ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 05/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


النظام العربي يسير بلا أهداف

د. محمد صالح المسفر

5/4/2010

القدس العربي

لست ادري ماذا أصاب امتنا العربية حتى تعبث بها كل القوى الدولية، أطراف وطننا العربي الكبير تنهش من قوى غير عربية ولا احد يسأل من القادة العرب عن ذلك النهش المستمر، عواصمنا العربية تتساقط تحت الاحتلال العسكري ولم تهتز شعرة في شارب الكثير من قادتنا الميامين .عملية التعطيش لامتنا العربية تسير على قدم وساق، تضررت منها حتى الآن العراق وسورية والأردن ولبنان، ومصر والسودان على قائمة الانتظار.

( 2 )

جديد النظام العربي اليوم والمعلن هو السعي لإرضاء واسترضاء الإدارة الأمريكية في الشأن الفلسطيني، أيا كانت جمهورية، أو ديمقراطية. بالأمس اجتمعت اللجنة الوزارية العربية في القاهرة المعنية بالمبادرة العربية المنتهية صلاحيتها، وقررت اللجنة الميمونة أن تخول سلطة رام الله المنتهية صلاحيتها أيضا بان تتفاوض مع اسرئيل بطريقة غير مباشرة، بناء على وعود وتعهدات أمريكية لكن لا احد يعلم ما هي تلك التعهدات والوعود الأمريكية التي أعطيت لعباس ورهطه. والحق أن الاتصالات والمفاوضات والأعمال المشتركة بين أركان السلطة في رام الله وإسرائيل لم تنقطع منذ اغتيال ياسر عرفات فما هو الجديد في المفاوضات؟

اطرح سؤالا للجنة الوزارية العربية، ماذا يعقب المفاوضات غير المباشرة في تقديركم بعد شهر تشرين الاول/أكتوبر؟ سيطلب منكم إجراء مفاوضات مباشرة حتما، وهكذا حتى تنتهي ولاية اوباما وندخل في دوامة جديدة وعندها نغني مع فيروز 'يا دارة دوري فينا وظلي دوري فينا ... '.

( 3 )

الوزراء العرب قالوا في مؤتمرهم الصحافي إنهم مقتنعون بان إسرائيل لا تريد السلام، وأنها تكذب على المجتمع الدولي، لكنهم قالوا نحن نعطي فرصة للراعي الأمريكي. اذكر الوزراء الميامين أنهم أعطوا فرصة في مؤتمر 'انا بوليس'، وأعطوا فرصة عندما تولى الرئيس الأمريكي اوباما، وكانوا يمنحون كل رئيس أمريكي جديد فرصة منذ أكثر من ستين عاما وقادتنا يمنحون الفرص لكل رئيس أمريكي عند توليه الرئاسة وعند التجديد له إن جدد، دون جدوى.

( 4 )

أهداف الإدارة الأمريكية الحالية هو تمديد الفترة الزمنية لجهودها (؟؟) حتى تتم الانتخابات النصفية للكونغرس بمجلسيه في تشرين الاول/ أكتوبر القادم، إسرائيل عينها على اللوبي الصهيوني وقدرته على إفشال مخطط الرئيس اوباما إن صدق بان له مخططا يهدف لإعادة الحق إلى أهله، إسرائيل لم توعد الراعي الأمريكي بشيء وما برحت عملية توسيع المستوطنات، والترحيل للفلسطينيين بهدوء، وهدم المنازل في مدينة القدس، وبناء مجمعات يهودية محلها، والحفريات تحت المسجد الأقصى، وحصار غزة، كلها مابرحت سارية المفعول.

( 5 )

بعض الرواة من العرب أصحاب الذرائع يقولون ان الإدارة الأمريكية تعهدت في حال فشل إسرائيل في وقف الاستيطان فإنها ستذهب إلى مجلس الأمن وتصوت بإدانة إسرائيل 'وخير يا طير!!' كما يقول أهلنا في الخليج، كم قرار صدر بإدانة إسرائيل من كل أجهزة الأمم المتحدة على مدى الستين عاما الماضية، وهل تغير شيئ في السلوك الإسرائيلي؟

إن الموقف العربي الوحيد الذي يجعل الدول الأخرى كبيرها وصغيرها تحترم العرب وقادتهم هو تفعيل المقاومة الوطنية، وتجميد العمل بالاتفاقيات التي وقعت مع الكيان الإسرائيلي، وسحب السفراء العرب من تل أبيب، واعتبار السفراء الاسرائيليين غير مرغوب فيهم في العواصم العربية المعنية، ورفع الحصار عن غزة، وتسهيل الاتصال بين الأراضي العربية المحتلة عام 67 ودول الجوار العربي، وإعادة نظام المقاطعة الذي كان معمولا به، وطلب جميع الدول الإسلامية والصديقة أن تقف معنا لمواجهة هذا العدوان على امتنا العربية والإسلامية.

ان من اكبر الجرائم السياسية التي يرتكبها بعض الحكام العرب هي اللقاءات الرسمية والخاصة مع قيادات إسرائيلية أدمنت إرهاب الشعب الفلسطيني كما تفعل القيادة المصرية اليوم في استقبالها احد اكبر زعماء الإرهاب الدولي نتنياهو رئيس وزراء العدو الإسرائيلي. كيف يقف المجتمع الدولي معنا في قضية فلسطين والقضايا الأخرى وهم يرون ماذا يفعل الإسرائيليون بأهلنا في فلسطين وما يفعلونه بنا ونحن نستقبلهم بالاحضان. يحرقون غزة بأخطر الاسلحه الفتاكة ويدمرون لبنان، ويقتلون ويسحلون أسرانا أحياء في سيناء، ويحتفظون بأكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني دون أن يثير ذلك اهتمام حكامنا بينما الجندي الإسرائيلي شاليط يتفازع قادة العالم لإطلاق سراحه من الأسر الفلسطيني وفوق هذا يستقبلون بالترحاب وتفرش لهم السجادة الحمراء كما هو حادث في شرم الشيخ. هؤلاء القادة الإسرائيليون لو نزلوا مطارا من مطارات أوروبا لقبض عليهم بتهمة ارتكابهم جرائم حرب في فلسطين، اما في عواصمنا العربية فيستقبلون بالاحضان.

آخر القول: الأمم لا تحترم في عصرنا الضعفاء، والعرب اقوياء، ولكن قوتهم لم تفعل. فمتى يضع قادتنا هدف التحرير نصب اعينهم؟

==================

كيف تواجه إسرائيل الأخطار الاستراتيجية الثلاث ؟

ماجد عزام

5/4/2010

القدس العربي

"إن استمرار النزاع والواقع الحالي لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، ولا يمكن أن يبقى مستداماً لجميع الأطراف، خصوصاً في ظل ديناميكيات الديموغرافيا والإيديولوجيا والتكنولوجيا، بل يعد بمزيد من العنف ويهدد إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية

إن حل الدولتين هو المسار الوحيد القابل للتطبيق لضمان بقاء إسرائيل دولة ديمقراطية ويهودية".

الكلام السابق جاء في سياق خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أمام مؤتمر إيباك السنوي الذي انعقد اوائل مارس اذار الماضي في واشنطن وضمن مرافعة طويلة قاعدتها الأساس الالتزام المطلق بأمن إسرائيل، والتاكيد على ان الإستراتيجية أو السياسة الأمريكية الراهنة تهدف إلى حفظ المصالح المشتركة الذى يشكل الوضع الراهن خطراً عليها.

إذن، حسب تشخيص كلينتون الواقعي والدقيق أيضاً تتعرض إسرائيل لأخطار لا يمكن مواجهتها سوى بحل الدولتين؛ أي، دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة إلى جانب دولة إسرائيل، قراءة أكثر عمقاً لتلك الأخطار تُظهر أن الخطر الأول -الأيدولوجيا- له بعدان:

الأول: بعد مباشر رمت إليه هيلاري كلينتون، ومعناه أن استمرار الاحتلال سيؤدى -على المدى الطويل- إلى تقويض الديمقراطية فى دولة اسرائيل وتحولها بالتالى إلى دولة فصل عنصري (أبارتهايد).

الثاني: لا ينال حظه من الاهتمام السياسى والاعلامى ويتمثل بالتحالف والتعاون بين الجاليات العربية والإسلامية في العالم -خاصة في أوروبا- وحركات اليسار ومنظمات حقوق الإنسان من أجل حصار وعزل إسرائيل نتيجة لممارساتها ضد الشعب الفلسطيني،, وصولاً إلى التشكيك بشرعية وجودها على خلفية أيديولوجيتها العنصرية وارتكابها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذى اعتبره مركز "رؤية" الإسرائيلي في تقرير نشر منتصف شباط فبراير الماضي بمثابة خطر إستراتيجي لا بد أن تنتبه الحكومة الإسرائيلية له، وتحشد الأدوات والوسائل الملائمة لمواجهته، حتى لو بثمن تغيير الذهنية السابقة التي أعطت الأولوية خلال ستين سنة لوزارة الدفاع وموازناتها ومواردها على حساب وزارة الخارجية ذات النفوذ الأقل والتأثير الأضعف في السياسة الإسرائيلية.

الخطر الآخر، أي الديمغرافي، يبدو أقل تعقيداً، يمكن إيضاحه ببساطة بعد عقود قليلة -ثلاثة أو أربعة على الأكثر- سيصبح العرب أغلبية واليهود أقلية في فلسطين التاريخية، أي في الأرض الواقعة ما بين البحر والنهر، وإذا لم يتم التوصل إلى تسوية حتى ذلك الحين، فستفقد إسرائيل يهوديتها، أو ديموقراطيتها ، وتتحول إما إلى دولة ثنائية القومية ديموقراطية لكل مواطنيها، أو إلى دولة يهودية تمارس الفصل العنصري بطريقة فظة وعنيفة، وليس من داع للتفكير ملياً في نهايتها المحتومة عندئذٍ.

الخطر الثالث والأخير يبدو ذا طابع أمني، ولكنه يتضمن مغزى مهم أيضاً، التكنولوجيا الحديثة حيدت الجغرافيا أو همشتها إلى أبعد الحدود، بمعنى أن العمق الأمني الإسرائيلي أو الجبهة الداخلية لم تعد بمنأى عن الصواريخ الفلسطينية واللبنانية، علماً أن التكنولوجيا نفسها فشلت في بلورة حل عملي ومضاد، ف"منظومة القبة الفولاذية الاسرائيلية" و-أخواتها- المضادة للصواريخ ليست أكثر من أسلحة باهظة الثمن ومحدودة الجدوى والضمان، و وبالتالى ما من حل للمشاكل والتهديدات الأمنية سوى عبر السياسة وعملية التسوية الذى بات حل الدولتين عنوانا لها.

في مواجهة الأخطار الثلاث السابقة، لا يطرح اليمين فى إسرائيل أي حلول جوهرية سوى المضي قدماً في اتباع قاعدة: "ما لم يحل بالقوة يمكن أن يحل بالمزيد منها"، بمعنى آخر، الحفاظ على الوضع الراهن الذي تراه كلينتون مؤذياً ويمثّل خطراً قوياً على المصالح الأمريكية وحتى الإسرائيلية.

يجب الانتباه إلى أن لغة هيلارى كلينتون -وحتى لغة باراك أوباما- تتطابق إلى حد كبير مع تلك التي تستخدمها زعيمة حزب كديما تسيبى لفني المهجوسة بكيفية الحفاظ على يهودية وديمقراطية إسرائيل، والتي كتبت في دستور الحزب أن الانسحاب من أجزاء من أرض إسرائيل هو تطبيق للأيديولوجيا الصهيونية الهادفة الى الحفاظ على الدولة كيهودية وديموقراطية وليس تنازلاً عنها.

لفني كما كلينتون واليسار اليهودي الأمريكي المحيط الآن بالرئيس باراك أوباما، يعتقدون جميعاً أن ليس من سبيل لمشاكل إسرائيل والأخطار والتحديات التي تواجهها سوى حل الدولتين، أي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية يهودية وديمقراطية، مع السعي الحثيث لتقريب شروط الحل من ثوابت أو لاءات الإجماع الصهيوني: لا لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، لا للانسحاب إلى حدود حزيران يونيو 1967، لا لتقسيم القدس العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل.

القادم من الأيام يحمل فى طياته نتاج السجالات والتجاذبات الاسرائلية-الامريكية-كما الاسرائلية-الاسرائلية فهل سينجح اليمين فى الحفاظ على الوضع الراهن الخطر والمؤذى ام سينجح اليسار-بالمعنى الاسرائيلى طبعا- فى فرض وجهة نظرته وانجاح التسوية واقامة الدولة الفلسطينية بصفتها ضرورة ايديولوجية وديموغرافية وامنية للدولة العبرية حسب مقاربة تسيبى لفنى التى باتت هيلارى كلينتون تتبناها ايضا.

مدير مركز شرق المتوسط للاعلام

==================

هل يوجد مستبد عادل؟

ميشيل كيلو

5/4/2010

القدس العربي

في سياق بحثها عن رد على خطر السقوط تحت نير الاستعمار، سعت بعض العقول العربية في زمن غير بعيد إلى تلمس نمط من الحكم يستطيع حماية الوطن، اعتقدت أنها وجدته في ما أسمته 'المستبد العادل'، الذي طالب به وألح عليه قوم عظماء كمفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده، مفكر الإصلاح الديني والمدني الكبير. بعد حكم طويل جدا مارسه حكام غرباء على مصر، تمنى محمد عبده ظهور مصلح من أبنائها يكون عادلا حتى إن كان مستبدا، عسى أن يمثل ظهوره لحظة تحول في تاريخها السياسي.

هذا المطلب الغريب في أيامنا، حمل حتى في حينه تناقضا صارخا، فالعدل في تاريخنا هو أساس الملك، وشرطه أن لا يقترن بالاستبداد، والعادل لا يكون مستبدا، لأن عدله رحمة بالناس وتفاعل عطوف مع مصالحهم وحقوقهم، والرحمة تفترض الرفق واللين، بينما تنفي المصالح والحقوق فكرة الاستبداد، التي تقوم على الإقرار بأن لا حقوق إلا لفرد واحد هو المستبد: الحاكم غير العادل، الذي ينفرد ب'الأمر'، وأسماه اللسان السياسي العربي / الإسلامي'الملك العضوض'، واعتبره نقيض الملك الراشد أو الراشدي، الذي قام على العدل والرحمة والمشاورة والعمل بما أنزل الله، وتاليا على الامتناع عن الاستبداد. ومن الغريب أن عظيما كالكواكبي تحدث بدوره عن المستبد العادل، مع أنه قدم تعريفا للاستبداد ينفي تماما صفة العدل عنه، حين قال بكلمات موجزة وعبقرية: 'الاستبداد هو حكم الهوى'، حكم من لا يتقيد بقانون أو عرف أو تقليد أو قاعدة، ولا يقر بأولية ما انزل الله في تعيين صلاحيات الحاكم، ويجعل هواه قانونه وشرعته، فلا شورى ولا مشاورة، ولا أهل حل وعقد، ولا قواعد، بل حكم تعسف يمليه الهوى، والعياذ بالله، هو حكم وثنية ترفع أهواء المستبد إلى مستوى إرادة فوق بشرية مقررة، تقول للأشياء كوني فتكون.

... وكان قد زاد من حاجة المسلمين إلى العدل كأساس للملك ما عاشوه من تمزق وتناحر وصراعات بدءا من أواسط القرن العاشر الميلادي، لذلك رفعوا المطالبة بتحقيقه في وجه 'السلطان'، صاحب الملك، بقصد الحد من استبداده، بينما توجهوا، بالمقابل وفي الوقت نفسه، إلى الجماعة الإسلامية بمطلب يحتم ركونها إلى الهدوء والدعة وابتعادها عن الفتن، عل هدوءها يحول بدوره بين الحاكم وبين الاستبداد، أو يقيد استبداده ويحد منه، فيحكم الجماعة بالعدل ويمتنع عن ممارسة حكم استبدادي : مفتوح وعنيف وقائم على الهوى والمزاج. هذا المطلب قام على منطق يقول : إذا كنا لا نستطيع تقييد استبداد الحاكم، فإننا بمقدورنا دعوة الجماعة الإسلامية، وهي في رأي كثير من الفقهاء مصدر الشرعية وحامل الحكم، إلى إحاطته بأجواء تحد من قدرته على الاستبداد ورغبته في ممارسته، إلى أن يرى الله رأيه في أمرها ويضع حدا لابتلائها بحكمه وشخصه. صحيح أن هذا المطلب قال بضرورة تحاشي المستبد والقبول بالخضوع له، إلا أن هدفه كان تقييد الاستبداد باعتباره حكما فاسدا أو غير صالح أو ظالم، والحد من فساده وظلمه. يذكر في هذا السياق أن كره الاستبداد (الظلم) بلغ حدا قال معه سيدنا الإمام علي ( ك): 'حاكم عادل كافر خير من حاكم مسلم جائر'.

لن أتوقف عند المطالبة ب'المستبد المستنير'، فهذه لها حديث آخر. وسأعرج على التعارض الجوهري بين العدل والاستبداد، وعلى استحالة أن يكون العادل مستبدا والمستبد عادلا، وملاحظة أن ربط العدل بالاستبداد والعكس في صيغة المستبد العادل كان بالأحرى تعبيرا عن مأزق فكري يشبه، من بعض الوجوه، المأزق الذي يواجهه عقلنا السياسي الراهن، المتأرجح بين العجز عن ابتكار حلول وتقديم رؤى وتصورات فاعلة من شأنها الإطاحة بالاستبداد القائم، وبين العزوف عن القبول بنظمه والركون إلى حكمه، لذلك لم يبق له غير تلمس واقتراح مراحل انتقالية تسهم في إخراجنا منها والإجهاز عليها، وإن بعد زمن قد يكون طويلا. كان أجدادنا يواجهون مأزقا تاريخيا فرضته عليهم أوروبا القادمة لاستعمارهم، أو التي كانت قد استعمرتهم بالفعل، فعملوا على تلمس أشكال من الحكم تقويهم وتحدّث بلدانهم وتسرع تحررهم، مستوحاة من تلك التي عرفتها أوروبا في نهايات عصرها الوسيط، وخاصة زمن الملكيتين المطلقة والدستورية، اللتين أنجزتا انتقالا ناجحا إلى العصر الحديث وحكوماته التمثيلية. لا عجب اذن أن المستبد العادل جسد في إدراكهم خليطا يتفق وأوضاعنا من الملكين: المطلق والدستوري!.

لا يجتمع العدل مع الاستبداد: فالعدل هو حكم الشرع قديما والقانون حديثا، الذي كانت تكفله القيم الدينية وتراقبه هيئات الجماعة الإسلامية، الدينية أساسا، في الماضي، وتتكفل بضبطه هيئات تمثيلية تنتخبها مجتمعاتنا في الحاضر، لتعبر عن إرادتها في مستوى الحكم والسلطة. حين قالت العرب إن'العدل أساس الملك'، كانت تعني بقولها: الذي لا يكون عادلا لا يكون شرعيا، بل يكون ملكا جائرا / ظالما لا يجوز لجماعة المؤمنين السكوت عنه، خاصة وأن الطاعة لا تكون إلا في ما يرضي الله ورسوله والمؤمنون، وأن الظلم لا يرضي الله والرسول وإن أرضى المؤمنين أو سكتوا عليه. يحكم المستبد من خارج الشرع والقانون وعلى الضد منهما، وإلا لما كان مستبدا. وهو لا يقر بأية سلطة فوق سلطانه، وإلا لكان حكم بالشرع أو بالقانون، ولاٌقر أن فوق كل سلطان سلطة قدسية ومتعالية يجب أن يخضع لها الحاكم والمحكوم، كل في مجاله، وإلا ارتكبا معصية العصيان. في هذا الفهم، يعتبر المستبد من العصاة، لأنه ينكر ويرفض وجود أية سلطة فوق سلطته، خاصة إن كانت سلطة الشريعة والقانون، وحتى سلطة الله رب العالمين، مع أنه كثيرا ما يدعى الرضوخ لها والامتثال لإرادتها. ويكفي كي يعد من العصاة أنه يحكّم هواه في ما أمر الله بحكم الشريعة فيه، وما قام تعاقد الأفراد والمجتمعات مع الدولة على كونه السيد الوحيد الذي يجب الخضوع المطلق له: ألا وهو القانون. يحل المستبد هواه محل إرادة الله والجماعة، ويبطل كل ما من شأنه الحد من سلطانه المطلق، بتصعيد استبداده، أي عصيانه، تصعيدا لا يني يتعاظم إلى أن يصير عملا من أعمال الشيطان في الشرع، وخروجا على إرادة عامة هي مرجع أي شأن عام ومعياره في القانون ؛ وفي الحالتين، لا يكون هناك من علاج لعصيانه غير ثورة تطيح بحكمه.

لا وجود لمستبد عادل. يتغذى العدل من القانون في الدولة والإنسان في المجتمع، ويلغي الاستبداد القانون والدولة والإنسان والمجتمع، ويقيم في مقابلهما، وضدهما، منظومة نافية للقانون / معادية للإنسان هو مركز ومحورها وأطرافها، فهي تستمد وجودها منه مثلما يستمد هو وجوده منها. وما لم يخرج عقلنا ووعينا من أكذوبة المستبد العادل والمستنير، والاستبداد الذي يرتبط أو يمكن أن يرتبط بالعدل، والعدل الذي يبقى عدلا إن هو اقترن بالاستبداد، فإن مأساتنا ستمتد وتتفاقم، وسيكون خروجنا الفعلي منها صعبا إلى درجة الاستحالة.

إذا قلت أن المستبد يمكن أن يكون عادلا، فكأنك تقول إن النور يمكن أن يكون مظلما والظلام يمكن أن يكون منيرا!.

==================

النضال لتغيير الوعي

شاؤول اريئيلي

هآرتس الاسرائيلية

الرأي الاردنية

4-5-2010

 ستمتحن جلدية بنيامين نتنياهو في شأن تجديد التفاوض مع الفلسطينيين، في الجملة بمقدار الجهد الذي سيبذله في صوغ الرأي العام في اسرائيل، الذي رسخ فيه وعي أنه «لا شريك» بسبب شعارات رئيس الحكومة ايضا.

 اولا، يجب عليه ان يواجه التصور الاسرائيلي الذي يقول ان مكانة المناطق هي في أحسن الحالات مختلف فيها (في الاكثر ينظر الى المناطق على أنها «مناطق محررة»، أو «مناطق موعودة» في كتاب الانتداب او أقوال البطولة). ان قرارات الامم المتحدة التي تقرر انها «مناطق محتلة» للدولة الفلسطينية – لا يحسب لها حساب.

وعلى ذلك فان كل نسبة ضئيلة من الضفة تخرج عن سيطرة اسرائيل هي بمنزلة تنازل، لا في البعد التاريخي فحسب بل في مقام القائد أيضا.

ثانيا، الواقع الذي تسيطر فيه اسرائيل على الضفة يرى نقطة بدء ل «التنازلات المتبادلة». التنازل الفلسطيني في 1988 عن 78 في المائة «من فلسطين التاريخية» لا يعد ذا موضوع. فقد أبرز منذ ايهود باراك الى نتنياهو الموقف الاسرائيلي الذي يرفض تبادل الاراضي بنسبة 1 :1.

ثالثا، يجب على نتنياهو ان يواجه الانطباع الذي حدث عند الجمهور وهو ان ايهود اولمرت مثل باراك «أعطى كل شيء» وأن الفلسطينيين رفضوا. يتناول تعبير «كل شيء» في الوعي الاسرائيلي قضية المناطق ويتجاهل القدس واللاجئين والأمن. مط الفلسطينيون تفسير قرارات الامم المتحدة لمصحلة المطالب الاسرائيلية. برغم ان الجماعة الدولية ترفض شرعية المستوطنات، اقترح الفلسطينيون تبادل أراض يمكن من ابقاء 75 في المائة من المستوطنين تحت سيادتها؛ وبرغم ان الجماعة الدولية قررت ان مكانة شرقي القدس كسائر الضفة، وافق الفلسطينيون على ابقاء الاحياء اليهودية تحت سيادة اسرائيل؛ وبرغم مركزية قضية اللاجئين، وافق الفلسطينيون على حلها العملي باستيعابهم في فلسطين وبالتعويض؛ وبرغم ان لكل دولة حقوقا راسخة تتعلق بالمجالين الجوي والبحري، وباقامة جيش وغير ذلك، استجاب الفلسطينيون للمطالب التي تقتطع من سيادتهم.

رابعا، ينبغي مجابهة تقديم الجمهور الاسرائيلي لصوغ الواقع بالقوة على البحث عن الشرعية الدولية – «ليس مهما ما يقوله الأغيار، المهم ما يفعله اليهود». ان مصدر هذا التصور هو نجاح اسرائيل في أن تحظى باعتراف العالم بالمناطق التي احتلت في حرب الاستقلال، والذي حدث على فرش واقع وخصائص تختلف في جوهرها عن تلك الموجودة اليوم. إن مضاعفة مشروع الاستيطان ثلاثة مرات في اثناء اتفاقات اوسلو بين عن وهم أن نستطيع ضمها لاننا بنيناها فقط.

يجب على نتنياهو والجمهور في اسرائيل أن يذوتوا حقيقة أننا لا نعطي الفلسطينيين في الاتفاق دولة، بل نحصل من جديد على الدولة اليهودية من مجال عربي مستعد لأول مرة لقبولها لا حبا بل لعدم الخيار. أتمت اسرائيل في التفاوض كثيرا من «الآلاعيب المسبقة»، أكثرها على نفسها. اقترب باراك واولمرت أكثر من شارون ونتنياهو. لكن لم يكن لأحد من رؤساء الحكومة الشجاعة للمضي الى نقطة يمكن فيها انتاج الاتفاق. فالى ان نقوم هناك راغبين، سيفضل الفلسطينيون البقاء في الحضن الآمن للقرارات الدولية، مؤملين ان تتحقق مخالفة لمصالح اسرائيل.

==================

هل تتعظ الدول من الحالة الاقتصادية اليونانية؟

بسام الكساسبة

kasasbehb@Gmail.com

الرأي الاردنية

4-5-2010

الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها اليونان هي بمثابة دروس وعبر للدول الأخرى، والتي تستوجب التوقف عندها والاستفادة منها، فكما يقال على صعيد الأفراد: الحكيم يتعظ بغيره أما نقيض ذلك فيتعظ بنفسه، وذات المثل ينطبق على الدول.

فمع أن انضمام اليونان للاتحاد الأوروبي، الذي فتح لها آفاقا واسعة لتحقيق نمو اقتصادي راسخ ومستدام، من أدواته الفعالة هي: الحرية التامة لتصدير المنتجات الصناعية والزراعية اليونانية إلى أسواق دول الاتحاد وحرية انتقال رؤوس الأموال والأيدي العاملة ورجال الأعمال ضمن مجموعة دول الاتحاد الأوروبي الذي يشكل اكبر تكتل اقتصادي عالمي، فهذه الامتيازات هي عبارة عن فرص ثمينة، ولا شك أن انتهاز مثل هذه الفرص على نحو امثل من قبل أي دولة تنتمي لدول الاتحاد إنما يكفي لتحويلها إلى دولة ذات مكانة اقتصادية مرموقة على الصعيد العالمي إن لم تكن تتمتع بهذه المكانة مسبقا.

لكن على ارض الواقع فإن السياسات الاقتصادية اليونانية الرسمية لم تدفع باتجاه الاستفادة من هذه الفرصة، حيث لم تتطور لديها صناعة بمستوى باقي دول الاتحاد كألمانيا وفرنسا وايطاليا وبريطانيا، كما لم تتطور قدراتها في استقطاب استثمارات صناعية من باقي دول الاتحاد، مما جعل صادراتها تراوح ضمن مستويات متدنية وكأنها دولة من دول العالم الثالث التي لا تتقن من إدارة شؤونها الاقتصادية سوى الجوانب المظهرية والحركات الاستعراضية، ولو قدر لتركيا (الدولة الجارة) الانضمام للاتحاد الأوروبي بدلا من اليونان لحققت ما يشبه المعجزة الاقتصادية، خصوصا وأنها بدون هذا الانضمام تحقق نموا مضطردا وراسخا.

فمن المعروف التأثير الايجابي لتنامي الصادرات الوطنية على اقتصاد أية دولة سواء كانت نامية أو متقدمة، فألمانيا العضو الأكثر فاعلية ونشاطا في الاتحاد الأوروبي لديها صادرات ضخمة ومتصاعدة سنويا بلغت 1120 مليار دولار أمريكي في عام 2008، ولديها فائض سنوي ومستدام في ميزانها التجاري زاد عن 203 مليارات دولار، وهذا الفائض التجاري مقرونا بقوة صادراتها كون لديها ثروات مالية هائلة جدا، على النقيض من اليونان التي لم تتجاوز صادراتها في نفس العام 21 مليار دولار ولديها عجز سنوي ومستدام في ميزانها التجاري بلغت قيمته في عام 2008 ما يعادل 42 مليار دولار، علما بأن هذا العجز يتكرر سنويا مع اختلاف طفيف في قيمته، إضافة لمديونية يونانية عامة بقيمة 400 مليار دولار، وعجز موازنة يعادل 13% من ناتجها المحلي الإجمالي متجاوزا الحد المسموح به والبالغ 3%، هذه السمات الاقتصادية أدخلت اليونان كدولة في دوامة أزمات خطيرة.

ومن الأسباب الرئيسية لازمة اليونان هو اعتمادها على الدين العام في تغطية تكاليف ما تقدمه من خدمات عامة لمواطنيها، وفي توفير رواتب موظفي قطاعها العام المتضخم، مما يجعل من أي توجه لضغط الإنفاق وتخفيضه مدعاة لاحتجاجات شعبية ولاضطرابات اجتماعية شديدة، أما سبب ذلك فلأن اليونان لم تطور الجوانب الإنتاجية في اقتصادها بل طورت الجوانب الخدمية منه، وهو ما يحدث في كثير من دول العالم ممن تواجه مشاكل اقتصادية خطيرة.

==================

حقائق ولاءات واستخلاصات في المشهد الفلسطيني

نواف الزرو

nawafzaru@yahoo.com

الدستور

4-5-2010

بعد ان اعلن نتنياهو عن استئناف المفاوضات غير المباشرة قريبا - خلال اسبوعين - ، وبعد ان اعلنت الادارة الامريكية رسائل متفائلة حول ذلك بعد زيارة ميتشل ، وفي ظل المشهد الفلسطيني الراهن ، تتواصل الاسئلة الملحة القلقة على الاجندة السياسية والاستراتيجية الفلسطينية اليوم ونحن على اعتاب منتصف العام 2010 اكثر من اي وقت مضى ، خاصة بعد التطورات السياسية الدرامية المتعلقة بقصة استئناف او عدم استئناف المفاوضات على خلفية المطالب الامريكية ب"تجميد الاستيطان في القدس والضفة" ، وبعد ان اعلن الرئيس الفلسطيني عن خيبة امله من الادارة الامريكية التي لم تلب ما وعدته به من تجميد للاستيطان اليهودي على اقل تقدير ، وبعد ان اصبحت "اسرائيل - نتنياهو" سافرة بلا قناع ، مجمعة على مواصلة انشطة الاستيطان والتهويد ، دون ان تقدم ولو جزرة صغيرة تشجع على استئناف عملية المفاوضات كما تطالب الادارتين الامريكية والاسرائيلية..،.

فالحقائق الكبيرة الساطعة في المشهد الفلسطيني (والتي كنا كتبنا عنها في مقالات سابقة مرارا ويلح علينا المشهد بان نستحضرها ونذكر بها مرة ثانية وثالثة..) التي من المتوقع ان تتواصل بقوة متصاعدة ، هي تلك المتعلقة اولا وقبل كل شيء بمشاريع واجراءات الاحتلال التهويدية للارض والوطن والتاريخ ، والمتعلقة ايضا بمواصلة العمل من اجل شطب القضية والحقوق الفلسطينية ، ناهيكم عن اغلاق الافق السياسي امام اي تسوية سياسية مهما كان حجمها وسقفها؟.

فالحقيقة الكبيرة الاولى الماثلة امام الجميع ان فلسطين تواجه منذ بداية عهد حكومة نتنياهو اجتياحا صهيونيا بلدوزريا تجريفيا هو الاخطر منذ النكبة يستهدف النيل من الحقوق والتطلعات والاهداف الوطنية الفلسطينية الى ابد الآبدين..،.

والحقيقة الساطعة الثانية انه ليس واردا في استراتيجيات الدولة الصهيونية لا تكتيكيا ولا استراتيجيا اي اعتبار او احترام اوالتزام باي تفاهم او اتفاق مع السلطة الفلسطينية..،. والحقيقة الكبيرة الثالثة ان تلك المخططات والخرائط الاحتلالية لا تشتمل عمليا - كما يريد الاحتلال - الا على هياكل سلطة تقوم بدور الوكيل الامني للاحتلال والشاويش داخل المعتقلات - الغيتوات - الفلسطينية الامر الذي فشل الاحتلال في تحقيقه حتى اللحظة.،.

والحقيقة الكبيرة الرابعة ان الدولة الفلسطينية الموعودة.. دولة خريطة الطريق ما تزال على الورق وفي الخريطة فقط ، ولكنها مع وقف التنفيذ ، وان اعلنت في اي وقت من الاوقات في المستقبل فانها لن تكون سوى دولة خريطة الطريق ، وستكون بمضامين ومواصفات الخريطة.. اي دولة فلسطينية مستقلة بسيادة اسرائيلية او امريكية - سيان - كاملة..؟،.

والحقيقة الكبيرة الخامسة ان هناك في هذه المرحلة تفاهما وتعاونا وتحالفا ما بين الادارتين الامريكية والاسرائيلية ، والاجندة السياسية الامنية الامريكية في فلسطين وعلى امتداد مساحة العرب هي الاجندة الاسرائيلية ذاتها..،.

والحقيقة السادسة الاكبر والانصع ان مشروع الاحتلال يجري تطبيقه على الارض الفلسطينية على مدار الساعة دون الالتفات الى الفلسطينيين والعرب ، او الى المجتمع الدولي.. وان الاحتلال يسابق الزمن في بناء وتكريس حقائق الامر الواقع الاستيطاني التهويدي في القدس وانحاء الضفة من جهة ، في الوقت الذي يواصل فيه اقصاء الفلسطينيين رئاسة وحكومة وشريكا وشعبا له قضية وووجود وحقوق راسخة. في العملية السياسية انغلاق الآفاق بات واضحا ، وليس هناك من افق حقيقي لاي مفاوضات حقيقية ليس فقط في المستقبل المنظور حتى لو استئنفت المفاوضات غير المباشرة قريبا التي يبشر بها نتنياهو ، وانما على الارجح على مدى سنوات حكم نتنياهو التي من المتوقع وفق المعطيات الاسرائيلية الراهنة ان تستمر على مدى الولاية الاولى لاربع سنوات ، وربما تمتد الى ولاية اخرى لنصبح بانتظار ثماني سنوات ليكودية على الارجح انها ستكون بكاملها سنوات استيطان وتهويد وحروب.

وفي العملية السياسية التي خاب امل الرئيس الفلسطيني منها مرارا بعد ان كان تمسك بها على مدى عقود من الزمن ، فان المطلوب من الفلسطينيين اسرائيليا وامريكيا هو مواصلة المفاوضات من اجل المفاوضات فقط ، بينما تكسب دولة الاحتلال الوقت وحقائق الامر الواقع على الارض ، وفي هذا المضمون الهام كتب المحلل السياسي المعروف اليكس فيشمان في يديعوت احرونوت يتحدث عن القانون الحديدي الذي يتحكم بالمفاوضات قائلا: "الامريكيون ايضا يبدأون في فهم القانون الحديدي الذي تجذر منذ اوسلو: السياسيون في الشرق الاوسط ملزمون بإجراء مفاوضات ولكن من المحظور عليهم الوصول الى الهدف ، التفاوض يعني البقاء والحكم اما اتخاذ القرارات فيعني الموت السياسي ، فالوصفه الموثوقة لضمان حياة طويلة للسياسيين هي مفاوضات عقيمة". ما عززه الكاتب والمحلل الاسرائيلي المعروف عكيفا الدار في هآرتس حيث قال: "الوعود والتصريحات الاسرائيلية شيء وما يجري على ارض الواقع شيء آخر مختلف تماما".

فهل هناك اوضح وابلغ دلالة من ذلك..؟،.

الى ذلك ، فان حكومة نتنياهو تحظى اليوم بشبه اجماع جارف على مخططاتها تجاه القدس والضفة واحتمالات التسوية ، واللاءات الاسرائيلية اليوم ايضا هي اجلى من اي وقت مضى ، فال"لا" الكبيرة اولا اتجاه القدس حيث لا يعتبرون فقط ان القدس لهم مدينة الآباء والاجداد موحدة تحت السيادة الاسرائيلية الى الابد ، بل يعملون على اختطافها وتطويبها لهم باختلاقها وتحويلها الى مدينة يهودية عبر اقامة ما يطلقون عليه حقائق الامر الواقع التي لا يمكن اجتثاثها في اي اطار كان ، فالاستيطان في القدس هو الاخطر....، وهناك ال"لا" الكبيرة كذلك اتجاه "حق العودة" لملايين اللاجئين وهنا يتكامل الاجماع السياسي الايديولوجي الاسرائيلي على شطب حق العودة بالكامل وعدم السماح بعودة حتى لاجىء واحد من اصحاب الوطن ، وال"لا" الكبيرة في مسالة الانسحاب من الضفة وتجاه اقامة الدولة الفلسطينية ، حيث هناك ايضا شبه الاجماع الاسرائيلي على رفض اقامة دولة فلسطينية ، وتابعنا مؤخرا كيف قامت "اسرائيل" والادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي ولم تقعد حينما اعلنت السلطة عن نيتها فقط التوجه لمجلس الامن للحصول على اعلان باقامة الدولة.

 

الى كل ذلك هناك ال"لا" الاسرائيلية الكبيرة اتجاه الحوار الوطني والوحدة الوطنية الفلسطينية ، فهم ومعهم الادارة الامريكية يرفعون "الفيتو" ضد الوحدة الفلسطينية. يضاف الى كل ذلك السياسات الاسرائيلية على الارض التي لا حصر لها عمليا والمتعلقة بالاستيطان والجدران والحصار والاغلاقات والاغتيالات والاعتقالات ، وتدمير مقومات الاقتصاد والصمود الفلسطيني ، وتقطيع اوصال الوحدة الجغرافية والسكانية في الضفة الغربية ، ولعل خريطة الاستيطان الصهيوني في انحاء الضفة هي التي تحتل العنوان الكبير هنا ، فالاستيطان يلتهم الارض ويدمر مقومات البقاء والاستقلال الفلسطيني معا ، لنغدو بمنتهى الوضوح امام لاءات اسرائيلية كبيرة ضد كافة العناوين الفلسطينية والحقوق الفلسطينية ، ولنغدو امام دولة"اسرائيل" وامام وجهها السافر بلا اي قناع..،. اما فلسطينيا ، فلعنة الانقسام والتفكك الفلسطيني هي الاشد خطورة ، وهي التي تهدد المشروع الوطني الفلسطيني بكامله ، فضلا عهن انه يشكل في هذه المرحلة "مصلحة اسرائيلية عليا" تعمل "اسرائيل" على استمراره بل تستخدم الفيتو من اجل احباط اي محاولة فلسطينية لانهاء الانقسام.

الباحث الاسرائيلي المعروف ميرون بنفنستي كثف في هآرتس تداعيات الحالة الفلسطينية قائلا: "ان إسرائيل نجحت في تحطيم المجتمع الفلسطيني الى أجزاء والفلسطينيون يساعدون في تكريس هذه الظاهرة ، وعليه فهم ليسوا بحاجة الى نلسون مانديلا وانما الى جوسبا غريبالدي يظهر من بين صفوفهم ويوحدهم".

فهل هناك اصعب واقسى من هكذا انحدار فلسطيني..،.

نعتقد بقناعة راسخة موثقة ان المشهد الفلسطيني سيكون اقسى واشد وطأة على مختلف المستويات اذا لم يتدارك الفلسطينيون على اختلاف فصائلهم وقياداتهم الاوضاع الكارثية ، واذا لم يلملموا جراحهم ويعيدوا صياغة اولوياتهم الوطنية..، ف"الوحدة الوطنية الفلسطينية" و"القيادة الجماعية من اقصى الاسلام مرورا بفتح الوسط وصولا الى اقصى اليسار" هي المخرج وهي البديل الملح والعاجل لهذه المشهد الفلسطيني النكبوي...،. فانياب نتنياهو بارزة تماما ، و"اسرائيل" اصبحت على حقيقتها سافرة بلا قناع..،.

يمتلك الفلسطينيون خيارات واوراق اخرى اقوى واكثر فاعلية من القبول باستئناف المفاوضات غير المباشرة وهي محكوم عليها مسبقا بالفشل الذريع ، والخسارة في هكذا مفاوضات هي بالتاكيد فلسطينية على الدوام..،.

==================

مياه العرب في خطر

بقلم :محمد الدليمي

الدستور

4-5-2010

يشير نوع الجدل المتصاعد في الفترة الأخيرة بين دول المنبع والمصب لنهر النيل الخالد، إلى حقيقة صارخة هي أن مستوى الخطر صار مرتفعا، ويهدد دولتين عربيتين، هما مصر والسودان، بكارثة مائية ستحرق الاخضر قبل اليابس، بسبب أن القضية مثلما وصفها وزير الري المصري، هي قضية حياة أو موت.

بمعنى أن الموضوع ينذر بحصول تطورات سياسية وجغرافية، ترتبط بسعي سبع من دول المنبع الإفريقية، إلى توقيع اتفاقية جديدة تلحق ضررا مقصودا بالواقع المائي المستقر في هذا الحوض منذ عشرات السنين، حيث استقرت الحال على معاهدة دولية سابقة نظمت بموجبها مناسيب المياه لكل دولة.

إلا أن الغريب هو إصرار تلك الدول الإفريقية غير العربية على ابرام اتفاقية جديدة، بمعزل عن الطرفين العربيين الكبيرين مصر والسودان، وهما شريكان لا غنى عنهما لاية معاهدة دولية إقليمية تتعلق بدول متشاطئة أو يجمع بينها شريان مائي واحد.

إن هذه المشكلة الخطيرة والمتفاقمة، تمثل ناقوس الخطر الذي علا جرسه، سيما إذا ما لاحظنا أن خطر تناقص المياه العربية من دول المنابع المجاورة، صار يمثل واقعا معاشا.

فعلى الجانب الشرقي للوطن العربي في العراق، نلاحظ تدهورا كبيرا في مناسيب المياه لنهري دجلة والفرات النابعين من تركيا، إلى الحد الذي يعاني فيه سكان جنوب العراق من أزمة حادة، دفعت آلاف العائلات الفلاحية إلى هجرة أراضيها الزراعية والتوجه إلى حافات المدن، بحثا عن عمل أو نشاط يقيهم شبح العوز والفاقة.

ويقول وزير الري والموارد المائية العراقي الدكتور لطيف رشيد، ان الكمية المتفق عليها مع الجارة تركيا هي إطلاق كميات من المياه بواقع 500 متر مكعب في الثانية، الا أن الذي يصل لا يتجاوز نصف هذه الكمية.

ومثل هذه الحالة تتكرر أيضا في مصب نهر دجلة، خاصة إذا ما أضفنا إلى ذلك أن قيام ايران بتغيير اتجاهات بعض الانهار التي تصب في شط العرب، كنهري الكارون والكرخا، واقامة بعض السدود والنواظم عليها، بمعزل عن التنسيق والتشاور مع الجار العراقي، قد اسهم بلا شك في خلق كارثة مائية لسكان مدينة البصرة التي تتغذى من مياه شط العرب، اذ ازدادت نسبة الملوحة في المياه وارتداد مياه الخليج إلى الشط، بحيث تيبس نخيل وأشجار البصرة مع تفاقم نقص مياه الشرب للسكان المحليين في هذه المنطقة..

إذن، نحن أمام مشهد متشابه من حيث عناصره الأساسية، يتمثل في قيام أو سعي دول الجوار غير العربية، إلى انشاء سدود لخزن المياه أو مشاريع لتوليد الطاقة الكهربائية، من غير التشاور والتنسيق مع البلدان العربية المشاطئة على هذه الانهار الخالدة في وجدان سكان هذه البلدان، بحيث اشتهرت بتسمياتها المرتبطة في الشعر والاساطير المختزنة في ذاكرة هذه الشعوب، بهذه الشرايين المغذية لعنصر استمرارية الحياة. فقد عرف العراق ببلاد ما بين النهرين، ومثله مصر الكنانة سميت هبة النيل..

ولا يمكن تصور أن مصر كبلد وحضارة ستبقى مع جفاف النيل، لا سمح الله، أو أن يتحول نهرا دجلة والفرات إلى مجرد أودية، كانت في الماضي أنهارا تجري في شرايينها المياه..

وبعيدا عن إدراك أهمية هذه المخاطر التي يعلمها الباحثون والمهتمون، وقبلهم المختصون في هذه الدول، يبقى أن السياسات التي اتبعتها إسرائيل منذ سنوات طويلة في القارة الإفريقية، وعبر خطط وبرامج ذكية تتراوح بين تقديم المساعدات الاقتصادية والخبرات الزراعية وتثبيت مراكز للنفوذ، في ظل غياب أو تلكؤ سياسة عربية واضحة واستراتيجية منسقة للعلاقات مع إفريقيا، قد أسهم في إلحاق ضرر كبير بموضوعة الأمن القومي العربي، والذي يأتي عنصر المياه في أعلى مراتب الحاجة إليه، باعتباره كما وصفه وزير المياه المصري «قضية حياة أو موت»..

علينا كعرب أن نعمل، ضمن منظومة قومية واحدة هي «جامعة الدول العربية»، على التحرك بشكل منظم ومنسق لاعادة رسم سياسات وصياغة استراتيجية تستهدف تطوير وتنمية وربط علاقاتنا مع دول الجوار غير العربي، كإثيوبيا ودول البحيرات العظمى وتركيا وإيران، بسلسلة من المصالح الفعالة، وعدم ترك كل دولة عربية لها ارتباط بهذه الانهار تعمل لوحدها، وكأن الذي يجري هو في كوكب آخر..

لدينا مناخ عربي إيجابي جيد جدا مع تركيا في عهدها الحالي، ودول عربية أخرى لها علاقات متينة مع إيران، كما أن القيادة الليبية وفي دول أخرى تحظى بنفوذ كبير في الساحة الإفريقية، وهو ما يساعد بلداننا على التحرك الايجابي الفعال، وإلا فالمستقبل القريب وليس البعيد، سوف يحرك نزاعات وكوارث نحن في غنى عنها، اذا ما استطعنا أن نوظف مميزات عربية عديدة في الدفاع عن مصالحنا القومية.

تركيا جار لنا وإيران كذلك، كما أن إفريقيا في عهد الرئيس الراحل عبد الناصر كانت بوصلتها أبدا نحو القاهرة، فما الذي تغير؟!

كاتب عراقي

==================

فيلمان إيراني وإسرائيلي

طهران حيث... لا يصل النظام

يافا حيث... لا تتعايش القوميتان

جهاد الزين

(باريس )

النهار

4-5-2010

شاهدت ستة افلام خلال وجودي في باريس عائداً من مؤتمر "الصحافة والحرب". ساهم "الاحتجاز" الذي تعرضت له لبضعة ايام بعد اغلاق المطارات الاوروبية بسبب غيمة الرماد البركانية الآيسلندية في تمديد اقامتي وحضور فيلمين اضافيين على الاربعة التي شاهدتها في الاسبوع "الحر" السابق. كانت "عيني" بداية متركزة على فيلم "المنطقة الخضراء" للمخرج الاميركي بول غرينغراس، كونه فيلماً جديداً حول العراق، والاهم انه بدا لي امتداداً لمواضيع البحث في ندوة كنتاكي. فالفيلم يعالج "البرمجة" السياسية التي قامت بها ادارة الرئيس جورج دبليو بوش لتبرير غزو العراق من زاوية إقحام صحيفة اميركية كبرى في تأكيد وجود أسلحة دمار شامل لدى نظام صدام حسين، وهو ما يتبين – في الفيلم – انه خدعة كاملة قام بها "البنتاغون" وتسببت بتصفية شهودها العراقيين بعد الغزو وبأمر من "الحاكم بريمر" عندما اكتشفها (اي الخدعة) مكتب ال "السي. آي. إي" في بغداد. وبين الافلام الستة شاهدت ايضاً فيلم "ليبانون" الاسرائيلي لمخرجه صموئيل ماعوز، لكن على الفيديو، وهو فيلم ذو رؤية فنية مميزة اذ يقوم على تصوير اجتياح لبنان من داخل دبابة اسرائيلية. ورغم ان الفيلم من اقسى الافلام الاسرائيلية نقداً وكشفاً للعنف العسكري الاسرائيلي عندما يصبح اعمى ضد المدنيين، الا انه تنقصه القدرة على الامتاع الفني، فوتيرته بطيئة ومملة جداً. اتيحت لي ايضا مشاهدة "لابريما لينايا" الفيلم الايطالي - البلجيكي الذي يستعيد قصة منظمة يسارية متطرفة من تلك التي شهدتها ايطاليا في السبعينات والتي عرفت مثلها بلدان اخرى. اما الفيلم المميز الرابع فهو "لوكونسير" (الحفلة الموسيقية) التي تدمج بين استعادة احدى قصص قمع فنانين يهود في العهد السوفياتي وبين ما آل اليه تحقيقهم لطموحاتهم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. قصة مسلية من المخيلة مسرحها بين موسكو وباريس، للمخرج رادو ميهيلينو.

... هذه سريعاً اربعة من الافلام الستة. لكن ما سأتوقف عنده هو الفيلمان: الاسرائيلي "عجمي" والايراني "طهران، لأنهما بالنسبة لي كانا الاكثر كشفاً غير مألوف لبيئات وشخصيات لا يجري تداولها عادة وبمستوى فني جدير بالاهتمام. (انظر الملصقين المرفقين).

• • •

تفاجئنا السينما الإيرانية مرة اخرى مع فيلم "طهران" للمخرج نادر همايون. فمن اين يأتي هؤلاء المخرجون الايرانيون المعاصرون، وآخر "تأكيد" لهم هو نادر همايون، بهذين العمق والقوة في الصورة السينمائية، عبر بساطة ووضوح مدهشين قياساً بالامكانات المالية التي نعرف سلفاً انها متواضعة، بل حتى الامكانات التقنية؟

قلت سابقاً ان "سر" ايران الجديد يكمن في سينماها. مثلما يكمن سرها القديم في سجادها. فقياساً على معايير الاداء الاقتصادي والثقافي لايران كدولة متخلفة، هذه السينما المدهشة لمخرجين عديدين، تأتي من "غير سياق" (لا اتحدث عن مستوى الاداء الامني – التنظيمي للنظام الايديولوجي، فهذا نجاحاته مختلفة).

يقوم فيلم "طهران" على حبكة بوليسية هي تجارة الاطفال في المدينة، لكنه يتحوّل بأشكال متعددة الى سبر قوي وعميق لقاع طهران غير المنظور... الذي لا يسيطر عليه النظام نفسه، رغم ان هذا القاع يعيش تحت سطح النظام. صحيح ان المخرج يربط هذا العالم اللامشروع من الشحاذين واللصوص والمومسات والموظفين الفاسدين بما يسميه في مقابلة صحافية معه بأنه "سنوات حكم الرئيس احمدي نجاد"، مؤكداً انه ما كان ليصوّر فيلماً كهذا في عهد الرئيس (السابق) محمد خاتمي، لكن ورغم اعجابي بالقوة الفنية والانسانية للفيلم فإنني اعتقد ان المخرج نادر همايون يبالغ كثيراً في رأيه هذا. انه فيلم تراكُم سنوات طويلة من الاحتقان الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع الايراني المديني، وقلبه الضخم مدينة طهران، "الميغاسيتي" التي يتجاوز عدد سكانها ال12 مليوناً. بهذا المعنى انه احتقان وتحوّل مجتمع على مدى عقود لا ولاية رئاسية واحدة، فالمخرج الذي يكشف قساوة طهران الاخرى وسيادة علاقات القوة اللاشرعية بين شعابها هو نفسه يقدم شهادة حب لمدينته كما يقول. صحيح ايضاً ان المخرج يتجنب "السياسة" المباشرة، بل حتى انه من حيث خلاصة القصة، "يحيّد" اجهزة البوليس، انما يقدم احياناً مشاهد لا فقط لعجز النظام عن السيطرة على طهران الفقراء والاقتصاد المافياوي، بل ايضاً عن حياة لادينية في نظام ديني بين افراد الطبقة الموسرة، من خلال المشهد الجذاب لحفلة الرقص الغربية بين الشباب والشابات، وكيف تقوم "العصابة" بانتحال لباس افراد "الباسيج" لابتزاز المال من اصحاب الحفلة مقابل... ايهامهم بعدم اعتقالهم لمخالفتهم القانون الديني. ولا اريد هنا ان اربط الجاذبية فقط بالرقص، فأحد عناصر اهمية الفيلم، والكثير من الافلام الايرانية، هذا الحضور الجذاب والجميل للمرأة الشابة المحتمشة اللباس اياً يكن دورها.

واذا كان فيلم "طهران" يعالج مشاكل اجتماعية في اطار طبقي، بما فيه بُعدا الريف – المدينة، وضمن نظام سياسي ديني، فإن فيلم "عجمي" لمخرجيه العربي الاسرائيلي اسكندر قبطي والاسرائيلي يارون شاني يعالج مشاكل اجتماعية في اطار عنصري. هناك الفقير – الموسر، وهناك تناقض العربي – اليهودي الذي يضمن التضامن العنصري داخل كل جماعة، وهناك "التناقض" الديني العربي – العربي حين يتعلق الامر بالزواج بين مسيحية ومسلم، وهناك ايضاً التناقض البدوي – المديني في صراعات الثأر... لكن كل هذه الأبعاد لا تشتت مركز الفيلم: انه رواية "حي قديم" في مدينة يافا هو حي "عجمي"، حيث يقيم عرب ويهود في عالمين مختلفين لا اتصال حياتياً بينهما سوى ضرورات العمل... والحد الادنى من الجوار بل اللاجوار. فيلم الخلفية العنصرية الجاهزة فوراً للانقضاض على الآخر العربي او الآخر اليهودي. والمخرجان لا يحاولان مطلقاً ليس فقط اخفاء "الطلاق" العميق بين المجموعتين بل ايضاً الكراهية... هكذا يتشكل الموزاييك على ثنائية عنصرية اساسية تدور عبرها بشكل فرعي كل التناقضات الاخرى بما فيها المافياوية.

حسب مخرجي الفيلم، الممثلون ليسوا محترفين... واستغرق إعدادهم على اساس "تصفيات" شملت 300 شخص، مدة عشرة اشهر.

لا شك ان "عجمي" يقدم اضاءة مفيدة جداً، فنية وسياسية وثقافية على اوضاع بيئة اصيلة من عرب 48... في نمط حياتهم وتحولاتهم لم تنتبه اليها بهذه الصورة السينما العربية، الا جزئياً السينما الفلسطينية في الضفة الغربية... في حدود ما أعلم.

==================

هدف أوباما تحييد سوريا بشار !

سركيس نعوم

النهار

4-5-2010

تعرف الادارة الاميركية ان اسرائيل تشعر بالقلق الشديد من استمرار الجمهورية الاسلامية الايرانية في العمل لامتلاك تكنولوجيا نووية وقدرة واسعة على استخدامها سواء لصنع اسلحة نووية تدافع بها عن نفسها ضد التهديدات المتنوعة التي تواجهها او لتأمين مصدر طاقة بديل رغم انها لا تفتقر اساساً الى المصادر التقليدية للطاقة وفي مقدمها النفط.

وتعرف ايضاً ان اسرائيل تؤمن بأن ازالة القلق المذكور الناجم عن التهديد الذي تعتقد ان ايران تشكّله لها كياناً ودولة وشعباً بل وجوداً، تتحقق فقط بتوجيه ضربة عسكرية الى المنشآت النووية في هذه الدولة بل الى بناها التحتية كلها من عسكرية تقليدية وغير تقليدية واقتصادية و"اتصالاتية" وغيرها. وتعرف ثالثاً ان اسرائيل تفضّل ان تنفذ اميركا الضربة العسكرية لايران او ان تنفّذ الاثنتان معاً ضربة كهذه او ان تنفّذها اسرائيل، بعدما استعدت لها، ولكن بموافقة من واشنطن ومع ضمان انخراطها في مواجهة آثارها والانعكاسات بعد القيام بها وخصوصاً اذا كانت عسكرية. لكن الادارة الاميركية تعرف، في مقابل ذلك، ان ضربة عسكرية لايران قد تفجّر المنطقة كلها فتتحول كارثة ليس لأبنائها فحسب بل للعالم كله ايضاً. وهذا ما تحاول ان تتلافاه وستستمر في محاولتها هذه الى ان تنجح في انهاء الخطر النووي لايران الاسلامية على المنطقة والعالم سواء عبر عقوبات مجلس الامن او عبر الحوار الذي دعا اليه الرئيس باراك اوباما منذ تسلمه سلطاته الدستورية والذي لا يزال المسؤولون في طهران يتهربون منه، وإن من دون رفض رسمي ومباشر له في المطلق على الاقل.

وتعرف الادارة الاميركية ان القيادة في ايران الاسلامية تستعمل كل براعتها للاستمرار في مشروعها النووي وفي سعيها الى امتلاك دور واسع في الشرق الاوسط ولإقناع اميركا والمجتمع الدولي به، وتستعمل ايضاً المواجهة السياسية المباشرة والمواجهة الأمنية واحياناً العسكرية غير المباشرة اي عبر حلفائها وفي مقدمهم "حزب الله" اللبناني و"حماس" الفلسطينية. لكنها تعرف في الوقت عينه ان القيادة هذه لا تريد مواجهة شاملة مع اميركا رغم ان اللعب على حافة الهاوية ليس مضمون النجاح في كل الاوقات.

وتعرف الادارة الاميركية ان سوريا لا تريد بدورها حرباً اقليمية قد تعرّض نظامها وبنيتها المتنوعة للانهيار رغم ان موقفها هذا لم يدفعها، على الاقل حتى الآن، الى اظهار ميل جدي للتفاهم مع اميركا بواسطة الحوار الذي عرضه عليها رئيسها اوباما، ربما لأن حلفها مع ايران يعطّل ذلك، وربما لأن اميركا غير جدية اولاً في الضغط على اسرائيل لإعادة الجولان المحتل اليها، وثانياً في الضغط عليها للتوصل الى تسوية "عادلة" في الحد الادنى لقضية فلسطين، وثالثاً في التفاهم معها على دور اقليمي معقول.

طبعاً هذه المعرفة المتشعّبة لمواقف اسرائيل وايران وسوريا المفصّلة اعلاه للإدارة الاميركية لا تعني ابداً ان المنطقة قد تبقى بمنأى عن الحرب. ذلك ان حرب الواسطة بين محور سوريا – ايران ومحور اميركا – الغرب – اسرائيل – عرب اميركا وهم الغالبية، قد تتسبب عن غير قصد بحرب واسعة. وهذا الاحتمال كان، في رأي مصادر ديبلوماسية غربية مطّلعة، احد اسباب إثارة الادارة الاميركية مسألة الصواريخ المرسلة عبر سوريا الى "حزب الله" في لبنان رغم غياب الاثبات الرسمي لذلك على الاقل حتى الآن. ذلك ان الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية هي الوحيدة المرشحة للاشتعال في ظل إصرار اصحاب الجبهات الاخرى على تلافي ذلك. واذا اشتعلت بسبب الصواريخ التي تُخِلُّ بتوازن القوى بين اسرائيل و"حزب الله"، استناداً الى مسؤولين فيها، فان احداً لا يضمن عدم اتساعها بل عدم تحوّلها شاملة. وذلك يشكّل كارثة محققة.

ولهذا السبب فان استراتيجية الرئيس اوباما هي منع المواجهة الفرعية والاكبر. ومن هنا ضغوطه على سوريا بشار الاسد في شأن علاقاتها ب"حزب الله". وهو، على ما تؤكد المصادر نفسها، صبور وملحاح وسوف يستمر في ممارسة ضغوطه على كل الافرقاء وذلك للتأكد من انهم لن يجدوا انفسهم منزلقين او متورطين في حرب شاملة لم يكونوا مخططين لها. والطرف الأبرز في هذا المجال سيكون سوريا للأسباب المذكورة اعلاه. ولذلك فان سياسة اوباما هي دفعه الى موقع الحياد وخصوصاً اذا فشل الجميع في تلافي مواجهة او حرب سواء بين ايران الاسلامية واسرائيل او بين ايران هذه واميركا. ولا ينبع ذلك من حرص اميركي على هذه السوريا او من حرص اسرائيل عليها، رغم التقاء المصالح الذي يقر به الجميع، بل من حرص على عدم انتشار العنف والحروب في كل المشرق او بالأحرى الشرق.

والمعلومات الواردة من دمشق الى واشنطن تشير وعلى نحو اكيد ان الرئيس بشار الاسد يفهم تماماً ما يحاول الرئيس اوباما القيام به والمفصّل اعلاه، لكنه حتى الآن لم يعط اي اشارة تفيد انه مستعد للانتقال الى موقع المحايد في حال اندلعت المواجهة او الحرب.

==================

هل نحتاج إلى المستبد العادل؟

علاء الاسواني

السفير

4-5-2010

كان الأربعاء الماضي يوما سيئا في حياة غوردون براون، زعيم حزب العمال ورئيس وزراء بريطانيا. كان مستر براون يقوم بجولة انتخابية في مدينة روكدال في مقاطعة مانشستر، وأثناء حديثه مع الناس في الشارع ظهرت أمامه مواطنة بريطانية اسمها جيليان دوفي وهي موظفة متقاعدة في السادسة والستين من عمرها. اشتبكت جيليان مع براون في مناقشة ساخنة أمام كاميرات التلفزيون اشتكت خلالها من المهاجرين الذين يأتون من أوروبا الشرقية الى بريطانيا فيأخذون فرص العمل من البريطانيين. حاول رئيس الوزراء أن يقنعها بصحة سياسة حكومته في التعامل مع المهاجرين، لكن جيليان ظلت متشبثة برأيها، فما كان من براون إلا أن أنهى الحوار بلباقة وسأل جيليان عن أولادها وأحفادها ثم صافحها بود وعاد مسرعا الى سيارته ليلحق بموعد آخر. لكن غوردون براون، لسوء حظه، نسي أن يغلق الميكروفون الصغير المعلق في سترته، وبالتالي استمر الميكروفون ينقل الى شبكات التلفزيون حديث رئيس الوزراء الى مساعديه في السيارة. كان براون غاضبا من حواره مع السيدة جيليان وما أن دخل الى السيارة حتى قال لمساعديه:

 «هذه مصيبة. من الذي اقترح لقائي بهذه السيدة ؟ انها امرأة متعصبة..».

تم نقل كلمات براون في وسائل الإعلام جميعا، وبعد ساعة واحدة كانت الفضيحة تتردد في كل أنحاء بريطانيا: رئيس الوزراء أهان مواطنة بريطانية واتهمها بالتعصب لمجرد أنها تخالفه في الرأي. وزاد الحريق اشتعالا، أن وسائل الإعلام أخبرت السيدة جيليان برأي رئيس الوزراء فيها فغضبت غضبا شديدا. وهكذا وجد غوردون براون نفسه في ورطة حقيقية قبل أيام قليلة من إجراء الانتخابات العامة (يوم 6 أيار/مايو المقبل). اتصل رئيس الوزراء هاتفيا بجيليان ليبلغها باعتذاره لكن ذلك لم يكن كافيا. ظهر براون على شاشة التلفزيون البريطاني وكان المذيع قاسيا معه فأسمعه أولا تسجيلا لما قاله عن جيليان ثم سأله: «هل تلوم نفسك على هذا الذي قلته..؟» ..فأجاب رئيس الوزراء بأنه يلوم نفسه، وأنه لن يكرر ذلك أبدا في المستقبل، ثم أعلن اعتذاره لجيليان أمام الشعب البريطاني. لكن ذلك أيضا لم يكن كافيا لمحو فعلة رئيس الوزراء الشنعاء، فما كان منه إلا أن عاد الى مدينة روكدال وذهب الى المواطنة جيليان في بيتها وقضى هناك أربعين دقيقة يكرر اعتذاره لها. أخيرا قبلت جيليان اعتذار رئيس الوزراء لكنها رفضت أن تخرج معه لتعلن عفوها عنه أمام وسائل الإعلام، فخرج غوردون براون وحده وأعلن مرة أخرى أنه أخطأ وأنه نادم، لكنه يحس بالراحة لأن السيدة جيليان تفضلت بقبول اعتذاره. في الوقت نفسه الذي كان فيه رئيس وزراء بريطانيا يلح في الاعتذار لمواطنة بريطانية بسيطة لمجرد أنه وصفها بالتعصب في حديث خاص تم تسجيله عن طريق الخطأ، كان مئات المواطنين في مصر ينامون منذ شهور، مع زوجاتهم وأطفالهم في الشارع أمام مجلس الوزراء ومجلس الشعب. هؤلاء النائمون في العراء مندوبون عن ملايين المصريين الفقراء الذين تدهورت أحوالهم لدرجة أنهم لا يجدون ما ينفقون به على أولادهم. على أن رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف لم يكلف نفسه مشقة الخروج الى هؤلاء البؤساء والاستماع إليهم أو محاولة مساعدتهم بأية طريقة، بل انه تركهم وسافر مع عروسه الجديدة في رحلة استجمام الى الغردقة. أما الشبان الذين تظاهروا من أجل تعديل الدستور وطالبوا بالحرية وإلغاء قانون الطوارئ فقد تم ضربهم وسحلهم واعتقالهم بواسطة قوات الأمن المركزي (جيش الاحتلال المصري) بل إن بعض نواب الحزب الحاكم طالبوا بإطلاق الرصاص عليهم...

هذه المفارقة الغريبة بين سلوك رئيسي الوزراء في مصر وبريطانيا لا بد أن تدفعنا الى التساؤل: لماذا تتعامل السلطات في بريطانيا مع المواطنين بكل هذا الاحترام بينما تتعامل السلطات في مصر مع مواطنيها باعتبارهم مجرمين أو حيوانات؟

الفرق هنا ليس أخلاقيا بل هو سياسي. لا يوجد دليل على أن غوردون براون أفضل أخلاقيا من أحمد نظيف، لكن براون رئيس وزراء منتخب في نظام ديموقراطي، وبالتالي فهو يعلم أنه خادم للشعب الذي هو مصدر السلطات جميعا، ويعلم أيضا أنه لو خسر ثقة الناخبين فإن ذلك يعني نهاية مستقبله السياسي، أما أحمد نظيف فهو ليس منتخبا من الأساس بل هو معين من الرئيس مبارك، وبالتالي فإن ما يهمه ليس ثقة الناس بل رضا الرئيس، كما أن الرئيس مبارك نفسه لم ينتخبه أحد، بل هو يقبض على السلطة منذ ثلاثين عاما بواسطة القمع والانتخابات المزورة. وبالتالي فإن ثقة المصريين لا تهمه كثيرا، ما دام قادرا على إخضاعهم عن طريق أجهزة الأمن. ولو كان غوردون براون يحكم بريطانيا بالتزوير وقانون الطوارئ لما اعتذر للسيدة جيليان، بل كان غالبا سيأمر بالقبض عليها وإرسالها الى أقرب مقر لأمن الدولة حيث يتم ضربها وتعليقها من قدميها كالذبيحة وصعقها بالكهرباء في مناطقها الحساسة، وربما كانت السيدة جيليان ستحاكم أمام محكمة أمن الدولة (طوارئ) بتهمة إثارة البلبلة وإهانة رموز الدولة وتهديد السلم الاجتماعي في بريطانيا.

إن طريقة تولي الحاكم للسلطة هي التي تحدد سلوكه أثناء الحكم. هذه الحقيقة التي صارت راسخة في العالم المتقدم لا زالت غائبة عن بعض المصريين الذين يحاسبون الحاكم على سياساته في السلطة ولا يتوقفون كثيرا عند طريقة توليه للحكم.

بعض المصريين لا زالوا يحلمون بالمستبد العادل، الذي تكون إرادته فوق القوانين جميعا لكنه يستعمل قوته الباطشة في تحقيق العدل. إن فكرة المستبد العادل، تماما مثل اللص الشريف والمومس الفاضلة، ليست سوى تعبيرات وهمية فارغة من المعنى إذ كيف يكون المستبد عادلا اذا كان الاستبداد ذاته ظلما فاحشا؟ إن مفهوم المستبد العادل قد تسرب الى العقل العربي عبر عصور طويلة من الاستبداد. من الإنصاف أن نذكر هنا أن الإسلام الحقيقي قد قدم نموذجا ديموقراطيا عظيما قبل أوروبا بقرون طويلة. يكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختر خليفة له، ليترك للمسلمين حرية اختيار من يحكمهم، بل إن ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة كانوا منتخبين من الناس وخاضعين تماما للرقابة الشعبية كما يحدث اليوم في أفضل بلد ديموقراطي. إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، أول حاكم في الإسلام، ما أن تولى السلطة حتى خطب قائلا:

«أيها الناس لقد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينوني وأن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم».

هذه الخطبة العظيمة قد سبقت الدساتير الحديثة بقرون في تحديد العلاقة الديموقراطية بين الحاكم والمواطنين. على أن ديموقراطية الإسلام الأول قد انتهت سريعا لتبدأ عصور طويلة من الاستبداد، وضع خلالها فقهاء السلطان، الدين في خدمة الحاكم، فنزعوا عن المسلمين حقوقهم السياسية وأسسوا لفكرتين في منتهى السوء والخطورة. الفكرة الأولى «إن الحكم لمن غلب» وهي تمنح الشرعية لكل من يغتصب السلطة ما دام يستطيع الحفاظ عليها بالقوة، والفكرة الثانية: «إن طاعة المسلمين للحاكم واجبة حتى وإن كان ظالما وفاسدا». هاتان الفكرتان أحدثتا فجوة في وعي المسلمين بالديموقراطية مما جعلهم أميل للإذعان وأكثر قابلية للاستبداد من الشعوب الأخرى.

إن الأوضاع في مصر قد وصلت الى الحضيض فصار معظم المصريين يطالبون بالتغيير الذي يحقق لهم العدل والكرامة والحرية. يجب أن ندرك أن التغيير لن يتحقق أبدا بواسطة شخص مهما تكن نواياه حسنة وأخلاقه فاضلة. التغيير سوف يتحقق بنظام جديد عادل يتعامل مع المصريين باعتبارهم مواطنين كاملي الأهلية والحقوق وليسوا رعايا وعبيدا لإحسان الحاكم. عندما يتمكن المصريون، بإرادتهم الحرة، من انتخاب من يحكمهم ومن يمثلهم في مجلس الشعب، عندما يتساوى المصريون جميعا أمام القانون، عندئذ فقط سيبدأ المستقبل وسيكون رئيس الجمهورية في مصر حريصا على كرامة كل مواطن تماما كما حدث في بريطانيا الأسبوع الماضي .

.. الديموقراطية هي الحل...

تنشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

==================

"بدنا نعيش" وهموم فلسطينية راهنة

آخر تحديث:الثلاثاء ,04/05/2010

عزمي بشارة

الخليج

تهنئة “إسرائيل” ب”استقلالها”، أو بإنشائها تساوي تهنئتها بالنجاح في عملية سرقة وطن بالسطو المسلح على فلسطين وتشريد شعبها . هذا في حال قدّم التهنئة، أو أقدم عليها، رئيس الولايات المتحدة، أو فرنسا، أو ساحل العاج . أما إذا قُدِّمَت التهاني ل”رئيس دولة “إسرائيل” في يوم تأسيسها” من قبل رئيس دولة عربية، فيستحسن الصمت . وليس صمت المتأمل، بل صمت العاجز، لأن البحث عن كلمات لا يجدي، يفترض أن اللغة وطن مشترك لكن “الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان”، فيهب أبوالطيب لنجدتنا في كل مرة .

 

ليست هذه أول تهنئة، وربما لن تكون آخر تهنئة . وقد يتمنى أحدنا للآخر أن تكون خاتمة التهاني . وعلامَ الصدمة(؟) فلا غريب إلا الاستغراب . ومع ذلك طفح الكيل هذا العام . فغالبية أهل غزة يشكلون جزءاً من اللاجئين الذين شرِّدوا من ديارهم في العام ،1948 وفيما تقدم التهاني للفاعل يُحاصَر الضحايا في سجن كبير . شيء ما جعل الأمر خانقاً هذه المرة، حتى بدت أنفاق غزة التي يزحف فيها الناس لفتح ممرات من أجل الحياة، أرحبَ من أنفاق السياسة العربية الحالية .

 

وسبق أن قاد أحد أنفاق السياسة العربية إلى مقابلة منحها الرئيس المعيّن للحكومة الفلسطينية المعيّنة لصحيفة “هآرتس” يوم 2 إبريل/نيسان 2010 . وقال فيها أموراً من نوع: “ليست لدي مشكلة مع من يعتقد أن “إسرائيل” هي أرض التوراة، “التناخ”، ولكن يوجد الكثير من التلال والمساحات غير المأهولة، لماذا لا تبنون فيها وتمنحونا إمكانية أن نعيش حياتنا؟”، “النزاع الرئيس في المنطقة ليس بيننا، بل بين المعتدلين والمتطرفين”، “نحن نبني لاستقبال اللاجئين في الدولة الفلسطينية”، وغيرها من الدرر . إنها لغة “الإسرائيليين”، والحقيقة أن بعض هذه العبارات مقبول حتى على المستوطنين الذين يدعون أنهم يبنون “على تلال غير مأهولة” .

 

يذكرني هذا بتفاخر سياسي عربي يدّعي أنه يفهم لغة الأمريكان، حتى أدركنا أنه يعني بذلك أنه ينفذ كل ما تطلبه أمريكا منه من دون نقاش . هكذا يكون الفهم، أو لا يكون .

 

بسهولة ويسر يتجاوز موظف البنك الدولي السابق، وموظف “المجتمع الدولي” الحالي، مفهومَ الوطن إلى تعبير “المناطق المأهولة” التي يجب أن تُوَفَّر لها عناصر الحياة، وهو مفهوم “إسرائيل” للدولة الفلسطينية في المناطق الفلسطينية المكتظة . ويبقى أن يضاف همساً أن ذلك ضروري لمنع نمو العناصر المتطرفة، أما حق العودة فلا يعني سوى حق العودة للدولة الفلسطينية .

 

وفعلا تجري عملية خداع بصري منظّمة، وتمويه ممول غربياً للحياة في الجزر الفلسطينية المكتظة كحياة طبيعية، كحياة يُصْطَنَعُ فيها العاديُّ، ويفرض الهدوء وتنشغل السلطة ببناء المؤسسات الأنيقة المظهر . إنها القيافة في ظل الاحتلال .

 

لقد كانت البانتوستانات نظرية حتى أتى من أخذها بجدية . لم يكتف برفعها شعاراً، بل أظهر للناس أن مساجلتها نظرياً تجعلها تبدو أكثر سلبية مما يمكنها أن تكون في الواقع . أما من يجربها فعلياً فيجد أنها تقدم حياة يومية مريحة نسبياً . وتتغيّر الفكرة عنها بمقارنة زمانية مع فوضى النضال الشعبي من الماضي القريب، وبمقارنة مكانية مع مصير من يرفضها تحت الحصار في غزة . كل هذا من دون علاقة بالقضية الوطنية .

 

أجرى هذه المقابلة المتطرفة في ابتعادها عن الخطاب الوطني الفلسطيني رئيس الحكومة الفلسطينية المعيّن إثر انقلاب على حكومة منتخبة، والذي حاز 1% من أصوات الشعب الفلسطيني، والذي كان وزير مالية معيّناً من قبل الأمريكان مفروضاً على ياسر عرفات في حصاره . وقد أغدقت عليه الصحافة “الإسرائيلية” بلقب بن غوريون فلسطين . وما أدراك من هو بن غوريون؟ ومؤخراً حظي بمرتبة عاشرة على لائحة أهم مائة شخصية قررتها مجلة “تايم” . كيف ولماذا؟ هكذا . فما قيمة الإمبريالية إن لم يكن بمقدورها أن ترتبنا وفق منازل ومراتب، وأن تقرر من منا المعتدل ومن المتطرف، وإن لم يكن بوسعها أن تمنحنا جوائز، وتحدد لنا أولّنا وثانينا؟

 

دفعتني المقابلة هذه إلى مراجعة مؤلمة ومرهقة للأعصاب لمجموعة من المقابلات التي منحها مسؤولون فلسطينيون للصحافة “الإسرائيلية” في السنوات الأخيرة . وقد استسلمتُ بعد يومين من “تقليل العقل” والقراءة . استستلمت جازماً أنها تستحق بحثاً أو كتاباً عن نماذج في تذويب شخصية المستعمَر ليس لدي الوقت ولا الأعصاب لإعداده . ولكنها نصيحة لمن لديه الأعصاب أن يقدم على مثل هذا العمل: المقابلات كلها تقريباً تشمل تبنيّاً للمفاهيم والمصطلحات “الإسرائيلية” في توصيف الواقع والفلسطينيين، كما تتضمن تنازلات مجانية للرأي العام “الإسرائيلي” . المقابلات جميعها مسكونة بالرغبة في إثارة الإعجاب أو بالاستفزار التحببي، أي بنوع من الاستفزاز المتشاطر للقارئ “الإسرائيلي” الذي يبدو بعده المستفِز شقيّاً فهلوياً محبباً . ويتلو كافة المقابلات تقريباً تنكّر صاحبها لبعض مضامينها في اليوم التالي بالعربية، وذلك من دون نشر إنكار أو تصحيح في نفس الصحيفة بالعبرية . فالذي تجرفه عقد النقص، وسكرة محاولة إثارة إعجاب الشعب المحتل، تصدمه فكرة رد فعل الشعب الواقع تحت الاحتلال في اليوم التالي .

 

أما بنظر دولة الاحتلال فيصبح المختال بما حصل عليه من إطراء “الخواجات” والتربيت على الكتفين أسير مواقف قدمها من دون مقابل سوى علامة معتدل . وعند أول تغيير أمام جمهوره يسخر “الإسرائيليون” من ضعفه، أو يُتّهَّم بالكذب وبتقديم نموذج يثبت هذه التهمة صفة للعرب .

 

لم تؤد أيّ من المواقف بما فيها اشراك القارئ “الإسرائيلي” بالخلافات الفلسطينية الداخلية ونقد الفوضى والفساد الفلسطينيين، والتهكم على حماس وغيرها، إلى إنجازاتٍ أو إلى تغيّرٍ في الموقف “الإسرائيلي” . فالتراجعات المجانية تشجِّعُ الخصمَ على التقدّمِ المجاني وطلب المزيد . أما ما يقدمه صاحب المقابلة وصحبه كإنجاز، فهو أنه منح “قوى السلام الإسرائيلية” أداة لحضِّ “الإسرائيليين” على قبول فكرة الدولة الفلسطينية . وهي تفعل ذلك بتقديمها كحلٍ لمعضلة “إسرائيل” الديموغرافية، وبتشجيع رأيها العام على دعم السلام بوجود فلسطينيين معتدلين مرنين يصلحون كشركاء ويمكن اقناعهم بتقديم المزيد من التنازلات .

 

لكن ما أن أنهيت قراءة هذه المقابلات التي تستحق لغتها وحدها بحثاً، وإذا برئيس السلطة ينافس رئيس حكومته بالتقرب إلى الرأي العام “الإسرائيلي” . فبعد أن تبيّنت حدود رغبة إدارة أوباما بالضغط على “إسرائيل”، وبما أن “الحياة مفاوضات”، وبما أنه لا بديل للتفاوض، فإن الحل للجمود هو المزيد من التفاوض . وقد انتقل رئيس السلطة إلى “هجوم” لكسب الرأي العام “الإسرائيلي” يشبه الانتقال من مفاوضة حكومة “إسرائيل” إلى مفاوضة كل مواطن “إسرائيلي” على حدة .

 

لقد أعلن رئيس السلطة استراتيجيته الحكيمة هذه بشكل هجومي في اجتماع للمجلس الثوري لحركة فتح .

 

سوف يستغرب رئيس السلطة قريباً من عدد المفاوضين “الإسرائيليين” في هذه الحالة، ما يقارب الستة ملايين مفاوض، وسوف يطالبه كل مواطن “إسرائيلي” وحزب وجمعية بتنازلات لكي تقتنع أنه يريد السلام . كما سوف تطالبه بأفعال أكثر لضمان أمنها .

 

لم يصبر رئيس السلطة . فبعد إعلانه بيومٍ عاجَلَ “الإسرائيليين”، وربما عاجَلَنا، بمقابلة في القناة “الإسرائيلية” الثانية قضى فيها بالنقاط على ما أبقى رئيس حكومته من الخطاب الفلسطيني . “لا توجد أزمة ثقة مع نتنياهو”، وبالنسبة لحق العودة “الحديث هو عن حل عادل ومتفق عليه، لا توجد مرونة أكبر من هذه”، “سوف نتفق على الحل ثم آتي به للشعب الفلسطيني” . لقد منح رئيس السلطة الفلسطينية دولة الاحتلال حق قبول أو رفض حق العودة . فما سيعرضه هو فقط الحل المقبول على “إسرائيل” . ويأمل أن يتجاوب معه نتنياهو، لأنه لا يريد كما يقول “أن يفكر فلسطيني حتى بمظاهرة” .

 

وفي غمرة حماسه للتوجه للرأي العام “الإسرائيلي” واليهودي في أمريكا سوف يتجه لمخاطبة “إيباك” فيما بعد . وسوف يدرك الرأي العام “الإسرائيلي” وأدوات “إسرائيل” في الولايات المتحدة أن قيادة السلطة تحت الاحتلال قد تنازلت عن كافة الأدوات عدا إقناعها، وأن هذه القيادة استسلمت لوضعها كرهينة في يديه .

 

لكن نهاية هذا الفصل من الرواية معروفة سلفاً، وسوف يبدأ فصل جديد لأن من تنازل أصلاً عن الحقوق وعن الخطاب الوطني، ولم يأت من الحركة الوطنية، سوف يصبح بطل الفصل التالي .

 

فموظف البنك الذي يتباهى أنه شخص عملي يقدم للناس حلولاً يومية بدل القضية الوطنية، ويسمّي ذلك توجهاً عملياً، يحصد إعجاب وترويج الغرب “العملي جداً” لأنه لا يضيِّع وقته في السياسة، أي يتركها للغرب والرباعية و”إسرائيل”، وينشغل هو ببناء المؤسسات الاقتصادية .

 

ولكن اقتصادية هذه النوع من المؤسسات الاقتصادية وهم، فهي أدوات سياسية . وبعد أن تنفذ مهمتها سوف يهملها من يمولها .

 

الاقتصاد الفلسطيني في الضفة هو تمويه للأمن والخدمات الأمنية . فهو ريعي يعيش على مساعدات مقابل خدمات أمنية وسياسية . الاقتصاد مبني بمجمله على الدعم الخارجي القائم على مواقف سياسية، والمدفوع بالرغبة في إنجاح من يقبل بالشروط “الإسرائيلية”، ويحمي أمن “إسرائيل” . فهو يمول الوظائف . إنه تمويل ل”عزلة المتطرفين” في ظروف تسهيل حياة السكان . الرجل غارق في السياسة حتى أذنيه، ولكنه غارق في السياسة التي يخدمها، وهي سياسة الرباعية والغرب . وعلى هذا الموقف يقوم اقتصاده الريعي كله، اقتصاد يدفع أجوراً بأموال المساعدات . وإذا كانت حركة فتح غاضبة منه فهو عملي هنا أيضاً، وسوف يرضيها بأغلبية وزارية .

 

يذكِّر هذا النوع من السياسة التي تبدو غير سياسية، بأولئك الذين خَطبوا في الشعب الفلسطينية ونصحوه عبر وسائل الإعلام “الإسرائيلية” خلال الاحتلال، ضد النضال الذي يجر غضب “الإسرائيليين”، و”يخرب البيوت”، وضد “المتطرفين”، وضد منظمة التحرير تحت شعار “بدنا نعيش” .

 

هنالك نوعان من حب الحياة والعيش . حب الحياة في الدول المعتدية ومنها “إسرائيل”، وحب الحياة في الدول المعتدى عليها ومنها فلسطين . لا يتناقض حب الحياة في “إسرائيل” مع السياسة والموقف، ولا يتناقض مع القومية والوطنية والتدين والعلمانية والأدب والفن والعدمية والتحلل والجيش والبرلمان والسياسة، والصناعة والزراعة، والعلوم، وحتى الحروب إذا لزم . وذلك شأن حب الحياة في الولايات المتحدة أيضاً . في حين أن “حب الحياة” عند الشعوب الواقعة تحت الاحتلال يجب أن يمارس بعيداً عن السياسة والسلاح والنضال، والمشاريع الوطنية وبالتالي عن الإنتاج . ورموز حب الحياة يجب أن تكون من عالم المطبخ مثل “المسخن” و”التبولة” و”الحمص” والتنافس السمج لولوج “جنيس”، والحفلة المفتعلة والتنافس على توزيع الجوائز للنخبة . والمثير أن دولة الاحتلال تنظر بعين الرضا، وتعرض أفلاماً عن المقاهي والمطاعم النابضة بالحياة في رام الله كعلامة أكيدة على الحياة خلف الحواجز .

 

إنه تصنّع “حب الحياة”، حيث الحياة مختزلة إلى “بدنا نعيش”، وحيث لا حياة فعلية تتجدد وتعيد إنتاج ذاتها . لأنه لا حياة تحت الاحتلال من دون نضال ضدّه . ففي غياب الاستقلال والسيادة الوطنيية يكون الفرح والحزن وتكون الحياة في ظل مشروع وطني . وفي حالة التحلل منه يبقى فولكلوراً مموهاً كأنه أصالة، ومهرجانٌ مبتذل مصطنعٌ كأنه حب الحياة .

 

والحقيقة، أن قطاع العلاقات العامة الذي يعتبر عِلْماً في أمريكا، وهو “علم” يسعى أن يكون محصَّناً ضد الحقيقة ممانعاً ضد الضمير، ومحايداً بين تسويق الحقيقة والخيال . هو علم متفرع عن الذرائعية كفلسفة، ومن السوق وتسليع العلاقات البشرية كحقل وميدان . وظيفته أن يجد الطريقة لتسويق أي شيء، وأن يصنع صورة جذابة “بيّاعة” لأي مكرهة بصرية وسمعية وخلقية مهما كانت منفّرة .

 

ولكن خياله لم يصل في أي مكان إلى حد التسويق بأكبر صحن مسخن، وأعظم صينية كنافة نابلسية، أو باعتبار تناول الزيتون والجبن بقرفصة على الأرض تقرباً من الجماهير يصل حد النضال .

 

والأمر برمته تحويل البديهي إلى عبثي كالقول بزرقة السماء شعاراً . عندما يعود الساسة إلى غرائز الناس لا تحتاج المسألة إلى تسويق . فوعي الناس اليومي هو “نريد أن نعيش” . لا يحتاج هذا الأمر إلى علاقات عامة و”كوبي رايتر”، ولا إلى قيادة سياسية .

 

وظيفة القيادة أن تطرح للشعب “كيف نعيش؟” و”لماذا نعيش؟” و”هل سيدعنا الاحتلال نعيش بعد أن نسلم كافة أسلحتنا؟”، “ومن سوف يُمَوِّل هذه المؤسسات بعد أن تفقد الدول المتبرعة اهتمامها”، “من سيمول ما يقارب 200 ألف وظيفة تعيل أكثر من مليون شخص يعيشون على رغبة ما يسمى بالمجتمع الدولي في دعم التسوية غير العادلة؟”، “وماذا نكون من دون بقية شعبنا؟ وما هو التزامنا للقدس واللاجئين؟”، و”أي حياة يعيشها شعب تنازل عن سيادته من أجل الفتات؟”

 

هذه مهمة القيادة الوطنية . أما إذا وُفِّقَ شعبٌ تحت الاحتلال بقيادة سوّقها أو فرضها الممولون في مرحلة الأزمة، ولا تقول إلا ما يقوله أي إنسان للابتعاد عن السياسة: “بدنا نعيش”، فلا حاجة إلى التسويق . هذه بضاعة رخيصة لا تحتاج إلى أي تسويق . ولكنها مثل أي بضاعة رخيصة قصيرة الأجل والمفعول .

==================

المفاوضات بين العروض والإعراض

آخر تحديث:الثلاثاء ,04/05/2010

خليل حسين

الخليج

كرَّر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير، المواقف نفسها بدعم إطلاق مفاوضات “إسرائيلية” - فلسطينية على قاعدة محدودية الزمن لمدة أربعة أشهر، مضى منها شهران، تخللهما جولات المبعوث الأمريكي للسلام جورج ميتشل والتي لم تفلح ببناء منصة إطلاق المفاوضات بفعل المواقف “الإسرائيلية” من قضية الاستيطان . وكان آخرها مشروع بناء 1600 وحدة سكنية في القدس . فهل الشهران الباقيان يكفيان للوصول الى مشروع ما، في وقت لم يتمكن الطرفان خلال عقدين من الزمن من التوصّل الى بيئة قابلة للحياة؟

 

وبصرف النظر عن محدودية الزمن قصراً أو طولاً، فإن نجاح المفاوضات أو فشلها مرهون بعوامل كثيرة تتعلق بالاستراتيحية المتبعة، الأمر الذي تجيده “اسرائيل” بل تحترفه بوجه العرب والفلسطينيين ، فماذا أيضاً عن هذه الاستراتيجية وهل سيتمكن الفلسطينيون هذه المرة من التفلت منها عبر عدم تقديم التنازلات، أم ستكرر “إسرائيل” التجارب المتبعة نفسها وتجبر الطرف الآخر على تقديم ما تسعى إليه؟

 

اعتادت “إسرائيل” الذهاب الى المفاوضات متسلحة بجملة عوامل رئيسية توفر لها ظروف القوة المعنوية والمادية ومن بينها، تفوّق واضح في موازين القوى لمصلحتها، يقابله وهن وعجز عربي وإسلامي، نفوذ صهيوني في الولايات المتحدة والدول ذات الوزن في النظام الإقليمي والدولي، يقابله غياب استراتيجية واضحة للعرب والفلسطينيين حول مفاوضات التسوية وبدائلها الممكنة .

 

لقد اعتمدت “إسرائيل” في عمليات التفاوض مع الفلسطينيين والعرب استراتيجيات مختلفة، تمكنت من خلالها من تهشيم أضلع السلام ومستلزمات بقائه، من دون تقديم شيء يذكر، ومن أبرز هذه الاستراتيجيات التفاوضية:

 

- محاولة “إسرائيل” الدائمة إبقاء عملية التفاوض مستمرة، وعدم الوصول بها الى طرق مسدودة تؤدي بالعرب والفلسطينيين إلى التخلي عن خيار التفاوض واللجوء الى أساليب أخرى كالمقاومة مثلاً . يرافقها كلام معسول عن السلام والرفاهية في وقت تكرِّس “إسرائيل” أمراً واقعاً بين الحين والآخر .

 

- عدم تقديم أي مقترح أو مشروع رسمي خلال المفاوضات، وترك إطلاقها والتعبير عنها لمسؤولين غير رسميين، وبالتالي عدم التزامها بأي شرط مسبق، باستثناء تقديم لاءات معروفه، كعدم عودة اللاجئين أو العودة الى حدود ما قبل ،1967 القدس عاصمة أبدية ل “إسرائيل” ولا لعودة القسم الشرقي منها للفلسطينيين، علاوة على عدم إزالة المستوطنات في الضفة، لكن بنعم لسلطة فلسطينية منزوعة السلاح . باختصار جملة لاءات وجملة مبادرات . فهي دائمة التحدّث عما ترفضه، فيما لا تلتزم بما تقبله .

 

تحترف “إسرائيل” الاستماع إلى المبادرات العربية، فترحِّب بها وتأخذ ما يفيدها وتتجاهل ما ترفضه وتطالب بالمزيد من التنازلات، بكلام آخر، أجاد العرب تقديم المبادرات غير المدروسة ومنها فرصة الأشهر الأربعة الحالية، فيما تتلقف “إسرائيل” المبادرات لا لحل القضايا بقدر ما هو إدارة المفاوضات وكسب المزيد من الوقت . قامت منظمة التحرير على قاعدة تحرير كامل فلسطين، وحجمت طموحها في العام 1968 إلى إقامة دولة ديمقراطية تجمع العرب واليهود، ثم تبنّت النقاط العشر في العام 1974 بإقامة الدولة الفلسطينية على أي جزء تحرره أو تنسحب منه “إسرائيل”، ثم قبلت في العام 1988 بقرار تقسيم فلسطين والقرار ،242 وصولاً الى مؤتمر مدريد 1991 واتفاقات أوسلو ،1993 ترافق مع تراجع عربي من إزالة “إسرائيل” الى محو آثار النكسة مروراً بقبول مشروع روجرز 1970 وصولاً إلى مبادرة قمة بيروت 2002 .

 

تشجع “إسرائيل” سياسة المفاوضات غير الرسمية مع الفلسطينيين بهدف إنجاز تفاهمات معينة والبناء عليها، كما حدث في العام 1995 بين يوسي بيلين ومحمود عباس، وما انتهى إليه الوضع من تنازلات فلسطينية قاسية لجهة الأرض والمستوطنات والقدس، كما في وثيقة جنيف 2003 . وبالتالي إن المراقبة الدقيقة لسير المفاوضات تبرز وكأن “إسرائيل” انتهت من قضية اللاجئين والمستوطنات والأرض المنزوعة السلاح، وهي ستفاوض الآن على قضية القدس .

 

نجحت “إسرائيل” في فصل المسارات العربية التفاوضية، بعدما سحبت مصر والأردن والفلسطينيين، وهي تحاول الآن مع كل من لبنان وسوريا، بهدف إضعاف الموقف العربي وتفتيت مواقفه وتقزيم قواه، وهذا ما تم استغلاله إلى أقسى الحدود مع الجانب الفلطسيني في اتفاق أوسلو على سبيل المثال، حيث لا التزامات محددة لا لجهة الزمن ولا الإطار ولا المرجعيات .

 

سعي “إسرائيل” لعدم تدخل أي طرف في المفاوضات إذا لم يكن إلى جانبها، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها، ما يؤدي إلى الاستفراد بالمفاوض الفلسطيني وإجباره على تقديم التنازلات المجانية .

 

اللجوء إلى شراء الوقت للتهرب من استحقاقات تم البحث بها، فلا مواعيد مقدسة عند “إسرائيل”، والعمل بالعودة الى الوراء لأتفه الأسباب، والتنصل من أدنى الالتزامات إن وجدت، فاستحقاق الدولة الفلسطينية عام 1988 تم تجاوزه بمواعيد عدة، كما تنفيذ خارطة الطريق التي أملت بالدولة الفلسطينية العام 2005 .

 

أجادت “إسرائيل” تجزئة القضايا والغوص في تفاصيلها أثناء المفاوضات، بحيث باتت هذه الأخيرة آلية يصعب التحرك فيها أو الخروج منها، كمثال شبكة الاتفاقات التي نسجتها “إسرائيل” بين الأعوام 1993 و،1999 كاتفاقات القاهرة، وطابا، وواي ريفر، وشرم الشيخ . فمن غزة - أريحا أولاً، إلى تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق “أ”، و”ب”، و”ج”، والوضع الخاص بمدينة الخليل، وعمل المسارات الخاصة بالمستعمرات والقدس واللاجئين والحدود .

 

إن التدقيق في كل تلك المفاصل التفاوضية وآلياتها وما جاء فيها وما ترتب عليها، يظهر أن حفلة التفاوض غير المباشرة بين “إسرائيل” والفلسطينيين ليست بالمشجعة قياساً على السوابق السالفة الذكر، ذلك أن الشهرين المتبقيين ليسا كافيين لإنجاز ما عجز عنهما عقدان منصرمان من المفاوضات بين الطرفين، كما أن الوعود الأمريكية ووساطتها ليست بالمشجعة بالنظر لما تسرّب من اتفاق ضمني أمريكي على إطلاق المفاوضات غير المباشرة بوعود هلامية ربما يكون الهدف المقبل جمع الطرفين مباشرة بالشروط التي ترتئيها “إسرائيل”، وفي حال الفشل ثمة هروب “إسرائيلي” معتاد نحو مزيد من الاعتداءات وربما غزة بالانتظار .

 

بالمحصلة، عروض عربية بالجملة والمفرق، يقابلها إعراض واعتراض “إسرائيلي” على الكثير فيها وعليها، وتبقى مسيرة المفاوضات وسريتها عاملين محفزين للعروض والإعراض، لكل أسبابه وفرضياته وحساباته، لكن ما يجمع الاثنين على طاولة المفاوضات أن ثمة خاسراً عربياً وفلسطينياً ورابحاً “إسرائيلياً” دائماً .

* أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

==================

أجندة أميركا النووية

الثلاثاء, 04 مايو 2010

سيريل تاونسند *

الحياة

كان جيّداً قراءة الأخبار المتعلقة بالقمة التي استضافها الرئيس باراك أوباما في واشنطن والهادفة إلى بحث سبل تحسين الإجراءات المتعلقة بسرقة المواد النووية أو استخدامها لتطوير الأسلحة. بتنا نحظى أخيراً برئيس أميركي يسعى إلى وضع مسألة الأسلحة النووية على رأس أجندة سياسته الخارجية مع العلم أنه درس هذا الموضوع المعقّد على مدى أشهر وبالتفصيل ونجح في إحراز تقدّم على هذا الصعيد.

قرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عدم المشاركة في القمة قبل أيام فقط من عقدها. وأنا أفترض أنّ عدداً كبيراً من الأميركيين استغرب تصرّف نتانياهو، لا سيما أنّ بلده يفتخر ب «العلاقة المميزة» التي تربطه بالولايات المتحدة. ومن المعروف أنّ إسرائيل تملك منذ سنوات عديدة حوالى مئتي رأس نووي، كما أنها تملك القدرة على الردّ على أيّ اعتداء نووي يُشنّ عليها من خلال صواريخ «كروز» ذات الرؤوس النووية الموجهّة من الغواصات.

رفضت إسرائيل تقديم أيّة معلومات حول ترسانتها النووية كما أنها لم توقّع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي تعطي المفتشين حقّ معاينة مفاعل إسرائيل النووي في ديمونة في صحراء النقب. وطالما اعتبرتُ أنّ حيازة إسرائيل الأسلحة النووية هو العامل الأساسي الذي يدفع مسؤولين في إيران إلى العمل على تطوير الأسلحة النووية.

أعطى الأميركيون ضمانة للإسرائيليين بعدم طرح مسألة مخزون إسرائيل غير المعروف من الرؤوس النووية للنقاش العلني في هذه القمة. في الواقع، يعزى سبب عدم رغبة نتانياهو في حضور هذه القمة إلى الخلاف الجدي بينه وبين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية حول المستوطنات الجديدة غير الشرعية في القدس الشرقية.

بدا الرئيس أوباما ناشطاً جداً في الأسابيع الأخيرة. فقد عاد لتوّه من مدينة براغ حيث عقد اجتماعاً مع الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف. كما وقّع الرئيسان اللذان يبدوان على وفاق تامّ على معاهدة «ستارت» الجديدة التي تهدف إلى تقليص ترسانتهما النووية بنسبة الثلث. وسبق للرئيس أوباما أن عبّر عن رغبته في التوصّل إلى عالم مستقبلي خالٍ من الأسلحة النووية، ويمكن اعتبار ما حصل في مدينة براغ خطوة في هذا الاتجاه.

وتصدّرت سياسات إيران النووية النقاشات العلنية والسرية في قمة واشنطن. واعتبر وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند الذي مثّل رئيس الوزراء غوردن براون في القمة، أنّ الصين في صدد دعم فرض عقوبات أقسى على طهران. وتأمل أميركا في وقف إنتاج المواد النووية الجديدة في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي تعارضه باكستان حالياً. ويبدو أن هذا الموضوع يشكّل أولوية جديدة للعمل الديبلوماسي.

يدرك الرئيس أوباما وسائر زعماء العالم أنّ المنظمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة» تسعى إلى وضع يدها على المواد النووية، وقد يصعب تفادي حدوث ذلك في السنوات المقبلة. فقد أعلن أسامة بن لادن منذ فترة أنّ ما يزعمه عن واجبه الإسلامي يحتّم عليه حيازة أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي يُعتبر تفكيراً مخيفاً. ويجب تشديد المراقبة على المواد النووية لا سيما تلك الموروثة من مخزون الاتحاد السوفياتي الأسبق.

خلال سنوات الحرب الباردة الطويلة، فُرضت رقابة على الأسلحة خوفاً من اندلاع مواجهة بين الشرق والغرب. لكنّ المسألة أصبحت ملحة بالنسبة إلى الدول الأعضاء كافة في الأمم المتحدة، لا سيما أنّ المواجهة النووية بين الهند وباكستان عام 2002 كادت أن تتحول الى حرب. والجدير ذكره أنّ كوريا الشمالية التي باتت قوة نووية، لم تكن من بين الدول السبع والأربعين التي تمثّلت في قمة واشنطن.

عام 2009، حذّر الرئيس أوباما بالقول: «بدأ التاريخ يسجّل تحوّلات غريبة، إذ تقلّص خطر اندلاع حرب شاملة وارتفع خطر وقوع اعتداء بالأسلحة النووية». ويعتمد العالم في شكل أساسي على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي توصلت اليها القوى النووية الخمس، أي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، عام 1968. ولم تكن إسرائيل والهند وكوريا الشمالية جزءاً منها. وأرادت كوريا الشمالية أن تصبح قوة نووية عام 2003 فأعلنت انسحابها من هذه المعاهدة.

يشير النقاد إلى أنّ الأعضاء الخمسة المؤسسين للمعاهدة لا يبدون أي نية في الكفّ عن كونهم قوى نووية على رغم أنهم عبّروا عن «حسن نيتهم» في هذا الصدد من خلال قطع وعد بالعمل على نزع السلاح النووي. إلا أنّ ذلك لا يدلّ على قيادة نموذجية. فعلى رغم أنّ معاهدة حظر التجارب النووية تُعتبر خطوة أساسية باتجاه منع انتشار الأسلحة النووية، لا يزال مجلس الشيوخ الأميركي بعد عشر سنوات متردداً في التوقيع عليها.

* سياسي بريطاني ونائب سابق عن حزب المحافظين

==================

الاستعصاء السياسي في المنطقة يعزّز خيار «سورية أولاً»

الثلاثاء, 04 مايو 2010

ماجد كيالي *

الحياة

لا يبدو أن حل «الدولة الفلسطينية ذات الحدود الموقتة» سيشكل مدخلاً مناسباً لتفعيل عملية التسوية، فهو بأحسن أحواله يعوّم هذه العملية فقط ويحركها، ما يفسر القلق والتردّد لدى القيادة الفلسطينية، كما عبّر عنه الرئيس محمود عباس.

وإذا كان حل الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، من دون حق العودة، ومن دون تغيير طبيعة إسرائيل كدولة دينية وعنصرية ووظيفية في المنطقة، ومن دون انسحابها من الجولان السوري وما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة، يعتبر حلاً مجحفاً وموقتاً، ما يفتح الباب لاحقاً على صراعات وربما حروب أخرى، فكيف إذا كان الأمر مع مجرد دويلة في حدود موقتة؟!

واضح من هذا الحل الذي تطبخه وتروجه المحافل الأميركية والإسرائيلية، أن إسرائيل غير جاهزة بعد لتسوية حقيقية، وأن الإدارة الأميركية، في الوضع الراهن، غير قادرة على دفع إسرائيل نحو تسوية نهائية وشاملة، وأن ثمة مشكلات ومتغيرات أخرى ينبغي أخذها في الحسبان، مع التأكيد على أهمية القضية الفلسطينية.

مثلاً، ثمة مشكلة العراق، لجهة ترسيخ الأمن والاستقرار، وتحقيق الاندماج المجتمعي فيه، كما لجهة الخشية من وقوعه في إطار الفوضى، أو في إطار الهيمنة الإيرانية بعد خروج القوات الأميركية منه. وعلى صعيد المتغيرات يمكن ملاحظة التخوف الدولي والإقليمي من تزايد نفوذ إيران في المنطقة، من العراق إلى فلسطين ولبنان، يفاقم منه إمكان حيازة إيران طاقة نووية للأغراض العسكرية.

وفي شكل خاص أيضاً يمكن ملاحظة المتغير الناجم عن تزعزع مكانة إسرائيل كقوة إقليمية رادعة، وهو ما انكشف في إخفاقها في حربي لبنان (2006) وغزة (أواخر 2008)، وفي تهديد إيران لها بكسر احتكارها النووي. كما يمكن ملاحظة انحسار مكانة اسرائيل في العالم، بسبب تعنتها وعدم التزامها القانون الدولي، ما نجم عنه تضعضع علاقاتها مع كل من تركيا والاتحاد الأوروبي، وحتى مع الولايات المتحدة، التي باتت تعتبرها بمثابة عبء عليها، ومصدر تهديد لمصالحها في المنطقة.

متغير آخر، غاية في الأهمية، يتمثل بتحول الولايات المتحدة عن سياسات إدارة بوش المنصرفة إلى سياسات جديدة، نميز منها خصوصاً، تغيير سياستها إزاء إسرائيل، لدرجة إبداء الضغوط عليها للتجاوب مع عملية التسوية، لتسهيل سياساتها الشرق أوسطية. وكذا تحولها من سياسة اعتماد القوة إلى سياسة الحوار والديبلوماسية، الطويلة النفس، وهذا ما يحصل مع سورية وإزاء إيران أيضاً. هذا إضافة الى تخليها عن سياسات فرض الإملاء والتدخل المباشر، لتغيير الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط بالقوة أو بالتهديد والإكراه. وقد حصل ذلك بعد ان اتعظت الولايات المتحدة من التداعيات السلبية والكارثية لتدخلاتها في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان، والتي أسهمت في تقويض صورتها وإضعاف مكانتها في المنطقة.

الآن إذا كانت كل هذه المشكلات والمتغيرات تدفع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة لإيجاد مخرج ما لتفعيل عملية التسوية على الجبهة الفلسطينية، فإنها تدفع، وبما لا يقاس، للتركيز أيضاً على خيار سورية أولاً، بالنظر الى تأثيره الايجابي على مختلف ملفات المنطقة، من لبنان إلى العراق مروراً بفلسطين وصولاً إلى إيران.

معلوم أن سورية، خلال العقد الماضي، وعلى رغم الضغوط الأميركية والإسرائيلية، تمكنت من تعزيز مكانتها في المنطقة. وهي مثلاً أقامت علاقات وطيدة ومتنوعة مع تركيا، مع محافظتها على علاقاتها المتميزة مع إيران، ولا زالت تملك تأثيراً كبيراً في لبنان على رغم خروجها منه. وعلى الصعيد العربي عادت العلاقات السورية السعودية إلى طبيعتها، وثمة محاولات في هذا الإطار مع مصر.

كذلك ثمة علاقات وثيقة بين سورية والعديد من الدول الأوروبية، حتى أن الولايات المتحدة الأميركية باتت تحث الخطى نحو تطبيع العلاقات مع سورية، وهي في خطابات أركانها تؤكد على أهمية الحوار معها، وعلى التمييز بينها وبين إيران.

على ذلك، فإذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على فرض تسوية معقولة بالنسبة الى الفلسطينيين، لا تبدو إسرائيل مهيئة لها، وإذا كانت عازمة على الخروج من العراق وعدم تركه للمجهول، وإذا كانت غير راغبة بالذهاب نحو حل عسكري للملف النووي الإيراني، مفضلة الحل السياسي، فمن البديهي والحال كذلك أن تكون سورية هي المخرج، بعد أن باتت بمثابة عقدة الحل والربط لمختلف أزمات المنطقة.

وفي الواقع فإن الخيار السوري كان دائماً على الطاولة، وكانت إدارة بوش أعاقت هذا الخيار، لا سيما أن المفاوضات السورية الإسرائيلية، التي أجريت منذ مطلع التسعينات، تمخّضت عن إيجاد حلول لحوالى 80 في المئة من القضايا التفاوضية، ما يدعم حقيقة أن الصراع لا يدور فقط على الأراضي المحتلة، وإنما على مكانة سورية وحدود دورها في المنطقة.

يؤكد على ذلك أوري ساغي (لواء احتياط ورئيس سابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل)، والذي تولى الإشراف على المفاوضات الإسرائيلية - السورية (1990 و2000)، في تصريحات له أفاد فيها بأن سورية وإسرائيل كانتا على وشك التوصل إلى اتفاق سلام كامل بينهما، وأن عدم تحقيق ذلك كان بمثابة «فشل سياسي استراتيجي من الدرجة الأولى»، محملاً مسؤولية ذلك لإيهود باراك (رئيس الوزراء الأسبق ووزير الدفاع الحالي). وبحسب ساغي فإن خمسة رؤساء وزراء (رابين وبيريز ونتانياهو وباراك وأولمرت) قبلوا مبدأ الانسحاب الكامل من الجولان إلى حدود الرابع من يونيو 1967. («الحياة»، 28/4 الماضي)

أيضا، وبخصوص عودة خيار «سورية أولاً» يمكن التذكير بتصريح أدلى به أخيراً جيمس جونز (مستشار الأمن القومي الأميركي)، أشار فيه إلى أن «السلام بين إسرائيل وسورية يمكن أن يحدث انقلاباً في الشرق الأوسط.» وهو ما كرره جيفري فيلتمان (مساعد وزيرة الخارجية الأميركية)، الذي أكد أيضاً على أهمية الحوار مع سورية. وقال إن «تحقيق سلام شامل في المنطقة سيكون مفتاح التغيير التاريخي. هذه هي اللعبة الكبيرة التي ستبين للسوريين التقدم الممكن الناتج عن التعاون، وهي التي ستؤثر في «حماس» و «حزب الله».» («النهار» 23/4 الماضي) كذلك يمكن أن نشير إلى ما كتبه مارتن انديك أخيراً في صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية (21/4)، وجاء فيه: «في الوقت الراهن، لا يوجد شيء من الممكن أن يساعد أوباما أفضل من عرض نتانياهو التنازل عن الجولان، كما فعل أربعة رؤساء وزراء إسرائيليين سابقين، مقابل السلام مع سورية».

أما في إسرائيل فقد بات كثيرون من قادتها يؤيدون التوجه نحو الخيار السوري، ضمنهم وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية، بدفع من أزمة المسار الفلسطيني، والتهديدات الإقليمية التي باتت تتعرض لها إسرائيل، ولتسهيل السياسة الأميركية في العراق وفي مواجهة ايران.

* كاتب فلسطيني

=======================

إرباك أميركي في الموضوع الإيراني

المستقبل - الثلاثاء 4 أيار 2010

العدد 3642 - رأي و فكر - صفحة 19

مباط عال

في السابع عشر من شهر نيسان الماضي، كشفت مجلة نيويورك تايمز أن وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، كتب في كانون الثاني الماضي مذكرة إلى مستشار الأمن القومي، جيمس جونس، حول ضرورة تطوير خيارات للسياسة التي ينبغي اعتمادها إزاء تطلع إيران لتطوير سلاح نووي. واقتُبس عن موظف كبير في البيت البيض وصفه للمذكرة - التي ظهرت بعد انتهاء الموعد النهائي الذي حدده أوباما لفحص المبادرة الديبلوماسية التي تقدم بها - بأنها أشبه ب"جرس إنذار مبكر" تدل على أن الولايات المتحدة لا تملك أية سياسة عملية بعيدة المدى تتيح لها التصدي للتحدي النووي الإيراني. وغداة الكشف عن المذكرة في مجلة التايمس، أكد غيتس أنه كتب بالفعل المذكرة، لكن اعترض على وصف المضمون والتوجه بقوله أن هدف المذكرة كان "الإسهام في عملية اتخاذ القرارات بصورة منظمة وفي التوقيت الصحيح".

منذ زمن ما يبرز غياب استراتيجية أميركية واضحة لمعالجة إيران الآخذة في التحول إلى قوة نووية بشكل استفزازي، ولهذا السبب لم يكن مفاجئا ما كشفت عنه المذكرة. علاوة على ذلك، الوصف الذي قدمه غيتس نفسه للمذكرة يتحدث بشكل واضح عن أن غياب "عملية منظمة لاتخاذ القرارات في التوقيت الصحيح". والمفاجأة الحقيقية الوحيدة، كما يبدو، تكمن في أن هذا التقدير الفظ جاء من داخل الإدارة.

من المحتمل أن يكون تم تسريب المذكرة من اجل توثيق قلق غيتس إزاء المعقولية المتزايدة لإمكانية امتلاك إيران لقدرة نووية عسكرية خلال فترة زمنية قصيرة، وأثناء ولايته. ومن الممكن أيضا أنه لكون تعيينه في منصبه حصل على يد جورج بوش الإبن، فربما يقوم غيتس بإعداد المنصة لاستقالته هو. وفي المقابل، من شأن المذكرة أن تعكس ببساطة عدم اتفاق، أو ربما صراعا أكثر صخبا بين القيادة المدنية والعسكرية في البنتاغون. وأيا يكن السبب الحقيقي، فإن تسريب المذكرة، وكثرة التعليقات والشروحات المعقولة، تشير إلى المشكلة الحقيقية مع سياسة الولايات المتحدة إزاء إيران: رسائل متداخلة ومرتبكة.

كمثال على الرسائل المربكة، يشير التقرير في مجلة التايمز إلى امكانية أن يكون تم البدء في مساع حثيثة باتجاه إعداد خيارات للسياسة التي ينغي اتباعها إزاء إيران، تتضمن استخدام القوة العسكرية. وتقتبس المقالة في المجلة عن جونس إشارته إلى أن حقيقة كون الولايات المتحدة لا تُصرح بصورة علنية عن كل عناصر استراتيجيتها، لا تعني أنها لا تتوقع طيفاً واسعاً من الاحتمالات. كما ادعت المجلة أن "موظفا كبيرا في الإدارة" وصف للمراسلين" بمصطلحات أكثر وضوحا بقليل أن ثمة حدوداً لن يُسمح لإيران بتجاوزها". لكن، بغية سريان قدرة ردع تقليدية أو نووية مقابل دولة لديها حافزية عالية جدا مثل إيران، يجب على رسائل الردع الأميركية أن تكون واضحة ومفهومة بحيث لا يكون ممكنا الخطأ في فهمها. ووفقا لما تؤكده الرسائل الواردة في مذكرة غيتس، ليس ثمة شك في أن الوضع ليس على هذه الحال.

منذ نشر المذكرة، استمر الارباك إزاء الخيار العسكري. في 21 نيسان، قالت مساعدة وزير الدفاع الأميركي للشؤون السياسية، ميشال بلورنوي، للصحف أنه بالنسبة إلى إيران، القوة العسكرية "غير مطروحة على الطاولة في المستقبل القريب". في الليلة ذاتها، قال السكرتير الإعلامي لوزارة الدفاع الأميركية، جيف مورال، كلاما تراجع فيه عما قالته بلورنوي، وصرح "نحن لا نرفع أي خيار عن الطاولة في موازاة تمسكنا بمسار الضغط والحوار". فهل أن الخيار العسكري مطروح على الطاولة، أم أنه رُفع عنها؟.

بصورة مشابهة، المحاولة الأميركية لتطبيق الردع المرن في الخليج عكست بدورها رسالة غير واضحة. ففي نهاية كانون الثاني أعلنت الولايات المتحدة أنها تحث عملية بيع منظومات دفاعية ضد الصواريخ إلى البحرين، الكويت، السعودية وقطر، وحركت سفن Aegis (التي تتمتع بقدرات محدودة ضد الصواريخ) إلى داخل الخليج. غير أن منظومات السلاح الدفاعية هذه لا تشكل أي تهديد فعلي أو تلميحي لإيران أو لمصالحها. على العكس، نشر هذه المنظومات يشير إلى أن الولايات المتحدة سلّمت بهذا القدر أو ذاك بأن إيران قادرة على تهديد جيرانها بوساطة الصواريخ.

من المؤكد أن صناع القرارات في إيران سيلتفتون إلى هذه المسألة، وسيستغلون ما يبدو لهم بوضوح كغياب للإجماع الداخلي في الولايات المتحدة إزاء مسألة استخدام القوة العسكرية الأميركية، وللعناصر الأخرى التي تسهم في عدم اتخاذ القرارات في هذا السياق. وقد أشار ضباط أميركيون كبار مرات عديدة إلى الصعوبات والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة فيما جيشها غارق كليا في العراق وأفغانستان. فالصلة التي أنشأتها إدارة أوباما بين المساعي لوقف التقدم النووي الإيراني وبين حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، تُفسر في طهران، من دون أدنى شك، على أنها موضوع سيمنح النظام الإيراني فترة زمنية إضافية غالية جدا لتطوير مشروعه النووي.

على الرغم من أن مذكرة غيتس كُتبت في كانون الثاني، إلا أنها صالحة لهذه الأيام ايضاً بالقدر ذاته. فانعدام الوضوح المتواصل الذي يميز النهج الأميركي تجاه إيران يشير إلى عمق المشكلة. فإيران ترفض باستهزاء كل محاولات الحوار الديبلوماسي. ورزمة العقوبات التي هي الآن قيد البحث في أروقة الأمم المتحدة تفقد من قوتها باستمرار، ولذلك تتقلص فرص أن تكون فعالة. فالرسائل المتداخلة من جهة الولايات المتحدة يمكنها أن تكون أسوأ من غياب رسالة عامة؛ ومن شأن إيران أن تفسر ذلك كسماح لها بحكم الأمر الواقع لمواصلة مساعيها النووية غير القانونية. فهل أن الرئيس أوباما وطاقمه المدني والعسكري مؤهلين لإطلاق رسالة واضحة، واحدة، شديدة القوة، لا يمكن تفسيرها بصورة خاطئة من قبل إيران ودول إضافية تتطلع إلى السلاح النووي؟ البراهين الموجودة غير مشجعة، والوقت ينفد.

(نشرة دورية تصدر عن مركز بحوث الأمن القومي في تل أبيب) العدد 177/29 نيسان 02/05/2010

يونتان شختر؛ إميلي لنداو؛ افرايم اسكولاي

ترجمة: عباس اسماعيل

=======================

المخطوطات الإسلامية في غرب أفريقيا:

من الحفر الرملية إلى المكتبة الرقمية

شارلوته فيديمان

ترجمة: صفية مسعود

مراجعة: عماد مبارك غانم

حقوق الطبع: قنطرة 2010

3/5/2010

بعد أن كانت ضحية النسيان والسرقة تم إعادة اكتشاف آلاف المخطوطات الإسلامية الموجودة منذ قرون عديدة في يد عائلات تعيش في مدينة تمبوكتو الواقعة في غرب أفريقيا. من أجل حماية ودراسة تراث هذه المكتبة الأفريقية القديمة يبذل بعض الأفراد جهوداً كبيرة، مثل عبد القادر هايدارا، كما تبين شارلوته فيديمان في تقريرها.

 

عبد القادر هايدرا رجل يجيب على الرسائل الاليكترونية بسرعة. هذا الرجل البدين اللطيف من مالي يتمتع بشبكة اتصال جيدة مع العالم الحديث، وفي الوقت نفسه فإنه يشعر وكأنه يعيش في عصر آخر تماماً: في تلك القرون التي كانت فيها مدينة تمبوكتو، مسقط رأسه، مركزاً للعلوم الإسلامية.

 

نحو 100 ألف مخطوطة تشهد اليوم على تلك الحقبة. كُتبت هذه المخطوطات باللغة العربية التي كانت آنذاك لغة الصفوة في غرب أفريقيا، وتتناول موضوعات مثل الشريعة الإسلامية والفلسفة والطب والفلك والرياضيات. وبحوزة هايدارا واحدة من أقدم المخطوطات، وهي عبارة عن قرآن من القرن الثالث عشر، مكتوب على جلد الغزال.

 

ورث هايدارا عن أبيه تسعة آلاف مخطوطة، وهي أكبر مجموعة خاصة من المخطوطات في تمبوكتو. وقد قام هايدارا بإتاحة الفرصة أمام العامة لكي يشاهدوا هذه المجموعة، وفي الوقت نفسه أسس تياراً جديداً يدعو ملاك المخطوطات من الأفراد ألا يسلموا كنوزهم إلى حكومة مالي، بل أن يحتفظوا بها بأنفسهم. ويقول عن هذا: "إن العائلات هي أفضل من يقوم بحماية هذا التراث الفكري".

 

هل من الممكن أن ينجح ذلك؟ وهل يستطيع الأفراد الحفاظ على وثائق تاريخية هشة للغاية؟ من ناحية أخرى فإن الخبراء الغربيين يشترطون لتمويل هذه المشروعات أن يتم تحويل هذه المكتبة التي تعد "أقدم مكتبة جنوبي الصحراء" إلى مكتبة رقمية حتى يستطيع الباحثون الاستفادة منها. غير أن هناك وعياً جديداً يتسم بالعناد قد بدأ تتبلور لدى مالكي المخطوطات في تمبوكتو.

 

مخطوطات مصفرة وأخرى مذهبة

 

عندما يسمع الأوربيون اسم تمبوكتو فإنهم يفكرون حتى اليوم في مكان يقع في آخر الدنيا. غير أن المدينة كانت عبر قرون مركزاً للعالم الجنوبي ونقطة تجارة مزدهرة، كما كانت تضم جامعة إسلامية. هناك، حيث تتقابل دلتا نهر النيجر مع الصحراء في دولة مالي اليوم، كانت تتقاطع الطرق السريعة في تلك الفترة: من الشمال كانت تأتي القوافل، وعبر النهر كان الذهب يأتي من غرب أفريقيا. وفي إثر التجار جاء العلماء. في القرن الخامس عشر كان تعداد الطلبة في تمبوكتو يبلغ 25 ألف طالب، أي نفس عدد سكان المدينة اليوم تقريباً.

 

منذ عدة سنوات والعائلات تقوم بفتح تلك الصناديق التي تحتفظ فيها بالمخطوطات المصفرة والمذهبة. صنعت وسائل الإعلام من الحدث أسطورة جديدة من أساطير تمبوكتو: إن تاريخ أفريقيا الخبيء مكتوب على "مخطوطات صحراوية". ولكن تلك المخطوطات هي في الحقيقة الدليل على أن "أفريقيا تشارك منذ نحو ألف عام في العلوم الإسلامية"، حسبما يقول الباحث الألماني في العلوم الإسلامية ألبريشت هوفهاينتس الذي يدير في جامعة أوسلو مشروعاً لرقمنة المخطوطات.

 

بعض تلك المخطوطات جاء من الأندلس، وبعضها من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والبعض الآخر ألفه كتّاب أفارقة في تمبوكتو. اللغات الأفريقية كانت تكتب آنذاك بالحروف العربية أيضاً، وذلك لإجراء المراسلات الدبلوماسية وإبرام العقود.

 

الحفر الرملية كمخبأ ضد هجمات الأغراب

 

خلافاً لمعظم مواطنيه في دولة مالي الفرنسية اللغة فقد تلقى عبد القادر هايدارا، البالغ من العمر خمسة وأربعين عاماً، تعليماً باللغة العربية. وظل التراث الإسلامي العربي حياً داخل عائلته، وهكذا ظل كل جيل، منذ القرن السادس عشر، يسلم الجيل التالي تلك المخطوطات.

 

درس والد هايدارا في السودان ومصر، ثم اشترى مخطوطات ونسخها بخط يده. في ذلك الوقت كانت عائلات كثيرة أخرى تغلق مكتباتها في تمبوكتو، بل وقام البعض بإخفاء المخطوطات في حفر رملية، وذلك خوفاً من أن يقوم المستعمرون الفرنسيون بمصادرتها. كان الفرنسيون قد استولوا بالفعل على مخطوات ثمينة في المدينة الملكية القديمة سيغو، وما زالت تلك المخطوطات موجودة حتى اليوم في المكتبة الوطنية في باريس.

 

يقوم عبد القادر هايدارا الآن بالدعاية لهذه المبادرة الخاصة، غير أنه في الحقيقة لم يؤمن بها إلا مؤخراً. طوال نحو عشرين عاماً كان يقوم بشراء المخطوطات بنفسه لصالح معهد أحمد بابا في تمبوكتو الذي كان يعمل فيه، والذي يضم حالياً ما يقرب من 30 ألف مخطوطة.

 

لقد أقنع هايدارا مئات من العائلات لكي تتخلى عن إرثها من المخطوطات مقابل مبالغ قليلة نسبياً نظراً لفقر دولة مالي. ولكنه غيّر موقفه تغييراً جذرياً عندما أصبح مسؤولاً عن مكتبة العائلة. كانت الوصية التي تتناقلها الأجيال تقضي بعدم البيع، فحوّل هايدارا هذا الالتزام إلى عشق ملك عليه حياته.

 

أول شيء فعله هايدارا هو افتتاحه عام 1993 مكتبة خاصة، ثم حث عائلات أخرى على الاقتداء به. ما حدث بعد ذلك كانت طفرة حقيقية، إذ تضم تمبوكتو اليوم اثنتين وثلاثين مكتبة من تلك المكتبات العائلية الخاصة. إن وعي الناس يتزايد بقيمة إرثهم الثقافي، والمادي أيضاً.

 

صناديق يعلوها الغبار تتحول إلى مكتبات رقمية

 

 عندما بحث عبد القادر هايدارا في الخارج لأول مرة قبل خمسة عشر عاماً عن معونة مالية، لم يكد يجد أحداً يصدق حكاية تلك المكتبات الأفريقية القديمة. وحدث التحول في الموقف عام 1997 في هيئة أمريكي أسود، هو هنري لويس غيتس، مدير الدراسات الأمريكية الأفريقية في جامعة هارفارد. رأى غيتس المخطوطات وتملكته الحماسة، ثم وجد في الولايات المتحدة ممولين للمكتبة. يضحك هايدارا قائلاً: "أليس غريباً أن يشتهر غيتس هذا لاحقاً على نحو آخر تماماً؟" لقد تم اعتقال الأمريكي الأفريقي أمام باب شقته باعتباره لصاً – وهو مؤشر على أن العنصرية ما زالت مؤثرة في المجتمع الأمريكي، حتى في عهد أوباما.

 

مكتبة هايدارا، التي أطلق عليها اسم والده "ماما هايدارار"، أضحت في هذه الأثناء مؤسسة يعمل بها اثنا عشر موظفاً. وفي عام 2008 قدم له "مركز جمعة المجيد للثقافة والتراث" في دبي المعونة لدى إنشاء مختبر لترميم المخطوطات وحفظها ورقمنتها. وبينما يتم في معهد أحمد بابا تصوير المخطوطات بالماسح الضوئي (سكانر)، فإن هايدارا يقوم بتصويرها رقمياً. "هذا هو آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا"، يقول هايدارا مفتخراً، "كما أن هذه التقنية تحافظ على المخطوطات بشكل أفضل".

 

بل إن هايدارا يقوم في ورشته بتصنع الورق الخالي من الأحماض اللازم لترميم الوثائق المهترئة، بعد أن كان يستورده مقابل أثمان مرتفعة. ولم يتوقف هايدارا عن التفكير في مشروعات جديدة: "ورق تمبوكتو! يا لكثرة الأشياء التي يمكننا أن نفعلها به! هدايا للسياح مثلاً، كما أن بإمكاننا أن نقوم بتصديره".

 

علم المخطوطات في آخر الدنيا

 

في الطابق العلوي تُقام في الوقت الحالي ورشة عمل. هناك يتم عرض كتالوج رقمي وشرحه على الحاضرين، وهم خليط من الأفارقة الشماليين (المورو) بلحاهم القصيرة المدببة والطوارق المرتدين العمامة الذين يضعون على أنوفهم نظارات القراءة وبوجوههم الأفريقية القحة.

 

ووجهت الدعوة إلى هذا الاجتماع دعت منظمة "سافاما" غير الحكومية التي تعمل على هذا التراث بين العامة، وذلك عن طريق لجان من المترجمين المحليين ودورات تقام في الإجازات. "إن حيازة مخطوطات لا يفهم المرء محتواها أمر مخجل"، يقول هايدارا. "نحن الآن على وشك أن نفقد ثقافتنا الإسلامية، فمدراس الصوفيين التي كانت تدرس الإسلام المتسامح في تمبوكتو قد اختفت كلها تقريباً. كما أن أفضل مؤرخي مالي لا يتحدثون العربية."

 

يريد هايدارا أن يصدر قريباً أسطوانة مدمجة "سي دي" بترجمة نماذج من النصوص التي تتحدث عن حل الصراعات سلمياً والحكومة الرشيدة. "لأن الغربيين يأتون إلى هنا وينشرون الاعتقاد بأنهم قد اخترعوا كل شيء".

 

يدق جرس التليفون، فتشع عيون هايدارا فرحةً: آلاف الكتب تم إرسالها من قطر وهي في الطريق إليه، يقول هايدارا. ستكون تلك الكتب مكتبة علمية يُرجع إليها لدى دراسة المخطوطات القديمة. وفي الأسبوع القادم سيأتي أفارقة جنوبيون من جامعة كابشتات ويعقدون مؤتمراً في تمبوكتو. هناك عمل كثير – في آخر الدنيا.

=======================

لا يمكن استمرار الوضع الراهن في الشرق الأوسط

الملك عبدالله الثاني بن الحسين

مصدر المقال: The Hill

26 نيسان/إبريل 2010

www.thehill.com

عمان - سعدت خلال زيارتي الأخيرة لواشنطن بلقاء الرئيس أوباما، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وأعضاء آخرين في مجلسي الشيوخ والنواب. وعكست لقاءاتنا 60 عاماً من الشراكة الأميركية-الأردنية، فخلال هذه العقود، أسهم الدعم الأميركي في مساعدتنا على مواجهة تحديات تنموية رئيسية، وتعزيز الآفاق التجارية، وخلق الفرص للشباب الأردني، لذا فأنا أتحدث باسم جميع الأردنيين عندما أعبر عن شكرنا لهذه المساعدة.

 

وقد واجهنا سويا العديد من التحديات المشتركة، وعملنا من أجل ترسيخ الاستقرار العالمي، وحملنا رسالة التسامح والتفاهم، وشراكتنا أقوى من أي وقت مضى، وهي مستمرة في النمو، وعلينا اليوم أن نوظف حسن النية والثقة بيننا لنعيد عملية السلام في الشرق الأوسط إلى الطريق الصحيح. ذاك أن العقد الماضي لم يشهد أي مفاوضات جدية يمكن أن تؤدي إلى تحقيق السلام، ونتج عن ذلك تراجع لافت في مصداقية العملية السلمية ودعاتها، وفي ضوء عدم إمكانية التعايش مع الوضع الراهن، فإن الجمود الحالي يهدد بانفجار موجة جديدة من العنف سيدفع ثمنها الجميع.

 

سيشهد الشهر المقبل مرور 62 عاماً على إقامة دولة إسرائيل، بينما سيحيي الفلسطينيون الذكرى ال 62 لنكران حقوقهم، لكن إسرائيل ليست أقرب اليوم إلى تحقيق الأمن الحقيقي والقبول الذي تطلبه مما كانت عليه منذ 6 عقود خلت، ولا يزال الاحتلال هو الواقع لملايين الفلسطينيين. أما القدس فهي شرارة اشتعال تهدد بتفجير المنطقة برمتها، وتلهب العواطف على امتداد العالم، فثمة قلق واسع من أن الأماكن المقدسة ومستقبل المقدسيين المسلمين والمسيحيين مهدد، وحال القدس هذه تستفزّ الشعور الديني لبلايين الناس في العالم في ضوء قدسية القدس عند المسلمين والمسيحيين واليهود.

 

وفي هذه الأثناء، ما يزال بناء المستوطنات الإسرائيلية يلتهم أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية، ويقوض السبيل الوحيد لحل للصراع، والمتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل. وعلى جانبي الأطلنطي، هناك أصوات تقول بعدم إمكانية حل الصراع، وهذه أصوات لا يجوز أن تسود. فبديل الحل هو تجدّد الصراع على جبهات مختلفة. ولا شيء سوى إعادة الأمل من خلال التقدم نحو التسوية النهائية سيكون قادرا على حماية المنطقة من الانزلاق إلى هاوية الحرب.

 

وتمتلك الولايات المتحدة الأميركية القدرة على قيادة جهود السلام لتغيير الوضع الراهن، ذاك أن شعوب المنطقة، الإسرائيليون والعرب على حد سواء، ما يزالون ينشدون السلام، ويعتبرون الولايات المتحدة القوّة الوحيدة القادرة على جمع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات.

 

ونحن في المنطقة نعرف مدى التزام الرئيس أوباما بتحقيق سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط، وقد أكد إعلانه أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين جزء من الأمن القومي الأميركي مدى إدراك الولايات المتحدة للأثر البالغ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على مصداقيتها وعلى دورها القيادي في العالم.

 

ويتضح ترابط الصراع بالمصالح القومية الأميركية أيضاً من حقيقة أن الجماعات الإرهابية، التي تبثّ الكراهية لأميركا وتستهدف المصالح والأرواح الأميركية في المنطقة وخارجها، تستغل القضية الفلسطينية، وتوظف الإحباط المشروع الذي يشعر به العرب والمسلمون بسبب الفشل في حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في خدمةً أجنداتها الإجرامية وغير المشروعة، ومن أجل الترويج للمشاعر المعادية للولايات المتحدة، التي تحارب التطرّف والإرهاب على أكثر من جبهة، وبالتالي، فإن حل الصراع سيحد بشكل كبير من قدرة هذه المجموعات على حشد التأييد لها ولمواقفها.

 

سيستمر الأردن في العمل من أجل إيجاد الأطر اللازمة لانخراط أميركي فاعل في جهود السلام، فنحن ما نزال نتحمل مسؤولياتنا تجاه السلام، وما فتئنا نعمل مع الولايات المتحدة بشكل مكثف من أجل بناء المؤسسات والعلاقات والأطر الكفيلة بتحقيق التقدم في العملية السلمية.

 

وفي موقف موحد بين جميع الدول العربية، يقف الأردن خلف مبادرة السلام العربية التي تطرح المفاوضات من أجل التوصل إلى حل الدولتين، الذي سيضمن أيضا مستقبل إسرائيل، وهذا موقف تدعمه 57 دولة مسلمة، أي ثلث الأمم المتحدة، تؤيد المبادرة.

 

وإلى أن تتمكن الولايات المتحدة من وضع كل ثقلها خلف جهود استئناف المفاوضات، فإنني أرى دورين رئيسيين لأصدقاء السلام في أميركا، ويتمثّل الأول في مساعدة الجانبين على تجاوز نقاط الخلاف، بينما يكمن الثاني في مساعدة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على التركيز على مستقبلهم خلال السنوات العشرة المقبلة: على السلام والأمن والازدهار الذي ينشدون لأنفسهم ولأبنائهم، وفي بذل كل الجهود اللازمة لتحقيق ذلك. وتركز الجهود الأميركية حالياً على إطلاق مفاوضات تقريبية غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد دعمت الجامعة العربية إجراء هذه المحادثات، التي نشجع الأطراف على إطلاقها جسرا للانتقال عبره سريعا إلى مفاوضات مباشرة وجادة وفاعلة توصل إلى الحل النهائي بأسرع وقت ممكن، بيد أن الحقيقة هي أنه لن يتمكن الأطراف من تحقيق هذا الحل بمفردهم، ما يستوجب أن تطرح الولايات المتحدة خلال المفاوضات مقترحاتها الخاصّة القادرة على تحقيق التقدم.

 

الوقت ليس في صالحنا، وآن وقت تجاوز النظرات قصيرة المدى والعمل من أجل مستقبل ينعم فيه الفلسطينيون والإسرائيليون بالسلام والأمن، فالوجهة النهائية واضحة، لكن الرحلة نحوها استنفذت زمناً أطول بكثير مما يجب وتسببت بمعاناة كبيرة ما كان يجوز أن تتحملها شعوب المنطقة، إلا أن الحقيقة المقلقة الآن هي أننا نشهد فرض حقائق جديدة على الأرض تقوض الشروط الموضوعية اللازمة للتوصل إلى حل الدولتين، وتضع المنطقة على طريق وجهة مختلفة تجعل من الصراع والحرب سمة مستقبل المنطقة، وهذا مستقبل لا يريده الفلسطينيون أو الإسرائيليون، مستقبل علينا جميع أن نحول دونه.

ـــــــــ

* جلالة الملك عبدالله الثاني هو ملك المملكة الأردنية الهاشمية. تقوم خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية بتوزيع هذا المقال بإذن من The Hill.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

=======================

ليبرالية عربية على الطريقة الصينية

غسان الإمام

الشرق الاوسط

4-5-2010

منذ عشر سنوات، يعيش 350 مليون عربي حالة اقتصادية لا يعرفون اسمها! هي عند بعضهم «الانفتاح» لكن سوء سمعة انفتاح «السداح مداح» بعد حرب أكتوبر، أصبح اسم الحالة «الحرية الاقتصادية» أو «الليبرالية الاقتصادية» كما هو اسمها التقني المتداول بين خبراء المال والاقتصاد.

الليبرالية تعني الحرية الرأسمالية. إلى الآن، الليبرالية العربية لا تمارس «الكيماوي المزدوج». لا تمزج السياسة بالاقتصاد. كان الانتقال سلميا من الاشتراكية والماركسية إلى الليبرالية. انقلاب عربي بلا دماء. لكن مع الدموع. انتقال من «أَفرول» العمال إلى ياقة رجال الأعمال. من مثقفي ونضاليي الغضب الآيديولوجي إلى هدوء تكنوقراط وبيروقراط الاقتصاد والإدارة.

في هذه الليبرالية، احتفظت الدولة بهندامها الأساسي (الصناعات الثقيلة والنفطية). لكن باعت ملابسها الداخلية (شركاتها الأصغر غير الرابحة) إلى حلفائها رجال المال والأعمال. في الخليج، وحتى في سورية. بات القطاع الخاص يسيطر بنجاح باهر على نحو 65 بالمائة من الاقتصاد والإنتاج.

الوجه الإيجابي لليبرالية هو في تنمية الطبقة الوسطى. هناك زحف عربي بطيء من فقر البروليتاريا. إلى تنمية الطبقة الوسطى التي كادت تختفي تحت مطارق اشتراكية ناصر، وماركسية صلاح جديد وعبد الفتاح إسماعيل. وجه إيجابي آخر لليبرالية: شتم العولمة بصوت عال. وفتح الباب الواسع لاستثماراتها. هناك ثورات تشريعية. قوانين جديدة تشجع وتضمن الاستثمار العربي والأجنبي.

«فتح» و«حماس» لا بد أن تعرفا أن التنمية الاقتصادية هي أيضا مقاومة. اقتصاد مزدهر. مجتمع حيوي. عامل. متعلم. مرتاح ماليا واقتصاديا... هو أشد مقاومة ووعيا للنضال ضد الاحتلال والاستعمار. كان إبقاء الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين في فقر مدقع مخالفة صريحة لليبرالية المقاومة. كان الظن أن الفقر يربطهم بالوطن المغتصب. يشحذ فيهم غضب الرفض والمقاومة.

رجال المال والأعمال العرب سعداء جدا بالثقافة الليبرالية الجديدة. النظام أيضا سعيد بالتحالف مع هذه النخبة الاقتصادية. فهي أقل ضوضاء من مثقفي الآيديولوجيا. أشد ولاء وطاعة. في المقابل منحت الدولة هؤلاء الرجال حرية شبه مطلقة في العمل الاقتصادي والتجاري.

ويتعين على هؤلاء التكيف أكثر فأكثر مع ظروف العمل. لا سيما احترام قوانين العمل. حقوق العامل. حقوق وواجبات ملايين العمال العرب والأجانب.

ولا يكف مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ عن الدعوة لذلك. هناك اليوم جيل جديد من رجال المال والأعمال الخليجيين الذين درسوا الاقتصاد الحديث في الغرب، ويملكون وعيا تاما لشؤون الإدارة وإقامة علاقة ممتازة بين رب العمل والعامل.

الليبرالية تنطوي على المعنى «القتالي» للرأسمالية أي القبول بالمبادرة الفردية التنافسية. لا شك أن إيجابيات الليبرالية، في الحرص على التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، تنطوي أيضا على سلبياتها التقليدية، كاتساع الهوة بين الفقر والغني. والتضخم في أسعار السلع والعقارات. هناك مقاومة ومكافحة للفساد. لكن مكنسة النظافة تطول أو تقصر، من دولة إلى أخرى.

غير أن التجربة الليبرالية لم تخل دائما من الخطر. احترفت أصابع رجال مال وأعمال عندما مزجوا بين السياسة والاقتصاد. لم يكن رفيق الحريري يستحق المصير الذي لقيه. لعلي كنت أول من لفت اهتمام الصحافة والإعلام إلى تجربة سلام فياض الليبرالية في الضفة الغربية التي أنعشت نسبيا ثلاثة ملايين فلسطيني. تذوقوا طعم الأمن والانضباط. هم يمارسون النضال الشعبي ضد الاحتلال والحصار الإسرائيليين وهجمة المستوطنين لسرقة الأرض.

بل هناك اليوم هجمة «فتحاوية» على فياض لانتزاع الوزارات السيادية من حكومته. بما فيها وزارة المالية. إذا خسرها سيستقيل. إذا استقال انتهت التجربة. توقفت الدول الخليجية والغربية عن تمويل مشاريع تنمية الليبرالية الاقتصادية. اختل الأمن. عادت المقاومة الثالثة إلى فرض «الخوة» على رجل الأعمال ورجل الشارع، تماما كما هو الوضع البائس في «حماس غزة».

ديمقراطية الاحتلال فرضت على العراق ليبرالية الاقتصاد. أخطأت أميركا ليس في الغزو. إنما أيضا في تسليم أحزاب الشيعة الرديفة لإيران السلطة. تركت هذه الأحزاب الديمقراطية. لم تشكل طبقة إدارية كُفُؤة. اعتنقت اقتصاد السداح مداح. يحدوها جوع شره للمال العام. كان على أميركا بوش أن تقيم حكومة انتقالية ليبرالية تهتم بتقديم الخدمات السلعية والتموينية للناس. حكومة تمهد لديمقراطية حقيقية تحفظ كبرياء الوحدة الوطنية.

«اطلبوا العلم ولو في الصين». العرب لم يطلبوا العلم في الصين كما أوصاهم نبيهم. هم لا يعرفون أن ليبراليتهم الاقتصادية هي ليبرالية صينية. ليبرالية تختلف عن «اقتصاد الصدمة» الذي فرضه مفكرو أميركا الليبراليون، كجيفري ساكس على روسيا، بعد انهيار الشيوعية. مكنت التجربة «الطغمة اليهودية» من شراء القطاع الخاص بسعر التراب. شكرا لليبرالية بوتين الجادة التي جلبت الازدهار والاستقرار واسترجعت الكبرياء، مع قدر من الحرية السياسية.

الليبرالية الصينية، كالليبرالية العربية. هي أيضا تختبئ وراء مظلة «الآيديولوجيا الاشتراكية». بعد موت ماو تسي دونغ (1976)، سار دينغ هكسياو بينغ الخطوة الليبرالية الأولى. تحديث وتطوير تدريجي لكن بحسم. لبى تلامذته الليبراليون حاجة فقراء العالم إلى ديمقراطية السلع الرخيصة. صنَّعوا الطبقة العاملة. ما زال ماو يحظى بالاحترام. حتى المجتمع يقيم علاقة ود ورضا، مع الحزب الذي جعل دور الدولة تنمية الرفاهية. ثقافة العمل والإنتاج، بشفافية نزيهة. ومكافحة ناجعة للفساد، في مقابل الاحتفاظ بالسلطة.

مفكرو الليبرالية الصينية يحددون هدف التنمية الاقتصادية. دولة نظيفة (حتى لو لم تكن ديمقراطية). حكم القانون. الاستقرار. الأمن. مجتمع متعلم. تجنيب المواطن سوءات الليبرالية، كالمبالغة في الاقتراض المصرفي. والتبذير المسرف في الاستهلاك.

من الدوغمائية الحمائية المعرقلة للتجارة إلى العولمة! التجربة الصينية تجتاح العالم. العرب يشتمون العولمة. ويطبقونها. حولت الصين إفريقيا، إلى مختبر ليبرالي: استثمار. بناء. طرق. سكك. إسكان. مدارس. مشاف. كهرباء. ماء. كل ذلك بلا شروط سياسية. بلا غطرسة وشروط مصارف أميركا الدولية. وبلا أنانية أموال أوروبا.

لم يسمع العرب بمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي عقد في العام. وعدت الصين أفريقيا، عربها وسودها بإنفاق مائة مليار دولار على التنمية في القارة البائسة. خلال ثلاث سنوات في مقابل الحصول على المواد الخام والنفط. الليبيون والجزائريون لا يؤمنون بالصبر. ضرب الجزائريون العمال الصينيين. طالب القذافي الصين بنقل «التقنية» الصناعية إلى عمال إفريقيا. الواقع أن الليبرالية الصينية لها أيضا سوءاتها. صدّرت الصين مع ديمقراطية السلع الرخيصة، مئات الألوف من عمالها. يشاركون في التنمية. لكن يشكلون عبئا اجتماعيا باهظا، بسبب اختلاف الثقافة والتقاليد.

مفكرو الليبرالية الصينية لا يخفون أن الصين استوحت التجربة الليبرالية الأميركية: ثقافة السوق. المبادرة الفردية. طبقة رجال المال والأعمال. عولمة التجارة. لكن رفضوا استيراد الأزمة المالية. الاقتصاد الصيني حل محل الاقتصاد الياباني، كالاقتصاد العالمي الثاني، بعد اقتصاد أميركا الذي نخرته الليبرالية الفالتة، منذ ريغان إلى دهاقنة يهود المصارف الكبرى في وول ستريت.

إذا كان القرن التاسع عشر بريطانيًّا في ليبراليته الاستعمارية. والقرن العشرون أميركيًّا في ليبراليته المتوحشة. فالقرن الحادي والعشرون سيكون صينيًّا في ديمقراطيته السلعية، إذا لم يقنع الغرب الصين بصنع الكيماوي المزدوج،

===========================

في مواجهة الفشنك

أحمد خفاجي

ahkhafagy@yahoo.com

الثلاثاء 27 إبريل 2010

http://candles01.blogspot.com

كتبت يوم الثلاثاء الماضي عن الدولة الغبيه , و عن حالة الغباء التي تُصيب الدولة وتقعد بها عن التفكير والحركه , أكتب اليوم عن ظاهرة أخري تصاحب الدوله الغبيه , تقدم لها و تنتج عنها, إنها ظاهرة الفشنك.

رغم أنني أفضل دائما الكتابة بالعربية الفصحي قدر إستطاعتي , إلا أن العامية المصريه تمنحنا مصطلحات قادرة علي التعبير عن المعاني المقصوده بصراحة فجه , ومن هذه المصطلحات العبقريه مصطلح الفشنك

مصطلح الفشنك يصف لنا حالة الغثائيه التي حذرنا منها الحديث الشريف الذي يقول فيما معناه "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ ,قال أنتم يومئذ كثير , ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت "

 

أصابت أمتنا الغثائيه , أصبحت معظم معالمها الحضاريه مزوره , وصعد الرجال والنساء الفشنك إلي مواقع القمة والرياده

الفشنك صنف من الناس يشبه إلي حد كبير الطلقات الفشنك , ما يسمونه بطلقات الصوت , لا تحتوي علي مقذوف , مُعباْة ببارود ينفجر ويحدث دويا , يصيب بعض الناس بالهلع فتقفز منه خوفا وفزعا لكنه لا يترك أثرا غير الصوت المزعج ,.

 

إن جيشا يحمل كل الأسلحه ومقومات النصر و يستخدم طلقات فشنك في كل أسلحته سيصاب بالهزيمه لا محاله.

الأمم مثل الجيوش ,إذا إستخدمت رجالا ونساء من النوع الفشنك للإدارة والتقنيه ,واتخاذ قرارتها ,فإنها واقعة في الهاويه لا محاله

 الرجل الفشنك وسيم حسن المظهر, يرتدي بدلة أنيقه ,وقد يكون من حاملي الشهادات العليا ,و قد يكون أستاذا جامعيا ينزل من سيارته الفارهه محاطا بأبهة اللقب أو أبهة المنصب أو السلطه أو الرتبة العاليه فإذا بمظهره الرائع يخدعنا ,يوهمنا أن وراء هذا الهيلمان ,شخصية قويه , أو عبقرية فذه ,أو خبرات متراكمه , من هذا الوهم تتسرب إلي نفوسنا الرهبة والخوف من هذه التماثيل والمومياءات المتحركه , يضيف خوفنا منها قيمة مزيفة لها

إن صعوبة الحياه وقسوتها علي عموم ابناء هذه الأمه ,والنابهين منهم خاصة ,وتعسرهم في تحصيل أرزاقهم بسبب ما ساد مجتمعاتنا من فساد ونفاق , جعلهم يفقدون الثقة في أنفسهم ويشعرون بالوضاعة والدونيه , يتوهمون أنهم دون هؤلاء الذين يكسبون الملايين ويترقون لأرقي المناصب والرتب ,فيصابون بحالة من الخجل تمنعهم من نقد هؤلاء المترفين والتعرف علي حقيقتهم .

مهمتنا التصدي لهذه الظاهره وبث الثقه من جديد في نفوس أبناء الأمه حتي يحررو أنفسهم من الخوف ويتحركو من أجل النهضه .

الفشنك لصوص سرقو مناصبهم بالنفاق , وتقبيل أقدام الأخرين , يُفتون في كل شئ , يدعون المعرفة ببواطن الأمور وظواهرها ,إنهم قادة الدوله الغبيه , ورجال أعمالها , ومنظروها وإفرازها الأول

في عالم السياسه يحذرك الساسه الفشنك من كل تغيير , يخوفونك من اليمين ومن اليسار , ومن نفسك , وصل الحمق ببعضهم حد التصريح بأن إبن رئيس الجمهوريه أفضل من يكون رئيسا للجمهوريه لأنه تعلم فنون الرئاسه من والده !!! هكذا تصبح قيادة الدوله عند أساطين العلوم المزيفه مثل السباكه أو الحدادة أو البقاله.

في عالم السياسه حكام فشنك ومعارضون فشنك , إذ ان المعارضة الفشنك من لوازم إستمرار الحاكم الفشنك ,

في عالم الفكر , يُبهرك الأديب الفشنك بما حصل عليه من جوائز , وبما ألف من كتب , ولكنه يخزلنا جميعا عندما يسألونه في قضية بديهيه مثل حق التظاهر , ساعتها نكتشف غبائه المنقطع النظير ,يسأل عن عنف المتظاهرين وتحطيمهم للمتلكات الخاصه ,يخبرنه أن ذلك لم يحدث ولم يُسجل حدوثه , يصر الأديب الخرف والمفكر الفشنك علي الإستمرار في الحديث اللاوقع بلغة اللامعقول !!!! إنها قصة حقيقية يا ساده

في عالم المال والأعمال نجد الفشنك مالكا ومديرا لشركات كُبري , يحسبه الجاهلون عقلية إقتصادية جباره , نكتشف عندما نعرف تاريخه , أنه ليس إلا خاملا ورث أموالا بلا حصر , أو لصا سرق من أموال الشعب حتي أصابته التخمة , تكتشف الفرق الكبير بين من يصنعون النجاح المالي , ويؤسسون المصانع والمتاجر وبين من نهبو وسرقو وتاجرو في المخدرات , إنهم رجال الأعمال الفشنك , سماسرة الرأسماليه العالميه ووكلاؤها في بلادنا

إحترامنا للعلم والعلماء يجعلنا نحترم أساتذة الجامعات دون إستثناء , نتخيل أنه لا يصل إلي هذه المراكز المرموقه إلا المجتهدين وأصحاب العلم , تقترب منهم , تحتك بالبعض منهم عمليا يُروعك جهلهم , لدينا أساتذة جهلة في مجالات تخصصهم , وصلو إلي درجة الأستاذيه بالمحسوبية والرشوه , والوشاية بزملائهم , حكي لي باحث في مركز أبحاث علميه , أنه أضطر إلي إرسال رشوة للأستاذ المشرف علي رسالته للدكتوراه , تكونت الرشوه من بط وأوز وفطائر المشلتت وأرز ومكرونه ...إلخ , بعد أن نصحه زملاؤه بأنه لن يحصل علي درجة الدكتوراه إلا إذا أطعم الأستاذ المشرف.

عملت مبكرا في شركة سعوديه زراعيه , وعندما جاء مستشار الشركه لزيارة المشروع الذي كنت أعمل فيه , وهو أستاذ جامعي , كنت متشوقا للتعلم منه , كانت لدي أسئلة علمية وعملية كثيره في مجال عمل الشركه تحتاج إلي إجابة , عندما تحدثت مع المستشار أدركت من كلماته الأولي أنه لا علاقة له بمجال تخصصه , وعندما تعاملت معه في السنوات اللاحقه تأكدت أنه أجهل من أن نسأله عن أي شيئ .

تشاهد الضباط الكبار ورجال الإستخبارات في العالم العربي خلف نظاراتهم السوداء , وتحت النجوم والصقور المرصعة علي أكتافهم , تظن أنهم أبطال مغاوير , وعندما تبحث في تاريخ المؤسسات الإستخباريه والعسكريه التي يقودونها تعرف أنهم تافهون, وأنهم يتساقطون كالفراشات أمام الأعداء.

الإقتصاديون الذين وضعو الخطط الخمسيه المتتاليه , إقتصاديون فشنك لأن هذه الخطط لم تحقق نتائجها ولم تصل بالمجتمعات العربيه إلي الرفاهيه , لأنها خطط لا ترقي إلي مستوي القبول , وسياسات لا يقبلها العقل السليم .

لا تنخدعو بالشهادات العليا في الإقتصاد , إستخدمو المنطق البسيط والمباشر في الحكم علي سيساتنا الإقتصاديه

أيها السادة الأعزاء نحن في حاجة ماسه للتغيير الجذري الذي يُخرجنا من حالة الفشنك التي نعيشها , لم يعد مقبولا أن ينتصر خمسة ملايين صهيوني علي أمة تمتد من المحيط إلي الخليج , إنهم يفعلون بنا ما يريدون لأن بنادقنا مليئة بالطلقات الفشنك , لدينا زراعة لا تنتج ما يكفينا من غذاء , وطب لا يداوي , وصيادلة لا يخترعون ولا يصنعون الأدويه , وبياطرة لا يطورون ثرواتنا الحيوانيه , وجيوش للإستعراض فقط ,لدينا شرطة لا يهمها أمن المواطن , وجامعات لا تعلم .

حتي يحدث التغيير لابد من التمرد علي كل التافهين ممن يسيطرون علي مجريات الحياه في بلادنا , لا يمكننا المضي في سبيل التغيير ما بقيت لهم قدسيتهم , التمرد الذي نعنيه هو أن نضعهم موضع الشك , لأنهم لم يقدمو إنجازا ,أن نناقش أساليبهم الباليه وطرقهم القديمه , أن نتوقف عن قبول كل ما تقوله الأسماء الكبيره التي صنعوها بالوسائل الإعلاميه ووضعوها في متاحف الجمود والتخلف

علي كل صاحب قلم في بلادنا أن يحمل فأسه وأن يقتحم المعبد الوثني , عليه أن يقتفي خطوات إبراهيم عليه السلام ويحطم صنما من الأصنام , حتي نقيم الوحدانية لله , وحتي تنطلق الأمة من عقالها

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ