ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 09/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


من الفساد الى الظلم الاجتماعي والاحباط والتطرف

أحمد طيباوي

5/8/2010

القدس العربي

ليس أكثر من أنباء خيباتنا المتتالية في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية في صحفنا وإعلامنا العربيين إلا أخبار الفساد وفضائح المفسدين المتواترة تباعا.لقد أصبح من المشروع جدا التساؤل عما إذا كان الفساد خصلة أخرى من خصالنا العربية 'المجيدة'.

يظهر الفساد في ثنايا كل مؤسسات الدولة العربية وهيئاتها من القاعدة إلى القمة.وهو يتمثل أساسا في إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص.فالفساد يحدث عادة عندما يقوم الموظف أو المسؤول بقبول أو طلب أو ابتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة،كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على المنافسين(في المناقصات والعروض)،وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين السارية.ويمكن للفساد أن يحدث كذلك عن طريق استغلال الوظيفة العامة،دون اللجوء إلى الرشوة،وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة.

وبعبارة أوجز نستطيع التعبير عن الفساد بالثالوث الشيطاني:

الرشوة/الاختلاس/المحسوبية.وعماد وجوده في دواليب الدولة هو الفساد الإداري بشكليه الأفقي والعمودي،أي فساد في القاعدة أو فساد من الأسفل إلى القمة عند كبار المسؤولين. وقد كان الفساد محليا بالأساس لكنه أضحى الآن،وفي ظل الانفتاح الاقتصادي الحاصل في كل أنحاء العالم تقريبا، دوليا وعابرا للحدود.وهذا النوع الأخير،رواده أباطرة المال والأعمال وتجار السلاح والمخدرات والهاربون بثروات شعوبهم.أصبح يوجد في وقتنا الحاضر ما يمكن أن نطلق عليهم حقيقة لا تجاوزا تسمية 'مفسدون بلا حدود'.

وما يعنينا في هذا الوقت هو أن نفهم الارتباط القوي بين وجود أنظمة عربية غير ديمقراطية في جوهرها وجل مظاهرها وبين انتشار الفساد في البلاد العربية.في دولة يسود حكم غير ديمقراطي(لا حرية تعبير حقيقية،لا مشاركة سياسية فعلية) ينفصل النظام بمكوناته المختلفة عن القاعدة الشعبية التي يفترض أن يستند عليها في شرعية وجوده واستمراره والحكم باسمها.وسواء كان حكما فرديا أو حزبيا متسلطا أو عصبويا، فإن الهدف الذي ينشده هو البقاء.

نشأ حقل أو دائرة الفساد بشكله الحالي في معظم الدول العربية مع انتقال اقتصادياتها إلى النهج الليبرالي المتميز بإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص وبالانفتاح على التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية،مدفوعة بالتغيرات الكبرى التي شهدها العالم عقب نهاية الحرب الباردة،وبروز طبقات من الأثرياء الجدد المتحالفين مع أطراف نافذة في السلطة.والأطراف الأساسية في دائرة الفساد العربية تتمثل أولا في سلطة تتألف من عناصر أغلبها ذات هموم فردية بحتة بعيدة عن أي طموح يستند على رؤية إستراتيجية أو مشروع حضاري أو توجه نحو إنشاء الدولة الحديثة.وثانيا في قطاع خاص طفيلي وغير منتج في مجمله،مع بعض الاستثناءات طبعا،يتغذى على ثمار إعادة السلطات العامة تدوير عائداتها الريعية في شكل بنية تحتية وخدمات عامة، وأخيرا في مواطنين مهدوري الطاقة ومستنفدي الرغبة والإرادة في أي إصلاح سياسي،وغير متكتلين سياسيا،يعوزهم التوجيه من نخبة تبددت شرائح واسعة منها تدجينا وتهجيرا.

قد يذهب البعض للحديث عن القوانين والتشريعات لردع المفسدين،وتنمية البيئة الاجتماعية/الثقافية وتوعية المواطن كسبل لمكافحة الفساد ومنع انتشاره،إلا أن تلك الإجراءات على أهميتها لا تفي تماما بالغرض منها. إن جذور الفساد العميقة توجد في تكوين وبنية وطريقة سير النظام السياسي،وعلاقاته بالفئات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة،المتضاربة المصالح والاتجاهات والمساهمة في بقائه واستمراره،وكذا دوره الاقتصادي وحيازته المطلقة لموارد الأمة.

ربما من المفيد القول إن مكافحة الفساد تنطلق من ضرورة الاعتراف به وما يتبع ذلك من سن القوانين والتوعية الثقافية،لكن الأكيد أن اجتثاث الفساد والمفسدين على النحو المطلوب لا يتحقق بغير إعادة التركيب السياسي للنظم الحاكمة وإعادة الارتباط بين الجماهير وبين من يحكمها.

تبدأ مكافحة الفساد بترسيخ مفهوم جديد للدولة في أذهان المواطنين ونشر الثقافة الديمقراطية وتدعيم المجتمع المدني،وبأن هناك حد لا يمكن تجاوزه يفصل بين الملكية العامة والملكية الخاصة،وبأن المواطن هو الملك، وبأن الديمقراطية هي الحل لمأزقنا الحضاري والإنساني مهما طال هروبنا منها.وأيضا بإعادة النظر العميقة في هذه التوجهات الاقتصادية المتبعة والخيارات التنموية الفاشلة التي دفعت بالشباب لركوب قوارب الموت.

ينتشر الفساد حيث تغيب العدالة الاجتماعية ولا يتوفر مبدأ تكافؤ الفرص فيصبح المواطن العربي ينظر إلى السلطة على أنها لا عقلانية ويستبيح بالتالي الممتلكات والأموال العمومية ويهضم حقوق الآخرين إقتداء بما فعلته هي به.كما ينتشر الفساد حيث الولاءات الضيقة وعلاقات القرابة(قرابة الدم وقرابة العشيرة والجهة والمصلحة) في ظل غياب رهيب لثقافة الديمقراطية والمواطنة،وينتشر الفساد حيث أجور الموظفين الكادحين لا تسد رمق عيالهم وهناك تخمة لدى شرذمة قليلة استباحت الأوطان وأحلام البسطاء.ينتشر الفساد عندما تدير الدولة شؤونها بجهاز إداري عتيق عفا عليه الزمن وبيروقراطية صماء،يسود الفساد حيث الاختيار للمناصب يُبنى على الولاء والعشائرية لا على الكفاءة والإخلاص للدولة وللمجتمع.

ما دامت استقلالية القضاء وسيادة القانون في كثير من البلدان العربية من الأحلام البعيدة (أو الساذجة)، وتعزيز الديمقراطية فتح المجال أمام وسائل الإعلام واحترام رأي الفرد والشفافية والمساءلة تقترب من المستحيلات، فإن الحديث عن مكافحة الفساد لا جدوى منه.أما هيئات النزاهة العربية فهي في أحسن أحوالها مجرد مؤسسات موسمية النشاط هزيلة النتائج،إذ أننا لا نعالج المرض بمواجهة أعراضه.

التركيز على العوامل الثقافية والاجتماعية في مكافحة الفساد يعني مباشرة صرف النظر عن مصدره الأول، وخلاصا مجانيا للقائمين عليه، فالإصلاح السياسي وإطلاق حرية الصحافة وتطبيق مبدأ فصل السلطات ينتج عنه القضاء على المسببات المباشرة للفساد،ونتائج ذلك تكون في الأجل المنظور،في حين أن نتائج الإصلاح الاجتماعي عملية التغيير الثقافي لوحدهما تستغرقان زمنا طويلا جدا حتى تظهر نتائجهما،ونحن في زمن يداهمنا ويحصرنا في الزاوية الحضارية الضيقة.

إذا تم التغافل عن الإصلاح السياسي العميق والمستمر في البلاد العربية بدعوى الحفاظ على الاستقرار ومواجهة التحديات الخارجية وتحضير الشعوب للديمقراطية فإن ذلك يعني على وجه اليقين السير بخطى حثيثة نحو منزلقات خطيرة سياسيا وأمنيا واجتماعيا... لنجد أنفسنا في مراتب الدول الفاشلة.لا يمكن أن ينتشر الفساد وتُنهب ثروات الشعوب ويتم التحالف مع الشيطان للبقاء في الحكم وقهر البشر وسحق إنسانيتهم تحت وطأة الفقر والمعاناة ثم نتوقع أن يأتي الأفضل.

بعيدا عما يمكن أن يُعتبر جلدا للذات العربية،نذكر مقترحا لبشير مصطفى،وهو أكاديمي وباحث جزائري مهتم بالموضوع،يتعلق بفتح حوار'وطني'لمكافحة الفساد ينتهي إلى وضع ميثاق وطني يحدد معايير المحاسبة وتسيير المال العام والتعيين في الوظائف العليا للدولة والرقابة على الوظيفة العمومية.الميثاق المنشود بحسب رأيه يحمل صفة الالتزام والمرجعية الأخلاقية التي على أجهزة الدولة ومؤسساتها احترامها.ويكون من البديهي أن تشترك جميع فعاليات الأمة في صياغة مبادئه ويكون بمثابة الدستور الاقتصادي والمالي للسلطة التنفيذية،وبالتالي يتيح لكل مواطن فرصة الرقابة على المال العام بغض النظر عن موقعه على السلم الاجتماعي.ميثاق يحمل صفة الإجماع الوطني،يدعم السلطة الاعتبارية للقضاء الذي عليه أن يجتهد في تفكيك الفساد المنظم خارج آلية العقوبات،يتيح للسلطات الوطنية النزيهة مجالا أوسع للتدخل على مسار الإرادة الشعبية،ويحرر الإعلام من عقدة الخوف والتحوط من ردود فعل الشبكات الفاسدة.

لا أحد ينكر الجهود الصادقة في مجابهة الفساد لكنه بطبيعته كظاهرة اقتصادية واجتماعية أكبر من أن يتولاه شخص مهما بلغت مكانته وسلطاته،أو مجموعة محدودة مهما كانت صلاحيتها وقدراتها.

ثمة أخطار متعددة تتهدد هذه الأوطان، لكن أشدها فتكا تلك الأمراض الداخلية التي تنخر الجسد، كالفساد وتوابعه من ظلم اجتماعي وتبييض للأموال وهدر للطاقات ونشر للإحباط والتطرف وإضعاف هيبة الدولة والقانون وجعل صورتها باهتة في أعين مواطنيها وفي أعين العالم.

إن خطر الفساد على البناء النفسي والسلوك الاجتماعي العام للإنسان العربي أكبر مما يتصوره الكثيرون، فهو يؤدي بالانتماء إلى أن يكون ضعيفا جدا أو معدوما،ويثبت في الذهن أفكارا وتصورات مدمرة لصاحبها ولمجتمعه،ويعمق مما دعاه أحد الكتّاب العرب العطب الأخلاقي،كما يساعد على نشر أمراض وآفات اجتماعية يُستعصى علاجها إن استفحلت.

' باحث جامعي من الجزائر

====================

الخيار النووي الأميركي على إيران وتهديد الهجوم الإسرائيلي

غاريث بورتر - «انفورميشن كليرنج هاوس»

الدستور

8-5-2010

 إعلان إدارة باراك أوباما في وثيقتها "مراجعة الوضع النووي" ، بأنها تحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية ضد إيران ، يمثل عنصرا جديدا في استراتيجية إقناع طهران بأن الهجوم الإسرائيلي على المواقع النووية الإيرانية احتمال جدي إذا لم تذعن إيران لطلب وقف تخصيب اليورانيوم.

بالرغم من أن مسؤولي الإدارة امتنعوا على نحو حذر من رسم أي علاقة مباشرة بين الخيار النووي الجديد والتهديد الإسرائيلي ، فإن الوثيقة توسع مدى الطوارئ التي يمكن أن تلعب فيها الأسلحة النووية دورا ، مثل تلك التي تشمل ردا عسكريا إيرانيا على الهجوم الإسرائيلي.

حرب تشترك فيها إيران وتبدأ بهجوم إسرائيلي هو السيناريو الوحيد المعقول الذي يمكن أن يناسب فئة الحالات الطارئة المذكورة في الوثيقة.

 

تصف الوثيقة دور أسلحة الولايات المتحدة النووية في تلك الحالات الطارئة بأنه "ردعي". استراتيجية لاستغلال التهديد الإسرائيلي لمهاجمة إيران يمكن أن تسعى لمنع رد إيراني على مثل هذا الهجوم وبالتالي تجعله معقولا ولو ظاهريا.

 

ظهر الخيار النووي الجديد ضد إيران بعد سلسلة من البيانات العامة خلال السنة الماضية من قبل مسؤولين كبار ، من ضمنهم وزيرة الخارجية ، هيلاري كلنتون: ونائب الرئيس ، جو بايدن: أوحت أن الإدارة قد تجيز الخيار الإسرائيلي.

 

قالت كل من إدارتي بيل كلنتون وجورج بوش أن الولايات المتحدة "تحتفظ بحق" الرد بالأسلحة النووية على استخدام الأسلحة الكيمائية والبيولوجية في الهجوم على القوات الأميركية أو "أصدقائها" أو "حلفائها".

 

تهدف خطة الطوارئ التي تدعى كونبلان 8022 - 02 ، والتي تم اعتمادها في تشرين الثاني 2003 ، إلى تدمير الأسلحة النووية أو المنشآت النووية للعدو ، بما في ذلك استخدام أسلحة نووية لتدمير المنشآت التي تحت الأرض.

 

لكن الوثيقة الجديدة تشير إلى "مدى ضيق للحالات الطارئة التي ربما تلعب فيها أسلحة الولايات المتحدة النووية دورا في ردع هجوم بالأسلحة التقليدية أو بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية ضد الولايات المتحدة أو حلفائها أو شركائها".

 

تلك اللهجة تبدو وكأنها توحي بأن الخيار النووي يمكن أن يحول دون انتقام تقليدي إيراني ضد إسرائيل أو أهداف عسكرية أميركية في المنطقة في حال هجوم جوي إسرائيلي على إيران.

 

أوباما ووزير الدفاع روبرت غيتس أصدرا بيانات تربط ضمنيا الإعلان النووي الجديد بالمشكلة الأكبر وهي محاولة إجبار إيران على الخضوع لمطالب الدولية المتعلقة بالقضية النووية.

 

في مقابلة أجرتها محطة سي بي إس للأخبار بداية نيسان ، سُئل أوباما ما الذي جعله يفكر أن العقوبات يمكن أن تجدي هذه المرة. وبعد الإشارة إلى عزلة إيران ، التي قال أنها "أثرت على اقتصادهم" ألمح أوباما بوضوح إلى الخيار العسكري. وقال "الآن ، كما تعلم ، وكما قلت سابقا فإننا لن نزيل أي خيار عن طاولة المفاوضات ، وسوف نواصل زيادة الضغط ونفحص ما ستكون عليه ردة فعلهم".

 

في السابق ، كانت مراجع الخيارات التي توضع وتزال عن طاولة المفاوضات تستخدم للإشارة إلى خيار الهجمات الجوية الأميركية بالأسلحة التقليدية. على أي حال ، هنا كان أوباما يشير بشكل واضح إلى إعلان الخيار النووي في الوثيقة ، والذي كان يعرف أنها ستصدر في السادس من شهر نيسان كطريقة "لزيادة الضغط" على إيران.

 

وكان قد سئل في مقابلة أجرتها صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر في الخامس من نيسان إن كان يعتقد أن إسرائيل قد تتخذ قرارا بشن هجوم على إيران إن "بقيت على نهجها الراهن" ، رفض أوباما بان "يخمن القرار الإسرائيلي".

 

لكنه قال "نريد أن نرسل رسالة قوية جدا من خلال العقوبات ، ومن خلال إعلان مراجعة الوضع النووي ، ومن خلال القمة النووية التي سوف أستضيفها ، ومن خلال مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الأسلحة النووية المقبل ، من أن المجتمع الدولي جاد في أن تواجه إيران العواقب إذا لم تغير من سلوكها".

 

كان غيتس دقيقا جدا في التأكيد على ما دعاه "برسالة لإيران" في مؤتمره الصحفي حول وثيقة مراجعة الوضع النووي ، قائلا أن جميع الخيارات موضوعة على طاولة المفاوضات بشرط كيف نتعامل معك".

 

لم يكن في نية من كتبوا مسودة وثيقة مراجعة الوضع النووي داخل وزارة الخارجية إصدار تهديد جديد لإيران ، وفقا للمصدر الذي لخص الوثيقة مطلع هذا الشهر. لكن مسؤولا شارك في كتابة المسودة أقر بأن غيتس وأوباما قبلوا لهجتها بحماس للإيحاء بأن الولايات المتحدة لديها قبضة أقوى في التعامل مع إيران ، وفقا للمصدر.

 

منسق البيت الأبيض لشؤون أسلحة الدمار الشامل ، ومكافحة الإرهاب والسيطرة على الأسلحة هو غاري سيمور ، وقد ناقش علنا الحاجة إلى استغلال الخوف الإيراني من هجوم إسرائيلي للحصول على نفوذ دبلوماسي على طهران قبل الانضمام إلى إدارة أوباما.

 

وفي منتدى في معهد كنيدي في جامعة هارفارد في أيلول 2008 ، قال سيمور أن الإدارة المقبلة لا تريد "العمل بطريقة تعيق" الهجوم الإسرائيلي على إيران ، "لأننا نستخدم التهديد كأداة سياسية".

 

وكان سيمور قد سئل بعد الخطاب الذي ألقاه في مركز كارنيغي في واشنطن قبل أيام ما إذا كان يتوقع أن تصدق إيران أن الولايات المتحدة يمكن أن تستخدم الأسلحة النووي ضدها إذا ردت بالأسلحة التقليدية للانتقام من الهجوم الإسرائيلي ضد إيران. وقد تجاهل سيمور الإجابة على السؤال.

 

كجزء من الجهود الواضحة لجعل إيران غير متأكدة من الهجوم الإسرائيلي ، أوحت سلسلة من البيانات العامة أصدرها مسؤولون أميركيين كبار خلال السنة الماضية أنه لا يمكن القيام بشيء لمنع مثل هذا الهجوم الإسرائيلي. على أي حال ، نقلت إدارة أوباما للحكومة الإسرائيلية بصورة سرية معارضتها القوية لأي هجوم إسرائيلي على إيران ، وفقا لتقارير في الصحافة الإسرائيلية.

 

مسؤول استخباراتي أميركي كبير سابق حول إيران يعتقد أنه من المحتمل أن يدفع الخيار النووي إيران للمضي قدما في اتجاه الأسلحة النووية بدلا من الإقرار بالهزيمة. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني لمعهد الدراسات السياسية قال بول بيلار ، الذي كان ضابطا في الاستخبارات الوطنية عن الشرق الأدنى وجنوب آسيا من عام 2000 حتى 2005 ، على الأرجح أن المسؤولين الإيرانيين يرون الخيار النووي الجديد باعتباره "مظهرا آخر لعدائية الولايات المتحدة تجاه إيران".

 

قال بيلار إن القدرة على فهم التهديد الأميركي لإيران "يقدم أحد الدوافع الأساسية للإيرانيين لتطوير أسلحتهم النووية". وأضاف إن الإيرانيين "ربما يرون أيضا المبدأ كتغطية للهجوم الإسرائيلي إذ يخدم كرادع ضد الإنتقام الإيراني من هجوم كهذا".

 

محللون عسكريون وسياسيون آخرون يشككون في مصداقية الخيار النووي المعلن عنه ضد إيران.

 

مورتون هالبيرين ، الذي كان مديرا لقسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية في إدارة كلينتون ، قال لمعهد الدراسات السياسية ، "لا أعتقد أنه أمر معقول على الإطلاق. ولا أعتقد أن الإدارة تعتقد أنه أمر معقول. لكني أعتقد كأمر سياسي ، إن إزالته من على طاولة المفاوضات سيكون أمرا لا يمكن الدفاع عنه سياسيا".

 

جيم والش ، من برنامج الدراسات الأمنية لمعهد ماساشوتست للتكنولوجيا ، والذي كان لديه الكثير من الاتصالات مع قادة إيرانيين ومسؤولين عن الأمن القومي في السنوات الأخيرة ، قال لمعهد الدراسات السياسية أن الولايات المتحدة "لن تستخدم الأسلحة النووية ضد إيران" وأنه من "الغباء" الإيحاء بأن جميع الخيارات مطروحة على طاولة المفاوضات".

=====================

لا للاندفاع نحو المحادثات مع كوريا الشمالية

أندري لانكوف - «نيويورك تايمز»

 الدستور

 8-5-2010

رحلة بيل كلنتون إلى بيونع يانغ والإفراج عن الصحفيين الأميركيين أكدت ما كان يشك به العديد من المراقبين منذ بداية شهر تموز: كوريا الشمالية تعبر عن رغبتها باستئناف المحادثات مع الولايات المتحدة. هناك أسباب تمنع واشنطن من الاندفاع نحو طاولة المفاوضات فورا ، لكن البعض يشكون بأن تبدأ تلك المحادثات قريبا.

 

من المرجح أن توصف المفاوضات بأنها محادثات لجعل كوريا الشمالية تتنازل عن أسلحتها النووية. لكن يجب على المرء ألا يُضلل: لا يمكن لأي كم من الدبلوماسية تحقيق هذا الهدف.

 

لدى قادة كوريا الشمالية أسباب جيدة للاحتفاظ ببرنامجهم النووي. أولا ، هم بحاجة إلى سلاح رادع ضد هجوم أجنبي. ثانيا ، هم بحاجة إلى أسلحة نووية لأغراض محلية: برنامج الأسلحة النووية ربما يكون النجاح الوحيد الملموس لحكم كيم جونغ إيل.

 

لكن ، قبل كل ذلك ، البرنامج النووي هو أداة دبلوماسية قوية. فكوريا الشمالية لا يمكنها الحياة دون مساعدات خارجية ، يستخدمها النظام لدعم جماعات اشتراكية يعتبر ولاؤها أمرا أساسيا للاستقرار الداخلي. ولا شيء يمكن أن ينافس التهديد النووي كوسيلة للحصول على مساعدات خارجية.

 

عادة ما يكون هناك نقاش أن على كوريا الشمالية تسليم أسلحتها النووية مقابل برنامج مساعدات ضخم. لكن بيونغ يانغ لا يمكن أن تستخدم المساعدة لتعطي لاقتصادها دفعة ليبدأ من جديد ، لأن زعمائها يعتقدون أن الإصلاحات الاقتصادية سوف تكون هدامة سياسيا. الإصلاحات على النمط الصيني تتطلب كما كبيرا من الليبرالية السياسية. ونشر المعلومات عن نجاح كوريا الجنوبية الاقتصادي والحرية السياسية يمكن أن تسدد ضربة مميتة لشرعية النظام.

 

في هذا الوضع ، الخيار السياسي الأكثر منطقية أمام النخبة الصغيرة لبيونغ يانغ هو تجنب الإصلاحات الداخلية ، والحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي بأقل قدر ممكن ، وبالطبع ، الانهماك بابتزاز نووي. ويمكن للنظام أن يستعمل التهديدات بالتعاقب مع التلميح بحل ممكن ، وتقديم وعود بنزع السلاح النووي بالكامل في وقت ما في المستقبل. لعبت كوريا الشمالية هذه اللعبة لما يقارب عقدين من الزمن بنجاح ملحوظ.

 

طالما بقيت البلاد تحت سيطرة النظام الحالي ، فإن المفاوضات لن ينتج عنها كوريا شمالية خالية من الأسلحة النووية. وبالرغم من ذلك ، هناك أربعة أسباب على الأقل لإشراك كوريا الشمالية في المفاوضات.

 

أولا ، بعض التسويات المفيدة يمكن تحقيقها. من المحتمل التوصل إلى اتفاقية تقلل احتمال نشر بيونغ يانغ للأسلحة النووية. رغم كل شيء ، يدرك زعماء كوريا الشمالية أن مخزونهم الاحتياطي الحالي من البلوتوليوم المستخدم على مستوى الأسلحة كاف كأداة ردع وابتزاز ، لذا فإن إنتاجا إضافيا لن يشكل فرقا كبيرا. قد يوافقون على تدمير منشآتهم للأبحاث النووية في يونغ بيون ، إذا كان المردود الذي وعدوا بها كبير بما يكفي.

 

ثانيا ، المحادثات تخفف التوترات وتقلل احتمال المواجهة. بالطبع ، قد يلجأ دبلوماسيو بيونغ يانغ في أي وقت إلى خدعتهم المفضلة: الابتعاد عن المفاوضات ، وشن سلسلة من الاستفزازات لزيادة التوتر ، ومن ثم العودة إلى المفاوضات مع توقعات بفوائد أكبر. لكن في الوقت الذي تتواصل فيه المحادثات ، فإن احتمال وقوع مواجهة عرضية قليل.

 

ثالثا ، سوف تقدم المحادثات خطا من الاتصال الذي ربما يصبح أساسيا ، بما أن تغييرات كبيرة تلوح في بيونغ يانغ: الصور الحديثة لا تدع مجالا للشك في أن صحة كيم جونغ إيل قد تدهورت بشكل كبير.

 

ربما يكون السبب الأكثر أهمية لوجوب إشراك ببوينغ يانغ هو التأثير المحلي الطويل المدى للمحادثات. فالمفاوضات والمساعدات تخلقان بيئة يزيد فيها التواصل بين الشعب المعزول والعالم الخارجي بشكل ثابت ، ويكشف الكذبة التي على الكوريين الشماليين العيش فيها. على المدى البعيد ، سيقوض هذا الأمر النظام ، وسيأتي للبلاد بتحول راديكالي- ومن المحتمل ، أن أن يجلب حلا للقضية النووية.

 

بالرغم من ذلك ، يجب إدارة المحادثات المستقبلية دون آمال غير واقعية. ولإبقاء بيونغ بانغ مشتركة ، يجب تقديم شيء ما ، لكن السخاء المفرط غير مستحسن : سيثير المزيد من أعمال الابتزاز فحسب. أيضا ، لا حاجة للاستعجال. وقد حان الوقت للإدراك بأن مشكلة كوريا الشمالية لا تحل سريعا ، لكن يمكن - ويجب - تدبر أمرها.

=====================

نهاية الغموض النووي

روبين بدهتسور

هآرتس الاسرائيلية

الرأي الاردنية

8-5-2010

يبدو أنه لاول مرة منذ 1969 من شأن اسرائيل أن تقف أمام ضغط امريكي موجه نحو سياستها في الغموض النووي. في حينه، قبل أربعة عقود، اتفق حسب المنشورات بين رئيسة الوزراء غولدا مائير والرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون على الا تمارس الادارة الامريكية ضغطا على اسرائيل للانضمام الى ميثاق منع نشر السلاح النووي (NPT). وبالمقابل تعهدت اسرائيل الا تعلن عن كونها دولة نووية والا تجري تجارب نووية.

يخيل أن الرئيس براك اوباما قرر الخروج عن قواعد اللعب التي كانت مقبولة من أسلافه، وفي اطار رؤياه لاقامة عالم نظيف من السلاح النووي يعتزم العمل في الشرق الاوسط ايضا – المنطقة التي يسود فيها الافتراض بانه لا يوجد سلاح نووي الا لدى دولة واحدة هي اسرائيل.

على نية محتملة من اوباما لهجر اتفاق 1969 بين اسرائيل والولايات المتحدة يدل رده على ورقة العمل التي وضعتها مصر على طاولة مؤتمر ال NPT الذي ينعقد هذه الايام في مبنى الامم المتحدة في نيويورك. في البند 31 في ورقة العمل المصرية جاء أن الدول الاعضاء في ميثاق NPT (189 دولة) تتعهد الا تنقل الى اسرائيل معدات، معلومات، مواد او معرفة مهنية تتعلق بالنووي، طالما كانت اسرائيل غير مستعدة للانضمام الى الميثاق والسماح بالرقابة على منشآتها النووية. كما أن البند يدعو الدول الاعضاء في الميثاق الى «الكشف عن كل المعلومات المتوفرة لديها بالنسبة لطبيعة وحجم القدرة النووية لاسرائيل، بما في ذلك معلومات تتعلق بالمساعدة النووية التي قدمت لاسرائيل في الماضي». وما تقصده مصر هو اساسا فرنسا والولايات المتحدة اللتان تعتبران هما الموردتان الاساسيتان للبرنامج النووي الاسرائيلي. كما أن المصريين يدعون الى اتخاذ قرار لاقامة منطقة نظيفة من السلاح النووي في الشرق الاوسط.

محاولة مصرية مشابهة كانت في العام 1995، ولكن في حينه دعا الرئيس بيل كلينتون اليه الرئيس المصري حسني مبارك وطلب منه الكف فورا عن محاولة الضغط على اسرائيل للانضمام الى ال NPT. وخلافا لكلينتون، اختار اوباما الحوار مع مصر، بل ان الادارة الامريكية وافقت على تعيين مبعوث خاص ينسق اعدادا لمؤتمر دولي يعنى بتقدم فكرة شرق اوسط نظيف من السلاح النووي.

التطورات الاكثر خطورة في هذا المجال هي على ما يبدو امكانية أن تربط الادارة بين استعدادها للعمل لمنع تزود ايران بسلاح نووي بخطوات تطلب من اسرائيل في المجال النووي. صحيح أن هذه حاليا هي مبادرة مصرية، الا انه من غير المستبعد ان تؤيدها الولايات المتحدة. في هذه المرحلة يكتفي الامريكيون بخلق صلة بين الاستعداد للعمل تجاه ايران وبين استعداد اسرائيل لتحقيق تسوية مع الفلسطينيين.

بالنسبة لما يجري في هذا المجال، محظور على مقرري السياسة في القدس أن يواصلوا دس رؤوسهم في الرمال والامل بان تتمكن اسرائيل من مواصلة التمسك بسياسة الغموض النووي. يبدو أنه آجلا أم عاجلا سيضطرون الى الاعتراف بان عهد الغموض قد انتهى. وعليه فان على اسرائيل أن تستغل ما يجري هذه الايام في نيويورك وان تبادر الى حوار مع ادارة اوباما تتوصل فيه الدولتان الى اتفاق على هجر الغموض الاسرائيلي.

واضح أن موافقة امريكية على هذه الخطوة سيكون لها ثمن ستضطر اسرائيل الى دفعه: الاستعداد للتوصل الى تسوية مع الفلسطينيين، في اساسها تحقيق مبدأ الدولتين للشعبين. كونه من شبه اليقين ان الادارة على أي حال ستضغط لتحقيق هذا المبدأ فمن المجدي لاسرائيل أن تربط ذلك بالمطالب الامريكية من اسرائيل في المجال النووي.

على رئيس الوزراء ومستشاريه ان يهجروا الجمود الفكري الذي يميز سياسة النووي الاسرائيلية والمبادرة الى التغيير.

 في المحادثات مع الادارة يمكن لاسرائيل ظاهرا أن تستعين بالنموذج الهندي. في ايار 1998 هجرت الهند سياسة الغموض النووي، نفذت سلسلة من التجارب النووية وانضمت بذلك، في خطوة من جانب واحد، الى النادي النووي. صحيح ان الادارة الامريكية في البداية فرضت عليها عقوبات معتدلة جدا، ولكن لم يمر وقت طويل، وبمبادرة امريكية وقع بين الدولتين اتفاق للتعاون في المجال النووي.

وهكذا سلمت الولايات المتحدة بهند نووية، دون ان تنضم هذه الى ميثاق ال NPT.

 اسرائيل يمكنها ان تحقق مسبقا موافقة الادارة على الغاء الغموض وهكذا تمتنع عن مرحلة العقوبات. على أي حال الغموض الاسرائيلي يعتبر في العالم كله كبدعة تثير السخف. وقعت لدى اسرائيل الفرصة لان تضع حدا لهذه البدعة. يجب استغلالها.

=====================

ما الممكن.. أمام المستحيليْن : العربي الإسرائيلي..؟

نمر الزناتي

الرأي الاردنية

8-5-2010

حتى لا نغرق في بحر التفصيلات ونتوه في هوامشها وأزقّتها التي ما نزال ننجرّ وننساق إليها لنضيع ويضيع كل ما هو أساسي وجوهري في قضيّتنا، وهو ما حدث معنا منذ ما يقارب ثمانين عاماً، يجب أن لا يغيب عن أذهاننا لحظةً واحدة تذكّر :- (أ) أنّ صراعنا مع الحركة الصهيونية قام منذ البداية وتطوّر إلى ما نحن فيه، على الأرض... على انتزاعها منّا عنوةً واغتصابا وبالقوّة. حتى مقدّساتنا وألوان طعامنا وأزيائنا وأغانينا ورقصاتنا وعناوينها وأسمائها لم تسلمْ من شرّهم بل سرقوها وانتحلوها وادّعوها لأنفسهم. حتى أهرامات مصر التي ظهرت قبل خلقهم ادّعوا بناءها. (ب) وأنّ السلام يحتاج، كي يقوم ويدوم، إلى طرفين. هذا كلام قلناه وكرّرناه ولا ضررَ مِن تكراره دوماً. فكثيرون ينسون، وقد يقعون، في غمرة انغماسهم في التفاصيل، وفي لحظات من العجز واليأس، في شبهة الشك بأنهم أصحاب الأرض والحق. ففيما حضَرَ، وهو لا يختلف عما مضى وغبرَ، يتصادمُ مفهوم السلام الفلسطيني والعربي كما تصادم دائماً أفقيّا وعموديّاً مع مفهوم السلام الإسرائيلي. الفرق بينهما كالفرق بين الحياة والموت. لو صحّ أنهم فكّروا بإقامة سلام لما قاموا وما يزالوا يقومون ببناء كل العراقيل التي يستحيل بوجودها تحقيق أية تسوية يمكن أن تؤدي لأي سلام.

 

في ضوء ما تقدم وفي ضوء إصرار الإسرائيليين ومن معهم من ليكوديين أميركان وأوروبيين على المضيّ قدما في تهويد كل شيء بفلسطين دون اكتراث لعربٍ أو أميركان أو أوروبيين أو قوانين دولية أو احتجاجات أممية نتساءل : ما فرصُ نجاح العرب والفلسطينيين منهم بوجه خاص في الوصول إلى تسويةٍ (ما) مع العدو الصهيوني تنهي الأوضاع الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون في وطنهم، وتحقّقَ حداً أدنى يحول دون فقدان المجتمع الفلسطيني تماسكه ودون انهياره والقضاء على هويّته، بفعل التقطيع لأوصال وطنه فلسطين وتمزيق حياة أُسَرِه وتشتيتها دون اكتراث، وذلك – إنْ أمكن - من خلال إجراء عمليات تقطيب وترقيع واسعة النطاق لما أصابه من جروح وخروق وتقطيع أوصال أحدثها الاستيطان؟ ثم ما إمكانية إعادة تأهيل الأرض والإنسان بعد كل ما أصابهما خلال ما يزيد على ستين عاماً من عمليات البتر والتقطيع والتشويه المتواصلة التي تعرّض لها الجسم الفلسطيني. وطناً وشعباً ومؤسسات وأسلوب حياة ؟ هل هناك أيّة فرصة لنجاح مثل هذه التسوية الترقيعية في هكذا أوضاع قامت وأقامت كل أنواع الأسباب المستحيلة لمنع الوصول إلى تسوية؟ تستوي في ذلك أوضاع العرب التي أغرت العدوّ بالاستمرار في عدوانه وتنفيذ مخططاته وأوضاع الكيان الصهيوني على حد سواء؟.

 

تحقيق تسوية عادلة وحقيقية تقود إلى سلام حقيقي عادل ودائم ينتظره العرب وربما العالم يقف أمام مستحيلين : (1) أمام مستحيل عربي يعكسه واقع عربي مشلول غير قادر ولن يكون قادرا على تحريك نفسه حتى يحرّرك غيرَه لتحقيق حتى الحد الأدنى من تسوية قد تؤدّي لا إلى سلام بل حتى إلى هدنة ، إنْ ظلّ موقف العرب على ما هو عليه ولم يتغيّر. (2) وبين مستحيل إسرائيلي يعكسه فعل إسرائيلي متواصل ومتطوِّر نفّذ وأنهى مشروعه المرحلي بالكامل على أرض فلسطين، وهو يعمل دون هوادة لاستكمال تهويد بيت المقدس وفي ذات الوقت يعمل على إنهاء بعض (التشطيبات) مثل طرد ونفي وترحيل مقيمين ووافدين أو إرهابيين أو غير المرغوب فيهم أو ممن يمثّلون خطراً على الأمن.... من الفلسطينيين؟؟ وكل فلسطيني يمثّل خطراً ماحقاً على إسرائيل... تطبيقاً للقانون الإسرائيلي وتنفيذاً لأحكام محاكمهم خاصّة محكمة عدلهم العليا.؟ والمسألة بالنسبة إليهم مسألة وقت فقط. وناموا يا عرب، فما فازَ إلاّ النوّمُ!!.

=====================

احتمالات الحرب

عبد الزهرة الركابي

السفير

8-5-2010

على أثر المزاعم التي روجتها أميركا وإسرائيل بشأن تزويد سوريا المقاومة اللبنانية بصواريخ سكود، تصاعدت التصريحات والتعليقات والتعقيبات والتحليلات التي تتعلق بالاحتمالات الراجحة لوقوع حرب في المستقبل المنظور، حتى ان الإعلام الغربي راح يسهب في تفصيلات هذه الحرب وأحداثها من خلال القول: إن التفاصيل الدقيقة عن طبيعة التهديدات لا تزال في إطار السرية، لكن يتوقع في حال نشوب حرب بين إسرائيل وجيرانها في الشمال، أن يتم إطلاق آلاف الصواريخ على شمال إسرائيل وتل أبيب والمناطق المحيطة بها، لكن إسرائيل ستهاجم منصات إطلاق الصواريخ في لبنان وسوريا في بداية اندلاع أي أزمة، وتعمل أيضاً على تطوير نظام صاروخي دفاعي متعدد الأغراض للرد على الهجمات الصاروخية.

لا شك بأن هذا الترويج الأميركي والإسرائيلي على حد سواء، هو صفحة من الحرب النفسية، لكنه في الوقت نفسه يحمل تهديدات مبطنة لسوريا والمقاومة وربما إيران.

ان إثارة هذه المزاعم، هي محاولة خبيثة للتأثير على المشهد الداخلي اللبناني الذي بات عرضة للتدخلات الأميركية السافرة، وإلا بماذا نفسر قيام وفد أمني أميركي بمهمة استطلاعية واستخبارية للحدود اللبنانية السورية في نقطة عبور المصنع تحديدا، و تزامنا مع إطلاق هذه المزاعم والترويجات؟

وإذا كانت المقاومة اللبنانية قد وضعت في أجنداتها كل التهديدات الإسرائيلية في خانة الاحتمالات القائمة للحرب، فإن المحللين في المنطقة والغرب يعتقدون بشكل كبير، أن اندلاع مثل هذه الحرب هذه المرة لن يكون مداها محصورا بين المقاومة والدولة الصهيونية وحسب، بل يشمل سوريا التي صرح المسؤولون بهذا الشأن، ان دمشق لن تكون بموقف المتفرج إذا ما تعرض لبنان الى عدوان إسرائيلي، وهذا الأمر باتت تل أبيب تدركه جيدا، وهذه الأخيرة أجرت تدريبات عملية كبيرة، نفذت من خلالها مقاربات عسكرية لسيناريوهات متوقعة على الجبهتين السورية واللبنانية، حيث انطوت هذه التدريبات أيضا على أجواء وإجراءات دفاعية، شاركت فيها لجان وأجهزة الطوارئ.

وفي هذا السياق عزّزت إسرائيل دفاعاتها للتصدي للهجمات الصاروخية التي من المحتل أن تستهدف مدنها وقواعدها العسكرية في حال نشوب حرب على حدودها الشمالية، وناقش مسؤولوها العسكريون ورؤساء أجهزة الطوارئ الخطط الأخيرة لاستعدادات الدفاع المدني في اجتماع ترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما جرت مناقلات عسكرية ذات مغزى في القيادات العسكرية الكبيرة، ومن بينها تكليف الجنرال غابي اشكينازي بمسؤولية العمليات العسكرية على الجبهة الشمالية، مع العلم أن مثل هذه المناقلات قد تمت سراً، وعلى غير ما درجت عليه العادة في التصريح والإعلان عنها من قبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

فيما عززت المقاومة من سلاحها النوعي الضارب ورفعت من استعداداتها وفق مبدأ (المنازلة الحتمية)، وهي لم تنطل عليها التمويهات الإسرائيلية، عبر التصريحات الإسرائيلية المتعلقة باستبعاد هذه الحرب، بما في ذلك تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لهذا الغرض.

ويقول المراقبون لاستعدادات المقاومة، ان الأخيرة راحت في استعداداتها تؤكد على العامل اللوجستي الذي يتيح لها حرية التحرك وسرعة المناورة واستخدام مواقع ومحاور غير متوقعة من جانب العدو، وعلى أساس أن الدولة الصهيونية ستبدأ الضربة الأولى، وقد هيأت المقاومة نفسها لاستيعاب زخم هذه الضربة وامتصاصها كصفحة أولى، على أن تكون الصفحة الأخرى من هذه الحرب، قيام المقاومة بتوجيه الضربة الثانية الى أهداف إسرائيلية منتخبة وبالغة الحيوية.

وإذا كانت إسرائيل تعول على نتائج الضربة الأولى، فمن الطبيعي أن المقاومة تعوّل على نتائج الضربة الثانية في إنهاء الحرب لمصلحتها، خصوصا ان هناك العديد من العوامل التي تقف الى جانبها إذا ما اندلعت الحرب وأولها: اكتسبت المقاومة من الحروب السابقة خبرة قتالية دفاعية، وهذه الخبرة تتيح لها الخروج من الصفحة الأولى بأقل الخسائر، وما دامت عاقدة العزم على توجيه الضربة الثانية، فإن المقاومة تظل تتحكم بمجريات الصفحة الثانية الحاسمة.

وثانيها: ان المقاومة ستجد إسنادا ناريا مباشرا هذه المرة من الجبهة السورية وربما من مكان آخر، وهذا الإسناد كفيل بتعزيز الوضع القتالي للمقاومة التي من المحتمل أن تعمد الى تطوير عملياتها القتالية على الأرض، من خلال اندفاع عناصرها الراجلة والمحمولة على العربات الخفيفة، الى الأراضي اللبنانية المحتلة وتحريرها من براثن العدو.

كاتب عراقي

=====================

المنطقة في قبضة الحرائق؟!

راجح الخوري

النهار

8-5-2010

جورج ميتشل ليس الوسيط الاميركي الاول الذي يسير على طريق لا تفضي الى أي مكان. لكنه كما فعل أسلافه من قبل يواصل السير المتقطع، على الاقل لكي تستطيع واشنطن ان تقول انها تسهر على "دينامية مساعي التسوية"!

المفاوضات غير المباشرة التي يفترض أن تفضي الى مفاوضات مباشرة خلال أيام، تبدو من اللحظة الاولى محكومة بالفشل، وخصوصا ان الخلافات تتركز على ملفات رئيسية تشكل جوهر أي تسوية مرجوة:

ترسيم حدود الدولة الفلسطينية المقبلة – وضع القدس – مستقبل المستوطنات في الضفة الغربية – حق اللاجئين في العودة.

وعندما يقول "المعتدلون" في تكتل "ليكود" ان المحادثات التي ستتناول هذه البنود الحساسة والاساسية مآلها الفشل، فان ذلك يعني ان القتلة أمثال بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان يشترون الوقت لمجرد أنهم يريدون الوصول الى تشرين الثاني، موعد الانتخابات النصفية في الكونغرس الاميركي، حيث ينصبون فخا لاصطياد باراك أوباما مرة نهائية. فبعد عامين تبدأ عادة اندفاعة الرؤساء الاميركيين في التوقف والتراجع.

اذاً، وبقليل من التأمل يمكن القول ان الادارة الاميركية تدير الآن في هذه المنطقة لعبتين:

إطفائية تحاول تبريد "الحرارة الصاروخية" التي بدت وكأنها تدفع في اتجاه حرب يشعلها العدو الاسرائيلي ضد لبنان وسوريا. وذلك من خلال ما يسمى "استئناف المفاوضات"، بما معناه ان من يريد ان يفاوض لا يذهب الى الحرب.

إطفائية ثانية تسعى لتبريد "الحرارة النووية" المتفاقمة من خلال الملف الايراني، وذلك من خلال مروحة العقوبات الدولية الجديدة على طهران، بما معناه من ينهمك في فرض العقوبات الاقتصادية والتجارية لا يذهب توا الى الحرب، التي تقرع طبولها منذ فترة مستهدفة المنشآت النووية الايرانية.

ولكن ماذا يعني كل هذا؟

إنه يعني في بساطة ان المنطقة الآن في مرحلة إلقاء الماء على اللهب، وهذا لا يعني بالضرورة انه سيكون في وسع الاطفائيات اخماد النيران، ثم ان سوء الظن الضروري بازاء سياسات واشنطن وتل ابيب، يفرض علينا طرح سؤال جاد:

هل هناك رغبة فعلية في اطفاء النار واخماد الحرائق؟ وما الذي يضير أميركا واسرائيل اذا استمرت الحرائق عالقة في أذيال هذه الدول والانظمة وبوقود طائفي ومذهبي؟

وعلى هذا الاساس ليس مطلوبا من المرء اكثر من ان يقرأ ويتأمل:

يأتي رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم الى بيروت في ذروة التهديدات والمزاعم الاسرائيلية عن صواريخ سكود من سوريا الى "حزب الله" ليقول كلاما جديدا: "هناك العديد من التهديدات في العالم العربي، وخصوصا حول لبنان، وهذه التهديدات تواجهونها بوحدتكم وليس بالسلاح".

"ليس بالسلاح"!

بدا الكلام موجها الى "حزب الله" تحديدا الذي يضع سلاحه خارج كل نقاش او حوار وطني. وهذا أمر لافت وخصوصا لأنه يأتي من قطر!

تزداد حرارة الاحتمالات عندما يقرأ المرء أخبار الشبكة الايرانية في الكويت، التي حرصت على ان تتعامل بحساسية ودقة مع عملية التجسس هذه، التي يمكن ان تثير متاعب مذهبية في البلاد، في وقت تواصل طهران التهديد بضرب قواعد الاميركيين في المنطقة اذا تعرضت للهجوم بما يجعل من الكويت هدفا متقدما.

ثمة ما يشبه الحرائق ايضا في ما تكتبه الصحف الايرانية عن البحرين، وهذا أمر ليس بجديد. الجديد هو الاسلوب القمعي في بعض التصريحات الايرانية التي دعت دولة الامارات، حتى الى عدم الحديث عن الجزر الثلاث، التي تريد أبو ظبي ان تلجأ الى محكمة العدل الدولية لانهاء "الاحتلال الايراني لها"!

وتصبح النار أكثر تأججا في المشهد العراقي. فلقد فعل الايرانيون كل شيء تقريبا لاقصاء "القائمة العراقية" والدكتور اياد علاوي عن السلطة، وهو ما اعتبر اقصاء للاعتدال، أولا من خلال التشكيك في النتائج الانتخابية التي كانت لمصلحة علاوي، ثم بدفع نوري المالكي وعمار الحكيم الى التحالف، وهو ما قد يوسع الاضطراب الامني في البلاد.

هل ننسى ما في الصومال وما يتأجج تحت الرماد في اليمن وعند الحوثيين وما يتم اعداده لمنطقة الخليج وباب المندب انه عسس النار من المحيط الى الخليج تقريبا!

=====================

التصالح مع الذات

بقلم :ياسر سعيد حارب

البيان

 8-5-2010

يروي «ستيفن كوفي» في كتابه «العادات السبع للناس الأكثر فاعلية» قصته مع رجل ركب معه المترو يوماً مصحوباً بأطفاله الذين كانوا يقفزون من كرسي إلى آخر، وكان صراخهم يكاد يصمّ آذان الركّاب دون أن يتكلف الأب حتى عناء النظر إليهم. لم يحتمل كوفي تلك الفوضى، فهجم على الرجل بكلام قاسٍ وطلب منه أن يضبط أطفاله.

 

انتبه الرجل فجأة وقال له:«اعذرني، فلقد توفيت أمهم في المستشفى قبل قليل ولم أنتبه لهم من هول الصدمة، أنا آسف» عندها لم يعرف كوفي ماذا يفعل، وتمنى لو أنه تريّث قليلاً قبل أن يحكم على الرجل بأنه مُهمِل.

 

إن ما قام به كوفي هو تصرف مألوف يمتهنه بنو البشر، فلا يكاد أحدنا يرى شخصاً غريباً، حتى يبدأ بإطلاق أحكامه عليه، وخصوصاً إذا كان ذلك الشخص ينحدر من ثقافة أخرى أو من معتقد آخر.

 

كلّنا يحمل في داخله قاضي صغير، ولكنه ظالم في كثير من الأحيان، ومتسرع في إطلاق أحكامه.. قاضٍ لم تنصّبه المحكمة، بل إنه حتى لم يدرس القانون، فهو نتاج لصراع الإنسان مع ذاته، وعراكه المستمر مع نفسه.. ولذلك، يرفض هذا القاضي أي صلح بين المرء وبين نفسه.

 

لكي تتصالح مع الآخرين عليك أولاً أن تتصالح مع ذاتك، وأن تقبلها بكل عيوبها، بضعفها وبزلاتها دون أن تحكم عليها، ودون أن تصنّفها أيضاً. عليك ألا تقهر نفسك، ولا تهينها ولا تحقّرها، فكما تدينها تدينك، والجزاء من جنس العمل. أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تَقْبل الآخر بكل اختلافاته وتناقضاته، ليس لأنك تحبه، ولكن لأنك، ببساطة، لا تكرهه.

 

انظر إلى غاندي، ومانديلا، والأم تريزا، هؤلاء أمثلة على أناس عقدوا صلحاً أبدياً مع أنفسهم، لأنهم اكتشفوا بأن كره المرء لنفسه هو أسوأ خطيئة يرتكبها الإنسان في حياته، وحتى بعد مماته.

 

يستغرب البعض كيف استطاع مانديلا أن يعيش في زنزانة ضيقة طوال سبعة وعشرين عاماً، الجواب ببساطة هو أن مانديلا تجاوز نفسه ليتصالح مع الكون كلّه، ومع الوجود، فاتسع قلبه لكل المعتقدات ولكل الأشكال ولكل الألوان، فأصبح «سعادة» تمشي على الأرض. ليس النجاح في الوصول إلى السعادة، ولكنه في إيجادها. هؤلاء أوجدوا سعادتهم في عنابر السجون، وفي مخيمات المعدومين والفقراء.

 

أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تترك الوعظ جانباً وتهبط إلى المجتمع حتى تفهم مكوناته، وتستوعب تقلّباته التي تشكّل، في خضم تناقضاتها، نسيجه اللامحدود، الذي لم يزده الوعظ تماسكاً. يعتقد ابن خلدون بأن الوعظ، في أحيان كثيرة، يؤدي إلى سفك الدماء، فالناس، لبساطتها، تثيرها المشاعر، ويهيجها الكلام الوعظي، فتندفع كبركان ثائر، ليدمّر الأخضر واليابس. انظر إلى الشباب من حولك، هل زادهم الوعظ صلاحاً؟

 

أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تدرس الواقع كما هو، دون أن تفرض عليه قوانينك أو معتقداتك أو تعاليمك، ودون أن تنصب ثقافتك كميزان لقياس مدى صلاح المجتمع، فكل يعتقد بأن ثقافته هي الأصوب. أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تتخلى عن الخرافة، ولن يتأتى لك ذلك إلا من خلال العلم. فكما تقول الحكمة: كلّما زاد العلم، قلّت الخرافة.. تأمّل قليلاً وستعرف ما هو العلم، يقول كونفيشيوس:«لكي تصل إلى المعرفة عليك أن تبدأ بالتفكير».

 

أن تتصلح مع ذاتك يعني أن تدفع بالتجريد إلى حده الأقصى، لكى ترى الوجود الخالص المجرد من كل ما هو حسّي، وكل ما هو تاريخي.. يعني ذلك أن تنسى تاريخك، للحظات، وتبدأ تاريخاً جديداً، تستهله بحلم أو طموح، تاريخٌ يبدأ بكلمة «اقرأ».

 

عندما ترى شخصاً ما يقوم بفعل سيء، في عُرفِك، فلا تحكم عليه بأنه إنسان سيء، فلقد قال الفلاسفة، بعد ألفي عام من النقاش، إن جوهر الشيء لا ينتمي إلى الشيء ذاته، فقد تكون الظروف، وليست نفسه الشريرة، هي التي دفعت فقيراً إلى السرقة. لقد توصل الفلاسفة إلى أن جوهر الشيء مرتبط بعالم الفكر والروح، لا عالَم المادة، لذلك كان التصالح مع الروح هو أول خطوات الحضارة.

 

لكي تتصالح مع ذاتك عليك أن تعود بذاكرتك إلى الوراء، وتبدأ منذ أول ذكرى في حياتك، وعند أول معلومة حفظتها، ثم قم بمسح كل ذكريات العنف والأسى والقهر، وامسح كذلك كل ما حفظته من شعر الحماسة وشعر الهجاء، ولا تنسى أن تمسح أيضاً كل معلومة عن الحروب التاريخية، تلك التي عاصرتها، أو قرأت عنها، أو حتى تمنيتها.

 

أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تناهض التعميم، وتعارض فكرة الشمولية. فالتعميم يلغي خصائص الأشياء ويمحق صفات الناس المتباينة، ليحيلهم جميعاً إلى قالب واحد، أشبه بالحجر في قسوته، وأقرب إلى الفخار في هشاشته.. التعميم يلغي مميزات الأشياء، تماماً مثلما يلغي الظلام كل الألوان.. التعميم هو أقرب وصف للظلام.

 

المتصالح مع ذاته يشبه النهر الذي يستمر في صبّ مياهه العذبة في البحر المالح على الرغم من علمه بأنه لن يحيله حلواً، فهو يعلم بأن مهمّته تكمن في ري الأراضي التي يمر عليها، وليس في تحلية مياه البحر.

 

المتصالح مع ذاته ينصت كثيراً، ليفهم أكثر، ينصت للأفكار التي يبثها الناس في السماء من حوله، تلك التي تحلّق وتحط على الصامتين، المنصتين، المتأملين، الذين يظنون بأن الفكرة لا تحلّ إلا على من يستحقها فقط.

 

السماء لذلك المتصالح هي مصدر الحكمة، والأرض هي مصدر الشقاء، لذلك تجده يطيل النظر إلى السماء دائماً، حتى يتحلى بصفات أهلها. تقول الحكمة:«الأشخاص العظام يناقشون الأفكار، والأشخاص العاديون يناقشون الأشياء، أما الأشخاص الصغار، فإنهم يناقشون الأشخاص».

كاتب إماراتي

=====================

ظاهرة الفساد

بقلم :حسين العودات

البيان

8-5-2010

يكاد الاهتمام بالفساد والشكوى منه والمطالبة بمقاومته يطاول الاهتمام بالتضييق على الحريات وارتفاع نسب التلوث وزيادة التصحر والتهام أراض خضراء جديدة كل عام، وارتفاع درجات الحرارة الذي غدا يهدد بإذابة ثلوج القطبين وارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات وتعريض المدن الساحلية للغرق والفناء.

 

وربما كان الاهتمام بالفساد يفوق الاهتمام بهذه جميعها؛ لما له من تأثير سلبي مباشر في حياة الناس وظروف عيشهم. ولذلك قررت الأمم المتحدة تحديد يوم عالمي سنوي من كل عام تحتفل فيه دول العالم مذكرة بحجم الفساد وتناميه وأضراره على حياة الأفراد وتطور المجتمعات.

 

وتصدر المؤسسة المعنية بالفساد لدى الأمانة العامة للمنظمة الدولية سنوياً دراسة حول الفساد، وتذيلها عادة بنشر قائمة بترتيب دول العالم حسب نسبة الفساد فيها، بناء على معايير علمية وأسس منهجية تضعها المنظمة الدولية، وتحتل معظم الدول العربية (مع الأسف) مراتب تشير إلى تقدمها في سلم الفساد، ويكاد ربع عدد هذه البلدان - حسب تقارير العام الحالي - يسيطر على ترتيب أكثر الدول فساداً.

 

وباستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر اللتين حصلتا على البراءة من الفساد قياساً لمعايير الأمم المتحدة، وحصلتا على مقعدين متقدمين في قائمة الدول النظيفة (نسبياً)، فإن بقية البلدان العربية بقيت في قوائم النصف الثاني الأكثر فساداً، ومعظمها في قائمة الثلث الأخير، وكأن الفساد غدا جزءاً من بنية دولنا العربية، إضافة للأمراض الرئيسية الأخرى.

 

من البديهي أن ما من فساد دون أسباب وظروف موضوعية، ولم يكن يوماً نتيجة ظروف أو شروط ذاتية أو نتيجة لها، فما من شعب تدعوه بنيته للفساد، أو يحتوي تكوينه على جينات تسببه، فالأمر سلوك مكتسب، سياسي واقتصادي واجتماعي وأخلاقي، ابن زمنه، ومحصلة لجملة عوامل تفرضه كقدر لابد منه، وجائحة يصعب ردها.

 

عندما تفشل الحكومة في أداء وظائفها وتلغي الرقابة على مؤسساتها وإداراتها وعلى العاملين فيها، وتمنع الرقابة بشكل عام عليها وعلى أعمالها، ولا تحترم فصل السلطات الذي هو من معايير الدولة الحديثة، وتهمّش المجالس التشريعية والمحلية الأخرى، وتضعف القضاء وتنال من استقلاليته، وتضيّق على الحريات الصحافية وتمنع الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى من أداء مهمتها الرقابية.

 

كما تلغي دور منظمات المجتمع المدني، عند ذلك، يتفشى الفساد، ولا يشعر الذين يقدمون عليه أو يضطرون للإقدام عليه بالخوف من النتائج، ويصبح المجتمع وإدارة الدولة عندها جاذباً لعمليات الفساد، مبرراً سلوكه وسلوك المفسدين.

 

وفي هذه الظروف يسهّل المناخ العام تفشي الظاهرة وانزلاق كثيرين وسقوطهم في هوة الفساد، ويتحول هذا إلى ظاهرة عامة، وإن كان الفساد يبدأ عادة بحالات فردية، فإنه يصبح، عند توافر هذه الشروط، جائحة، مثله مثل جائحات الأوبئة التي تجتاح البلاد وتقضي على العباد، ولن تنفع في مقاومته عندئذ لا المبادرات الفردية، ولا الحلول الجزئية.

 

لا يُخلق أحد فاسداً، بل تدفعه الظروف إلى الغرق في مستنقع الفساد، ولعل على رأس هذه الظروف الفقر وضعف البنية الثقافية وضمور الوعي، وانعدام تكافؤ الفرص، ما يشعره بظلم واقع عليه، ويغريه باتباع أساليب غير مشروعة لرد هذه الظلامات والتخلص من هذا الحال البائس الذي هو فيه، ويدفعه للتعويض عما فقده وتمتع به غيره باتباع أساليب غير مشروعة.

 

وتسويغ ممارسة سلوك من أحط أنواع السلوك البشري سوءاً، ويتجاهل الثوابت الأخلاقية مثلما تجاهل غيره (كالحكومة ومؤسساتها أو مؤسسات المجتمع) الثوابت الاقتصادية وثوابت العدالة والتكافؤ.

 

ويبرر لنفسه السير بالسلوك المنحرف كرد على سلوك حكومته ومؤسساتها الذي يتجاهله، وعندها يصبح (مال الدولة حلال) كما يقول المثل الدارج، ثم يتطور الأمر ليصبح (مال الغير حلال) و(مال الفساد حلال)، ولا يعود أحد يخجل من ممارسة الفساد، بل ربما يفتخر بجني الأرباح والأموال بسبب هذه الممارسة، وتأخذ الجائحة عندها مداها في إفساد الأخلاق، وتدمير الاقتصاد وهدم سلم القيم، ويستسلم الأفراد والجماعات لهذا الواقع المرير الذي يهزم الجميع.

 

إن انتشار الفساد في مجتمع ما، هو نتيجة خلل سياسي وسوء في الخطط والممارسات الاقتصادية، وفشل في تحقيق التنمية، وتشوه في الثوابت الأخلاقية ومنظومة القيم الأخلاقية للمجتمع، وهو في الوقت نفسه معيق للتنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي، وينبغي أن نتذكر دائماً وجود أساس علاقة جدلية ذات نتائج سلبية تقوم بين الفساد من جهة وبين التنمية والتقدم والحكم الرشيد والعدل والتكافؤ من جهة أخرى.

 

يصعب على أي فرد حاكماً كان أو داعية أو منظراً أو ناشطاً اجتماعياً أو غير ذلك مقاومة الفساد وحده، وبمبادرة فردية ودون وجود استراتيجية شاملة وإرادة صادقة من الحكومة والمجتمع، وتبقى مثل هذه المحاولات مبادرات جزئية لا تحل المشكلة. وتقتضي المقاومة الحقيقية للفساد والقضاء على منابعه وعلى الظروف التي أوجدته، احترام معايير الدولة الحديثة كلها السياسية والأخلاقية

كاتب سوري

=====================

أوباما و"إسرائيل" واختلال توازن القوى

آخر تحديث:السبت ,08/05/2010

محمد السعيد ادريس

الخليج

من المقرر أن تبدأ المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” غير المباشرة خلال أيام من دون أن يكون لدى أي مسؤول فلسطيني أو عربي أي درجة من اليقين بخصوص فرص نجاح هذه المفاوضات، ولا بمدى التزام الإدارة الأمريكية بالوعود التي حصل عليها العرب، وبسببها أوصوا السلطة الفلسطينية بالانخراط في التفاوض .

 

لكن الأهم من ذلك أن أحداً لا يعرف، وربما لا يريد أن يعرف، ما الخطوات العربية القادمة في حالة فشل هذه المفاوضات، وفي حالة التراجع الأمريكي عن الوعود، التي لم تعد غامضة، والتي حسمتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون للقادة العرب عندما طالبتهم أولاً بإعطاء ضوء عربي للسلطة الفلسطينية، يقضي بقبول التفاوض غير المباشر من دون توقف عند شرط الإعلان “الإسرائيلي” المسبق وقف التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية وباقي الضفة الغربية .

 

مطالب الوزيرة الأمريكية من العرب التي اقترنت بدعوتهم إلى إعلان قبول بدء التفاوض غير المباشر شملت أولاً، وقف إمداد من أسمتهم بالمنظمات الإرهابية بالأسلحة . وحسب قولها: “كل صاروخ يهرب إلى جنوب لبنان وغزة يعرقل قضية السلام”، وثانياً، مواصلة تزويد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بما يحتاجه للتفاوض “بحسن نية مع “إسرائيل””، وبالمزيد من دعم الخطط التنموية للسلطة، وثالثاً، وهذا هو الأهم “أن تمد الدول العربية يدها إلى “إسرائيل”، وأن تنهي عزلة “إسرائيل”، وأن تبدأ بالدخول في محادثات معها حول القضايا الإقليمية الأساسية بدءاً بسلسلة من اجراءات التعاون التي يجب أن تشمل مجالات عدة مثل فتح مكاتب تجارية “إسرائيلية” والسماح للطائرات “الإسرائيلية” بالعبور فوق الأراضي العربية، بمجرد حدوث تقدم في المفاوضات .

 

هذه مجرد أثمان ومطالب أولية على العرب دفعها بمجرد حدوث تقدم في المفاوضات، أما الأثمان الكبرى فهي تخص الفلسطينيين، وبالذات ما يخص استمرار التوسع الاستيطاني، واستبعاد القدس من التفاوض، والقبول بدولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة على أجزاء من الضفة شرط أن تكون منزوعة السلاح والقبول بعدم الحديث عن حق العودة .

 

رغم ذلك فإن ل “إسرائيل” حساباتها الخاصة وأولوياتها ولا تجامل فيها الولايات المتحدة، وهذا ما أكده بنيامين نتنياهو عندما تجرأ على الولايات المتحدة والإدارة الأمريكية ورئيسها باراك أوباما عشية الاحتفال بذكرى إنشاء الكيان .

 

ففي جلسة مجلس الوزراء قال نتنياهو إن “على “إسرائيل” الا تثق بالغرباء” واستخدم في لقائه مع الصحافيين عبارة صاحب فكرة الدولة اليهودية هرتزل التي أوصى فيها اليهود بألا يثقوا بمساعدة الغرباء، لأن الغرباء يمنحون صدقات مهينة، والحجارة لا تلين، على الشعب الذي يريد أن يكون منتصب القامة أن يضع ثقته بنفسه فقط” .

 

لم يكن هذا التحدي من جانب نتنياهو للرئيس أوباما استثنائياً أو عارضاً بل كان يعبّر عن إدراك “إسرائيل” باختلال توازن القوى بين “إسرائيل” والرئيس أوباما لغير صالح الأخير لدى الرأي العام الأمريكي حسب ما كشفه الكاتب “الإسرائيلي” يورام اتينجر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” في قراءته لنتائج أحدث استطلاعات الرأي التي أجراها معهد أبحاث جامعة كوينفياك الأمريكية الشهير .

 

فحسب أحدث استطلاعات أجراها هذا المعهد عارض 44% سياسة أوباما التي تضغط على “إسرائيل” مقابل تأييد 35%، ويؤيد 57% “إسرائيل” مقابل 13% يؤيدون الفلسطينيين .

 

هذه النتائج تتزامن مع اقتراب موعد انتخابات الكونجرس التي ستجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في وقت تتدهور فيه شعبية الرئيس أوباما . وفي مثل هذه الظروف سيتجه النواب إلى التضحية بالرئيس مقابل فوزهم، ما يضعه في موقف صعب أمام حزبه الديمقراطي الذي يخشى خسارة أغلبيته في الكونجرس لسبب سياسات الرئيس الخاطئة، وبالذات ما يتعلق بخلافاته مع “إسرائيل”، وعندها لن يقبل هو الآخر أن يضحي بنفسه وبحزبه لإرضاء الفلسطينيين والعرب، والنتيجة هي الخضوع للمطالب “الإسرائيلية” ولتذهب المفاوضات إلى الجحيم .

=====================

إخلاء الشرق الأوسط من أعداء "إسرائيل"

آخر تحديث:السبت ,08/05/2010

عصام نعمان

الخليج

تحرص الولايات المتحدة، في مختلف عهود رؤسائها، على إعطاء “أمن “إسرائيل”” أولوية مطلقة . تكاد تعلن أنه العمود الفقري لسياستها الأمنية والخارجية، وأن موقفها من كل التطورات الحاضرة والآتية يُقاس بمعيار أساس هو مدى انعكاسه، سلباً او إيجاباً، على أمن “إسرائيل” .

 

ليس أدل على هذه السياسة الثابتة التي ترقى الى مصاف العقيدة الدينية من موقفها إزاء قضيتين بارزتين : إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وتمديد العقوبات على سوريا ومنع ايران من امتلاك قدرة نووية .

 

القضية الأولى هي أحد أهم محاور المباحثات التي تدور في الدورة الثامنة لمؤتمر مراجعة معاهدة حظر السلاح النووي المنعقد في مركز الأمم المتحدة في نيويورك منذ أيام والمنتظر أن يستغرق شهراً كاملاً . في خطابها أمام المؤتمر أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن بلادها “تدعم الجهود الرامية الى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط” . لكن خلال لقائها مع الصحافيين لاحقاً قالت: “إنه نظراً لعدم وجود سلام شامل في المنطقة وبسبب المخاوف من عدم امتثال بعض البلدان لضمانات معاهدة عدم الانتشار، لا توجد ظروف ملائمة لمثل هذه المنطقة (منطقة خالية من الأسلحة النووية) حتى الآن” .

 

ما لم تقله للصحافيين لم تتأخر كلينتون عن قوله لممثلي المجموعة العربية في الأمم المتحدة وهو التمسك بورقة العمل التي توصلت إليها واشنطن وموسكو خلال شهر مارس/آذار الماضي حول ربط تحقيق مطلب إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي بتحقيق سلام شامل في المنطقة .

 

بعبارة أخرى، لا إخلاء للشرق الأوسط من أسلحة “إسرائيل” النووية قبل توصل العرب الى سلام شامل معها . وبما أن “إسرائيل” تتمسك بشروطها شبه المستحيلة لإقرار السلام المطلوب، فإن مطلب إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية بات يتوقف عملياً، وبالدرجة الأولى، على إخلائها من أعداء “إسرائيل” .

 

الحقيقة أن طرح مطلب إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية أربك مساعي الولايات المتحدة و”اسرائيل” الرامية الى جعل ايران “النووية” هي الخطر الاول الذي يواجه دول المنطقة، وذلك في محاولة مكشوفة لصرف أنظار الجميع عن القضية الأساس وهي الصراع العربي- “الإسرائيلي” . لهذا السبب امتنع رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو عن المشاركة في الاجتماع التحضيري للمؤتمر الحالي الذي انعقد في شهر مارس/آذار الماضي لتفادي حرج كان سينجم عن إثارة الدول العربية والإسلامية مسألة سلاح “إسرائيل” النووي .

 

لتبرير عدم حضورها، ولفك حرجها اعتمدت “إسرائيل”، وتبنّت الولايات المتحدة، موقفاً مفاده أن التفاوض حول السلاح النووي “الإسرائيلي” مؤجل الى ما بعد إنجاز السلام الشامل في المنطقة . ولإنجاز هذا السلام يقتضي إزالة العقبات من طريقه . هذه العقبات تتمثل، في رأي الولايات المتحدة و”إسرائيل”، بكلٍ من سوريا وايران .

 

حيال سوريا، عادت الولايات المتحدة الى سياسة التشدد التي انتهجتها إدارة جورج بوش الابن المتمثلة بقانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان(!) . ومع أن باراك أوباما أظهر، بادىء الأمر، مشاعر إيجابية تجاه دمشق وأوفد مبعوثين عدة إليها، ثم عيّن روبرت فورد أول سفير لواشنطن بعد تجميدٍ للعلاقات الدبلوماسية دام نحو خمس سنوات، إلاّ ان “حليمة عادت الى عادتها القديمة” إذْ جرى استئخار المصادقة على تعيين فورد في مجلس الشيوخ، وأعقبه تصعيد في انتقاد سوريا لموقفها السلبي من استئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، الى أن بلغ التصعيد ذروة جديدة بالإعلان عن تمديد العقوبات بحقها سنة جديدة .

 

كيف بررت واشنطن فعلتها الأخيرة؟

 

اتهمت دمشق بدعم “مجموعات إرهابية، والسعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وتطوير البرامج الصاروخية ما يشكّل تهديداً استثنائياً للأمن القومي الأمريكي” .

 

هل يعقل أن تهدد سوريا الأمن القومي الأمريكي؟ الجواب: نعم، طالما أمن “إسرائيل” بات جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي، والعكس يصحّ ايضا !

 

المسؤولون الأمريكيون لم يخفوا سبباً آخر رئيساً لتمديد العقوبات إذْ أكدوا في الكواليس لدبلوماسيين عرب وحتى لبعض الإعلاميين أن تزويد سوريا حزب الله أسلحةً متطورة وصواريخ هو “أحد الأسباب الرئيسة وراء القرار” .

 

هكذا تتضح، دونما مواربة، الصلة السببية الحميمة بين فعلة الولايات المتحدة وأمن “إسرائيل” .

 

الأمر نفسه ينطبق على إيران . فواشنطن تعلم، كما تل أبيب، أن طهران لا تمتلك قنبلة نووية وقد لا تكون راغبة في امتلاكها، لكن قيام تحالف دفاعي بينها وبين سوريا من جهة وبينهما وبين حزب الله وحركة “حماس” من جهة أخرى، واحتمال أن ينطوي هذا التحالف على الرد بحرب شاملة ضد الكيان الصهيوني اذا ما شن الحرب على أي من أطرافه، كل ذلك كان كافياً في نظر واشنطن، ومن ورائها تل أبيب، لاعتباره تهديداً لأمن “إسرائيل” .

 

فعلة إدارة أوباما الاخيرة ترسم علامة استفهام، الى جانب علامات استفهام أخرى، حول جدوى ما يسمى محادثات التقريب بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية . فإلى التحفظات وأجواء التشاؤم التي تصدر عن أوساط “إسرائيل” السياسية والإعلامية حول جدية هذه المحادثات، فإن السؤال المطروح هو: ما جدوى المحادثات والمفاوضات حتى في حال نجاحها طالما أمريكا و”إسرائيل” تعتبران السلام الشامل في المنطقة معلّقاً على تغيير سياسة سوريا، وربما على محاولة تغيير نظامها، وعلى منع ايران من امتلاك أسلحة نووية؟

 

ما جدوى أي مفاوضة مع “إسرائيل” أو انفراج في العلاقات مع الولايات المتحدة ما دامت هاتان القوتان الإقليميتان والدوليتان تريدان إخلاء المنطقة، بشكل أو بآخر، من كل ما يعتبره الكيان الصهيوني العنصري عدواً له؟

=====================

المهم والأهم في لبنان

خيرالله خيرالله

الرأي العام

8-5-2010

كانت نتائج الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان، حيث لا تزال هناك أكثرية مسيحية، دليلاً قاطعاً على رفض اللبنانيين، بأكثريتهم، ذلك التحالف المصطنع بين ما يسمى «التيار الوطني الحر» الذي يتزعمه النائب ميشال عون و«حزب الله». تبين أن التحالف بين الجانبين ليس سوى «زواج متعة» على حد تعبير السياسي اللبناني روجيه اده، ابن بلدة اده التي على مرمى حجر من جبيل. كان روجيه اده أول من أطلق هذا الوصف على الحلف المخالف للطبيعة بين الجانبين خلال زيارة للبطريرك صفير في بكركي. ولكن يبدو أن الحلف مستمر، إلى اشعار آخر، نظراً إلى أن هناك من يتمتع بوجوده، وأنه لا تزال هناك حاجة إلى ميشال عون بين وقت وآخر، أي متى تدعو الحاجة إلى ذلك. هناك حاجة الآن إلى تغطية السلاح غير الشرعي لا أكثر وقد فهم المواطن العادي ذلك جيداً، فرد بالوسائل الديموقراطية!

كانت أم المعارك في مدينة جبيل الساحلية التي عمرها سبعة آلاف عام. انتصرت لائحة اللبنانيين الأحرار على اللائحة التي يدعمها ميشال عون، بما أكد مرة أخرى تراجع شعبيته. كان على رأس اللائحة العونية شخص محترم ويمتلك كفاءة هو الوزير السابق جان لوي قرداحي. ولا شك أن وجوده على رأس البلدية كان يمكن أن يخدم جبيل ومستقبلها ومشاريع التنمية في المدينة. ولكن ما العمل عندما يقبل شخص يمتلك حداً أدنى من الاحترام لنفسه ولذكائه وخبرته وعلمه أن يكون حليفاً لقائد سابق للجيش يبرر وجود سلاح غير شرعي على الأراضي اللبنانية في يد ميليشيا تنتمي إلى حزب مذهبي يمثل كل ما يتناقض وصيغة العيش المشترك في لبنان؟ أراد المسيحيون عبر انتخابات جبيل توجيه رسالة إلى كل من يهمه الأمر. فحوى الرسالة أن افضل النكات هي النكات القصيرة، وأن النكتة السمجة التي اسمها «الجنرال» طالت أكثر مما يجب وأن لابدّ من وضع نهاية لها. بداية النهاية كانت في جبيل وفي مدن وبلدات أخرى في جبل لبنان، بينها دير القمر في الشوف وسن الفيل القريبة من بيروت وبعبدات وغيرها في المتن، حيث كان الصوت المسيحي هو المؤثر وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة على صعيد حسم من بين المسيحيين يريد التبعية ومن يصر على رفضها...

كان على اللبنانيين الانغماس في الانتخابات البلدية وتفاصيلها بعيد مغادرة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري بيروت اثر زيارة استمرت ثلاثة أيام. أقلّ ما يمكن قوله، ان الزيارة كانت في غاية الأهمية نظراً إلى أنها حملت رسالة واضحة إلى اللبنانيين وأعادت تذكيرهم بأن دولة قطر تريد منعهم من الانتحار. قال «أبو جبر» في بيروت كلاماً من نوع «أن قطر تسعى دائماً إلى احلال السلام وليس كما يقال إلى البحث عن دور. نحن دولة تعرف حجمها وامكاناتها وتعتقد أن العالم العربي يحتاج إلى أكثر من قطر (...) هناك تهديدات كثيرة حولنا وحول لبنان خصوصاً، وهذه التهديدات لا تواجهونها بالسلاح بل بوحدتكم الوطنية، وهذا ما نتمناه». يعتبر هذا الكلام كافياً كي يتبين أن هناك بين العرب من يمتلك فهماً في العمق لما يدور في لبنان والمنطقة والعالم.

يفرض مثل هذا الكلام الجوهري على اللبنانيين الانتقال إلى مرحلة البحث الجدّي في المخاطر التي تواجه الوطن الصغير. لاشك أن الانتخابات البلدية محطة مهمة، خصوصاً أن المطلوب احترام أي استحقاق انتخابي والتزام المواعيد المرتبطة بالعملية الديموقراطية. ولكن ما يمكن أن يكون أهم من الانتخابات البلدية الاقتناع بأن المطلوب حماية لبنان عن طريق لملمة الوضع الداخلي بعيداً من التحديات والمزايدات. الوحدة الوطنية أهم من السلاح. والسلاح لا معنى له متى كان موضع خلاف بين اللبنانيين، ومتى كان تابعاً للخارج وبإمرته.

بكلام شديد الوضوح، تبدو المنطقة مقبلة على تطورات خطيرة. لا يحمي لبنان سوى الوحدة الوطنية والابتعاد عن الحساسيات ذات الطابع المذهبي والطائفي. للأسف الشديد، ان سلاح «حزب الله» يثير هذا النوع من الحساسيات، إضافة إلى أن إسرائيل تستخدمه للتعمية على رفضها السلام المستند إلى قرارات الشرعية الدولية، ومبدأ الأرض في مقابل السلام. ليس مطلوباً بالطبع الدخول في مواجهة مع الحزب المسلح. مثل هذه المغامرة لا تخدم لبنان. كما لابدّ من الاعتراف بأن لا وجود لطرف لبناني يريد ذلك أو يستطيعه. لكن لا شيء يمنع من التأكيد يومياً في كل لحظة أن السلاح موجه إلى الداخل اللبناني، وأن لا معنى لأي كلام عن التمسك به، أقله لسببين. السبب الأول أن القرار (الرقم 1701) الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صيف العام 2006 واضح في هذا الشأن، وأن لا مصلحة للبنان واللبنانيين، خصوصاً أهل الجنوب، في خرق القرار. أما السبب الثاني فهو عائد إلى أن إسرائيل تستخدم السلاح والكلام عن ادخال صواريخ «سكود» إلى الأراضي اللبنانية لممارسة عملية هروب إلى أمام لا أكثر...

تكمن أهمية قطر في أنها تدرك تماماً المعطيات الإقليمية. لذلك لم يقتصر كلام أمير الدولة، لدى زيارته بيروت في العام 2006 وتفقده آثار العدوان الإسرائيلي، على إدانة البربرية الإسرائيلية والمساهمة في إعادة الأعمار. تحدث الشيخ حمد بن خليفة، عندما أقدم على خطوته الشجاعة التي شملت زيارة الضاحية الجنوبية، عن أهمية السلام الشامل في المنطقة بصفة كونه مخرجاً للجميع من الوضع الراهن. انه وضع ينقل الشرق الأوسط من أزمة إلى أخرى في انتظار الانفجار الكبير الذي يمكن أن يتسبب به حادث صغير.

تبدو المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية في لبنان مثيرة للاهتمام، خصوصاً أن نتائجها كرست الاصطفاف السياسي بدل أن تلغيه، وكشفت في الوقت ذاته مدى عمق الانقسام بسبب السلاح غير الشرعي... ومدى تدهور شعبية ميشال عون في الأوساط المسيحية. لكن على اللبنانيين تفادي الغرق في وحول الانتخابات والنظر دائماً إلى الصورة الأكبر. من هذه الزاوية لابدّ من شكر قطر على تنبيهها إلى أن المهم التمييز بين المهم والأهم، بين الانتخابات من جهة وتكريس البلد «ساحة» للتجاذبات الإقليمية من جهة أخرى. عندئذ سيتوجب على لبنان دفع ثمن غال في حال سقط ضحية التجاذبات. هذه التجاذبات لا يحميه منها سوى درع الوحدة الوطنية وليس السلاح، أياً تكن الشعارات التي ترفع لتبرير وجوده على الأرض اللبنانية بإمرة غير لبنانية!

كاتب لبناني مقيم في لندن

=====================

استراتيجية أميركا لاحتواء طموحات العرب النووية

الجمعة, 07 مايو 2010

راغدة درغام – نيويورك

الحياة

للولايات المتحدة استراتيجية استباقية تهدف الى احتواء أية طموحات عربية نووية عسكرية مستقبلية مهما حصل للقدرات النووية العسكرية الإيرانية أو للترسانة النووية الإسرائيلية. وللجمهورية الإسلامية الإيرانية استراتيجية استباقية تستهدف أكثر من دولة عربية لإبلاغ واشنطن من خلالها أن إجراءاتها ستكون مكلفة لمصالحها ولحلفائها، حتى لو كانت عقوبات وليست ضربة عسكرية. وفيما تتحلى إدارة باراك أوباما بمظهر الاسترخاء في الثقة بالنفس في مشاريع احتواء طموحات العرب أو إحباط طموحات إيران وهي في صميمها لربما متوترة، تتصرف القيادة الإيرانية بشقيها «المدني» وشق «الحرس الثوري» بتوتر ملحوظ تتداخل معه رهانات إيرانية على انحسار الهيبة الأميركية وانحسار ثقة أطراف عربية مهمة بالولايات المتحدة الأميركية مما يبعث بدفعة ثقة في الشرايين الإيرانية. هذه الرقصة المعقدة تنشر الرعب في عدد من الدول العربية لا سيما الصغيرة منها لأن مستقبلها يترنح على إيقاع رقصة تثير الشكوك والحيرة. فالكويت، مثلاً، تخشى ارتفاع وتيرة التوتر في صفوف القيادة الإيرانية و «الحرس الثوري» بالذات، وما تناولها الحذر لشبكة التجسس التي كشفت عنها سوى دليل على خوفها من استدراج الضربة العسكرية لتنفيذ طموحات إيرانية إقليمية. دولة الإمارات العربية ذاقت طعم التهديد الإيراني المبطن والمتغطرس لأن وزير خارجيتها الشيخ عبدالله بن زايد وصف الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية بأنه احتلال كما الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية احتلال. لبنان بات يشار إليه بأنه «الحلقة الأضعف» في خذل أميركي – إقليمي له جعله ساحة مفتوحةً على المساومات والصراعات. العراق ما زال في موازين اللاحسم في تشكيل حكومته وتصميم مستقبله رهينة المساومات الأكبر ومن ضمنها المساومة الأميركية – الإيرانية. فلسطين تقع في فلك المقايضات، فيما «القاعدة» والتطرف العنفي – أي الإرهاب انما بحسب التسمية الأوبامية - تسلق مجدداً الى صدارة الأولويات مع استمرار انفصاله، عملياً، عن المعالجة الضرورية للقضايا المعلقة في فلسطين والعراق ولبنان وإيران. بعض الدول العربية الرئيسية مثل المملكة العربية السعودية ذهب الى قراءة استباقية للاستباقية الأميركية والاستباقية الإيرانية والاستباقية الإسرائيلية أيضاً. وهذا بدوره مثير للاهتمام والقراءة المعمقة لتشابك العلاقات التقليدية والتجددية.

أحد المخضرمين في قراءة العلاقة الأميركية – السعودية – الإيرانية لفت الى أن الرياض ذاقت طعم الوصول الى منتصف طريق الوعود والشراكات مع الولايات المتحدة حين حدث – كما جرت العادة – «تكويع» مفاجئ و «هجرة» أميركية عن المسار المشترك. لذلك فالديبلوماسية السعودية في غاية الحذر في هذا المنعطف من العلاقة الأميركية – الإيرانية – الإسرائيلية، ولا تريد أن تكون كبش فداء لها مهما حاولت الديبلوماسية الأميركية أو الإسرائيلية الادعاء بأن الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية تخشى القدرات النووية العسكرية الإيرانية وتريد إيقاف هذه الطموحات بأي ثمن حتى بالضربة العسكرية.

واقع الأمر أن هذه الأقوال تبقى أميركية وإسرائيلية وهي في معظمها ساذجة وغير صحيحة، فالدول المجاورة لإيران لا تريد ضربة عسكرية لإيران لأن الانتقام سيكون منها وعليها. قد ترغب هذه الدول في ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وقد تكون مضطرة لقدر معيّن من التجاوب مع المطالب الأميركية. انما، وكما لفت الخبير المخضرم، أن تجربة ونموذج قطر في تجاهل مطالب الولايات المتحدة على رغم استضافة قطر لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة بعث رسالة مهمة عنوانها أن في الإمكان حقاً الاستهتار بأميركا. وهذا بدوره بعث رسائل خطيرة قد تشجع أو تقود الى سوء الحسابات أو الإفراط في الاستهتار. انما، حتى إذا وجدت الرغبة في التعاون، وليس التجاهل، فهناك أيضاً سيرة أميركية تحذر من وضع البيض كله في سلتها نظراً لتاريخها الحافل بالتخلي عن قدامى الأصدقاء والحلفاء، لا سيما العرب منهم في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك، يجدر بصانعي السياسة الأميركية في عهد إدارة أوباما الكثير من الحذر والدقة في التحليل، والقراءة المعمقة بدلاً من الافتراض التلقائي أن ما يرسمونه على طاولة التخطيط ستسير الدول العربية، أو إيران، في خطواته حتماً. فإذا كان أقطاب إدارة أوباما يرسمون جميع السياسات على أساس برنامج الانسحاب الأميركي من العراق ومستلزمات «ربح» حربهم في أفغانستان، وإذا كانوا يضعون الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مرتبة القوى الإقليمية القادرة على تعطيل برنامجي العراق وأفغانستان، ستبقى السياسة الأميركية خاضعة للخوف من الانتقام الإيراني وستبقى مكبلة. وهذا ما تفهمه جيداً قيادات عربية عدة، ولذلك، فهي لن تغامر إما نيابة عن الوهن الأميركي أو انتحاراً طوعياً منها، أي أن هناك وعياً وإدراكاً للتخبط الذي يحيط بالسياسة الأميركية نحو إيران وحتى نحو حلفائها مثل سورية و «حزب الله» في لبنان. وهذا بدوره أدى الى نوع من الانقلاب في سياسات دول مثل المملكة العربية السعودية نحو القيادة السورية ونحو «حزب الله» في لبنان والذي عبره تُوجَّه الرسائل الإقليمية الى القيادة الإيرانية. وهذه رسائل طمأنة.

لكن التشكيك في كفاءة إدارة باراك أوباما في تناولها ملف إيران ومشتقاته وملف فلسطين وأبعاده قد يكون في غير محله. وهذا ما يجعل القيادة في طهران متوترة للغاية. انها قيادة تفهم البرامج الزمنية وتتقن الصبر. لكن «الحرس الثوري» يتصرف في هذه الآونة بكثير من التوتر والاعتباطية وهذا بدوره أدى الى تنامي الخوف، لا سيما في منطقة الخليج، من افرازات هذا التوتر داخل الدول المجاورة لإيران.

بعض أسباب ارتفاع وتيرة توتر «الحرس الثوري» يتعلق بالوضع الداخلي وبوطأة العقوبات المزمع فرضها بقرار لمجلس الأمن – إذا استمرت معاندة طهران للجهود الدولية وعلى رأسها جهود البرازيل وتركيا لإيجاد مخرج يمكّن من المفاوضات بدل العقوبات.

هذه العقوبات تُصاغ لتشكّل ضربة قاسية للعمود الفقري ل «الحرس الثوري»، وهذا سيؤدي الى تقليص نفوذه ليس فقط داخل البلاد وانما أيضاً تقليص قدراته على النفوذ خارج إيران لا سيما في لبنان والعراق وأفغانستان وفلسطين، ثم أن تقييد أيدي «الحرس الثوري» في علاقاته الدولية مثل العلاقات مع الصناعات النفطية المهمة في دول كالصين وروسيا مثلاً سيقلص دوره وسيعزله دولياً وإقليمياً ومحلياً.

ما يخشاه «الحرس الثوري» هو تلك الصفقة المبطنة التي تقدمها عملياً الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقوامها تقديم ضمانات الاعتراف بشرعية النظام كأمر واقع والتعهد ضمناً بعدم دعم المعارضة ضده، شرط تحييد «الحرس الثوري» وضبط قدراته ونفوذه ومقابل الموافقة على التفاوض على البرنامج النووي.

مكان الرئيس محمود أحمدي نجاد في مثل هذه التفاهمات والصفقات ليس أساسياً بقدر مكان «الحرس الثوري» في هذه المقايضات. ولأن «الحرس الثوري» قادر على تعطيل مثل هذه الصفقات عبر التخريب في دول الخليج المجاورة لإيران أو عبر العراق ولبنان، فهو يبعث رسائله الاستباقية تحسباً وإنذاراً. ولذلك يتنامى القلق والخوف من قيامه عملياً باستدعاء ضربة عسكرية على إيران أو استدراج ضربة إسرائيلية على لبنان تقلب المعادلة وتقضي على صفقات المقايضة.

الزائرون الخليجيون الى واشنطن أبدوا التخوف من «التوتر الباليستي»، بحسب وصف أحدهم، وافرازاته على الدول الخليجية ومنطقة الشرق الأوسط، وحضوا الإدارة الأميركية على تجنب مواجهة التوتر بالتوتر. حضوا على عدم توفير الذرائع التي يجد «الحرس الثوري» فيها ملاذاً آمناً، لكنهم حذروا أيضاً من إساءة قراءة الوضع داخل بوتقة أقطاب الحكم في طهران. بكلام آخر، أبلغ الزائرون الى واشنطن القلق العارم ليس فقط من مواقف إيران وانما أيضاً من غموض المواقف الأميركية ورهاناتها.

الإدارة الأميركية تبدو أحياناً واثقة من خطاها لا سيما بعدما ضمنت دعم الصين وروسيا وراء مشروع قرار في مجلس الأمن ما زال قيد المفاوضات في تفاصيله. أحياناً أخرى، تتصرف هذه الإدارة وكأنها «واثقة» من أن لا قدرة لديها أو غيرها سوى التظاهر بأن إيران لن تملك القدرات النووية العسكرية. استراتيجيتها الاستباقية مع الدول العربية توحي وكأن التحدي الأهم لها اليوم هو احتواء طموحات عربية نووية قد تؤدي الى سباق نووي في حال امتلاك إيران السلاح النووي.

هذه الاستراتيجية الاستباقية تبدو وكأنها «ايحائية»، أي أن وضع «عربة» استثارة سعي إيران الى امتلاك السلاح النووي لسباق تسلح إقليمي قبل «حصان» منع إيران من امتلاك هذا السلاح إما تهدف الى الإيحاء بأن إيران ستصبح دولة نووية أو الى الإيحاء بالسباق أو كليهما معاً. في المقابل، لربما من بين أهداف الاستراتيجية الاستباقية مع الدول العربية حضها على تعزيز اعتمادها على الضمانات الأمنية الأميركية، والتي يشكل مقابلها المالي مردوداً ضخماً ومفيداً للاقتصاد الأميركي، وكذلك بتشجيع الدول العربية على شراء الوقود للمفاعل النووية السلمية من جهات دولية بدلاً من تخصيب اليورانيوم محلياً مما يمكّن من تحويل المفاعل لأغراض عسكرية.

وللتأكيد، ليست الولايات المتحدة وحدها المستفيدة من الإقبال على النووي، بل إن فرنسا هي أول من صدّر القدرات النووية وما زالت تسعى وراء مردود مادي من ورائها، وروسيا اليوم في طليعة الدول التي تبني المفاعل وتدخل صناعات توريد الوقود المثمرة شأنها شأن كوريا الجنوبية وغيرها.

ربما أدركت الدول العربية أنه ممنوع على العرب أن يصبحوا قوة نووية تحت أي ظرف كان، ولذلك ارتأت أن لا مجال أمام أي منها للسعي وراء هذه القدرات. فالعراق تحوّل من أهم دولة عربية في ميدان التطور العلمي النووي الى دولة مهمشة في أعقاب حرب عليه لحذفه من المعادلة العسكرية النووية، وليبيا أُجبرت على التعاون للتخلي عن طموحاتها النووية.

قد لا يكون أمام العرب خيار رفض الامتثال للاستراتيجيات الاستباقية، انما أمامهم خيار تحويل المنطقة العربية الى قوة مدنية ضخمة تدهش الذين اعتقدوا أن وسيلة الهيمنة الإقليمية هي امتلاك القدرات العسكرية النووية. فالاستراتيجية الحكيمة تأخذ في حسابها الإصرار على ضمانات مسبقة في شأن إسرائيل وإيران مقابل التجاوب مع الاستراتيجية الاستباقية، مع أخذ كل التدابير التي تجعل من العرب قوة مدنية تردع الهيمنة عبر القدرة النووية.

=====================

لماذا تجاهلت الأحزاب البريطانية قضية فلسطين وحرب العراق؟

السبت, 08 مايو 2010

سليم نصار *

الحياة

منذ إعلان تأسيس البرلمان البريطاني عام 1806، لم تشهد المعارك الانتخابية السابقة مشاركة شعبية في حجم المشاركة التي أظهرتها نتائج معركة يوم الخميس الماضي.

والسبب، كما يفسره المراقبون، يتمثل في تقليد المناظرات التلفزيونية الأميركية التي دشنتها مناظرة نيكسون – كينيدي مطلع الستينات. ومنذ ذلك الحين حافظ الحزبان الرئيسيان في الولايات المتحدة على تطبيق أسلوب المنافسة على شاشات التلفزيون، بينما حافظت الأحزاب البريطانية على تقاليدها المتوارثة، أي بالمنافسة على اجتذاب الناخبين من طريق «المانيفستو»، أي من طريق إصدار برنامج انتخابي يحدد فيه كل حزب أهدافه ودوافعه ووجهات نظره السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومعنى هذا أن الشعب كان ينتخب برامج الأحزاب من دون أن يكون مضطراً الى إقحام صورة المرشح أو مظهره الخارجي في معيار المفاضلة. لذلك كانت الصحف تتسابق للحصول على البيانات الحزبية التي تنشر عادة على كامل الصفحة الأولى. وظلت جريدة «التايمز» المحافظة والرصينة تتبع هذا التقليد الى أن اشتراها روبرت مردوخ وحولها الى سلعة إعلانية مثلها مثل صحف «التابلويد».

والملاحظ في هذا السياق أن نضوج العملية الانتخابية في بريطانيا احتاج الى أكثر من مئة سنة قبل أن يبلغ المستوى الديموقراطي الصحيح. ومع أن أول انتخابات تمثيلية أجريت عام 1802، إلا أن سجلات المقترعين كانت حكراً على أصحاب الامتيازات وأفراد العائلات الميسورة. أما بالنسبة الى مشاركة المرأة، فان حق الانتخاب لم تحصل عليه نساء بريطانيا قبل عام 1928. كما إن سن الاقتراع كان محصوراً بالذين تجاوزوا الثلاثين من العمر. وفي عام 1969 جرى تعديل آخر سمح بموجبه للشبان والصبايا بالاقتراع في سن ال 21 ومن ثم في سن ال 18.

بقي أن نذكر أن في العالم اليوم 32 دولة تفرض على مواطنيها الانتخاب القسري. وفي حال التخلف يمكن للقاضي أن يختار العقاب الذي يريد: إما الغرامة أو السجن. وبين هذه الدول هناك 19 تقع في منطقة أميركا اللاتينية مثل الأرجنتين وتشيلي والأوروغواي وبيرو والإكوادور. والطريف أن البرازيل تسمح بالانتخاب في سن مبكرة (16)، ولكن القانون لا يصبح قسرياً إلا عندما يصبح المواطن في الثامنة عشرة من العمر.

يستدل من مراجعة أرقام الناخبين قبل انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينات، أن إقبال البريطانيين على صناديق الاقتراع كان مرتفعاً بسبب الفوارق الواسعة بين حزبي المحافظين والعمال. وهي فوارق حادة ممثلة بنهج يؤمن بالرأسمالية، وآخر يؤمن بمركزية الدولة وأهمية تأميم شركات الخدمات والإنتاج. وأفضل مثال على الهوة الايديولوجية التي كانت تفصل بين الحزبين، شراسة المنافسة التي شهدتها انتخابات 1951 بين ونستون تشرشل المحافظ وكليمنت اتلي العمالي. وظل هذا الوضع قائماً الى حين وصول مارغريت ثاتشر الى الحكم (1979) بحيث أوقفت موجة الإضرابات وقضت على حملات العصيان التي شنها حزب العمال بواسطة نقابات العمال.

يجمع المراقبون في لندن على القول إن انتخابات أول من أمس الخميس أحيت حزب الديموقراطيين الأحرار بعد غيبوبة سياسية استمرت أكثر من 75 سنة. علماً أن هذا الحزب الذي أسسه لويد جورج ووليام غلادستون، كان لفترة طويلة الحزب المهيمن على الحياة السياسية في بريطانيا. ولكنه تراجع كثيراً بسبب عجزه عن إنتاج شخصيات قيادية مهمة، وفشله في تطوير برنامجه عقب حربين عالميتين. من هنا القول إن القفزة الكبرى التي قام بها الشاب نيكولاس وليام بيتر كليغ (نيك كليغ) كانت بمثابة عملية إحياء لحزب موميائي يستند الى خلفية تاريخية مهمة. وفي المناظرة التلفزيونية الأولى أظهرت أرقام استطلاع الرأي أن كليغ (43 سنة) يحتل مرتبة رجل السياسة الأكثر شعبية منذ ونستون تشرشل.

تزعم جماعة حزب العمال أن الشاب كليغ قفز الى المرتبة الثانية بفضل وسامته وأناقة هندامه، وأن التجارب المقبلة ستكشف عجزه عن مواجهة التحديات الكبرى. ومثلما قابلت الصحافة الأميركية سابقاً ظهور جيمي كارتر بعناوين الاستغراب (جيمي من؟) كذلك قوبلت نجومية مرشح الديموقراطيين الأحرار بالسؤال ذاته: كليغ من؟ والسبب أن التقاليد الحزبية في بريطانيا لا تسمح بالقفز فوق المراحل. مثال ذلك أن مارغريت ثاتشر جاءت من أسرة متواضعة لتقود حزب المحافظين بنجاح. ولكنها لم تأت من فراغ، وانما تدرجت في مراكز إدارية ومالية ووزارية قبل أن تبلغ رئاسة الحكومة.

ولم تقتصر حملات التشكيل بأهلية نيك كليغ وكفاءته، بل تعدتها لتشكك في أصله البريطاني. ومع انه ولد في مدنية «شالفونيت» شمال غربي لندن، إلا أن جدته من جهة والده هربت من روسيا القيصرية عام 1917. أما والدته الهولندية فقد جاءت الى المملكة المتحدة وهي في الثانية عشرة من عمرها. ثم تزوجت وليام كليغ المصرفي من والد روسي، الذي سمحت له ظروفه المادية بتوفير أفضل المعاهد والجامعات لابنه الطموح. ذلك أن «نيك» التحق بجامعة كامبريدج قبل أن ينتقل الى جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة، ثم ينهي دراساته في معهد أوروبا بمدينة بروج البلجيكية. وهذا ما شجعه عام 1994 على الانضمام الى المفوضية الأوروبية لشؤون التجارة حيث أشرف على المحادثات التجارية مع روسيا والصين. وفي بلجيكا أيضاً التقى الصبية التي تزوجها ميريام ابنة السيناتور الاسباني غونزاليز دورانتيز. وبفضل هذا الخليط العائلي يتقن «نيك» خمس لغات بينها الهولندية والفرنسية والاسبانية والألمانية.

وعلى رغم الشعبية التي حصل عليها كليغ اثر المناظرة التلفزيونية الأولى، إلا أن المؤسسة الرسمية البريطانية لم ترتح كثيراً لطروحاته السياسية. وسمعته مرة يتحدث في حفلة خاصة، ويعدد مآخذه على مواقف حزب العمال الحاكم، ويقول انه يعتبر الحرب على العراق غير شرعية، وانه يعارض توسيع المستوطنات في الضفة والقدس الشرقية، وقال أيضاً أن حزبه تبنى مشروع الدولتين، وأرسل لجنة لتقصي الحقائق في مأساة غزة.

إضافة الى هذه المواقف المعارضة لخط الحزبين الرئيسيين، فان دعوته لانضمام بريطانيا الى العملة الأوروبية الموحدة، أثارت حفيظة رجال المال والاقتصاد الذين يخافون من الغرق في مستنقع منطقة اليورو مثل اليونان واسبانيا والبرتغال.

لهذه الأسباب مجتمعة بادرت صحف المحافظين والعمال الى تصويب مدافعها الإعلامية باتجاه صدر كليغ، مثلما رسمته جريدة «دايلي تغلراف». وقالت بصراحة إن بعث الحزب الثالث الذي لفظ أنفاسه عام 1924 يمكن أن يعرقل آلية الإيقاع السياسي، ويسقط التوازن الذي تؤمنه عملية التناوب بين الحزبين.

ويستنتج من ردود فعل الأشخاص الذين بهرهم أداء زعيم الديموقراطيين الأحرار، انهم سئموا من فكرة عملية التغيير، خصوصاً بعدما عرض توني بلير مشروعه الانتخابي قبل 13 سنة، في وعود لا تختلف عن وعود المحافظين، لذلك قيل عنه في حينه: «انه محافظ بثياب عمالي».

والملاحظ من طبيعة الحملة الانتخابية التي قام بها زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون، انه كان ميالاً الى تقليد بلير في التودد الى جمهور خصمه غوردون براون. لذلك حاول الابتعاد عن مدرسة «ايتون» التي تخرج منها، والتي عرفت تاريخياً بأنها مدرسة الملكيين والأسر الأرستقراطية المعدة للحكم. ويقول المؤرخون إن خريجي هذه المدرسة هم الذين هزموا نابليون في معركة واترلو. وبدلاً من التباهي بانتمائه الى هذا المعهد المميز، حاول كاميرون استمالة عمال المناجم الذين تظاهروا ضد قرار حكومة براون بإقفال كل المناجم غير المربحة. وراح يحدثهم بانفعال ظاهر انه مع الطبقة الكادحة والجماعات المهمشة وانه لن يرسل ابنه الى «ايتون». ولولا ربطة عنقه ماركة «هرمس»، لخيّل لمستقبليه العمال أن كارل ماركس تقمص شخصية زعيم حزب المحافظين!

في مطلق الأحوال، ظهرت المناظرات التلفزيونية الثلاث كقوة مؤثرة لم يسبق لبريطانيا أن خبرتها من قبل، وقد واكبها محللون ومعلقون وخبراء في علم «لغة الأجسام» مثل الولايات المتحدة. وفي رأي هؤلاء انه لولا الإطلالة التلفزيونية لما استطاع كليغ أن يقفز الى الصفوف الأمامية ويسرق الأضواء من الجميع. واستفاد كليغ كثيراً من استياء الغالبية الشعبية من أخطاء العمال والمحافظين، ما أعطاه فرصة ثمينة لاجتذاب القوى المحايدة الناقمة.

بقي السؤال المتعلق بطروحات قادة الأحزاب الثلاثة، ومدى اتفاقهم على عدم إثارة المواضيع الحساسة مثل قضية فلسطين وحرب العراق. ويتردد في المحافل الديبلوماسية أن ثلاثتهم اتفقوا على تجاهل كل ما يعرض سياستهم للتجريح والتنديد. لذلك اكتفوا بالتركيز على معالجة الأزمة الاقتصادية، وعلى كيفية إيجاد الحلول الملائمة لتخفيف عجز الموازنة البالغ 163 بليون جنيه إسترليني.

أما بالنسبة الى مستقبل حزب العمال، فان قيادته مصممة على اختيار ديفيد ميليباند، وزير الخارجية، خلفاً لغوردون براون، باعتباره يمثل زخم الشباب والحيوية، كما وصفته نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون. في حين يعتمد كاميرون على شلة من المساعدين في طليعتهم وزير خارجية الظل وليم هيغ وأوليفر لاتون وجورج أوزبورن ومايكل غوف وستيف هيلتون.

واللافت أن كاميرون كان يركز في كل خطبه على التغيير الذي سيحمله الى الحكم في حال تم انتخابه. وكما شدد باراك أوباما في حملته على استخدام كلمة «التغيير» لإظهار نفسه بمظهر المجدد، هكذا استخدم زعيم حزب المحافظين كلمة «التغيير» للتدليل الى أن حزبه سيكون عكس ما وصفه الإصلاحي البريطاني اوليفر كرومويل ب «توري». وتوري تعني بالانكليزية عضواً في حزب سياسي بريطاني مؤيد للسلطة الملكية ومقاوم للتغيير والإصلاح.

وكل مشكلة كاميرون بعد الانتخابات أن يثبت أن أفعاله ستكون عكس ما يعنيه كرومويل بكلمة «توري»، خصوصاً ان النتيجة جاءت مخيبة لآمال القيادات الحزبية، الامر الذي يستدعي تدخل الملكة اليزابيث الثانية لإيجاد مخرج مقنع يرضي الزعماء والناخبين.

* كاتب وصحافي لبناني

=====================

تجربة رائدة في تركيا

المستقبل - السبت 8 أيار 2010

العدد 3645 - رأي و فكر - صفحة 19

مرح البقاعي

من أبرز ما يميّز تجربة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، والذي تبوأ سدة الحكم في العام 2002 في تركيا، أنه قدم نموذجا لإسلام حداثوي معتدل يمارس آلياته في ظل دولة علمانية المسار. أعني هنا أن تركيا العلمانية قبلت بتولي الإسلام المعتدل للحكم لأن العلمانية تضم تحت مظلتها الأديان والاتجاهات السياسية كافة ولا تقصي أو تلغي أحدا منها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن نموذج الإسلام ذي "المرجعية الثقافية"، وليس السياسية، هو ما أهّل حزب العدالة والتنمية للوصول إلى الحكم وإدارته بتوازن يفصل تماما بين السياسي الدنيوي والديني السماوي. وهذه التجربة لم يكن ليكتب لها النجاح إلا في دولة ذات صيغة سياسية علمانية تفصل الشأن السياسي عن الطقس الديني. فالوطن للجميع في تركيا المعاصرة والدين فيها لله. ولا ننسى أن الجيش ذا الثقل الفعلي في تركيا العلمانية يتمتع بثقة كبيرة من أطياف الشعب التركي كافة، وأن قوى الجيش دخلت مع الحزب الحاكم في حالة من التوافقية المتوازنة التي تعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

لقد تمكّن الحزب الحاكم في تركيا من قراءة النص الإسلامي وتأويله في ضوء مجريات العالم المعاصر ومتغيراته، ونأى بنفسه عن قراءة فحوى العالم من خلال النص الديني بشكل مغلق وضيق، وهذا هو أحد أسرار نجاحه في حكم دولة هي أصلا علمانية حتى النخاع.

حزب العدالة والتنمية استلهم من التاريخ الإسلامي موارده الثقافية نائيا بنفسه عن النظرة الطوبوية الماورائية أو نظيرتها العصبية المتشنجة، بل تعامل بنهج أقرب إلى الاعتدال الجمعي الذي يقارب مختلف الأطياف السياسية دون أن يتماهى فيها أو أن يلغيها مبتعدا عن المغالاة التي تقع فريستها معظم الحركات الإسلامية الدينية التي تصل إلى سدة الحكم. فالأداء الإسلامي ارتبط بالقدرة على الفعل وهو حكم شرعي أراده الله نهجا لتطبيق العبادات والأحكام والشعائر.

ولعل أحد مفاتيح نجاح التجربة التركية اليوم هو استلهامها الفعلي لهذا المفهوم الفقهي في إسقاطاتها ومباشرتها للممكن والواقع في الشأن السياسي بعيدا عن الإيغال في متاهات التاريخ، والمغالاة في اقتباسات النوستالجيا والأحلام الشوفينية البائدة. فحزب العدالة والتنمية لا ينظر إلى تركيا ككيان فرداني معزول بل هو يراها تماما في موقعها السياسي والبشري ضمن خارطة العالم الذي لم تعد الحدود تعني فيه أكثر من ختم قانوني على جواز السفر لدحضها. وعرف رجال الدولة في تركيا أن الانفتاح السياسي والتكامل الاقتصادي هما مجتمعان الطريق الأقصر لتحقيق التوازنات مع الداخل الشعبي من جهة والخارج المعولم من جهة أخرى. وهكذا وجدت تركيا نفسها اليوم، أقرب من أي يوم مضى، للانضمام إلى منظومة الاتحاد الأوروبي كما صرح به وزير خارجية ألمانيا جيدو فيسترفيله مؤخرا خلال زيارته لأنقرة واجتماعه مع كبير المفاوضين الأتراك للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أكمان باجيش، حين قال:" أنا لست سائحا بسروال قصير، أنا هنا أمثل توجهات دولتي"! والمعروف أن ألمانيا كانت من أكثر الدول تشددا في الموافقة على طلب تركيا للانضمام إلى الاتحاد.

تركيا اليوم بقيادة "الديمقراطيين المسلمين" كما أراد أن يطلق عبد الله غول على أعضاء حزب العدالة والتنمية حين سأله أحد الصحافيين عن الأجندة الإسلامية الخفية للحزب فبادره قائلا:" نحن لسنا إسلاميين وحركتنا ليست بالحركة الدينية نحن حزب أوروبي محافظ وحديث. لا نعترض إذا وصفنا بأننا ديمقراطيون مسلمون، على غرار الديمقراطيين المسيحيين في الدول الأوروبية الأخرى".

وكان التقارب التركي الكردستاني هو من فواتح العام الجديد للمبادرات التصالحية مع الجوار الصعب المراس في الخاصرة التركية، وقد توجت هذه المساعي بزيارة قام بها أخيرا وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى إقليم كردستان ولقائه برئيسه مسعود بارزاني. وقد صرح أوغلو إثر الزيارة قائلا: " أزور إقليم كردستان الذي اعتبره بيتي. العراق الجار كموطن متعدد الإثنيات مهم جدا بالنسبة للأمة التركية، ونحن ننظر بشكل متساو إلى جميع أفراد الشعب العراقي ولا نفرق بين مذاهبه". وأضاف:" نحن بوابتكم إلى أوروبا، وأنتم بوابتنا إلى الجنوب والبصرة والخليج". ومن جهته صرح بارزاني في المؤتمر الصحافي المشترك قائلا: "أعتقد أن السياسة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية هي سياسة صحيحة في معالجة المشكلة الكردية في تركيا وأعلن استعدادنا لتقديم الدعم لها"، منتقداً "التطرف وإراقة دماء الشباب من الأكراد والأتراك في تركيا".

النموذج التركي ذي المرجعية الثقافية للإسلام في صيغته التعددية، ونَفَسه الديمقراطي، وذي النهج السياسي البعيد عن أوهام العسكرتاريا الفجة وهواجس التسلط النووي، هو النموذج المعاصر للأحزاب المحافظة الذي صادف أن كانت هوية أعضائها وناشطيها إسلامية، النموذج الذي يفوت العديد من الدول الإسلامية حيث ردّ الإسلام كليّا إلى حالة سياسية أوقعتها في مطب الربط "القصدي"، أو "غير المباشر" في أحسن الأحوال، بالراديكالية الإسلامية المستشرية في العالم.

=====================

الحرس الثوري وقطاع النفط

توماس إردبرينك

الشرق الاوسط

8-5-2010

بعد الاستفادة من العقوبات الفعلية الموجهة ضده، يضطلع الحرس الثوري الإيراني في الفترة الحالية بدور رائد في تطوير قطاع النفط الذي يحقق الأرباح في البلاد، حسبما ذكر مسؤولون غربيون في مجال النفط ومحللون إيرانيون.

وجرى منح شركات الهندسة التابعة لفيلق الحرس الثوري، التي حلت محل شركات النفط الأوروبية التي غادرت إيران، عقودا ضخمة من دون إعلان مناقصات. ويحذر الخبراء من أن الجهود الأميركية الرامية إلى منع الاستثمارات الدولية في صناعة النفط الإيرانية تعطي مزيدا من النفوذ للحرس الثوري. وتعد إيران ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك».

وقال مسؤول تنفيذي غربي، يمثل واحدة من أكبر شركات النفط في العالم: «إن الحرس الثوري يسخر من فكرة فرض عقوبات جديدة ضد إيران. ستعني العقوبات ضد الصناعة، أو منع الشركات الأجنبية من بيع الغازولين لإيران، مزيدا من الأموال والسلطة والنفوذ للحرس الثوري».

وفي الماضي، كان دور الحرس الثوري في قطاع البتروكيماويات محصورا في مشروعات البنية التحتية المتعلقة بالقطاع، بما في ذلك إنشاء الطرق والقنوات. لكن في الفترة الراهنة، تشرف الشركات التابعة للحرس الثوري على تنمية معظم مشروعات النفط، وقد أخذت هذه الشركات زمام المبادرة في مناطق أساسية من مشروع جنوب فارس للغاز الطبيعي المسال في مدينة عسلوية على الخليج، في ظل عمل الشركات الصينية كمقاولين من الباطن بصورة متزايدة.

وقال المسؤول التنفيذي، الذي قضى سنوات طويلة في طهران: «سيستغرق الأمر معهم وقتا أطول، وسيكونون أقل كفاءة، لكن قطاع النفط والغاز الإيراني سيواصل النمو على الرغم من المعوقات الدولية».

وفي واشنطن، قال مسؤول أميركي بارز - طلب عدم ذكر اسمه - «إنه من غير المألوف بالنسبة لبعض المطلعين في الحكومة تحديد كيفية الاستفادة في الدول التي يجري فرض العقوبات ضدها». لكن الحكومة الإيرانية تشعر بالقلق بصورة واضحة بشأن احتمالية فرض عقوبات جديدة، وأشار إلى الجهود الدبلوماسية المكثفة التي تقوم بها لتفادي هذه العقوبات. ويتوجب على فيلق حرس الثورة الإسلامية، الذي تم إنشاؤه بهدف حماية النظام الإسلامي في إيران، استخدام قدراته في وقت السلم لتحقيق التقدم في البلاد، حسبما ذكر قادة الفيلق. وفي ظل قيادة الرئيس محمود أحمدي نجاد، زاد الحرس الثوري من أنشطته التجارية بصورة كبيرة.

ومن خلال ذراع قطاع الإنشاء التابعة له، يدير الحرس الثوري مطار طهران الدولي، وينشئ الطرق السريعة في البلاد وأنظمة الاتصالات. كما يدير نشاط تصنيع الأسلحة في إيران، بما في ذلك برنامج الصواريخ المثيرة للجدل.

وينظر قادة إيران إلى مشاركة الحرس الثوري في صناعة النفط على أنه أمر طبيعي، ويقولون: إن هذا الفيلق يساعد فقط في تنمية الدولة التي تعاني العقوبات. وتعمل ذراع الإنشاء في الحرس الثوري كشركة تجارية، لكن من غير الواضح كيف تتم معالجة إيرادات هذه الشركة. ويقول القادة العسكريون: إن دخل الحرس الثوري يتم تحويله إلى الخزانة الوطنية، لكن لا توجد سجلات عامة تذكر المبالغ بالتفصيل.

وتواجه شركات النفط الغربية - التي لا تزال تحاول التعاون مع إيران - قرارات قاسية. ومنحت إيران في الفترة الأخيرة شركة «شل» هولندية الملكية وشركة «ريبسول» الإسبانية أسبوعا؛ لإنهاء صفقة تسمح لهما بتطوير أجزاء في حقل غاز فارس أو الانسحاب من المشروع. وأجلت إيران كذلك صفقة قيمتها 7 مليارات دولار مع «الشركة التركية الدولية للبترول»؛ لتطوير جزء آخر من حقل جنوب فارس بعدما أخفق الأتراك في الالتزام به. وتتفاوض وزارة البترول الإيرانية مع تحالف محلي مؤلف بصورة أساسية من شركات تابعة للحرس الثوري، حسبما ذكر موقع «أفتاب نيوز» على الإنترنت. ولم تتقدم أية أطراف أخرى بعروض في عقود تطوير الحقل، ويرجع ذلك بصورة أساسية إلى أنه لا توجد أية شركات محلية قادرة على التعامل مع هذا المشروع الضخم. ويتباهى الحرس الثوري، الذي يعد الذراع التابعة لها شركة «خاتم الأنبياء» أكبر مقاول إنشاء في البلاد، بصورة علنية بتجربته المتنامية في مشروعات النفط العملاقة. وصرح القائد العسكري البارز، يد الله جواني، لوكالة «العمل» للأنباء شبه الرسمية: «اليوم، يفتخر الحرس الثوري بأن لديه مثل هذه المعرفة والقدرة التي نستطيع - وفقا لها - أن نحل محل الشركات الأجنبية بسهولة، مثل شركة (توتال) وشركة (شل) - في القيام بالمشروعات الضخمة في عسلوية».

ويقول محللون غربيون: إن الحرس الثوري يتعاقد من الباطن مع شركات أجنبية، معظمها من الصين، لتنفيذ الأعمال الأكثر تعقيدا في المشروعات الرئيسية.

* شاركت في هذا التقرير المراسلة الخاصة كي أرمين سرجوي في طهران والكاتبة ماري بيث شريدان في واشنطن

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ