكري، دون أن ينال هذا من رغبة الانفتاح على حضارات وثقافات ولغات أخرى. وأكثر من هذا فإن اللغة الأم هي شرط التفاعل المثري بين الثقافات. اللغة هي بالضبط ما تطوره علاقة التفاعل. إنها أداة التطور وموضوع التطور في الوقت ذاته.

في العام 1992، مثلا، نجحت اتفاقية "ماستريخت" بتتويج محاولات الأوروبيين المتكررة منذ الخمسينيات لإنشاء إطار يضم دول القارة الأوروبية وتم الإعلان عن تأسيس الاتحاد الاوروبي، إلا أن الدول السبع والعشرين المنضوية اليوم في عضويته لم تكن لتتنازل عن لغاتها الام لصالح استخدام لغة رسمية واحدة. إلى يومنا هذا، يتبنى الاتحاد الاوروبي ثلاثا وعشرين لغة أوروبية في وثائقة وإصداراته وبياناته وموقعه الإلكتروني، بما فيها اللتوانية والمالطية واللاتفية واللوكسمبورغية والمجرية. فقد كان "اليورو" أوفر حظا نسبيا بنيل الموافقة على التداول به كعملة موحدة من قبل ثلاث عشر دولة من مجموع الدول الاعضاء.

لسنا هنا بصدد تناول هذا الموضوع، وإنما نتخذ من التقديم السابق مدخلا لعرض ما تتعرض له لغة "الضاد" من مخاطر الاندثار والذوبان في ثنايا لغات دول استعمارية تاريخيا في ظل وضع عربي مهلهل. فهل هذا الترهل قد أدى إلى إضعاف مكانة اللغة العربية وتآكلها؟ أم أن تراجع مكانة اللغة العربية قد أضاف إلى تردي وضع الأمة؟

شهدت المنطقة العربية خلال السنوات الاخيرة انتشارا واسعا لمدارس أجنبية ربحية خاصة تعتمد الانكليزية لغة التدريس الأولى فيها قبل العربية التي تأتي في المرتبة الثانية وأحيانا الثالثة، هذا إن درست أصلا في العديد منها.

لم تكن تلك المدارس بحاجة لكثير من الترويج في المجتمعات العربية ليلتحق بها قطاع من أبناء الأسر ميسورة الحال أو حتى شبه الميسورة، وإن كلف تعليم أبناء الأخيرة في تلك المدارس العمل على مدار الساعة لتأمين تسديد الأقساط والتكاليف المدرسية. فإتقان الانكليزية أولا هو الشعار المرفوع حتى ولو على حساب اللغة الأم وجيب الأب والأم.

ورغم التأثير السلبي لهذه المدارس على عقول الشباب العربي، إلا أنه لا بد من التمييز بين فئتين منها:

أولا: مدارس أقيمت لخدمة الجاليات الاجنبية المقيمة في المنطقة العربية لأسباب العمل، وهذا حق لا يراد به باطل لأية جالية مغتربة تحرص على صون موروثها الثقافي والتربوي والحضاري ونقله لأبنائها.

 

ثانيا: مدارس أنشئت لأهداف لا تمت لرسالة التعليم النبيلة وبراءة النوايا بصلة، بل تستهدف ضرب الهوية الثقافية العربية في عمقها، من خلال اختراق الانتماء الوطني للشباب العربي وتشويه سلوكياته التربوية والاجتماعية، ودس مساقات تدريس لا علاقة لها بتاريخ وواقع الامة، واستيراد كم هائل من الطواقم الاستشارية و"الخبراء" الاجانب للاشراف على العملية التعليمية. كل ذلك كفيل بتحقيق الأهداف السياسية التي أنشئت من أجلها تلك المدارس.

رغم هذا التمييز، يظل التنويه ضروريا إلى أن الانعكاسات السلبية واحدة بغض النظر عن المدرسة الأجنبية التي يتلقى بها الشاب العربي تعليمه. فالفارق بين الفئتين لا يتجاوز دوافع ومبررات إقامة تلك المدارس. لذلك، فإن صون اللغة والهوية الثقافية العربية للأجيال الشابة القادمة في وجه محاولات طمسها يبقى مسؤولية وطنية عامة يتحملها كل من الأسرة والدولة والأمة بالدرجة الأولى.

فتلك المدارس تمكنت من استقطاب أعداد كبيرة من أطفال وشباب الغد. وما يزيد الأمر سوءا واستياءا هو تحول لغة التربية في البيت إلى لغة المدرسة الأجنبية أحيانا، بدلا من توجيه الأبناء وتحصينهم على الأقل من عملية السلخ الثقافي التي يتعرضون لها داخل المدرسة.

فقد اختار البعض من الآباء والامهات هجرة العربية ووجدوا في الانكليزية مظهرا من مظاهر الرقي الاجتماعي وأحد المؤهلات الأساسية لإشغال المناصب المرموقة. وراحت تلك المدارس تخرج عاما بعد عام نخبة من الشباب العرب المتحدثون بلغة أم شبه إنكليزية وبعربية دون أم... نخبة مشبعة إعجابا بما اكتسبت من ثقافة الغرب ومفعمة بحماس الدفاع عنها، لينقسم المجتمع "العربي" داخل البلد الواحد إلى مجتمعين ذي ثقافتين منفصتلين، كل منهما على طرفي نقيض، وكل يغني على ليلاه.

ليس عجيبا أن تستهدف مدارس تصدرها دول ذات باع طويل في استعمار الاوطان العربية الهوية الثقافية العروبية للأمة، وإنما المستغرب هو التقبل والتشجيع والرواج الذي تلقاه مثل تلك المدارس من صناع القرار وشرائح ليس بقليلة في المجتمعات العربية، بدلا من الاستعاضة عنها بإنشاء مدارس وجامعات عربية نموذجية تشكل قلاعا لحماية الهوية العربية للشباب من الاغتراب والضياع. والمشكلة انه جيل يتخرج بانجليزية تحاكي خارج السياق الثقافي الانجليزي، وبعربية عامية لا تمكن الطالب من التفكير المجرد بواسطتها. إن تعلم اللغات أصبح دون أدنى شك ضرورة من ضرورات الحياة، أما المعيب فهو تقبل احتلال لغات أخرى لمكانة اللغة الام عند الشعوب. إنه لانتقاص حقيقي من سيادة الأمة وكرامتها.

من السذاجة بمكان الاعتقاد- رغم التفاوت في الوضع الاقتصادي من بلد عربي لآخر- بأن العوائق أمام إنشاء مؤسسات تعليمية عربية هي مالية، بينما يجري استثار رأسمالي خاص منقطع النظير على بناء مدارس أجنبية وإستيراد "خبراء" تعليم من الخارج أين القانون المحلي السيادي في تنظيم العلمية التدريسية وفي فرض البرنامج والأهداف على التعليم الخاص؟

فهل الانصراف عن العربية واللجوء للانجليزية سيجلب للأمة مبدعين ومخترعين وعلماء وعباقرة ورواد فضاء؟ لقد نما هؤلاء في كوريا واليابان وفرنسا، وحتى إسرائيل، باللغة الأم، او اللغة الوطنية. أم أن كتابة تاريخ الأمة ونكباتها ونكساتها وتحرير الأراضي العربية وإنقاذ عروبة القدس سيكون على يد من تتلمذ على أياد أجنبية؟

لأنصار تلك المدارس يجدر بنا أن نذكر بالكم الهائل من الأسماء العربية التي برزت في مجالات هامة ومتعددة في الوطن العربي والمهجر قبل نشوء ظاهرة المدارس الاجنبية وخبرائها الذين يصولون ويجولون اليوم في البلاد العربية من المحيط إلى الخليج دون حسيب أو رقيب! هذا رد يصح لمن استوعب وصدق وناصر الذريعة بأن "المدارس الاجنبية تهيء الطالب العربي للمرحلة الجامعية إن شاء الدراسة في الخارج". لا بد أننا سنجد بأن العديد من هؤلاء المبرزين العرب قد تتلمذوا في بلدانهم في مدارس عربية حكومية أو أهلية كان الفضل لها بتخريج أجيال من الشباب على مدار عقود عدة يشهد التاريخ على كفاءاتهم وتميزهم.

لقد استغلت الإدارات الامريكية حادثة 11 سبتمبر عام 2001 التي أدانها العرب جميعا بشدة للكشف عن حقيقة استهدافها للتعليم في العالم العربي تحت شعار: "التخلص من الحقد والتحريض على الكراهية والعنف في المنطقة". وتدفقت الأموال الأمريكية لتحقيق ذاك الغرض، ورهن كل من صندوق النقد والبنك الدوليين مساعداتهما للدول العربية والإسلامية بتغيير وتعديل مناهج التعليم واستبعاد ما لا يروق لها من مقرراتها.

 

إن التعليم يعمل على بلورة وعي الشعوب وصنع هوياتها وصياغة ثقافاتها ورسم مستقبلها. وفي الدول المتقدمة يعتبر المساس بالتعليم انتهاكا لأمن البلد القومي، ولذلك أول ما تستهدفه حروب الفكر والثقافة يكون التعليم، خاصة وأن الفئة المستهدفة في هذا القطاع هي الأجيال الشابة التي يمكن تجريدها مبكرا من تطلعاتها الوطنية واقتلاعها من جذورها القومية وسلخها عن ثقافتها وترويضها قبل فوات الأوان.

هوية الاستعمار واحدة ولكن وجوهه متعددة، فلا يقتحم المستعمر بالضرورة الأبواب بجيوش ومدرعات وطائرات، فبمقدوره الدخول بهدوء من الأبواب والتسلل من النوافذ طالما وجدها مفتوحة أمامه، والأبواب والنوافذ المفتوحة في المنطقة العربية أصبحت عديدة لا حصر لها، تسللت من خلالها اللغات ومساقات تدريس و"إبداعات" هوليوود وانتخابات من تصميم الأنكل سام وديمقراطيات مفصلة حسب الضرورات الأمريكية وجمعيات لحقوق الطوائف والاثنيات والأقليات ومعاهد أبحاث صممت على مقاس أميريكي، ومراكز لاستطلاع الرأي الخاص بحب الغرب ومطاعم "فاست فود"... إنها قائمة ملامح الاستعمار الجديد في الشرق الأوسط الكبير...لائحة تطول ولن تنتهي طالما لم يعلن أهل البيت عن وجودهم ومصالحهم.

كاتبة فلسطينية

====================

المسألة النووية الايرانية على طريق الحسم السياسي

راكان المجالي

الدستور

5/17/2010

ظاهر الامر هو ان ادارة الرئيس اوباما قد نجحت بانتزاع اوراق اضافية لتضييق هامش المناورة على ايران يما يخص برنامج طهران النووي وحتى لو كانت هنالك اوراق خفية في العلاقة الامريكية الايرانية وتقاطع مصالح بين الجانبين وكذلك الاستفادة غير المباشرة من دور ايراني يسهم في شرخ الضمير الاسلامي مذهبيا كما يسهم في تعميق ازمة النظام العربي بطابعه السني تاريخيا ، وحتى مما يمكن ان تمثله ايران مما يمكن ان توظفه امريكا فان مجرى الاحداث يشير الى ان امريكا تحشد القوى الدولية والاقليمية المؤثرة سياسيا لثني ايران عن برنامجها النووي في الوقت الراهن والا فانها ستواجه عقوبات قاسية.

 

وفي التفاصيل ، فان البيان الذي صدر في استنبول من خلال القمة السورية التركية القطرية والذي دعا طهران الى الاستجابة للمطلب الدولي بشأن رقابة محكمة على برنامجها النووي بما يستجيب لمخاوف امريكا ان يتحول الى برنامج نووي عسكري مع اقرار بحق مطلق لايران في تطوير برنامجها النووي السلمي ، وكما هو واضح فان بيان استنبول حمل بعدا جديدا وهو ان الثلاث دول الاقرب لطهران في المنطقة سياسيا توجه نصيحة مخلصة لايران من باب الحرص لتفادي العقوبات والمواجهة.

 

وفي المشهد ايضا يتضح ان روسيا باتت في مقدمة الدول الاكثر حماسا لوضع ضوابط للبرنامج النووي الايراني ، وموقف الصين ليس بعيدا عن ذلك بما يندرج في اطار الدول الست التي اعلنت موقفا محددا واضحا بهذا الشأن.

 

وعنوان الاخبار الخاصة بهذه المسألة النووية الايرانية هو اليوم ان ما يبدو من ان العالم يئس من تغيير ايران لموقفها ولذلك فان زيارة الرئيس البرازيلي لطهران القريب وهو القريب من ايران سياسيا يروج لها بأنها المحاولة الاخيرة ، لعل وعسى،،.

 

ايران نفسها تقول ان برنامجها النووي سلمي وهو بالتأكيد حتى الآن كذلك لكن ايران تحاكم على نواياها خاصة من قبل اسرائيل وامريكا ، واذا لم يحدث اي انفراج في الازمة التي وصلت الى منعطف حاد ، فان المؤكد هو ان الولايات المتحدة ستنجح في انتزاع قرار من مجلس الامن لفرض عقوبات قاسية على ايران وهو امر تقبل به حتى الدول الصديقة لايران ما دام البديل لذلك هو الحرب كما تقول الصين التي تركز على تفادي ضربة عسكرية لايران حاليا ، لعل الله يحدث بعد ذلك امرا.

====================

أميركا... ومخاوف الطبقة الوسطى البيضاء

وولتر رودجرز

الرأي الاردنية

5/17/2010

منذ فترة قريبة، وفيما كنت أصطاد سمك السلمون المرقط في أحد الجداول بولاية جورجيا أدرك بعض الصيادين القريبين مني أني أعيش بالقرب من واشنطن، فانطلقت، على الفور، التعليقات المنتقدة والقفشات الساخرة من الحكومة ومن دورها المتعاظم حسب رأيهم، وبدا أن تعليقات الصيادين تعكس في جانب كبير منها احتجاجات حركة «حفل الشاي» بشعاراتها المعروفة، التي كررها الصيادون الذين كانوا بجانبي مثل قول أحدهم إن «الحكومة فقدت السيطرة»، مستطرداً بشكل استعراضي: «إنني مستاء جداً لأن الإدارة الحالية تأخذنا نحو الاشتراكية تماماً مثل فرنسا»! وعندما سألته عن رأيه في التأمين الاجتماعي وبرنامجي الرعاية الصحية «ميديكير» و»ميدك إيد» أجاب بفخر أنه يداوم على تسلم شيكاته من برامج الدعم الحكومي، وأنه يؤمن مصاريفه الطبية من الشيكات الثلاثة التي توفرها له الحكومة. ثم عرفتُ بعد ذلك أنه رجل أعمال من ولاية فلوريدا يقوم ببناء مجمعات سكنية، وعلى رغم ذلك حاول إقناعي بأن أعماله بدأت تتدهور، وبأنه من الأشخاص الذين يحتاجون لمعونات حكومية، محتجاً بأن «حزمة التحفيز الاقتصادي التي أقرها أوباما لا تفيد في شيء الشارع العام»! وفي خضم حديثنا عن «الحكومة الكبيرة التي لا تساعد صغار الناس» سألته لماذا هو بكل ما يملكه، بما في ذلك بيت في باريس وآخر أكبر في فلوريدا، وبقدرته على إنفاق 350 دولاراً يومياً للاصطياد في جدول خاص للسلمون، يصر على أنه «من الأشخاص الذين يحتاجون لمساعدة الحكومة»؟ فرد متحسراً: «لا لست في حاجة إلى مساعدة»! والحقيقة أن اعترافه يكشف أن القضايا التي تثيرها حركة «حفل الشاي» هي، في الواقع، أكثر تعقيداً مما تظهره سطحية البرامج التلفزيونية المستعجلة، ذلك أن احتجاجات الحركة تعكس في عمقها ما هو أكثر من معارضتها ل»الحكومة الكبيرة والاشتراكية والضرائب»... الخ.

والواقع أن هناك تظلمات جوهرية تضرب عميقاً في التاريخ الأميركي، ففي عام 1791 فرض الكونجرس الأميركي ضريبة على المشروبات الكحولية، ولكن بعد ثلاث سنوات على ذلك عارض مزارعو ولاية بنسلفانيا القرار ونظموا ما بات يعرف في التاريخ الأميركي ب»تمرد الويسكي»! وبالطبع كان هؤلاء المزارعون، وعلى غرار أعضاء حركة «حفل الشاي» اليوم، يعتقدون أن واشنطن لم تعد منسجمة مع الشعب الأميركي. غير أن الحكومة وقتها تمسكت بالضريبة وأرسل أول رئيس أميركي ميليشيا مسلحة لاعتقال قادة التمرد، ومنذ ذلك الوقت ظل الجنوب الأميركي، سواء قبل الحرب الأهلية أو بعدها، هو بؤرة التمرد ضد الحكومة الفيدرالية، وهكذا جادل السيناتور «جون كالهون» من جنوب كاليفورنيا في عام 1830 بأن كل ولاية منفردة تملك حق إلغاء أي قانون يمرره الكونجرس لا يتماشى مع الدستور.

وقد استخدم السيناتور هذا التفسير أول الأمر لرفض دفع الرسوم التي فرضتها الحكومة الفيدرالية على الولاية، ولاحقاً استغل «كالهون» هذا المفهوم ووسعه في محاولة للانفصال عن الاتحاد والاستمرار في نظام الرق! واليوم وبعد مرور كل هذا التاريخ ما زال الشعور بالقدرة على إلغاء القوانين الفيدرالية منتشراً في أوساط حركة «حفل الشاي»، حيث يصرخ المحتجون ضد «فقدان الحكومة للسيطرة» تحت إدارة أوباما، كما يطالبون بإلغاء قانون الرعاية الصحية الجديد مهددين برفع دعوى قضائية ضد القانون للطعن في شرعيته الدستورية. وفيما يرى بعض المراقبين ما يجري داخل حركة «حفل الشاي» باعتباره توجهاً عنصرياً، إلا أنه من الخطأ التعامل مع جميع الغاضبين على أنهم عنصريون حتى لو كان عامل العنصرية حاضراً، لأن مثل هذه التهمة الثقيلة تشبه إلى حد كبير «المكارثية» التي تسعى إلى خنق ما يُفترض أنه نقاش صحي حول قضايا جوهرية مثل العجز الكبير في الموازنة الفيدرالية الذي يعتبر من المواضيع الأثيرة على جماعة «حفل الشاي».

وما ينبغي أن ندركه هنا هو أن العنصر «العرقي» الحاضر في حركة «حفل الشاي» ليس مجرد تعصب مناهض للسود، بل هو ناتج عن مخاوف البيض من تراجع قوتهم السياسية، فالصرخة التي تتردد كثيراً بين المحتجين والمطالبة بتحجيم دور الحكومة يمكن ترجمتها إلى عبارات أكثر وضوحاً ومباشرة هي: «لا تسحبوا منا سلطتنا السياسية في الوقت الذي نتقدم فيه في العمر ونتحول إلى أقلية داخل بلدنا».

وإذا كانت الديموغرافية قدَراً فإن كبار السن من البيض يملكون من الأسباب الوجيهة ما يدفعهم إلى التوجس من فقدان نفوذهم السياسي لصالح الجيل الأميركي الجديد المنحدر من أصول لاتينية. والحقيقة أننا وصلنا إلى الذروة بقانون الهجرة الأخير الذي أقرته ولاية أريزونا وما تلاه من ردود فعل قاسية بعدما بلغت الأمور درجة يُرفض فيها تقديم خدمة معينة لرجل أبيض في جنوب تكساس لأنه لا يتحدث الإسبانية. وفيما تشيخ الأمة يمكن التسامح مع الغضب الذي تشعر به الطبقة الوسطى البيضاء عندما تنظر جنوباً وتسمع خطاب الرئيس المكسيكي الذي يحاول تقويض سياسة الهجرة الأميركية، وهو ما يفسر أيضاً القلق الذي يستشعره العديد من الأميركيين من جميع المشارب والتوجهات إزاء إصلاح نظام الرعاية الصحية الذي أقره أوباما، لأنهم لا يعرفون تفاصيل ما مرره الكونجرس تحديداً، كما يخافون من ارتفاع أقساط التأمين الصحي وتدهور جودة الخدمات الطبية التي يحصلون عليها. ولذا يتعين على أوباما معالجة تلك المخاوف بدءاً من الضرائب وليس انتهاء بالهجرة، ولاسيما أن التاريخ يخبرنا بأن الأغلبية الصامتة انتخبت «الجمهوري» نيكسون، في وقت كان الليبراليون فيه يعيشون أزهى لحظاتهم، وهو ما قد يتكرر في موعد الانتخابات المقبلة.

(المراسل الدولي السابق ل»سي. إن. إن»)

«كريستيان ساينس مونيتور» والاتحاد الامارتية

====================

ما هو مصير الحكومة البريطانية الجديدة ؟

د. ليث كمال نصراوين

laith@lawyer.com

الرأي الاردنية

5/17/2010

بعد مخاض طويل من المفاوضات استمر أكثر من خمسة أيام تمكن حزبا المحافظين والديمقراطيين الأحرار من تشكيل إئتلاف حكومي أثمر عنه تكليف ديفيد كاميرون زعيم المحافظين بتشكيل الحكومة البريطانية الجديدة وخلافة غوردن براون في داونغ ستريت. فقد تمكن الحزبان المتحالفان من تجاوز الخلافات الأيديولوجية العميقة بينهما والتوصل إلى اتفاق حول نقاط جوهرية مهدت الطريق أمام الإئتلاف الحكومي والذي يعد الأول في بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد عرض حزب المحافظين على الديمقراطيين الأحرار خمسة مقاعد في الحكومة البريطانية المصغرة (الكابينت) بالإضافة إلى تعيين زعيم الديمقراطيين الأحرار نيك كليغ نائبا لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون.

 

إن الحكم على نجاح الإئتلاف الحكومي واستمراريته يكون من خلال استعراض الظروف التي أحاطت بتشكيله والنقاط التي اتفق عليها الحزبان لتشكيل حكومة وحدة بينهما. فمن خلال استعراض الظروف التي أحاطت بتشكيل الإئتلاف نجد أن نية الديمقراطيين الأحرار لم تكن أبدا تتجه نحو دعم المحافظين ، بل كانوا يمنون النفس في عقد اتفاق مع حزب العمال. ففي الوقت الذي كان فيه وفد من الديمقراطيين الأحرار يعقد جلسات مفاوضات علنية مع المحافظين كان وفدا آخر يجتمع سرا مع قادة حزب العمال ويعرض عليهم تشكيل حكومة إئتلاف إلا أن استقالة غوردن براون المفاجئة قد حالت دون نجاح الائتلاف مع حزب العمال. ذلك الأمر قد أثار حفيظة المحافظين الذين يشككون حاليا في جدية إلتزام الديمقراطيين الأحرار في البقاء في حكومة الإئتلاف.

 

أما فيما يتعلق ببنود الاتفاق بين الحزبين لتشكيل حكومة إئتلاف فقد فرض حزب الديمقراطيين الأحرار على حزب المحافظين رفع السقف المالي السنوي غير الخاضع لضريبة الدخل إلى عشرة الآف جنيه إسترليني وهو الأمر الذي سيعرقل خطة المحافظين لمواجهة العجز المالي في بريطانيا والتي تقوم على تقليل النفقات والدعم الحكومي. حيث سيضطر المحافظون لتغطية النقص في الدخل المتأتي من ضريبة الدخل إلى رفع الضرائب والرسوم على الأعمال غير التجارية من شراء العقارات والبيوت إلى أكثر من 50% وهو الأمر الذي سيثير حفيظة معظم أنصار حزب المحافظين والذين هم من الأغنياء الميسورين في بريطانيا. كما سيضطر المحافظون إلى إعادة النظر في فكرة زيادة السقف المالي للأموال التي لا تخضع لضريبة الميراث والذي كان المحافظون يسعون لزيادتها إلى مليون جنيه استرليني إرضاءا لأنصارهم الأثرياء.

 

ومن نقاط الإتفاق الأخرى التي فرضها الديمقراطيون الأحرار على حزب المحافظين طرح مشروع تعديل النظام الإنتخابي المعمول به حاليا للاستفتاء الشعبي تمهيدا لتعديله واستبداله بنظام التمثيل النسبي وهو الأمر الذي يعارضه معظم أنصار حزب المحافظين كونه قد يقلل من عدد مقاعد حزب المحافظين في الإنتخابات التشريعية القادمة لصالح حزب الديمقراطيين الأحرار.

 

في المقابل فقد تعهد حزب الديمقراطيين الأحرار بدعم سياسة حزب المحافظين فيما يتعلق بالإتحاد الأوروبي من خلال عدم إثارة موضوع الإنضمام إلى العملة الأوروبية اليورو ومعارضة إى إقتراح لإعطاء البرلمان الأوروبي صلاحيات إضافية على حساب البرلمان البريطاني. تلك النقاط التي فرضها المحافظون على الديمقراطيين الأحرار تسببت في استياء وتحفظ معظم أنصار الديمقراطيين الأحرار والذين يؤيدون اندماجا لأكثر لبريطانيا في أوروبا ويدعون إلى تبني عملة اليورو في بريطانيا.

 

إن بنود الاتفاق مع المحافظين من المتوقع أن يواجه معارضة شرسة من قبل أعضاء حزب الديمقراطيين الأحرار في شهر أيلول موعد المؤتمر السنوي العام للحزب والتي قد تفرض على نيك كليغ ووزرائه الأربعة الإستقالة من حكومة ديفيد كاميرون بحيث تفقد الأخيرة الأغلبية المطلقة في البرلمان ويكون أمام ديفيد كاميرون إما المخاطرة بتشكيل حكومة أقلية أو حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة سيكون من الصعب على كلا الحزبين المتحالفين حاليا الفوز بها.

====================

مَن يستدرج مَن: سوريا أم روسيا ؟

سركيس نعوم

النهار

5/17/2010

علَّقت سوريا بشار الاسد آمالاً عريضة على انتخاب باراك اوباما رئيساً للولايات المتحدة في خريف العام 2009. اذ اعتقدت من متابعة مواقفه الشرق الاوسطية التي أعلنها خلال حملته الانتخابية، ومن التدقيق في خلفيته السياسية و"العنصرية" وفي جذوره الدفينة، انه سيكون مختلفاً عن الرئيس الذي سيخلفه أي جورج بوش الابن الذي كانت سياسته بالغة السلبية ضدها بل ضد المطالب العربية الكثيرة المحقة، وفي مقدمها ممارسة رعاية اميركية فعلية لتسوية اسرائيلية – فلسطينية وعربية شاملة. وبدا لها في السنة الأولى من ولايته ان الآمال المشار اليها لم تكن بعيدة عن الواقع. فالمواقف التي اطلقها خلال جولاته الخارجية وابرزها في القاهرة، والخطوات التي اتخذها لإعادة سفير اميركي الى دمشق، وقراره بدء حوار جدي مع القيادة السورية وتنفيذ هذا القرار - كل ذلك جعل المسؤولين الكبار في العاصمة السورية يقتنعون بأنهم صاروا قريبين من تطبيع جدي مع اميركا وتالياً من انخراطها في سعي جدي للسلام بين بلادهم واسرائيل يعيد اليها الجولان المحتل منذ عام 1967. وما رسخ الاقتناع هذا كان الانفتاح الاوروبي الواسع وإن متدرجاً على سوريا.

لكن هذه الآمال يبدو انها سائرة في طريق التبدد استناداً الى عدد من الباحثين والمتابعين الاميركيين للأوضاع في سوريا ولتطور علاقتها باميركا. فعلى الصعيد الاسرائيلي – العربي لم تقنع ممارسات الرئيس اوباما القيادة السورية بقدرته على ممارسة الضغط اللازم على اسرائيل لكي "تعتدل" في "تعاملها" مع الفلسطينيين أو مع سوريا. كما ان قيامه بتمديد أو تجديد العقوبات الاميركية على سوريا ومبادرة جهات معروفة في الكونغرس الى "تعقيد" عملية اعادة السفير الاميركي الى دمشق عززا عدم الاقتناع المشار اليه.

كيف واجهت سوريا هذا الواقع المتنامي سلباً في علاقتها مع اميركا وكيف ستواجهه مستقبلاً؟

واجهته بتأكيد تحالفها الاستراتيجي مع ايران وحلفائها أو ربما اذرعها في المنطقة الذين كانوا أحد أبرز اسباب قوتها وتالياً صمودها بين 2005 و2009 أمام الهجمة الاميركية – الفرنسية – العربية عليها. وواجهته ايضاً بتثبيت علاقتها مع تركيا (الاسلامية) وبالعمل لتحويلها تحالفاً في مستقبل قد لا يكون بعيداً. وواجهته ثالثاً بمحاولة تكوين محور اقليمي مهم يضم اليها والى ايران تركيا وقطر. وهي ستستمر في مواجهته باستعمال كل الوسائل التي من شأنها زيادة كلفة الانحياز الاميركي الى اسرائيل على اميركا كلها. وهي تستطيع ان تفعل ذلك استناداً الى الباحثين والمتابعين الاميركيين أنفسهم بطريقتين: الأولى، شن حملات سياسية واعلامية على الدول الشرق الأوسطية الحليفة لواشنطن، ولا سيما العربية منها، وذلك بتصويرها خائنة "للقضية"، وفي الوقت نفسه بذل الجهود الممكنة لجعل شعوبها أكثر راديكالية في محاسبتها سواء لأميركا أو لأنظمتها. والهدف من ذلك هو إما دفع ادارة اوباما الى اتخاذ قرار نهائي بالجهة التي ستصطف معها وإما دفع بعض حلفاء اميركا وفي مقدمهم العرب الى تعديل مواقفهم السلبية حيال سوريا واستطراداً ايران والى التقليل من ايجابية مواقفهم حيال اميركا.

وقد اعطت هذه الطريقة بعض النتائج. فالعربية السعودية وضعت مسافة بينها وبين اميركا وانفتحت على الصين وروسيا. وعلاقاتها مع سوريا تحسَّنت وخصوصاً بعدما اتفقا على اكثر من موضوع عراقي وعلى "تناسي" الرياض الموضوع اللبناني. وترجمت دمشق ذلك بمساعدة السعودية في مواجهتها الحوثيين في اليمن من خلال علاقتها بايران. والاردن ايضاً بدأ يعمل على تحسين علاقاته السورية. إلّا ان مصر لا تزال "معنّدة" ورافضة انفتاحاً على سوريا "يشيح" النظر عن اخطائها السابقة في نظر القيادة المصرية سواء في حق لبنان أو في حقها هي وخصوصاً بعدما خوَّنتها واتهمتها بالمشاركة في ذبح فلسطينيي غزة.

أما الطريقة الثانية التي ستواجه بها سوريا، ويبدو ان سلوكها بدأ، تنامي السلبية في علاقتها مع اميركا، فهي "العودة" الى روسيا حليفتها يوم كانت سوفياتية. أو هي استدراج عودة روسيا اليها. وطبعاً لا تمانع القيادة الروسية في ذلك وخصوصاً بعدما بالغت اميركا جورج بوش الابن في محاولة تهميشها دوراً و"عظمة" وقوة، ورغم محاولة خلفه اوباما ترتيب العلاقة معها بعد تفهمه لأسباب توترها. وعدم الممانعة هذا يعود الى ان القيادة في موسكو تريد مزيداً من الخطوات الاميركية التي تجعل شراكة بلادها مع اميركا حقيقة لا يمكن العودة عنها بسهولة. وتفسح المناخات السائدة في المنطقة في المجال امام العودة الروسية الى الشرق الأوسط من باب عريض وخصوصاً اذا انضمت تركيا الى سوريا (ومحورها الاقليمي الاساسي) جراء تفاقم تدهور علاقاتها مع اميركا ومع اسرائيل. وبذلك يبدو كأن اسرائيل الحليفة لاميركا صارت مثل حبل يُطوِّق عنقها وربما يؤدي الى خنقها. ولا شيء يمنع، في رأي المتابعين والباحثين الاميركيين انفسهم ان تنضم الصين وفي مرحلة غير بعيدة الى نادي الدول المستفيدة من تعثر اميركا في المنطقة لتحقيق توازن معقول معها.

هل ينجح ذلك كله؟

يجيب المتابعون ان عودة التوازن المذكور يعيد الاستقرار والامن والتوازن الى الشرق الأوسط. لكنهم يلفتون الى ان المبالغة في الاعتماد على استهداف اميركا بواسطة روسيا ولاحقاً الصين وخصوصاً من سوريا وايران وغيرهما قد لا تحقق النتائج المرجوة. وربما يتحقق عكسها. لأن الدولتين الكبيرتين تعرفان ان اميركا تسبقهما في مجالات حيوية عدة على الأقل مدة عقد من الزمن او لأكثر وبكثير. والقيادة السورية تعرف ذلك. لكنها قد تكون مستعدة وخصوصاً بعد حلفها مع ايران للرهان معها على الزمن. الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تعتقد روسيا والصين ان "الصراع" مع اميركا سيقتصر على الشرق الأوسط وان مناطق نفوذهما الاخرى ستبقى بمنأى عنه؟

====================

حكايات النكبة والجرائم الكبرى المفتوحة

بقلم :نواف الزرو

البيان

5/17/2010

نستحضر اليوم مرة أخرى، ونحن في فضاء الذكرى الثانية والستين للنكبة واغتصاب فلسطين، تلك العوامل والظروف التي تضافرت كلها معا لتنتج لشعبنا وأمتنا النكبة المفتوحة..

 

فلم تكن النكبة كارثة طبيعية عابرة، ولم تكن بفعل عوامل جغرافية خارجة عن قدرة التحكم والسيطرة والتغلب عليها.. بل كانت نتاج جملة عوامل وظروف ساهمت فيها القوى المختلفة الحاضرة في المشهد..

 

فكانت هناك القرارات والمخططات والمشاريع الاستعمارية، وكانت هناك الأدبيات والمفاهيم والمنطلقات السياسية  الفكرية  الأيديولوجية العنصرية الإرهابية الصهيونية/ الإسرائيلية، من جهة أولى، وكانت هناك أيضا المعطيات والمعادلات العربية والإقليمية والدولية، المتواطئة أو المتحالفة أو المتخاذلة تجاه المشروع الصهيوني في فلسطين من جهة ثانية.

 

وكان هناك عجز وتفكك وضعف وقلة تنظيم وتسليح العرب والفلسطينيين على أرض فلسطين من جهة ثالثة.. كلها تضافرت معاً لتنتج سلسلة مشاهد ومحطات تحكي لنا قصة النكبة المفتوحة، وتحكي لنا أيضاً قصة الصمود والنضال والصراع الفلسطيني من أجل البقاء.

 

فمنذ البدايات والجذور، وكما هو موثق في صحف التاريخ والجغرافيا والحضارة والتراث، احتلت فلسطين في الوعي الوطني الفلسطيني دائما قمة الهموم والأولويات والاهتمامات، كما احتلت في الوعي القومي العربي صميم الوجدان، وكانت في الوعي الإسلامي على امتداد تاريخ الأمة دائما آسرة الأمة الاسلامية... فكانت وبقيت دوما الجوهر والعنوان الكبير لكل ما يجري على امتداد مساحة الوطن والأمة، وكانت جزءا من خارطة الوطن الكبير..

 

وكان شعبها جزءا من الأمة العريقة.. حملت معركة فلسطين معها دائما كل العناوين.. وكل العناصر.. وكل الأبعاد الأخرى المتعلقة بالعقيدة والهوية والانتماء والتاريخ والحضارة والجغرافيا والمستقبل. كلهم كانوا يعرفون ذلك..

 

ولذلك تحالفت وتواطأت المؤسسة الاستعمارية البريطانية والحركة الصهيونية، ومن ورائهما أيضا الحاضنات الأوروبية الاستعمارية، من أجل العبث بحقائق التاريخ والجغرافيا والمسميات.. اتفقوا على «تسويق فلسطين» على أنها «أرض بلا شعب»، وأنها «الأرض الموعودة» ل(شعب الله المختار)!!

 

كانت الجريمة الكبرى الأولى فكرة في تلك الأدبيات الاقتلاعية الصهيونية، ثم تحولت الى قرارات، ثم إلى تنظيمات وآليات عمل على مختلف الجبهات التنظيمية والاعلامية والاقتصادية.. فكان الاجتياح الصهيوني التهويدي تحت مظلة وحماية ودعم الاستعمار البريطاني.

 

ويبدأ المشهد بذلك الوعد البلفوري المشؤوم للحركة الصهيونية الذي منحها دون حقٍ، وطناً ودولة ومستقبلاً، فدشن في فلسطين والمنطقة برمتها عصرا جديدا من الحروب والاعتداءات وجرائم الحرب المروعة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، فكانت تلك الجريمة الكبرى الثانية.

 

وكان ذلك الوعد الباطل فاتحة مسلسل النكبات المتصلة في فلسطين، فجاءت موجات الهجرة والتهجير والغزو البشري اليهودي لفلسطين تحت مظلة ودعم وحماية الاستعمار البريطاني أساساً، لتشكيل الجريمة الكبرى الثالثة، ولتبدأ بعد ذلك مرحلة تطبيق المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية: استيلاء واستيطانا فيها.. وقبل ذلك، وبالتزامن معه، بناء جيش صهيوني محترف ومدجج بأفتك الأسلحة..

 

فكانت تلك الجريمة الكبرى الرابعة في المشهد الفلسطيني. وبلغت المؤامرة ذروتها عشية الإعلان عن انتهاء الانتداب البريطاني، ثم اندلاع «الحرب» العربية/ الصهيونية غير المتكافئة، والتي كانت طبخة مبيتة محسومة لصالح الصهاينة، لتسجل في المشهد الفلسطيني الجريمة الكبرى الخامسة..

 

بعد ذلك كله تأتي الجريمة الكبرى السادسة، مجسدة بأبشع الجرائم الصهيونية عبر التاريخ: حرق شامل للأخضر واليابس في فلسطين، وتدمير شامل للمدن والقرى الفلسطينية (نحو 532 قرية وبلدة ومدينة)، ومجازر جماعية دموية مروعة لم ينج منها حتى الطفل الفلسطيني الرضيع، ثم ترحيل وتشريد وتلجئ جماعي للشعب الفلسطيني (نحو 850 ألف فلسطيني)..

 

ولتتحول فلسطين العربية إلى كيان صهيوني، وليتحول شعب فلسطين إلى لاجئين في أصقاع الأرض، بلا وطن وبلا هوية وبلا حقوق ولا مستقبل، بينما الحركة والعصابات الصهيونية تحولت إلى نظام وكيان ودولة معترف بها، لها وطن وهوية وحق في الوجود والمستقبل.. لتكون تلك الجريمة الكبرى السابعة في المشهد.

 

وتتواصل الجرائم الصهيونية بأشكالها المختلفة، الدموية والاستيلائية الاستيطانية الاحتلالية، والانتهاكية السافرة لحقوق الفلسطينيين، على امتداد المرحلة الزمنية الممتدة من تاريخ الوعد البلفوري الكارثي مرورا بعدوان يونيو 1967، وليس انتهاء بالراهن الفلسطيني 2010، ولتتحول فلسطين 1948 كلها، إلى الهيمنة والسيطرة الصهيونية ويجري تهويدها بالكامل تقريباً، بعد أن كانت كلها «من المية للمية» عربية الجذور والهوية والانتماء والملكية..

 

وليتحول أهلنا هناك إلى أقلية قومية مضطهدة مطاردة في وطنها، تتعرض لأقسى وأبشع أشكال الممارسات العنصرية على أيدي سلطات ومجتمع الاحتلال، لتشكل هذه المعطيات الجريمة الكبرى الثامنة.

 

وعلى نحو أعمق وأشمل وأشرس، فإذا كان المشهد الأول يقتصر على مساحة فلسطين 1948، فإن المشهد الثاني الذي يبدأ فصله الأول بالعدوان الإسرائيلي على العرب في حزيران 1967، والذي أسفر عن هزيمة عربية أخرى قاسية، وأسفر عن احتلال الضفة وغزة والجولان وسيناء، يشتمل بدوره على سلسة أخرى مفتوحة من الجرائم الكبرى المستمرة.

 

ولكن، تبقى الجريمة الأكبر والأقسى والأشد قهراً ومرارة في المشد الفلسطيني برمته منذ أكثر من قرن من الزمن، هي تلك المتمثلة بحالة العجز والانكسار والتأقلم العربي مع مشهد الجرائم الصهيونية المستمرة، كما في حالة التواطؤ الأميركي ؟ الغربي مع دولة الاحتلال الصهيوني، وتآمر أو فرجة أو حيادية «المجتمع الدولي».

 

وتبقى استمرارية النكبة المفتوحة المترامية إلى الفضاءات العربية الأخرى، بسبب حالة العرب المتفككة والانقسامية، وبسبب السياسات العربية التي تحولت على نحو دراماتيكي مرعب، من لاءات الرفض للمشروع الصهيوني إلى «نَعَمات» القبول به والتعايش معه!

كاتب فلسطيني

====================

إسرائيل تتجاوز حدودها

بقلم : د. إينا ميخائيلوفنا

البيان

5/17/2010

لا يوجد في العالم من يملك الحق في أن يفرض على روسيا أي شيء في علاقاتها الخارجية، ولا أن يفرض عليها مع من تتعامل أو من تقاطع.

 

هذا الحديث يأتي بمناسبة زيارة الرئيس الروسي ميدفيديف لسوريا منذ أيام، هذه الزيارة التي فجر فيها ميدفيديف مفاجأة أدهشت الكثيرين وأغضبت البعض، عندما التقى زعيم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس، خالد مشعل، في دمشق.

 

وليس صحيحا ما ذكره البعض من أن اللقاء فرض على الرئيس ميدفيديف فرضا ولم يكن لديه علم مسبق به، حيث التقى ميدفيديف مع خالد مشعل استجابة لرجاء من الرئيس السوري بشار الأسد الذي حضر هو أيضا هذا اللقاء، ولم يتردد ميدفيديف في الترحيب بالمقابلة.

 

حيث أن علاقات روسيا بحركة حماس قائمة ومتصلة. ونذكر هنا بأنه بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، دعت موسكو وفدا من حماس لزيارة رسمية لروسيا، وحضر وفد كبير بقيادة خالد مشعل في مارس 2006، والتقى الرئيس السابق فلاديمير بوتين بالوفد الفلسطيني في الكريملين، كما دعا بطريرك الكنيسة الروسية الراحل أليكسي الثاني وفد حماس لزيارة الكنيسة، ومنذ ذلك الوقت واتصالات حماس بموسكو لم تنقطع.

 

وفي اللقاء ناشد الرئيس الروسي زعيم «حماس» التوصل إلى اتفاق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، حيث إن الخلاف بين الفصائل الفلسطينية يشكل عقبة خطيرة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية، ودعاه إلى المساعدة في إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط.

 

روسيا، في الشرق الأوسط بالتحديد، تختلف عن الكثيرين، في أنها تتعامل مع الجميع وبنفس الدرجة وبدون تمييز، فهي ليست مثل الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان يقاطع إسرائيل ولا يتعامل مع بعض الأنظمة العربية، وعلاقات موسكو وتل أبيب الآن في وضع طيب للغاية.

 

حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين يترددون على موسكو بكثافة ملحوظة، وبين البلدين الآن مصالح كثيرة متبادلة، ولكن هذا لا يمكن أن يفرض على روسيا أية التزامات أو شروط في تعاملها مع الآخرين.

 

ومن الطبيعي أن لقاء ميدفيديف بقادة حماس لم يكن ليمر بسهولة دون امتعاض واستنكار من البعض، وخاصة إسرائيل، لكن ردود الفعل الإسرائيلية جاءت مبالغ فيها بشكل وصل إلى حد استفزاز موسكو نفسها، فقد أعربت إسرائيل رسميا عن خيبة أملها العميقة من جراء هذا اللقاء.

 

وذكرت الإذاعة الإسرائيلية نقلا عن بيان صدر من وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن حماس «منظمة إرهابية بكل معنى الكلمة، تلطخت أياديها بدماء العديد من المواطنين الإسرائيليين بينهم قادمون جدد من روسيا وسائر دول الاتحاد السوفييتي سابقا».

 

والغريب أن بيان الخارجية الإسرائيلية ربط بين حركة المقاومة الفلسطينية حماس وبين المتمردين الشيشان، حيث جاء فيه بالنص «ليس هناك أي فرق بين قادة حماس وكبير الإرهابيين الشيشان شامل باساييف، كما أن إسرائيل تشعر بخيبة أمل لا سيما في ضوء تأييدها للجهود التي تقوم بها السلطات الروسية لقطع دابر الإرهاب، وخاصة المنطلق من الشيشان».

 

غريب حقا شأن الإسرائيليين الذين كانوا يدعمون المتمردين الشيشان بشكل غير مباشر حتى وقت قريب، سواء بدعمهم ماديا عن طريق رجال الأعمال الروس اليهود الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، والذين فر بعضهم لإسرائيل وبعضهم إلى لندن، مثل رجل الأعمال والمافيا بوريس بيرزوفسكي، الذي لم ينكر كبير الإرهابيين الشيشان شامل باسييف، على حد وصف بيان الخارجية الإسرائيلية له، تلقيه دعما ماديا كبيرا منه قدره خمسة وعشرين مليون دولار.

 

كما أن إسرائيل كانت وما زالت تدعم نظام الرئيس الجورجي ساكاشفيلي وتمده بالسلاح علنا، بينما ساكاشفيلي يدعم المتمردين الشيشانيين ويؤويهم في بلاده، وهو ما ثبت في اعتدائهم على مدرسة الأطفال في مدينة بيسلان في أوسيتيا الشمالية عام 2005 وقتلهم العديد من الأطفال هناك، وقد انطلقوا من الأراضي الجورجية.

 

لقاء ميدفيديف بقائد حركة حماس في دمشق، لا يحمل أية شبهة عداء أو ضرر بإسرائيل، ولكن رد الفعل الإسرائيلي هو الذي يحمل تجاوزا منها لحدود العلاقات مع بلد كبير مثل روسيا، لا يقبل من أية جهة أن تفرض عليه مع من يتعامل ومن يرفض.. وعلى إسرائيل أن تراجع حساباتها جيدا قبل أن تفكر في محاسبة روسيا.

رئيسة المركز الروسي الحديث لاستطلاعات الرأي

====================

فيشر: على واشنطن نزع فتيل الحرب

لوفيغارو

ترجمة

الأثنين 17-5-2010م

ترجمة مها محفوض محمد

الثورة

بإصلاحه للقطاع الصحي استطاع أوباما أن يحرز نجاحاً لافتاً على صعيد سياسته الداخلية والغريب أن هذا النجاح بدا وكأن له انعكاساته في الخارج،

فالرئيس الأمريكي الذي بقي لأشهر عدة عاجزاً عن حل مشكلاته الداخلية وجد نفسه فجأة في وضع أفضل على الساحة الدولية.‏

فتوقيع معاهدة خفض السلاح النووي مع روسيا ومبادرة نزع السلاح النووي العالمي في مؤتمر واشنطن والإجماع الذي ضم واشنطن وروسيا والصين حول عقوبات جديدة ضد إيران كل ذلك أظهر أوباما وقد استعاد كامل حريته وقدرته على التحرك.‏

من الواضح أن الولايات المتحدة تسعى إلى عزل إيران بالطرق الدبلوماسية وما الهدف اليوم من المبادرات لنزع السلاح النووي -إن كانت ستؤدي إلى نتائج- سوى عزل إيران والضغط عليها كي تتخلى عن برنامجها النووي، وأوباما يرى أن تحقيق أي تقدم في مشروع سلام الشرق الأوسط هو ضروري لإبعاد الشارع العربي عن أي دعم لإيران وبذلك يصبح توازن النفوذ أفضل في المنطقة، كما أن تعاطي أوباما في الشأن الإيراني هو بمثابة امتحان لسياسة قوة عظمى.‏

الولايات المتحدة تستطيع الدفاع عن مصالحها بصورة أفضل عندما تعود إلى الدبلوماسية بمشاركة أطراف أخرى وليس كما فعل بوش بسياسته العدوانية الأحادية الجانب، إذاً هناك صعوبات جمة أمام أوباما، عليه أن يقدر تماماً إمكانية ردع إيران على أن تصبح قوة نووية باللجوء إلى العقوبات، ثم إن عزلها دبلوماسياً يقتضي تحليلاً معمقاً ودقيقاً لوضع المنطقة الممتدة من الهند إلى المتوسط، وأمريكا متورطة بحروب ثلاث: في العراق وأفغانستان ولا ننسى حربها ضد الإرهاب، الحرب التي ارتبطت بالمصالح على اختلافها وبصراعات في كافة أنحاء المنطقة.‏

فعلى أوباما أن يضع نهاية لحروبه قبل نهاية ولايته الأولى أو بالحد الأدنى أن يقلل ما أمكن من العمليات العسكرية الأمريكية لعدة أسباب، منها ما يتعلق بالميزانية بقدر ما هو لأسباب سياسية.‏

ذلك إن كان يريد أن يهيئ لنفسه فرصة الفوز بولاية ثانية.‏

إن الحرب في العراق وأفغانستان أشعلت حروباً أهلية وبالتالي أصبحت حرباً بالنيابة.‏

وفي أفغانستان أي حل تفاوضي مع الطالبان سيستدعي عودة نفوذ باكستاني قوي بشكل أو بآخر في أفغانستان وفي ذلك تناقض مع أهداف «الحرب الأمريكية على الإرهاب» إضافة إلى أن لا الهند ولا الباكستان ستقبلان بحلول كهذه دون أن يكون لهما رأي.‏

وفي العراق لا شيء يمنع استمرار الفوضى بعد انسحاب معظم القوات الأمريكية في حال غياب سلطة المؤسسات.‏

لقد نجحت أمريكا بوش في زعزعة استقرار العراق، ويبقى السؤال مفتوحاً كيف سيتوصل العراق إلى إعادة استقراره والحفاظ عليه؟‏

أما عن صراع الشرق الأوسط فإن تعارض المصالح بين حكومة أوباما وحكومة نتنياهو واضح تماماً: نتنياهو عليه أن يختار بين أن يفقد أغلبية مؤيديه وسط الحكومة وبين رئاسة الليكود في حال تبنى مشروع سلام أوباما أم رفضه ويبدو أنه سيتجه نحو خيار الرفض، ما سيبقي الوضع الراهن على حاله وبالتالي العودة إلى الوراء في إيجاد حل للصراع.‏

ولا ننسى البعد الدولي في وضع المنطقة، فالأزمة المالية والاقتصادية ساهمت كثيراً في إضعاف الولايات المتحدة وهذا لم يكن واقع الحال في العام 2001.‏

من جهة أخرى هناك قوى أخرى برزت على الساحة الدولية بصورة أقوى، مثل الصين والهند، وهاتان القوتان لا يمكن للسياسة الأمريكية أن تنجح في الشرق الأوسط دون دعمهما وفي أحسن الأحوال فإن بكين ونيودلهي لن تقدما الدعم إلا على مضض.‏

أما أوروبا فلا رغبة ولا قدرة لها لتقديم دعم حقيقي لأمريكا.‏

في خضم فوضى الحروب هذه والصراعات وحيث يتراكم مخزون من البارود في هذه المنطقة إذا لم تسارع إدارة أوباما إلى حل ملف إيران سلمياً فإن السلاح سيكون له القول الفصل، لأنه من الصعب الاعتقاد أن نتنياهو سيبقى مكتوف الأيدي إذا دخلت إيران النادي النووي.‏

وهذا أمر لا يدعو للتفاؤل بالنسبة لأوباما، لكنه إن نجح في نزع فتيل هذا الأمر الذي يحوم في منطقة الشرق الأوسط، عندئذ سنقول: إنه يستحق جائزة نوبل للسلام، وعلى أي حال فهو يحتاج كل مساعدة ممكنة.‏

====================

السياسة السورية

إضاءات

الاثنين 17-5-2010م

خلف علي المفتاح

الثورة

من حقنا نحن السوريين أن نقرأ سياستنا كما نراها ومن حق غيرنا أن يقرأها بمنظوره الخاص فلكل سياسة قراءات ثلاث كما يراها صناعها وكما يراها الآخرون وكما هي في حقيقتها الموضوعية وفي كل الأحوال لا يمكن إغفال البعد الوجداني في ذلك ولكن من يتابع ما يكتب في وسائل الإعلام

عن السياسة السورية ومن منطلقات وخلفيات يحكمها الاختلاف أكثر من التوافق يجد أن أغلب المحللين السياسيين عربا وأجانب يتفقون على قواسم مشتركه -في تحليلهم للسياسة السورية يمكن إبرازها في النقاط التالية :‏

أولاً- أنها سياسة اتسمت بالمرونة والحكمة والتقدير الصحيح للظروف والاستفادة القصوى من عامل الزمن واستثماره إلى أقصى حد ممكن والنظر إليه في ديناميته وحركته لا في جموده .‏

ثانياً- أنها سياسة زاوجت ما بين البراغماتية والواقعية السياسية والتمسك بالثوابت الوطنية والقومية الى الدرجة التي جعلت منها حقائق سياسية لا تقبل الجدل، والمثال على ذلك ما قاله السيد الرئيس بشار الأسد في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس الروسي مديفيديف جواباً على سؤال لصحفي روسي عن الحلول الوسط بقوله لا يمكن ان يكون هناك حل وسط مع سارق فالحلول الوسط تكون في القضايا الإجرائية كالترتيبات الأمنية وطبيعة العلاقات وغيرها ففي إجابة السيد الرئيس بعدان الأول يدخل في إطار الثوابت وهو عودة الأرض كاملة لأنها سرقت والثاني يدخل في إطار البراغماتية والواقعية السياسية وهو قضية التفاوض حول القضايا الأخرى كالترتيبات الأمنية وغيرها.‏

ثالثاً- أنها حافظت على علاقاتها مع حلفائها التقليديين وارثها السياسي واكتسبت درجة عالية من الأخلاقيات السياسية فلم تبتعد عن حلفائها في زمن كانت سمته الانتهازية السياسية والتأرجح في المواقف فالمتغيرات الدولية التي عصفت بالجميع بعد نهاية الحرب الباردة كانت ذات انعكاس نسبي ومحدود على السياسة السورية لأنها كانت متوازنة في فترة الحرب الباردة وبقيت كذلك بعدها .‏

رابعاً- أنها سياسة اتسمت بالنفس الطويل في تعاملها مع ما جرى في لبنان وفي العراق فامتصت الصدمة وتراجعت تكتيكياً كمن يستجمع القوة ليقفز حاجزاً او خندقاً عريضا وعميقاً لينطلق بقوة ليقطع مسافة ابعد .‏

خامساً- أنها لم تحشر نفسها في زوايا ضيقة فامتلكت مرونة عالية عبر تحالفات إقليمية مهمة شكلت لها بدائل إستراتيجية في لعبة التوازن وتعدد الخيارات ما أعطاها قدرة هائلة على التفاوض مع العدو من موقع القوة وليس من موقع الضعف فسورية تعلن استعدادها للمحادثات غير المباشرة مع العدو وفي الوقت نفسه تقدم الدعم اللامحدود للمقاومة وتجعل من المقاومة خياراً باتجاه تحقيق السلام .‏

سادساً- أنها طرحت فكرة التحالفات العابرة للحدود الجغرافية و الفضاءات المفتوحة جنباً إلى جنب مع التحالفات الإقليمية ما فسح المجال لتشكيل قوة ضاغطة أشبه ما تكون قطباً سياسياً جديداً على روافع سياسية وشعبية واسعة الطيف يمكن لها أن تشكل مستقبلا رقماً صعباً ومعادلاً موضوعياً لأي حالة استقطاب دولي جديد .‏

سابعاً- قدمت السياسة السورية حالة جديدة في المشهد الدولي مؤداها ان الثقل السياسي لأي دولة لا يرتبط فقط بقدراتها العسكرية والاقتصادية وإنما بقدرتها على قراءة إمكاناتها ونفوذها وموقعها الجيوسياسي وامتلاكها الإرادة السياسية وحسن استثمار هذه الأوراق بما يخدم إستراتيجيتها والنظر إلى نقاط الالتقاء مع الجوار لا نقاط الخلاف الى درجة تصفيرها .‏

أخيراً: انطلقت السياسة السورية من حقيقة ان جبهة المواجهة مع العدو ليست جبهة جغرافية وعسكرية كما يحلو للبعض تصويرها وإنما هي جبهة مفتوحة ومتعددة الأشكال والأساليب فانتزاع الأوراق السياسية منه هي معركة حقيقية في مواجهته وعلى هذا جرت تعريته أمام الرأي العام العالمي بأنه غير راغب ومستعد لعملية السلام وتجريده من حلفائه التقليديين في المنطقة وانتقالهم من خندق العدو إلى خندق الحليف هي معركة وانتصار في مواجهته ودعم المقاومة بكل أشكالها وتموضعها الجغرافي هي معركة بمواجهته وإضعاف له واستمرار الصراع معه حتى يستجيب لاستحقاقات السلام وفق مبادئ العدالة والشرعية الدولية هي من أصعب وأشرف المعارك التي تقودها سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد تجاه ذلك العدو المتغطرس.‏

لهذه الأسباب وغيرها يمكننا ويمكن لأي محلل ومتابع للحراك السياسي في المنطقة منذ أكثر من أربعة عقود ونيف أن يتحدث بموضوعية تامة عن سياسة سورية لها قاموسها ومفرداتها وأبجديتها السياسية ما جعل منها أنموذجا للسياسات يمكن أن تحتذي به الكثير من الدول.‏

khalaf.almuftah@gmail.com

====================

"معنى النكبة"

آخر تحديث:الاثنين ,17/05/2010

كلوفيس مقصود

الخليج

أضع اليوم عنوان “معنى النكبة” بين هلالين لأن من صاغ هذا العنوان هو أستاذنا المرحوم قسطنطين زريق، الذي أرسى مسيرة فكر القومية العربية المرتبط بالنهج التقدمي المترافق مع مستلزمات التطور والقدرة على التكيف مع المستجدات . فعندما كتب الدكتور زريق معنى النكبة، اعتبر اغتصاب فلسطين من قبل المشروع الصهيوني ينطوي على أخطار تتجاوز فلسطين، وبالتالي تحريف التوجه بالانزلاق إلى الاستقالة من العمل المنظم لقيام الوحدة العربية .

 

واليوم إذ نشاهد ما تقوم به الجماهير الفلسطينية في المسيرات التي انطلقت لمناسبة مرور 62 عاماً على النكبة، نرى أن الوحدة الوطنية آخذة باستعادة نجاحها مع بدايات تصميم على تجاوز ما يفرق بين فصائل المقاومة الفلسطينية، والتأكيد على ما يجمع كما رأينا قبل أيام المسيرات المشتركة التي قادتها في غزة حماس وفتح، كما في القدس حيث تم التلاحم الوحدوي شعوراً وسلوكاً وعملاً بين من أشعرهم المشروع الصهيوني بأنه قادر على شطب هويتهم العربية، والتأثير بصلابة تمسكهم بأرضهم داخل ما يسمى “الخط الأخضر” ومن ثم التناغم مع إصرار متنام على حق العودة . أجل إن وحدة مكونات قطاعات الشعب الفلسطيني تجلّت في كل أنحاء فلسطين التاريخية . وبالتالي فإن النكبة تؤكد على وحدة الشعب الفلسطيني وهويته العربية، وعلى مصيره المشترك مع شعوب أمته .

 

صحيح أيضاً أن يوم تذكر النكبة الذي شاهدناه يوم الجمعة الماضي يجب ألا يكون نهاية المطاف بل نقطة الانطلاق، لأنه ليس المطلوب مجرد التعبير والتأكيد على أن الذاكرة الجماعية قائمة، بل الأهم أن تكون الذاكرة قادرة، وقادرة على إخراجنا من الاكتفاء بذكرى النكبة . هذا هو المعنى الحقيقي لما يجب أن ينطوي عليه يوم 15 مايو/ أيار من هذا العام .

 

والأهم أن نباشر فوراً على المستوى الوطني الذاتي، وعلى المستوى العربي عامة عملية مراجعة نقدية لما نحن عليه من تشرذم في صفوفنا، فلسطينياً وعربياً وتبعثر في طاقاتنا، وتلعثم في خطابنا وافتقاد الاستراتيجية العربية لرؤية قومية متماسكة، وأن هذه المعوقات في سلوكنا وبين ما نقول في العلن وبين ما نضمر تفسر ما نحن عليه من تآكل في مصداقيتنا، واستساغتنا للطبطبة على العديد من قياداتنا، كونها ارتضت استبدال الممانعة المطلوبة بتوصيف “الواقعية المعتدلة”، حيث ثبت أن الواقعية تحولت إلى وقيعة و”الاعتدال” إلى عدم اعتدال في الالتزام وإدمان على الكذب والفرقة .

 

إن نقد الذات على المستوى الفلسطيني يجب أن يأخذ مداه من دروس مسيرات يوم النكبة . فالمراجعة تقتضي أن تعود الوحدة العضوية إلى مرجعية المقاومة الفلسطينية .

 

وعندما نشير إلى مرجعية المقاومة فإن علينا إعادة الثنائية “احتلال ومقاومة”، ثم إن كون “إسرائيل” لا تعتبر نفسها كما أشرنا مراراً سلطة محتلة، فهي إذاً سلطة مغتصبة تتصرف وكأن لها حق التملك . وهذا بدوره يؤدي إلى تصحيح في بناء هيكلية وثقافة المقاومة الفلسطينية بشكل سريع قبل أن يستمر الضغط الأمريكي، خاصة الاستمرار في ما وصف زوراً ب “المفاوضات” .

 

الواقع أن مسيرات يوم النكبة بالأمس كشفت عن حالة سائدة من نقمة شعبية فلسطينية عارمة . لذا شاهدنا كيف وظفت النقمة إلى إيقاع السلطة الفلسطينية في المصيدة الخانقة لاتفاقية أوسلو، هذه الاتفاقية التي كادت تحول السلطة إلى ما يمكن وصفه بمحمية أمريكية، ومقاومة الحكومة المقالة في قطاع غزة إلى مجرد مسلسل من عمليات انتقامية مردودها في كثير من الأحيان أكثر ضرراً مما تلحقه بالعدو “الإسرائيلي” . إذاً أية مراجعة في هذا الصدد لا مفر أن تكون نتيجة وحدة مرجعية المقاومة الفلسطينية بشتى تجلياتها اللا عنفية، واستنادها إلى شرعية القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، أي الكفاح المسلح أسوة بكل حركات التحرير .

 

أما أن تبقى السلطة الوطنية مستمرة ب “المفاوضات” المباشرة وغير المباشرة فينبغي إيصال رسالة للشعب الفلسطيني كون يوم النكبة هو يوم في السنة، وليس مقدمة لاسترجاع وحدة وثقافة المقاومة .

 

لذا عندما تستقيم المعادلة داخل فلسطين عندئذ لن تعود هناك إفرازات مسيئة للعمل القومي العام . . لن يعود الأردن أولاً، مصر أولاً، لبنان أولاً، وغيرها من الشعارات الساعية لديمومة التفكك بين الأقطار العربية والذي يستولد التفتيت داخل المجتمعات العربية، وما هو حاصل في العراق والسودان والصومال واليمن إلخ، ليس سوى أحد مظاهر التفكك في الواقع الفلسطيني الذي كان انشطاره في السنوات الماضية المستحيل الذي حصل .

معنى النكبة في الجوهر تحريض على استرجاع المقاومة ووحدة مرجعيتها واستعادة الارتباط مع مسيرة الوحدة العربية، معنى النكبة اليوم استقواء بين وحدة المقاومة الفلسطينية ومشروع الوحدة العربية .

فلنباشر بالمراجعة فوراً إن أمكن!

====================

نفاد صبر أم تحول تركي عن إيران؟

الإثنين, 17 مايو 2010

جورج سمعان

الحياة

عبرت تركيا صراحة عن انزعاجها من إيران. وأعلن رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان أن زيارته المتوقعة لطهران لم تعد ممكنة. وأنه ما زال ينتظر منها القيام بخطوات تؤكد ثبات موقفها من وساطة أنقرة في الملف النووي ومسائل أخرى! ولا يحتاج المراقب إلى التكهن في ماهية هذه «المسائل». إنها تبدأ بالملفات التي يتشارك فيها الطرفان وتتعلق بساحات مصالحهما وفضاء طموحاتهما ودورهما في المنطقة، من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، خصوصاً من فلسطين إلى العراق مروراً بالخليج.

رسالة أردوغان واضحة. تشبه التحذيرات التي وجهتها روسيا والصين أيضاً. معارضو العقوبات على الجمهورية الاسلامية يفقدون صبرهم تباعاً. لكن للموقف التركي خصوصيات... وتبعات أيضاً لا يمكن إيران تجاهلها وهي تشاهد اكتمال عقد العزلة التي ستواجهها إذا حل أوان العقوبات. وهو موقف يأخذ في الاعتبار أولاً وأخيراً مصالح تركيا ودورها في المنطقة قبل أي اعتبارات أخرى. لقد شعر «حزب العدالة والتنمية» ربما بضرورة إعادة النظر في موقفه من السياسة الإيرانية. وهو يدرك تماماً أنه أمام اختبار صعب لا يصح فيه الجمع بين الشيء ونقيضه. أي لا يمكنه أن يجاري الجمهورية الاسلامية في مواقفها الحالية ويحافظ في الوقت نفسه على علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد كبير من الدول العربية. لا يمكنه التصويت رفضاً للعقوبات أو الامتناع عن التصويت، إذا أجمعت الدول الخمس الكبرى على الحزمة الجديدة من العقوبات... وإلا وضع علاقاته مع الغرب خصوصاً في موضع حرج وحساس. مع علمه أنه سيدفع ثمناً باهظاً إذا تعذر إيجاد مخرج سلمي من أزمة الملف النووي الإيراني.

قد يكون من المبكر الاستنتاج أن سياسة «صفر من المشاكل» مع البلدان المجاورة التي أطلقها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو تواجه انتكاسة في العلاقة بين أنقرة وطهران. لكن رسالة أردوغان تدفع بلاده إلى قلب الحرب الباردة القائمة في المنطقة. الأمر الذي قاومته طويلاً ولا تريد الوصول إلى خيارين أحلاهما مر. أي أنها لا تريد أن تكون إما مع الغرب وإما مع إيران. فتفقد جوهر نهجها المستقل الذي بنته طوال نحو عقد من الزمن. لقد حرصت تركيا على سياسات متوازنة جعلت منها لاعباً استراتيجياً في أكثر من منطقة من البلقان إلى أفغانستان وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والقوقاز.

دعت أنقرة إلى اعتماد الحوار. وعارضت سياسة العقوبات لإيمانها بأن هذه عديمة الجدوى وتضر بالشعوب أكثر مما تضر بالحكومات أو الأنظمة، مثلما تضر بمصالح تركيا أيضاً. وأمامها تجربة العراق. أيدت حق إيران في الحصول على الطاقة النووية للاستخدام السلمي. لكنها رفضت في المقابل حصولها على السلاح النووي. وهي تشارك دول المنطقة مخاوفهم من حصول هذا الأمر، مع ما يعنيه من تهديد لميزان القوى القائم وللأمن في الشرق الأوسط وهي جزء أساس منه. ولا تريد أن تجد نفسها في موقع السائر في سباق تسلح اقليمي جديد قد يزرع عقبات إضافية في طريقها المتعثر أصلاً نحو الاتحاد الأوروبي، ويضر بمسيرتها الاقتصادية والتنموية التي حققت نجاحات كبرى في السنوات الأخيرة.

إن «رسالة» أردوغان بقدر ما تحمل «إنذاراً» إلى إيران، تنم أيضاً عن شعور بأن تركيا تشعر بخوف كبير من احتمال انهيار كل ما بنته سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة من حكم «حزب العدالة والتنمية»، إذا أقفل باب التسوية مع جارتها وانهارت الوساطات، وآخرها وساطة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا. وليس الحديث هنا عن خيار الحرب التي ستكون نتائجها كارثية على كل المنطقة بما فيها تركيا. إنما الحديث عن العقوبات وما قد تلحقه باقتصاد البلدين الجارين. وتكفي الاشارة هنا إلى تعاظم التبادل التجاري بينهما، وإلى دور تركيا الكبير كأرض عبور لصادرات الغاز الإيراني إلى أوروبا، وإلى اعتمادها الكبير في استهلاكها المحلي على ما تستورده منه في هذا المجال.

وأبعد من العلاقات الاقتصادية والملف النووي، باتت أنقرة تشعر بأن التمدد الإيراني من آسيا الوسطى إلى شواطئ لبنان وغزة مروراً بالعراق والخليج بات يشكل تهديداً لدورها ومصالحها وعلاقاتها الاستراتيجية التي نسجتها طوال السنوات الأخيرة في «الشرق الأوسط» الكبير. ولا تخفي استياءها من تدخل إيران في عدد من الملفات، أو في ما تعتبره عرقلتها تسوية عدد من الملفات. فقد بدلت حكومة أردوغان سياستها حيال اسرائيل وطريقة معاملتها الوحشية للفلسطينيين، ما وفر لها تأييداً واسعاً في العالم العربي وفي الشارع التركي أيضاً، من دون أن يدفع تل أبيب إلى المجازفة في قطع علاقاتها بها أو حتى اغضابها. وقادت مفاوضات غير مباشرة بينها وبين دمشق وتعمل على إعادة إطلاقها مجدداً. وسعت ولا تزال تسعى إلى تأييد المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وشددت وتشدد على وجوب تحقيق المصالحة بين السلطة و «حماس». ولا يروق لها موقف طهران في هذين الملفين. فهذه تعارض التسوية برمتها وتقف في صف مناهضي سلطة محمود عباس.

ونسجت تركيا علاقات مع معظم مكونات العراق، من البصرة إلى إقليم كردستان. علماً أن الخصوصية التي يتمتع بها هذا الاقليم وطموحات أهله كانت أحد دوافع التعاون العميق بينها وبين الجمهورية الاسلامية لكبح هذه الطموحات وما يمكن أن تشكله من مخاطر على «الجيران». لكن حاجة أنقرة الأكبر إلى مثل هذا التعاون لا يمكن أن تدفعها إلى قبول سياسة طهران للهيمنة على الحكم في بغداد. وقد عبر وزير الخارجية التركي صراحة قبل ايام أن الحل هو قيام حكومة عراقية تضم الجميع. وليس خافياً هنا التعاون التركي مع سورية ودول الخليج من أجل كبح الاندفاعة الايرانية، والحؤول دون عزل السنّة خصوصاً.

ويمكن تعداد الكثير من المواقف الايرانية التي تعزز مخاوف تركيا. فهذه حرصت على تمتين علاقاتها مع دول الخليج ولا يمكنها قبول التهديدات التي تطلقها طهران في المنطقة. ومعروف موقف أنقرة ودورها في لبنان منذ حرب 2006، وما قامت وتقوم به من مد الجسور بين بيروت ودمشق... وساهمت في تعزيز التقارب بين السعودية وسورية. وتعمل مع الرياض على إعادة إحياء العلاقات بين دمشق والقاهرة.

لكل هذه الاعتبارات، لا يمكن إيران أن تتجاهل خصوصية «رسالة» أردوغان، أو أن تتجاهل تركيا الشريكَ الاقتصادي والنفطي الكبير. وهي تدرك أن جارتها اللدود مثلها تماماً، دولة اقليمية كبرى لا يمكن أن تتساهل حيال أي محاولة للنيل من موقعها ودورها في النظام الاقليمي، أو المساس بمصالحها الحيوية وعلاقاتها بالعالم العربي وقضاياه. وإذا كانت طهران تعي هذه الحقائق فكيف يمكنها أن تجازف بخسارة علاقاتها مع أنقرة، بكل ما تعنيه هذه الخسارة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.

إن «رسالة» أردوغان قد تؤشر إلى أن سيف العقوبات بات قدراً محتوماً. وقد يكون زعيم «العدالة والتنمية» راغباً في توجيه رسالة إلى جمهور حزبه الواسع في تركيا وفي العالم الاسلامي عموماً عنوانها أنه بذل ما في وسعه، وأن الكرة باتت في ملعب طهران. إنه يغسل يديه سلفاً. ويعفي نفسه من نتائج أية عقوبات أو تطورات محتملة وتداعيات قد لا تكون محسوبة ومتوقعة. مثلما في الرسالة إشارة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ان تركيا لم تدر ظهرها للغرب الذي كان بعث إليها برسائل واضحة في القضية الأرمنية، واكبت البحث في موضوع العقوبات على إيران. من الكونغرس الأميركي الذي اعتبر ما حل بالأرمن أثناء الحرب الأولى إبادة جماعية، إلى موقف عدد من الحكومات الأوروبية التي حذت حذوه. وهي مواقف كادت أن تطيح سياسة التقارب بين أنقرة ويريفان.

هل تكون «الرسالة التركية» آخر الطلقات قبل إقفال باب الحوار والوساطات، أم أنها الطلقة التي تصحو إيران على دويها لإبعاد طوق العزلة الذي يتهددها ويتهدد جيرانها من الجهات الأربع؟

====================

مصانع النكبات والمخيمات

الإثنين, 17 مايو 2010

غسان شربل

الحياة

يلعب الصغار عند مفارق الأزقة. يتراكضون ويتشاجرون. يرسلون ضحكاتهم بلا تردد. لا يتذمرون من قسوة المكان. ولا من الماء الآسن والحفر. يضحكون كمن يتحايل على قدره. على أعمار ستقاطعها الضحكات لاحقاً.

لم يتغير المخيم كثيراً. تضاعف عدد السكان مرات عدة. وتضاعفت أعداد الأعشاش الصغيرة المتلاصقة المكتظة. وعدد سكان المقابر. فوضى الأسلاك الكهربائية. والعيون العاتبة المطلة من النوافذ الصغيرة. والثياب المعلقة على الحبال القصيرة. والسيارات التي استهلكها الوقت. وداخل الغرف هجم الصدأ على المفاتيح القديمة. وهجم العمر على صور الشهداء.

لم يتغير المخيم كثيراً. وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (أونروا) أكثر المسؤولين الدوليين رحمة. تعبت هي الأخرى أو هرمت. وحدها الصحون اللاقطة مزدهرة. الفضائيات عزاء في المخيم. تعب السكان من تكرار تمسكهم بحق العودة. العودة متاحة فقط عبر الفضائيات. يتفرجون على بلادهم التي كانت بلادهم. على وحش المستوطنات يفترس التراب والفضاء ووثائق الملكية. على بيوت تغرز في لحمهم وتزيد حلمهم استحالة. هذا هو الزمن الفلسطيني - العربي الحالي: فضائيات ومخيمات.

على المصطبة الصغيرة يجلس الرجل الستيني يدخن. قربه بضع شتلات من الحبق ونباتات أخرى. كأنه يحاول أن يتذكر انه كان صاحب أرض ولو صغيرة. وصاحب تراب يصلح للزرع والقبر. كأنه يحاول بالخضرة المحاصرة رد سواد العمر. تجاعيد وجهه تشبه أوراق دفتر. دفتر العيش في المخيم. غير بعيد عن وطن يزداد ابتعاداً. دفتر يحكي صعوبة الخبز. وصعوبة العمل. وصعوبة أن تكون لاجئاً. وأن تولد في المخيم وتدفن في المخيم.

يبدو المخيم هادئاً وآمناً. لكن على الزائر أن يكون أكثر تنبهاً. فور حدوث إشكالات ينتشر المسلحون. يبدأ إطلاق الرصاص ثم تدوي القذائف. المخيم أيضاً قابل للتقسيم. للمتشددين فيه أحياء ومساجد وبنادق. يختلفون على أنجع الطرق للوصول الى فلسطين. أنجع الطرق للسيطرة على مفترق مجاور أو حي قريب.

لم يتنازلوا عن حقهم وحلمهم. لكنهم من داخل ذلك المخيم رأوا الفصول تذهب وتجيء. ويبقى المخيم ويبقون فيه. ورأوا عملية السلام تذهب وتجيء. والطائرات تذهب وتجيء. ورأوا أسماء جنرالات المخيم تتغير ويبقى المخيم ويبقون فيه.

أحياناً تدوي مكبرات الصوت وتدعوهم. يتظاهرون غضباً واحتجاجاً. ثم يعاودون العيش. شبان بلا عمل أو بعمل لا يضمن عيشاً شبه كريم. وأحلام بالهجرة يعترضها نقص الوثائق أو شكوك فيها. طالت قسوة الزمن. يولد الفلسطيني في المخيم. يعتنق الثياب المرقطة. والكلاشنيكوف. والكوفية. يتزوج وينجب فيضاعف عدد اللاجئين. يحلم بالعودة الى تراب يحبّ ثم يتمدد في تراب المخيم.

في مخيم عين الحلوة قرب صيدا تتزاحم الصور في رأسك. كوفية ياسر عرفات. وشارة النصر. والطائرة التي لا تنام. وأوسلو. والمقاطعة تتهدم على الزعيم الرمز. تتذكر محمود درويش وحبل الزغاريد والعابرين في كلام عابر. تتذكر أيضاً جروح الانقسام الفلسطيني. وبنود المصالحة الوطنية. وجاذبية عدم التوقيع. ورفاهية عدم التوقيع.

ذكرى النكبة. ذكرى النكبة الكبرى. والعجز الشاسع. وذاكرة العالم التي تنسى. عالم موحش ومتوحش. ومنطقة تغص بمصانع النكبات والمخيمات.

====================

من يدير السياسة الخارجية؟

(إفتتاحية "هآرتس" 14/5/2010)

المستقبل - الاثنين 17 أيار 2010

العدد 3654 - رأي و فكر - صفحة 19

بعد سنة ضائعة، بدأ طرفا النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني في السير بتردد على مسار يُفترض به ان ينقلهما من محادثات غير مباشرة إلى مفاوضات مباشرة، وفي النهاية إلى التسوية الدائمة. استنادا إلى تجارب الماضي، ومعرفة النفوس والظروف، فإن فرص النجاح ليست كبيرة، لكن ينبغي أن تكون إسرائيل معنية بحصول جهد صادق وأجواء ايجابية تبث الأمل. هذا سيجد نفعا لإعادة الثقة في العلاقات مع الفلسطينيين، وسيكون مفيدا للادعاء عند حصول الأزمة بأن المسؤولية لا تقع على إسرائيل.

إلى هذا الوضع الدقيق اندفع وزراء اليمين في الحكومة وعلى رأسهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، وبدؤا يستفزون الفلسطينيين والعالم، وعلى رأسه إدارة أوباما.

في مقابلة أجرتها معه صحيفة هآرتس أمس، تحدث ليبرمان بلغة فظة واستهزائية عن الشخصيتين الفلسطينيتين الكبيرتين والأكثر اعتدالا، محمود عباس وسلام فياض. فهو غمز من قناة عباس من خلال الحديث عن الادعاء الذي سُمع حتى الان من مصادر غير رسمية، بأنه خلال حملة "رصاص مصهور" طلب رئيس السلطة الفلسطينية من إسرائيل مواصلة الضغط العسكري من أجل اسقاط حكم حماس في غزة. وبالنسبة إلى فياض، الذي وضع خطة لإقامة مؤسسات الدولة الفلسطينية ولإقامتها خلال عامين حتى من دون موافقة إسرائيل، اتهمه ليبرمان بأن يتحرك انطلاقا من دوافع سياسية وشخصية. واستخدم ليبرمان لغة استعلائية وعدائية تجاه فياض، الذي يبدو في نظر العالم كزعيم فلسطيني واعد.

يدعي ليبرمان "أننا قمنا بالكثير من البادرات الحسنة ولم نتلق سوى الصفعات". فما شك في صحة ما يقول، وفي جميع الأحوال إسرائيل ليست فاعل خير، بل هي تعمل بحسب مصالهها الأمنية والسياسية. فرفع الحواجز في مناطق الضفة، بالتشاور مع المؤسسة الأمنية، لم يؤد إلى استئناف موجة العمليات. والارهاب يُحبط من خلال نشاط الجيش الإسرائيلي والشاباك وبالتعاون الذي لم يسبق له مثيل مع مؤسسات السلطة، التي تعمل تحت إمرة فياض، الرجل الذي يوليه ليبرمان اية اهمية. الوضع الجديد في الضفة الغربية، الذي يتناقض مع الوضع في غزة تحت حكم حماس، يمنح الفلسطينيين شعورا بالارتياح المتزايد والأفق الاقتصادي؛ لكن حتى يكون لهذا الأمر قيمة حقيقية ثمة حاجة أيضا إلى أفق سياسي، وهذا الأفق مرتبط بالعملية التعثرة التي يعمل ليبرمان كل ما في وسعه لاحباطها.

ليبرمان، تحت غطاء التباهي بمركزية منصبه ك"جهة جوهرية"، لا يستطيع حتى رؤوساء الدول العظمى تجاهلها ظاهريا، يتباهى حتى بنية زعماء مصر وفرنسا مقاطعة مؤتمر دولي في برشلونه إذا ضمه الوفد الإسرائيلي إليه. هذا تباه عبثي وسخيف. وعلى الرغم من أنه لا يمكن الشعور بالفرح لمقاطعة إسرائيل، لكن ليبرمان نفسه جلب على نفسه هذه الردود من خلال كلامه وأسلوبه. فوزراء الخاردية يفترض بهم بناء الجسور، وهو يهدمها.

بنيامين نتنياهو ملزم بتقديم جردة حساب إلى مواطني إسرائيل. من الذي يدير السياسة الخارجية؟ ليبرمان؟ وزير الدفاع ايهود باراك الذي يشجب ويدين "وزراء كبار" من أمثال ليبرمان؟ أم نتنياهو نفسه؟ لكن اي نتنياهو؟ ذاك الذي تحدث في البيت الأبيض، أم الذي تحدث في المدرسة الدينية "مركز هراف"؟

====================

صناعة الإرهابيين

روبرت وايت

الشرق الاوسط

5/17/2010

المصير الواحد الذي لا يتحتم على المعلق المحافظ دانيال بايبس أن يشعر بالقلق إزاءه هو الغرق في التعقيد المفاهيمي، حيث إنه يجعل نظرياته بسيطة. ونظريته بشأن السبب وراء محاولة فيصل شاه زاد تفجير قنبلة في ميدان التايمز الأسبوع الماضي هي «نية الجهاد».

كان مقال بايبس ينطوي على الازدراء للتفسيرات الأخرى، التي تقول إن شاه زاد كان غير مستقر عاطفيا، على سيبل المثال، أو أن هذه القنبلة كانت ثمنا للعمليات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة في باكستان. وفي عالم بايبس، على ما يبدو أن هذه التفسيرات مناوئة لتفسير «نية الجهاد»، ولا يمكن أن تبرز في وصف كيف تبنى شاه زاد نية الجهاد في المقام الأول.

ويبدو أن جيفري غولدبيرغ، مراسل مجلة «ذا أتلانتيك»، يوافق على أن الفكر الجهادي نوع من المحركات الأساسية للإرهاب. وبعدما أشار المدونون إلى أن شاه زاد فقد منزله في إحدى قضايا الرهن العقاري، رفض غولدبيرغ الفكرة التي تقول إن «الأزمة المالية في البلاد، وليس الفكر الجهادي، على سبيل المثال، هي السبب الجذري وراء رغبة شاه زاد في ارتكاب جريمة القتل في ميدان التايمز».

أود دعوة بايبس وغولدبيرغ إلى تخيل عالم بديل، عالم لا يكون فيه بعض السلوكيات، مثل زرع القنابل، لها سبب «جذري» واحد. وفي هذا العالم، يعد سلوك زرع القنابل إلى حد ما مثل القنابل في حد ذاتها: ينبغي وضع عدد من هذه المكونات معا قبل أن تنفجر الأشياء. إذا فهمت ما هي هذه المكونات، وأيها يمكنك السيطرة عليه، فقد يمكنك جعل سلوك زرع القنابل أقل شيوعا.

وفي العالم الذي أفترضه، من الممكن تصور السيناريوهات التالية:

ينتقل شاب باكستاني إلى أميركا، ويدرس في الجامعة، ويحصل على وظيفة، ويكون أسرة. ويصبح غير سعيد. ربما تكون لديه مشكلات مالية (على الرغم من أنني أشك، لأسباب لخصها تشارلز لين هنا، في أن الحجز على منزل شاه زاد يعني في الواقع الكثير)، أو أن المشكلة هي فقط أنه لم يعثر على البيئة الاجتماعية الملائمة. أو ربما كان غير مستقر إلى حد ما في بادئ الأمر، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة أن يعثر على هذه البيئة الاجتماعية الملائمة وقد يجعل ردة فعله على عدم العثور عليها أكثر حدة.

وعلى أي حال، وبغض النظر عن السبب، إنه يشعر بالغربة في أميركا. فهو يظل على اتصال بأناس وأحداث من وطنه باكستان، وذلك يعطيه سببا آخر لكره أميركا: الطائرات الأميركية من دون طيار تقذف باكستان، وفي بعض الأحيان تقتل النساء والأطفال.

الصقور الذين يؤيدون الحرب على الإرهاب في حاجة إلى أن يسألوا: ما إذا كانت السياسات التي يفضلونها قد خلقت إرهابيين أم لا؟

وبفضل الإنترنت، لم يستغرق الأمر منه وقتا طويلا كي يعثر على أناس يفكرون بالطريقة التي يفكر بها، أو يخضع لسلطان إمام يتبنى أفكارا راديكالية ويعمل من اليمن. «نية الجهاد» تشكلت لديه، وفي النهاية دخل حظيرة الجهاديين الحقيقيين، وهم فصيلة من حركة طالبان باكستان. لقد أعطوه ما لم يعثر عليه في أميركا: شعورا بالانتماء، وشعورا بأن له غاية وهدفا. المكونات الأساسية لسلوك زرع القنابل أصبحت متوافرة الآن.

ولست متأكدا من أن هذه هي قصة فيصل شاه زاد؛ حيث إننا لا نعرف الكثير حاليا. لكن هذه القصة تتفق مع الحقائق التي تم الكشف عنها بشأنه حتى الآن، لكن قصصا كتلك القصة تتكشف في العالم الذي نعيش فيه. كثير من الأشياء تدعم «نية الجهاد»، وقد تشمل هذه الأشياء سياسة إطلاق الصواريخ على باكستان.

وفي الحقيقة، يبدو أن هذه السياسة جزء من الدافع وراء ما قام به شاه زاد. حيث تفيد التقارير أنه أخبر المحققين بأنه كان مستاء بشأن الضربات التي قامت بها الطائرات من دون طيار.

وبكل وضوح، «آمل أن» القول بأن السياسات الأميركية قد تتسبب في الإرهاب ليس مثل القول بأن أميركا تتحمل مسؤولية الإرهاب. يمكن القول بأن هذه السياسات قد تكون لها سلبيات. وبكل وضوح، قد يكون لهذه السياسات إيجابيات كذلك؛ فعلى سبيل المثال، تؤدي الضربات التي تقوم به الطائرات من دون طيار إلى تعطيل الخدمات اللوجستية للإرهابيين.

ويحتاج توضيح الأسباب التي دفعتني إلى الاعتقاد بأن السلبيات غالبا ما تتفوق على الإيجابيات إلى مقال آخر. أما في هذا المقال، فتتمثل النقطة الأساسية في أن الصقور الذين يؤيدون الحرب على الإرهاب في حاجة إلى مواجهة السلبيات، بدلا من العمل كما لو أن ترسيخ دور «نية الجهاد» أو «الفكر الجهادي» يُنهي النقاش بطريقة ما. إنهم في حاجة إلى أن يسألوا ما إذا كانت هذه السياسات التي يؤيدونها خلقت إرهابيين في الخارج وفي الداخل، وهو ما يسبب مزيدا من القلق، في الوقت الذي تقتل فيه الإرهابيين في الخارج.

وهذه السياسات، التي يتبناها الصقور ومن المحتمل أن تكون لها نتائج عكسية، تتجاوز ضربات الطائرات من دون طيار، وهي الحقيقة التي يؤكد عليها الصقور أنفسهم من غير قصد. كانت هذه السياسة هي أول من سلط الضوء على الدور الذي لعبه أنور العولقي من اليمن في تحفيز شاه زاد وغيره من الإرهابيين. لكن، انظر إلى قصة تجنيد الجهاديين التي يروجها العولقي. فهو يقول إن أميركا تحارب الإسلام، ولتدعيم ما يقوله استشهد بأعظم الضربات في سياسة الصقور: غزو العراق، زيادة عدد القوات في أفغانستان، والهجمات التي تقوم بها الطائرات من دون طيار، وغيرها.

وربما تكون كل هذه السياسات، وليس فقط آخرها، قد ساعدت على تحريض شاه زاد. وبالرجوع إلى عام 2004، كما يتذكر أحد وكلاء العقارات، تحدث شاه زاد بصراحة على نحو غريب عن معارضته للحرب على العراق. وفي العام الماضي، طلب من والده الإذن للذهاب لمحاربة الأميركيين في أفغانستان. وعندما فقد هذه الفرصة، تحول إلى ميدان التايمز. (وهذا دليل ضد النظرية التي تقول إنه كان منذ البداية معاديا لأميركا.) وينطبق ذلك أيضا على اثنتين من الهجمات الإرهابية التي استهدفت أميركا خلال العام الماضي، وهما حادثة إطلاق النار في قاعدة فورت هوود العسكرية، ومحاولة تفجير إحدى الطائرات الأميركية. ووجد الجناة في الحادثين في سياسات الصقور سببا لاعتناق الفكر الجهادي.

أثارت الحروب في العراق وأفغانستان غضب الميجور نضال حسن، الذي قام بإطلاق النار في قاعدة فورت هوود. وكان المتهم في محاولة التفجير الثانية يعطي لمحات عن «نيته الجهادية» حينما كان طالبا في كلية لندن. وفي هذه الكلية، رعى مؤتمرا حول الحرب على الإرهاب، وكان الملصق الذي يعلن عن المؤتمر يحمل صورة لأحد المعتقلين في غوانتانامو، وكان هذا السجين معصوب العينين ومقيد اليدين وراكعا. وهذه الصورة الجهادية كانت مجاملة من ديك تشيني.

ولسوء الحظ، لا يتخلص الرئيس أوباما من طريقة بوش وديك تشيني، التي منحت الجهاديين مثل هذه النقطة الفعالة للحديث. بل وعلى النقيض تماما، يعتقد البيت الأبيض أن الدرس المستفاد من قصة شاه زاد قد يكون أنه ينبغي لنا أن نكون أكثر عدوانية في باكستان، وهو الشيء الذي من المحتمل أن يؤدي إلى إرسال مزيد من الجنود إلى ميدان المعركة. وبالفعل أجاز أوباما قتل العولقي.

وحتى باستثناء القضايا الدستورية (حيث إن العولقي مواطن أميركي)، ألا يرى أوباما ما هي الهدية التي سيمنحها قتل هذا الإمام للقضية التي يتبناها؟ ما عليك إلا أن تسأل الرومان كيف نجحت استراتيجية حركتهم المناهضة للمسيح. (لم يحفظ أتباع المسيح مواعظ قائدهم على ملفات مرئية ومسموعة؛ ستكون إحياء ذكرى العولقي قوية في الواقع).

عندما تنظر إلى كم الأدلة الطبيعية ضد وجهات النظر التي يتبناها الصقور الذين يؤيدون الحرب على الإرهاب، فلن يكون مفاجأة أنهم سيشيدون عالمهم الصغير، وهو مكان تكون فيه «نية الجهاد» قضية تلقائية، وأملنا الوحيد هو قتل أو تخويف الأشخاص، الذين ينشغلون بها، من خلال عملية سحرية تتحدى الفهم.

ما يثير الدهشة هو أن باراك أوباما، الذي أصبح مرشح الديمقراطيين لمنصب الرئيس لأنه كان يعارض الحرب على العراق، يبدو على نحو متزايد أنه يأخذ العظة من الأشخاص الذين كانوا يؤيدونها بصورة كارثية للغاية.

=======================

حظر النقاب وقوننة التمييز

أ.رابحة الزيرة

جمعية التجديد الثقافية - البحرين

17/5/2010

قيل للمتحمّسين لإصدار قانون يحظر النقاب في الأماكن العامة في أوروبا: "إن هذا القانون ينتهك الدستور"، فقالوا: "سنجد طريقة لقوننة حظر الحجاب .. فالقوانين قابلة للتطوّر"! في إشارة منهم إلى الالتفاف على الدستور والاعتداء على المؤسسات القائمة على حماية القانون بسنّ قوانين خاصة لفئات معينة من المواطنين، ما يجعلها اعتباطية وتؤدّي إلى خلخلة البنية الدستورية لدولة القانون التي أُسّست عليها الأنظمة الغربية، وهذا هو أخطر ما في الأمر، وأكبر خسارة للعلمانية سواء بمعناها الرائج أي "فصل الدين عن الدولة"، أو بمعناها الآخر المُروَّج –كما يُنظّر البعض- بأنّها تعني الدولة العلمية التي تسنّ قوانينها استناداً على الدراسات الموضوعية، والإحصاءات والمناهج العلمية.

 

رُبّ ضارة نافعة، إذا عرف المنتهكة حقوقهم كيف يناضلون من أجلها باستخدام آليات دولة القانون وأدواتها المتاحة، والاستعانة بالشخصيات المتنفّذة والمنصفة، وبناء التحالفات المثمرة مع منظمات حقوق الإنسان المعتبرة، لاسترجاع حقوقهم التي ضمنها لهم الدستور ومواثيق حقوق الإنسان، ففي فرنسا مثلاً فاز أربعةٌ وثلاثون صوتاً ضدّ (صوتين) فقط من اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان لرفض أي قانون يمنع النقاب بشكل عام ومطلق، لا دفاعاً عن النقاب، فجُلّ هؤلاء – إن لم يكونوا كلّهم – لا يؤيدون النقاب أصلاً، ولكن حفاظاً على حرمة القوانين وحمايتها من الانتهاك بأهواء شخصية أو نوايا انتهازية .. بل وقد عرض بعض نشطاء حقوق الإنسان على إحدى الفضائيات استعدادهم التام للدفاع (مجاناً) عن كل امرأة تُمنع من ممارسة حقوقها المكفولة دستورياً، لقطع الطريق على المتطرّفين ومنعهم من العبث بالقوانين لتمرير تعصّبهم وعنصريتهم.

 

ليس غائباً عنّا بأنّ النساء في الدول الإسلامية وبالأخص العربية منها يمارَس ضدّها ألواناً من الاضطهاد والقهر والتمييز، ونعلم أن أكثر من نصف مليون طالبة تركية حُرمن من الدراسة الجامعية بسبب ارتدائهن الحجاب، بينما استطعن أن يحصلن عليها من الجامعات الغربية! وندري أنّ العديد من المحجبات التونسيات تعرّضن إلى المضايقات في الشوارع وأماكن العمل، وتمّ تجريد العديد منهن من الحجاب عنوة في بعض مراكز الأمن بالعاصمة، وإجبارهن على التوقيع على تعهّد بعدم العودة لارتداء الحجاب! ولا ننسى فتوى شيخ الأزهر بجواز حرمان الطالبات المصريات من دخول قاعة الامتحان بالنقاب، ولا الطريقة غير اللائقة التي خاطبهن فيها، ولدينا سجلّ طويل لرصد الانتهاكات الحقوقية في شتى الميادين في الوطن العربي، من قبل ممارسات المؤسسة الدينية المتخلّفة بالتعاضد مع الأنظمة الاستبدادية، ولكن (قوننة) التمييز وسلب الحقوق على أساس الدين أو العرق أو اللباس أو نمط الحياة اليومية، وتطبيقه بأساليب قسرية أو التوائية في ما يسمّى ب"الديمقراطيات العريقة" هو ما نخشاه لأنه إيذان لبداية العودة إلى عصور الظلام.

 

بمناسبة اللغط الدائر حول قضية النقاب، وقبلها الحجاب، لا ندري أندين فرنسا الساركوزية، وأوروبا التطّرف والفوضى، أو نترحم على فولتير التسامح، وفلاسفة التنوير وحكمتهم التي لازالت أصداء كلماتهم ترنّ في ضمائر المؤمنين بها، فولتير الذي دافع عن "جان كالاس" البروتستانتي الذي قُتل على يد التعصّب المذهبي الكاثوليكي الذي يدين به فولتير نفسه، ما يعني أن فولتير وقف مدافعاً عن شخص ينتمي إلى المذهب المضادّ له، وقد لخّص عقيدته تلك في كلمته الشهيرة التي أسست فلسفة الديمقراطية في الغرب "قد أختلف معك في الرأي ولكنني مستعد لأن أضحي بنفسي من أجل أن يتاح لك أن تعبّر عن رأيك وقناعتك".

 

فولتير القائل في "رسالة التسامح" التي كتبها قبل أكثر من ثلاثة قرون مبتهلاً إلى الله تعالى: "لا أتوجّه بدعائي هذا إلى الناس بل إليك أنت يا إله الكائنات أن أذنت لمخلوقات ضعيفة ضائعة أن تتجاسر وتسألك .. اجعلنا حيث الفروق الضئيلة بين الملابس التي تستر أجسامنا، وبين لغاتنا القاصرة، وعاداتنا المضحكة، وبين شرائعنا وقوانيننا، وبين كل آرائنا الحمقاء، وبين كل أحوالنا التي تبدو في عيوننا متباينة ولكنها أمامك متساوية، اجعلنا بحيث كل هذه الفروق الضئيلة التي تميز الذرّات التي تسمى بني الإنسان لا تكون علامات وشارات لإثارة الكراهية والاضطهاد ... واجعل أولئك الذين يغطّون أثوابهم بقماش أبيض ويقولون أنه يجب أن نحبك.. لا يكرهون أولئك الذين يقولون الشيء نفسه وهم يتدثرون برداء من الصوف الأسود .. إلخ".

 

فهل هؤلاء الذين يتغنّون بفولتير وفلسفته، وتسامحه، وبمبادئ الجمهورية الفرنسية من حرية وعدالة ومساواة واعون لمدى ابتعادهم عنها؟ وهل هم مستعدون لخوض عملية نقد ذاتي لكل الممارسات العنصرية التي ارتُكبت بحق مواطنيهم ابتداء من الحادي عشر من سبتمبر إلى الآن تحت عنوان محاربة الإرهاب والتطرّف؟ أم أن قضية حظر النقاب ستكون سبباً للكشف عن الوجه الحقيقي للتعصّب المخبوء تحت قناع مدّعي العلمانية.

=========================

الحقوق.. من أين تبدأ؟

الشيخ عباس النجار

جمعية التجديد الثقافية - البحرين

17/5/2010

تنحو البشريةُ اليومَ بشكلٍ حثيثٍ نحو التركيز على إرساء القوانين التي تحمي حقوق الإنسان كأساسٍ للتعامل بين بني البشر، مسألة حقوق هذه تلخص قصة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان على هذه الأرض، الأمر الذي جاءت شرائع السماء لحسمه وتثبيت حقوق الناس سواء الطبيعية منها أو المكتسبة، كل الناس بغض النظر عن انتماءاتهم وعقائدهم وأجناسهم (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)(الحديد: الآية25)، جاءت هذه الشرائع لصياغة الإنسان الذي يراعي الحق ويلتزم به لا بالمعنى الشرعي فحسب وإنما بالمعنى الموضوعي الذي يضع حدا لظلم الإنسان نفسه أو غيره، لأنّ كل ظلم يوقعه الإنسان على غيره فهو في ذات الوقت ظلم لنفسه.

 

إنّ معركة الحقوق هذه مهما طال أمدُها وعظُمت تضحياتها وجلّت، فإنها تستحق كل ذلك العناء لأنها معركة الإنسان الحقيقية، ولكننا وفي خضم انشغالنا بالعمل لاستحصال هذه الحقوق نغفل جانباً مهماً من بنيتها التحتية التي لا تنحصر في الإلمام بثقافة الحقوق ومعرفة تفاصيلها فحسب، وإنما تمتد إلى أغوار النفس الإنسانية لاستصلاح ما فسد من جذور إيمانية وثقافية تتعلق بحقوق الآخرين، فالحق ليس إلا الوجه الآخر للواجب.

 

عادة ما يتم التركيز في المطالبة بالحقوق على تلك التي تكون مستلبةً من قبل الآخرين، فتهبّ الهيئات والجمعيات التي تنادي وتطالب بتلك الحقوق، وهذا عمل إنساني نبيل ورائع؛ القيام بالدفاع عن حقوق الآخرين وبصوت مسموع وتقديم بعض التضحيات في سبيل ذلك مما يقضّ مضاجع منتهكي الحقوق ويربك استقرارهم فيضطروا مكرهين لإرجاعها أو ربما –في الدول التي تسمح قوانينها- تقديمهم للمحاكمة على ما ارتكبوه لينالوا جزاء أعمالهم ويكونوا عبرة لغيرهم.

 

ولكن ماذا عن الحقوق التي تكون مضيّعةً من قبل الإنسان نفسه، أعني أنّ الإنسان نفسه أهدرها طواعية أو تخلى عنها استكانة؟! فحق التعليم مثلا له جانبان، الأول يخص الدولة أو الجهة المناط بها مسؤولية توفير البيئة التعليمية من سن القوانين التي تكفل هذا الحق لأفراد المجتمع بل تلزمهم به في سن معين حتى لا يعم الجهل والأمية، أما الجانب الآخر فيتعلق بالفرد نفسه الذي ينبغي له أن يؤمن بأنّ من حقه أن يتعلم وأن ينهل من المعارف والعلوم ما يطوّر به نفسه، وأن لا يفرط في هذا الحق نتيجة تردد أو خوف أو كسل أو انعدام ثقة أو غيرها من علل نفسية قد تصيب المرء فتقعده عن طلب العلم والمعرفة.

 

فكما أنّ لبدنك عليك حقاً –كما ورد في الحديث- بأنْ تريحه من التعب وتحفظه من الآفات والأمراض وتتخير له طيب الطعام والشراب، فإنّ لعقلك أيضا عليك حقا أن تحرّره من أغلال التفكير وأن تغذيه بما ينفعه من المعارف والعلوم، ولنفسك أيضا عليك حق أن تتسامى وتتكامل فتنتفض وتثور على الكسل والدعة وطلب الراحة والمتع الزائلة، وليس لأحد أن يمنعك من ذلك.

 

فالوجه الآخر للحق هو الواجب كما ذكرت آنفا، ف (طلب العلم فريضة) و (اطلبوا العلم ولو في الصين) و (اطلب العلم من المهد إلى اللحد)، ولهذا يصح القول: (ما ضاع حق وراءه مُطالب)، ولعل هذه البنية الثقافية التحتية هي ما تُؤسس لحركة المطالبة بالحقوق وعدم السكوت على ضياعها من باب الاستسلام للظروف أو الأمر الواقع، خصوصا حينما تكون تلك الحقوق من متعلقات كمال النفس البشرية كالمعرفة والحرية والكرامة التي تدخل في بنية الذات والتي ينبغي العمل على اكتسابها وإنْ عاكستها الظروف الخارجية، فالحر في ذاته لا يقبل التعايش مع الواقع الذي يصادر حريات الآخرين، بل ربما ضحى بحريته الظاهرية ليعيش حريته الذاتية الحقيقية، فمعركة الحقوق تبدأ حقيقةً مع النفس أولاً (ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر) كما قال الإمام علي(ع)، فهو الجهاد الأكبر الذي يعقبه كمحصلة العمل من أجل استرجاع كل حق سليب.

 

وبهذا تنحل إشكالية (فاقد الشيء لا يعطيه)، فإذا كان المطالب بالحق هو نفسه منتهكاً لحق الآخرين، فقد نقض غزله بيده وفقد مصداقيته، وصار حاله كحال من يقرأ القرآن والقرآن يلعنه، فهل يُرجى خيرُه؟ ترى البعض يرفع عقيرته دفاعاً عن حقوق الناس في الملأ والمنتديات والصحف، وهو في بيته أو عمله جبّار على مَنْ تحته، يسومهم سوء المعاملة، فكم هي انتهاكات الحقوق التي تجري خلف أسوار البيوت بعيدا عن الرصد والتعقّب؟

 

صحيح أن انتهاك الحكومات للحقوق لا يفوقه أي انتهاك آخر، وهو لا يخفى على المراقبين الحقوقيين، لأنّ أغلب تلك الممارسات واضحة للعيان، وواقعة تحت الرصد كما أنها متوقعة من طرف قوي يريد الاستئثار بالموارد، ويخشى الانتقاص من سلطته وهيبته، ولكن هناك الكثير من الممارسات في المجتمع تشي بلامبالاتنا بالحقوق بل وجهلنا بها نتيجة احتشاء عقولنا بمفاهيم مغلوطة تقلب الباطل حقاً، مثل النظرة الدونية للمرأة وخلقها من ضلع أعوج، وضرب الزوجة، وعضل الأب ابنته من زواج الكفؤ، وإهدار كرامة العاملات في البيوت، وممارسات الإقصاء مع المختلف وعدم احترامه وازدرائه وتشويهه وقذفه، كل هذه الأفعال لا تُصنّف على أنها اعتداء على الآخر بل ربما تُبرّر على أنها من الشرع! ما يجعل دين الله العظيم في مواجهةٍ مع الحقوق الإنسانية التي كفلها هو لجميع البشر، فيا لسخرية القدر!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ