ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 06/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الولايات المتحدة وسورية واسرائيل: ايثق في الاسد؟

زلمان شوفال

اسرائيل اليوم 4/5/2010

5/5/2010

القدس العربي

تتعلق احدى علامات السؤال المقلقة في شأن سياسة أمريكا الخارجية الحالية بعامة، وتلك المتعلقة بالشرق الاوسط بخاصة، بعلاقات واشنطن بدمشق. بعد زمن قصير من تولي ادارة اوباما بدأت ترسل رسائل الى سورية في شأن الاستعداد لفتح صفحة جديدة.

بدأ ساسة وموظفون أمريكيون يشخصون الى دمشق. أظهرت الادارة بذلك توجهها الجديد لعلاقة أمريكا بالعالم. بخلاف إدارة بوش، تؤيد ادارة اوباما 'التحادث' أيضا مع أسوأ نظم الحكم من طهران أحمدي نجاد الى كركاس شفاز. لاءمت سورية التوجه، وظنوا في واشنطن أنه قد يكون من الممكن ضمها الى مسيرة السلام مع اسرائيل وقطعها عن ايران. ولدت النيات أعمالا. تم اتخاذ اجراءات لالغاء جزئي للعقوبات على سورية، ووسعت العلاقات التجارية، وضوئل الحظر على استثمارات أمريكية في سورية (مضى الاتحاد الاوروبي ايضا على أثر الامريكيين)، واتسعت السياحة اليها وأهم من كل ذلك أن واشنطن أعلنت بعد خمس سنين بأنها ستعيد سفيرها الى دمشق. لقد عين السفير لكنه لم يمثل في مكان ولايته ويمكث هناك في هذه الاثناء معيناً على نحو مؤقت. حضّرت السلطات السورية الاتصالات المباشرة به بل انه لم يستقبل ولو للقاء مع وزير الخارجية السوري.

لا شك في ان السياسة الامريكية الجديدة قد آتت أكلها، وبخاصة لسورية التي تخلصت سريعا من عزلتها السياسية والاقتصادية. ولم تتحقق نتائج أخرى اي تلك التي توقعتها واشنطن. بل استمرت دمشق في تأييد عناصر ارهابية في العراق شوشت على جهود الامريكيين لاقرار نظام الحكم هناك؛ وحاولت، بالتعاون مع كوريا الشمالية، تطوير سلاح ذري؛ وزودت حزب الله وحماس بصواريخ ووسائل قتالية أخرى (من انتاجها الذاتي ومن انتاج ايراني ايضا)؛ واستمرت تدبر الدسائس في لبنان وتعيد بناء مكانتها هناك؛ واشتدت، كما فعلت هذا الاسبوع ايضا، في مواقفها في العالم العربي في معارضة السلام مع اسرائيل؛ وزادت مستوى العنف الكلامي بها.

بدا أيضا زيف توقعات أن يفضي تسخين العلاقات بين الولايات المتحدة وسورية الى تبريد الصلات بين هذه الاخيرة وطهران. يبدو ان الامريكيين، وليس للمرة الاولى، قد نظروا من خلال عدسة معكوسة. على أية حال سيفحصون في الشرق الاوسط بنظر ثاقب جدا عن الوسائل التي يستعملها الامريكيون لوضع حد للجهد الذري الايراني. إذا ما ظل نظام آيات الله يتلاعب بالأمريكيين في هذا الشأن وما لم تلمح واشنطن الى أنها ستزن تحقيق خيارات أخرى أيضا فلن يفصل الأسد عن ايران بل سيظل يبحث عن قربها خاصة.

يبدو أنه توجد في واشنطن أيضا الان حيرة إزاء الآمال الخائبة من سورية. تشهد ورقة عمل داخلية في وزارة الخارجية عن البلبلة والتناقضات القائمة، فيما يتعلق مثلا بالعقوبات التي ما تزال مفروضة على النظام في دمشق جزئيا. شدد متحدثون امريكيون كبار، وبينهم وزيرة الخارجية كلينتون ووزير الدفاع غيتس في اللهجة الموجهة الى دمشق في قضية صواريخ سكود والسلاح الآخر الذي تزود به هذه حزب الله وحماس، وفي مجلس الشيوخ الامريكي يلقى تعيين السفير في دمشق صعابا ولا سيما من قبل الجمهوريين.

ولنعترف بحقيقة أنه يوجد في اسرائيل أيضا غير قليل من البلبلة في شأن سورية. برغم عدم وجود دلائل حقيقية على ذلك، يوجد من يظنون أنه يمكن التوصل بصعوبة كبيرة الى سلام مع سورية، وأن الثمن معلوم لكنه سيفضي الى تغيير ايجابي أساسي من جهة مكانة اسرائيل الاستراتيجية. يوجد أيضا من يبطل هذه الدعاوى بحجج مختلفة تقوم في جملة ما تقوم عليه على أسباب تنبع من صورة النظام في سورية ومن عدم المرونة التي أظهرتها سورية في كل المحاولات الى الان لتقديم حوار سلام معها.

على سبيل المثال طلبت سورية، في محادثات شيبردستاون مع ايهود باراك ايضا، الشاطىء الشرقي من بحيرة طبرية، برغم ان هذا لم تشتمل عليه قط حدودها القانونية المعترف بها. يوجد عندنا أيضا من يظنون أننا نستطيع بنقل التوكيد في المسيرة السياسية من الشأن الفلسطيني الى الشأن السوري، أن نزيل عنا ضغوطا أمريكية مرتقبة. لكن ما هو أكثر احتمالا أن يضاعف هذا الاجراء بخاصة الضغط المحتمل لا العكس.

====================

يا ليت قومي يتعلمون..!

بثينة شعبان

 الدستور

5-5-2010

حين اغتالت إسرائيل محمود المبحوح في دبي تبيّن أن أجهزة المخابرات التابعة لنحو خمس عشرة دولة غربية قد تعاونت معها لتزويد فرق الموت التابعة للموساد بجوازات سفر للقتلة وبمنافذ عبور في مطاراتها ، ومع ذلك ، وبعد الاغتيال ركز الإعلام الغربي على أن الجوازات مزورة كي يغطي على جريمة الاغتيال نفسها وعلى تحالفهم المخابراتي في ارتكاب الجريمة. فالجريمة ارتكبت ضد العرب ولذلك لن يحاسب مرتكبوها ، وهي ، في كل الأحوال ، ليست الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتعاون حلفاء إسرائيل الغربيون معها ، بل إن مثل هذا التعاون قد شجع إسرائيل عبر أكثر من ستين عاما على الاستمرار في ارتكاب جرائم الاغتيال والمجازر ضد المدنيين العزل في فلسطين ولبنان.

 

اليوم اخترعوا قصة صواريخ سكود كي يزعزعوا استقرار المنطقة ، ويغطوا على تعنت نتنياهو ورفضه القاطع للسلام مع العرب ، وحين أصبح واضحا لكلّ ذي بصيرة أن هذه القصة مثيرة للسخرية لعدم واقعيتها على المستويين الفني والميداني ، اجتمع باراك مع حلفائه في واشنطن لتنفيذ خطة سياسية إعلامية مفادها أن هناك سلاحا تزود به حزب الله ، هذا السلاح يزعزع استقرار المنطقة . وهكذا وفجأة اكتشفت كلينتون وفيلتمان أن كلّ أسلحة الدمار الشامل التي تملكها إسرائيل وتفوّقها الجوي لا تهدد الأمن والاستقرار في منطقتنا ، بل هذه الأسلحة المزعومة.

 

وينبري كبار المسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا لإطلاق تهديدات ضد سورية ولبنان بناء على تهم أُطلقت في الإعلام ولا تكتسب أي نوع من المصداقية. وفي هذه الحال فقط تبدو اللغة الواضحة طيّعة للمسؤولين الأميركيين بحيث تدين وزيرة الخارجية الأميركية نقل الأسلحة بأقوى لغة ممكنة ، وتعتبر هذا التصرف المتخيل ، طبعا ، استفزازيا ومهددا لاستقرار المنطقة والذي لن تقبله الولايات المتحدة ولا الأسرة الدولية ، كما تعتبره خرقا للقرار 1701 الذي يمنع الاستيراد غير الرسمي لأي نوع من الأسلحة إلى لبنان . أما كل خروقات إسرائيل لاتفاقيات جنيف الرابعة ، وانتهاك إسرائيل لكل قرارات مجلس الأمن بما في ذلك القراران 242 338و وكذلك 1701 وكل الأسلحة التي تستوردها إسرائيل ، فهذا ما لم تلحظه السيدة كلينتون ، بل إنها لم تلحظ تزويد حكوماتها المتعاقبة لإسرائيل بالمفاعلات النووية سرا وبالقنابل الفوسفورية والعنقودية لقتل أطفال غزة والمدنيين العزّل وإصابتهم بإعاقات مشينة يمكن للسيدة كلينتون مشاهدتها لو أرادت زيارة غزة. وهي التي تزودها بالطائرات الحربية التي دمّرت آلاف المنازل والمدارس والمستشفيات في غزة وجنوب لبنان. وتناسى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس جيوشه التي ارتكبت جريمة قتل مليون مدني عراقي ، والتي ما تزال مستمرة في قتل العشرات من المدنيين الأفغان يوميا ، فسارع إلى ترديد معزوفة أن تسليح إيران وسورية لحزب الله بصواريخ وقذائف متطورة يقوّض استقرار المنطقة . أما إيهود باراك فقد اعتبر أن هذا الأمر يخلّ بتوازن التسليح في المنطقة ،، ولكن أي مسخرة أكثر من ترديد إيهود باراك مثل هذه المزاعم وكأنه لا يعرف أن جيشه يمتلك كلّ أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرّمة بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل النووية والكيميائية والبيولوجية وكل أنواع الطائرات والمدفعية والصواريخ والقذائف المحرمة وهي ترتكب كل أنواع جرائم الحرب والقتل والمجازر يوميا ومنذ أكثر من ستين عاما دون رادع ، ودون خوف ، ودون عقاب ، فحلفاء إسرائيل الغربيون في حالة استنفار دائمة لتغطية جرائمها ضد الإنسانية وهم معها دوما وفي كل الحالات ظالمة أو مظلومة ، وهي دوما ظالمة.

 

ولكن ماذا تعلّم العرب من أعدائهم طوال هذه العقود الدموية المريرة؟ هل تعلموا أن يكونوا في مواجهة الأعداء ، مثلهم ، كالجسد الواحد ، أم أن بعضهم ما يزال يجرب أساليب أثبتت فشلها مرة بعد أخرى لأنها كمن يضع رأسه تحت الرمال؟ هل تعلّمنا أمام جرائم إسرائيل الوحشية أن نقف مع أشقائنا سواء كانوا موحدي الصفوف أم مختلفين؟ هل تعلّمنا أمام الحصار الذي تفرضه قوى الوحشية الغربية على شعب شقيق مقهور وأعزل أن نتّحد بموقف واحد أم ما زلنا ندير لهذا الشعب المظلوم ظهر المجنّ ونتكاسل وكأن الأمر لا يعنينا؟،

 

هذا الحصار الجائر والمنافي لكلّ القوانين والشرعة الدولية وحقوق الإنسان مستمر اليوم في البحر والبر والجو على مليون ونصف المليون إنسان فلسطيني لأنهم عرب ، وتسكت دول أوروبا والإدارة الأميركية عن جريمة الحصار فقط ، لأنهم عرب ، فهؤلاء لم يتخلصوا بعد من عقلية الحروب الصليبية ، وعنصريتهم تمنعهم من قبول الآخر ، ولكن تخيّلوا لو كان الحصار يفرضه العرب على الإسرائيليين ، كيف كان موقف كلينتون وفيلتمان الصامت عن حصار غزة لحد الموت حتى الآن ؟،

 

يا ليت قومي يتعلمون من منظمي أسطول الحرية الذي سيبحر لفك الحصار الإسرائيلي المفروض على المدنيين في غزة من تركيا في 24 مايو (أيار) ويشارك في هذا الأسطول مؤسسة الإغاثة التركية (اش اش أي) ، والمنظمة العالمية بيردان للسلام من ماليزيا ، و الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة ، والمبادرات السويدية واليونانية التي سوف ترسل ثلاث سفن محملة ببضائع ومستلزمات طبية وتعليمية وعلى الأقل خمسة قوارب ركاب تحمل على متنها ما يزيد عن 600 شخص. وقد بدأ الإعلام الغربي منذ الآن في دعم الحصار الإسرائيلي الوحشي عبر إطلاق صفّارات الخوف على أمن البحرية الإسرائيلية من مواد غذائية وطبية وقوارب تحمل مناصرين حقيقيين لحقوق وكرامة الإنسان . ولكن أين هو الزخم العربي في هذه الحملة؟ وأين رجال الأعمال العرب من دعم إخوانهم وأخواتهم في غزة الذين يعانون من حصار وحشي قاتل تفرضه قوى الحرب والعدوان منذ سنوات على مدنيين عزل؟

 

تثبت هذه الأحداث ، وغيرها الكثير ، أن الغرب لا يعتبر أي بلد عربي صديقا له مهما قدمت حكومته من خدمات لصالح إسرائيل ومهما قدمت مخابراته وقضاؤه من خدمات لدعم الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية فهم يعتبرونها ، وهم محقون ، بأن من يكون ضدّ قومه غير جدير بالثقة. لذلك فإن هؤلاء الذين يتخيلون أنهم أصدقاء للغرب هم واهمون ، فالغرب صديق لنفسه ولمصالحه. فلماذا لا يكون العرب أصدقاء أنفسهم ومصالحهم أولا؟ ، ولا شكّ أن مصلحة العرب تقتضي أن يتصرف العرب كطرف واحد وأن يوحدوا الكلمة والصف لأنهم جميعا في نظر الغرب عرب. ولكن بالتأكيد ، يمكن لنا أن نتعلم من الغرب بأن ننتصر لإخواننا خاصة وهم الذين يجاهدون من أجل الحرية والكرامة.

 

إن تغيير مفهوم عدم الاكتراث بالشقيق إلى مفهوم نصرة الأخ والشقيق الطالب للعدالة والحقوق المشروعة هو المفهوم الذي على العرب أن يتعلموه اليوم وهو المفهوم الضروري ، ليس فقط لتحرير شعب فلسطين من الوحشية الإسرائيلية ، وإنما لبقاء وعزة العرب جميعا في جميع أقطارهم. أما الاعتذار من العدو ومحاولة استرضائه والرهان على إنسانيته و ديمقراطيته فلن تزيد الركب العربي إلا تقهقرا وضعفا ، والتاريخ ماثل أمام أعيننا ومستمرّ بتقديم البراهين لنا يوما بعد يوم ، فهل يتعلم هؤلاء الرهط من قومي الذين استطابوا مهادنة الأعداء المعتدين المتوحشين ، واستسهلوا معاقبة الشقيق المحاصر المظلوم المعتدى عليه ، من الأعداء أنفسهم وهم على العدوان متحالفون متضامنون ضد شعبهم وأشقائهم في فلسطين ولبنان وسورية.

يا ليت قومي يتعلمون وحدة الصف ولو من أعدائهم... يا ليت،

====================

فشل سياسي استراتيجي من الدرجة الاولى!

عوفر شيلح

 الدستور

5-5-2010

المقابلة المشوقة للغاية التي لم تقرأوها تصدر هذا الشهر في "هلوحيم" (المقاتل) - المجلة الناطقة بلسان منظمة معوقي الجيش الاسرائيلي ، ربما بسبب المنصة الصغيرة ، ربما بسبب ظروف المقابلة وربما لانه ببساطة حان الوقت ، اللواء احتياط اوري ساغي يروي فيها بتفصيل نادر عن المفاوضات التي اجراها مع السوريين في عامي 1990 - 2000 .

 

"فشل سياسي استراتيجي من الدرجة الاولى" ، يسمي ساغي ، الذي كان رئيس شعبة الاستخبارات ورئيس الفريق المفاوض للمحادثات مع سوريا في عهد ايهود باراك في رئاسة الحكومة ، تفويت الفرصة مع الأسد الاب ، تسوية كان يمكن لها أن تمنع كل حروب العقد الاخير وتغير وضع اسرائيل في المنطقة من اساسه.

 

حسب ساغي ، ليس مسألة انزال الاقدام السورية في مياه طبريا هي التي منعت التسوية ، بل ضعف الزعماء ، فبعد مفاوضات طويلة في ارجاء العالم ، في قسمها السري شارك مبعوثو الرئيس حافظ الاسد وضباط عسكريون ، وفي قسمها العلني تصدر وزير الخارجية فاروق الشرع ، نجح الطرفان في جسر معظم المواضيع المختلف عليها ، ويقول ساغي: "ليس لطيفا من جانبي ان اقتبس بشار الاسد ، ولكنه محق حين يقول ان 80 في المائة من المشاكل حلت" ، واضح لي ايضا أنه رغم التصريحات الاسرائيلية عن "عودة الى مفاوضات دون شروط" ، فان كل محادثات مستقبلية مع سوريا ينبغي أن تستأنف من ذات النقطة.

 

ويكشف ساغي النقاب عن واحدة واحدة من الحقائق التي يحاول زعماء اسرائيل في العقدين الاخيرين تشويهها او اخفاءها: وهو يقول صراحة بان خمسة رؤساء وزراء ، من رابين وحتى اولمرت بما في ذلك نتنياهو ، قبلوا مبدأ ان يتضمن الاتفاق انسحابا كاملا في الجولان الى حدود الرابع من حزيران 67 ، ومصادر مقربة من الاتصالات اياها تؤكد اقواله ، وتضيف بانه توجد ايضا سبل متفق عليها لجسر الخلاف حول اين مر خط الحدود في 4 حزيران ، والذي كان مؤشرا عليه في حينه ب 41 حجرا حدوديا.

 

ولكن أكثر مما هو الكشف التاريخي ، مهمة جملة واحدة يقولها ساغي في المقابلة ، "اسرائيل تجلد نفسها بعد اخفاقات عسكرية في الحروب ، (لكن) لا تفحص نفسها بعد اخفاقات سياسية استراتيجية - في العام 2000 كان هناك فشلا سياسيا استراتيجيا أولا في مستواه لدولة اسرائيل" ، يقول - ولا يتطرق صراحة الى الفشل السياسي الاستراتيجي الاول في مستواه في اسرائيل بعد تسع سنوات من ذلك ، في المحادثات التي ادارها ايهود اولمرت مع سوريا بوساطة تركية.

 

وهنا ينبغي العودة الى اقوال ساغي عن عدم الاكتراث الاعلامي والجماهيري بالاخفاقات السياسية ، ربما ، لو ثارت صرخة بعد تفويت التسوية مع سوريا في العام 2000 لكان اولمرت - مع وزير الدفاع ايهود باراك ، رئيس الوزراء في الجولة السابقة من المحادثات مع سوريا - سيتصرف بشكل مغاير ، ربما ما كان سيسارع جدا الى قطع المفاوضات المتبلورة مع الاسد ويبدأ حملة موضعية ، مهما كانت مهمة ، في الجنوب ، لعله في حينه ما كنا ننشغل مرة اخرى بتحقيقات عديمة المنفعة عن حملات عسكرية دون حسم ، بل في مسألة لماذا نحن نحرص على تفويت الفرصة للتسوية - ولماذا حقا لا يهمنا الأمر عندما يحصل هذا؟.

 

هذه لازمة متكررة في تاريخنا: الحرب تقرر مصائر الشخصيات العامة ، ولكن أحدا لا يبكي على تسوية تم تفويتها ، حرب لبنان الثانية ، التي صفت الشرعية القيادية لاولمرت قبل وقت بعيد من ريشون تورز وهولي لاند ، كانت في نهاية المطاف حدثا غير مهم على نحو خاص في التاريخ السياسي- الامني لاسرائيل: صدام محلي ، نقطة أزمة اخرى في الرسم البياني للمواجهة بيننا وبين حزب الله وايران. ولكنها كانت حربا ، ومع الحرب نحن نتعاطى بجدية ، اما الحروب التي لم تمنع ، فنحن لا نتعاطى معها على الاطلاق.

 

فالحروب التي لم تمنع كلفت اسرائيل حياة اكثر بكثير من الحروب الفاشلة ، جزء من 2500 قتيل في حرب يوم الغفران نبعوا من القصور الاستخباري والاخفاقات التكتيكية ، التي انشغلوا وينشغلون فيها حتى اليوم ، كل القتلى ماتوا بسبب تفويت تسوية مع مصر قبل سنتين من ذلك ، ولكن لم يقف موطي اشكنازي في 1971 امام ديوان رئيس الوزراء وبالتأكيد لم يجرف وراءه الالاف للتظاهرات التي اسقطت الحكومة في نهاية المطاف.

 

في حرب فاشلة مذنب القادة والجنرالات ورؤوسهم يجب أن تعلق في ميدان المدينة ، وفي السلام الذي فوت مذنب الوضع ، ونحن اناس عمليون ، وعندها فاننا لن ننزل باللائمة على الوضع ، ولكن الحرب القادمة مع سوريا ، التي سبق أن حامت في الهواء اكثر من مرة واحدة في العقد الاخير ، كانت ستمنع بالتأكيد لو كان يهمنا الامر ، اسألوا اوري ساغي ، الرجل الذي كان هناك.

====================

تجديد العقوبات على سورية

رأي القدس

5/5/2010

القدس العربي

القرار الامريكي الذي صدر يوم امس بتجديد العقوبات الاقتصادية الامريكية على سورية لم يكن مفاجئا بالنسبة الينا على الاقل، بالنظر الى عمليات التصعيد الامريكية والاسرائيلية ضد سورية وحلفائها في الايام الاخيرة، وتتخذ طابع فبركة الاكاذيب حول دعم حزب الله والاخلال بالتوازن العسكري مع اسرائيل.

وتتزامن هذه الخطوة مع اثارة موضوع نقل صواريخ سكود سورية الى حزب الله وادانة الولايات المتحدة لنقل هذه الصواريخ مع اعترافها بالوقت نفسه بعدم وجود اي ادلة تثبت صحة هذه الادعاءات.

هذه الحملة على سورية تشكل نوعا من الابتزاز والترهيب في الوقت نفسه، ابتزاز سورية لدفعها الى تقديم تنازلات فيما يتعلق بما يسمى بالمسيرة السلمية ودفعها للتخلي عن دعم منظمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية وارهابها حتى تبتعد عن ايران التي اصبحت تحتل مرتبة العداء الاولى بالنسبة الى اسرائيل وامريكا وبعض الدول العربية.

كان لافتا ان الذريعة الامريكية لتجديد هذه العقوبات المفروضة منذ خمس سنوات هي دعم سورية لمنظمات فلسطينية، مثل حماس على وجه التحديد، وهذا يعني ان المطلوب من سورية ان تحذو حذو معسكر عرب الاعتدال، وتقبل بالاملاءات الامريكية بالعودة دون شروط الى مفاوضات سلمية عبثية لا جدوى منها، توفر غطاء لاستمرار الاستيطان الاسرائيلي بالاراضي المحتلة وتهويد الاماكن المقدسة فيها.

فسورية كانت من الدول العربية القليلة التي رفضت ان تشارك في اجتماعات ما يسمى بلجنة المتابعة العربية لمبادرة السلام التي عقدت اجتماعا طارئا بمقر الجامعة بالقاهرة، بطلب امريكي وموافقة فلسطينية، لاعطاء الضوء الاخضر لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية والطرف الاسرائيلي.

الادارة الامريكية تبحث حاليا عن الذرائع لدعم توجه اسرائيلي يتبلور حاليا لتوجيه ضربات عسكرية لكل من لبنان وسورية وتفجير حرب اقليمية جديدة تخرج اسرائيل من مأزقها الحالي وعزلتها الدولية المتنامية، ولا بد ان نذّكر في هذا الاطار بتصريحات افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي الذي هدد الرئيس السوري بشار الاسد بالاطاحة بنظام حكمه وتصريحات اخرى لمسؤولين اسرائيليين قالوا انهم سيعيدون سورية الى العصر الحجري.

سورية تعاونت بشكل جيد مع الولايات المتحدة الامريكية في الحرب على الارهاب، كما تجاوبت مع كل ما طلب منها، سواء بالتهديد او بالترغيب في الملف العراقي عندما شددت الرقابة على الحدود مع العراق لمنع المتسللين الذين يريدون الانضمام الى حركات المقاومة او تنظيم القاعدة على وجه الخصوص، حيث اقامت نقاط مراقبة امنية على طول الحدود مع العراق واعترفت الادارة الامريكية نفسها بتراجع عمليات تنظيم القاعدة بسبب هذه الاجراءات السورية.

ان فرض عقوبات امريكية على سورية وفي مثل هذا التوقيت بالذات قد يعطي نتائج عكسية تماما، فهو طبعا لن يؤدي الى تخلي سورية عن دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، كما ان عمليات الترهيب هذه لم تدفعها للتخلي عن تحالفها التقليدي مع ايران.

والاكثر من ذلك ربما تدفعها هذه العقوبات التي تشكل استفزازا واضح المعالم الى تشديد سياساتها من خلال زيادة الدعم لهذه الفصائل، وتجاه العملية السلمية التي تراهن عليها امريكا حاليا لتوفير ورق التوت لبعض الدول العربية التي تستعد للانضمام الى تحالف امريكي اسرائيلي يخوض حربا ضد لبنان وسورية وربما ايران ايضا.

====================

أين وصل الإشتباك مع سوريا؟

الرأي الاردنية

5-5-2010

إعداد: د. حسن البراري- لا يمكن فهم رغبة الولايات المتحدة بقيادة الرئيس باراك أوباما في الإشتباك مع سوريا إلا في سياق لعبة إستراتيجية أوسع من مجرد العلاقات الثنائية، وهي لعبة تهدف إلى خلق ظروف إقليمية تدفع سوريا لإعادة التفكير في تحالفاتها الإقليمية سواء مع دول أو مع لاعبين أقل من دول مثل حزب الله وحماس. فبعد أن تراجعت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس السابق جورج بوش عن فكرة تغيير الأنظمة وتبنت فكرة تغيير سلوك الأنظمة، أقدمت واشنطن على اتخاذ عدد من الخطوات بهدف التقارب مع سوريا حتى تتفحص إمكانيات التغير في الإستراتيجية السورية.

ومن الجدير القول أن هناك فهما لدى بعض الدوائر الأميركية يفيد أن سوريا ستقيم وزنا أكبر لعلاقة وثيقة مع الولايات المتحدة ولن تتردد في الذهاب إلى هذه الوجهة إن إقتضت مصالحها حتى لو كان ذلك يعني إبتعادا عن محور طهران. وذهب البعض أمثال مارتن إيندك في الكثير من كتاباته في السنتين الآخيرتين إلى أبعد من ذلك عندما قال أن التقارب مع سوريا والإشتباك معها سيخلق لها مصالح في العلاقة مع واشنطن وهو الأمر الذي من الممكن أن يدفع دمشق إلى دفع شركائها مثل حماس وحزب الله للتخفيف من موقفهم المناهض للسلام، غير أن ثمن السلام مع سوريا معروف للقاصي والداني ولكل مفاوض إسرائيلي وأميركي، وهو ثمن لا يمكن لنا أن نتخيل أن واشنطن حاليا قادرة على الضغط على الإئتلاف الإسرائيلي الحاكم لتقديمه.

لكن واشنطن لم تتوقف عن ارسال الرسائل، وفي هذا السياق نشرت صحيفة واشنطن بوست إفتتاحيته لها في الخامس والعشرين من نيسان حملت عنوان "الرسائل الأمريكية إلى سورية قد لا تصل"، بدأتها بقولها إن رئيس سوريا بشار الأسد برهن على أنه مصدر حرج للإدارة الأميركية، فالأخيرة كانت قد بعثت بعدد من المبعوثين لدمشق حتى يتسنى مناقشة الأمور العالقة بين البلدين وحتى تمهد لعلاقات طبيعية انقطعت بصورتها الإعتيادية منذ مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وعلاوة على ذلك، قامت واشنطن بترشيح سفير جديد، وأعربت مراراً عن أملها في تحسن العلاقات تدريجياً.

ومع ذلك، كما توضح الإفتتاحية فإن إستجابة الرئيس السوري حتى الآن كانت بعقد إجتماع قمة ثلاثية جمعته مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، والذي سخر فيه علانية من المبادرة الدبلوماسية الأمريكية. كما أن الرئيس الأسد كان قد قام وبشكل سريّ بتصعيد عملية نقل الأسلحة إلى قوات حزب الله في لبنان. وتضيف واشنطن بوست أن تل أبيب كانت قد إتهمت دمشق مؤخراً بتقديم صواريخ سكود إلى حزب الله، والتي ستجعل في مقدور القوات التابعة للحزب مهاجمة أي مدينة إسرائيلية كبرى.

والإفتتاحية تشير إلى ما يردده مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية بشأن أنه إذا تم نقل صواريخ سكود حقاً إلى حزب الله، فسيشكل ذلك "خطراً على أمن إسرائيل وسيادة لبنان". ومن ثم، وجدت الإدارة الأمريكية نفسها في موقف حرج بين الدفاع عن سياسة التعامل مع سورية وترشيح سفير إليها، وبين تهديد دمشق بالعمل العسكري. ثم تستشهد الإفتتاحية بقول جيفري فلتمان، مساعد وزير الخارجية، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، وإنه "إذا ثبتت صحة تلك التقارير، فسنضطر إلى مراجعة جميع الخيارات المتاحة لدينا لدفع سورية إلى التراجع عما يبدو عملاً إستفزازياً". من ناحية أخرى، ألمح بعض المسؤولين الأمريكيين إلى أنه من الممكن أنه لم تصل صواريخ سكود إلى حزب الله بعد، وفي هذه الحالة تصبح التهديدات الأمريكية وقائية. فالمؤكد بالفعل هو أن سورية قامت بتسهيل مرور آلاف الأسلحة والصورايخ إلى حزب الله منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف عام 2006، في إنتهاك صارخ لقرار الأمم المتحدة الذي أنهى الحرب ذلك العام بين حزب الله وإسرائيل.

وهنا تطرح الإفتتاحية السؤال عن الداعي من الإستمرار في سياسة التعامل مع سورية، وبخاصة وأن الرئيس الأسد كما يقول فلتمان: "يتخذ قرارات قد تؤدي بالمنطقة إلى الحرب، فهو يستمع إلى الرئيس الإيراني وإلى أمين عام حزب الله، وعليه فهو ينبغي عليه أن يستمع إلينا أيضاً". ثم تختتم الصحيفة بقولها إنها لا تتفق مع الجمهوريين الذين يرون في إرسال سفير إلى دمشق مكافأة على السلوك السيء. كما أنه لا تزال هناك طرق تواصل عدة، بينها إستدعاء السفير السوري في واشنطن إلى وزارة الخارجية للرد على إدعاءات نقل الصورايخ إلى حزب الله. غير أن ما ينقص هذا التقارب هو خطوات الإدارة الملموسة لدمج التقارب مع الضغط، مثل فرض مزيد من العقوبات على المسؤولين والشركات السورية، فالمشكلة ليست في أن الرئيس الأسد لم يفهم الرسالة، وإنما أنه لا يرى داعياً للإستماع إليها.

فالشكوك ما زالت تحوم حول قيام سوريا بنقل الأسلحة إلى حزب الله مما يعني أن إختلالا ما في موازين الخوف والردع والتهديد بين حزب الله وإسرائيل هي قائمة، وتفيد التقارير المختلفة إلى أن هناك نية سورية لتسليح الحزب بصواريخ سكود القادرة على ضرب عمق إسرائيل. وبهذا الشأن أعربت السيناتور الديمقراطي ديان فينستاين، رئيسة لجنة الإستخبارات بمجلس الشيوخ، عن إعتقادها بإحتمالية نقل الصواريخ بالفعل إلى حزب الله في لبنان. وأضافت فينستاين "أعتقد أن هناك إحتمال بوجود صواريخ سكود في حوزة حزب الله في لبنان. وهذه الصواريخ أصبحت أكثر تقنية عن السابق، وهذه نقطة خطر حقيقية على إسرائيل". ملاحظاتها هذه تأتي في الوقت الذي سيدلي فيه جيف فلتمان، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، بشهادته حول السياسة الأمريكية نحو سورية أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب.

موقع بوليتيكو الإلكتروني كان قد أفاد في وقت سابق سفر السيناتور الديمقراطي جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، إلى دمشق لمناقشة هذا الأمر مع الرئيس السوري بشار الأسد. وقد صرح كيري بأن المعلومات الإستخبارية حول ما نقلته سورية وموضعه الحالي لا تزال غير مكتملة. ويضيف جون كيري: "أعتقد أنه يمكن القول إننا نحقق ونحاول الحصول على المزيد من المعلومات بشأنه. ولن أعلق على ماهيته في هذا الوقت، فهناك مخاوف بشأن الصواريخ بشكل عام، ومن الواضح أن حزب الله أعاد تجنيد قواته، لكن لا يوجد ما يؤكد نوعية هذه الأسلحة وموقعها بدقة. فالموقع أمر هام في هذه القضية". السيناتور فينستاين من جانبها صرحت إلى وكالات الأنباء بأن إتفاق السلام الشامل الذي يضم حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هو السبيل الوحيد لوقف تسليح حزب الله، قائلة "هناك شيء واحد قادر على حل هذه المشكلة، وهو حل الدولتين".

ومن الجدير أن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ كانت قد صوتت على تحويل ترشيح الدبلوماسي روبرت فورد لمنصب السفير الأمريكي إلى دمشق إلى مجلس الشيوخ للتصويت عليه. حيث يرى النقاد الجمهوريون أن عودة السفير الأمريكي إلى دمشق في هذا الوقت يبدو مكافأة على السلوك السيئ. من جهته، قال فلتمان للجنة الشرق الأوسط الفرعية بمجلس النواب إنه إستدعى السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى للإعراب عن مدى الإهتمام الأمريكي بتقارير الأسلحة المزعومة، ولكنه لا يثق ما إذا كان نجح في إبلاغ الرسالة. حيث ألمح فلتمان إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة سفيرها إلى دمشق في أقرب فرصة، وأضاف "أعتقد أن جزءاً من مهمتنا الدبلوماسية هو التوضيح للسوريين لماذا يصب ذلك في صالحهم" لدفعهم إلى تغيير سلوكهم على عدة جبهات، من لبنان إلى إيران إلى العراق وإسرائيل وفلسطين.

ولا يخفى على المراقبين أن أزمة الصواريخ قد تهدد تسمية السفير الأميركي إلى دمشق. وقد كتبت لارا روزين على موقف بوليتيكو الإلكتروني ما يفيد أنه قد يتحول الإجتماع الروتيني للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إلى حدث هام. فمن المقرر النظر في التصويت على ترشيح الدبلوماسي روبرت فورد سفيراً للولايات المتحدة إلى سورية. ومن الجدير أن فورد دبلوماسي مرموق خدم مؤخراً كنائب رئيس البعثة الدبلوماسية في السفارة الأمريكية بالعراق، غير أن ترشيحه أُحيط بجدل حزبي وأيديولوجي حول مزايا التعامل مع سورية، وما إذا كان سلوكها يضمن عودة السفير الأمريكي إلى دمشق بعد غياب خمس سنوات.

====================

من لبنان إلى العراق واليمن.. فإلى مياه النيل: كيانات مدولة «تمسح» فلسطين لحساب إسرائيل

طلال سلمان

السفير

5-5-2010

تم وضع الوطن العربي بأقطاره جميعاً تحت الوصاية الدولية، حتى ليمكن القول إن مجموع أقطاره تخضع بالرغبة أو بالقسر لقرارات دولية أو مدولة استصدرت في مجلس الأمن الدولي أو «فرضت» عليه، كما في حالة «تشريع» الاحتلال الأميركي للعراق.

والوصاية الدولية سرعان ما تتبدى أميركية خالصة، وأميركية إسرائيلية في ما خص الدول العربية المحيطة بالكيان الإسرائيلي... فكل حرب إسرائيلية على هذا البلد العربي أو ذاك انتهت بقرار يغطي نتائج تلك الحرب، ويفرض التعاطي مع المستقبل العربي انطلاقاً منها.

أما فلسطين فلم تعد موجودة كقضية قائمة بذاتها في مجلس الأمن الدولي بل هي باتت من اختصاص إسرائيل أساسا معززة بالتأييد الأميركي المطلق.. وكثيراً ما تدخلت الإدارة الأميركية، لتولي معالجة «التفاصيل الفلسطينية» بالنيابة عن حكومة العدو الإسرائيلي ولحسابه، كما يحدث هذه الأيام، عبر إعادة إحياء «التفاوض غير المباشر» بالرعاية الأميركية بين «السلطة» وإسرائيل.

والواقع أن قضية فلسطين قد تم تفتيتها الى مجموعة من «التفاصيل الإسرائيلية» بعد اتفاق أوسلو وإقامة «السلطة»، فأخرجت من جلدها العربي تماماً، إلا في ما يتصل بما يسمى «الحل النهائي» الذي يحتاج موافقات دول عربية عدة لاتصالها بأمنها القومي... ومن هنا تكتسب المبادرة العربية بعضاً من أهميتها كونها تحدد، ولو بصيغة عامة، موقع «إسرائيل» في المحيط العربي وطبيعة علاقاتها المستقبلية مع أقطاره في ضوء الصيغة التي سينتهي إليها مشروع «الدولة الفلسطينية»، وهل تكون مجرد جيب داخل السيادة الإسرائيلية كطفل الكنغارو، أو يكون لها كيانها المستقل المفتوح على «الجيران العرب»، وعلى الأردن تحديداً... وهذا ما يثير المخاوف الملكية، فيتم اللجوء مجدداً الى العصبية البدوية شرق الأردنية في مواجهة «الوافدين» الفلسطينيين.

[[[[[[

وما بين 3 آذار مارس الماضي، واللقاء الذي تم بين الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو يوم أمس الأول في شرم الشيخ، جرت مياه كثيرة في قناة مشروع الحل الأميركي المطروح لإعادة وفد السلطة الفلسطينية الى مائدة التفاوض غير المباشر، على التفاوض تحت رعاية الموفد الأميركي ذي الابتسامة البلاستيكية جورج ميتشل، ومع دعم عربي مجدد كررته لجنة المبادرة العربية في اجتماعها الأخير في القاهرة الأسبوع الماضي، وهي كانت قد هللت للتفاوض، بكل أشكاله، في اجتماع سابق (في 3 آذار، مارس الماضي)...

ولقد أمكن تحقيق هذا «الإنجاز» بعد تهديدات أميركية صريحة وجهتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للعرب عموما، باعتبارهم الطرف الأضعف، مستندة الى أن الرئيس أوباما قد تعهد بوقف الاستيطان بشكل غير رسمي تفادياً لإغضاب «المتطرفين الإسرائيليين»..

يمكن القول والحال هذه إن الاضطراب الذي شهدته العلاقات بين إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو، قد انتهى بوعد إسرائيلي غامض بوقف الاستيطان لمدة أربعة شهور، يجري خلالها التفاوض على التفاوض، ثم يكون بعد ذلك ما يكون، بغير ضمانات للطرف الفلسطيني، إلا إذا افترضنا أن الموعد الذي أعطي لمحمود عباس للقاء الرئيس الأميركي خلال الأسبوع المقبل، يعني الولوج في حلّ مشروع تصور غير محدد لحل افتراضي غير محدد، وغير مؤكد، ولكنه عرض لا يمكن رفضه، لا على مستوى «السلطة» ولا حتى على مستوى لجنة المبادرة العربية التي غالباً ما تضع الكلام على لسان رئيس السلطة، باعتباره العرض الوحيد المتاح، ثم لا تجد بداً من الموافقة عليه، قبل أن تنصرف الى معالجة الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث في الخليج العربي، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وهي التي وجدها وزير الخارجية الإماراتي مماثلة في قداستها للأرض المباركة فلسطين وربما أهم.

÷ بالمقابل ترتفع الأصوات في لبنان مطالبة «بتحريره» من مندرجات القرار 1559الصادر في مطلع أيلول (سبتمبر) 2004 والذي رأى فيه كثير من قواه السياسية نوعاً من فرض الوصاية قطعاً بالأمر لصلته بفلسطين قضية ومصير شعب، وكذلك فرضا للوصاية الدولية على علاقاته مع سوريا... وهذه العلاقات متشابكة ومعقدة جداً تتجاوز العسكر الى الاقتصاد والاجتماع (صلات قربى ورحم) والمصالح المشتركة (وقد كانت موحدة أيام الانتداب الفرنسي..) بل هي تطاول أساساً الجهد الوطني لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي قبل إجلائه في الخامس والعشرين من شهر أيار (مايو) 2005. وعلى هذا فإن تيري رود لارسن الذي يصفه معظم اللبنانيين بأنه «عميل لإسرائيل» يتولى رصد الأوضاع الداخلية، ويقدم التقارير الدورية عن سلاح المقاومة وما يفترضه تحركاتها في الجنوب اللبناني، مع علمه بالتزامها التام بمنطوق القرار 1701، الذي استصدر ناقصاً في أعقاب الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز يوليو 2006 بدليل انه أخذ علماً بوقفها إطلاق النار ولم ينص صراحة على وقفها العمليات الحربية.

وفي تقدير اللبنانيين أن القرار 1701، الذي اضطروا لقبوله باعتباره كان العرض الوحيد لوقف الحرب الإسرائيلية، إنما يعطي إسرائيل، مباشرة أو عبر لجان مراقبة الحدود وتفتيشها التي أثارت حركتها استنكاراً واسعاً، ورأوا فيه تجاوزاً على السيادة والاستقلال، «حرية التدخل» في شؤون هذا الوطن الصغير الذي يتعرض لضرباتها الجوية منذ آخر العام 1968، والذي احتلت قواتها ذات يوم كل جنوبه وبعض الجبل وصولاً الى العاصمة بيروت في 1982.

وكان «بعض» الإدارة الأميركية قد أثار ضجة عظيمة، لم تهدأ بعد، حول «تهريب» صواريخ سكود الروسية من سوريا الى المقاومة في لبنان، ثم اندفع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز الى التأكيد القاطع لدخولها، حتى كاد يقول إنه رآها تعبر الحدود بأم عينيه..

وبرغم النفي السوري المتكرر، والرفض اللبناني لهذه الادعاءات، مع الإشارة الى أن طول الصاروخ الواحد يتجاوز 12 متراً، فإن الإدارة الأميركية استمرت تضغط بهذا الادعاء لأسباب سياسية تستهدف الضغط (علناً) على دمشق، والأرجح لأسباب تتصل بإضعاف اعتراضها على مشروع تجديد المفاوضات غير المباشرة بين سلطة محمود عباس وإسرائيل تحت الرعاية الأميركية.

وفيما لا تتعب واشنطن من الادعاء أنها وفرت كل ما هو مطلوب للسلام، وان أوباما قدم ضمانات لمحمود عباس، فإن الواضح أن الإدارة الأميركية تريد تأمين هدوء لمباشرة الانسحاب من العراق (ربما لتعزيز وضع قواتها في أفغانستان، وربما لإعداد العدة للهجوم على إيران كما تشير بعض التقديرات..)، وعلى هذا صدر أمر اليوم الأميركي، انتهوا قبل تشرين الأول أكتوبر!

وواضحة هي دلالات كلمات الجنرال باتريوس، قائد المنطقة الوسطى في قيادة القوات الأميركية المركزية، والتي أكد فيها أن «علينا عزل إيران من خلال الأمم المتحدة بواسطة حلفائنا في الخليج، مستخدمين الدرس الذي تعلمناه في العراق».

[[[[[[

÷ ويبدو أن العراق تحت الاحتلال الأميركي مرشح الآن للإخضاع لنوع «مبتكر»... من الوصاية الدولية بالطلب! أو هذا ما يسعى اليه بعض سياسييه وفي طليعتهم رئيس حكومة ما قبل الانتخابات نوري المالكي، كرد على تعذر إحرازه الأكثرية المطلوبة للبقاء في منصبه، فيما يعارض خصومه الكثر مثل هذا التوجه، الذي يحمل في طياته نذر الحرب الأهلية، لأن إلغاء نتائج الانتخابات بهذه النسبة أو تلك ستكون له ارتدادات مذهبية، لان القائمة المنافسة التي كان يرأسها إياد علاوي ترى أنها قد فازت بالمرتبة الأولى نتيجة تصويت السنة بكثافة لها، كونها ضمت العديد من القيادات المعروفة التي حاول المالكي الطعن بفوزهم عن طريق اتهامهم بالانتماء ذات يوم الى حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي بات يصور وكأنه الشيطان الرجيم، علماً بأنه كان يضم في عضويته، في عهد صدام حسين، أكثر من مليون عضو، من بينهم معظم قيادات الجيش وأركان الدولة بمؤسساتها المدنية والأمنية والدبلوماسية والمبعوثين للدراسة في الخارج، والأزواج والزوجات والأبناء البالغين منهم والذين يقتربون من سن البلوغ.

ومعروف أن العملية الانتخابية قد جرت بتوقيتها، الذي اختير بعد طول تردد، نتيجة إلحاح الاحتلال الأميركي بعدما قررت إدارة أوباما مباشرة الانسحاب في صيف هذا العام، بعد تجميع القوات، وبأمل أن ينتهي الأمر في العام المقبل.

[[[[[[

÷ أما السودان المخضع في بعض أنحائه لنوع من التدويل فلسوف يتكامل هذا التدويل على الأرجح بفصل الجنوب عن الشمال، مع بداية العام المقبل، بكل ما تحمله عملية الفصل من مخاطر الحرب الأهلية التي قد تمتد نيرانها الى أنحاء أخرى (دارفور في الغرب؟!). لتمزق هذا البلد العربي الكبير نتفاً مقتتلة.

ولا يمكن تناسي التزامن في طرح إعادة النظر في توزيع مياه النيل، في هذه اللحظة السياسية تحديداً، بكل ما تفتحه من أبواب لمخاطر مصيرية جدية، تتجاوز السودان لتصيب مصر في شريان حياتها الأول.

وبديهي أن مصر التي تأخرت كثيراً في قراءة التحولات السياسية التي شهدها العديد من الأقطار الأفريقية حيث منابع النيل، وأبرزها ما سعت اليه إسرائيل جاهدة في السنوات القليلة الماضية، والتي بلغت ذروتها مع الادعاء أن لها الحق بالحصول على نسبة من حصة مصر، ما دامت الدول المعنية (أثيوبيا، مثلاً، أو كينيا أو أوغندا الخ) مستعدة لأن تبيعها ما يفيض عن حاجتها، ولو كان ذلك تفريطاً بحقوق مصرية كفلتها معاهدات دولية... فتلك الدول فقيرة وإسرائيل مستعدة لان تدفع ثمن المياه مفترضة أنها باتت أقوى تأثيراً على معظم الدول الأفريقية المعنية بالاستناد الى الدعم الأميركي، وتناقص الاهتمام المصري الجدي بهذه القضية الحيوية، خاصة، وبعلاقاتها الأفريقية عامة، منذ سنوات طويلة، مما باعد بينها وبين أشقائها الأفارقة ومكن للنفوذ الإسرائيلي... المذهب!

ولقد دفعت فلسطين، القضية المقدسة، كلفة باهظة لخسارة أفريقيا التي أهملها العرب، إلا كمستثمرين آتين من الخليج الآن، وربحتها إسرائيل.

[[[[[[

÷ بالمقابل فإن اليمن مهددة بأن تطرح مسألتها في سوق التدويل، إذا ما تعذر على نظامها أن يحسم الصراعات الداخلية، التي يتخذ بعضها شكل «الانتفاضة المسلحة» كما في منطقة صعدة، وبعضها الآخر يقترب من العصيان المدني كما في أنحاء الجنوب الذي كان «دولة» ذات يوم، والذي أنهت حرب الانفصال وجوده المستقل وأعادته الى أحضان دولته المركزية الطبيعية اليمن، ولكنها قصرت في معالجة جراحه فإذا «بالحراك الجنوبي» يبدأ خطوات معارضة سرعان ما طورها غياب المعالجة السياسية الحاسمة وتحقيق العدالة في توزيع الثروة الوطنية الى مشروع حركة انفصالية.

وسط هذه المناخات أمكن لتنظيم «القاعدة» أو ما يشابهه أن ينمو ويتزايد قوة، خصوصاً أن السلطة حاولت بداية أن تستثمر خطره لاستدراج الاهتمام الأميركي، ومعه السعودي، وبالتالي المساعدات العسكرية والاقتصادية، والمالية أساساً، لحل المسألة على الطريقة التقليدية: ادفع نرجع المعارضة الى بيت الطاعة.

وهنا أيضا خسرت فلسطين سنداً مهماً، وربحت إسرائيل «المعابر» مجاناً، من مضيق تيران وحتى باب المندب، وبامتداد البحر الأحمر وحتى المحيط.

ينشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

====================

إسرائيل تفكر بعواطفها لا بعقلها

د. جلال فاخوري

الرأي الاردنية

5-5-2010

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والمجتمعات العالمية وأولها الدول الصغيرة التي يُطلق عليها العالم الثالث تعيش بين حدّين أحلاهما مرّ فإمّا أن تتدبّر أمرها في كافة شؤونها وتتغلب على كل الصعوبات التي تواجهها وإمّا أن تقذف نفسها في وادي الاضمحلال، لكنه ومنذ ذلك التاريخ والعالم يعيش ظروفاً معقدة وحسابات متشابكة ومن ضمن هذه الحسابات المصالح المُصانة والمحمية بالسلاح أي أن الخطر ظل وسيبقى رابضاً على رماد الانفجار وهذا ما تشهده الآن بصورة تهدد بنشوب الحروب كل لحظة. فإن تجاهل الحقيقة التي لا نزاع فيها وهي النزعات القومية والوطنية قد بدت كأسباب قوية مدمّرة لا يقبلها العقل.

 

ولعل المنطقة العربية التي ابتليت بكارثة ضياع الأرض وازدياد التحديات الموجّهة إلى كيان النظام العربي من قبل إسرائيل الطامعة أقول لعل هذا ما يدفع للقول بأن إسرائيل تؤكد بالواقع والفعل أنها لا تقبل الغير ولا تفكر بالسلام. فإسرائيل لا تتعقل في تهديداتها للبنان وسوريا وإيران لأن انقيادها وراء عاطفة المصالح يبعدها كلياً عن التعقل، ولهذا تشهد الساحة العربية حراكاً وتدابير لدرء التهور الإسرائيلي نحو الحرب. فهل فكرت إسرائيل فالنتائج كما نفكر في الحرب؟ هل فكّرت أن الاعتداء أو الهجوم على دول كسوريا وإيران ولبنان قد لا ينتهي مثل ما تشاء إسرائيل والزمن الذي تريده؟.

 

هناك مثل يقول: من السهل أن تنشب الحروب ولكن من الصعب إخمادها إن بقاء إسرائيل أسيرة عواطفها دون إعمال العقل هو خطر تواجهه إسرائيل ويواجهه العرب على السواء. ولعل المثل الشعبي القائل مجنون رمى حجرا في البئر ومئة عاقل لا يخرجونه. إن الزمن الذي كانت إسرائيل تجول فيه وتصول وتلعب كما تريد قد آن له أن يزول. ويبدو أن عقلاء إسرائيل إن كان لديهم عقلاء يفهمون هذه الحقيقة أن إسرائيل يجب أن تتعايش وبسلام مع جيرانها، فاستمرار حماية أمريكا وأوروبا لإسرائيل قد بدأ يهتز تحت وطأة الضربات الإقليمية العربية والإسلامية. فوجود تركيا وإيران على خط المواجهة يجب أن تفكر فيه إسرائيل جيداً فحين كانت إسرائيل تهدد سوريا ولبنان لم يكن هناك نظرة إقليمية شاملة في المنطقة وأعني تركيا وإيران وحزب الله وحماس والقاعدة. فالزمن قد تغيّر وعلى إسرائيل أن تعيد حساباتها بدقة.

 

جلالة الملك عبد الله الثاني قال إن بقاء إسرائيل بعقلية القلعة متحجرة وراء عواطفها قد يدفع المنطقة إلى الحرب. لكن إسرائيل لا تفهم إلاّ لغة القوة التي تغالي بها حتى إن أحد الزعماء الفلسطينيين حين قال أن الأراضي الفلسطينية محتلة من قبل إسرائيل اعتقل ولم يقبل مندوبا أو سفير إسرائيل في إحدى المؤتمرات العالمية أن يُقال أن الأراضي الفلسطينية محتلة. وحين كان معظم الباحثين والصحافيين والكتّاب العرب ينبهون إلى أن إسرائيل لا تريد سلاماً كان السياسيون يركزون على أنه يجب على إسرائيل أن تقبل بالسلام، لكن كيف تقبل بسلام لم يكن ضمن مفهومها الحياتي منذ أن بدأ اليهود يدبّون على الأرض، إنهم إذ يرفضون السلام فإنهم يطبقون مبادئ أن إسرائيل ترفض الغير وترفض السلام وإن العقل الذي يقبل السلام غير متوفر لدى اليهود. إن العواطف طالما جرّت الكوارث. فهل تتعقل إسرائيل وتتحرر من عواطفها الجارفة المدمّرة؟

====================

الزعامة الأحادية الأميركية... لن تدوم !

سركيس نعوم

النهار

5-5-2010

تعرف الولايات المتحدة انها الدولة الاعظم بل القوة العسكرية الاعظم في العالم اليوم. لكنها بدأت تعرف ايضاً ان هذه الميزة لا تمكنها من حل نزاعها مع الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي أجّجه المشروع النووي الطموح للأخيرة. علماً ان بدايته تزامنت مع نجاح الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 الذي اعقبه تأسيس النظام الاسلامي الجمهوري فيها على يد الراحل آية الله الخميني. فالقيادة في هذه الجمهورية تستمر في تحديها لاميركا، وفي رفض التجاوب مع دعواتها الى الحوار، وفي تقديم الدعم اللازم لكل القوى المعادية لها في المنطقة، وفي إشعار اسرائيل الحليفة الاستراتيجية لاميركا بأنها تحت تهديد دائم مباشرة او بالواسطة، وفي تهديد الحلفاء العرب والمسلمين لواشنطن، وفي الاستعداد لممارسة دور اقليمي يعتبره كثيرون مُهيمِناً في حين تعتبره هي حقاً لها كونها الدولة الاكبر والاقوى والاعظم في الشرق الاوسط، باستثناء اسرائيل طبعاً. كما تستمر القيادة الايرانية نفسها في استنزاف اميركا عسكرياً وسياسياً في افغانستان والعراق وتالياً في اضعاف هيبتها. وفي مواجهة كل ذلك ماذا تفعل القيادة الاميركية؟ او ماذا فعلت؟

تستطيع ان تستعمل قواتها العسكرية بل تفوقها العسكري ليس على ايران فقط بل على العالم ضد النظام الحاكم في الاخيرة. وتستطيع ان تدمر بناها التحتية المدنية والعسكرية ومرافقها العامة وإلحاق اذى كبير بشعبها. لكنها لا تفعل ذلك لأسباب عدة ابرزها ثلاثة. الاول، اقتراب زعامتها الاحادية للعالم من الانتهاء بسبب "تخبيصات" عدة معروفة وادراكها ان المجتمع الدولي بدوله الكبرى اوروبية كانت او اسيوية لا يستسيغ ذلك ولا يقبله، وقد يرفض نتائجه. والثاني معرفتها ان قوتها العسكرية على عظمتها لا تستطيع ان تخوض حروباً عدة في وقت واحد وخصوصاً بعدما بدأت حرب العراق ومعها حرب افغانستان تستنزف قواتها وبعدما صارت في حاجة ماسة الى اعادة ترتيب مؤسساتها العسكرية والى تأهيلها من جديد ربما وفق نظام جديد يتلاءم مع متطلبات المرحلة الراهنة والمراحل المستقبلية. أما السبب الثالث، فهو معرفة اميركا ان عملاً عسكرياً ناجحاً ضد ايران، والنجاح هنا تدميري وليس احتلالاً ثابتاً لا تحديات له، لا بد ان يفجر المنطقة كلها، ولا بد ان يصيب حلفاءها فيها وربما ان يهدد وجودهم، ولا بد ان يصل اذاه المباشر الى الجيوش الاميركية المتنوعة في المنطقة، ولا بد ان يصيب ايضاً رعايا اميركا المنتشرين في العالم كما في بلادهم، ولا بد ان يوقع العالم في محنة اقتصادية جراء احتمال دمار حقول النفط في المنطقة او بعضها واقفال ممراته المائية والبرية.

طبعاً ليس الملف الايراني – الاميركي المثقل بالمشكلات والازمات هو الوحيد الذي يدل على عجز الولايات المتحدة وحدها على حل المشكلات العالمية الاخرى كما المشكلات الشرق الاوسطية، هناك مشكلة كوريا الشمالية النووية التي يبدو واضحاً ومن زمان ان الولايات المتحدة لا تستطيع حلها منفردة رغم ان المسؤولين في هذه الكوريا ربما يفضلون تفاهماً ثنائياً معها لحل كل المشكلات ولكن يعطي بلادهم دوراً اكثر اهمية وربما اكبر من دور حليفتها كوريا الجنوبية. لكن رغم ذلك عجزت اميركا عن حلها. ووجدت نفسها مضطرة الى العمل لحل المشكلة الكورية من خلال لجنة سداسية تضم جباراً سابقاً ودولة كبرى حالياً هو روسيا وجباراً مستقبلياً هو الصين الشعبية. وهناك ايضاً ازمة الشرق الاوسط وجوهرها الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي واستطراداً العربي – الاسرائيلي التي لا تزال من دون حل فعلي رغم مضي اكثر من 62 عاماً على نشوئها. والسبب الاساسي لذلك ليس فقط محاولة اميركا الانفراد بالحل، وهو صحيح مئة في المئة، بل هو ايضاً تحالفها الاستراتيجي مع اسرائيل وانحيازها اليها والحؤول دون التوصل الى حل لها يناقض اطماعها رغم الاعتراف الاميركي وإن المتأخر بأن مواقفها صارت غير مقبولة، وبأن مطالب الحد الادنى للفلسطينيين صارت مبررة ومقبولة. طبعاً لا تزال العلاقة الخاصة الاميركية – الاسرائيلية تمنع اميركا من "اقناع" اسرائيل بأن وقت الحل حان وتدفعها في الوقت نفسه الى ابعاد كبار المجتمع الدولي عن المساعدة في البحث عن حل. لكن ذلك قد لا يدوم الى الابد لأن مشكلات المنطقة صارت مترابطة وصار علاجها ضرورياً لأن اخطار استمرار الاحجام عن ذلك لن يوفر احداً في كل العالم.

هل صارت اميركا مقتنعة بأن الآحادية النابعة من التفوق الساحق عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً على العالم صارت عبئاً عليها؟

يجيب متابعون اميركيون عتيقون وخبراء عن قرب لأوضاع بلادهم بالآتي:

-1 لا تزال اميركا القوة "السوبر العظمى" الوحيدة في العالم وستبقى كذلك مدة طويلة، لكنها صارت عاجزة عن التصرف أحادياً ومن دون دعم حلفائها.

-2 هناك احتمال كبير ان تتفوق عليها او ان تتجاوزها الصين وربما دول اخرى في المجال الاقتصادي.

-3 هناك واقع يشير الى ان اميركا "مديونة" فعلياً للصين ولغيرها.

-4 هناك واقع يشير الى ان اميركا تواجه مشكلات داخلية عدة تقتضي منها معالجة جدية.

ويتابع هؤلاء بالقول ان العالم لا بد ان يتغير في العقد المقبل او ان يبدأ في التغيُّر، اي ان يصبح متعدد القطب وتالياً الزعامة. طبعاً ستبقى اميركا "اولا بين متساوين" نظراً الى قوتها وتفوقها. لكنها لن تبقى وحدها صاحبة الحل والربط.

====================

لبنان والاستعداد لصيف مزدهر

بقلم :جورج ناصيف

البيان

5-5-2010

بعد تراجع التخوف الداخلي الذي أحدثته تصريحات الإدارة الأميركية، التي اتهمت دمشق بنقل سلاح «سكود» الاستراتيجي إلى «حزب الله» عبر الحدود اللبنانية السورية، والذي جاء اثر نفي أميركي متكرر لامتلاك ادلة قاطعة حول قيام سوريا بتزويد «حزب الله» بهذا السلاح، الذي اعتبرته إسرائيل «كاسراً للتوازن الاستراتيجي» في منطقة الشرق الأوسط، عاد اللبنانيون ينشغلون بقضية تطال الدور الأميركي مجدداً، وبقضايا داخلية أبرزها الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان.

 

القضية التي احتلت مساحات واسعة في وسائل الإعلام، الأسبوع الماضي، كان عنوانها الزيارة التي قام بها ضابطان أميركيان من مكتب «مكافحة الإرهاب» برفقة ضابط امني تابع للسفارة الأميركية في بيروت، إلى منطقة «المصنع» الحدودية، حيث اطلع الوفد على الإجراءات الأمنية المتعلقة بالدخول إلى الأراضي اللبنانية ومغادرتها.

 

سواء من حيث وسائل تفتيش الشاحنات ومراقبة دخول الأفراد وكيفية مكافحة التهريب عبر الطرق الجبلية، ومدى تجهيز نقطة «المصنع» الحدودية بوسائل متطورة، ان لجهة العتاد أو لجهة تدريب العناصر البشرية. كما اطلع الوفد على كيفية إجراء المعاملات الجمركية للداخلين والخارجين، فضلاً عن الأجهزة الخاصة للتفتيش الالكتروني.

 

الزيارة التي جاءت اثر السجال السياسي الأمني مؤخراً بين 8 و14 آذار حول الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة ومديرية قوى الأمن الداخلي، عادت تشعل النقاش مجدداً بين اتهام 8 آذار للسفارة الأميركية بممارسة دور مشبوه في لبنان، واعتبار قوى 14 آذار أن الاتفاق الأمني خضع لموافقة مجلس الوزراء مجتمعاً، وأن لا بنود سرية أو مسيئة للسيادة اللبنانية فيه.

 

لكن العنصر الجديد في هذا السجال يتمثل في ان رموز 14 آذار وحلفاءها من ممثلي رئيس الجمهورية، من الوزير جان اوغاسبيان إلى الوزير زياد بارود، إلى نواب تكتل «المستقبل» نفوا معرفتهم المسبقة بالزيارة الأميركية، وتنصلوا من أية تبعة سياسية، معتبرين ان الزيارة مثيرة للشبهات في ادنى تقدير.

 

بعيدا عن هم الملف الأمني اللبناني الأميركي، كان واضحاً ان قطر تعاود لعب دور الاطفائي في الأزمات اللبنانية، حيث قام رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني بزيارة إلى بيروت حرص خلالها، بعد توقيع 14 اتفاقا ومذكرة تفاهم مع الوزارات المختلفة، على تأكيد أن قطر تلعب دوراً في توفير مخرج سياسي للأحكام القضائية التي صدرت في حق ما عرف إعلاميا ب«خلية حزب الله».

 

حيث سحب المسؤول القطري فتيل الأزمة التي كانت مهددة بالاندلاع بين مصر «وحزب الله»، من خلال إعلانه ان «الأمور ستحل بهدوء»، الأمر الذي تجاوب معه أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله مؤكداً ان الأمور مع مصر ليست مقفلة، وان حلاً سياسياً سيجري لإخراج المعتقلين من السجن أو منحهم أحكاما تخفيفية.

 

داخليا انصب الاهتمام على مواكبة سياسية وشعبية للانتخابات البلدية التي ستدوم طوال شهر مايو، وكان لافتا في هذا المجال ان سبحة التوافقات البلدية بدأت تكر في البلدات والقرى، كنوع من أنواع ترجمة التوافق السياسي العام في البلاد، ورغبة في تجنب المعارك الانتخابية التي تسيء إلى جو الارتخاء السياسي.

 

وحتى بيروت التي كانت على شفير معركة بين 14 آذار والعماد عون، بدأت تتجه إلى التوافق بعد الاجتماع الذي جمع الرئيس الحريري بالعماد ميشال عون، بوساطة رئيس الوزراء القطري وحضوره إلى جانب الرئيس نبيه بري. لكن الانتخابات البلدية لم تحجب تطلع اللبنانيين إلى اقتراب موسم الاصطياف، الذي تشير المعلومات إلى أنه سيكون واحدا من أفضل مواسم الاصطياف.

 

فالاحصاءات المعلنة من وزارة السياحة ومكاتب السفر وشركات الطيران، تؤكد جميعها ان عدد الوافدين إلى لبنان خلال فصل الصيف سيزداد بنسبة 25% عن السنة الفائتة، حيث يتوقع أن يزيدوا عن المليونين ونصف المليون سائح. وتفيد المعلومات ان شركات الطيران العربية والأجنبية، فضلاً عن الشركة الوطنية اللبنانية حء، ستزيد رحلاتها إلى بيروت بمعدل 5 رحلات أسبوعية لتأمين نقل المسافرين.

لذلك، يحرص السياسيون على ان يوفروا مناخاً من الهدوء الأمني والسياسي، حتى ينعم اللبنانيون بصيف ذي مردود اقتصادي مرتفع، يعوض بعضاً من غلاء المعيشة الذي يصيب جميع البيوت.

كاتب لبناني

====================

تصالح أمريكي بأثمان عربية

آخر تحديث:الأربعاء ,05/05/2010

الخليج

محمد السعيد ادريس

يبدو أن الإدارة الأمريكية قررت بعد طول تردد، أن تعود إلى الدفاتر القديمة للإدارات السابقة وأن تستخدم ذلك “الحل السحري” لمشاكلها في الشرق الأوسط وخاصة الصراع الذي تحول الآن إلى مجرد “خلافات في الرأي” أو حتى في الرؤى بين العرب و”الإسرائيليين” . والحل السحري هو أن تطلب الولايات المتحدة المساعدة من الأصدقاء العرب لإنقاذ سمعة الرئيس الأمريكي أولاً، ولإنقاذ حكومة بنيامين نتنياهو من الانهيار ثانياً، بعدما دخل الصدام بين الادارة الأمريكية والحكومة “الإسرائيلية” إلى طريق مسدود حول اشتراط واشنطن وقف الاستيطان في القدس المحتلة، للبدء في المفاوضات غير المباشرة التي كان قد أعلن عنها في الثالث من مارس/آذار الماضي، وجرى تجميدها أو تأجيلها بعد اعلان وزارة الداخلية “الإسرائيلية” قرار بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس المحتلة .

 

وصول الصدام حول مسألة تجميد المستوطنات إلى طريق مسدود بين الرئيس أوباما ونتنياهو أدى إلى حدوث مواجهات غير مسبوقة من جانب الطرفين، تجاوز فيها “الإسرائيليون” كل ما يمكن أن يوصف بالخطوط الحمر في انتقادات مسيئة ومهينة للرئيس الأمريكي على لسان بعض الوزراء “الإسرائيليين”، وإصرار كل من أوباما ونتنياهو على عدم التراجع عن مواقفهما خصوصاً بعدما اعتبر نتنياهو أن البناء في القدس كالبناء في تل أبيب، واعتباره أن القدس “هي عاصمة “إسرائيل” الأبدية” .

 

هذا الصدام كان لا بد له من مخرج، حفاظاً على مكانة أوباما التي هي من كرامة ومكانة الولايات المتحدة من ناحية، وحفاظاً على تماسك الحكومة “الإسرائيلية” وعدم انفراطها من ناحية أخرى، بعد أن أكد نتنياهو لكبار المسؤولين الأمريكيين أن التراجع عن قرار التوسع الاستيطاني في القدس سيؤدي إلى انهيار الائتلاف الحكومي وسيطرة الأكثر تشدداً على أي حكومة “إسرائيلية” جديدة .

 

اللافت أن “الحل السحري”” للأزمة الأمريكية “الإسرائيلية” لم يلجأ إليه الأمريكيون فقط بل لجأ إليه نتنياهو أيضاً، وهذا تطور جديد وخطير في مسار ما كان يسمى بالصراع العربي الصهيوني، لم يلجأ الأمريكيون وحدهم إلى العرب طلباً للمساعدة والإنقاذ، بأن يبادروا بتقديم التنازلات الخاصة بالتراجع عن شرط وقف الاستيطان، بل لجأ “الإسرائيليون” أيضاً للعرب على أن يحملوا هم عبء إنقاذ الموقف، وقبول العودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” عبر الوسيط الأمريكي من دون تقيد بشرط إعلان الحكومة “الإسرائيلية” قراراً يقضي بوقف الاستيطان في القدس .

 

ولتخفيف عبء الضغوط على السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، قبلت لجنة المتابعة العربية أن تتحمل هي المسؤولية، وتعلن الموافقة على عودة الفلسطينيين إلى القبول بالتفاوض غير المباشر . وفي محاولة لتجميل هذا الموقف العربي، كان الحرص على إظهارها على أنها مبادرة عربية خالصة، وأنها مبادرة مشروطة بأن تبقى غير مباشرة انتظاراً لقرار عربي، والأهم أنها جاءت استجابة لجدية ملحوظة في الموقف الأمريكي، وأنها فرصة تعطى للجانب الأمريكي وليس للجانب “الإسرائيلي”، كما أنها جاءت ضمن تعهدات أمريكية جديدة .

 

أهم ما في هذه التفسيرات العربية مسألة التعهدات الأمريكية التي تحولت إلى “لغز غامض” يبدو أن المسؤولين في لجنة المتابعة حريصون على عدم تداوله على مستوى الرأي العام العربي لأسباب تخص هؤلاء المسؤولين، قد يكون لإدراكهم لكونها لا ترقى إلى مستوى العهود، أو لتشككهم في جديتها، أو حرصاً على تمرير تنازلهم للأمريكيين و”الإسرائيليين” تحت وهم أن هناك “صفقة مغرية” جوهرها هذه التعهدات .

 

لكن لسوء حظ هؤلاء فإن الصحافة “الإسرائيلية” والأمريكية والبريطانية كشفت حقيقة هذه التعهدات التي لا تعدو أن تكون مجرد غطاء لتمرير الخضوع العربي للضغوط وليس المطالب الأمريكية و”الإسرائيلية” .

 

أما التعهدات الأمريكية “اللغز” فقد كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية أبرز ما فيها، حيث أشارت إلى أن ديفيد هيل نائب المبعوث الأمريكي جورج ميتشل أبلغ محمود عباس أن أوباما يريد أن يرى عملية السلام تتحرك إلى الأمام مع بدء المحادثات غير المباشرة، وأن واشنطن تتفهم أن هناك عقبات، ووصف المستوطنات بأنها “استفزازية” وأن أحد المشاريع الاستيطانية في “رامات شلومو” (بالقدس الشرقية) لن يمضي قدماً على الأقل في الوقت الراهن، والأهم ان واشنطن تدرس فكرة السماح لمجلس الأمن الدولي بإدانة “إسرائيل” في حال قامت بنشاطات استفزازية، وفي حال ما استمرت المماطلة في العملية السياسية بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” حتى الخريف المقبل، فإنه سيعقد مؤتمر سلام دولي .

تعهدات مخادعة لكنها كانت كافية عربياً لقبول تسويق التصالح الأمريكي، بأثمان عربية .

====================

شكل واحد للصواب

آخر تحديث:الأربعاء ,05/05/2010

 ميشيل كيلو

الخليج

يقال دوما في نظم وأزمنة الشمولية: ليس هناك غير طريقة واحدة وحيدة تعبر الحقيقة عن نفسها من خلالها، هي بالتحديد الطريقة التي يتبناها المسؤولون ويفصحون عنها في تصريحاتهم ومواقفهم وممارساتهم، التي تحيط بسائر مجالات الحياة العامة . هذه الطريقة تضمر وحدها الحقيقة بنسبة مائة في المائة، وكل طريقة غيرها لا بد أن تكون خاطئة بالنسبة ذاتها، وضارة بمصالح الوطن والمواطن، فلا مفر من التصدي لها: أليست تقوض الحقيقة وتقود إلى الضلال، الاسم الآخر للخراب العام؟

 

إذا ما تأملنا هذه النزعة على مستوى المسؤول والسلطة، وجدنا الحقيقة تعبر عن نفسها في أشخاص بعينهم تضمهم دائرة صغيرة ومقفلة، ينفردون من دون جميع خلق الله بالحكمة وبعد النظر، ويمتلكون صفات تمكنهم من تمييز الحق من الباطل، ومعرفة أسرار ومفاتيح الواقع، والتفريق الصائب دوماً وفي كل وقت بين الصواب والخطأ، ويعبرون في كل كلمة يقولونها، أياً كان نوعها وكانت مناسبتها، وكل سلوك يصدر عنهم، مهما كان موضوعه وكانت أهميته، عن كلية الحقيقة، التي يستحيل عليها البقاء خارج أقوالهم وسلوكهم، مثلما يستحيل لأحد غيرهم تملك أي جزء منها مهما كان صغيراً، والتعبير الصائب عنه . إذا كان الأنبياء والرسل جسدوا الحقيقة وأفصحوا عنها بعد تلقي الوحي، فإن المسؤول الشمولي لا يقترف الخطأ، لأنه يتلقى الوحي من ذاته ولأن الحقيقة تصدر عنه هو لا عن غيره . من هنا، يعتبر من يخالفه الرأي، أو يتطلع لامتلاك رأي غير رأيه، أو يشكك بتطابق أقواله التام مع حقيقة الأشياء والأحداث، كافراً بالمعنى الديني والسياسي، يجب نبذه وإخراجه من شعب هو أخوية تؤمن بعصمة مسؤولها، تمهيداً لمعاملته كمرتكب كبيرة لا غفران له ولا عفو عنه . لا حاجة إلى القول: إن هذه الوثنية الشمولية تتجلى، كغيرها من الوثنيات، في تحويل الإيمان الأعمى بعصمة المسؤول إلى طقوس تنصب، كأية طقوس، على أشخاص ورموز وإشارات ومؤسسات وأعراف وتقاليد الشخص وسلطته، تبرز عصمة وقدسية الممسك بالسلطة الشمولية، المثقلة أكثر من أية سلطة أخرى بالرموز، بما أنها فضاء يعكس المسؤول الشمولي المقدس قدسيته عليه، كي لا يتحول تواصله من خلاله مع شعب “ه” إلى علاقات محكومة بقانون أو دستور .

 

أما إذا تأملنا النزعة على مستوى الواقع، وجدنا أنه لا يمكن للتدابير والسياسات والإجراءات التي تصدر عن المسؤول، أن تتخذ أي شكل آخر غير الشكل الذي يعطيه هو لها . فلا يمكن، مثلاً، أن تكون هناك سياسة خارجية تجسد مصالح الوطن غير تلك التي ينتهجها، وكذلك هو الحال في السياسات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والأمنية، وعلاقات السلطة بداخلها . ومع أنه كثيراً ما يتخلى المسؤول عن سياسات وتدابير، وينتهج سياسات ويتبنى تدابير تتعارض أو تتناقض معها، فإن سياساته وتدابيره الجديدة تكون بدورها ما كانت عليه القديمة: كلية العصمة والصواب . هكذا، يكون المسؤول على صواب في الحالتين، ويبقى له وحده حق تقرير متى يتمسك بشيء أو يتخلى عنه، ومتى يعتبر قول أو سلوك ما صائباً أو خاطئاً، فالمسؤول معصوم عن الخطأ، حتى عندما يكون هناك أخطاء معترف بوقوعها في سياساته وتدابيره، وهو على صواب دوماً، فإن وقع خطأ ما، كان سببه خروج الواقع عن جادة الحق، ولكن ريثما يعيده إلى حقيقته ويصالحه معها، بقوة وفضل سياساته وتدابيره .

 

هذه النزعة إلى احتكار الحقيقة وربطها بشخص بعينه هو تحديداً مالك السلطة، تحول الحكم الشمولي، الذي قد يكون ثورياً في بداياته، إلى حكم محافظ يصير أكثر فأكثر رجعياً لا يكتفي بمعاداة التقدم بوجه عام، بل كذلك أي تغيير أو تجديد، مهما كان فرعياً أو جزئياً . ثمة هنا سبب مزدوج يفسر هذه الظاهرة: ما قد يثيره التغيير والتجديد من شكوك في عصمة الحكم الشمولي ورموزه من جهة، وسيطرة حتمية خطية على العقل الشمولي من جهة أخرى، تفرض رؤية أحادية الجانب للواقع هي وحدها الصحيحة، لا يستطيع غيرها أن يكون غير تنويعات على الخطأ، تحمل إلى الحقل العام ضلالاً يساوي في جوهره وطابعه الكفر في الحقل الديني، من الحكمة رفضه جملة وتفصيلاً والتعاطي معه بوصفه خروجاً على الحقيقة الشمولية، التي هي، في المحصلة النهائية، ضرب من فكر ديني علماني يحارب الخارجين عليه ويعتبرهم أشراراً وكفاراً . لا داعي للقول إن هذه الحتمية الخطية، التي تقوم على سببية مجردة، قطعية وبدائية، تضيق هوامش معرفة الواقع حتى تلغيها، وتجعل الشائع منها أقرب إلى سفسطة كلامية بلا ضوابط منه إلى معرفة تستند إلى العلم والوقائع والتجربة، رغم أن عقل الحتمية لا يفتأ يسوغ نفسه علمياً، لاعتقاده أن السببية الشكلية، التي يستخدمها في مقاربة الواقع، تضمر حقيقته الكلية، وأن هذه لن تخفى على المسؤول، الكلي المعرفة والمعصوم، الذي يتظاهر في معرفته الوجه الذاتي للحتمية الموضوعية، ويتكفل، بما يكثفه في ذاته من معرفة لا يمكن أن تجتمع لغيره، بكشف حقيقة جميع تظاهرات الواقع . وكيف لا يكشفها وهو عالم اجتماع واقتصادي وفيلسوف واستراتيجي ومثقف في آن معاً .

 

لا صحة للقول بقدرة أي إنسان على احتكار الحقيقة، ولا صحة للقول بإمكان تطابق الحقيقة التام مع وعي البشر، أو لصواب السلوك البشري في جميع ظروفه وأحواله . الإنسان خطاء، كما يقول القرآن الكريم، وفي هذا يكمن مجده وتتجلى حاجته إلى مراقبة نفسه وتصحيح معرفته، وإلى مواءمتها مع واقع يعرف استحالة إحاطتها بسائر وجوهه، فهي معرفة وقتية وجزئية وتحتمل الخطأ . ولقد بينت تجارب الأمس القريب، والأقوال المفعمة بالندم لمن كانوا حكام نظم الشمولية السوفييتية، أن الحتمية الخطية، التي أقامها هؤلاء بين الواقع وبين سياساتهم، كانت غلطتهم الأفظع، فقد منعتهم من رؤية الواقع على حقيقته، وجعلتهم يتمسكون بواقع وهمي من صنع رغباتهم وأفكارهم المسبقة، لعب إيمانهم بوجوده دوراً خطيراً في تغذية آلة دعاية رهيبة بضروب شتى من الكذب، سدت درب الشك والمعرفة والموقف النقدي، وفتحت دروبا واسعة نحو الخطأ واليقينية والجهل، حتى صار من بيدهم أمر الناس غرباء تماماً عن الحقيقة والواقع، وغدت سياساتهم وتدابيرهم سلسلة من أخطاء مترابطة الحلقات، متماسكة الأجزاء، حالت بدورها دون تصحيح أخطائهم وجعلته أشد صعوبة من يوم لآخر، ونقلتهم من وضع كان التخلص منها فيه ممكناً إلى وضع أجبرهم على التمسك بالخطأ والدفاع عنه، تفاقم إلى أن جعل أي تغيير أو إصلاح يقومون به مفتاح انهيار نظامهم الشمولي، مثلما حدث في البلدان الاشتراكية وسيحدث في النماذج القومية والدينية .

 

لم يعرف التاريخ، ولن يعرف، نظاماً سياسياً أو نسقاً فكرياً نهائياً، ولم توجد على مر العصور سياسة أو فكرة كانت بديل نفسها الوحيد، الذي حال دون نشوء وتبلور بدائل أخرى لها . ويمكن أن تعبر قراءات متنوعة بتنوع الظروف والتطور والتحديات عن مصالح أي نظام، سياسياً كان أم اجتماعياً، بل إن عبقرية السياسة تكمن في قدرتها على تطوير بدائل لتدابير كانت تبدو صحيحة، لكن الأحداث والتطورات تجاوزتها، أو جعلتها عاجزة عن تلبية آمال ومطامح الشعب أو رد المخاطر والتحديات التي تواجه الوطن . ومن يراقب كيف أطالت الرأسمالية حياتها وعززت نظامها من خلال تطوير بدائل لسياساتها وخياراتها وممارساتها، وكيف مكنتها مراجعة سياساتها ومراقبة واقعها من العودة عن أخطائها، ومن إنجاز تغييرات مؤلمة تخطت بواسطتها مآزق كانت تبدو نهائية وقاتلة، يدرك خطورة دعاة العصمة الشمولية على بلدانهم ونظمهم وحتى أشخاصهم، ويفهم أنه لا بد أن توجد دوما بدائل لما هو قائم، يتوقف ظهورها وانتصارها على اكتمال شروط تحققها، وفي مقدمها متابعة البشر لها وإدراكها بوعي وصدق، ويفهم أخيراً أن بديل الشمولية ينحصر في أمرين: إصلاح تنجزه هي نفسها، يكون طوعياً، ويتم بإرادة وطنية عامة، يشارك فيه بصورة مباشرة وحرة المواطنون ومنظماتهم وأحزابهم، أو انهيار شامل ينتجه تمسكها بسياسات وممارسات فات زمانها، ليس لها وظيفة أو دور، لكن الشمولية تبقي عليها بقوة التخويف، والقمع، والتلاعب بعواطف ومصالح مواطنيها .

 

كانت العرب تقول: دوام الحال من المحال . ليتنا نعي في القرن الحادي والعشرين ما كان أجدادنا يعتبرونه من مسلمات العقل والعيش الصحيحة قبل عشرين قرناً . ليت من بيدهم أمرنا يفهمون أن دوام الحال من المحال، وأن لكل سياسة بدائل أفضل منها، وأن ربط الصواب بسياسة بعينها خطأ يصير بمرور الوقت قاتلاً، وأنها لو دامت لغيرهم، لما وصلت إليهم .

====================

المقاربة الرأسمالية في مواجهة الأصولية الإسلامية

الاربعاء, 05 مايو 2010

خليل العناني *

الحياة

ستظل مسألة «الجهاد» أحد الألغاز المحيّرة للعقل الغربي، ليس فقط كونها تنقض كثيراً من أسس النظرية الغربية الحديثة التي قامت على أفكار الحداثة والعقلانية، والتي توهّم البعض خطأ أنها سوف تسود العالم باعتبارها الخيار الحتمي أمام جميع المجتمعات والشعوب، وإنما أيضاً كونها تعبر عن نزوعٍ «بربري» نكوصي يتناقض مع حركة التاريخ باتجاه الحرية والسلام الإنساني.

لذا لم تتوقف «ماكينة» البحث الأميركية، خاصة في الجامعات ومراكز الدراسات، عن إصدار عشرات الدراسات والتقارير التي تحاول تفكيك أسرار هذا «اللغز» الذي لم تواجهه الحضارة الغربية طيلة قرونها الثلاثة الماضية. ووصل الأمر أحياناً إلى ما قد يُطلق عليه «بيزنس الجهاد والحركات الإسلامية» في الغرب، حيث أُنشئت مؤسسات بحثية وصُمّمت برامج دراسية من أجل سبْر أغوار هذه الظاهرة والعمل على وقف مفاعيلها، بيد أنها جميعاً فشلت وإن كان «البيزنس» لم يتوقف.

ولعل آخر ما أنتجه العقل الغربي لكبح ظاهرة الجهاد والعنف في العالم الإسلامي هو ما يمكن أن نُطلق عليه «المقاربة الرأسمالية في مواجهة الأصولية». وهي مقاربة تقوم على ثلاث أفكار رئيسة، أولاها ضرورة إفساح المجال أمام المجتمعات العربية كي تصبح مجتمعات رأسمالية اقتصادياً وليبرالية اجتماعياً وثقافياً، وهو ما قد يحدث من خلال إدماج الاقتصادات العربية في عجلة الاقتصاد العالمي (هل هذا لم يحدث؟)، بحيث ينخرط المواطن (الشاب) العربي في هذا الاقتصاد العالمي كمنتج ومستهلك، وبدلاً من أن يذهب إلى تورا بورا وإسلام أباد وتكريت كي يفجّر نفسه، يذهب إلى دبي ولوس أنجلوس واسطنبول كي يقيم المشاريع ويعقد الصفقات.

الفكرة الثانية، أن توسيع الطبقة الوسطى العربية أفقياً ورأسياً، من شأنه قيام طبقة بورجوازية جديدة ترفض أفكار الجهاد والعنف، وتسعى لتبني أفكار جديدة ونمط حياة قد يغري الشباب العربي ويمنعه من الافتتان بموضة «الجهاد».

وثالثتها، أن خلق مساحات واسعة للأجيال الشابة من المبدعين وأصحاب المواهب والقدرات الاستثنائية أو من يُطلق عليهم «رواد الأعمال» Entrepreneurs، سوف يساعدهم على مواجهة المتطرفين وهزيمة أفكارهم. ويستشهد أصحاب هذه المقاربة بأنه لا يوجد متطرفون في دبي وكوالالمبور واسطنبول والقاهرة بسبب اندماج اقتصاداتها في الاقتصاد العالمي، ورفض شبابها الانخراط في الشبكات الجهادية، وتفضيلهم العولمة على الأفغنة والصوملة.

مشكلة هذه المقاربة ليست في سذاجتها فحسب، وإنما أيضاً في خلطها بين الأسباب والنتائج، فضلاً عن قصورها عن فهم الطبيعة المعقّدة لظاهرة الجهاد والتطرّف في بلادنا. وهي مقاربة يمكن نقضها بسهولة من ثلاث زوايا: أولاها أن الاقتصادات العربية والإسلامية هي بالفعل مندمجة في الاقتصاد العالمي على الأقل استهلاكاً، كما أن كثيراً من الحكومات العربية تنتهج سياسات تحريرية لنظامها الاقتصادي (مصر ولبنان والأردن وسورية والمغرب). في حين أن دبي وكوالالمبور هما الآن من أهم المراكز المالية العالمية.

ثانيتها، أن الطبقة الوسطى العربية موجودة بالفعل ومتزايدة (على الأقل كمياً)، بيد أن ذلك لم يحل دون انضمام الكثير من أبنائها الى الجماعات الجهادية بدلاً من الذهاب إلى لندن وهوليوود للاستمتاع بأوقات فراغهم.

ثالثتها، وهي الأهم، أن العولمة بحد ذاتها تعد أحد أسباب ظهور الحركات الجهادية التي تراها مرادفة للإمبريالية والهيمنة الغربية، وبالتالي تعمل على مواجهتها وضرب رموزها (هل نسي أصحاب هذه المقاربة المغزى من تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك؟).

أما الخطأ الأكبر لهذه المقاربة (البعض يحاول تطويرها كي تصبح نظرية سوسيولوجية جديدة لدراسة مجتمعاتنا)، فهو وقوعها في فخّ الاستشراق الجديد. فعلى سبيل المثال يرى والي نصر Vali Nasr وهو باحث أميركي مخضرم يعمل حالياً مستشاراً لريتشارد هولبروك المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان، أن صعود التطرف في العالم الإسلامي جاء مصاحباً لعدم اندماج العالم الإسلامي في الاقتصاد العالمي، وعليه فلو حدث اندماج للاقتصادات العربية والإسلامية سوف يتوقف التطرف وينتهي المدّ الأصولي بحسب نصر(!). ويشير نصر في كتابه الذي صدر أخيراً «قوى الثروة: صعود الطبقة الوسطى في العالم الإسلامي 2009»، إلى أن الطلب العربي والإسلامي على الأفكار الجهادية سوف يتراجع إذا ركّزت السياسات الغربية على دمج الأجيال العربية الشابة في ماكينة الاقتصاد العالمي وتحويلها إلى منتجين وأصحاب مصالح.

لن أخوض في تفكيك مقولات نصر، وهي لا تختلف كثيراً عن مقاربات راجت طيلة السنوات التسع الماضية خلطت الحابل بالنابل. وإنما أشير فقط إلى الجانب الآخر من الصورة وهو «الرأسمالية الجهادية»، وأقصد بها الشبكة المالية والاقتصادية الضخمة التي بنتها التنظيمات الجهادية، خاصة تنظيم «القاعدة»، خلال العقدين الماضيين والتي استفادت في شكل غير مسبوق من موجة العولمة التي ظهرت أوائل التسعينات، وذلك إلى درجة وصل فيها حجم العائدات السنوية لاستثمارات بن لادن إلى حوالى 30 مليون دولار بحسب التقارير الأميركية. هذه «الرأسمالية الجهادية» لم تستفد فقط من مزايا العولمة التي أتاحت فرصاً لم تكن موجودة من قبل لابن لادن ورفاقه في بناء شبكتهم الجبّارة (تدفقات رؤوس الأموال وانتقال الأفراد وبناء التنظيم والخلايا الجهادية)، وإنما أيضاً ألهمت بن لادن بفكرة إقامة جبهته العالمية لمحاربة الأميركيين والصهاينة (انظر الى البعد العولمي في شعار الجبهة)، وأعطته مبرراً «أيديولوجيا» قوياً لضرب رموز هذه العولمة «الإمبريالية».

الغريب فى أطروحة نصر، كما في غيرها من المقاربات المشابهة (كانت آخرها مقاربة فريد زكريا حول مكافأة الأنظمة العربية بسبب جهادها الأمني ضد الحركات الأصولية العنيفة)، أنها لم تشر بكلمة واحدة الى علاقة الاستبداد والتسلط بظهور التطرف والتشدد الديني في العالمين العربي والإسلامي (وكأن ما حدث في مصر والجزائر وليبيا والمغرب واليمن قد سقط تماماً من الذاكرة البحثية!). ومثل هذه المقاربات تضمر بداخلها الخطيئة الأميركية الكبرى بدعم الاستقرار «المزّيف» في العالم العربي من خلال محاباة الأنظمة السلطوية، على حساب التحول الديموقراطي وإرضاء الشعوب.

الأكثر من ذلك، أن مثل هذه المقاربات لا تلقي بالاً لآليات صناعة «البطل المجاهد»، التي تبرع الحركات الجهادية في نسج أسطورتها وتغذية روافدها، والتي تبدأ أيضاً من الحلقة الرأسمالية. فظهور الحركات الجهادية ارتبط في أحد وجوهه باستفراد الدولة العربية وهيمنتها المطلقة على الاقتصاد والمجتمع والسلطة، بحيث بدت هذه الحركات وكأنها الخيار الوحيد أمام شرائح كثيرة من الفقراء والمحرومين وأحياناً الطبقة الوسطى، وذلك من أجل مجابهة هيمنة هذه الدولة وكسر سلطويتها. في حين استفادت الحركات الأصولية من سياسات الخصخصة وبرامج التحول الاقتصادي (التي كانت أحد اشتراطات الاندماج فى موجة العولمة!) التي عصفت بكثير من الفئات المهمّشة وتركتها وحيدة في مواجهة الرأسماليين الجدد (على رغم اختلافي جزئياً مع الاقتراب الطبقي في تحليل وفهم الظاهرة الجهادية).

وتسقط هذه المقاربة تماماً إذا وُضعت في مقابل التحليل السوسيولوجي لتفسير انضمام كثيرين من أبناء الطبقة «الثرّية» المتعولمة الى الحركات الأصولية، بدءاً من أسامة بن لادن وايمن الظواهري، إلى عمر الفاروق وهمّام البُلوي، ناهيك عن عشرات أبناء الطبقة الوسطى التي يُراد عولمتها الآن. في حين تُصاب مثل هذه المقاربات بالفشل الذريع حين تعجز عن تفسير انخراط الكثيرين من أبناء الغرب «المعولَم» في صفوف الحركات الجهادية، على غرار «عزام الأميركي» وأنور العولقي.

ويبدو أن العقل الغربي بات مهموماً بإنتاج مقاربات «ناعمة» لمجابهة ظاهرة العنف الديني، بعد أن فشلت كل المقاربات الخشنة (الضربات الأمنية والاستخباراتية وتجفيف المنابع المادية) في وقف المدّ الأصولي الذي بات يهدد الولايات المتحدة من الداخل. وتزداد المفارقة حضوراً حين يتعمد هذا العقل، عند محاصرته الحركات الجهادية، عدم الالتفات إلى نظيرتها المعتدلة التي تسعى للاندماج السلمي فى مجتمعاتها.

إذا كان الغرب جاداً في مواجهة العنف والتطرف، فليتوقف عن إنتاج مثل هذه المقاربات السطحية التي تتعاطى مع العرب والمسلمين وكأنهم «فئران تجارب» لأبحاثه ونظرياته الساذجة.

* أكاديمي مصري - جامعة دورهام، بريطانيا.

====================

أميركا والعقوبات على سورية

الاربعاء, 05 مايو 2010

عبدالله اسكندر

الحياة

لا مفاجأة في تمديد الإدارة الأميركية العقوبات على سورية سنة جديدة. لا بل كانت المفاجأة لو ألغى الرئيس باراك أوباما هذه العقوبات. وإذ تضمن بيان البيت الأبيض ملاحظة تتعلق بتحسن السجل السوري في العراق، فإنه استعاد كل الحملة الأميركية التي بدأت قبل اسابيع في شأن تهريب الأسلحة الى «حزب الله» في لبنان.

وهذا يعني ان المواجهة الأميركية - السورية في لبنان باتت تعني، بالنسبة الى البيت الأبيض، مواجهة تتعلق بالأمن القومي الأميركي. خصوصاً بعدما استعاد «حزب الله» النفوذ الحاسم في الوضع الداخلي اللبناني، والانتقال الى مطاردة ما يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة مع لبنان الرسمي، واتفاقات التعاون التي عقدتها الحكومة السابقة برئاسة فؤاد السنيورة مع واشنطن.

وإذا كان هذا الأمر لا يبشر بالخير بالنسبة الى الاستقرار السياسي، وربما الأمني لاحقاً، في لبنان، فإنه في الوقت نفسه يؤشر الى استعادة سورية كثيراً من نفوذها الذي أصيب بانتكاسة منذ 2005، عقب انسحابها العسكري من بلاد الأرز. وهي استعادة تتوسع مع الضغط لفرض انسحاب اميركي، وتقليص لحركة لبنان الرسمي، وتمدد لنفوذ «حزب الله» الذي تعتبره الولايات المتحدة رأس حربة لإيران التي تخوض معها معركة قاسية على امتداد المنطقة.

وفي هذا المعنى، ترى واشنطن ان الدعم السوري ل»حزب الله» يقع في دائرة التعرض لنفوذها ومصالحها السياسية في لبنان، وأن استمرار هذا الدعم تهديد للمصالح الأميركية في المنطقة. والتبريرات لتمديد العقوبات، بغض النظر عن حقيقة الأسلحة الصاروخية وتأثيراتها في ميزان القوى العسكري، تشير الى ان النفوذ السياسي السوري في لبنان يكون سلبياً، من وجهة نظر واشنطن، عندما يغلب موقف «حزب الله» في القضايا الداخلية اللبنانية. وظهرت هذه السلبية في سلسلة التطورات الداخلية، من ازمة انتخاب رئيس الجمهورية الى الانتخابات النيابية الى تشكيل الحكومة الحالية، وصولاً الى استهداف الاتفاقات اللبنانية - الأميركية.

وقد يكون تصعيد الحملة الأميركية الحالية على سورية، بعد التحسن الملموس في الاتصالات بين الجانبين والتوجه الى ايفاد سفير اميركي الى دمشق، جاء بعد استخلاص ان سياسة الانخراط لم تؤثر في تغيير السلوك السوري لجهة ضبط مواقف «حزب الله» على ايقاع السياسة الأميركية. ومن الخلاصات المهمة في هذا الإطار ان الصوت اللبناني في مجلس الأمن، عندما يطرح قرار العقوبات على ايران في شأن ملفها النووي، يتأثر بالنفوذ السياسي الداخلي ل»حزب الله» وليس بالمطالب الأميركية لدعم هذه العقوبات.

القضية الأخرى التي تراهن عليها الإدارة الأميركية حالياً في المنطقة، وتعني سورية مباشرة، تتعلق بمعاودة اطلاق المفاوضات على المسار الفلسطيني. وفي ظل الجهود التي تبذلها واشنطن لإقناع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بمعاودة التفاوض، وإن على نحو غير مباشر في مرحلة اولى، تقف دمشق في موقع متعارض مع هذه الجهود. ويمكن استخلاص مدى الانزعاج الأميركي من العرقلة السورية من تكرار التزام واشنطن بتحقيق تقدم في هذا الملف. وبالتأكيد لم يرق للولايات المتحدة التحفظ السوري الأخير، في الاجتماع الوزاري العربي قبل ايام في القاهرة، عن تفويض الجانب الفلسطيني لدخول المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل. وهي المفاوضات التي سعت الإدارة الأميركية على كل مستوياتها الى تسويقها لدى العرب. لا بل تعتبر واشنطن، كما كررت في كثير من المناسبات، ان معاودة هذه المفاوضات تصب في صلب مصالحها القومية.

في هذا الإطار، تصبح قضية الصواريخ ل»حزب الله» المبرر العلني لإعلان الامتعاض الأميركي من مجمل السلوك السوري، ورسالة مفادها ان الانضباط الذي لاحظته واشنطن في ملف العراق ليس كافياً، وأن على دمشق ان تظهر انضباطاً مماثلاً في لبنان ومسار التفاوض الفلسطيني.

====================

إيران.. مواجهة أم استيعاب؟

موقع: gulf.news

ترجمة

الأربعاء 5-5-2010م

ترجمة: حكمت فاكه

الثورة

في محاولة منه لإقناعها بالتوقف عن تنفيذ أنشطتها النووية، يزيد الرئيس الأميركي أوباما حالياً من الضغط على طهران، وهو يشك بأنها تخطط لتصنيع قنبلة نووية،

أو تسعى للحصول على مقومات صنعها. وكانت إيران أعلنت مراراً وتكراراً أنه ليس لديها نية في ذلك، ويؤكد ذلك استضافتها مؤخراً لمؤتمر دولي حضره أكثر من 70 بلداً رداً على مؤتمر قمة الأمن النووي الذي دعا إليه أوباما والذي لم يحضره أكثر من 40 بلداً.‏

ويحاول أوباما جاهداً، وذلك بحشده للمجتمع الدولي، لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي بفرض «عقوبات شديدة» على طهران. لكن هناك عقبات كثيرة تعترض صدور مثل هكذا قرار. فروسيا والصين العضوان الدائمان بمجلس الأمن يفضلان حل الموضوع مع إيران من خلال الحوار وليس المجابهة. هذا الموقف تؤيده تركيا ومعها البرازيل والعديد من دول العالم الأخرى.يعرف أوباما جيداً أن المزاج السائد في إيران هو مزاج تحد، وأن الضغط عليها سيزيدها تحدياً وتشدداً، وقد تؤدي العقوبات أيضاً إلى تأخير التسوية مع إيران، التي أعلن أوباما منذ سنة أنه يرغب بها.‏

وطالما يريد تسوية معها، فلماذا يسعى لفرض عقوبات جديدة عليها. هناك العديد من الأجوبة على هذا التساؤل، بعضها يتعلق بمعرفة أميركا لمصالحها القومية، وبعضها الآخر يتعلق بسياساتها الداخلية، والبعض الآخر أيضاً يتعلق بالتحالف الوثيق مع إسرائيل في المجالات السياسية والعسكرية، وكذلك في أن أميركا هي القوة الأجنبية الأكثر سيطرة ونفوذاً في منطقة الخليج الغنية بالنفط وتريد أن تبقى كذلك.‏

لكن، بما أن إيران لها مواقفها الخاصة في المنطقة، فينظر إليها البعض في واشنطن على أنها منافس خطير للغاية يجب احتواؤه، إذا لم يتم نزع سلاحه. فلمدة أكثر من ثلاثين عاماً أي منذ عام 1979 عندما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران والتي أطاحت بالشاه، تعرض الأميركيون لعملية غسيل دماغ بهدف جعلهم يؤمنون أن إيران من وجهة نظرهم أصبحت في قبضة نظام إسلامي قوي.‏

وبما أن أوباما، يواجه استحقاق انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني ، فليس باستطاعته في ظل هذا المناخ الدولي الشديد السخونة أن يظهر ضعيفاً في تعامله مع طهران.‏

ويشار في هذا الإطار إلى أن «المحافظين الجدد» الموالين لإسرائيل وللوبي الإسرئيلي، لعبوا دوراً رئيساً في تصوير إيران على أنها تمثل الخطر الأكبر على الوجود الإسرائيلي، بل إنها تمثل تهديداً للعالم بكامله.‏

وليس لدى رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو أي حرج بتشبيه الرئيس الإيراني على أنه «نازي» ويقول أنه إذا تم تنفيذ البرنامج النووي الإيراني، فإن هذا البرنامج «سيهدد اليهود بمحرقة هولوكوست ثانية». وتنسى إسرائيل بأنها الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنها مصممة على استمرارها لهذا الاحتكار مهما كانت الأثمان. فإسرائيل ترفض السماح لأي نوع من أنواع توازن القوى في المنطقة، لأن ذلك إذا حصل سيشل من قدرتها على ضرب جيرانها عندما تريد. لذلك فإن أكثر ما تخشاه إسرائيل حالياً هو أن يتوصل أوباما إلى صفقة مع إيران.‏

وبنفس الأسلوب الذي اتبعته إسرائيل وأصدقاؤها في تحريض أميركا على إطاحة نظام صدام في العراق على أساس اتهام باطل بامتلاكه لأسلحة دمار شامل، بينما الواقع هو أنه كان يشكل تهديداً ممكناً لإسرائيل نفسها، تقوم هي أيضاً حالياً بالضغط باستمرار على أميركا حتى تشن هجوماً عسكرياً ضد طهران. وكما هو واضح، فهم يفضلون أن تقوم أميركا بهذه المهمة.‏

ومع هذا، هددت إسرائيل أنها ستضطر للهجوم بمفردها على إيران إذا لم تفعل أميركا ذلك.‏

====================

التهديد الأميركي المستمر..؟

الافتتاحية

الأربعاء 5-5-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

يرى الرئيس أوباما أن سورية «تضع تهديداً متواصلاً وغير مألوف واستثنائياً على الأمن القومي للولايات المتحدة وسياستها الخارجية واقتصادها..».

إنها سياسة عداء سافر كاملة، ممتد في جذورها إلى الماضي البعيد ولا يبدو فعلياً لها قرار قريب. لم نفاجأ بتجديد عقوباتهم، ويجب ألا نفاجأ بتمديد سياستهم أيضاً.‏

بعد الآن لن يجرؤ الرئيس أوباما على إلغاء العقوبات... ويجب ألا نعلّق آمالاً على ذلك..‏

أميركا تقول لنا بوضوح لم يعد يمكن تجاهله... لن أمارس معكم إلا سياسة العداء.. والضغط... حتى تنسوا أنكم دولة اسمها سورية..؟! فهل ننسى..‏

الولايات المتحدة تريد من سورية:‏

1- أن تنسى أنها دولة تعاني من الاحتلال ولها الحق في حشد كل قوة ممكنة لتحرير أرضها.‏

2- أن تنسى أنها مهددة بالعدوان الدائم إلى درجة «إعادتها إلى العصر الحجري»..!.‏

هل سمع الرئيس أوباما بذلك؟!.‏

3- أن تنسى أنها جزء من أمة عربية له قضية مركزية هي القضية الفلسطينية.‏

4- أن تنسى جرائم «إسرائيل» المتواصلة - منذ تأسست على أرض فلسطين العربية - حتى اليوم.‏

5- أن تنسى أنها تملك الرؤية والقدرة على التمييز والاستنتاج بالحسابات الدقيقة...‏

6- أن تنصاع كاملاً لما يأتيها من أميركا التي نقلت مهمتها من رعاية السلام إلى رعاية العداء والضغط والإكراه.‏

ترى إن وافقنا على ذلك كله.. فماذا يبقى من سورية..؟.‏

وبعد ذلك كله، يقول الرئيس الأميركي: إننا نحن الذين نضع تهديداً للولايات المتحدة..؟!‏

السيد الرئيس.. هل قرأت كلماتك قبل أن تقولها..؟!.‏

أي تهديد هذا الذي تتحدث عنه...؟!‏

وكيف تجاهلتم ماتعرضنا له من تهديد أرعن لا يخفي احتمالات استخدام السلاح النووي.. و إلا ماالذي يعيدنا إلى العصر الحجري..؟! هل يرضيكم ذلك؟!.‏

نحن أبناء الشعب السوري نعلمك بوضوح أن دولتكم العملاقة تهدد دولتنا الصغيرة، منذ استقلالها حتى اليوم.. لا لسبب في الدنيا إلا لأنها مستقلة بقرارها... ترفض العدوان والاحتلال وتبحث عن السلام.‏

رسالة أوباما إلى الكونغرس عن العقوبات على سورية هي رسالة لكل دول المنطقة دون استثناء.. ليس بسبب حق الجوار والتأثر به... بل لأن أميركا ومعها الدول الدائرة في فلكها تدفع المنطقة إلى استمرار العداء والحروب فيها... وهي تعوّل على فرض سلام على من تستضعف شأنهم... ليكون السلام المنبوذ الذي لا يستطيع حماية أسسه..؟!‏

الضغط الأميركي على سورية اليوم... الذي تفاقم عوضاً عن أن يتراجع... له علاقة وثقى بشبح الفشل الذي تشعر به الولايات المتحدة والذي ينتظر مهزلة المفاوضات غير المباشرة بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية.‏

هم يعرفون جيداً، أن هذه المحادثات لن تأتي بجديد، وبالتالي يرسمون خريطة العلاقات السيئة المتنابذة في المنطقة قبل انتهاء الموعد الموضوع لهذه المحادثات. والذي يظن أن إيران هي الهدف الوحيد للتحرك الأميركي في المنطقة.. يرى نصف الحقيقة... بل هي دول المنطقة كلها... لأن هدوء المنطقة والسلام والاستقرار فيها يهيئ لقيام تعاون إقليمي تتجاوز مصالحه مصالح أي علاقات أخرى... وهذا ما لا يرضيهم بالمطلق..‏

بل إن التساؤل الاستنكاري في الأوساط الأميركية، والغربية عموماً، والإسرائيلية بشكل خاص عن تطور العلاقات السورية التركية أقوى من تساؤلهم عن العلاقات السورية الإيرانية.‏

يعني هم بوضوح كامل، يعادون احتمالات استقرار وأمن المنطقة قبل عدائهم لسورية وإيران وفلسطين والعراق ولبنان وغيرها.‏

خيبة أمل.. لكننا لم نفاجأ.. ولسنا بعاجزين عن فهم التاريخ.. والاستعداد لمواجهة أعدائه..‏

====================

الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل لا يرقى إليه شك

المستقبل - الاربعاء 5 أيار 2010

العدد 3643 - رأي و فكر - صفحة 19

مارتن أينديك

(سفير الولايات المتحدة في إسرائيل سابقا)

كما هو معروف، لا يوجد في وزارة الخارجية الأميركية إضبارة تجمع في ثناياها كل الالتزامات الأميركية تجاه إسرائيل، أو مكان آخر تُحفظ فيه كل الوثائق والآراء المتبادلة في هذا السياق. ومع ذلك، في العقدين الأخيرين على الأقل، تم نشر بعض الوثائق. ويمكن القول أن المغزى الرائع لعصر الحاسوب هو أنه يمكن حفظ ما كُتب.

بالنسبة للسؤال حول الالتزامات التي هي ملزمة بالفعل، فإن الجواب قبل كل شيء هو أن يكون مغزاها ملزما. وثمة سؤال آخر يدور حول ما إذا كان الالتزام قابلا للتطبيق بحس بالقانون. إضافة إلى ذلك، الالتزام المكتوب يلزم الإدارة التي منحته كما يلزم الإدارات التي تأتي بعدها. ومن بين هذه الالتزامات، يمككن الإشارة إلى التعهد بالامتناع عن القيام بمبادرة في سياق النزاع الإسرائيلي-العربي من دون التشاور المسبق مع إسرائيل، والذي أُعُطي في العام 1974 في إطار اتفاقية فصل القوات بين إسرائيل وسوريا وفي العام 1975 في إطار الاتفاق المرحلي بين إسرائيل ومصر. وثمة سؤال على صلة بالأمر وهو إلى أي حد ستصر إسرائيل على تنفيذ الالتزامات. باستثناء ذلك، يمكن للالتزام أن يصبح لاغيا مع مرور الوقت- هكذا حصل للوثيقة التي سُجل فيها الالتزام الذي مُنح لإسرائيل على خلفية إغلاق مضيق تيران.

من الصعب إعطاء إجابة دقيقة على سؤال المتعلق بمغزى الملاحظة التي صدرت عن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في موضوع المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية والتي تفيد أنه " لا يوجد اتفاقات ملزمة غير رسمية أو شفهية". يمكن فقط أن نشير إلى أنه يوجد تبادل لبعض الرسائل وبعض محاضر جلسات للمحادثات التي بُحث فيها موضوع المستوطنات، ولا سيما مسألة الزيادة الطبيعية فيها.

في هذا السياق، تُعتبر رسالة دوف فايسغلاس، الذي شغل منصب مدير مكتب رئيس الحكومة أرييل شارون، والتي أُرسلت في نيسان 2004، الوثيقة الأهم . فقد ورد فيها أن الولايات المتحدة تبارك مسألة تحديد حدود المستوطنات القائمة من قبل حكومة إسرائيل. ومغزى هذا الكلام هو أن البناء سيتواصل ضمن حدود المستوطنات القائمة، كما سيُتفق في مجموعة العمل الأميركية-الإسرائيلية، لكن مجموعة العمل هذه لم تُكمل عملها أبدا، وليست واثقا من أنها بدأت بالعمل أصلا. في جميع الأحوال، لم يتم التوصل إلى اتفاق، وذلك أساسا لأت حكومة إسرائيل لم تكن معنية بتطور الموضوع. ومن المحتمل أن يكون هذا ما قصدته وزيرة الخاردية الأميركية بحديثها عن " اتفاقات ملزمة".

وفي سياق الرسالة، ثمة فيها تصريح ملزم واضح من حكومة إسرائيل، يثير السؤال التالي: إذا كانت حكومة إسرائيل غير مستعدة لتنفيذ التزاما خطيا من جانبها، كيف يمكن لها أن تتوقع من الإدارة الأميركية تنفيذ التزام ضبابي وغير خطي؟ هذا السؤال يغير سياق البحث- الذي لم يحصل- حول الزيادة الطبيعية في المستوطنات.

بالنسبة إلى الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي جورج بوش إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون: يمكن الافتراض أن الموقف الوارد فيها ملزم للرؤوساء المقبلين للولايات المتحدة. فهو يعبر عن السياسة التي ستتخذها الولايات المتحدة من موضوع الكتل الاستيطانية. ومع ذلك، يمكن أن نفهم من لغة الرسالة أن نطاق المواءمة المناطقية سيُبحث في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.

من نقطة زمنية معينة، لم يسبق أن قامت إدارة أميركية بتعريف المستوطنات على أنها " غير شرعية". منذ إدارة الرئيس رونالد ريغن، كان موقف الإدارة الأميركية هو أن النشاط الاستيطاني لا يساعد في تقدم تسوية إسرائيلية-فلسطينية، لكنه ليس غير شرعي. ومن المحتمل أن يكون في وسع الرئيس أوباما فحص هذا الموضوع والتوصل إلى خلاصة مفادها أن المستوطنات غير شرعية، لكن خلاصة بهذه الروح ستمثل تغييرا في السياسة. فأوباما يغير لغة التطرق إلى المستوطنات، ويمكن الافتراض أنه سيواصل فعل ذلك إلى أن يحصل على التزام من جانب إسرائيل لوقف النشاط الاستيطاني، بما في ذلك الزيادة الطبيعية في المستوطنات. وحتى الآن لا يوجد جواب تام حول مسألة الرد المتوقع من أوباما في ظل عدم وجود اتفاق مع حكومة إسرائيل. فالإدارة الأميركية لن تقلص المساعدات، ولن تُجمد ضمانات القروض، لكنها ستستخدم مكانة الرئيس وتأثير التصريحات العلنية. فبواسطة هذه الوسائل ستحاول أن تنقل إلى الحكومة والجكهور في إسرائيل شعورا حول جدية مقاربة الرئيس لهذا الموضوع.

العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لا سيما منذ سبعينيات القرن الماضي، قوية وواسعة بشكل خاص، كما أن البنتاغون يولي هذا الالتزام مغزى عمليا. بالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل يتم تقديمه من خلال جملة الاتفاقات الخطية حول التعاون العسكري، الدفاعي، الاستخباري، إجراء المناورات والتدريبات المشتركة وغيرها من المجالات.

يُضاف إلى هذه الأمور الاستعدادات الأميركية لمساعدة إسرائيل في الأوضاع التي تكون فيها في حالة مواجهة، على سبيل المثال إرسال بطاريات صواريخ الباتريوت أو تقديم معلومات مسبقة إزاء مهاجمة العراق. وفي كل بحث جرى خلال ولاية إدارة الرئيس كلينتون حول استخدام القوة ضد العراق، كان هناك موضوعين مطروحين دوما على جدول الأعمال: نقل معلومات إلى إسرائيل ومساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

مركز أبحاث الأمن القومي تل أبيب

====================

السلام مقابل النووي

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

5-5-2010

استبقت أميركا وروسيا انعقاد مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي في نيويورك هذه الأيام بطرح ورقة تعرض تصورا لشرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، كخطوة للرد على الطرح العربي الداعي إلى «شرق أوسط خال من السلاح النووي». وكان يمكن لهذه الورقة أن تكون مبادرة بناءة لو أنها اعتمدت أسلوب الخطوات المتزامنة في نزع السلاح، أي الأسلوب ذاته الذي تتعاطى به هاتان الدولتان في تدميرهما لجزء من ترسانات أسلحتهما. لكن الدولتين سارتا بدلا من ذلك على أسلوب يجعلهما عرضة للاتهام بالكيل بمكيالين، إذ إنهما رأتا أن ما يطبق عليهما لا ينطبق على دول الشرق الأوسط، فتبنتا طرحا يستثني إسرائيل ويتعامل مع الدول الأخرى في المنطقة، باعتبارها هي المهدد للسلام وهي التي يجب أن تجرَّد أولا من كل أسلحتها، وهي التي يجب أن تطمئن إسرائيل وتحقق السلام الشامل معها أولا قبل أن يبدأ التفكير لاحقا في طرح موضوع السلاح النووي الإسرائيلي.

مثل هذا الطرح لن يمنع بعض دول المنطقة من التفكير في امتلاك سلاح نووي، وهو ما حدث بالفعل في الماضي سواء مع عراق صدام أو مع ليبيا، وما يحدث الآن مع إيران، وما قد يحدث غدا مع سورية أو تركيا أو غيرهما. وهذا الكلام ليس دفاعا عن برنامج إيران النووي، لأنه ليس هناك من عاقل يريد اشتعال سباق تسلح نووي في المنطقة، ولكنه تذكير بأمر هو تحصيل حاصل لكل من يريد أن يرى الأمور بعين متجردة. فحاليا هناك مشكلتان نوويتان في المنطقة وليست واحدة، وقد يرتفع العدد مستقبلا، وما لم يتم التعامل مع الملف بشكل متكامل بما في ذلك موضوع السلام الشامل يصبح الحديث عن شرق أوسط خال من السلاح النووي مجرد حلم بعيد المنال.

هناك دوائر في واشنطن ترى هذا الترابط وتقر بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة تواجه حرجا في الرد على الانتقادات المتكررة بأنها تتجاهل الترسانة النووية الإسرائيلية، وأنه حتى في موضوع الملف الإيراني كان موقف العديد من الدول، بما فيها السعودية ومصر والأردن وتركيا، هو ضرورة إعلان الشرق الأوسط كله منطقة خالية من السلاح النووي ومن أسلحة الدمار الشامل، مع تأكيد ضمان حق الدول في الطاقة النووية السلمية. ويتردد أن هناك قلقا في إسرائيل اليوم من أن إدارة أوباما تتجاوب جزئيا مع ما طرحته دول عربية من التعامل مع تسوية قضية الملف النووي الإيراني عبر السعي إلى وقف أي برامج تسلح نووية قائمة أو محتملة في إسرائيل ومصر وتركيا وسورية. ولذلك صدرت تسريبات إسرائيلية توحي بأن تل أبيب تؤيد جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي ولكن فقط بعد تحقيق السلام الشامل.

من هنا ربما يمكن فهم الطرح الوارد في الورقة الروسية – الأميركية التي تبنت تقريبا الموقف الإسرائيلي، مشترطة تحقيق السلام الشامل أولا وأن تلتزم الدول العربية باتفاق إزالة الأسلحة البيولوجية والكيماوية وباتفاق حظر إجراء التجارب النووية «قبل النظر» في ملف إسرائيل النووي. المشكلة في هذا الطرح أنه مع اعتماد إسرائيل على منطق القوة لا العدل، ومع غياب الثقة بين الطرفين العربي والإسرائيلي، لا يمكن مطالبة طرف دون الآخر بنزع أسلحته أولا.

وردا على الذين يقولون إن إسرائيل هي الطرف الذي يشعر بالتهديد في المنطقة، وإنها لا تستطيع التخلي عن ترسانتها النووية بشكل متزامن، يمكن الإشارة إلى أن إسرائيل لديها تأكيدات منقطعة النظير من جانب أميركا في الالتزام بأمنها واعتبار ذلك أمرا استراتيجيا بالنسبة للإدارات الأميركية المتعاقبة. وهناك دول لا تملك ترسانات نووية مثل اليابان وكوريا الجنوبية لكنها تشعر بالأمن تحت حماية المظلة العسكرية الأميركية، أو مثل العديد من الدول الأوروبية التي عاشت تحت مظلة الحماية النووية الأميركية حتى في أوج الحرب الباردة.

إن الأمن النووي بات قضية ملحة في ظل المخاوف من وصول أسلحة نووية إلى منظمات إرهابية أو إجرامية قد لا تتورع عن استخدامها، ولا بد من معالجة تتسم بالجرأة لقضية الانتشار النووي. والشرق الأوسط الذي عاش توترات متواصلة وحروبا بسبب الصراع العربي - الإسرائيلي يحتاج إلى أن يكون منطقة خالية من السلاح النووي، لكن على أساس أن يشمل ذلك كل الأطراف وأن يتحقق بشكل متوازن ومتزامن ضمن صفقة السلام الشامل في المنطقة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ