ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 04/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإسلام.. حداثة مغايرة

مروان العياصرة

5/3/2010

القدس العربي

حين جاء الإسلام، كان بمثابة ثورة جديدة، بكل ما تشتمل عليه كلمة ثورة من مجالات تثوير العقل والمنطق وأحكام الحياة، وبكل أبعادها الموضوعية والفلسفية (المكانية والزمانية )، فرضتها أولا الإرادة الإلهية، واقتضتها ثانيا الظروف الاجتماعية والثقافية، للعرب أولا وللناس على العموم ثانيا، ورسختها فكرة النهايات)، ولعلي لا أجازف بمثل هذا المعنى، أن الدين الإسلامي دين النهايات شكلا ومضمونا، فمن حيث الشكل هو آخر الأديان، ورسالته آخر الرسالات، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، ومن حيث المضمون جاءت كل متعلقات الأفكار والمبادئ والأسس موقوفة على نهايات الحياة، وان ثمة معنى آخر خلف نهاياتنا في الدنيا، فركزت النصوص الدينية (القرآنية والسنيِّة) على إنتاج سؤال النهايات، وربط الحيوي والمشاهد بالماوراء، أي ذاك الحس بالوجود غير المرئي الذي ركز عليه الإسلام تأسيسا لمبدأ الاعتقاد والانقياد، لذا جاءت العقيدة تثويراً للمعتقد الفردي والجماعي، وإعادة لتوجيهه نحو غايات غير مقيدة بالشرط الزماني، وتوالدت معاني (الإيمان) كترجمة روحية ونفسية لهذا المعتقد، وأنتجت بعدها أركان الإسلام بصفتها الترجمة العملية والحسية لمبادئ ووظائف الثورة الجديدة، تأكيدا على رسوخ المعنى الروحي، وقياسا للمعنى الحسي من خلال الفروض والواجبات العملية والانقياد للإيمان والاعتقاد.

ركز إذن الإسلام أو الإيمان على خطاب النهايات، خاصة في بدء التكوين للأفراد والجماعة المسلمة، وجاءت نصوص القرآن حافلة بقصص النهايات للأقوام والأمم السالفة، ولعل الفترة المكية من تاريخ الإسلام كانت الفترة الأكثر تأسيسا لهذا المعنى والقرآن المكي هو الأكثر توظيفا لتاريخانية النهايات عبر رحلة الزمان من عصر لعصر وعبر مشهديات تعلو بخطاب الشدة والقسوة وبوقع معنوي ثقيل ومؤلم، كل ذلك من أجل بناء إنسان غير خاضع لسلطة غير سلطة الاعتقاد الجديد، ومع ذلك لم يكن هذا الدين وتلك الثورة الجديدة مماهاة كلية للنهايات، بل جاءت دولة المدينة لتؤسس أنساق حياتية متعددة، وبوظيفة شمولية لاستخلاف الإنسان، وخرج مفهوم الإسلام من حدود الدين والاعتقاد إلى حدين متوازيين (دين ودنيا)، وهو معنى حداثي بالكلية، بمعنى أن الإسلام الحداثي ليس وليد أفكار الحداثة الغربية، بل وليد منهجه الحداثي الذي ربط سياقي الروح والمادة ببعضهما، وعزز اتجاهات التفاعل بينهما، وان ما يصدر عن الإنسان الجديد (المسلم إبان بداية الإسلام)، يجب أن يأتي مساوقا لمبادئ الاعتقاد، وأسس المزاوجة بين المادي والروحي، وهي نظرة كلية للإنسان بأبعاده الزمانية (ماضيه وحاضره ومستقبله)، والمكانية المختلفة، كما أنها نظرة تقدم الإنسان بما يصدر عنه من عمل وسلوك وقيم وأخلاق ومعاملات وعلاقات في صورة تحترم الإنسان كوجود فعلي وتعطيه قيمته كوجود اعتباري، وهو أيضا سمة حداثية الدين الإسلامي.

نحن هنا لا نؤسس لمنطلق تنظيري لحداثة الإسلام، بل نعيد تشكيل النظرية بحيث تصبح على حقيقتها بأن الإسلام منذ نشأته دين حداثي بالمعنى الشمولي لفكرة الحداثة، والنص القرآني على الإجمال نزل منجما وفي ذلك معنى الاستمرارية في توظيف المعاني المستحدثة، وإن كانت هذه فكرة بعيدة نسبيا، فإننا نقارب قول الوليد بن المغيرة في القرآن (إن له لحلاوة وإن عليه طلاوة، وإن أعلاه مثمر وإن أسفله مغدق)، وكثير من الدلالات التي تحمل مواءمة النص القرآني للصيرورات الزمانية والحوادث العصرية.

الإسلام حداثي بأصله، وتأصيله لقيم الحداثة التي ظهرت في أوروبا في نهايات القرن الخامس عشر وبدايات السادس عشر، ومن المفكرين من أعادها إلى عام 1436 وهو عام اختراع الطباعة، ومنهم من أرخها بالثورة اللوثرية 1520، وأياَ كانت البدايات فإن التأصيل الإسلامي لها جاء سباقا، وبكل معانيها ومبانيها الروحية والمادية، فتحرير العقل من سطوة الوصايات والأبوات إلى سلطة الفكر الحر، والملتزم بالمبادئ التي تعزز قيمة الإنسان وتبني عالمه، فأي دعوة حداثية احترمت حرية الفرد، وحفظت حقوق الجماعات بأكثر ما جاء به الإسلام.

نعم لقد أثرت كثيرا ممارسات المسلمين والإسلاميين على هذا الفكر الحداثي الذي جاء به الإسلام، لكنه لا يلغيه، أو يقولب الأصل والتأصيل لصالح حداثة منسوخة من أفكار لا معنى لها إن لم تمارس عمليا، وإن لم ترتبط بإطارها التطبيقي، ومرجعيتها من الفهم الصحيح، والإدراك السليم للخيرية والإيجابية، فالحرية كمثال حيوي هي جزء رئيسي من معاني الحداثة، ونصل للتعريف بها لكثير من النظريات والمؤلفات، لكننا لا نكاد نجد إلا نزرا يسيرا من التعريف الإجرائي، الذي يصور معناها الخيري للأفراد والأمم، وخذ أمثلة حية شاهدة على ذلك، ومنها نتاجات السياسة والاقتصاد، وأدواتهما من الحروب والصراعات واشتعال الأزمات، ففي العراق حرب من أجل صون حرية العراقيين، وفي فلسطين ولبنان، وفي غير مكان، وانظر لثراء تاريخنا الإسلامي، حين أمن عمر بن الخطاب الخليفة الخامس أهل إيليا على دينهم ودنياهم، وانظر قبلها لوصايا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كل غزوة، ووصايا خليفته الأول لجيش أسامة لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له.

هذه هي حداثة الإسلام، احترام للإنسان والمكان، وللفكر والدين والمعتقد، وتلك هي حداثة العصر المفرغة من محتوى عصريتها، وأي حداثة كانت أقدر على تعزيز قيم العدالة والعدالة الاجتماعية، فقد دعا الإسلام لذلك وبنى قواعد للعدالة ما زالت حاضرة في التاريخ، أما الغرب الذي أنتج مفهوم العدالة الاجتماعية في مقابل حربه على الإقطاع والطبقية، فقد استغل هذا المنتج في سبيل أطماعه ومصالحه وأحكامه الخاصة، ونتيجة لذلك نشأت جماعات وحركات إسلامية لها شكل يقف ضد الحداثة، لكنها ذات مضمون يدعو للعدالة في التطبيق للقيم الحداثية من حرية وعدل ومساواة واحترام الرأي والمصالح والسيادة وغير ذلك.

نعم.. يدعو الإسلام لاستظهار حداثة مغايرة عما يعهده العالم، حداثة بمنتج قيمي وأخلاقي، لا من منتج سياسي ومصالحي ضيق، حداثة تعطي للروح معناها وللمادة مبناها الحقيقي، وتدفع باتجاه تمازج وتلاقح هذين العالمين الكبيرين (عالم الروح وعالم المادة)، كي يبقى الإنسان عموما متصالحا مع شرطه التاريخي.

=================

بحثاً عن بديل الرأسمالية المتوحشة: قارة أوروبية مهددة بإفلاسات الدول بعد الشركات

مطاع صفدي

5/3/2010

القدس العربي

تغيب عن الأنظار والعقول معاً أسئلة التحولات البنيوية التي تهزُّ عالمَ اليوم. حتى النخب الغربية التي أعتادت أن تفكر بالنيابة عن ذاتها والإنسانية معاً، يبدو أن روادها المثقفين الكبار، مازالوا يفضلون الصمت أكثر من الكلام. لعلّهم يعتذرون عن الكلام المباح، بفضيلة ادّعاء المزيد من تأمل الأحوال المركبة. كأن سفينة الوعي لا تعرف بعد كيف ستخرج سليمة أو مدمرة، من عين العواصف التي تتقاذفها.

لقد طغت التحليلات الاقتصادية، أو المتقاربة معها، على التفكر في الأزمة العالمية كأحوال يومية متسارعة، كأنما لم يعد ثمة من يوم تالٍ أو نموٍ آتٍ لما بعدها. بل يبدو أن التبشير يتجاوز الأزمة، أصبح هو البديل الدعاوي عن فضائح كوارثها المتلاحقة كالنار في الهشيم. هذا الوضع يستفز الرئيس أوباما، فيعلن في اجتماع دول العشرين أن أمريكا نفسها مقدمة على أزمة ثانية إن لم تعالج نظامها المالي أو الصيرفي من أساسه. ما يعني أن زعيمة الاقتصاد العالمي أمريكا، لن تبرح بعد أزمتها الأولى حتى تقع في الهاوية الثانية. فالوضع المتردي مستمر منذ عامين، ومرشح لديمومة لا أحد يجرؤ على تحديد نهاية لها، ما عدا أبواق الإعلام النيوليبرالي، في عواصم الغرب، وأصدائه في الفضاء العربي؛ ذلك أن سلطاتها الحاكمة تتابع تغطيتها على أحوال السادة الغربيين، لكي لا تزيد في امتهان شعوبها لها. وفي الوقت عينه تؤجل من ساعة المواجهة مع الحقيقة المكبوتة لواقع اقتصاداتها المحلية المتهالكة، منذ ما قبل أية أزمة عالمية وإلى ما بعدها.

اعتاد الرأي العام النخبوي في القارة الهرمة أوروبا على ترداد المثل القائل أنه إذا عطست أمريكا، اقتصادياً فأوروبا تصاب بالأنفلونزا. غير أن هذا المثل ينبغي له أن يتطور إلى الصيغة الأحدث. ماذا تكون حالة أوروبا إذا ما استولت على أمريكا الأنفلونزا، أو جائحة المرض المستدام. بل ربما هل سوف يمسي العالم أجمع أسيراً لمرض أمريكي مزمن. من هنا يضطر بعض الفكر الحر الأوروبي إلى الاعتراف، ولو بصوت خافت، أن مصير خلاص الإنسانية من أوبئتها متوقفٌ على مصير الرجل الأسمر الجالس على عرش المعمورة في (البيت الأبيض). فهذا الرئيس شاء أم أبى، رشح نفسه لأصعب مهمة في تاريخ الاستراتيجيا الكونية الراهنة؛ إنه مضطر لمقاتلة الغول الأكبر في عقر داره، وهو يشاركه سكناه في غاره المظلم.

لن ينتهي النقاش الدولي حول علل الأزمة الاقتصادية، حتى وهو واقع تحت وابل الدعايات المضادة، المتركزة حول سحب موضوعها من التداول العمومي. ومحاولة ضخ كل الأوهام الإعلامية، تعويضاً من عودة النمو إلى أسواق الإنتاج والاستهلاك في الدول المصنعة، والغربية منها تحديداً. وهي تلك الأكاذيب الوقحة التي تدحضها يومياً مقاييس العمل الحقيقية بأرقام البطالات الجماهيرية على أنواعها في شوارع العواصم الأوروبية والأمريكية. والأنكى من كل هذه الظاهرات الرهيبة، هناك دول أوروبية مهددة بإفلاسها الكلي، من اليونان إلى أسبانيا والبرتغال وإيطاليا وبولندا.. وسواها من صنف الدول الكبرى، حتى فرنسا نفسها، الغارقة في ديون ميزانيتها شبه الفلكية.. وماذا عن مصير بريطانيا العظمى نفسها وديونها المتراكمة بدون أمل في السداد.

الأزمة، تتطور إذن، من إفلاس المصارف والشركات، إلى مرحلة إفلاس الحكومات، ومجتمعاتها معها،ربما.

هل صدرت الأوامر الخفية بوقف أحاديث البدائل عن الرأسمالية، أي بمنع البحث فيما يسمى بنظريات الاقتصاد الكبير. حتى جماعات اليسار، التقليدي منه والمستحدث، لم تعد تجاهر بأية اختلافات جدية حول قاعدةٍ (ذهبية؟)، تنص على أن كل فكر إصلاحي ينبغي أن يجول داخل الرأسمالية، ولا يتعداها إلى سواها. أحد زعماء الحزب الاشتراكي الفرنسي، ورئيس وزراء سابق في عهد ميتيران، وهو ميشيل روكار، أخذ على عاتقه منذ ما قبل الأزمة وخلالها، وصولاً إلى مأزقها الحاضر، مهمة الافتاء النظري، النافر من الأدلجة ما أمكن حسب ادعائه، إنها الأزمة التي لا يرى أحدٌ حلاً لها، ما دام كل فكر إصلاحي يفضل الغوص في تفاصيلها المرعبة، متهيباً من النظر إليها ككل. ما من أحد يريد العودة، أو التذكير بتلك البداهة الأولى، بالقول الصريح المباشر أن الرأسمالية هي الأزمة.

يتحاشى خبراء الاقتصاديات الليبرالية الخوض في الآراء المتناقضة حول الاقتصاد الكبير، أي نظرياته الشمولية. لكن تداعيات الكوارث الاجتماعية المتلاحقة في ظل تفاقم العجز عن وقف التدهور في شروط المعيشة الرضية التي ألفتها الجماهيرُ المتوسطةُ أو الغالبية، عادة، من مجتمعات الغرب، هذه التداعيات السلبية المتسارعة، تدفع بعض العقول النيرة الجريئة إلى إستعادة المبادرة في طرح الأسئلة الأساسية، وإن ضمن الدوائر الأكاديمية و مركز التفكير شبه المغلقة.

لكن سياسياً مخضرماً، مثقفاً وجامعاً بين الخبرة الطويلة في النضال الحزبي، وتجربة الحكم (الاشتراكي)، وهو ميشيل روكار، يتذكر مصطلح (الاشتراكية الثانية)، كخط ثالث بين دعاة ترميم الرأسمالية من داخلها، من ناحية، والمنادين باستعادة حرفية للماركسية، في الناحية المقابلة. فما يعنيه هذا المصطلح ليس سوى حلقة جديدة قديمة في تيار ثقافة الجمهورية، العزيزة على فكر النخب الفرنسية، منذ أيام ثورة الحقوق الإنسانية الأولى، العالمية، بعد إسقاط الملكية الإقطاعية. فالمقصود جوهرياً في كل هذا هي الكيفية التي تجعل المصالح العامة للمجتمع قيّمة على مصالح أفراده من دون المساس بحرياتهم الطبيعية.

الاشتراكية الثانية تريد ابتكار النظام السياسي لدولة الديمقراطية الاجتماعية فهي ترى فيما يتعلق بالأخطار المتوقعة، مع استنقاع الأزمة وتهديدها بجولة أخرى من العَصْفِ بالمؤسسات الإنتاجية المتبقية للدول الغربية، لا بد للتفكير في الحلول الجدية، بدءاً من نقل مركزية الاهتمام، خارج الحدود الاقتصادية المغلقة، إلى آفاق السياسات الكلية، سواء في مستوى كل دولة لوحدها، أو على المستوى العالمي، الجامع لأركان الحضارة الصناعية، قُدمائها والحديثين المنافسين معاً. لكن الواضح حتى الآن أن هذه الدول، في الغرب خاصة، ليست مستعدة بعد لإطلاق نوع التفكير السياسي الجديد، الموصوف بالمستقل عن سلطان الصيرفة المعولمة، الممسكة عملياً بخناق مؤسسات الانتاج، وذلك من خلال سيطرة أسواق المال، أي البورصات تحديداً، والتلاعب بأسهم هذه المؤسسات.

فقد كادت إدارة الرئيس أوباما، خلال الأسبوع المنصرم أن تخسر واحدةً من أهم جولات مشروعها الإصلاحي لإقطاعية الصيرفة الأمريكية، هذه القوة، المتطورة وغير المنظورة، تصارع حالياً أعظم دولة في العالم، لعلّها تقهرها في جولتها الحاسمة تلك، التي ربما لن تعقبها جولات أخرى قريباً. هكذا حاول الحزب الجمهوري إسقاط مشروع أوباما الموصوف بالأهم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، في نوايا بعض الإصلاح الجذري، للحدّ من عربدة سلطة المال الفلكي ما فوق المجتمع والدولة معاً هذه السلطة التي صار لها عنوان علموي متداول هو: صناعة المال. كما لو أنها أصبحت صناعة إنتاجية كغيرها، بينما تمسك هي بشرايين الحياة لمختلف الصناعات الإنتاجية الأخرى الحقيقية. فاللوبي الصيرفي هو أقوى لوبيات واشنطن المتصدية لكل تحركات الأوبامايا الإصلاحية. في الوقت الذي يصطف معه الحزب الجمهوري، كأداة سياسية فاعلة، إلى جانب هذه المعارضة المطلقة للتغيير المؤسسي الصيرفي الذي يهدف إلى الفصل ما بين بنية المصرف التجاري، والمصرف الاستثماري وفكّ اللحمة غير المشروعة القائمة حالياً بينهما. فإذا لم تتحقق هذه الثورة الصيرفية، كما يدعوها البعض، يؤكد أوباما وفريقه أن هناك فقاعة عظمى جديدة آتية ستنفجر لا محالة. ولن ينفع معها الضخّ الحكومي، كما حدث لمئات المليارات التي ابتلعتها هذه المصارف عينها، الرافضة اليوم لأية رقابة قانونية على تصرفاتها، من قبل هيئة خبراء محايدين يقترحها المشروع الذي سينال موافقة الكونغرس بالرغم من معارضة أكثرية الحزب الجمهوري.

هذا الاختراق الإصلاحي، التاريخي، قد يرمّم الشيء الكثير من الأعطال السلبية التي لحقت بسمعة الرئيس الأسمر الشعبية، لكنه لن يرقى إلى مستوى المعجزة المطلوبة تحت شعار التصدي الشامل للعلة الأشمل، كما سوف تفرضه تطورات الأزمة نحو أسوأ كوارثها المتلاحقة. وهو الأمر الذي يُعبَّر عنه اصطلاحياً بخيارات الاقتصاد الكبير. فلقد التقى مئتا عالم وخبير اقتصادي، أكثرهم أنغلوأمريكان، وبينهم خمسة من حملة جائزة نوبل، (منتصف الشهر الماضي في جامعة كمبريدج / بريطانيا)، وذلك في سياق ندوة ذروية، تعقدها مؤسسة تفكير، يُمولها جورج سوروس، الملياردير (المثقف المعروف)؛ كان موضوعها الضمني هو هذا الاقتصاد الكبير، من مدخل المراجعة النقدية الجذرية لل (دوغما) الرأسمالية المدعوة بحرية السوق.

جُلّ هؤلاء تضمهم الليبرالية السائدة، متوزعون على أجنحتها المختلفة من يمينها إلى يسارها. لكنهم جميعاً متفقون على الانتهاء من دوغما حرية السوق، كعقيدة مقدسة. ليست هي 'اليد الخفية' للسوق، المسؤولة عن إقامة التوازنات الضرورية بين العمليات الثلاث المؤسِّسة للاقتصاد أي، الانتاج والاستهلاك، والاستثمار ما بينهما، تلك الدوغما الميتافيزيقية منذ أيام آدم سميث، قضت عليها عولمة الاحتكارات الكبرى، التي جعلت من حرية السوق، أسطورة عفا عليها الدهر، فقد تم عزل آليات السوق الطبيعية عن المجتمع. وبالتالي سيطر سوق المال وحده، أي عمليات البورصة والصيرفة الخاضعة لمضاربات السماسرة، هكذا يمكن القول أن الأزمة قد فرضت أخيراً المراجعة العلمية والسياسية العامة لأسس النظرية الاقتصادية كاملة. فالطرح المعرفي العلمي يشقُ طريقه نحو استعادة مرجعيته، وفرضها كمعيار صاعد، وصامد ضد قوى الاحتكارات الكبرى. لكن المعرفية وحدها لن تكون لها الكلمة الفاصلة إن لم تدعمها قرارات سياسة جديدة كلياً، لا يبدو أن أنظمة الغرب الحاكمة مستعدة بعد لتفهُّم ضروراتها، والتجرؤ الصريح على مقاربتها.

هذا بالرغم أن عواصف الانهيارات أصبحت تلامس قمم الدول، بعد أن اجتاحت الشركات والمصارف.

أوروبا التي تنتظر قاطرة الإصلاح الأمريكي أولاً، أضحت قارة مهددة بإفلاسات دولها الصغيرة.. وربما الكبيرة قريباً، إن لم تبادر إلى إعادة إحياء اتحادها المتفكك، واجتراح قيادة سياسية كاملة الصلاحيات، متمتعة بقوة السيادة، مقترنةً باستقلالية تامة عن التبعية المتسكعة وراء إمبراطورية ما وراء الأطلسي.

هذه الحقيقة يعرفها رجل الشارع الأوروبي، وتلوكها ألسنةُ النخب الثقافية، لكن الحاكم السياسي هو الصامت وحده حتى الآن؟

=================

ماذا بعد شهور التفاوض الأربعة؟!

ياسر الزعاترة

 الدستور

3-5-2010

لم نكن نخط في الرمل عندما كنا نقول إنهم سيعودون إلى التفاوض أيا يكن الموقف الإسرائيلي ، بل هو التحليل البديهي لسلوك قوم لم يخفوا في يوم من الأيام رؤيتهم ولا برنامجهم ، فالذين فاوضوا أولمرت ثلاث سنوات دون توقف بينما كانت يلتهم المزيد من أراضي الضفة ، ويمارس المزيد من التهويد لمدينة القدس ، لم يكونوا ليشترطوا على نتنياهو وقف الاستيطان رغم علمهم أنه أكثر تشددا من سلفه ، لكنها الورطة التي أوقعهم فيها الرئيس الأمريكي عندما تبنى ذلك الشرط من أجل عملية سياسية ذات جدوى: هو الذي صدّق أن بوسعه فرض رأيه على الزعيم الإسرائيلي في ظل ملامح تغير ما في المزاج الصهيوني داخل الولايات المتحدة.

 

عندما تراجع أوباما لم يكن بوسع الذي صعدوا إلى الشجرة أن ينزلوا عنها بعدما صدقوا أنفسهم وباعوا الموقف على الجماهير بوصفه تمسكا بالثوابت ، فكان لا بد من البحث عن مرجعيات أخرى تبرر العودة غير المظفرة ، وهنا كانت الضغوط الأمريكية على محور الاعتدال لكي يوفر بدوره السلم ، هو الذي دأب على ذلك منذ سنوات ، ونتذكر أن التمديد للرئيس الفلسطيني بعد انتهاء ولايته قد جاء بنفس الطريقة (بطلب من وزراء خارجية جامعة الدول العربية).

 

يضاف إلى ذلك بالطبع موقف منظمة التحرير التي أصبحت جزءا من ممتلكات السلطة بعد مؤتمر فتح (تحت الاحتلال) ، وبعد ملء المقاعد الشاغرة في لجنتها التنفيذية (أعني المنظمة) بتلك الطريقة الكاريكاتورية التي تابعها الناس في رام الله.

 

في هذا السياق ، نعلم ويعلم الجميع أن الذين عارضوا المقاومة عندما أجمع عليها كل الشعب الفلسطيني في انتفاضة الأقصى ، وخاض كبيرهم الانتخابات على أساس برنامج رفض المقاومة ، لم يكونوا ليغيروا سلوكهم ، مع أن ترشيحه وفوزه كان بمرجعية عربية ودولية أيضا ، حيث لم ينافسه أحد ، مع أن استطلاعات الرأي قبل الانتخابات بشهور ، حين كان ياسر عرفات لا يزال حيا لم تكن تمنحه نسبة تذكر ، بينما كانت فتح وكوادرها يقولون فيه ما يعلمه الجميع أيضا.

 

والخلاصة ، أن المرجعية العربية والدولية التي منحت هذا الفريق حق السيطرة على حركة فتح ومنظمة التحرير ، لا زالت تفعل فعلها كلما اقتضت الحاجة ، وهو ما كان فيما خص قرار العودة إلى المفاوضات "غير المباشرة" لمدة أربعة أشهر ، سواء القرار أم القرار الحالي الذي صدر أمس الاول السبت عما يعرف بلجنة المتابعة العربية.

 

يدرك العرب والعجم والسند والهند أن تلك الشهور الأربعة ، سواء حفلت بالمفاوضات غير المباشرة أم المباشرة ، بل حتى لو شهدت مؤتمرا متواصلا على غرار كامب ديفيد ، لن تؤدي إلى صفقة نهائية إلا إذا قدم الطرف الفلسطيني لنظيره الصهيوني كل ما يحلم به على صعيد الحدود والأمن والسيادة والمستوطنات ، والأهم القدس ، وهو ما لن يكون سهلا في ظل الظروف القائمة ، لا سيما أن في الساحة خصما كبيرا (حماس) لا يمكن المضي في برنامج تحجيمه والمزايدة عليه في ظل صفقة من هذا النوع. هذا بفرض أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يسكت عليها ، الأمر الذي يبدو مستحيلا في واقع الحال.

 

في ضوء ذلك ، يمكن القول إن قرار العودة إلى المفاوضات لن يكون لمدة أربعة أشهر كما قيل ، بل لأمد مفتوح ، ومرة أخرى بغطاء عربي إذا لزم الأمر ، وقد يتحول غير المباشر إلى مباشر ، ربما مع حوافز من النوع المعروف (تخفيف حواجز ، إفراج عن معتقلين ، نقل الصلاحيات الأمنية للسلطة في مدن جديدة).

 

هذا هو المسار الطبيعي لسلطة سيكون عليها أن تختط للشعب مسارا آخر إذا أعلنت فشل المفاوضات ، وهي تبعا لذلك لن تعلن ، وستواصل التفاوض من جهة ، فيما تمضي في اتجاه برنامج السلطة الدولة أو السلام الاقتصادي آملة أن يقتنع الناس بالوضع الجديد "قليل الأعباء" من جهة أخرى ، لكن ذلك لن يكون ممكنا إلى أمد بعيد ، ليس فقط لأن الفريق المستفيد من التحسن لن يكون كبيرا ، بل أيضا لأن الشعب لن يوافق على صفقة هي أشبه بصفقة روابط القرى في السبعينات (الحياة السهلة نسبيا مقابل نسيان التحرير والكرامة) ، أما في حال تورط القوم في صفقة نهائية بائسة فستعرف الجماهير كيف ترد عليهم وعلى الاحتلال في آن.

=================

يا عمال العرب، أفيقوا!

ميشيل كيلو

السفير

3-5-2010

لم يعد أحد يتذكر أن للعمال عيداً، مع أن عيدهم كان في الماضي القريب جدا مناسبة سياسية واجتماعية وطنية تثير قدرا هائلا من الاهتمام، تحتفل بها كل عام قطاعات واسعة من الشعب، وها هو يمسي اليوم مناسبة قليلة الأهمية، نسيتها قطاعات واسعة من العمال أنفسهم، يرتبط تراجع أهميتها وأعداد الذين ينتبهون إليها بتراجع دور «الطبقة العاملة العربية» ومكانتها، بعد أن تحولت إلى جماعة مشتتة ومجردة من القوة، فقدت خلال السنوات الأربعين الماضية ما كانت قد نالته من استقلالية وحضور اجتماعي مباشر من خلال نقاباتها، وغير مباشر عبر الأحزاب السياسية، التي نسبت نفسها إليها، أو تصارعت على تمثيلها.

لا يعرف أحد بدقة عدد العمال العرب. يقدر بعض المتابعين حجم ما يسمونه «الطبقة العاملة العربية» بما يزيد عن مئة مليون امرأة ورجل، بينما يقدر عدد العاطلين من العمل منهم بحوالى ستة وعشرين مليونا. يحصل العمال العرب، الذين يعادلون وأسرهم قرابة 65% من العرب، على أكثر قليلا من 20% من إجمالي الدخل الوطني لبلدانهم، بينما يحصل العمال الأوروبيون على ما بين 65 و70% من هذا الدخل! بهذه النسبة الهزيلة التي تلقي بالعمال إلى ما تحت خط الفقر، وببنية المصانع العربية، التي يشغل 96% منها في بلدان عربية عديدة منها سوريا أقل من أربعة عمال، يصعب تحول العمال العرب إلى قوة منتجة أو مستهلكة أو مدخرة. إنهم بالأحرى كتلة هائلة الحجم من المحرومين، تفتقر إلى تعريف وهوية محددة، وإلى مستوى مقبول من الدخل، لذلك يصعب اعتبارها طبقة حديثة أو صناعية بمعنى الكلمة، ويصعب النظر إليها بوصفها حامل التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي العام، المستقل عن غيره من تكوينات المجتمع. إنها بالأصح خليط تتجمع فيه أعداد هائلة من الفقراء والمظلومين، الذين يعملون في ظروف قاسية، ليس لهم فيها حقوق واضحة يستطيعون الدفاع عنها بأنفسهم أو عبر نقاباتهم، فإن حدث وخاضوا نضالا من أجل مطلب ما، كان نضالهم جزئيا وقصير النفس ووقع في جو يخلو من أي تضامن اجتماعي أو سياسي معهم، بعد أن تلاشت أحزاب كانت تنسب نفسها إليها وغاب دورها بصورة تكاد تكون تامة، وتحولت نقابات«هم» عن وظيفتها الرئيسة في حماية حقوقهم والحرص على مصالحهم وتطوير مؤهلاتهم ودورهم التقريري في الاقتصاد، وانقلبت إلى نقابات سياسية لا هم لها غير إبعادهم عن الحياة العامة، وتشويه وعيهم كطبقة ذات مصالح متميزة، وحشدهم وراء نظم بلدانهم السياسية: في مناسبات متفرقة ومتباعدة، ذلك أن هذه النقابات تابعة للدول، وهي على العمال وليست لهم، لذلك تمتنع عمداً عن المطالبة بأي أمر يخصهم، كزيادة أجورهم وتحسين أحوالهم. وتقيد نفوذهم وحضورهم في العملية التنموية والإنتاجية، ولا تحافظ حتى على قوامهم كفئة أو كطبقة اجتماعية خاصة، مع أن انتسابهم إليها، (الذي يحرمهم من الحق في ممارسة حراك حر ومباشر يقومون به بأنفسهم)، إجباري في معظم الدول العربية، فلا نفع أو فائدة لهم فيه، علما بأنه يعطيهم شيئا يستحق الذكر ويأخذ منهم كل شيء، وخاصة دورهم كقوة اجتماعية لو كانت منظمة وذات وعي طبقي متبلور لكانت فائقة القدرة، ولاستطاعت الحصول على ما ترغب، في الدولة والمجتمع.

ليست طبقة لنفسها

تفتقر الطبقة العاملة العربية إلى حضور مؤثر في بلدانها، اجتماعياً أكان هذا الحضور أم اقتصادياً أم ثقافياً. وليس لهذه الطبقة أهداف تتخطى حالها أو الحال العربي الراهن، فهي ليست طبقة لنفسها أو لمجتمعها، وليست مؤهلة، من حيث درجة تنظيمها ووعيها، لأي دور غير الذي تمارسه كتجمع هائل للفقراء، المحرومين من حق الدفاع عن أنفسهم وحق امتلاك تمثيل مستقل خاص بهم. يرجع جزء من أسباب وضع العمال إلى ارتباط معظم قياداتهم بمنظمات وسياسات رسمية مناوئة للعمال، وفساد هذه القيادات وسعيها إلى تحقيق مصالح شخصية وخاصة بدلا من مصالح الذين تزعم تمثيلهم، وافتقارها إلى الشعور بالانتماء إلى الطبقة العاملة، وتاليا إلى الرغبة في الدفاع عن مصالحها ودورها التاريخي، وهي تتصرف كمن يخجل من الانتماء إلى قاع المجتمع السفلي، حيث العمال.

بالمقابل، يرجع وضع العمال الراهن إلى تهتك وعيهم الطبقي، وتدني مستواهم المعرفي والعلمي، وضمور اهتمامهم السياسي ومحدوديته، وضعف إحساسهم بأنهم جزء من طبقة يمكن أن تكون، وبوسعها أن تصير، هائلة القوة، من الضروري التضحية من أجل أن يكون لها دور وأهداف، ما دام عائد التضحية سيعود بالنفع على العمال أنفسهم.

ولعله مما يضعف شعوبنا أشد الضعف أن من يعملون من أبنائها بأيديهم وعقولهم لا يعرفون كيف يكونون عمالا، حتى إن أرادوا ذلك، وأن قيادتهم العليا ليست منهم بالاختيار وإن كانت مفروضة عليهم بالانتماء، وقيادتهم الوسطى والمباشرة ترى في نفسها فئة من إدارة السلطة، تكمن وظيفتها في مراقبة العمال مقابل السماح لها بالتكسب على حسابهم، فهي جزء من بيروقراطية الدولة وليست جزءا من المجتمع، وهي تمارس في حالات كثيرة مهمات أمنية ووظائف تشبه أو تماثل وظائف البيروقراطية في قطاعات الدولة الأخرى، فليس القصد من عملها تحقيق المصالح الخاصة بالطبقة العاملة، بل الحفاظ على النظام الاجتماعي والسياسي العام، وأخذ الطبقة العاملة إلى مواقع تهمشها تقلع فيها عن لعب أي دور، خاصة إن كان يجسد مصالح طبقية واضحة تجاه الدولة وطبقات المجتمع وفئاته غير العمالية، وكان يضمر بعض التعارض مع مصالح غيرها من الفئات، ويمكن أن يتسبب في إعادة نظر جدية ببعض القضايا المهمة كإعادة توزيع الدخل، والمشاركة في تقرير شؤون وإدارة المصانع والعملية الإنتاجية، وتخصيص العمال بخدمات وعوائد تجعل منهم قوى منتجة ومستهلكة ومدخرة، تقابل رأس المال بالنسبة إلى عالم العمل، والسلطة على مستوى المجتمع، وتمتلك دورا كبيرا ويزداد باطّراد في الشأن العام.

أخيرا، تقبع في أسفل سلم الطبقة العاملة كتل بشرية هائلة العدد، تفتقر إلى أية حقوق، تنازلت أو أجبرتها ظروف السياسة على التخلي عن دورها الخاص، جزئيا كان أم عاما. فهي قطاعات وفرق متناثرة متنافسة، تنتهي وحدتها وتتقطع صلاتها مع توقفها اليومي عن العمل، وهي تابعة لغيرها من الطبقات، تفتقر إلى تمثيل حر، نقابيا كان أم سياسيا، يشوش وعيها السياسي المتدني وعيها الطبقي الأكثر تدنياً، وتحد طرقها المتنوعة لكسب العيش، في المصنع كما في خارجه يمارس معظم العمال العرب أعمالا أخرى غير عملهم الأصلي من صفتها وهويتها الطبقية، فلا يعرف قسم كبير من المنتسبين إليها كيف يصف نفسه، فإن عرف حار في تعيين هويته الشخصية ومكانه من المجتمع. ولعله من اللافت أن معظم هذه الكتلة البشرية الضخمة يعتبر نفسه من الفقراء إن سئل عن هويته، بدل أن يعد نفسه من العمال. انتشر هذا الوضع بعدما أقلعت جميع الأحزاب عن تمثيله والتذكير بمصالحه، وأدخلت في روعه أنه فقير لأنه عامل وعامل لأنه فقير، فالفقر هو صفته الرئيسة وليس الانتساب إلى عالم العمل.

أين نحن؟

ذات يوم من عام 1959، رفض عمال مرفأ أميركي شحن باخرة مصرية بالقمح. في اليوم التالي رد العمال العرب بمقاطعة شاملة للطائرات والسفن الأميركية في جميع البلدان العربية، دون أن يدعوهم أحد إلى ذلك. وبعد يومين، أنهى العمال الأميركيون مقاطعة الباخرة المصرية ففتح العمال العرب الأجواء والبحار العربية، التي أغلقوها في وجه كل ما هو أميركي. أين نحن اليوم من هذا الأمس؟ أين نحن من عمال مصر الذين قاتلوا ضد الاستعمار والظلم الاجتماعي منذ عشرينيات القرن الماضي؟ أين نحن من عمال السودان، الذين أسقطوا الدكتاتوريات العسكرية كدكتاتورية عبود؟ وأين نحن من عمال العراق، الذين أذاقوا الإنكليز وحلفاءهم الداخليين الأمرّين؟ أين عمال المغرب، قادة وقاعدة النضال ضد الاستعمار والملكية؟ أين عمالنا العرب في كل قطر ومصر من أسلافهم، الذين سارعوا إلى نسف خطوط النفط البريطانية والأميركية، عندما غزت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل مصر عام 1956، دون أن يطالبهم أحد بذلك، واستمروا في مقاطعة كل ما له صلة بالمعتدين، طيلة أشهر بعد العدوان؟

ليست الطبقة العاملة كياناً قليل الأهمية في المجتمع الحديث. إنها حامل ومنتج وقوة دفع التقدم. وليس أمراً قليل المعنى أن يكون تدهور أحوال مجتمعاتنا العربية متصلا أوثق اتصال بتدهور أحوال عمالها وبالعكس. ليس ممكناً اليوم، ولن يكون ممكناً في المستقبل أيضا، الخروج من مأزقنا العصيب والشامل، إن بقي العمال مجرد فئة فقيرة، منخلعة طبقياً، متأخرة سياسياً، قليلة الوعي والمعرفة، غائبة عن نفسها وبلدانها.

لقد حملت الطبقة العاملة العربية قسطاً وافراً من أعباء النضال الوطني: السياسي والاجتماعي والتنموي في الماضي القريب، لأنها كانت تعي دورها كطبقة حديثة يستحيل أن يتقدم المجتمع دون جهودها ودورها. واليوم، وبمناسبة عزيزة جداً على قلب كل من يعرف أهمية العمل، يجب أن نقول: يا عمال الوطن العربي، أفيقوا من سباتكم، أنقذوا أنفسكم، وأنقذونا من حاضر سد دروب مستقبلكم ومستقبل شعوبكم ودولكم!

=================

تواطؤ على التغيير

نبيل بومنصف

النهار

3-5-2010

يحلو لبعض "الخبراء" المهتمين بمراقبة ما اذا كانت الانتخابات البلدية والاختيارية التي انطلقت امس في جولتها الاولى ستفضي الى تطور تغييري معين في ملامح "الاجتماع السياسي" في لبنان، ان يروّجوا لنظرية ان العامل العائلي والاهلي قد تمكن من جرّ العامل الحزبي ذي السطوة الكبيرة اليه وليس العكس. وهي خلاصة مبكرة لهذه الانتخابات استنادا الى غلبة واسعة للتوافقات والتفاهمات التي عقدت في معظم أقضية جبل لبنان ولو أنها أفسحت لمعارك اكتسبت بعدا سياسيا في بعض مدن الجبل وبلداته وقراه.

غير ان واقع الحال، حتى مع بعض صوابية هذه النظرية شكلا، يثبت ان القوى الحزبية والسياسية تخرج دوما بمكاسب تفوق كل تنازلاتها أمام القوى العائلية والاهلية حتى لو أسلست لها القياد وانصاعت لخصوصياتها وبعض "قوانينها" في صوغ التحالفات واقامة المعارك.

ما جرى في الجبل، وما هو مرشح لأن يحصل في سواه من المناطق باستثناء قلة متفلتة يعكس تماما حال "التواطؤ" بين القوى الحزبية والعائلية في الغالب على التغيير ومفهومه وآلياته. واذا كان من خسارة حقيقية محققة في هذا الاستحقاق البلدي الذي يمس اللبنة الاساسية الأولى في الحس السلطوي والتكوين الديموقراطي للفرد اللبناني فهي في ترويضه تكرارا على دفن التغيير وتهميشه تهميشا قاتلا. بذلك تخرج القوى السياسية والحزبية بالظفر الحقيقي وليس السلطات المحلية الاهلية، لأن التواطؤ الذي حصل في معظم لبنان ارجأ لست سنوات مقبلة امكان تفلت الناخب من نمط الاستتباع للقوى الحزبية والسياسية وتقليدها وبداية وضع مفهوم مستقل ومتحرر للانماء الحقيقي.

هذا الشعار الذي لم يبق سياسي او زعيم او مسؤول الا وتغرغر به عن الطبيعة الانمائية للانتخابات يبدو أكبر أكذوبة تظلل هذا الاستحقاق، الذي عكس أوسع تواطؤ بين القوى الحزبية والقوى الاهلية على التغيير. بطبيعة الحال ان المسؤولية الاولى في هذا التواطؤ تقع على عاتق المستوى السياسي بشقيه، أي السلطتين التنفيذية والتشريعية، حين ترك قانون الانتخاب سيفا مصلتا على الاستحقاق وعلى الناخبين حتى ما قبل شهر واحد من بداية الانتخابات، كانت "المؤامرة" الفعلية على التغيير تدور في تلك الابعاد التي استهوت التأخير بديلا من نسف الاستحقاق وتأجيله. كان التواطؤ هناك ايضا عاما شاملا وواسعا، لمآرب مختلفة، ولكنه عكس ذعرا من تغيير أهلي من شأنه ان يخربط قواعد السطوة الحزبية والسياسية على الناس. لكن المفجع أن القوى الاهلية نفسها سهّلت الامر تماما للقوى السياسية واستطابت معها التواطؤ على التغيير وانخرطت معها في مروحة التحالفات والتزكيات والتفاهمات ما خلا بعض الاستثناءات المحدودة. وحتى المعارك القليلة التي اكتسبت مغزى سياسيا معينا غاب عنها كل مفهوم الصراع الانمائي الجدي والحقيقي وبدت استلحاقا بالنمط الصراعي التقليدي الذي يفتقر الى أي نهج تغييري.

سنة بعد الانتخابات النيابية سيحلو معها للقوى الحزبية والسياسية ان ترفع راية الظفر على الناخب المستتبع والناخب المتواطئ، لا أكثر ولا أقل. ولذا فهي انتخابات بلا مذاق، وليس أدل على ذلك من ان الصفة الحميدة الوحيدة التي أمكن العثور عليها في هذا الاستحقاق هي انه يكرس مبدأ دورية الانتخابات في مواعيدها.

=================

الخلاف هو على توقيت التقاط اليد الاميركية

سركيس نعوم

النهار

3-5-2010

بعض الباحثين الكبار في أميركا وعدد من متابعي تطور العلاقة بينها وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية يقولون ان العقبات الثلاث (وردت في "الموقف" السبت الماضي) أمام تصالح او تفاهم هاتين الدولتين على أهميتها ليست غير قابلة للإزالة. فتغيير النظام الايراني الاسلامي لا يبدو هدفاً استراتيجياً لادارة الرئيس باراك اوباما خلافاً لما كان عليه الموقف أثناء ادارة سلفه الرئيس جورج بوش الابن. فالأخير تبنى سياسة تغيير طموحة ترمي الى اراحة شعوب المنطقة من الأنظمة الاستبدادية التي حكمتها عقوداً أولاً بواسطة القمع والحديد والنار والاغراءات. وثانياً بسبب الرهان الاميركي المزمن عليها الذي لم يكترث اصحابه في السابق الا للمصالح الحيوية والاستراتيجية لبلادهم. لكنه لم يكن على مستوى هذه السياسة ولم يمتلك خطة تنفيذية لها. وبدلاً من استمالة الشعوب المقموعة التي كانت تلوم اميركا لدعمها حكامها ساهم بوش الابن في جعل العداء له في أوساطها (الشعوب) مبدأ ثابتاً بل عقيدة ثابتة. أما اوباما فإنه لم يعلن تخليه عن أحلام الديموقراطية في الشرق الأوسط. لكن براغماتيته وواقعيته ظهرتا حين بدأ محاولة ازالة آثار الاخفاق المتنوع لسلفه اذ قلل الحديث الملتزم عن الديموقراطية وبدأ التعامل مع الواقع الصعب والمر والمناقض للمبادئ والمثاليات الاميركية مقدماً بذلك اعترافاً به ومظهراً استعداداً للتعامل معه بل لقبوله والتفاهم معه كشريك أو أكثر من شريك.

والدور الاقليمي الواسع الذي تطمح اليه ايران الاسلامية لا يمكن ان تحصل عليه بالقوة العسكرية وإن حققت تقدماً ملحوظاً جداً في مشروعها النووي السلمي وحتى العسكري وكذلك في مشروعها امتلاك ترسانة اسلحة تقليدية متنوعة ولكن بالغة الفاعلية، لأن القوة التي تقابلها هي أميركا أي القوة الأعظم في عالم اليوم ومعها اسرائيل القوة العسكرية النظامية الأقوى ربما في الشرق الأوسط وصاحبة الترسانة النووية المزمنة، ولكن التي تُحدَّث في استمرار، ولأن نشوب الحرب بين الفريقين، لا قدّر الله، لن تربحها ايران. علماً ان اميركا وحلفاءها في المنطقة وفي مقدمهم اسرائيل لا بد ان يتكبدوا خسائر فادحة تكاد ان تقارب مستوى الخسائر الايرانية. لكنها (اي ايران) تستطيع ان تحصل على الدور المذكور بالحوار مع الغرب بزعامة الولايات المتحدة. والاخيرة مستعدة لذلك منذ وصول اوباما الى البيت الابيض قبل سنة وثلاثة أشهر تقريباً. لكن النظام الايراني لم يكن مستعداً. ودولة عظمى تقود العالم كله وإن بالشراكة مع الدول الكبرى المهمة (روسيا والصين والاتحاد الاوروبي) منذ رئاسة اوباما، لا تستطيع من دون حوار التفاهم مع ايران على دور لها. ذلك ان على الاخيرة ان تقرر أي دور تريد. فهي تتدخل في الخليج وهي جزء منه والعالم يسميه باسمها (الخليج الفارسي). وكذلك في دول الطوق أي المحاذية لاسرائيل. وتتدخل في الثورة الفلسطينية. وصارت جزءاً مهماً من أزمة الشرق الأوسط. وتتدخل في دول عربية عدة مشرقاً ومغرباً. وتكاد ان تسيطر على العراق. وتتدخل في باكستان وافغانستان وفي دول آسيا الوسطى الاسلامية التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق. وتتدخل في افريقيا واميركا اللاتينية فهل تريد المحافظة على كل هذه الادوار؟ أو هل تريد أن تتزعم جهة دولية مناهضة لأميركا محيية بذلك ثنائية عالمية غابت مع غياب النظام السوفياتي؟

اذا كانت تريد ذلك كله فهذا يعني انها لا تريد ان تحاور أو ان تتفاهم مع اميركا والمجتمع الدولي أو ان تحل أزمتها معهما لأن أحداً منهما لن يقبل ذلك. لذا عليها ان تحدد الدور الذي تريد على ان يكون معقولاً وإن واسعاً وأن تضع بدائل له لأن ذلك من أصول الحوار. وفي وضع كهذا يمكن التوصل الى نتائج.

اما عقبة اسرائيل، وهي الثالثة فحلها سهل وخصوصاً اذا تمسكت اميركا اوباما بسياسة حل الصراع السوري – الاسرائيلي والفلسطيني – الاسرائيلي وتوابعهما وتحديداً اذا نجحت في ذلك أو على الأقل في وضع قطار السلام الشامل على كل المسارات على السكة وفي تسييره الى حيث يجب ان يصل، وإن استغرق ذلك وقتاً. ذلك ان ايران وإن اسلامية لن تكون ملكية أكثر من الملك كما يقال. وستفيد من ذلك لحماية مصالحها ونظامها وتأمين دورها وخصوصاً انها تعرف ان ازالة اسرائيل من الوجود أمر غير متاح عسكرياً على الأقل الآن وفي المستقبل المنظور.

هل يقابل المناخ الاميركي الدافع في اتجاه التفاهم مع ايران والمتنامي يوماً بعد يوم مناخاً ايرانياً مشابها؟

يجيب المتابعون الاميركيون رداً على ذلك ان مشكلة الحوار بين واشنطن وطهران بل مشكلة التفاهم بينهما هي عملياً مشكلة ايرانية لا اميركية. فايرانيو النظام، على تنوعهم، يفتقرون الى اجماع، ليس على التقاط اليد الاميركية الممدودة الى بلادهم، بل على توقيت هذا الالتقاط. ويبدو واضحاً استناداً الى المعلومات المتوافرة ان غالبية القيادة الايرانية تؤمن بأنها تستطيع التقاط هذه اليد فقط عندما تُعزِّز الاوراق المتنوعة التي تمتلك في صورة ثابتة وخصوصاً عندما تحقق تقدماً في مشروعها النووي. وهذا يعني ان القيادة ستتبنى سياسة امتلاك تكنولوجيا صنع أسلحة نووية وكل ما تحتاج اليه لصنعها ولكن من دون ان تصنعها. و"في وقت الحزة"، كما يقال، واذا تعرضت لخطر شديد تستطيع صنعها في السرعة المطلوبة. طبعاً لا يعرف هؤلاء المتابعون اذا كانت اميركا واسرائيل ستقبلان الموقف الايراني هذا. ولذلك فانهم ينتظرون الاشهر وربما السنوات المقبلة لأنها لا بد ان تكون "مشحونة" بالخطر.

=================

الآفاق الجديدة للدبلوماسية التركية

لوموند

ترجمة

الأثنين 3-5-2010م

ترجمة:: مها محفوض محمد

الثورة

أفادت دراسات صادرة عن معهد الدفاع في الحلف الأطلسي بالصعود المتنامي والقوي لمصداقية أنقرة في الرأي العام العربي، ما دفع معظم المحللين أن يعكفوا على دراسة الظاهرة ويهتموا بالمكانة التي تحتلها تركيا اليوم والأفق الجديد للدبلوماسية التركية.

يقول أحد كبار الصحفيين المختصين بالعلوم السياسية إنه منذ سقوط جدار برلين استطاعت تركيا أن تطرح نفسها كقوة إقليمية وأن تؤثر على نطاق واسع، مستخدمة جميع وجوهها، فأنقرة لم تعد أبداً تكتفي بدورها السابق كدعامة شرقية للحلف الأطلسي، اليوم وفي النظام العالمي المتعدد الأقطاب تستطيع تركيا أن تعبر عن هويتها الأوروبية الغربية كما تعبر عن بعدها الشرق أوسطي والقوقازي والبلقاني .‏

هذا التوجه الجديد ينطلق أولاً من حدودها، فاليوم لا مشكلات لها مع أي من جيرانها .‏

علاقاتها مع دمشق ممتازة ، فقد قام البلدان بإلغاء تأشيرات الدخول بينهما، كما قاما بعقد جلسات مجلس وزراء مشتركة في نهاية عام 2009، أيضاً في العراق يبدو التأثير التركي متنامياً، مع أن تركيا رفضت الالتزام بالحرب مع الولايات المتحدة عام 2003 ، كما نظمت علاقاتها مع الجار القوي إيران وعززت التعاون مع اليونان، وهي الآن على طريق إنجاز مصالحة تاريخية مع أرمينيا.‏

هذه المكانة التي تحتلها تركيا اليوم عبر عنها وزير خارجيتها داوود أوغلو في تصريح شهير له: إن نقطة المحور بالنسبة لنا هي أنقرة ودائرة الأفق قياسها 360 درجة، وبالفعل أول ما بدأت تركيا بحل الخلافات الضمنية مع المؤسسة العسكرية ثم اتجهت وانفتحت نحو العالم، ولطالما كانت تعتبر قزماً سياسياً تجدها الآن تطالب بمكان لها بين العظماء، يقول وزير خارجيتها: لدينا الكثير لنقوله وعلى الأمم الكبرى أن تسمعنا، هذا الأستاذ الجامعي الذي حملت اطروحته عنوان «العمق الاستراتيجي» يضعها في حيز التطبيق ليجد لتركيا المكان الذي يليق بها على الصعيد الدولي ويرسم طبيعة العلاقات مع العالم المحيط بتركيا. لقد أطلق عليه السفير الأمريكي في تركيا اسم «كسينجر تركيا» فهو الذي صاغ الحوار غير المباشر بين سورية وإسرائيل عامي 2007 - 2008، وفي أفغانستان الدبلوماسية التركية أول من نادت بالحوار مع طالبان وهي التي حملت رأي دول العالم الإسلامي إلى مؤتمر لندن في كانون الثاني الماضي، وفي البلقان أطلقت الحوار بين الصرب والبوسنيين، ومن مقدونيا إلى الفلبين الوساطة التركية مطلوبة.‏

لقد أصبحت تركيا لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط ومنارة إقليمية جديدة، ففي غزة ت تزداد شعبية أردوغان يوماً بعد يوم، وخاصة بعد منتدى دافوس حين واجه علناً الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس بعد الحرب على غزة، كما استعاد الأتراك موقعهم في المغرب وفي جنوب شرق آسيا حيث بدا نظامها أنموذجاً مثالياً للتطبيق في العالم الإسلامي، ومن خلال دورها في منظمة المؤتمر الإسلامي استطاعت أنقرة أن توقع عشرات المعاهدات للتبادل الحر والتنقل مع أكثر من ستين دولة، وهكذا استعادت تأثيرها الطبيعي من الأطلسي إلى الخليج العربي. مع أن رئيس الدبلوماسية التركية لم ينجْ من انتقادات بعض السياسيين الأتراك الذين اتهموه بالإعراض عن الغرب والحلفاء التقليديين لتركيا، كالولايات المتحدة وإسرائيل وأذربيجان ، إلا أن الوزير التركي رفض الاتهامات بالقول: مازال الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي يشكلان الدعامات الأساسية في الدبلوماسية التركية، وبالرغم من تأخر المفاوضات للدخول في الاتحاد الأوروبي إلا أن الإصلاحات الحكومية تسير على قدم وساق على طريق بروكسل، كما تعززت علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد انتخابات أوباما الذي كرس أولى زياراته لتركيا عام 2009، ولم يعارضها في الولايات المتحدة إلا حلقات الجمهوريين التي تولي اهتماماً خاصاً بالمصالح العسكرية والتي امتعضت من التقارب التركي مع سورية وإيران.‏

لدى تركيا أيضاً طموح بتدعيم علاقاتها مع العالم الروسي ومع أوروبا الشرقية وذلك نتيجة موقعها الجغرافي واستراتيجيتها المتميزة. كما ستحتفل تركيا عام 2010 بالعام المسمى «عام اليابان»، ولها علاقات شراكة قوية مع البرازيل وهي الآن تتجه بقوة نحو إفريقيا. إنما وعلى لسان وزير خارجيتها تبقى قضية الشرق الأوسط هاجسها الأساسي وقد اختارت بوابتها من قطاع غزة، فهي لا تخفي تعاطفها مع حماس وفي هذه النقطة يبدو رئيس الوزراء أردوغان واضحاً بقوله: على الحكومة الإسرائيلية أرادت أم لم ترد أن تحاور حماس، وحين تقتنع إسرائيل بذلك فإن أنقرة ستقوم بدور الوسيط الطبيعي بين الاثنين .‏

أردوغان يعلم أن الحكومة الإسرائيلية بحاجة لتركيا رغم اعتراضات وزير خارجيتها ليبرمان ولا يعارض العسكريون الأتراك هذا التوجه، فهم لا مانع لديهم أن يكون لجيشهم دور أساسي في المنطقة، لهذا فإن أردوغان يزيد من إرسال المساعدات إلى غزة ويدعو بانتظام قادة حماس لزيارة تركيا مما يثير غضب الإسرائيليين الذين بدأت ثقتهم تتراجع حيال تركيا وتحديداً منذ المواجهة بين أردوغان وبيريس في دافوس.‏

أخيراً نستطيع القول: إن الحكومة التركية على ثقة بأن جهودها في عملية السلام لا أمل لها على المدى القريب ولا تعول الكثير على نجاحها لكنها مواظبة على دعم موقعها في الشرق الأوسط كمدافع أساسي عن الحقوق العربية.‏

=================

الورقة الروسية الأميركية.. لماذا؟

بقلم :نواف الزرو

البيان

3-5-2010

لا يكفي العرب الرفض الذي أعلنه الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية أحمد بن حلي، للورقة الروسية الأميركية التي قدمت للجامعة العربية، والتي «تربط توقيع إسرائيل على معاهدة منع الانتشار النووي بإحلال السلام في الشرق الأوسط أولاً»، وتربط تجريد العرب من كل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وتلزمهم بعدم إجراء أية تجارب نووية، حتى قبل النظر بالسلاح النووي الإسرائيلي!

 

ويجب ألا يشعر العرب بالارتياح للرفض فقط، فهذه الورقة الروسية الأميركية المشتركة، هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الروسية العربية، بل انها تعتبر بمثابة تحول جذري لصالح الأجندة الإسرائيلية الأميركية.

 

فالعرب يخسرون هنا في صراعهم ضد النووي الإسرائيلي، ليس فقط التأييد الروسي الذي كان مضموناً في مراحل سابقة، بل يخسرون أهم الحلفاء على المستوى الدولي، بل إن الورقة تذهب في استخفافها واحتقارها وإذلالها للعرب على نحو سافر لم نعهده بهذه الفجاجة من قبل.

 

وهذا ليس بسبب روسيا أو أميركا، وإنما بسبب العرب الذين يجنون على أنفسهم وعلى شعوبهم وأوطانهم! فلو لم يهن العرب على أنفسهم لما سهل الهوان عليهم من غيرهم..

 

فهم عملياً بلا حضور ولا فعل ولا وزن ولا تأثير، أو حتى صوت على مستوى المنابر الأممية، أو على مستوى العلاقات الثنائية، سواء مع الاتحاد الأوروبي، أو مع روسيا، أو مع الاتحاد الإفريقي، أو مع النمور الآسيوية... الخ.

 

وكل المؤتمرات والقرارات والبيانات هي كلام عربي بلا رصيد. والكلام العربي، لكثرته، لم يعد يصرف، كما جاء في تحليل إخباري لردود الفعل العربية على قرار الطرد الإسرائيلي الأخير لنحو سبعين ألف عربي من الضفة والقدس.

 

ربما يجمع عدد كبير من المفكرين والمحللين وكبار الكتاب، على أن حالة الأمة العربية الراهنة هي الأسوأ.. فيقول البعض إن الأمة في عطلة قومية، ويقول آخرون إنها في طريقها إلى الاختفاء لقرون من الزمن.. بينما يقول البعض الثالث إن الأمة فوتت التاريخ، أي انها أصبحت خارج الزمن والتاريخ!

 

المفكر العربي المعروف برهان غليون، كتب على «الجزيرة نت» يقول: «مكانة العرب في الكثير من التقارير المتعلقة بالتنمية الاقتصادية أو البحث العلمي، متدنية إلى أقصى حد»، مضيفاً: «بل أعتقد أن وضع العالم العربي أسوأ مما تقوله التقارير، لأن الكثير من التقارير التي تهتم كثيراً بالأرقام الإحصائية، تبقى على السطح ولا تستطيع أن تنفذ إلى الديناميكيات العميقة التي تعمل داخل المجتمعات» (4/1/2010).

 

وكذلك المفكر والأديب العربي رشاد أبو شاور، يكتب في «القدس العربي» تحت عنوان «تعالوا نُعلن الحداد» مخاطباً الرأي العام: «تمّ إقفال باب الحروب مع الكيان الصهيوني، ليفتح باب الحروب العربيّة العربيّة، وهي تدور بشراسة، وعنجهيّة، وتعال، وغريزيّة، وعصبيّة تستعيد ما قبل التاريخ، لتوظيفه في عنعنات تنغرس في نفوس وعقول دهماء هي أضحية الإهمال والحرمان من التعليم والمواطنة والعمل وبناء الحياة...».

 

لينضم إليهما الكاتب والأديب خيري منصور، فيكتب عن «عرب الساعة الخامسة والعشرين» قائلاً: «العربي كما وصفه شاعر رحل عن عالمنا وعيناه مليئتان بالدموع، يعيش في اليوم الثامن من الأسبوع وفي الشهر الثالث عشر من السنة وفي اليوم الثلاثين من شهر فبراير، والمقصود بهذه المرثية الرمزية أن العربي يعيش خارج الزمن.

 

فهو يضع قدماً في القرن السابع عشر وقدماً في القرن الحادي والعشرين، إنه ليس هنا وليس هناك، وما هذا التيه الذي يعصف بنا من الماء إلى الماء، سوى أحد تجليات الضياع والخروج من التاريخ» (09/12/2009).

 

بل ربما يكون رأي العدو فينا هو الإنذار، فها هو البروفيسور الصهيوني العنصري «دان شيفتن»، يقول لطلابه في مساق عن مفهوم الأمن الإسرائيلي، في برنامج الدبلوماسية والأمن لكبار المديرين في جامعة تل أبيب: «عندما تطلق إسرائيل قمراً صناعياً متطوراً إلى الفضاء، يخرج العرب بنوع جديد من الحمص» (معاريف 20091022).

 

ويضيف: «العرب هم الفشل الأكبر في تاريخ الجنس البشري، لا يوجد شيء مختل تحت الشمس أكثر من العرب... في كل العالم العربي يطلقون النار في الأعراس كي يثبتوا أن لديهم على الأقل شيئاً واحداً صلباً فاعلاً قادراً على الإطلاق».

 

أما الكاتب الكبير «هيكل» فقد عبر عن عمق وكارثية التردي العربي، في لقاء له مع أعضاء مجلس إدارة نادي قضاة مصر وعدد كبير من رجال القضاء والصحافة والإعلام ومجلس الشعب، حيث حذر من خطورة المرحلة التي نمر بها في الصراع العربي الإسرائيلي.

 

واصفاً إياها بالمرحلة بالغة الخطورة في المنطقة، مؤكداً أن «الأجندة الوحيدة المطروحة على الساحة هي الأجندة الإسرائيلية، وأن إسرائيل تمضي في طريقها ومخططها نحو دول المنطقة، وليس هناك ما يعوقها، بل على العكس فهي نجحت في أن تجذب العالم العربي للدخول في حروب فرعية بعيدة عن صراعها الحقيقي، بالرغم من وضوح العدو الرئيس أمامها».

 

إذاً، نحن أمام مشهد عربي مثخن بكل عوامل التفكك والضعف والمهانة.. والمشهد العربي اليوم لا يسر سوى العدو المتربص، إذ يعاني العرب من التفكك والاستلاب المطلق عن كل ما هو قومي عروبي..!

 

وحينما يصل المشهد العربي إلى أسوأ حالاته، فإنه من الطبيعي أن يتمخض عن الضعف والهوان، وأن توجه للعرب أوراق كهذه الورقة الروسية الأميركية، المتخمة بالمضامين والدلالات والمصالح الإسرائيلية.

تتطلع الشعوب العربية إلى مشهد عربي آخر مختلف، سوي قوي فاعل رادع.. ما يحتاج إلى أن يقرر العرب، أمة ودولاً وشعوباً، ان يغيروا ما بأنفسهم، وان تكون لهم أنياب على المستوى الدولي، فعرب بلا أنياب حقيقية لا يخيفون أحداً، ولا يردعون عدواناً أو ظلماً.. أو وثيقة كهذه الوثيقة... هكذا هي المعادلات الدولية.

كاتب فلسطيني

=================

الصين والأجيال العربيّة الجديدة

بقلم :سمير العيطة

البيان

3-5-2010

أضحت الصين مصنّع العالم، وتخطّت ألمانيا في قيمة صادراتها. وفي حين تتخبّط أوروبا في نموّها الهزيل وفي أزمة الديون الحكوميّة التي انطلقت من اليونان، تستكمل الصين مسيرة نموّها الحثيث.

فما هي أسرار هذه العافية الاقتصاديّة؟

وسيلتها الأولى المعروفة، هي عملتها التي تبقيها على مستويات منخفضة مقارنةً بالدولار الأميركيّ، ممّا يخفِّض قيمة صادراتها ويرفع قيمة الواردات.

نتيجة ذلك، زاد مخزونها من العملات الصعبة عن 2400 مليار دولار عام 2009، ممّا يضعها في موقفٍ يصعب على أيٍّ كان الضغط عليها لرفع سعر عملتها.

فهي لا تحتاج إلى صندوق النقد الدوليّ الذي يتدخّل اليوم في الشؤون الأوروبيّة لإنقاذ دولها، بل تمنع أيضاً صدور تقاريره منذ 2007 (حسب معلومات صحيفة النيويورك تايمز)، لأنّه بالضبط «ينصحها» بإعادة تقييم عملتها.

 

ومن المتوقّع أن يكون التحضير لمؤتمر مجموعة العشرين (G20) القادم صاخباً حول هذا الموضوع؛ وتخشى الولايات المتّحدة ومجلس نوّابها المتشدّد، أنّه في حال صدور قرارات حمائيّة ضدّ البضائع الصينيّة، فقد تنطلق الآليّة التي شهدها العالم في أزمة ثلاثينات القرن الماضي، حيث لعبت قرارات الحماية وتخفيض العملات المتتابعة، دوراً مهمّاً في حدوث الكساد الكبير.

 

الوسيلة الثانية، والتي قلّما يتطرّق الحديث إليها، هي البحوث والاختراعات. لقد ازداد الإنفاق على هذه البحوث بوتيرةٍ سنويّة قدرها 18% منذ 1995، حسب منظّمة التنمية والتعاون الاقتصاديّة OECD؛ بحيث أضحت الصين اليوم في المرتبة الثالثة من حيث الإنفاق على البحوث، بعد الولايات المتّحدة واليابان.

 

وهناك اليوم 1700 جامعة في البلاد، تحوي 96% من مختبرات البحوث وتستهلك 70% من الإنفاق عليها؛ وينتج عنها 120 ألف مقالة علميّة سنويّاً، أي المرتبة الثانية بعد الولايات المتّحدة. تشمل مواضيع هذه المقالات جميع التقانات الحديثة، حتّى الزراعة والعلوم الأحيائيّة؛ مع نسبةٍ كبيرة من البحوث المعنيّة جرى إنجازها في شراكات مع مراكز البحوث المرموقة عالميّاً.

 

وتعُدّ الصين حوالي مليون ونصف باحث، أي تقريباً ما يوازي عددهم في الولايات المتّحدة أو أوروبا؛ لكنّهم لا يشكّلون فيها سوى 2 من أصل كلّ ألف مشتغل، في حين تصل هذه النسبة إلى 10 في اليابان أو الولايات المتّحدة.

 

هكذا لم يعُد التساؤل هو عن قدرة الصين على أن تصبح الدولة الأولى علميّاً في العالم، بل متى سيحصل هذا؟ ولم تعُد الصين هي التي تبحث عن شراكات في مراكز البحوث الأميركيّة والأوروبيّة، بل العكس هو الصحيح.

 

الوسيلة الثالثة للصين، هي قدرتها على التخطيط على المدى البعيد، وخلق أنماط تعاون مختلفة عن السياسات التي اعتمدها الغربيّون.

 

فهي لم تركّز فقط على شراكتها مع الولايات المتّحدة، بل دخلت في شراكات مع دول محيطها في جنوب شرق آسيا، وتتطلّع إلى التعاون مع روسيا لتنمية سيبيريا القريبة الغنيّة بالموارد والقليلة السكّان، وتقيم شراكات وتستثمر في أميركا اللاتينيّة والعالم العربيّ وإيران وآسيا الوسطى، وحتّى في أفغانستان؛ إلاّ أنّ سياستها الاستثماريّة الأكثر بروزاً، هي في إفريقيا.

 

فالظاهر أنّ الصين لا تراهن هناك فقط على استثمار الموارد المنجميّة لتأمين حاجاتها، بل أيضاً على بلدان إفريقيا كأسواقٍ كامنة لمنتجاتها، وعلى النهوض ببنى الطاقة والطرق والسكك الحديديّة وغيرها. هذا في وقتٍ تحتاج فيه بلدان إفريقيا لمشاريع تنمويّة، خاصّةً بعد تقلّص المساعدات الغربيّة.

 

اللافت أيضاً في الشراكات المقامة أنّ عامل اللغة لم يشكّل عائقاً حقيقيّاً، وأنّ الخلفيّة الثقافيّة للتعاون لم تكُن على أسس تبشيريّة كنشر الكاثوليكيّة أو البروتستانتيّة وإن تكاثر إنشاء المراكز الكونفوشيّة، هذا إذا ما اعتبرت الكونفوشيّة ديانةً بل اعتمدت إنشاء مدارس لتعلّم اللغة الصينيّة والمنح الدراسيّة.

 

يطرح صعود الصين تحديات حقيقيّة على العالم العربيّ، سواء على مستوى المقارنة بين السياسات، أو على مستوى العلاقات المستقبليّة مع هذا البلد وشرق آسيا بشكلٍ عام. فمن ناحية السياسات الصناعية، والسياسات الماليّة وأسعار الصرف، وسياسات البحوث العلميّة، يمكن قول الكثير مقارنةً مع الصين. والأهمّ هو في مجال النظرة البعيدة الأمد، والحنكة والثبات في بناء الشراكات الإقليميّة القريبة (أي ضمن العالم العربيّ على الأقلّ) ومع المجموعات الأخرى.

 

ولكنّ هناك أمراً يستحقّ انتباهاً خاصّاً. ففي حين يتمّ تشجيع جامعات أميركيّة وأوروبيّة في الدول العربيّة كافّة، لدرجة أنّ الخريجين الجدُد فقدوا حتّى لغتهم العربيّة، كم من الجهد يبذل لتأهيل الأجيال القادمة في البلاد العربيّة للتعامل مع الصين؟ كم هي المدارس التي تعلّم اللغة الصينيّة؟ وكم هي الجامعات التي تخلق شراكات مع الجامعات الصينيّة؟ كم هي مراكز البحوث والجامعات التي تدرس النموذج الصينيّ وتأخذ العبر من تجربته؟!

عندما جنّ هانتينغتون ووضع نظريّته حول صراع الحضارات، قال إنّ الخطر الأكبر على «الحضارة الغربيّة» يكمُن في التقاء الحضارتين العربيّة الإسلاميّة والصينيّة الآسيويّة. والظاهر أنّ العرب يقومون بكلّ ما هو لازم حتّى لا تلتقي هاتان الحضارتان، ولا تتحقّق النبوءة!

رئيس منتدى الاقتصاديين العرب

=================

حماس وفتح والمعضلة الفلسطينية

آخر تحديث:الاثنين ,03/05/2010

مخيمر أبو سعدة

الخليج

في ظل السلطات المتنازعة التي تدير غزة والضفة الغربية، وجد الفلسطينيون أنفسهم في وسط تجربة غريبة . ففي غزة، حيث تتولى حماس زمام المسؤولية، تسبب الثمن الباهظ للمقاومة المسلحة للاحتلال “الإسرائيلي” في تقويض مصداقية أي محاولة لإحياء الصراع، وفي الضفة الغربية، تحت حكم حركة فتح، لم تسفر المفاوضات عن أي تقدم يُذكَر . ولم يعد أي من المسارين اللذين تتبعهما السياسة الفلسطينية المقاومة أو التفاوض يقدم أي أمل في تحقيق الاستقلال . ونتيجة لذلك، بات الفلسطينيون في مواجهة أصعب التحديات على الإطلاق منذ عام 1948 .

 

فالتهديدات التي تطلقها “إسرائيل” بتجديد حربها ضد حماس في قطاع غزة تؤخذ على محمل الجد، ومشاهد الدمار لا تزال حية في شوارع وأحياء غزة، وحماس لا تجازف الآن بأي شكل من الأشكال باستفزاز “إسرائيل” لإعطائها مبرراً لتشن حرباً جديدة . ولقد كلف القتال حماس اثنين من كبار قادتها، سعيد صيام ونزار ريان، كما أدى إلى إضعاف قدراتها العسكرية إلى حدٍ كبير، ولم تبدأ عمليات إعادة البناء إلا مؤخراً .

 

الواقع أن حماس تجد نفسها في موقف صعب لأن سياستها تدعو إلى المقاومة القوية، إلى جانب السياسة، ولكن هذه السياسة باءت بالفشل . ولقد فرضت حماس ضغوطاً قوية على كل فصائل المقاومة في غزة للامتناع عن استفزاز “إسرائيل” . وفي تصريح غير مسبوق، قال محمود الزهار، أحد كبار قادة حماس، إن أي صواريخ تطلق على “إسرائيل” من قطاع غزة ستكون “صواريخ خيانة” .

 

وبدلاً من ذلك، فقد حولت حماس انتباهها نحو الضفة الغربية، حيث لا تملك أي سلطة سياسية . ودعت الفلسطينيين هناك إلى إطلاق انتفاضة جديدة ضد “إسرائيل”، رغم إصرارها على التهدئة في قطاع غزة .

 

أما حركة فتح، التي تدير الضفة الغربية، فإنها لا ترغب في المشاركة في انتفاضة فلسطينية جديدة . والحق أن الرئيس محمود عباس لم يخف اعتراضه على مثل هذه الاستراتيجية، ولكن مع عجز حكومتهم عن القيام بأي شيء إزاء توسع المستوطنات “الإسرائيلية”، بما في ذلك في القدس الشرقية، فضلاً عن النزاعات المستمرة حول الأماكن المقدسة في مدينة الخليل وفي بيت لحم وفي المسجد الأقصى، فإن الفلسطينيين في الضفة الغربية يشعرون بالإحباط الشديد . والواقع أن مظاهرات الشوارع التي اندلعت في الآونة الأخيرة قد تتحول بسهولة إلى موجة عارمة من المقاومة المستمرة للحكم “الإسرائيلي” .

 

وتخشى السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية أن تتحول أي انتفاضة شعبية غير عنيفة إلى العنف بين عشية وضحاها، فإذا ما حدث ذلك فإن “إسرائيل” قد تستخدم مثل هذه الانتفاضة كذريعة لسحق الفلسطينيين ومؤسساتهم المبنية حديثاً، ولقد حدث ذلك من قبل، أثناء الانتفاضة الأخيرة في عام 2002 .

 

وهناك سيناريو آخر يروع قاعدة فتح، إذ إن اندلاع أعمال العنف قد يؤدي إلى تعزيز قوة حماس وجناحها العسكري، كتائب عز الدين القسّام في الضفة الغربية، وهذا قد يؤدي بدوره إلى تكرار السيناريو الذي حَمَل حماس إلى السلطة في غزة في يونيو/حزيران ،2007 حين انهارت سلطة فتح في المنطقة بالكامل بعد الانسحاب “الإسرائيلي” .

 

ورغم كل ذلك فقد توقفت عملية السلام لأكثر من عامٍ كامل، الأمر الذي أدى عموماً إلى إضعاف مصداقية فتح في الضفة الغربية . وقد وصف عباس السلام مراراً وتكراراً باعتباره خياراً استراتيجياً للفلسطينيين، ولكن بعد سبعة عشر عاماً من التوقيع على اتفاق أوسلو وإطلاق المحادثات الثنائية بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”، فإن التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية كان ضئيلاً للغاية، ومن وجهة نظر الرأي العام فقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود .

 

ولقد أظهر الدبلوماسيون العرب أقل القليل من علامات التفاؤل في هذا السياق، ففي القمة التي عقدت في ليبيا مؤخراً رفضت جامعة الدول العربية محادثات التقارب غير المباشرة التي اقترحها جورج ميتشل مبعوث السلام الأمريكي إلى الشرق الأوسط، والموقف العربي يتلخص في رفض أي محادثات تقارب قبل أن تجمد “إسرائيل” أنشطتها الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية . والواقع أن الرأي العام الفلسطيني والعربي ينتظر من الولايات المتحدة، بوصفها حليفاً ل”إسرائيل”، أن تتدخل وتضغط في سبيل التوصل إلى تسوية .

 

ورغم التحسن الكبير الذي طرأ على الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية في ظل قيادة رئيس الوزراء سلام فياض، فإن هذا لا يشكل بديلاً لمفاوضات السلام الجادة، وفي أغسطس/ آب ،2009 أعلن فياض رؤيته لدولة فلسطينية في غضون عامين .

 

إن الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين محدودة، ولا يوجد إجماع بينهم حول كيفية المضي قدماً، ولكن هناك شعوراً متنامياً بأن لعبة الانتظار ليس من الممكن أن تستمر، وأياً كان ما سيأتي بعد ذلك فمن المرجح أن يأتي قريباً .

 

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، كتب العديد من المقالات حول السياسة الفلسطينية، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجكت سنديكيت”.

=================

تركيا وسوريا مسار ومصير مشترك

آخر تحديث:الاثنين ,03/05/2010

محمد نور الدين

الخليج

على امتداد ثلاثة أيام من 27 إلى 29 إبريل/ نيسان 2010 قامت وحدات من الجيشين التركي والسوري بمناورات مشتركة على الحدود بالمناوبة بين أراضي البلدين .وتأتي المناورات في الذكرى السنوية الأولى لإقامة مناورات مشابهة كانت الأولى بين الجيشين .

 

المناورات الجديدة لها أهمية لا تخفى على كثير من المراقبين:

 

* أولاً، إن تكرارها يفيد بأن العلاقات بين الجيشين أصبحت منتظمة بل روتينية إلى حد كبير وهي مرشحة لمزيد من التكرار وتعميق التعاون في مختلف المجالات العسكرية والأمنية .

 

* ثانياً، إن المناورات تأتي في ظل اشتباك سياسي في الداخل التركي بين حكومة العدالة والتنمية ذات الجذور الإسلامية، والعلمانيين المتشددين ورأس حربتهم المؤسسة العسكرية . وهذا يفيد بأن العلاقات مع سوريا لا تقتصر على طرف سياسي أو عسكري من دون غيره بل مسألة تحظى بإجماع داخلي .

 

* ثالثاً، إن المناورات هي شكل آخر من أشكال التعاون الشامل بين تركيا وسوريا بات يشمل مختلف المجالات، ما يعكس بالفعل أن العلاقات بين البلدين باتت شاملة واستراتيجية .

 

تمضي العلاقات بين أنقرة ودمشق في اتجاهات سليمة وبنّاءة نتيجة عوامل متعددة:

 

- أولاً، وجود مراجعة جريئة في العاصمتين لكيفية التعاون وتجسيد علاقات حسن الجيرة بما يخدم مصالح الطرفين .

 

- ثانياً، انتفاء عامل الاستقطاب الذي كان يضع البلدين خلال الحرب الباردة وجها لوجه .

 

- ثالثاً، انتهاء العامل الأمني الذي كان يمثله حزب العمال الكردستاني والذي كاد يدخل البلدين في حرب في نهاية خريف 1998 .

 

- رابعاً، التحديات المتعددة التي شكلها الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 ومنها الفتن المذهبية والنزعات التقسيمية التي عبّر عنها الدستور العراقي في خلق فيدرالية كردية في شمال العراق . والبلدان، سوريا وتركيا، متشابهان لجهة النسيج الاجتماعي العرقي والديني والمذهبي المتعدد .

 

- خامساً، رغبة تركيا في أن يكون لها موطئ قدم فاعل في الشرق الاوسط وهذا لا يتحقق إلا عبر سوريا التي هي بوابة تركيا إلى العالم العربي جغرافيا وإلى القضية الفلسطينية، بحكم الأوراق التي تمتلكها سوريا .

 

- سادساً، حاجة سوريا خلال السنوات الماضية ولا سيما بعد احتلال العراق إلى أصدقاء جدد بعد الهجمة الأمريكية عليها .

 

لكن يجب ألا ننسى أن المدماك الأول لتطور العلاقات كان في عهد الرئيس السابق أحمد نجدت سيزير الذي زار سوريا للمشاركة في تشييع الرئيس الراحل حافظ الأسد في يونيو/ حزيران 2000 . كما تحدّى الضغوط الأمريكية ليمتنع عن زيارة سوريا في إبريل/ نيسان 2004 فرفض الإملاءات وزار سوريا .

 

بمعنى أن تطور العلاقات بين البلدين لم يكن فقط لوجود بُعد إسلامي في السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، بل لأن مصالح البلدين والتحدّيات حتّمت التلاقي وصولا إلى التعاون الاستراتيجي بين البلدين والمجتمعين .

 

ولا شك أن تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي في منتصف سبتمبر/ أيلول 2009 كان نقلة نوعية من مرحلة إلى مرحلة .

 

وفي إطار هذه التحسن والموصول بالتفاعل الواصل إلى التكامل، من المفيد جدا لتركيا وسوريا، ولتركيا وكل الدول العربية والإسلامية الأخرى توظيف كل الأوراق والطاقات من أجل التكامل من دون ربط ذلك بشكل قطعي بطبيعة علاقات أي طرف منهما بطرف ثالث . بمعنى أن من أهم العوامل التي فتحت الأبواب بين العرب والأتراك عدم رهن تطوير العلاقات مع تركيا بوقف أو تخفيف علاقاتها مع “إسرائيل” .

 

إذ أن إحساس الأتراك عملياً بفوائد التعاون مع العرب والمسلمين للاقتصاد التركي والاستقرار السياسي في المنطقة وفي الداخل التركي يضع تركيا تلقائياً في خندق واحد مع العالم العربي والإسلامي .

 

ومن الواقعية ألا يطلب من تركيا ما لا تحتمله بحكم ارتباطاتها مع الغرب ومع “إسرائيل” وعضويتها في حلف شمال الأطلسي وتطلعها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حيث لا يمكن البقاء في الحلف أو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في ظل عداء ل”إسرائيل” .

إذا كان المطلوب غير ذلك من تركيا فهذا يستدعي تغييراً كلياً في الخيارات الخارجية التركية وهو ما لا يبدو وارداً في المدى المنظور .

وفي جميع الأحوال فإن مسار العلاقات بين تركيا وسوريا وصولاً إلى مناورات عسكرية أصبحت تقليداً سنوياً يعكس تحوّلاً استراتيجياً نأمل أن يستفيد منها العرب بكل فئاتهم وتوسيع البيكار ليصل مجال التعاون الوثيق إلى دول غير عربية لتعم الفائدة وتتم حماية العلاقات العربية التركية .

=================

سجناء سقيفة ماضي التاريخ

الإثنين, 03 مايو 2010

د. بصيرة الداود *

الحياة

من الواضح أن معظم الخطط والبرامج والأهداف التي اعتمدتها الأوساط الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي، وصرفت عليها – ولا تزال – الجهد والمال والوقت، من أجل تحسين صورة العرب المسلمين في كل أنحاء العالم لم تعد مجدية، وفشل أغلبها بسبب إنتاجها للطابع الدعائي – الإعلامي فقط الذي لا يهدف إلى نتائج حقيقية، وأكبر شاهد على ذلك استمرار بث الأفلام والرسوم «الكاريكاتورية» الغربية المسيئة للمسلمين ورموزهم، وما جاء في محاضرة «بابا الفاتيكان» عام 2006، والتي أراد من خلالها أن ينتقد تردي أوضاع الغرب، فاستشهد بأمثلة من التاريخ الإسلامي، ما يؤكد خطورة المرحلة التي أصبح العرب المسلمون فيها – تحديداً – يعيشون أزمة العنف العميقة القائمة على تغييب العقل البشري على مستوى الممارسة، والتردد في اتخاذ أية خطوة إيجابية تجاه من يسيء لتاريخهم وأمتهم، أبسطها تلك التي تسلك طريق التظلم من عنصرية الآخر تجاهنا عبر المحافل الدولية المعنية بهذا الأمر، أو محاورتهم حواراً رصيناً عن طريق المؤهلين لذلك من دون الاعتماد فقط على رجال الدين والفقهاء الذين يصرون على قدرتهم على تجاوز هذا الموضوع بنجاح. إذ كيف يتحاور أصحاب العقلية والاتجاه الواحد التقليدي – المحافظ ذاته أولاً لكي يُسمح لهم وحدهم بمحاورة الآخرين الذين لا يتقبلهم أصلاً كونهم مختلفين عنه ولا يؤمنون بالثقافة الحديثة وآليات الحوار المعاصر بسبب دوران عقولهم في حلقة واحدة بالنسبة لتصوراتهم حول الأمور والأشياء والظواهر التي تحدث في الكون والحياة بشكل عام؟

رجال الدين في الغرب تطورت عقولهم عبر التاريخ، فأصبحت نظرتهم ومفاهيمهم للكون والحياة وما يحدث فيهما تأخذ في الحسبان تطور العلم والحضارة إلى جانب الدين، وذلك تبعاً للتطورات والثورات الفكرية والفلسفية التي طغت على أوروبا بعد المراحل «القروسطية»، التي خيم عليها الظلام والجهل عندما كانت الكنيسة هي المسيطرة والموجهة للمجتمعات الغربية آنذاك.

قبل أن نفتح أيُ حوار مع الذات قبل الآخر لا بد من الاعتراف أولاً بأننا كعرب مسلمين لا نزال جميعاً نعيش مرحلة بدايات ظهور الإسلام، فعقلية معظم المؤثرين من كبار العلماء المسلمين وفقهائهم من المذهبين «السني والشيعي» في عصرنا هذا منشغلة بقضايا الجدل فيها أصبح عقيماً لا لشيء إلا لمحاولات يائسة من أجل تغليب رأي كل طرف على رأي الطرف الآخر من غير مراعاة لأساليب الحوار والإقناع ! فهل من الضعف وعدم القدرة على الاستجابة لتحديات المرحلة المعاصرة هي التي أعطت الضوء الأخضر للعلماء المسلمين وفقهائهم للاستمرار – مثلاً - في مناقشة قضايا مثل جواز رضاعة الكبير لتحل مسألة الخلوة والاختلاط في العمل ما بين الرجل والمرأة؟ وهل يعتبر مشي المرأة في معرض ثقافي كمعرض الرياض الدولي للكتاب مع الرجل وأسرتها يعتبر نوعاً من أنواع الاختلاط والخلوة؟ وما يحدث اليوم من عمليات عنف بين المذاهب الإسلامية تتمثل في تفجير للمساجد في باكستان والعراق وأفغانستان تقابله عمليات تفجير لمزارات الشيعة أصبح هو الشغل الشاغل للمتطرفين دينياً من المذهبين؟ وما هي أهداف كل تلك القنوات الفضائية بوعاظها وفقهائها والتي بدأت تطغى بكثرتها في محاولة للتأثير في المتلقي، خصوصاً تلك التي تحمل رسالة دينية ذات رسائل تدعو إلى إباحة العنف والتطرف في المجتمعات العربية من خلال ما يبثه أصحاب الفتاوى الغريبة، أو تلك التي تنقل بين الحين والآخر طقوساً جنونية عنيفة ليس لها أية ارتباط بالإسلام وبالصفات الإنسانية والبشرية من لطم على الخدود وضرب على الرأس بالسيوف لإراقة الدماء، والزحف على اليدين والرجلين وغيرها؟! وما الهدف من وراء زيادة أعداد المدارس والجامعات في عالمنا العربي التي تخرج سنوياً أعداداً كبيرة من الطلبة والطالبات الحاصلين على مؤهلات علمية مثبتة على الورق فقط، ولكن تحصيلها العقلي من التربية والعلم والثقافة لا يزال من دون الطموح المطلوب؟! هل بسبب أن الجامعات الحكومية منها على وجه التحديد لا تزال تعمل تحت إدارة وضغط وإشراف أنصاف المتعلمين؟! الذين تعلوا أصواتهم بالمناداة للعودة إلى «الأصالة» والعصور الإسلامية الأولى، أو ما قبل الإسلام إذا لزم الأمر والتصدي من خلال ذلك للعجز والجهل وعدم الرغبة لديهم بالأخذ بمستجدات الفكر الحضاري العالمي السائد في عصرنا هذا!!

إن الحوار مع الذات ثم الآخر ليس ترفاً فكرياً وإنما عملية تنتج وتطور المعنى المحقق للشروط المعرفية والقبول بمبدأ التعددية في ذات النتائج والمعطيات، ومن ثم إعادة بنائها من جديد في محاولة للتأثير أو التوصل إلى أية توافق كلي أو جزئي من دون أن يكون هناك غلبة لطرف ما على الآخر، أو السكوت على الأخطاء مراعاة لمشاعر هذا الطرف أو ذاك الأمر الذي يؤثر في عملية سير الحوار فيبقيه محصوراً في أُطر فردية وعلى نسق ثقافي واحد، فتكون النتيجة عدم اختلاف المحاور مع من يحاوره بهدف التأثير عليه.

وقد يسأل البعض عن كيفية الخروج من تلك الأزمات التي وضع المسلمون أنفسهم فيها عبر التاريخ؟

وقبل الإجابة على مثل هذا السؤال العميق لا بد من ضرورة الاعتراف بأن التطرف الديني في الإسلام لم ينشأ من خارج الفكر الديني، بل هو أحد تياراته التي يستمد منها كل مبرراته وأسبابها. ولهذا لم يعد يجدي نفعاً أن نستمر بإيهام أنفسنا بأننا أمة قادرة على تحقيق الوسطية والاعتدال إلى درجة تدخلنا معها في مرحلة إقناع الذات بهذا الوهم الكبير في نفس الوقت الذي لا يزال تعطى فيه كل صلاحيات العمل واحتكار السيطرة على المجتمعات العربية إلى الفقهاء المحتكرين للدين بتطرف والذين يغلبون الوعظ على التفكير، والخطابة على الاستدلال والرأي المحقق للأهداف، والمتمسكين بكل التراث الديني بما فيه من كم هائل من الأخطاء التي توارثناها عبر عصور التاريخ الإسلامي من دون أن تخضع للتحليل والنقد للبنى العميقة فيه اللهم إلا من بعض المؤلفات العلمية النقدية «القيمة» لبعض علماء العرب المهاجر معظمهم إلى الدول الغربية وأمريكا. وإخضاع الجانب الديني عبر التاريخ الإسلامي يضعه – دون شك – في دائرة أكبر تمكنه من الانفتاح الذاتي على الكوني، وتعطي مجالاً للفكر والثقافة العقلية أن تسيطر على الإنسان بما يكفل انفتاح ماضيه على حاضره ومستقبله، واحترام تعددية الآراء المختلفة أو المخالفة لما هو متبع ومألوف إذا كان في مصلحة العامة من أجل التصدي لأية محاولة تهدف إلى إعادة إنتاج التطرف بصفة دورية، وقطع كل الحلقات الموصولة التي ورثت لنا الكثير من المغالطات في فهم الدين الإسلامي عبر التاريخ.

* أكاديمية سعودية

=================

الصين: نمط جديد في القيادة الدولية

الإثنين, 03 مايو 2010

جميل مطر *

الحياة

كان الرئيس باراك أوباما واقعياً حين قال خلال زيارته للصين في أوائل العام الحالي، أنه سيعمل ما في وسعه للحفاظ على مكانة الولايات المتحدة وموقعها المتميز في القيادة الدولية، وليس لاستعادة وضعها كدولة مهيمنة على النظام الدولي. كان أيضاً واقعياً حين قال إن قيادة العالم في القرن الحادي والعشرين لن تكون من نوع المباريات الصفرية، أي أن تنفي الدولة القائد أي دور قيادي لدولة منافسة. سيكون هناك تنافس مفتوح على النفوذ والقوة ولن تسمح الظروف باحتكار دولة عظمى النفوذ أو القيادة. وكان أوباما قد أعرب في مناسبات سابقة عن أمله في أن الصين، وقد صارت مرشحة للمشاركة بدور في القمة الدولية، ستعلن استعدادها لتحمل المسؤوليات الملحقة بهذا الدور.

صدرت هذه التصريحات قبل شهور خلال زيارة أوباما للصين، وكان بادي الوضوح أن الصين قررت تسريع مسيرة تقدمها نحو القمة من طريق التخلي عن نهج الخطوات الواسعة ولكن البطيئة والانتقال إلى نهج القفزات العالية والواسعة. بمعنى آخر تخلت عن نمط التقدم الغربي المتدرج المراحل لصالح نمط تكثيف المراحل. وكان بادي الوضوح أيضاً أن الصين مصرة على أن لا تتخلى عن أسلوبها في التعامل مع الغرب، وهو الأسلوب الذي صاغته سنوات بل قرون من العلاقات غير المتكافئة في ظل انعدام ثقة بين الطرفين ورغبة دائمة لدى طرف كل منهما في إذلال الطرف الآخر. وبالفعل لم تتنكر الصين لهذا الجانب من ثقافة تعاملها مع الغرب عندما زارها أوباما وعندما زار رئيسها الولايات المتحدة، ولم تتخلّ عنه خلال المفاوضات المعقدة المستمرة بين المسؤولين الأميركيين، وبخاصة العسكريين والديبلوماسيين، وأقرانهم من الصينيين، سواء كانت حول قيمة العملة الصينية أو سياسات الاستيراد أو حجم القوة العسكرية المتنامية في الصين.

هذه المسائل وبخاصة مسألة دور الصين ومكانتها الدولية ما زالت محل جدل داخل الصين وخارجها. ويبدأ الجدل عادة داخل المؤسسات الأكاديمية والعسكرية الصينية بطرح السؤال الذي أصبح شهيراً: هل الولايات المتحدة حقاً في وضع انحسار؟ وبناء على هذا السؤال يطرحون السؤال الشائع وإن كان أقل شهرة: هل الصين مدعوة من جانب المجتمع الدولي لممارسة نفوذ وتحمّل مسؤوليات تتناسب وقوتها الصاعدة؟ وهل الصين في حاجة عاجلة لأن تعبئ إمكانات وتجند طاقات إضافية لحماية مصالحها المتزايدة عدداً وحجماً في كل أنحاء العالم؟ يؤكد الخبراء الصينيون والمتابعون للشأن الصيني في الخارج، أن هناك حرصاً في الصين على التمسك بالشعار الذي رفعه الحزب وصار توجيهاً رئاسياً تلتزم به الديبلوماسية الصينية وكل أجهزة الإعلام والاتصال بالخارج. يقضي التوجه بضرورة أن تخفي الصين عن الأنظار بريق إنجازاتها الواضحة. الغرض من هذا التوجه إظهار الكثير من التواضع لتفادي خوف الآخرين وحسدهم.

أظن أن حجم الجهد الذي تبذله الديبلوماسية الصينية لإخفاء بريق الإنجازات الداخلية لم يعد كافياً ولعله لم يعد مطلوباً بعد أن ذاعت أخبار التوسع في القوة العسكرية الصينية، وتعددت تصريحات مسؤولين صينيين، عسكريين ومدنيين، تكشف عن خطط تهدف إلى توسيع مجالات النفوذ الصيني في المحيطين الهادي والهندي وبحر العرب ومياه جنوب شرقي آسيا. لقد أصبح اعتماد النمو الاقتصادي في الصين على النفط والمواد الخام الواردة من الخارج علامة بارزة من علامات نظام دولي جديد في مرحلة التبلور. لذلك لم تكن مفاجأة للغرب أن تعلن الصين عن عقيدة عسكرية جديدة تحت عنوان «دفاعات البحر البعيدة»، يفهم منها أن الصين تزمع التوسع في بناء أسطول بحري يتولى حماية تجارتها الخارجية، وبخاصة عمليات نقل النفط من موانئ تصديره الواقعة على سواحل أميركا اللاتينية وأفريقيا والخليج إلى مواقع تفريغه في الصين. لم تعد تايوان والمضائق الصينية الشرقية بؤرة العقيدة العسكرية الصينية كما تبناها الرئيس ماو قبل ستين عاماً أو ما يزيد. الآن لا يخفي المسؤولون الصينيون حاجة مصالح الصين الممتدة في بحارها الجنوبية والشرقية وفي مضائق ومياه ملقا والخليج وعدن إلى حماية. وبما أن الصين، في تقاليدها العسكرية وثقافتها السياسية، لا تأمن للأجانب، وبخاصة للقوة الأميركية المهيمنة في آسيا، فقد قررت التوسع في بناء قوة بحرية تتناسب وهذه المصالح، وقامت بإبلاغ الدول الكبرى رسائل فحواها أنها لن تسمح لأي قوة خارجية بخرق سيادة الصين في مياهها الإقليمية. وقد ثار على الفور جدل أميركي صيني حول مضمون هذه السيادة البحرية للصين. إذ بينما تصر أميركا على أن تقتصر هذه السيادة على الشؤون التجارية، تعلن الصين أن قرارها بأن تكون السيادة كاملة وشاملة غير قابل للتفاوض. وبالفعل أصبحت القيود التي تفرضها الصين على حرية الملاحة في المياه القريبة منها واقعاً ملموساً، وبخاصة في بحر الصين الجنوبي بعد أن قامت البحرية الصينية بتطوير إمكانات أكبر قاعدة لبناء الغواصات في خليج يالونغ Yalong على شواطئ هذا البحر وزودت بعض قواعدها البحرية بصواريخ مضادة لحاملات الطائرات. كلها إجراءات تؤكد، بحسب رأي مسؤولين أميركيين، عزم الصين على التشدد في فرض سيادتها الإقليمية إلى درجة تبدو الآن في نظر الولايات المتحدة «توسعاً غير عدواني» تجاهها.

كانت الصين قد وعدت بأنها لن تنافس أميركا في الهيمنة على المحيط الهادي الذي تعتبره أميركا منذ هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية بحيرة أميركية. ومع ذلك تشير اليابان إلى أن أساطيل صينية تمر أحياناً عبر مياهها الإقليمية متجهة إلى المحيط الهادي من دون إعلان سابق، وكانت آخرها مجموعة بحرية مكونة من غواصتين وثماني مدمرات. وتشير تقارير البنتاغون الأخيرة إلى أن أميركا تقدر موازنة الصين العسكرية بمبلغ يتراوح بين 105 و 150 بليون دولار بينما تصر الصين على أنها لا تتجاوز 78 بليوناً (مع العلم أن موازنة الحرب الأميركية قد تصل في العام المقبل إلى 548.9 بليون دولار). تشير أيضاً إلى أن الصين تبني حاملة طائرات لتنضم إلى 260 قطعة بحرية منها ستون غواصة، مما اضطر أميركا بحسب معلومات برنارد كول الأستاذ بكلية الحرب في واشنطن، إلى سحب غواصتين من المسرح الأطلسي لدعم الأسطول الأميركي في المحيط الهادي.

كان متوقعاً أن تؤدي زيادة النشاط العسكري الصيني، وبخاصة الجانب البحري منه، إلى نشوب سباق تسلح في منطقة جنوب آسيا على رغم كل محاولات الصين طمأنة دول المنطقة إلى أن أهدافها سلمية وتقتصر على حماية أساطيلها التجارية، ففي كانون الأول (ديسمبر) الماضي وقّعت فيتنام عقداً مع روسيا لشراء ست غواصات، واستلمت ماليزيا غواصة من غواصتين تعاقدت عليهما مع فرنسا واشترت سنغافورة غواصتين من السويد بينما لم تتوقف أستراليا عن السعي المكثف لإقناع دول آسيا، وبخاصة الجنوبية والشرقية، لتطوير نظام أمن إقليمي تدعمه الولايات المتحدة يكون هدفه وقف توسع الصين والحد من نفوذها.

تشير تطورات الأسابيع الأخيرة إلى أن الصين لن تغير ببساطة الأسلوب الذي تبنته لديبلوماسيتها وممارسة مسؤولياتها الدولية. أذكر جيداً القصة التي رويت في أعقاب زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون للصين عن الحديث الذي دار بينه وبين الرئيس ماو بعد أن اثنى المجاملة نيكسون على كتابات ماو وأشاد بروعتها ففاجأه ماو بالقول بأنه كذلك قرأ كتابات نيكسون ويعتقد أنها «لا بأس بها».

وعندما حاول نيكسون نقل الحديث إلى مشكلات فيتنام وتايوان والكوريتين طلب منه الرئيس ماو تغيير الموضوع، فبكين لا تريد الدخول في جدل حول «مشكلات ساخنة» مع الولايات المتحدة. وقع هذا الحديث منذ حوالي أربعين عاماً وما زالت بكين ترفض ضغوطاً أميركية لتتدخل ضد إيران وترفض احتجاجات غربية على عقود أبرمتها مع حكومة النيجر العسكرية التي تولت الحكم بانقلاب عسكري وترفض الاشتراك في ممارسة ضغوط على حكومة البشير المتهمة بارتكاب أعمال إبادة.

هكذا تكون الصين قد صاغت نمطاً ما زال فريداً في العلاقات الدولية. حسب هذا النمط ليس ضرورياً أو حتمياً أن تترجم القوة نفسها نفوذاً ومسؤوليات.

* كاتب مصري

=====================

حديث الضمانات

الافتتاحية

الاثنين 3-5-2010م

بقلم رئيس التحرير: أسعد عبود

الثورة

تنتمي كل جهود السلام في الشرق الأوسط منذ نحو ربع قرن إلى المبادرة الأميركية لعقد مؤتمر مدريد 1991 وبالتالي يسودها دائماً احتمالات الموقف الأميركي.. وهي دون شك بالطريق الذي بدأته واستمرت فيه وما نتج أو تفرع منه، تحتاج الى الضمانات الأميركية.

وإلا.. فلا بد من أسس جديدة لتوجهات سلام جديدة.‏

هل عجزت الولايات المتحدة عن تقديم هذه الضمانات؟.. أم إنها لا تريد السلام؟! أم تريده لكن ليس على مبدأ السلام أولاً..؟!‏

الولايات المتحدة تقسم دائماً إن أمن إسرائيل أولاً.. والسلام ليس ثانياً.. بل هناك كل ما تزعمه إسرائيل وما تتخذه من إجراءات.. ثم يأتي الحديث عن السلام.. أما أمن العرب ودول المنطقة فلا ذكر له.. علماً أنه المهدد أولاً وقبل كل شيء، طالما أن الولايات المتحدة والغرب عموماً مستمرون في الدعم العسكري لإسرائيل والصمت على أسلحة الدمار الشامل فيها بما في ذلك «النووي» الذي لا نعتقد أبداً بأن إسرائيل أنبتته بقوة الأمطار في رمال النقب.. بل بقدرة الدعم وتوفير مستلزماته من الغرب.‏

السياسة الأميركية الغربية المعلنة.. لا تخاف على أمن العرب ودول المنطقة من إسرائيل وأسلحتها وقنابلها النووية.. بل.. تخاف عليهم من مقاومة العدوان والتهديدات الإسرائيلية المستمرة!!.‏

لايعترض الغرب على أي وجود مسلح في المنطقة أبداً ما لم يكن هناك احتمال لمقاومة التوسع الإسرائيلي به!!.‏

وهم الذين ننتظر منهم أن يقدموا ضمانات السلام!!.‏

ليس عندهم أكثر من كلمات تنقل سراً..‏

يعني.. تهديدنا والضغط علينا واتهامنا.. علناً.‏

أما احتمالات ضمان ما، لكلام ما، كي يدخلونا في ورطة جديدة.. فيأتي شفهياً وسراً؟!.‏

حرصاً على ماذا؟!‏

حرصاً على الكذب والتراجع عنه إلى أن يتحول إلى مذكرات فيقرون بكل ما كانوا به يكذبون.. كما أقر الرئيس كلينتون بأن إسرائيل منعت توقيع اتفاق سلام مع سورية، وكان قبلها قد أعلن جهاراً أن الكرة في الملعب السوري بعد محادثاته في جنيف مع الرئيس الراحل حافظ الأسد.‏

ما زلنا نرى أن مشروع السلام يحتاج إلى ضمانات دولية.. أميركية أولاً..‏

لكن..‏

وفق مسيرة إدارة الرئيس أوباما في رعاية سلام الشرق الأوسط حتى اليوم.. تبدو الولايات المتحدة تحتاج إلى الضمانات ولا تمنحها!!‏

إن كانت جادة في توجهات السلام فهي التي تحتاج إلى من يضمن لها مواقف إسرائيل..‏

لا نرى أبداً أن إسرائيل هي التي تقود وتجر الولايات المتحدة إلى هذه العبثية والتلاعب في مسألة خطيرة كمسألة السلام.. عندما تكون الولايات المتحدة جادة في مشروع السلام كمقدمة أولى لأمن المنطقة وشعوبها ودولها.. لا تحتاج إلى ضمانات من أحد.. ولا تخشى مواقف إسرائيل.. ولا تنصت لمزاميرها.. بل تعطي للسلام فوراً كل الضمانات..‏

يزعم بعض العرب أنهم سمعوا في لجنة تسويق المبادرة العربية للسلام.. حديثاً عن ضمانات أميركية.. وبناء على ذلك رحبوا بهذه الفرصة لأشهر.‏

لكن.. هل تقول أي دولة عربية إنها تثق بهذه الضمانات ؟! هل تراهن على نتائج قادمة خلال أشهر؟! اللهم باستثناء توسع المستوطنات والعدوان والتبجح والتهديد.. وإيصال الرسائل عن طريق «الضامن» الأميركي؟!‏

يقولون: فرصة؟!‏

لكنها فرصة لضياع الفرص.. ليس إلا..‏

إنها امتهان قبل أن تكون امتحاناً..‏

غداً يأتي الصيف.. شهران أو ثلاثة.. وينضج العنب.. وتكذّب أشجار الدوالي أحلام الثعالب..‏

========================

عودة "الأبارتيد" الى جنوب افريقيا

المستقبل - الاثنين 3 أيار 2010

العدد 3641 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

هل تضطر منظمة الفيفا الى البحث عن بديل لجنوب افريقيا لإجراء دورة بطولة العالم بكرة القدم المقررة في شهر حزيران القادم؟

منذ أن جرت عملية اغتيال أوجين تيرا بلانش (الأرض البيضاء) زعيم الحركة العنصرية البيضاء في جنوب افريقيا، فرضَ هذا السؤال ذاته على المنظمة. ذلك ان الحركة طالبت بالانتقام. والانتقام يعني إشعال حرب عنصرية جديدة بين الأفارقة السود والبيض، الأمر الذي يعني أن تنظيم مباريات بطولة العالم في هذا الجوّ المشحون والمضطرب قد يصبح أمراً مستحيلاً.

قد تجد الفيفا دولة أخرى. وقد تؤجل المباريات بعض الوقت حتى تتمكن الدولة البديل من إعداد ذاتها. ولكن ماذا عن جنوب افريقيا؟

عندما سقط نظام "الأبارتيد" - التمييز العنصري قبل 16 عاماً، ساد الاعتقاد بأن مجتمع جنوب افريقيا تمكّن من التغلّب على أمراضه العنصرية التي فتكت به طويلاً. حتى ان الرئيس الافريقي نيلسون مانديلا الذي قاد حملة المسامحة تمكّن من إعادة بناء الوحدة الوطنية على قاعدة المساواة بين السود والبيض. وطوى بما كان يتمتع به من احترام، صفحة الانتقامات التي كان يُخشى أن يقوم بها الأفارقة الذين عانوا طويلاً، وكثيراً من وحشية نظام "الأبارتيد" ومن عنصريته المتوحشة.

وقد كشفت عملية اغتيال "تيرا بلانش" على يد اثنين من الصبية الأفارقة اللذين كانا يعملان في مزرعته (تبلغ أعمارهما 16 و 21 عاماً فقط) وردود الفعل على هذه الحادثة، أن "المسامحة" في جنوب افريقيا كانت استجابة لقرار سياسي وليس نتيجة لثقافة وطنية. وانه بمجرد أن تقلص وهج الرئيس نلسون مانديلا الذي بلغ من العمر عتياً، حتى عادت ثقافة الكراهية تطغى على قرار المسامحة !!

وكان نجم أوجين تيرا بلانش قد سطع عندما تولى عملية الردّ على أستاذ التاريخ في جامعة جنوب افريقيا. فخلافاً لما يعتقده العنصريون البيض فان انتصار أسلافهم في عام 1838 على قبيلة الزولو أكبر القبائل في جنوب افريقيا وأصلبها عوداً رغم الفرق الهائل في العدد بين الجانبين، كان، كما وصفه أستاذ التاريخ، انتصار البندقية (سلاح البيض) على السهام الخشبية (سلاح الأفارقة السود). أما اعتقاد العنصريين البيض فهو ان الانتصار جاء نتيجة تدخل إلهي، (وهو ما ادّعاه الاسرائيليون أيضاً في حربي 1948 و 1967). وقد اعتبر تيرا بلانش كلام الأستاذ الجامعي تشويهاً لعلاقة البيض بالذات الإلهية. ولذلك عمد الى صب كمية من القطران الأسود فوق جسده، ثم نثر فوقه كمية من ريش الدجاج والطيور. وقال ان هذا جزاء من يشوه العلاقة بين الله والأبارتيد (التميير العنصري) !! حدث ذلك في عام 1979. ومنذ ذلك الوقت أصبح الرمز الأول للحركة العنصرية في جنوب افريقيا.

واذا كان البيض قد دعوا الى الثأر والانتقام، فان الأفارقة السود رددوا الأناشيد الحماسية التي كانوا ينشدونها أثناء مقاومتهم لسلطة "الأبارتيد".. بما فيها من عبارات تعكس كراهية البيض وتدعو الى التخلّص منهم.

لقد أسس تيرا بلانش حركته العنصرية "حركة المقاومة الافريقية" في عام 1973، وعمل جاهداً لاستقطاب البيض على أمل استعادة النظام العنصري. وبالفعل أدت هذه الحركة دورها في الدفاع عن النظام العنصري، حتى أن مؤسسها نفسه اعتُقل وحوكم بتهمة ضرب وتعذيب عدد من العمّال الأفارقة، وصدر بحقه حكم بالسجن ونفذ العقوبة بالفعل. ثم أُطلق سراحه في عام 2004.

وخلافاً لما كان يتوقع، استمرت حركته حتى بعد سقوط النظام. وفور اغتياله رفعت هذه الحركة شعار الانتقام ووجهت نداء الى الرأي العام العالمي قالت فيه أن جنوب افريقيا تحولت الى عاصمة للجريمة، وان الجماهير التي ستحضر من مختلف دول العالم لمشاهدة مباريات كرة القدم لن تكون آمنة. ودعت الى نقل المباريات الى أي دولة اخرى حرصاً على سلامة اللاعبين وعلى سلامة الجماهير التي سترافقهم.

في الأساس، تدعو الحركة في برنامجها السياسي الى تقسيم جنوب افريقيا وفقاً لحجم ولمواقع انتشار القبائل المتعددة. كما تدعو الى اعتبار البيض الذين يشكلون 9 بالمائة فقط من السكان بمثابة "قبيلة" متميزة لها هويتها وعَلَمها ونشيدها الوطني. وبموجب ذلك يتم تقسيم جنوب افريقيا الى عدة دويلات قبلية وعنصرية، الأمر الذي يعني التخلي عن النظام السياسي الاجتماعي الذي اعتُمد منذ عام 1994 حتى اليوم !

حالياً يعيش البيض في شبه كانتونات داخل المدن. وهم يتحصنون في المزارع الواسعة التي يملكونها على النحو الذي مارسه من قبل أقرانهم في زيمبابوي روديسيا- سابقاً. ولكن كراهيتهم للأفارقة وانعزالهم عنهم لم يغنِ عنهم من الأمر شيئاً. فتضخم حجم الكراهية المتبادلة الى حد يخشى معه انفجار الوضع من جديد.

فالأفارقة وهم سكان البلاد الأصليين يشكلون 80 بالمائة من السكان، ولكنهم لا يملكون سوى 13 بالمائة فقط من حجم الاقتصاد الوطني. انهم يعملون أُجَراء لدى أصحاب المصانع وأصحاب المزارع البيض. ولم يتغير هذا الوضع بعد سقوط النظام العنصري الا بنسبة ضئيلة جداً. وقد أفاد من التغيير المهاجرون غير البيض الذين استوطنوا في جنوب افريقيا، ومعظمهم من الهند ومن عدد من الدول الآسيوية الاخرى.

أدى استمرار التباين في المستوى الاجتماعي والتعليمي بين الأفارقة والبيض الى استمرار المشاعر العدائية التي سادت بينهم طوال فترة الحكم العنصري. فالبيض يعتبرون الأفارقة وكأنهم دون مستوى البشر، فيأنفون من التعامل معهم الا في الحدود الدنيا كخدم وعمّال. أما الأفارقة فيعتبرون البيض عنصريين متعالين سارقين للثروة الوطنية ومستغلّين لليد العاملة الافريقية.

كانت هذه المشاعر المتبادلة قائمة أثناء نظام "الأبارتيد". وبعد سقوطه لم تتغير الا شكلا. صحيح انه سُمح للأفارقة لأول مرة بتولّي مناصب في أجهزة الدولة السياسية والادارية والأمنية، غير ان البيض ألقوا على كتف هذا التغيير وزر الفساد المالي والتدهور الأمني والتردي الاداري الذي تعاني منه البلاد حتى أن الرئيس جاكوب زوما نفسه لم ينجُ من الاتهام بسوء استخدام السلطة.

ثم ان جنوب افريقيا هي من أكثر الدول الافريقية معاناة من مرض فقدان المناعة (الإيدز) ويزعم البيض ان الوباء الفتاك شبه محصور بالأفارقة، وهم يتخذون من ذلك ذريعة لمقاطعة الأفارقة والتعامل معهم وكأنهم هم الوباء!

فلقد هاجرت أعداد كبيرة من البيض الى استراليا ونيوزيلندة منذ سقوط نظام الأبارتيد. فهم لم يصدقوا ان الأفارقة سوف يغفرون الجرائم الجماعية التي ارتبكها البيض بحقهم في ظل ذلك النظام. وبالفعل فان عدد البيض الذين قُتلوا على يد الأفارقة منذ انتهاء الحكم العنصري بلغ ثلاثة آلاف شخص. ومعظمهم من أصحاب المزارع التي يخدم فيها عمّال أفارقة.

والآن يبدو انه حتى الذين بقوا منهم في جنوب افريقيا، لم يستطيعوا أن يتكيّفوا مع النظام الجديد اللاعنصري الذي جرّدهم من كثير من الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها. وبسبب إدراكهم استحالة العودة الى ذلك النظام من جديد، فقد رفعوا راية تقسيم البلاد. وحتى لا يكون التقسيم بين أقلية بيضاء وأكثرية افريقية، فانهم يطرحون التقسيم على قاعدة التعدد القبلي، الأمر الذي يعني تحويل جنوب افريقيا الى حوالي أربع دويلات !!.

لقد تعلّم البوير (البيض في جنوب افريقيا) من دروس زيمبابوي. ولعل من أهم هذه الدروس أن الأفارقة قد يتحملون بقائهم لسنوات محدودة، ولكن التعايش السلمي مستحيل على المدى البعيد. وتعلموا أيضاً ان السكوت على مقتل مزارع أبيض أو صاحب مصنع أو صاحب مصرف..الخ.. ليس مجرد جريمة فردية، ولكنها جريمة تستهدف البيض جميعهم. ولذلك فان أمامهم احد حلّين : إما الهجرة والتخلي عن كل شيء.. وإما الانعزال في كيان سياسي خاص بهم. وهذا ما يعملون الآن على تحقيقه إدراكاً منهم باستحالة العودة مرة ثانية الى نظام الأبارتيد. فهل ينجحون؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد من إعادة قراءة المشروع الصهيوني الذي يقول بوجوب تقسيم الشرق الأوسط من باكستان حتى المغرب على أسس طائفية ومذهبية وعنصرية، بحيث يكون لكل جماعة دينية أو عنصرية كيان سياسي خاص بها.. وبذلك تحقق اسرائيل الأمن الستراتيجي وسط عالم معاد لها ومعادية له.

بمعنى آخر ان البيض في جنوب افريقيا يتطلعون الى إقامة "اسرائيلهم".. وان الاسرائيليين في المشرق العربي يتطلعون الى اقامة "جنوب افريقهم" العنصرية الدينية. فالتجربتان قائمتان على العنصرية.

===================

هل على سورية أن تجرب؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

3-5-2010

توعد النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي إسرائيل في حال هاجمت سورية أو لبنان، حيث قال في دمشق: «من يفكر في الاعتداء على سورية ولبنان.. هذه المرة ستقطع أرجلهم بمقدار ما يعتدون». والسؤال: هل على السوريين أن يجربوا الحرب مع إسرائيل ليتأكدوا من مصداقية إيران؟ قبل الإجابة لا بد من رواية قصة طريفة تنطوي على الكثير.

فأثناء الجهد المكثف الذي بذله الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون من أجل تحقيق سلام بين سورية وإسرائيل قال أحد المتفائلين، وبناء على تصريحات لكلينتون وقتها، بأن السلام بات قريباً بين دمشق وتل أبيب، فرد عليه الكاتب المميز علي سالم بالقول: «مستحيل»، فرد المتفائل قائلا: «حضرتك تفهم سياسة أكثر من كلينتون؟»، فأجاب الكاتب علي سالم: «لا.. أنا ما افهمش سياسة زي كلينتون، بس أفهم لكاعة أكثر منه»! وبالطبع لم يتحقق السلام. وعطفاً على ما قاله الكاتب سالم، نقول إن ما قاله النائب رحيمي عن أن إيران ستدافع عن سورية ما هو إلا بيع للوهم، وضحك على الذقون.

فلم يطلق الإيرانيون رصاصة ضد إسرائيل، أو صاروخاً، عندما عربد الإسرائيليون في لبنان عام 2006، وحتى بعد أن خرج حسن نصر الله قائلا إن على من يحب لبنان أن يوقف هذه الحرب، كما لم تطلق إيران صاروخاً على إسرائيل يوم هاجمت غزة، بل تم تحذير الإيرانيين من مغبة التدخل بحجة أن لا حدود مع إسرائيل، رغم أن طهران دائماً ما تتباهى بصواريخها. ولا أعتقد أن المرء في حاجة للتذكير بأن إيران أيضاً قد فتحت أجواءها للأميركيين إبان غزوهم الأخير للعراق، وهذا ليس بسر، فقد صرح الرئيس الإيراني من قبل متذمراً من أن الأميركيين يتنكرون لما قدمته إيران من مساعدات لهم في العراق وأفغانستان!

فهل بعد كل ذلك سيصدق السوريون كلام النائب الأول للرئيس الإيراني، أو تنطلي عليهم حيل طهران؟ لا أعتقد! وبكل تأكيد أن دمشق تجيد أيضاً فن «اللكاعة» السائد في منطقتنا، حيث لا سياسات واضحة، ناهيك عن انعدام المصداقية؛ فدمشق التي تحدث فيها النائب الأول للرئيس الإيراني عن التكامل الاقتصادي بين دمشق وطهران، هي نفسها دمشق التي نصحت عمرو موسى بالتريث تجاه فكرة محور دول الجوار، وهي نفسها التي تحتفي بتركيا اليوم، بل وقامت بمناورات عسكرية معها قبل أيام، وها هو معاون نائب الرئيس السوري يقول إن «سورية وتركيا تتطلعان إلى بناء أوثق العلاقات والتعاون في جميع المجالات تمهيداً لبناء تكتل إقليمي جديد بيد أبنائه الذين يشتركون بروابط تاريخية وجغرافية». بل ونجد دمشق تريد التفاوض مع إسرائيل، وتهاجم العرب الذين يدعمون تفاوض الفلسطينيين مع الإسرائيليين في نفس الوقت. ولذا، فمع وزيرة الخارجية الأميركية كل الحق حين قالت إن التصريحات الصادرة من سورية قد تعني الحرب، وقد تعني السلام! ولذا فلا بد اليوم من أن نعيد طرح السؤال الذي طرحناه كعنوان مقال في 27 فبراير (شباط) 2010، وهو: «سورية

======================

المنطفئون

الكاتب:  فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة

السبت 03 شعبان 1430الموافق 25 يوليو 2009

http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-116655.htm

حين لقيته أول مرة كان يملأ المجلس حيوية وتوهجاً ، ويشد الأنظار إليه بنشاطه المتوثب ، وروحه المرحة ، وحماسه لكل ما يسند إليه ، وقد كانت أفكاره رائعة ، كان يؤمن بالتجديد والإبداع ، ويتحدث عن الفرص العظيمة في الحياة ، في ذلك اللقاء أحسست أن شاباً يتكون الآن لصناعة مستقبل الإسلام والدعوة ، واقتبست من حماسه حماساً ، فوجدتني أسترسل في الحديث عن موضوعاته ، وأهتم بسؤالاته ، وأزمع أن يدوم الوصل بيننا .

حالت بيني وبينه الحوائل ، ولم أعد أسمع له حساً ، لقد انطفأ !

كثيرون هم كذلك .

يبدؤون مندفعين مشرقين ، ثم تعترضهم العقبات ، أو لا تساعدهم الملكات ، أو تخور نفوسهم ، ليتباطأ مشيهم ، ثم يتوقف ، ثم يتراجع .

تذكرت كلمة إبراهام لنكولن " أنا أمشي ببطء ، ولكن لم يحدث أبدا أنني مشيت خطوة واحدة للوراء ..

قد تسمع باسم داعية في بلد ، أو تقرأ له كتاباً ، فترى رمزاً قادماً ، ثم يطول انتظارك ولا يجيء ، هنا تسأل ما السبب ؟!

وقد كُتب لي أن أتعرف إلى ثلة من المؤثرين ، سواءً كانوا علماء في الشريعة ، أو كانوا مربين في الميدان ، أو أدباء ومثقفين ، أو قادة اجتماعيين ، ممن ظلوا يقدمون ويبذلون ، واستمر حضورهم وتأثيرهم ، فبدا لي أن أهم الأسباب وراء إشراقهم الدائم يعود إلى :

أولاً : الهمة العالية ، والتي هي نوع من الطموح ، مصحوباً بالصبر والتطلع والإصرار ، أو كما سماه عمر بن عبد العزيز " التوق " ، فكان يقول : إن لي نفساً تواقة, تاقت إلى فاطمة بنت عبد الملك, فتزوجتها، وتاقت إلى الإمارة فوليتها، وتاقت إلى الخلافة فأدركتها، وقد تاقت إلى الجنة؛ فأرجو أن أدركها إن شاء الله عز وجل.

الهمة جزء من البناء النفسي الفطري تعززها التربية ، والقراءة الصحيحة للقدرات والظروف المحيطة ، ولبابها التوازن بين المأمول والممكن ..

ثانياً : التكيف ، أي : القدرة على معايشة الظروف المستعصية ، وحماية النفس من الإحباط واليأس ، والتعامل مع الطرق المسدودة والفرص الهاربة ، والأجواء الخانقة ، وعدم الجمود على رؤية ضيقة ، أو تجربة محدودة ، حين تجد الطريق مغلقاً لا تقعد ، ابحث عن طرق أخرى ، ولا تعوّد نفسك اتهام الزمان ، وسب الدهر ، ابحث عن يمينك وشمالك ، ستجد أبواباً تقول : " هيت لك " ، فلتكن شجاعاً جريئاً تقتحم العقبة ، وتحاول :

إنَّ الأمـورَ إذا انسدت مسالكها    فالصبرُ  يفتحُ  منها كلَّ ما ارتججا

لا  تـيـأسن وإن طالت مطالبةٌ    إذا  استعنت  بصبرٍ أن ترى فرجا

أخلق بذي الصبرِ أن يحظى بحاجتهِ    ومـدمنِ القرعِ للأبوابِ أن يلجا

من التكيف أن تتعود النفس على التعامل مع الحر والبرد ، والنور والظلام ، والكثرة والقلة ، بل وحتى النجاح والإخفاق ، بحيث لا نعتبر الإخفاق حتماً لازماً لا مهرب منه ، كما قيل :

يَـصونونَ أَجساداً قَديماً نَعيمُها    بِخالِصَةِ الأَردانِ خُضرِ المَناكِبِ

وَلا  يَحسَبونَ الخَيرَ لا شَرَّ بَعدَهُ     وَلا يَحسِبونَ الشَرَّ ضَربَةَ لازِبِ

أظن أن التكيف فرع عن الصبر وليس رديفاً له ، ولا نقيضاً كما قد يُظن ..

فالصبر لا يعني الانتظار فحسب ، بل يعني البحث عن " حيلة " عن " مخرج " .. ليست الحيلة مذمومة بذاتها ، فهي من التحوّل ، ومن السنة أن تقول " لا حول ولا قوة إلا بالله " .

الذم على التلاعب أو المراوغة أو الخداع باسم التفقه ، أو باسم السياسة ، أو باسم الفكر .

لا ترسم في رأسك صورة تريد تحقيقها بحذافيرها فذلك هو المستحيل .

ثالثاً : التجدد ، أي : تطوير الذات ، فكراً وسلوكاً ، واقتباس الحكمة من مظانها ، أن تقرأ العين ، وتصيخ الأذن ، ويتأمل العقل ، أن يكون المرء " نهماً " ، ما أجمل النهم إلى المعرفة الجديدة ، وفي الأثر" مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ : طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا " رواه الطبراني والبزار والدارمي , , وقد جاء مرفوعاً ولا يصح .

حتى وأنت في الثمانين لا تستكثر على نفسك أن تحصل على معرفة جديدة في موضوع طالما عالجته ، وربما من مصدر ما كنت تظن أنك تظفر بها منه ، هذه الروح المتطلعة المتواضعة هي روح المتزود بالوقود الدائم ، للفكر والحياة ، لئلا تصبح شريطاً يكرر نفسه ، لتكن كالشمس كل يوم لها أفق جديد ، هي هي لم تتحول إلى كوكب آخر ، ولكن سنة الخلق تقضي تنقلها بين المشارق والمغارب ، كما أقسم بها جل وتعالى .

رابعاً : العمر ، فمن ينسأ الله له في أثره يبارك فيه إن كان صاحب همة وتجدد وتكيف ، فتحنكه التجربة ، وتؤدبه الأيام ، ويتجاوز شرّة الشباب واندفاعه ، وتُحكِمه المواقف ، وبهذا يحدث له تراكم في العلم والمعرفة والمحبة عند الصالحين ، والسابقة في الخير ، وحسن الأحدوثة ، ويتجاوز العثرات العابرة ، ويحلق فوق الشاتمين والشامتين ، خاصة وقد تدارك أقرانه ، وأصبح وحيداً ، أو كما يقول (طرفة بن العبد) :

إِلى أَن تَحامَتني العَشيرَةُ كُلُّها     وَأُفـرِدتُ إِفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ

وإن لم يكن وحيداً ، ففي نفر قليل من الأقران ، لأن زملاء الأمس أصبحوا ما بين دفين في " الثرى " أو دفين في " الثراء " أو مسْتَخْف فتر عن المحاولة ، وانطوى على نفسه .

هكذا أيها السالك ، يتردد النظر عن البداية المحرقة ، والنهاية المشرقة ، ويقول السلف : " العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية " ، أولئك الذين يبدؤون وهم يحسون بالكمال سرعان ما ينطفئون .. لأنهم وصلوا قبل أن يبدؤوا الطريق !

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ