ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 28/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أزمة الاختيار في الوطن العربي

د.رضوان رشدي

4/27/2010

القدس العربي

ليست مسألة اختيار الفرد والتنعم في رحاب حرية ذاتية، ونفي أي شكل من أشكال التقييد القاهر والاستعباد المقيت له أمرا هينا مندرجا ضمن إطار التكميلي الذي يكون مرجحا في جل الأحوال مقارنة مع الحاجة فضلا عن الضروري.

بل هو أس الوجود، وسره وعمق مقام الإنسانية المرتقي عن وأد البهيمية الخاضعة إلى يفاع الانعتاق من الآصار وتكسير الأصفاد المقيدة، وذلك لأسباب عدة نجملها فيما يلي:

- إن المتصفح في مظاهر الكون كله لن يجد سوى كائنات خاضعة، خاضعة للدراسة والتحليل واستخلاص القوانين المنظمة لها واستنباط النواميس القاهرة لها حقا، بحيث إنها لن تستطيع خرقها أو الإفلات من عقالها، أو التملص من جبريتها... إذ الكل معلن خضوعا اضطراريا لنسق حدد له سلفا وأجبر على الانصياع له قهرا، وتلك سنة إلهية سارية في عالم الأشياء ... بخلاف كائن واحد مغرد خارج الاذعان المطلق للكائنات والانقياد القهري للمخلوقات ... إنه إنسان فسح له المجال رحبا لاختيار توجهاته وتحديد مسار اختياراته وسلوك منهاجه في الحياة حرا طليقا من تلك القوانين القهرية مع تحمل مسؤولية فعاله والرضا بصواب سلوكياته التي كانت على بساط الاختيار أصلا ولم تنشأ بدافع الاضطرار أبدا.

- لم يكن عبثا تشريف الإنسان بمقام الحرية، حرية الاختيار منذ الأزل مقارنة مع مجتمع الأشياء الكوني إلا للدلالة على نفاسة هذه القيمة وقوتها التمييزية بين الأفراد من جهة، ومباينتهم للأشياء من جهة أخرى، ومن ثم فذهنية القطيع وعقلية الانقياد مخالفة لسر وجود الإنسان في هذه الحياة... بل هي غمز لإنسانيته وإزراء بسيادته العليا في هذا الوجود ...

- إن كل أشكال الإجبار منافية لمبدأ الاتهام عند المقاضاة، بحيث إن من لم يكن مختارا في أمره، حرا في توجهه، وفَعَل ما أجبر عليه قهرا واضطرارا ... هو غير متهم عند العقلاء، بسبب هدم صرح الاختيار الذي هو العلة الحقيقية لكل فعل بشري قابل للتقييم والمراقبة أو المحاسبة.

- إن التربية المبنية على إجبار الإنسان على فعل معين بالذات بحيث إذا خرمه المُربى لَحقه العقاب... لا تعتبر عند التحقيق تربية إنسانية بل هي ترويض له كما يروض الحيوان الذي يجبر على سلوك ما، ومن ثم فالتربية السلوكية المبنية على المثير والاستجابة قاضية حتما على عنصر الإبداع والعطاء والتغيير، وهي خصائص إنسانية بحثة لا علاقة لها بذاك الترويض الذي قاس الإنسان الحر والمختار بحيوان مقيد بقوانين ومجبر على الإذعان المطلق لها...

وهكذا فالاختيار مرقاة صعود الإنسان حقا إلى مدرجة السيادة الكونية والتنسم من فيحاء الحرية المقتبسة من سر الروح الطليقة الموجودة بين جوانبه، ومن ثم فلا يحق لأي كان حرمان الإنسان من هذا السر النفيس والجوهر الثمين الذي لن يقاس في عرفنا بأي قيمة على الإطلاق...

لكن الإنسان في وطننا العربي خاصة مقود بأغلال القهر السياسي وأصفاد التجويع الاقتصادي وسلاسل إهدار الكرامة الاجتماعية والتهميش المجتمعي إلى غير ذلك من صنوف التذويب لكيان إنسان اعتُبر في صفحة الأزل حرا طليقا كنسائم الفجر الطليقة...

ولنعرض بعضا من أنواع صنوف تلك السهام التي سددت إلى عمق كيان الإنسان العربي في ديدن جوهر الاختيار منذ قرون سحيقة وما زالت مستأسدة عليه لحد الآن...

 لقد غصبت إرادة الأمة سياسيا في مبدأ اختيارها، وحين بناء مفهوم الدولة كنسق أحقابا سحيقة وأزمنة متطاولة بأناس ظنوا سياسة الناس فنا لقهرهم، والتملك عليهم سبيلا لإخضاعهم وإجبارهم على الدوران في فلك عصبتهم أو قبيلتهم أو بني أعمامهم، وإن كان هذا التعصب نَتنا مناقضا لمصالح الأمة الكبرى، وكل ذلك بسبب بيعة قهرية لم يكن للناس حرية في اختيار الحاكم المستولي أو تنصيبه إلى سدة الحكم أصلا، فضلا عن محاسبته أو عزله... ولم يكف هؤلاء الذين قاموا على تسييس الأمة قهرا وجبرا واضطرارا أن يسوموها العسف والحيف والاستبداد والاستعباد زمن تسلطهم فحسب، بل إنهم أذاقوها قهرا زمنيا متطاولا مع سلالة الحاكم الآتية التي لا يجب أن تنقطع مع الزمن ... وفي ذلك إحكام للتقييد، وإمعان في الإذلال لأمة شاهدة بنص قرآني على أمم أخرى ...

 ثم أتى على الأمة جيل آخر نظر إلى (الشخص) نظرة إعلاء وإكبار وإجلال فوضعه في ناصية التقديس والخضوع المطلق له، فأزال عن الأمة رداء اختيار حاكمها، وفرض عليها أناسا ( أئمة) حاكمين بنصوص قطعية مع سلالتهم الممتدة من حيث الزمن... مما فسح المجال واسعا أمام الخضوع العقدي الرهيب لتلك السلالة من البشر.

نعم، قد تكون عند هؤلاء الأئمة خصائص فريدة وهبية من قبل الله تعالى ميزتهم عن باقي الناس مما جعل الجم الغفير من الناس تحبهم وتقدرهم وتتبعهم ... ولكن الحب ليس وسيلة لسلخ الأمة عن اختيار من يسوسها، أو ذريعة عقدية لقهر الناس بتنصيب أناس لمقام يكون فيه الاختيار جوهر الشرعية السياسية.

لكل ذلك نرى أن الاختيار مبدأ ملازم لشرعية الحاكم بحيث يدور معه وجودا وعدما، وكلما طرأ خلل في مبدأ الاختيار السياسي أفضى حتما لأجهزة الدولة أن تراجع شرعية المُولى على الأمة والعازم على حكمها، ولاسيما أن دروس التاريخ تفيد أن المستبد بزمام الحكم لن يعبأ بهموم الأمة، ولن يستشرف أفق إنهاضها أوبعث روح الإبداع والإقلاع بين صفوفها... بل إنك تراه سائما في لذاته، كارعا من منهل البطش لإرواء غرائزه، سالكا مسلك اجتلاب مصالحه الذاتية المنافية حتما لمصالح الأمة واختياراتها.

 مبدأ الجبرية السياسية هاته، لم تنحصر في تسيير دواليب السلطة والحكم فحسب، بل إنها امتدت بخفاء نحو البناء المعرفي للأمة، حيث إن الصروح المعرفية سواء كانت فقهية أو أصولية أو صوفية، انزاحت نحو الشخص وفعله في التاريخ، بحيث إن الآتي لن يكون سوى تابعا أومقلدا له قهرا، وإن ارتقى إلى مستوى المجدد الأول حزما وعزما وألمعية ونباهة، فلا ترى في الأفق سوى أناس خاضعين دون اختيار منهم لتوجه (الفرد) ولا يحق لهم - في عرف المقلدة - بناء أونسخ أو تغيير أو إعادة البناء النظري الذي أقامه الأول... ومن ثم فالتجديد المعرفي الكفيل بتوقد الطاقات وتأجيج الإرادات وتغيير مقتضيات الواقع... شَهد ضمورا عبر قرون سحيقة بسبب هدم الاختيار الذاتي للإنسان تجاه المعرفة السائدة تغييرا أو نقدا أو استبدالا، أو بسبب إنشاء جدران الإخضاع لتلك المنظومة المعرفية التي لا يحق له تكسير طوقها أبدا من قبل حراس المتوارث ومانعي التحديث.

لكن المعارف القهرية عند التحقيق آفلة مع الزمن، ولن تصمد مع بحوث الجادين والعدول المجددين، و لا أدل على ذلك رمي معتقدات القساوسة والرهبان جانبا بذاك السيل المعرفي الذي أنشأه العلماء الكونيون من بين فرث ودم، فطَم على وديان محاكم التفتيش وفضائعها وأتى على بنيانها المعوج من القواعد فتركه هباء عفت عنه الآثار...

كل ذلك الاشتداد لعرف الاستعباد، والإمعان في الاستبداد، وسد منافذ الاختيار ... أفضى عندنا لذهنية قائمة على الاستسلام للأمر، ومهادنته واستساغة الواقع وإن كان بئيسا قاهرا سالبا لأدنى الحقوق التي يجب أن تصون الكرامة الإنسانية، إذ من السهل في واقعنا - واقع التناقضات - أن تجد من لم يملك قوت يومه ويعاني الخصاص والفقر الرهيب منبسطا فرحا أمام فعال من استولى على السلطة والثروة بل تراه داعيا له بالاستمرار في زعامته ورئاسته وامتصاص دمائه وإهدار كرامته ونهب ثرواته وإن كان المدعو له سببا حقيقيا لإنزال ذاك المستضعف إلى درك التجويع السحيق، وهو عَجب مغاير لطبيعة الأشياء التي ترفض استمراء الاستعباد وتسويغ الاستبداد والتعود على الإذلال ... وعلى أي ...لن أقلب أوجاع شعوب الأمة المحتبسة بين جدران القهر، بل اكتفيت بنثر قبسات أولية حول مبدأ الإختيار وكونه الدعامة الأولى للتغيير سواء كان تغييرا سياسيا أو اقتصاديا أو معرفيا أو تربويا لأمة مازالت مندرسة في حمأة التخلف ومحتبسة بقيود الانحطاط.

==========================

تركيا وبناء علاقات إستراتيجية متوازنة فى الشرق الاوسط

أحمد جلال محمود

4/27/2010

القدس العربي

أشرنا في التحليل السابق المنشور في صحيفة 'القدس العربي' الغراء بعنوان 'تركيا ومعايير قوة الدولة الإقليمية' بتاريخ 22 نيسان / أبريل 2010، إلى أن تركيا حققت معايير الدولة الإقليمية، من خلال الارتقاء بمنظومة النهوض الاقتصادي والتنموي والصعود العسكري وحسن استغلالها لموقعها الإستراتيجي، ولكن ما هو تأثير النهوض الإقليمي على العلاقات الدولية التركية؟ وكيف وظفت تركيا موقعها الإستراتيجي ونهضتها التنموية وقوتها العسكرية في بناء علاقات إستراتيجية متوازنة في الشرق الأوسط؟

والمقصود بالعلاقات الإستراتيجية المتوازنة هي تلك العلاقات التي تسعى إلى تحقيق الاستقرار الإستراتيجي مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في النظام الدولي الجديد، من خلال بناء تصورات لحل الصراعات وإدارة الأزمات، ووضع سيناريوهات لاحتواء الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، والعلاقات الإستراتيجية المتوازنة لا تكون على حساب طرف على آخر من الأطراف الدولية أو الإقليمية وإنما تهدف إلى بناء دور إيجابي في التفاعلات الإقليمية والدولية.

وقد أدركت النخبة السياسية التركية ضرورة بناء علاقات إستراتيجية متوازنة في منطقة الشرق الأوسط وهي إحدى دوائرها الإستراتيجية، وترجمت ذلك في بناء نموذج جديد في السياسة الخارجية التركية متعدد الأبعاد والجوانب، يجمع كما أشار د. محمد نور الدين المتخصص في الشؤون التركية بين الحريات والأمن، وتصفير النزاعات أي إنزال النزاعات والمشكلات إلى نقطة الصفر، والاعتماد على القوة الدبلوماسية وأدوات القوة الناعمة لتهيئة البيئة الإقليمية لدور تركي متصاعد.

نجحت تركيا في خلق إستراتيجيات متوازنة في العلاقات الدولية حققت قدر من الاستقرار والأمن والإصلاح والتنمية؟ ولكن كيف استطاع وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو أن يجعل تركيا دولة مركزية التأثير في معظم ملفات الشرق الأوسط وأزماته السياسية؟ وكيف أستطاع تطبيق نظرياته (نظرية التحول الحضاري- نظرية العمق الاستراتيجي- نظرية العثمانية الجديدة) الأكاديمية المتخصصة في ظل قيود الواقع؟ وكيف أقنع بها الولايات المتحدة إلى درجة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقوم بزيارة تركيا كأول دولة إسلامية في أول شهور رئاسته للبيت الأبيض؟

ومن مظاهر سعي تركيا إلى بناء الاستراتيجيات المتوازنة في العلاقات الدولية ما يلي: سعي تركيا إلى لعب دور الوسيط في إدارة أزمة الملف النووي الإيراني مع الغرب وهذا ما أعرب عنه وزير الخارجية أوغلو في لقائه مع نظيره الإيراني منوشهر متقي أمس الأول في طهران الذي أكد على أن 'الحل بالنسبة إلى البرنامج النووي الإيراني، هو عبر التفاوض والعملية الدبلوماسية'. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع متقي، إن 'تركيا بوصفها دولة ثالثة، مستعدة لأداء دور وسيط في تبادل اليورانيوم والمسائل النووية الإيرانية الأخرى'.

سعى حزب العدالة والتنمية إلى جعل تركيا دولة مركزية في التأثير في التفاعلات الإقليمية وليست دولة جسر كما ينظر إليها، وفي سبيل تحقيق ذلك قام ببناء شبكة من العلاقات التعاونية مع سورية (إلغاء الفيزا بين البلدين)، ومع إيران (توقيع أكثر من اتفاقية تعاون في مجالات الطاقة والتجارة)، ومع العراق (فتح قنصليات في البصرة وأربيل والانفتاح على حكومة كردستان في شمال العراق)، ومع أرمينيا (توقيع بروتوكولين يمهدان لفتح الحدود والتطبيع).

اتخاذ حزب العدالة والتنمية خطوات جادة نحو تحقيق معايير كوبنهاغن للانضمام للاتحاد الأوروبي من خلال ترسيخ قواعد الحوكمة الديمقراطية وقيم ومبادئ حقوق الإنسان، وبناء اقتصاد سوق فاعل على المستوى الإقليمي والعالمي.

تتوسط تركيا في العديد من المشكلات الموجودة في محيطها، من خلال تنشيط دور أنقره في المؤسسات الإقليمية والدولية ومشاركتها الفاعلة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والانفتاح الاقتصادي والثقافي على كافة دول العالم حتى على تلك التي كانت بينها وبين أنقره مشكلات تاريخية مزمنة مثل أرمينيا.

تسعى تركيا إلى إجراء تعديلات دستورية لتحقيق السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية التى تتمتع بسلطات كبيرة فى الدستور التركي من أجل حماية العلمانية والدفاع عن المبادئ الكمالية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك منذ عام 1923، إذ إن تقليص دور المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية التركية هو مطلب أوروبي لانضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي.

تتجه تركيا إلى صياغة وتنفيذ سياسة خارجية أكثر تحررية واستقلالية مع الإبقاء على تحالف متوازن مع الولايات المتحدة قائم على احترام المصالح المتبادلة، بعيدًا عن علاقات الهيمنة وفرض مصلحة طرف دون الآخر، إلى درجة أن تركيا استطاعت أن تزيد من الحاجة الأمريكية لها ولدورها كركيزة للتوازن في داخل كل نظام إقليمي فرعي توجد فيه.

لكن يبقى السؤال: لماذا تسعى تركيا إلى بناء إستراتيجيات متوازنة فى العلاقات الدولية؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال فى الهدف الذي حدده وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو وهو أنه بحلول عام 2023 أي بعد مرور مئة عام على استقلال تركيا -استقلت عام 1923 - يجب أن تكون تركيا دولة كاملة العضوية في الاتحاد الأوروبي، تحيا في سلام تام مع جيرانها، يغذيه شبكة من الاتفاقيات الاقتصادية والرؤية الأمنية الموحدة، ولاعب مؤثر يدفع سياسات المنطقة إلى المصالح الوطنية التركية، وكذلك لاعب مؤثر في الشؤون العالمية، ومن بين أقوى 10 اقتصاديات في العالم'.

لقد حددت النخبة السياسية الهدف وأجادت اختيار وسائل وسبل تنفيذه، حتى تكون كما قال عنها وزير خارجيتها أوغلو ' تركيا سوف تستشار، ويُحترم رأيها في كل القضايا العالمية، من المناخ والاحتباس الحراري إلى قضايا الشرق الأوسط 'لذا تبنت حكومة حزب العدالة والتنمية سياسة خارجية طموحة، جنبا إلى جنب مع برنامج داخلي للإصلاح السياسي يهدف إلى تأمين محاولة تركيا لتصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت ذاته تنمية العلاقات مع القاهرة ودمشق وبغداد والرياض وطهران. إن التغير الإستراتيجي في السياسة الخارجية التركية يرجع إلى سلسلة من التطورات الإستراتيجية المهمة التي دفعت الأتراك إلى إعادة صياغة سياسات بلادهم الخارجية بما يتماشى وتلك التغيرات، والتي كان من أبرزها: وصول حكومة حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وما تمخض عنه من تصعيد للتوتر في العلاقات التركية الأمريكية، وكذا المراوغة الأوروبية في قبول عضوية تركيا بالاتحاد الأوروبي، علاوة على تنامي النفوذ الإيراني بشكل ملحوظ في العراق ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية، مما شجع تركيا على مضاعفة اهتمامها بمحيطها العربي والإسلامي والانغماس في قضايا وملفات طالما كانت بعيدة عنها.

في خلاصة التحليل، يمكن القول أن تركيا في تقديري أصبحت قوة إقليمية عظمى (Regional Super Power)، تسعى إلى حجز مكان متميز في النظام الدولي الجديد من خلال تفاعلاتها الإقليمية النشطة وفي ظل تغير الخريطة الجيوستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط.

' باحث في العلاقات الدولية قسم العلوم السياسية جامعة حلوان

M_ahmedgalal@yahoo.com

==========================

تركيا: مسائل العثمانية ومساءلة الكمالية

احمد جابر

السفير

4/27/2010

كتب ميشال نوفل عن «عودة تركيا إلى الشرق» فأثار بذلك سؤالاً افتتاحياً هو: متى غابت تركيا عن الشرق؟ بين الكتابة وسؤالها، يقع المضمون الذي ساقه الكاتب عن «الاتجاهات الجديدة للسياسة التركية»، ما يعني تسليط الضوء على حضور تركي دائم، لم يفقد تواجده على مقاعد السياسة في المنطقة.

تستحق السياسة التركية الحالية مراقبة ومتابعة، بعد كل التطورات السياسية التي عصفت بالعالم، فبدلت توازنات قواه، وأعادت رسم مناطق النفوذ بينها، فكان «للعالمين» العربي والإسلامي، نصيبهما الوافر من هذا الانقلاب السياسي، الذي غلب عليه الطابع الانفجاري، خاصة ضمن قوس «الشرق الأوسط الكبير».

فهم المنطق السياسي التركي الجديد، يكتمل عند تسليط الضوء على أمرين متلازمين: الداخل التركي، والإطار الدولي  الإقليمي، اللذين شكل تفاعلهما المتبادل مضمون «الجديد» لدى النخبة السياسية التركية، التي تتولى زمام القيادة الحالية، إذ لا يخفى أن الاستجابة للتطورات الخارجية ما كانت لتحصل، لولا استعداد الحاضنة السياسية الداخلية في تركيا، وأن التوجهات الجديدة، ما كانت لتسلك طريقها بنجاح ملحوظ، لولا أن «القسمة الدولية الجديدة»، أفسحت في المجال أمام سياسات لا تنتمي، «حرفياً»، إلى نمط سياسات الحرب الباردة».

داخلياً، يعيد الكاتب التذكير بمسار السياسات العامة التركية، منذ الكمالية، التي جعلت «الأناضول هدفاً أسمى لها»، فدافعت بذلك عن سلامة الهوية التركية، وصولاً إلى أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، الذي ورث نجم الدين أربكان وحزب الرفاه، والفضيلة، بعد أن تم حظرهما في أوقات سياسية صعبة، متفاوتة. إذاً، لم تحدث عاصفة التوجهات الجديدة، في سماء تركية صافية، بل إن نذر غيومها تجمعت منذ فترة طويلة، وتراكم التطورات، عبر عقود، أدى إلى النقلات «النوعية» الراهنة. لم يغب «التعدد» عن تركيا، حدث ذلك بعد وفاة كمال أتاتورك، ووصل الأمر إلى حد «خسارة الكماليين للانتخابات في العام 1950»، رافق ذلك حراك، من منطلقات «توليفية»، كان أبرزها «بيت المثقفين» وجمعية نشر العلم، التي كان من بين أعضائها تورغوت أوزال، الذي صار رئيساً لتركيا، وساهم في العام 1983 في إعادة الديموقراطية إلى البلاد، بالتوازي مع تحسن الدور التركي الاقتصادي في الأسواق العالمية. لقد وقفت تركيا بين إرثها الكمالي، الذي كان «متمحوراً» على الذات الأناضولية، وبين ضرورات الخروج إلى «العالم التركي»، الذي يسّر الخروج إليه انهيار الاتحاد السوفياتي، وتناثر منطقة نفوذه السياسي، وتوزعها بين السياسات. هكذا وجد الساسة الأتراك أنفسهم أمام «150 مليوناً ناطقين بالتركية»، مثلما واجهتهم قضايا الجوار العربي، والإقليمي، بمعضلاتها المتعددة. فكرة العثمانية، عادت إلى الظهور، واكتسبت قوة ومصداقية، خاصة أنها تتضمن إرث العلاقة التاريخية مع مدى جغرافي واسع، وتنطوي على اللغة المشتركة مع محيط ديموغرافي وازن، وتختزن عنصر الدين، الذي يحملها إلى آفاق ومصالح متبادلة، أعمّ وأشمل. العثمانية المنفتحة، كبديل للكمالية «المنعزلة»، جاءت تتمتها من سياسة التوليف، التي اقتضت في مبادئها الأساسية، مصالحة الدولة مع المجتمع، بحيث يحتل الدين مكاناً أرحب في الشأن العام، ويكون الإسلام مرجعية أخلاقية ومكوناً أساسياً للهوية التركية، إنما من دون أن يعني ذلك، أسلمة الإدارة والدولة. على هذا الأساس ارتفعت الدعوة إلى بناء الثقافة الوطنية، وجعلها في خدمة الدولة، والإفادة من الغرب وسواه، خاصة على الصعد التقنية، من دون تغيير جوهر الثقافة، وعدم إسقاط «فكر الكمالية»، بل الاجتهاد في تفسيره وتطويره.

الحراك التوليفي التركي، حملته روافع داخلية، تجلت في خط الأزمات الذي سلكته تركيا، خاصة في المجال الاقتصادي، وما رافقه من اضطرابات داخلية، لذلك بدا أن العودة إلى الإسلام، تشكل «ضابطاً مجتمعياً» يكبح المجتمع المدني، الذي طالته الأزمات، بمختلف تجلياتها. لقد كانت الفكرة «الانضباطية» هذه، حاضرة في فكر الجنرالات الذين استخدموا العامل الديني، في الدعوة إلى إطاعة السلطة، وإلى الوقوف في وجه الحركة الكردية، التي تلقي بأثقالها على عموم الأوضاع الوطنية.

تركيا هذه، العائدة إلى «ثقافة السهوب، المتفاعلة مع الإسلام»، وجدت نفسها إزاء خارج تبدلت محاوره، بعد سقوط «السوفيات»، أي أن دورها تبدّل هو الآخر، عندما تغيرت خطوط الاستنفار العالمية. التطلع إلى لعب دور آخر، صارت ظروفه مختلفة، ضمن الأوضاع الدولية الجديدة، خاصة في مجال «التبعية المطلقة»، لبنود التحالف مع الغرب، هذا يعني، توفر القدرة لدى بلدان التحالف، على صياغة سياساتها الخاصة، باستقلالية نسبية، والسماح بالتالي، من قبل، «مركز التحالف»، بهذه الاستقلالية. هكذا رفضت تركيا طلبات الولايات المتحدة، أيام غزو العراق، في العام 2003، وهي تميّز سياستها اليوم، حيال المسألة الفلسطينية، وحيال الملف النووي الإيراني، وتعلن الإدانة الجديدة للعدوانية الإسرائيلية، بعد أن سجل الرئيس بولند أجاويد، رفضه لسياسة الإبادة المتبعة من قبل إسرائيل... منذ سنوات طويلة.

تقوم سياسة «صفر مشاكل» مع الجوار، على أبعاد سياسية واقتصادية وثقافية، وتقدم تركيا في حلة الوسيط، بعد أن لبست طويلاً ثوب الوكيل، لكن ما يجب الانتباه إليه، هو عدم الوصول إلى أحكام نهائية، أو قطعية، في هذا المجال، خاصة عندما يطال الأمر، العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، ومع الكيان الإسرائيلي. لقد تحدث الكاتب عن «الدولة العميقة» ومصالحها، وهنا، تقع مسألة العلاقة هذه، وحساسية الاقتراب منها، ستظل محكومة بما يعلنه الأتراك أنفسهم، عن توجهاتهم الأوروبية، التي لا عودة عنها، وعن رفضهم لتحويل تركيا إلى دولة شرق أوسطية، وعن السعي الحثيث، إلى دور إقليمي أساسي ومحوري لتركيا الجديدة، ضمن الأوضاع السياسية الجديدة. كل ذلك، يؤخذ باستعداد تركي داخلي، وبسماح دولي وإقليمي خارجي. وبالتالي، فإن تركيا ستظل مشدودة، بقوة المصالح، إلى من يملك مفتاح العطاء، وهي لن تقفل بالتأكيد، على من لا يملك سوى أكفّ الطلبات. هذا هو منطق السوق، الذي يؤطر كل العناصر الأخرى، فيصوغ منظوماته التجارية والربحية، بعبارات الثقافة والتاريخ والدين، لكنه يظل محكوماً دائماً، بحسابات الفائض التجاري،... ولطالما تحركت السياسات على إيقاع موجودات صناديقها.

==========================

في الذكرى الخامسة لانسحاب الجيش السوري

علي حماده

النهار

4/27/2010

كان استمرار التموضع العسكري والمخابراتي السوري في لبنان سنة 2005 قد لامس الحد الاقصى لاحتمال اللبنانيين على بقاء قوات عسكرية خارجية اتت في مهمة او مهمات موقتة وبقيت بفعل تراكم الاحداث، بعضها من صنع حروب القوى الاقليمية بالواسطة على ارض لبنان، وبعضها الآخر من صنع السياسة السورية في لبنان التي وصلت في مرحلة معينة الى طريق مسدود مع اللبنانيين، وقد عجزت خلال ولاية الرئيس السابق اميل لحود عن ابتكار وسيلة للخروج من لبنان عسكريا، وترك البلد وقضاياه الداخلية التفصيلية بيد ابنائه، والعمل على ابتداع علاقة مميزة مع لبنان تحفظ من خلالها مصالح لها مشروعة يؤمنها لها لبنان مستقل ومتحرر من كل وجود عسكري خارجي، عربياً كان أم اجنبياً.

 التاريخ لم تَحِنْ بعد، نترك الامر للاجيال المقبلة من دون التزحزح قيد انملة عن القيم والمبادئ التي ارستها "ثورة الارز" في الحياة الوطنية اللبنانية، والتي اثمرت في لحظة ما بداية حقيقية لمسار استقلالي تعرض ولا يزال لحملات داخلية وخارجية لا تتوقف، اما من اجل ربطه بمحور خارجي من طريق اعادته الى وصاية ما وإما من اجل نسف توازناته الداخلية وتغيير المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي جذريا. انما لا بد من بعض الملاحظات على هامش الذكرى السنوية الخامسة للانسحاب السوري:

1 - لم تكن "ثورة الارز" حربا على سوريا، انما كانت حالة اعتراضية ومعارضة لاستمرار وجود ووصاية خرجا عن النطاق المحتمل لبنانيا وربما سوريا.

2 - وقف اللبنانيون ضد النظام الامني والمخابراتي المشترك آنذاك الذي كان يسوق البلاد نحو دكتاتورية فعلية مرفوضة في لبنان.

3 - مثلت "ثورة الارز" التي لاقت مناخا دوليا مثلما لاقاها المناخ الدولي لحظة نادرة يستقل فيها وطن للمرة الثانية. ومن يعتبر ان التدخل الاجنبي كان السبب في خروج الجيش السوري من لبنان، عليه ان ينظر الى عودة دمشق الى الاسرة الدولية، واضطرارها الى عقد مصالحة وتسوية معينة مع ركن اساسي من الاقليم العربي عبدت امامها الطريق الى استكمال بناء علاقة جيدة مع لبنان.

4 - جرت مواجهة "ثورة الارز" بالدم، ومع ذلك بقيت ثورة سلمية متنوعة منفتحة على الآخر الذي واظب على تخوينها ولا يزال.

5 - خرج بعض القوى الاساسية من "ثورة الارز"، ولم يخرج جمهوره.

6 - ثمة اقتناع راسخ بضرورة بناء نمط من العلاقات مع سوريا يؤمن للطرفين استقرارا من زاوية عدم اكراه فريق لبناني كبير وربما اكثري على تقبل نمط ارتبط في ذاكرة اللبنانيين بمرحلة الوصاية. فهذا النمط من العلاقات، اما مباشرة واما بالواسطة (عبر الميليشيات المحلية) سيبقى عرضة للاهتزازات الدائمة، وسيكرر تجربة 2004 و2005.

7 - لم ينتصر محور على آخر. وما الباقي سوى حملة تهويل منظمة تهدف الى ايحاء استحصال دمشق على وكالة جديدة بالواقع اللبناني. وهذا تضليل كبير. من هنا ضرورة تمسك الاستقلاليين بما ارسوه من مبادئ دفع ثمنها دما ودموعا، وفي المعطى اللبناني – السوري العمل على قيام علاقات.

8 - ان افضل ما يقال في العلاقات اللبنانية  السورية ما قاله رفيق الحريري: "ان لبنان لا يحكم من سوريا ولا يحكم ضدها".

==========================

دبلوماسية مشبوهة لا تخدم المصالح المشتركة

بقلم :حسن عزالدين

البيان

4/27/2010

تشهد الساحة الدبلوماسية منذ بعض الوقت وقائع حرب مخابراتية فريدة اندلعت قبل فترة وتحاول الأطراف المعنية إخفاءها تحت غطاء ما يسمّى بالعلاقات الثنائية الممتازة القائمة بينهما.

ويبدو من المعطيات المتوفرة على أكثر من صعيد أن الأمور قد بدأت تفلت من سياق القنوات الرسمية التي يمكن ضبطها، وباتت تهدد بتبعات أكثر تأثيرا في الهدوء الدبلوماسي الذي كان سائدا حتى الآن، وتاليا في التعاون التجاري والاقتصادي الذي يأمل أحد جوانب هذا الصراع تطويره لمصلحته بأفضل الظروف الممكنة.

 

ما يبدو خطيرا حسب تلك المعطيات، هو أن آثار الصدام المذكور ستتسبب بشرخ كبير لسمعة الدول المتورطة في تلك المعركة باعتبارها طرفا منحازا إلى جانب إسرائيل، وتحديدا في ما يخص تأمين الغطاء اللوجستي لعملية تدريب عملاء الموساد الناشطين ضد دول عربية مختلفة مثل لبنان وفلسطين وسوريا وغيرها من الدول العربية.

 

ويكتسب هذا الخطر بعدا مميّزا واستثنائيا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي قد تمادى مؤخرا باستغلال ثقة حلفائه، موضع الشبهة حاليا، حيث بات لا يتورع عن تنفيذ عملياته ذات الطابع المافيوي حتى في الدول الآمنة والمسالمة البعيدة (جغرافيا) عن ساحة الصراع مثلما جرى مؤخرا في دبي.

 

وهنا يتساءل المرء ما إذا كانت هذه الدول مقتنعة في قرارة نفسها أن هذه السمعة ستساعدها على تحقيق ما تطمح إليه لتعزيز وإنجاح دبلوماسيتها الاقتصادية في أرجاء الوطن العربي، أم أن أفق طموحها بات محصورا بدرجة ولائها للبرنامج الذي تتبناه دولة إسرائيل في ما يخص التطور الدبلوماسي والسياسي المقبل في أرجاء منطقة الشرق الأوسط.

 

بداية يجب التوضيح بأن المقصود في هذا السرد هي بعض الدول الأوروبية الواقعة في منطقة وسط أوروبا مثل تشيكيا والمجر، وتاليا الدول الأوروبية الأخرى المساهمة، عن قصد أو غيره، برفد العمل المخابراتي الإسرائيلي التخريبي الموجه ضد الأمن القومي لبعض الدول العربية.

 

ومؤخرا تم رصد بعض جوانب هذه العلاقة من خلال ما تم كشفه في لبنان أثناء تفكيك الشبكات المخابراتية الكثيرة العاملة لصالح إسرائيل، والتي أفضت لمعلومات في غاية الأهمية والخطورة.

 

ولعل أبرز ما تم كشفه مؤخرا في هذا السياق هو سعي تلك الدول لتأمين الغطاء اللوجستي للعملاء اللبنانيين المتعاملين مع الموساد، حيث تبين بأن السفارات (التشيكية والمجرية وغيرها) كانت على تواصل مستمر مع الموساد من خلال قنوات تمر عبر مراكز صنع القرار الدبلوماسي في وطنها الأم.

 

وأهم ما كُشف حول هذا الأمر تناولته بعض وسائل الإعلام اللبنانية (الأخبار) والإسرائيلية (هائاريتس) والتشيكية (إذاعة راديوجورنال)، في حين رفضت الدوائر الرسمية كما هو متوقع، التعليق عليه بأي شكل من الأشكال.

 

لقد أعاد هذا الواقع الأليم إلى بساط البحث سلسلة من الأفكار التي كنّا نطرحها بشكل مستمر حول طبيعة العلاقات التي تقيمها بعض الدول الأوروبية بالعالم العربي، والتي وصفتها شخصيا ذات يوم بالواقع الدبلوماسي المثير للسخرية.

 

وجوهر هذه السياسة بات مفهوما للقاصي والداني باعتباره يركّز بشكل خاص على الاستفادة قدر الإمكان من السوق العربي لتسويق البضائع الكاسدة، في حين تبقى العلاقات بتفاصيلها الأخرى خالية تماما من أية حميمية صادقة.

 

مقابل ذلك تجهد تلك الدول في كيفية تأكيد انتمائها أو دعمها للمشروع الصهيوني المتجسد بالممارسات الإسرائيلية المختلفة، ولا أتحدث هنا عن تلك التي تتسم بطابع أمني فقط، بل عن كافة تطلعات وأهداف ذلك المشروع الذي يتناسق كليا، حسب تعبير كثيرين من منظّري منطقة وسط أوروبا، مع أهداف وغايات الحضارة الأوروبية المعاصرة.

 

وهذا رأي قائم لكنه لا يجب بالضرورة أن يعبّر عن آراء غالبية الأوروبيين.

 

فلا يزال في هذه القارة العريقة، حسب رأيي، فسحة أمل كبيرة تعد بإمكانية تحقيق درجة لا بأس بها من الوئام بين العرب والأوروبيين، لا سيما إذا تم إبراز القواسم الكثيرة المشتركة والبناء عليها بهدف تحقيق مصالح الشعوب بشكل مخلص بعيد عن كافة أشكال الابتزاز.

 

لكن ما يبقى خطيرا في الواقع هو ذلك البُعد الإيديولوجي والفكري الذي يميّز أداء بعض الدبلوماسيات الأوروبية المعاصرة، مثل التشيكية والمجرية وغيرها، والتي تصر على دخول التاريخ الحديث من بوابة دعم المشروع الإسرائيلي مهما كلّفها ذلك من ثمن.

 

وهذا بات اليوم، في خضم معركة الاستخبارات القائمة، بمثابة استفسار حساس جدا مشهور في وجه القائمين على سياسة تلك الدول، لكنه مطروح أيضا بعلامة استفهام كبيرة، أمام مسؤولي الدول العربية الذين لم يحرّكوا ساكنا حتى الآن إزاء هذه التصرفات، خصوصا وأنها خرجت عن مفاهيم العمل الدبلوماسي وباتت قريبة جدا من حدود العمالة للطرف المعادي.

 

وهذا رأي أتشاطر به مع كثير من الزملاء المحللين ممّن تورطت دولهم مؤخرا في فضيحة التسهيل اللوجستي لعملاء إسرائيل.

 

أمام هذا الواقع المرير لا يسعنا إلا أن نعبّر عن بالغ القلق ازاء تصرفات الأجهزة الأمنية في تلك الدول الأوروبية، وتحديدا ما يخص سعيها الدؤوب (والمتوحش أحيانا) لتجنيد أكبر عدد ممكن من أبناء الجاليات العربية المقيمة فوق أراضيها.

 

وبرغم اعترافي بأن تلك الممارسات هي حق سيادي لكل دولة تطمح لجمع المعلومات بهدف الحفاظ على أمنها الذاتي، إلا أن التجارب الأخيرة أكّدت للأسف تجيير كل ذلك العمل لصالح الدولة العبرية وأجهزتها الأمنية على وجه التحديد.

باختصار شديد.. ان المواطن العربي «المخلص» لمخابرات وطنه الجديد في تشيكيا والمجر وغيرهما لم يعد كما كان يظن رسول محبة وسلام وطمأنينة، بل تحول في الواقع، وبكل سهولة، إلى «مجرد» عميل إسرائيلي بالواسطة!

كاتب لبناني

==========================

العدالة والتنمية والتعديلات الدستورية

بقلم :خالد السرجاني

البيان

4/27/2010

بدأ البرلمان التركي في مناقشة تعديلات دستورية اقترحها حزب العدالة والتنمية الحاكم وتواجه برفض شديد من المعارضة، وتسعى حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للحصول على تأييد النواب لإجراء استفتاء بشأن هذه التعديلات في يوليو المقبل في ظل افتقارها لأغلبية الثلثين لتمريرها داخل البرلمان.

 

ويرى حزب العدالة والتنمية التعديلات الدستورية ضرورية لتعزيز الديمقراطية في تركيا، ولزيادة فرص أنقرة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومن شأن هذه الإصلاحات تغيير الطريقة التي يعين بها القضاة في المحاكم العليا، وتجعل من الصعب حظر الأحزاب السياسية، مع إمكانية مساءلة العسكريين أمام محاكم مدنية.

 

وتوجد صعوبات بتمرير التعديلات الدستورية، لكون الحزب الحاكم يحتاج إلى 367 صوتا من اجل تمريرها، وهو ما لا يملكه حتى لو أضيفت له أصوات بعض الأحزاب الصغيرة والمستقلين. لذلك يسعى الحزب للحصول على 330 صوتا لعرض مشروع التعديلات على استفتاء شعبي بعد توقيع الرئيس عبد الله غل عليه.

 

على الجانب الآخر فان أحزاب المعارضة الرافضة للتعديلات الدستورية تهدد بأنها في حال نقلها للاستفتاء الشعبي، باللجوء إلى المحكمة الدستورية للطعن بمشروعية الاستفتاء أو حتى التعديلات المطروحة.

 

كما أنها هددت باللجوء إلى المدعي العام لرفع دعوى لحظر حزب العدالة والتنمية بدعوى مساس التعديلات التي يطرحها بالأسس التي قامت عليها الجمهورية منذ عهد كمال أتاتورك.

 

وتقول المعارضة في انتقادها لتلك الإصلاحات، إنها تجرد السلطة القضائية من دورها المتعلق بتوفير الضوابط والتوازنات في الحكومة، كما أن هناك مخاوف من سيطرة أعضاء حزب العدالة والتنمية على دوائر المحكمة العليا بعد إجراء التعديلات الدستورية.

 

وإضافة إلى الطريق السابق الإشارة إليها لمواجهة التعديلات أعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض ذو التوجهات العلمانية، انه يعكف على صوغ مسودة بديلة للتعديلات الدستورية التي اقترحها حزب العدالة والتنمية الحاكم. وتشمل هذه التعديلات المقترحة رفع الحصانة عن النواب، وخفض العتبة البرلمانية لتمثيل الأحزاب من 10 إلى 5% من مجموع أصوات الناخبين، إضافة إلى تركيبة جديدة لهيئة القضاة تختلف عن تلك التي اقترحها الحزب الحاكم.

 

ويقول الحزب أن التعديلات التي ينوي طرحها في مقابل تعديلات العدالة والتنمية لتأكيد أن الحكومة تسعى إلى السيطرة على القضاء، من خلال هذه التعديلات، وانه إذا كان الهدف الحقيقي هو توسيع دائرة الديمقراطية كما تقول الحكومة، فلماذا ترفض رفع الحصانة عن النواب وخفض العتبة البرلمانية وتعديل قانون الأحزاب السياسية، كما يطالب الاتحاد الأوروبي منذ سنوات.

 

ونظرا لان استطلاعات الرأي تؤكد وجود دعم شعبي لهذه التعديلات، حيث تظهر تأييدا يتراوح بين 65% و70% للإصلاحات حسب تصريحات لوزير الداخلية الذي لم يشر إلى مصدر الاستطلاعات أو الجهات التي أشرفت عليها، فان هناك توقعاً لان تلجا المعارضة إلى المحكمة الدستورية للطعن فيها.

 

وهناك احتمالات كبيرة لان تتلكأ المحكمة في نظر الطعن أو البت فيه حتى شهر يوليو المقبل بما يحرم الحكومة من فرصة إجراء الاستفتاء لان الدستور التركي يمنع إجراء أي نوع من الاستفتاء خلال العام السابق على الانتخابات البرلمانية المقرر لها أن تجرى في يوليو من عام 2011.

 

وهناك توقعات أخرى بان يرد العدالة والتنمية على هذا الأمر بإعلان إجراء انتخابات برلمانية مبكرة قد تكون في الخريف المقبل.

 

وهذا الأمر يؤكد أن حزب العدالة والتنمية وان كان هو المتحكم في العملية السياسية في الوقت الراهن، وهو الذي يملك تحديد جدول الأعمال السياسي في نفس الوقت إلا أن ذلك لا يمنع من القول أنه يواجه مأزقا في الوقت الراهن بالنظر إلى أن المغامرة التي يمكن أن يقدم عليها قد تؤدي إلى تعديل قواعد اللعبة في غير مصلحته.

 

لأنه حتى ولو كانت نتائج الاستطلاعات المشار إليها صحيحة، فان نتائج الانتخابات المقبلة غير مضمونة للعدالة والتنمية، بما يعني أن أوضاع ما بعد هذه الانتخابات يمكن أن تكون مختلفة جذريا عن الأوضاع فيما بعدها بما يسبب مشكلات للعدالة والتنمية ويفرض عليه استطلاعات كبرى.

 

وهنا لابد من الإشارة إلى موقف المؤسسة القضائية من هذه التعديلات حسبما أوضحه رئيس المحكمة الدستورية هاشم كيليتش الذي أعرب عن خشيته من أن تضطر المحكمة إلى البت في إصلاحات قضائية مزمعة من شأنها أن تثير توترا في العلاقات بين الحكومة ذات الميول الإسلامية والمؤسسة العلمانية.

 

ونقلت عنه صحيفة تركية قوله إن تركيا بحاجة لإصلاحات دستورية جدية، لكن ذلك يجب أن يتم من خلال توافق واسع.

 

وأضاف : «ستحقق تركيا إن آجلا أو عاجلا هدف أن تكون دولة القانون والديمقراطية، لكننا نتقدم على هذا الطريق بأفدح الأضرار».

 

وهذه التصريحات تعني أن المؤسسة القضائية تعارض هذه الصيغة من التعديلات الدستورية، وان هذه التعديلات سوف تحدث أزمة بين النخبتين العلمانية والإسلامية.

 

ولا يخفي أنصار الاتجاه الأول شكوكهم حول أن العدالة والتنمية الذي اختاره الناخبون لأسباب سياسية واقتصادية قبل أن تكون الأسباب الثقافية المتعلقة بهوية الدولة، يريد أن يستغل الأغلبية البرلمانية التي يتمتع بها من اجل القضاء على أركان الدولة العلمانية خطوة خطوة وبالتدريج، وهو الأمر الذي لابد وان يستغل ضده في الانتخابات المقبلة حتى ولو كانت مبكرة.

 

وفي كل الأحوال فان الصراع الحالي بين الجانبين الإسلامي والعلماني هو الذي سيحدد مستقبل تركيا سواء فيما يتعلق بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو فيما يتعلق بهوية الدولة نفسها.

كاتب مصري

==========================

اللاعبون والمتفرجون في حوض النيل

آخر تحديث:الثلاثاء ,27/04/2010

فهمي هويدي

الخليج

التعامل مع ملف المياه يحتاج إلى تفكير من نوع مغاير، يعيد قراءة المشكلة بأبعادها المختلفة بعيداً عن لغة الانفعال والتهديد التي تحدث بها بعض المسؤولين المصريين .

-1-

ما دعاني للعودة إلى الموضوع مرة ثانية ليس فقط ما يمثله من أهمية حيوية بالنسبة لمصر، ولكن لأنني وقعت خلال الأسبوع الماضي على كم من المعلومات التي تسلط أضواء جديدة على جوانبه المختلفة ووجدت أن النظر إليها من شأنه أن يسمح لنا بالتعامل مع الملف بصورة أكثر عمقا ومسؤولية . أدري أننا نتحدث الآن بعدما حققت السياسة المصرية فشلاً نسبياً في التوصل إلى اتفاق مع دول المصب . الأمر الذي يعد مقدمة لمواجهة لم تكن في الحسبان، يخشى أن تكون مقدمة لافتتاح حروب المياه في القرن الواحد والعشرين .

 

لقد وجدت مثلاً أننا أصبحنا طرفاً في مشكلة كبيرة متداولة في المحافل الدولية، التي لم تتوقف عن مناقشة “حق المياه”، وكان آخرها المنتدى العالمي للمياه الذي عقد في اسطنبول في شهر مارس/آذار من العام الماضي “2009”، ذلك أن في العالم 260 حوضاً للمياه تتقاسمها دولتان وأكثر . ويعيش حولها 40% من سكان العالم، كما أن هناك مئات من الأحواض الجوفية المشتركة . ومن الأمثلة الصارخة على ذلك أن 14 دولة تتقاسم نهر الدانوب الأوروبي . و11 دولة تشترك في كل من نهري النيل والنيجر، و9 دول تشترك في الأمازون، وثلاث دول في نهري دجلة والفرات، ومثلها لنهر الأردن . وفي أغلب الأحوال فإن أنصبة تلك الدول من المياه يتم التفاهم حولها بصورة ودية وسلمية، إلا أن الأمر لا يخلو من خلافات تنشأ إما عن التوزيع غير العادل أو الخلافات السياسية . وهو الحاصل بين تركيا والعراق، و”إسرائيل” والمناطق المحتلة . وبين مصر والسودان من ناحية ودول منابع النيل من ناحية ثانية .

 

في الوقت ذاته، ثمة 145 معاهدة عالمية حول موضوع المياه، لم تحل الخلافات التي تثور بين أطرافها أو تحسمها تماماً، مع ذلك لم يحدث أن كانت المياه وحدها سبباً مباشراً للحرب في ما بين الدول، كما يقول رئيس المجلس العالمي للمياه لويك فوشون . وفي حالة وقوع نزاعات مسلحة بين الدول المعنية فعادة ما تكون هناك عوامل أخرى تحرك تلك النزاعات، في مقدمتها طبيعة العلاقات السياسية وغياب التعاون بين تلك الدول، إضافة إلى المرارات والرواسب التاريخية، ولا ينسى في هذا الصدد أن موازين القوة بين الأطراف المختلفة تلعب دورها في توزيع حصص المياه، والحالة الأشهر في ذلك تتمثل في “إسرائيل” التي تحبس المياه وتنتفع بها على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض، وكانت النتيجة أن متوسط استهلاك الفلسطيني في الأرض المحتلة أصبح في حدود 75 لتراً يومياً، في مقابل 300 لتر ل”الإسرائيلي”، علما بأن المتوسط العالمي الأدنى مائة لتر . بحسب منظمة الصحة العالمية .

 

-2-

 

لأن اللاعبين كثر فالحاصل في القارة الإفريقية أكثر تعقيداً مما نتصور . هذه نقطة مركزية في دراسة تلقيتها من الدكتور فليفل المدير السابق لمعهد الدراسات الإفريقية، اعتبر فيها الموقف المصري إزاء إفريقيا “مفتقداً الرؤية الاستراتيجية المتماسكة” . وهو يرصد التحركات المناوئة التي يتعين الانتباه إليها سجل الملاحظات الآتية:

 

تتبنى الولايات المتحدة مشروعات استراتيجية مؤثرة على المصالح المصرية، أخطرها مشروع القرن الإفريقي الكبير . الذي يستهدف تدمير الدرع اليمنى لحوض النيل، وتمزيق السودان بغرض النفاذ منه إلى قلب القارة وأقاليمها المائية للهيمنة على أهم موارد القارة الطبيعية الكفيلة بتوليد طاقة مائية هائلة . وهذا المشروع يشكل قيدا على الحركة المصرية في مجاليها الحيويين، العالم العربي والقارة الإفريقية .

 

طرحت الولايات المتحدة كذلك فكرة بعث مشروع استعماري بريطاني قديم هو اتحاد شرق إفريقيا (كينيا وأوغندا وتنزانيا) . وفي التصور الأمريكي فإن ذلك الاتحاد يمكن أن يضم دولة مقترحة في جنوب السودان، وقد عقد عدة دورات في السنوات الثلاث الماضية على مستوى القمة، ومن شأن إقامته أن يتم شق تجمع “كوميسا” وإضعاف دور مصر فيه، وبصفة خاصة إذا انضمت إليه إثيوبيا .

 

وفي حال انفصال جنوب السودان فإن ذلك الاتحاد، سيكون بمثابة شرخ محتمل في العلاقات العربية الإفريقية، لا يعلم إلا الله تداعياته ومآلاته . وما لم تقم مصر باختراق كبير، فإن علاقة مصر والسودان معه ستشهد توترات عدة . وفي ظل احتمال انضمام إثيوبيا إليه، وإزاء غياب الدولة الصومالية فإن أزمة مياه النيل والعلاقة مع دول الحوض ستصبح أزمة إفريقية إفريقية، وإفريقية عربية في ذات الوقت .

 

تبنت الولايات المتحدة كذلك مشروع خليج غينيا، وهو يرمي إلى حصد البترول المكتشف مؤخراً في دول غربى إفريقيا ووسطها، وتستهدف الولايات المتحدة من خلاله أن توفر في عام 2015 نحو ربع احتياجاتها من النفط من هذه المنطقة، خاصة نيجيريا وتشاد والسنغال وأنجولا، وهي لم تكتف بذلك، بل استخدمت تلك الدول ركيزة للتدخل في جوارها وبعض تطورات أزمة دارفور يمكن قراءتها في إطار هذا المشروع .

 

نتيجة لهذه المشروعات الأمريكية صار السودان عرضة للاختطاف والتناوش والنهش من الشرق (في إطار مشروع الشرق الأوسط) ومن الغرب (في إطار مشروع خليج غينيا) ومن الجنوب (في إطار مشروع اتحاد شرق إفريقيا)، بل وصار عرضة للتقسيم الكامل في إطار مشروع القرن الإفريقي الكبير، وهو ما يهدد مصالح مصر الثابتة في مياه النيل بمخاطر شتى .

 

إذا أضفنا لذلك كله ذلكم المشروع الوليد للقيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا “أفريكوم” لأدركنا أن هذه المشاريع الأمريكية ليست برامج تنموية طوباوية تحدث في فراغ استراتيجي، بل يظاهرها تجييش للجيوش وحشد للقوى، وربما نشهد يوماً تكون فيه جيوش الدول الإفريقية التي لا تتوقف زيارات المسؤولين الأمريكيين لها (السنغال ونيجيريا وغانا في غربي القارة وجنوب إفريقيا في جنوبيها، وكينيا وأوغندا وإثيوبيا في شرقيها) تدخل في إطار المشروعات الأمريكية، على نحو ما حدث من تدخل إثيوبيا في الصومال، وقيادة أوغندا للقوات الإفريقية هناك . الأمر الذي يعني أننا بصدد برامج خطيرة تهدد أمن مصر القومي، لا تمس مصالحها فحسب، ولكنها تتجاهل أنها موجودة أصلا .

 

-3-

في الوقت الراهن، ومن الناحية العملية، لا مفر من الاعتراف بأن موقف مصر ضعيف، لا لأنها لا تملك أوراقاً، ولكن لأنها لم تستخدم أوراقها وتجاهلتها طويلا . ولكي تدافع مصر عن حقوقها فمطلوب منها بذل جهد مضاعف، لسبب جوهري هو أن الساحة الإفريقية أصبحت تكتظ باللاعبين الوافدين إليها من كل صوب، فإلى جانب الولايات المتحدة و”إسرائيل”، ثمة حضور مشهود للصين وفرنسا وألمانيا واليابان والهند وإيران وصولاً إلى ماليزيا . وفي حدود علمي فإن تركيا بدورها أصبحت تتطلع للنفاذ إلى الأسواق الإفريقية، حتى إنها قامت بتعيين أحد أهم رجال الأعمال سفيراً لها في نيروبي، ولابد أن يلفت نظرنا في هذا السياق أن المنظمات الأهلية التركية أصبحت تمارس نشاطاً ثقافياً واسعاً في مختلف دول القارة، بحيث لم تعد هناك دولة إفريقية إلا وأقيمت فيها مدرسة تركية على الأقل .

 

لقد تلقيت رسالة بخصوص إمكانات الدور المصري من الدكتور جمال عبدالسلام المدير السابق للجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب طرح فيها سؤالين هما: لماذا لا تستحدث مصر وزارة لشؤون إفريقيا، كما سبق أن خصص الرئيس عبدالناصر وزارة للسد العالي (عين لها المهندس صدقي سليمان وزيرا)؟ السؤال الثاني هو: لماذا لا تستعين الجهود الحكومية في ترميم ومد الجسور مع الدول الإفريقية بالمنظمات الأهلية ذات الخبرة العريضة في مختلف مجالات الخدمات، وفي مقدمة تلك المنظمات جمعية الهلال الأحمر ولجان الإغاثة بالجمعية الشرعية ونقابة الأطباء المصرية واتحاد الأطباء العرب .

 

يذكرنا الدكتور جمال عبدالسلام بأن العالم العربي ومصر خاصة أقرب إلى إفريقيا من كل تلك البلدان التي تقاطرت عليها، وأن مدرسة واحدة أقامتها الكويت في جوبا، جعلت شعب جنوب السودان يخرج في مظاهرات صاخبة احتجاجاً على غزو العراق للكويت، في حين أن الموقف في الشمال كان ملتبساً، كما أن إقامة مدرسة جمال عبدالناصر في مقديشو والبعثة الأزهرية التي تم إيفادها إلى الصومال “كانت الأكبر في القارة الإفريقية” أحدثتا تغييرات جوهرية في أجواء البلاد، لمسها الوفد الإغاثي الذي أرسلته الجامعة العربية إلى هناك في بداية التسعينات . من ناحية أخرى فإن الأنشطة التي قامت بها القوافل الإغاثية العلاجية ولجان مكافحة العمى في بعض الدول الإفريقية كانت لها أصداؤها الإيجابية القوية، حين زارت جيبوتي والصومال وتشاد والنيجر .

 

-4-

حتى تأخذ المصارحة مداها، يتعين علينا في النهاية أن نسجل عدة أمور أحسبها ضرورية لانتقال مصر من موقف المتفرج إلى اللاعب في ساحة حوض النيل، هذه الأمور هي:

 

1 إن الفشل النسبي للمفاوضات مع دول الحوض وثيق الصلة بتراجع الدور المصري وغياب استراتيجية واضحة للتعامل مع العالم الخارجي، فالعلاقة مع دول حوض النيل مثلا، لا تنفصل عن العلاقة مع دول منطقة القرن الإفريقي، بل مع محيط دول الاتحاد الإفريقي .

 

2 إن مصر لم تتصرف حتى الآن باعتبارها جزءاً من إفريقياً، وأعطت انطباعاً بأنها ضيف عليها ومضطر إليها . وذلك وضع يحتاج إلى تصحيح بحيث تنضم الهوية الإفريقية إلى مفردات الهوية الأخرى للإقليم، المصرية والعربية والإسلامية والمتوسطية . . إلخ . ورغم أن بعض المسؤولين المصريين دأبوا على الحديث عن تضحيات مصر من أجل إفريقيا (فى أزمنة سابقة) إلا أن الأفارقة لم يجدوا ما يبرهن على ذلك في زماننا . ولك أن تقدر مشاعرهم مثلا عندما يجدون أن مصر أعادت الحياة إلى شبكة كهرباء لبنان مرة واثنتين إثر العدوان “الإسرائيلي”، في حين لا يجدون أثرا يذكر لدورها التنموي في بلادهم .

 

3 حين نتحدث عن دور العوامل أو الدسائس الخارجية التي باعدت بين مصر وبين دول الحوض، فينبغي ألا يمنعنا ذلك من تفهم مشاعر الأفارقة إزاء مصر . ذلك بأن منهم من يلمس استعلاء مصرياً غير مبرر في التعامل معهم . . ومنهم من لا يستطيع أن يتحلل من مشاعر الاستياء والحساسية حين يجدون أن مياه النهر تمر على بلدانهم التي تعاني التخلف والفقر والمرض، لتصل إلى حياضنا لنزرع بها ونروي . ومن حقهم في هذه الحالة أن يطالبوا بمردود يمتص مشاعرهم تلك ويرطب من جوانحهم . ولا شك أن الإسهام المصري في تنمية تلك المجتمعات، وتوفير ما يمكن توفيره من خدمات طبيعية وتعليمية لهم لا يبدد تلك المشاعر فحسب ولكنه أيضاً يوفر لمصر نفوذاً ناعماً يرجح من كفتها في مثل المواقف الخلافية التي نحن بصددها .

 

4 ثمة انطباع مغلوط يشيع بين بعض النخب في الدول الإفريقية خصوصاً بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، يدعى أن التنسيق قائم بين مصر والولايات المتحدة و”إسرائيل” في المشرق العربي والقرن الإفريقي و”إسرائيل”، ولا أعرف علاقة هذه الشائعة بفكرة معسكر “الاعتدال” الذي يروج له في العالم العربي وتتصدره الدول الثلاث، لكن الذي لا أشك فيه أن هذه السمعة أفقدت الدور المصري “الغائب” رصيده الوطني والمستقبل في القارة .

لأن التحدي كبير، فالجهد المطلوب أيضاً كبير، وهو ما يتطلب قراراً سياسياً على أعلى مستوى، يستصحب عزيمة صادقة ونفساً طويلاً . وتلك مشكلات عويصة لا أعرف ما إذا كنا سنحلها في الأجل المنظور أم لا .

==========================

مشكلة إيران مركبة

آخر تحديث:الثلاثاء ,27/04/2010

علي الغفلي

الخليج

تسير تطورات أزمة البرنامج النووي الإيراني إلى المزيد من التصعيد . لا تزال واشنطن تلوح بالإبقاء على المعالجة العسكرية للطموحات النووية لدى طهران، مع إمكان توظيف الأسلحة النووية التكتيكية من أجل هذا الغرض، وإيران بدورها تجري مناورات عسكرية في مياه الخليج، تستعرض من خلالها قدراتها العسكرية المتنامية . وبعدما انتعشت الآمال قبل نحو ستة شهور بإمكان التوصل إلى ترتيبات تتعلق بتبادل اليورانيوم الإيراني بآخر دولي بالشكل الذي يمكن أن تنتفي معه حاجة إيران إلى القيام بعمليات التخصيب على أراضيها، فإن فشل التوصل إلى ذلك الاتفاق صار في حكم الثابت حالياً . ولم يتبلور الموقف الصيني بشكل نهائي بخصوص فرض المزيد من العقوبات المؤلمة على إيران، إذ بعد أن اعتقدت واشنطن أن بكين صارت ترحب بهذا الإجراء من أجل الضغط على طهران، سرعان ما تراجعت الآمال في هذا الخصوص بعدما عادت بكين إلى موقفها غير المتعاون مع الغرب .

 

إن الطرفين الأمريكي والإيراني يتبادلان رسائل ضمنية سقيمة في ما بينهما، إذ عندما تهدد واشنطن باستخدام قدراتها النووية من أجل إجهاض البرنامج النووي الإيراني فإنها بكل تأكيد لا توفر لدى القيادة الإيرانية الحافز اللازم من أجل النظر في معقولية التخلي عن برنامجها النووي، وربما تدفعها إلى التمسك به بشكل أشد، إذا إن امتلاك إيران هذا النوع من الأسلحة هو وحده الكفيل بأن يردع واشنطن عن مجرد التهديد العلني بمهاجمة إيران نووياً، ناهيك عن استخدامه الفعلي . ومن جهة أخرى، فإن قيام إيران بتنفيذ مناورات عسكرية ضخمة في الخليج، وتعمدها القيام باعتراض وتفتيش سفينتين غربيتين، إحداهما فرنسية والأخرى إيطالية، والإيحاء بشكل عملي بقدرتها على تعطيل المرور في مضيق هرمز، فإنها تؤكد أسوأ مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها، والمتعلقة بخطورة التهديد الإيراني على حرية الملاحة الحيوية في مياه الخليج .

 

تدّعي طهران أن نجاح مناوراتها العسكرية ينبغي أن يؤكد التزامها بأمن منطقة الخليج، الأمر يستدعي بدوره ضرورة خروج القوات الأمريكية بشكل كامل . يتوافق هذا الادعاء الإيراني، وهو مجرد زعم أحادي الجانب، مع ادعاء آخر صارت القيادة الإيرانية تطلقه في الآونة الأخيرة، وهو زعم آخر من جانب واحد أيضاً، بأن طهران صارت في مصاف الدول الكبرى، إن لم يكن الدول العظمى .

 

من المؤكد أن لدى إيران مشكلة في فهم جوهر التصنيف كدولة كبرى أو عظمى، إن تحقيق مثل هاتين المرتبتين الرفيعتين في النظام الدولي لا يكون بالشكل الذي تنتهجه طهران، على الإطلاق . فمن جهة أولى، لا تقتصر القوة القومية التي تؤهل الدولة لتبوء المراكز القيادية في النظام الدولي على عنصر القوة العسكرية فقط، بل يجب أن يتم وضع العناصر السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية في ميزان تقديرات القوة . ومن جهة ثانية، ليس للقوة القومية المطلقة انعكاس حقيقي على مرتبة الدولة في النظام الدولي بمعزل عن مقدار النفوذ الفاعل الذي تمارسه هذه الدولة تجاه الدول الأخرى، والقضايا والمواقف الدولية التي تشغل العالم، ولا يمكن لطهران أن تمارس مثل هذ التأثير الدولي في ظل العزلة الدولية التي صارت تطبق على مجال تحركات إيران . ومن جهة ثالثة، إن تصنيف طهران لنفسها ضمن مصاف الدول العظمى أو الكبرى ليس هو العامل الحاسم في تصوير الواقع، إذإن نيل مثل هذه المراتب يتأتى من خلال إدراك الدول الأخرى لمدى قوة ونفوذ إيران، ومن ثم إقرارها بذلك التصنيف، وهو أمر لم يتحقق بعد بالشكل الذي يمكن أن يدعم مزاعم القيادة الإيرانية . ومن جهة رابعة، فإن الانتقال من مرتبة القوة المتوسطة، والتي نعتقد أن إيران تحتلها حالياً، إلى مرتبة القوة الكبرى يتطلب وجود حدث سياسي ضخم، أو المرور باختبار واقعي للقوة والنفوذ، بالشكل الذي يعمل على إقناع الدول الأخرى بحدوث مثل ذلك الانتقال بشكل حاسم، ويفرض القبول أو الإذعان الدوليين باحتلال إيران مرتبة القوة الجديدة، وهو أمر لا نعتقد أنه قد حدث بالفعل .

 

حقيقة الأمر أن إيران تجد صعوبة بالغة في تسويق الاقتناع بمدى القوة والتأثير اللذين تتمتع بهما، سواء تعلق الأمر بتسويق نفسها كقوة كبرى أمام جيرانها في منطقة الخليج، والذين لا يستسيغون الفكرة على الإطلاق، أو تسويق نفسها كقوة كبرى أمام دول العالم الأخرى، خصوصاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية، والتي لا تطيق فكرة بروز نظام حكم له منطلقات ثيوقراطية كقوة كبرى في العالم . على أية حال فإنه لا داعي للقلق، بعد، إذ لا يزال أمام طهران طريق طويلة قبل أن تصنع القناعة الحقيقية لدى الآخرين بأنها دولة كبرى، وهي ربما لن تستطيع أن تتحول إلى دولة عظمى مطلقاً .

 

إن مسلك صعود إيران إلى مرتبة القوة الكبرى لا يمر بتمسكها الجائر باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وتعمد طهران تعطيل قنوات الحل السلمي للمسألة التي طال عليها الأمد . ولا يمر مسلك الصعود الإيراني أيضا من خلال تكرار مطالباتها الإقليمية العقيمة في أقاليم بعض الدول الخليجية، وبالشكل الذي لا يزيد هذه الدول إلا نفوراً من الكيان الإيراني . ولن يزيد امتلاك إيران السلاح النووي دول العالم إلا اقتناعاً بتفاقم خطورة طهران، وليس اعترافاً بتعاظم قوتها . وتبدو محاولات طهران إعطاء الآخرين الانطباع أنهم أمام قوة كبرى غير مقنعة بعد، خاصة حين تحاول أن تلعب أدواراً قيادية بخصوص مسائل كبرى من قبيل تخليص العالم من ترسانات الأسلحة النووية كما فعلت قبل عدة أسابيع . ولن تنفع جهود طهران في تعزيز علاقات التعاون مع دول أجنبية لا تلقى القبول الدولي مثل كوريا الشمالية وفنزويلا في محاولة الخروج عن طوق العزلة الذي صار يزداد تدريجياً .

 

إن مشكلة إيران مركبة، تتعلق بعض جوانبها بالمنطلقات التي تتبناها طهران، والمقومات التي تمتلكها الدولة الإيرانية، والوسائل التي توظفها حكومة الرئيس أحمدي نجاد . وتتعلق جوانب أخرى من المشكلة الإيرانية في طبيعة العداء المستدام الذي يربط بين طهران وواشنطن، والخصومة المتنامية بين طهران والعواصم العربية، والتي تلقي بظلالها السلبية على التفاعلات الاستراتيجية والتكتيكية بين هذه الأطراف في كافة المسائل، بما فيها الملف النووي .

* رئيس قسم العلوم السياسية - جامعة الإمارات

==========================

أبجديات الزعماء الأميركيين

تسفي بارئيل

 الدستور

4/27/2010

"لا يمكننا ان نرغب بالسلام اكثر من الاطراف المعنية". "لا يمكننا اجبار الاطراف على السلام" ، هذه وكثير من الشعارات الاخرى هي الأبجديات التي غرسها أجيال من الزعماء الأميركيين لدى نظرائهم الاسرائيليين ، اذا كانت حتى الولايات المتحدة "لا يمكنها ان ترغب بالسلام اكثر من الأطراف نفسها" ، فعلى ماذا الجلبة؟.

 

ولكن ما هي الأطراف المعنية؟ ، أليست الادارة الاميركية طرفا ايضا ، مع مصلحة استراتيجية بالسلام بين اسرائيل والعرب؟ ، متى تكون هناك مصلحة اميركية على المحك ومتى تكون هناك مصلحة للأطراف؟ ، متى تكون الولايات المتحدة شريكا ومتى تكون وسيطا ، مستعدا حتى لدفع الثمن مقابل الحق في الوساطة؟.

 

ان الولايات المتحدة ليست وسيطا محايدا يوفر للأطراف خدمات جيدة ، مائدة للتفاوض عليها ، وبعض الوجبات الخفيفة والموسيقى ، ان الولايات المتحدة هي طرف ذو مصلحة ، وقوة عظمى يستند مركزها في الشرق الأوسط وارجاء العالم الى قوتها الاقتصادية والعسكرية ، وهي مستندة ايضا الى قدرة الأميركيين على الاستفادة من هذه المزايا للتحرك السياسي ، ووضع اجندة العالم وكسب الشرعية لشن الحروب وصنع السلام.

 

تصوغ الولايات المتحدة خريطة التهديدات العالمية ، من ايران وافغانستان الى مخزون روسيا من الصواريخ النووية والقاعدة واليمن ، وتجند الولايات المتحدة ايضا الدول الاخرى والرأي العالمي لمواجهة تلك التهديدات ، وقد قررت ان تشمل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ضمن قائمتها للتهديدات ، وعلى النقيض من شعارها ، فان اميركا تفرض بشكل نشط حلا على الاطراف. وهذا لحسن الحظ.

 

قد نجادل حول رؤية واشنطن واسلوبها ، ونتساءل عما اذا كان من الحكمة اختيار البناء في القدس الشرقية من بين كل المعارك لمعاملة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كرجل مبيعات غير مرغوب فيه يعمل من باب الى باب ، ولكن لا يمكننا عدم تقدير التصميم الدبلوماسي للرئيس الأميركي باراك اوباما والمجازفة السياسية التي اتخذها من خلال وصم اسرائيل بأنها رافضة للسلام.

 

ان الولايات المتحدة لا تفعل ذلك "من اجل الأطراف" ، ففي شكله الخارجي ، الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ليس تهديدا استراتيجيا ، فموت عدد اكبر من الاسرائيليين او الفلسطينيين ، او ظهور مزيد من اسامة (بن لادن) في الجنوب او الكاتيوشا في الشمال لن يطيح باية دولة ، وبالتأكيد ليس الولايات المتحدة ، ان حل النزاع لن يوقف سباق ايران النووي ولن يقنع الهند او باكستان بالتوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي. وسوريا لن تقطع علاقاتها مع طهران حتى اذا اعترفت اسرائيل بحركة "حماس".

 

ولكن النزاع يتحول الى استراتيجي عندما يهدد مكانة اميركا على المسرح العالمي ، وعندما يكون هذا هو التهديد ، فان الولايات المتحدة لا يمكنها ان تتحمل اكثر من ذلك مجرد السماح للاطراف ب"الرغبة" في السلام وأن تراقب بكآبة من الهامش في الوقت الذي يواصلون فيه أكل لحم بعضهم ، ليست كرامة اوباما الشخصية على المحك ، وليس الدعم الاسرائيلي الضخم لاسرائيل ، ان الاميركيين يرون الآن انه عندما يضعون الأمر قيد الاختبار ، فان هذا الدعم ليس كافيا لمساعدتهم في تطبيق سياستهم.

 

ان اسرائيل تتحدى المكانة الاستراتيجية للولايات المتحدة ، وهذا الاستفزاز يتجاوز مسألة السيادة الاسرائيلية في مقابل القوة الأميركية ، وبغباء ، فان اسرائيل تتنافس ضد نفسها لأن المكانة الاميركية هي جزء جوهري من قوة اسرائيل ، وعندما تكون اسرائيل مستعدة لهدم هذا الاساس لمصلحة المتنمرين في القدس الشرقية والمواقع الاستيطانية في الضفة الغربية ، فان اسرائيل تضع مواطنيها ذاتهم في الخطر.

 

وفي مواجهة الغباء الاسرائيلي ، فانه لم يعد بوسع واشنطن تحمل مجرد هز الكتف ، الكثير من المصالح الاميركية في المحك ، ولذلك كيف سيتعامل اوباما مع الرفض الاسرائيلي؟ ، هل سينبذ مطلبه بتجميد الاستيطان؟ ، هل سيكلف اسرائيل بخطة عمل اجبارية للتوصل الى السلام مع الفلسطينيين؟ ، ولوقف المطاردة ، هل سنرى اعادة عرض للمشهد الشهير من فترة ولاية وزير الخارجية السابق جيمس بيكر ، الذي ترك لاسرائيل رقم هاتف تستطيع الاتصال به عندما تصبح جادة بشأن تحقيق السلام؟.

لقد علمت واشنطن العالم منذ ذلك الوقت بانها عندما تقوم برسم خريطة مصالحها ، فانها تكون مستعدة لاستخدام جيشها لتحقيق هذه المصالح ، واذا لم يكن النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي مصلحة بهذه الاهمية ، فان على واشنطن ان تبين ذلك لكلا الطرفين ، كيلا يعلقا الكثير من الأمل على المناورة الاميركية او ، لا سمح الله ، العمل تحت الانطباع بأن الضغط الاميركي هو مجرد ذريعة.

==========================

الحوار البيئي - النووي .. خطوة على الطريق الصحيح

باتر محمد علي وردم

الدستور

4/27/2010

يمثل اللقاء التشاوري الذي تم بين نشطاء هيئة تنسيق العمل البيئي في الأردن وبين رئيس وخبراء هيئة الطاقة النووية قبل أيام خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لتنظيم حوار وطني هادف حول الأبعاد البيئية لمشروع الطاقة النووية الأردني ، بعد أن كان الطرفان غير قادرين على التواصل سابقا وسادت حالة من التشكيك المتبادل بينهما.

 

اللقاء لم يدخل في تفاصيل فنية بقدر ما كان فرصة للتعارف وطرح التساؤلات المشروعة من قبل هيئة تنسيق العمل البيئي والمتعلقة بسير مشروع الطاقة النووية والتأكيد على أهمية تبادل المعلومات واحترام الأدوار والشفافية ولكنه يمثل الخطوة التمهيدية الأولى نحو تنسيق فني على مستوى الخبراء يدرس القضايا العلمية المشتركة بالطريقة السليمة بدون شائعات وبدون تبسيط مخل للتفاصيل المعقدة.

 

تمثل هيئة تنسيق العمل البيئي حوالي 10 منظمات بيئية غير حكومية لها باع طويل وتجربة كبيرة في النشاطات البيئية وخاصة في سياق العمل التطوعي وهي تضم آلاف النشطاء والشخصيات الاقتصادية والاجتماعية المؤمنة بحماية عناصر البيئة من منطلقات وطنية بحتة وهي تمثل شريحة اجتماعية لها مواقفها المتعلقة بمشروع الطاقة النووية. هذه المواقف لا تعني بالضرورة مقاومة المشروع في حال كان يمثل أولوية وطنية لا غنى عنها ولكنها تطالب بوضع الضوابط البيئية الصحيحة علميا والتي تنتهجها كافة الدول الديمقراطية المتقدمة التي تحترم وجهات النظر الاجتماعية وتلتزم بمبادئ حماية البيئة والصحة العامة والشفافية في اتخاذ القرار.

 

من يقوم على مشروع الطاقة النووية هم علماء قبل أن يكونوا سياسيين وهم يمتلكون المزيج من القدرة العلمية والثقة بالنفس والتي أحيانا ما قد تجعل المرء يعتقد أن ما يعرفه كاف ولا داعي للحصول على آراء الآخرين ، ولكن البيئة هي أيضا علم ومنطق وهنالك الكثير من الحلول والخيارات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية التي يمكن تطبيقها لضمان الضوابط البيئية التي تحمي الإنسان والموارد الطبيعية من نتائج النشاطات النووية وبالتالي فإن المرجعية العلمية هي اللغة التي يحترمها الطرفان ولا بد أن تكون الفيصل في الحوار.

 

نشطاء العمل البيئي مواطنون أردنيون يتمتعون بانتماء عال للوطن وهو الذي يدفهم للعمل بشغف والتزام بقضية حماية البيئة وهم ليسوا فئة مارقة كما يحاول البعض من ضيقي الأفق تصويرهم ، ولا معطلين للاستثمار والمشاريع الوطنية بل يقومون بدور أساسي نيابة عن كافة أفراد المجتمع من أجل ضمان حاضر ومستقبل آمن للشعب الأردني مثل اي شعب آخر متحضر يمر في مرحلة تطور الطاقة النووية. من المهم أيضا القول بأنه من غير المقبول أن يحاول البعض الربط ما بين وجهة نظر المنظمات البيئية وما بين مساعي إسرائيل لتعطيل البرنامج النووي الأردني لأن الضوابط التي يطالب بها البيئيون في الأردن تنطلق من المصلحة الوطنية فقط وليست لها اية ارتباطات سياسية.

 

اللقاء الأول تميز بالاحترام المتبادل والآن الفرصة متاحة للخوض في القضايا الفنية التفصيلية استنادا إلى العلم والتجارب الناجحة في كافة دول العالم وهو ما يحتاج إلى النوايا الحسنة في التعامل والقدرة على الاستماع إلى الرأي الآخر والالتزام بالمصلحة الوطنية في نهاية المطاف.

batirw@yahoo.com

==========================

مسيرة الحماقة

شالوم يروشالمي

معاريف الاسرائيلية

الرأي الاردنية

4/27/2010

جزت ثلاث محطات الاحد في طريقي الى سلوان. رأيت عند أسفل حائط المبكى على الحيطان اعلانات لرؤساء الطائفة الحريدية تدعو أناس اليمين الى ألا يضايقوا العرب، لأنه لا يحل التحرش بالأغيار. رأيت في مركز دافيدسون قرب سلوان مئات من عدائي الماراثون من الايطاليين والاسرائيليين والفلسطينيين الذين أتوا من بيت لحم. وسمعت نائب المدير العام لمكتب السياحة، رافي بن حور من الليكود، يقول إنه لا يمكن أن يحدث أي شيء حسن من غير الفلسطينيين. ورأيته ينظر مشفقا الى تطور أحداث الشغب في سلوان لئلا تفسد عليه الاحتفال كله.

التقيت قرب مدينة داود (اليشع بيلغ)، عضو مجلس البلدية من الليكود. بيلغ هو المانح السياسي للاستيطان اليهودي في شرقي المدينة، وهو الشخص الذي يقدم قدما الاستيطان في سلوان والشيخ جراح والطور وجبل المكبر ورأس العمود، وأبو ديس والأحياء العربية الأخرى. أتى هذه المرة ليتظاهر في مواجهة متظاهري اليمين. «هذا الفوران المتعمد يسبب لنا فقط الضرر ويعوقنا عن بناء المدينة»، قال بيلغ.

لم يتأثر باروخ مارزيل وايتمار بن غابير ورفاقهما ببيلغ ولا بأناس سلام الآن الذين تظاهروا حيالهم. «بينا لميتشل من هو رب البيت الحقيقي في القدس»، افتخر ايتمار بن غابير بعد أن انتهى من تسلق صَعود القرية مع صديقه باروخ مارزيل وبضع عشرات من الشبان من أعضاء حركة «أرض اسرائيل لنا»، ممن لبسوا في الأساس أقمصة مع شعارات الحاخام كهانا.

أحيط السائرون بمئات الشرطيين الذين واجهوا السكان الفلسطينيين من رماة الحجارة. جرح ثلاثة شرطيين.

يختلط في القدس كل شيء اذن. فاليمين ضد لليمين، واليمين ضد لليسار، واليسار ضد لليمين. وكذلك اليسار المعتدل ضد لليسار المتطرف. البلبال عظيم لانه لا يعلم أحد حقا ما هو الخير للمدينة. جميعهم محقون وجميعهم مخطئون بالقدر نفسه.

المتظاهرون في سلوان على حق لانه لا يمكن التسليم لمئات البيوت التي تبنى بلا رخصة، ولا يمكن جعل براك اوباما المستولي على ملف التخطيط والبناء في القدس كي يبت أمر المشروعات في جيلو وفي التل الفرنسي ايضا.

واليشع بيلغ على حق لأن التحرش يخرب المدينة فقط وينفي عنها السياح. ويريف اوبنهايمر وسلام الان على حق لأنه لا يحل للمستوطنين الدخول عميقا في روح الأحياء الفلسطينية وأن يسمعوا هناك بمكبرات الصوت أناشيد تمتدح باروخ غولدشتاين.

واليمين على حق لان متظاهري اليسار لا يمكن أن يصبحوا أرقاما في المظاهرات الفلسطينية في الشيخ جراح نفسه، وأن ينضووا تحت العلم الفلسطيني ويهتفوا عندما يتحدث القادة عن حق العودة.

لا يمكن الربط بين اجزاء هذه المدينة، وما عاد من الممكن فصل بعضها من بعض. في مراسم اشعال الشعل خطب رئيس الكنيست روبي ريفلين خطبة داحضة قال فيها إن الفئات السكانية اذا استمرت على العيش في أحياء مغلقة، فسنسرع تقطيع أوصال القدس كلها.

لا يدرك ريفلين أن هذا الفصل وحده، وهذا الانتماء القبلي هو الذي ينقذ المدينة الى الآن. لا يستطيع اليوم حريدي أن يأتي ويعيش في حي علماني والعكس صحيح، ولا يستطيع عربي أن يسكن حيا يهوديا والعكس صحيح. واذا وجد مع كل ذلك اختلاط بين السكان فانه يأتي بالتوتر والاحقاد فقط.

وفي هذا الخصام العنيف الصارخ شيء واحد مضمون فقط وهو أنه بغير حل سياسي ستظل سلوان تغرق في القمامة والقذر. إن المكان الذي هو أحد أجمل الأماكن في العالم، وهو قرية ذات أهمية دينية وتاريخية عظيمة، هو جماع بيوت تريد أن تنقض، وقطعان ماعز، وكهوف مهملة ومجار جارية.

ويقوم في الوسط بيت يونتان وعلى حيطانه بقايا زجاجات حارقة، تمجيدا للمدينة العاصمة.

==========================

سقطة أميركية لصالح نتنياهو

جهاد المومني

الرأي الاردنية

4/27/2010

يقال ان العلاقات الاميركية الإسرائيلية تمر بأزمة، ويقال ايضا ان العلاقات العربية الأميركية تتحسن في عهد ادارة الرئيس باراك اوباما وخاصة بعد خطابه التاريخي في القاهرة، وما ثبت فعلا ان العلاقات الأميركية مع العالم الاسلامي بشكل عام قد ساءت وتردت كثيرا منذ الخطاب, وان العلاقات مع اسرائيل اصبحت نوعية، اما المقارنة بين وضوح العلاقات العربية الأميركية وتوازنها في عهد هذه الادارة وفي عهود الادارات السابقة فترجح الكفة لصالح أية ادارة سابقة بما في ذلك أسؤوها من ادارة ريغان الى بوش الأب وصولا الى بوش الابن مع التأكيد على ان التوازن غير وارد في كل الاحوال, هذه الادارة في توجهاتها وممارستها السياسية تجاه العرب تشبه حكومة حزب العمل في اسرائيل، قد لا تشن حربا ولا تتحدى العالم بتوسيع الاستيطان ولا تعتدي على هوية القدس ولا تهدم البيوت على رؤوس اصحابها ولكنها تنجح دائما في التملص من اي توقيع يفضي الى السلام مع الفلسطينيين، فتتقن فن المماطلة والتأجيل والتسويف, وفي عهدها غالبا ما يتشتت العرب بين مؤيد للسلام ومعارض له، مطبع ومعارض للتطبيع، قابل بالتفاوض ومعترض عليه,ولم يحدث مرة ان عانت اسرائيل من الضغوط في عهد حكومات العمل، فالعرب غالبا هم الذين عانوا الانقسامات بسبب سياسة ( الاحتلال الناعم ) الذي مارسته حكومات العمل في اسرائيل.

 

في واشنطن اليوم ادارة تشبه حكومات حزب العمل في اسرائيل، كلام كثير عن السلام والجهود المبذولة، وجولات مكوكية للمبعوثين ولكن لا سلام ولا تعديل على الموقف الاسرائيلية,بل العكس هو الصحيح فجميع المواقف العربية تعدلت لصالح اتجاهات ادارة باراك اوباما ومن اجل انجاحها بما في ذلك المواقف العربية المتشددة، ومع ذلك لم تنجح حتى الآن في تثبيت الموقف الاميركي عند نقطة معينة ينطلق منها قطار السلام، فبعد ان تأملنا خيرا بالانفتاح الهادئ على سوريا يفاجأ العرب اليوم بأن ادارة اوباما ليست سوى التابع الامين لما تخطط له وتفكر فيه حكومة نتنياهو المتطرفة في تل ابيب، فما أن نبشت اسرائيل قضية صواريخ سكود حتى سارعت واشنطن بالانضمام الى الجوقة الصغيرة لنتنياهو وليبرمان وتبني القصة دونما حياء او خجل وبلا شعور بالغيرة القومية على عظمة وهيبة الولايات المتحدة,والغريب بالفعل ان يستند الموقف الأميركي من سوريا الى مجرد توقع بأن دمشق ربما سهلت وصول صواريخ سكود الى حزب الله، وفي سقطة مسيئة لتاريخ الولايات المتحدة وحاضرها ومستقبلها يعتمد البيت الابيض الرواية الاسرائيلية بعد ساعات من اطلاقها ويوجه تهديدا الى سوريا بناء على توقعات وليس على حقائق وبراهين استخبارية اميركية، هذه المسخرة تقدم اوضح الامثلة على شكل التغير الذي طرأ على الادارة الأميركية الجديدة، وتعكس مستوى التحسن في علاقات اميركا بالعالم العربي مثلما تظهر عمق الازمة بين اسرائيل والولايات المتحدة ...!

==========================

وسيط نزيه جداً

الثلاثاء, 27 أبريل 2010

مصطفى زين

الحياة

عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، لا ترى الولايات المتحدة سوى مصلحة حليفتها الوحيدة إسرائيل. الدول الأخرى صديقة، مصالحها مرتبطة بواشنطن وسياساتها في أحسن الأحوال، أو عدوة، خصوصاً إذا كانت تشكل خطراً على الدولة العبرية.

لا يكل المسؤولون الأميركيون من تكرار هذه المسلّمة. يكررونها كي يفهم خصوم إسرائيل (هل بقي لها أعداء؟) موقعهم. وكي يعرفوا ان طريقهم إلى قلب البيت الأبيض يمر عبر تل أبيب. ويكررونها أيضاً، عندما تقترب الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية كي يكسبوا عطف «إيباك» ورضاها.

في 21 الشهر الجاري ألقى مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال جيمس جونز كلمة في مناسبة احتفال «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» بعيد تأسيسه الخامس والعشرين (ومناسبة احتفال إسرائيل بعيد تأسيسها الثاني والستين) حدد فيها توجهات الإدارة الأميركية بثلاث نقاط رئيسية: الأمن، والتقدم، والنظام العالمي. أوحى بأن الأهداف الثلاثة متحققة في كل العالم، عدا الشرق الأوسط. السبب في عدم تحققها أعداء إسرائيل الذين هم في الوقت ذاته أعداء الولايات المتحدة. ما العمل؟

كي يصحح الجنرال الخطأ في تأويل سياسة البيت الأبيض ويزيل التشويه الذي لحق بهذه السياسة (من أخطأ ومن شوه؟)، قال إن «العلاقة بيننا وإسرئيل مثل أي علاقة بين أمتين حليفتين، يحصل بينهما عدم توافق لكننا نسوي الأمر بين حليفين. ولن ننسى أبداً انه منذ اللحظة الأولى لاستقلال إسرائيل، بنت الولايات المتحدة معها علاقة خاصة جداً. وهذا لن يتغير. هذا ليس التزام ديموقراطيين أو جمهوريين. هذا التزام وطني مؤسس على القيم ونسيج العلاقات والمصالح المتبادلة. الروابط مع إسرائيل لا تفك عراها، على ما قال الرئيس أوباما. إنها روابط التاريخ، بين أمتين حصلتا على استقلالهما عبر تضحيات الوطنيين، روابط بين شعبين يدينان بقيم الحرية الفردية، روابط الديموقراطية حيث السلطة للشعب، روابط الريادة في التكنولوجيا والعلوم وحقول أخرى كثيرة نتعاون فيها كل يوم. روابط الصداقة، بما فيها العلاقات العائلية الكثيرة».

كلام عاطفي قاله الجنرال في عيد مؤسسة معروفة بانحيازها إلى إسرائيل وبتأثيرها في رسم سياسة الإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهورية كانت أو ديموقراطية. وعندما أراد شرح هذه العواطف عملياً، شدد على أن «أمن إسرائيل وتفوقها العسكري غير خاضعين للنقاش. السلام مع الفلسطينيين جزء من هذه المصلحة. ينزع من يد إيران ورقة مهمة. يعريها أمام جيرانها العرب. يبعدها عن الإرهابيين مثل حزب الله وحماس. يجبر سورية على الرضوخ للشروط».

كان الجنرال حريصاً جداً على يهودية الدولة الإسرائيلية (مشروع نتانياهو لطرد الفلسطينيين). قال إن التهديد الديموغرافي (العربي) قائم وخطير، لذا على إسرائيل الإنخراط في مفاوضات مع الفلسطينيين والعرب على أساس حل الدولتين كي تعيش بسلام ضمن حدودها الآمنة، بعيداً عن هذا التهديد الخطير.

وبدا مستشار الأمن القومي كأنه يعتذر عما بدر من الجنرال ديفيد بترايوس الذي قال إن السلوك الإسرائيلي يعرض الجنود الأميركيين للخطر في العراق وأفغانستان. إعتذار رد فيه على من حمّلوا كلام بترايوس أكثر مما يحتمل، فشنوا حملة تضليل وتشويه، موحين بأن العلاقة الأميركية -الإسرائيلية على وشك الإنهيار. ذكر مستمعيه بقول أوباما «في القاهرة ليسمع العالم كله: إسرائيل لن تزول... على الجميع أن يعلم أن لا مسافة بين إسرائيل والولايات المتحدة».

لا لبس في موقف البيت الأبيض، موقف لا يحتاج إلى تأويل أو شرح: إسرائيل في كفة والعالم كله في كفة أخرى.

لا تريد إسرائيل أكثر من هذه الضمانات. على أساسها ستخوض المفاوضات مع الفلسطينيين والعرب، برعاية الوسيط الأميركي «غير المنحاز». مفاوضات قد يتخللها اعتداء إسرائيلي هنا أو هناك لاختبار الحليف أو توريطه، طالما أن الروابط بين الدولتين والشعبين لا يقوى على فك عراها حتى السلاح النووي.

==========================

الاتجار بإسرائيل

الثلاثاء, 27 أبريل 2010

علي بن طلال الجهني *

الحياة

لا تختلف صعوبات تحقيق قدر متصاعد من النمو في الدول العربية عنها في معظم دول العالم من النواحي الموضوعية. وكل الدول النامية تعاني من مشكلات الجهل ونسب متفاوتة من الأمية بكامل أشكالها، ونسب مختلفة من سوء مستوى الخدمات الطبية وشح الإسكان الصحي وغيره من مشتركات التخلف عن الدول الصناعية وما بعد الصناعية المتقدمة.

ففي الخمسينات من القرن الماضي، بل وحتى أواخر الستينات، كان نصيب بضع دول عربية من مؤشرات النمو المهمة كمستوى التعليم ومستوى معيشة عامة الناس، أفضل بكثير مما كانت عليه الحال في دول كالهند وتايلاند وكوريا الجنوبية وماليزيا.

وكما هو معروف في وقتنا الحاضر في عام 2010، فإن مستويات التنمية بكل أشكالها هي أعلى في تايلاند وكوريا الجنوبية وماليزيا منها في معظم الدول العربية إن لم يكن كلها.

أما الفيل الهندي الضخم الذي كان يغط في سبات عميق فإنه يمر الآن بصحوة تنموية متصاعدة، الى درجة أن المهندسين والمبرمجين الهنود في مجال الكومبيوتر وبقية أطراف اقتصاديات المعرفة قد يكونون الأفضل أو على الأقل من الأفضل مقارنة بنظرائهم في أميركا وكندا وشمال وغرب أوروبا. صحيح انه لا يزال مئات الملايين من الهنود فقراء معوزين، ومأساة الفقر في الهند قديمة قدم التاريخ، ولكن الهند شقت بداية الطريق واتضح لها أن هناك خيرات كثيرة تنتظرها، وسيؤدي الوصول إليها الى رفع مستوى معيشة الفقراء بخاصة وعموم المواطنين إجمالاً. وبمجرد أن يشمل التعليم في الهند معظم سكان الريف ستنتهي مشكلة الفقر في هذا البلد.

والقول بأن «التعليم» من أهم المحاور التي ترتكز إليها التنمية المستدامة، لا يعني أن أي تعليم يحقق الهدف. فما أكثر الذين قد لا يضر علمهم، ولكنه لا يضيف شيئاً، حتى من حاملي شهادات الدكتوراة ليس في العالم العربي فحسب وإنما أيضاً في الدول المتقدمة في بعض التخصصات النظرية.

إن التعليم الذي يؤدي الى النمو والتنمية المادية هو النوع من التعليم الموجود في الهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ. أي التعليم الذي يؤكد الرياضيات والعلوم وتعليم اللغات بما فيها اللغة الإلكترونية بالطريق الأمثل الذي يمكن المتعلم من مستوى أعلى للاستيعاب ومستوى أفضل لإيصال المعلومة الى الآخرين بطريقة تسهل عليهم فهمها.

إن وجود إسرائيل في قلب العالم العربي وتهجير الفلسطينيين ووضعهم في مخيمات أشبه ما تكون ل «الغيتو» الذي وضع الأوروبيون اليهود فيه، لم يخلق التبريرات لكل من أتوا الى الحكم في العالم العربي من طريق الانقلابات فحسب، وإنما قد يكون السبب الأهم الذي عظم شأن المتاجرة بإسرائيل والمزايدة على الخصوم السياسيين في الداخل، ومن ثم كان من العوامل المساعدة على تخلف العالم العربي المادي والعلمي. تماماً كما تاجر العسكر في باكستان بقضية كشمير التي تحولت الى قميص عثمان باكستاني. أي أن وجود النزاع على منطقة كشمير، وبطرق غير مباشرة بالطبع، كان ولا يزال من العوامل المساعدة على تخلف مستوى التعليم العام في باكستان عنه في جارتها الهند.

إن من يأتي الى الحكم بطرق غير مشروعة كالانقلابات العسكرية لا يستطيع أن يستمر في الحكم من دون الاعتماد على الاستبداد والمزايدة على قضية وطنية كبرى. والأحزاب التي ترفع شعار الإسلام تزايد على تحرير فلسطين بالوسائل نفسها التي يوظفها بقية المتسلقين من الأحزاب «القومية» والانقلابيين. وحتى محمود احمدي نجاد صار من أبرع المتاجرين بمأساة الفلسطينيين.

لقد مرت دول كثيرة في أميركا اللاتينية بالانقلابات العسكرية. غير أن انقلابات الأميركيين اللاتينيين بخاصة في أهمها كالبرازيل والأرجنتين وتشيلي توقفت منذ بضعة عقود، ربما لأنه ليس في أميركا الجنوبية فلسطين أراد القادة «المظفرون» المتاجرة بها والمزايدة عليها. والآن تعتبر البرازيل والأرجنتين وتشيلي من أسرع الدول النامية نمواً وتقدماً.

إن إسرائيل لا تستمد قوتها فقط من تخلف العالم العربي، الذي صارت هي من أهم أسباب تخلفه بطريقة غير مباشرة، وإنما أيضاً من الكونغرس الأميركي بمجلسيه، الذي تسيطر عليه «ايباك» الى درجة أن قادته من كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري يتسابقون للمزايدة على دعمها.

وفي نهاية المطاف فإن وجود إسرائيل خلق التبريرات والأعذار للاستبداد باسم تحرير فلسطين، وخلق سوقاً مزدهرة دوماً للمزايدات تارة باسم العروبة وتارة باسم الإسلام. فوجودها حَقِيقَةٌ لا وهم، وبطرق شتى وغير مباشرة، هو من أهم أسباب تخلفنا عن غيرنا من الدول التي كانت بالأمس القريب مماثلة لنا.

والله من وراء القصد.

==========================

الصراع الروسي  الأميركي على قيرغيزستان

المستقبل - الثلاثاء 27 نيسان 2010

العدد 3636 - رأي و فكر - صفحة 22

توفيق المديني

أطاحت الانتفاضة الدموية التي قادتها المعارضة في قيرغيزستان يوم الإربعاء7 نيسان الجاري بنظام الرئيس قرمان بيك باكييف، وأجبرته على مغادرة البلاد بعد تدخلات إقليمية ودولية.

من الملاحظ أن القادة الفلسطينيين الذين تمسكوا بالسلطة ولجأوا إلى استخدام القوة وتزوير الانتخابات في الجمهوريات السوفياتية السابقة، تمت الإطاحة بهم عن طريق نزول الجماهير إلى الشارع، عندما أرادت تحقيق التغيير. هذا هو حال الانتفاضة الدموية التي أنهت عهد حكم الرئيس كرمان بك باكاييف الموالي للولايات المتحدة، والذي تسلم السلطة في قرغيزستان، بعد أن أسقطت ثورة "الزنابق" المدعومة من واشنطن، في ربيع العام 2005، أول رئيس دولة في آسيا الوسطى وصل إلى الحكم منذ انتهاء العصر السوفياتي، عسكر أكاييفيتش أكاييف الذي أجبر على الفرار إلى الخارج.

وكانت المعارضة تتهم الرئيس بكاييف بإحكام قبضته على السلطة، وتعيين أقربائه في مناصب حكومية حساسة، ومن أبرز هؤلاء نجله مكسيم، وبإخفاقه في جلب الاستقرار والنمو الاقتصادي للبلد في هذه الجمهورية الجبلية التي تقع في قلب آسيا الوسطى، ويبلغ عدد سكانها 3،5ملايين نسمة، يعيش ثلثهم تحت خط الفقر، والتي تعيش في ظل أزمة اقتصادية، فاقمها الفساد المستشري في مختلف مستويات أجهزة الدولة، وارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية والمحروقات، وهو ماقاد إلى زيادة الاستياء الشعبي.

وفور انهيار نظام الرئيس القيرغيزي كرمان بك باكييف بسرعة لافتة، بعد ساعات على التظاهرات الشعبية الدامية، تمكنت المعارضة القرغيزية من الاستيلاء على الحكم في هذه الدولة السوفياتية السابقة، وشكلت حكومة "ثقة وطنية" برئاسة وزيرة الخارجية السابقة روزا أوتونباييفا (59 عاما)، التي ترأس أيضاً الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي.

المتابعون للصراع الجيوبوليتيكي في القوقاز وآسيا الوسطى، يعتقدون أن الانتفاضة الأخيرة في جمهورية قيرغيزستان، ليست بعيدة عن الصراع الدولي المحتدم بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية على هذه الجمهورية السوفياتية السابقة، التي أصبحت في قلب عمليات رسم الاستراتيجيات الجيوسياسية في آسيا الوسطى.

وما أن سقط نظام باكييف حتى سارعت الولايات المتحدة الأميركية الى التعبير عن "قلقها الشديد" حيال الوضع في قيرغيزستان، وأسفت لأعمال العنف ودعت "كل الأطراف إلى احترام دولة القانون وحل خلافاتهم بطريقة سلمية وبالسبل القانونية".

وينبع الخوف الأميركي من موقف المعارضة القيرغيزية التي تسلمت السلطة مؤخرا، والتي كانت تطالب الرئيس المخلوع باكييف بإقفال قاعدة ماناس الأميركية، خشية من أن تستخدمها الولايات المتحدة في حال قررت شن حرب على إيران.

وكان التذبذب في سياسته الخارجية بين أميركا وروسيا هو الذي أفقد مصداقية الرئيس باكييف لدى الجانبين. ففي شباط 2009، طالب الرئيس المخلوع بإقفال القاعدة الأميركية "ماناس" في شمال البلاد، بعدما رفض تمديد العقد. وحدث هذا الأمر، بعد أن حصلت السلطات في بكشيك على قرض من روسيا يقيمة ملياري دولار، ومساعدة مالية بقيمة 150 مليون دولار.

ومع ذلك، تراجع الرئيس المخلوع باكييف عن وعده لروسيا وللمعارضة بشأن إغلاق قاعدة "ماناس"، وأبرم صفقة مع الولايات المتحدة تقتضي زيادة بدل إيجار القاعدة إلى 180 مليون دولار سنوياً، الأمر الذي أثارة ثورة غضب لدى موسكو والمعارضة القيرغيزية في آن معاً، التي اتهمت الولايات المتحدة بأنها قدمت "رشوة سياسية" للرئيس.

وقد عبّرت مجلة "تايم" الأميركية الصادرة في شهر اذار 2010عن المخاوف الأميركية، إذ تحدث مسؤول من الادارة الاميركية علناً عن مخاوف واشنطن من الخطط الروسية في قيرغيزستان، قائلاً ان "قاعدة ماناس في قرغيزستان تشكل انجازا بالنسبة الينا... روسيا لا تريد ذلك. دفعوا ملياري دولار لاخراجنا من هناك، الا ان أوباما أجرى محادثات صريحة مع الرئيس ميدفيديف، وقال له ان لنا عدواً مشتركاً في افغانستان. لذلك سيساعدنا (وجود القاعدة في قيرغيزستان) على مقاتلة ذلك العدو المشترك. ولو خسرنا ذلك، لكان ضربة كبيرة. انها محور مهم لنقل جنودنا الى افغانستان واخراجهم منها".

بعد أحداث أيلول 2001، وبداية الحرب الأميركية على الإرهاب من خلال غزوها لأفغانستان وإسقاطها نظام "طالبان" في الخريف من السنة عينها، أرسلت إدارة الرئيس السابق بوش بعض القوات التابعة لها الى العديد من دول الاتحاد السوفياتي السابق. وأولى هذه القوات وصلت الى قاعدة "ماناس" في قيرغيزستان. فقد استفادت قرغيزستان بمبلغ 24 مليون دولار كمنافع اقتصادية، من خلال تأجير تلك القاعدة للولايات المتحدة.

وقد أزعجت إقامة القواعد العسكرية الأميركية في آسيا الوسطى، وتوسيع الحلف الأطلسي، وإقامة منطقة نفوذ أميركية في خاصرة روسيا، إضافة إلى مد خط نفط باكو- تبيليسي- شيهان، روسيا فلاديمير بوتين، التي بدأت تنتهج سياسة خارجية مختلفة في التعاطي مع الولايات المتحدة الأميركية، لجهة مقاومة استراتيجية التطويق والمحاصرة التي انتهجتها إدارة بوش السابقة لتعزيز نفوذها في جنوب القوقاز والسيطرة أكثر قليلاً على آسيا الوسطى.

==========================

كيان مولّد للأزمات

إضاءات

الاثنين 26-4-2010م

خلف علي المفتاح

الثورة

كان وجود الكيان الصهيوني في المنطقة واستزراعه فيها حلاً لأزمة عاشتها الدول الأوروبية مع اليهود الذين لم ينخرطوا في مجتمعاتها لأسباب كثيرة ،

أغلبها يعود الىالثقافة اليهودية المغرقة في فرديتها وتعاليها على الآخر ، إضافة إلى إن قيام كيان غريب في المنطقة أمر يتقاطع مع المصالح الاستراتيجية للغرب الاستعماري ومشاريعه التوسعية في منطقتنا العربية ومنذ استزراع ذلك الكيان حتى الآن لم تشهد المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموماً حالة استقرار حقيقي بسبب الطبيعة العدوانية والتوسعية لذلك الكيان الذي تحول من حل لمشكلة أوروبية الى مشكلة عالمية تهدد الأمن والسلم الدوليين .‏

ومع المتغيرات الدولية التي شهدها العالم بعد نهاية الحرب الباردة ،وحصول تموضع جيوسياسي عالمي جديد يتأسس على خطوط طول وعرض اقتصادية وثقافية بدل الصراع الإيديولوجي، بدا الكيان الصهيوني يفقد وظيفته الأساسية وفلسفة وجوده كذراع عسكرية ومخفر متقدم للغرب في المنطقة، خاصة بعد حربي الخليج الأولى والثانية .‏

حيث ظهر الكيان بمظهر العاجز عن الدفاع عن نفسه لا ذراع عسكرية للآخرين كما كان يزعم ، ولعل هزيمته المنكرة في عدوان تموز عام 2006 كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير .‏

ولشدة وقع الهزيمة وآثارها النفسية والعسكرية والأمنية عليه وكشفها لعوراته السياسية والعسكرية والأخلاقية حاول تبريرها بدعوى أنه خاض حرباً مع سورية وإيران اللتين تحتضنان الحزب وتوفران له الدعم العسكري واللوجستي والسياسي .‏

ومع استمرار فشله في الانتقام لهزيمته عسكرياً حاول العدو كعادته استعداء دول العالم على كل من سورية وإيران، حيث ألب الولايات المتحدة وبعض دول العالم على إيران بذريعة سعيها لامتلاك السلاح النووي متناسياً امتلاكه لأكبر ترسانة نووية في المنطقة، وكأنه حالة استئنائية بين دول العالم يحق له ما لا يحق لغيره، وهذا يعكس عقدة التفوق في الثقافة العنصرية الصهيونية المؤسسة على سردية دينية مغرقة في تعصبها، و في ذات الوقت يطلق نيرانه السياسية باتجاه سورية بذريعة أنها تنقل صواريخ سكود الى لبنان لدعم حزب الله وزيادة ترسانته العسكرية .‏

إن هذه الاتهامات لا يمكن وضعها إلا في إطار أن ذلك الكيان يعيش حالة من الهيستيريا السياسية جعلته يفقد صوابه ولا يعرف إلى أين يتجه ،خاصة انه يعيش حالة عزلة دولية بسبب ممارساته اللاإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني ورفضه المستمر الانصياع لمتطلبات السلام إضافة إلى فشله جر دول العالم لحرب مع إيران وكذلك الإيقاع بالمقاومة الوطنية اللبنانية من خلال محاولاته اليائسة إشعال نار الفتنة بين أبنائه ناهيك عن انه يرغب بتوتير الأجواء في لبنان بعد التوافق الوطني الداخلي وتحسن وتطور العلاقات السورية اللبنانية ولما لذلك من منعكسات سلبية على العدو الذي يرى في لبنان المستقر خطراً عليه، وكذلك محاولاته المستميتة تفكيك جبهة المواجهة والممانعة ومركز ثقلها سورية .‏

إن من يستمع الى تهديدات قادة الكيان بإعادة سورية إلى العصر الحجري يزداد قناعة أن من يطلق تهديدات كهذه تسيطر عليه عقلية متحجرة تعود الى ما قبل العصر الحجري، بدليل أنها لم تستوعب حقائق التاريخ والتحول الحاصل في العالم والمنطقة العربية وبالتحديد سورية التي تمتلك من القوة العسكرية الرادعة والموجعة له مايجعله يفكر ألف مرة قبل القيام بهكذا عمل طائش اضافة الى انها أصبحت اللاعب الأساسي في المنطقة بفضل قوتها وتماسكها وتحالفاتها الإقليمية وسياستها الحكيمة والمبدئية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قواعد اللعبة قد تغيرت في المنطقة والعالم (فإسرائيل ) التي كانت في وقت ما المايسترو السياسي والعسكري في المنطقة أصبحت في الوقت الحاضر كومبارساً مشكلته انه لم يعد يستوعب الإشارات الجديدة؟‏

======================

أين الخليج.. وأين إيران؟

مشاري الذايدي

الشرق الاوسط

4/27/2010

دون مقدمات، تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، رامين مهمانبرست، الأخيرة ضد دولة الإمارات، ينطبق عليها: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت!».

الناطق الإيراني حذر وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، من أن يشبه احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث باحتلال إسرائيل لأرض عربية، لأنه، كما قال الناطق الإيراني: «في حال صحة صدور هذه التصريحات، فإننا نشعر بأنه سيكون من الصعب السيطرة على مشاعر الشعب الإيراني تجاه هكذا تصريحات غير مدروسة».

كان بودنا أن نصدق أنه بالفعل يدرك «مشاعر» الشعب الإيراني، إلا إذا كان يقصد بالشعب الإيراني ميليشيات الباسيج أو عساكر الحرس الثوري.

بدورنا نود أن نقترح عليه أن يصغي إلى أحد أبرز قادة الثورة الخضراء مير حسين موسوي الذي تحدث أخيرا عن أن الحكومة الإيرانية تضطهد المعارضين باسم الإسلام. ونقل موقع «كلمة» الإيراني عنه قوله إن «الطريق الوحيد لخروج إيران من الأزمة سيكون لكم (أيها الحاكمون) بتغيير مقاربتكم».

فأين مشاعر الشعب الإيراني التي يجب أن تخشى ويحذر منها؟ هل هي مشاعر الغاضبين الذي يملأون شوارع طهران بالسخط والاعتراض المتواصل منذ «تفويز» أحمدي نجاد، بشكل غير مباشر، بعد إصرار المرشد ورجال الحرس الثوري على ذلك، في حالة تشبه إصرار دمشق على «التمديد» للرئيس الموالي لها، إيميل لحود، رغما عن الجميع، وهو الحدث الذي استدعى سلسلة من ردود الفعل الغاضبة، والمنظمة في لبنان، رغم كل التحولات والانكسارات التي أصابت 14 آذار، لكن تظل دمشق، بسبب ذلك الإصرار العجيب على التمديد للحود، رغم وجود غيره من المرشحين من أصدقاء دمشق، هي الخاسر الأكبر من إطلاق طاقات الغضب والمقاومة على «اغتصاب» إرادة الجميع لصالح طرف واحد.

نفس الشيء، بشكل مقارب، حصل في إصرار المرشد ورجالات الحرس الثوري على منح كامل الدعم والمساندة لأحمدي نجاد، وعدم النظر أو الليونة في مطالب المعارضين لهذا الرجل الغارق في بخور الملاحم وتهويمات آخر الزمان. وهو ما ضاعف من حجم النقمة الشعبية، وأطلق شحنة غضب جديد و«طازج» في الشعب الإيراني استفاد منه «قدامى» الأعداء الداخليين لجمهورية الخميني، أو الأعداء الجدد.

رغم هذا الضجيج الذي تصم به آلة إيران الدعائية آذان المنطقة، وصخبها، وقرعها بالطبول، فإنها الأكثر عرضة للخطر وليس الآخرون.

نعني إيران (النظام الحاكم طبعا)، وليس الشعب الحي والمثقف، انظروا ماذا حل بسلطة النظام؟ يقاتل على أكثر من جبهة: خارجيا وداخليا، دوليا وإقليميا، شرقا وغربا، طرف يقاتل العالم دبلوماسيا من أجل تسويق مشروعه النووي باعتباره سلميا، أرسل وزير خارجيته متقي إلى فيينا وخاض مفاوضات مع وكالة الطاقة الذرية قالت الوكالة عنها إنها: «عقدت في مناخ عملي». لكن في نفس الوقت كان يطلق عروضه النارية في وجه الخليج «مضيق هرمز» في «مناورات الرسول الأعظم الخامسة»، زوارق وقطع بحرية وصواريخ وإيقاف سفن أوروبية لتفتيشها بحجة التأكد من سلامتها البيئية! كما يقول جنرالات الحرس الثوري، الحريصون طبعا على سلامة البيئة ونقاء الحياة البحرية والشعاب المرجانية الباهرة الجمال..

هذه العروض النارية البحرية موجهة بالدرجة الأولى إلى الدول المشاطئة لإيران على الضفة الأخرى من الخليج، وأقرب الدول الملاصقة لهذا المضيق هي سلطنة عمان ثم الإمارات، ومن هنا لم يكن عبثا هذه الحروب الكلامية بين الإمارات وإيران، وقديما قيل: فإن النار بالعودين تذكى / وإن الحرب مبدؤها كلام..

لا نقول إن هناك حربا، لا سمح الله، بل نقول إننا أمام حالة «تهويش» بالحرب، وأحيانا قد تحصل، من وراءا التخويف بالشيء، على مكاسب أثمن وأكبر من حصول ما يخوف به ذاته!

تاريخ إيران مع أهل الخليج تاريخ متأزم، بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم أو إيديولوجيته، منذ أيام الصفويين والقاجاريين والبهلويين وأخيرا الخمينيين. هناك حالة تطلع دائم إلى مد النفوذ إلى هذا الفضاء الحيوي، إما بسبب التمدد الطبيعي لفائض القوة أو بسبب الشعور بوجود فراغ سياسي ثقيل للسلطة، أو بسبب الشعور بأهمية اتخاذ مواقع متقدمة من باب «الأمن الوقائي» خصوصا وأن إيران الخمينية تنظر بحذر شديد، من قرب «الشيطان الأكبر» أميركا إلى حدودها، فهي تريد مشاغلته في مواقع متقدمة، وهنا أفتح قوسا للقول بأن الكره الشديد لأميركا قد يكون هو الصورة المقابلة لحب شديد، فأنت لا تكره شخصا بطريقة مبالغ فيها، إلا إذا كان قد خيب ظنك أو أحبط أحلامك فيه بشكل شديد، ومن هنا كانت فكرة عميقة لدى الانثروبولوجيين والميثيولوجيين عن أن فكرة «المقدس والمدنس» هما «وجهان لعملة واحدة».

هكذا قال لنا التاريخ، ولكن هذا لا يعني أن التاريخ ليس قدرا لا مفر منه، فالتاريخ في النهاية هو حصيلة تصرفات وعلاقات أهل الماضي، وهذه التصرفات والعلاقات والصراعات والتحالفات أفعال يقوم بها بشر تحكمهم إما مصالحهم أو عقائدهم أو ظروفهم المتغيرة باستمرار، وأهل الخليج الآن، ليسوا أهل الخليج في القديم، ليسوا عبارة عن بعير وخيمة ونخلة، وأناس فقراء وجهلة، كما يتخيل بعض «عنصريي» الجمهورية «الإسلامية»! عن سكان المنطقة، وهو ما يجعلهم يتكلمون دوما باستهتار عن مجتمعات ودول الإقليم الخليجي، مثل مستشار خامنئي، الإعلامي، شريعتمداري، فالخليج تعملق وكبر اقتصاديا وتعليميا وتفجرت طاقات سكانه، والأهم أنها دول بدأت تأخذ شكلها وصيغتها العالمية بعد مرور عدة عقود على دوران عجلة النفط، وقيام اقتصادات جديدة لا تعتمد على النفط فقط، وفي نفس الوقت هناك أيضا تحولات هائلة وعميقة تحدث في المجتمع الإيراني، ستكون ذات أثر هائل، ليس على الإيرانيين فقط، أو على سياسات المنطقة، بل على الإسلام نفسه، كدين وحضارة وفكر، فالذي يتابع الحركة النقدية الفكرية والفلسفية التي يقدمها كبار مفكري وفلاسفة التيار الإصلاحي الإيراني مثل عبد الكريم سروش، يدرك المدى الأبعد الذي ينتظر المراقبون أن يصل إليه المنطاد الإيراني.

يبقى شيء مثير للعجب فعلا في أفكار بعض العرب السياسية تجاه إيران، فكثير من هؤلاء «المناضلين»، لا يشعرون بأي أهمية لمخاوف أهل الخليج، أو تقدير لدولهم وحرمة لأراضيهم، وكأن هذه الدول بلا حرمة ولا حق في الدفاع عن أراضيها، الدول فقط هي دول الشمال أو المغرب، أما دول الخليج فهي التي يجب عليها دوما أن لا تزعج المناضلين العرب بالحديث عن مخاوفها من أطماع إيران الحقيقية فيها، كل ذلك هراء في نظرهم، وكما قال منظرهم الأكبر (الأستاذ) فهو لا يرى إلا «فراغا» ما بين إيران ومصر، كل الدول الواقعة بين مصر وإيران، وطبيعي أن دول الخليج هي المقصود الأول، ليست إلا فراغا تنصب فيه فوائض القوة الإيرانية، التي يحبها الأستاذ، أو القوة المصرية، التي ينعى الأستاذ غيابها، وبقية التلاميذ يصفقون لكلام الأستاذ، والأغرب أن بعض دول الخليج ومنابرها وفضائيتها، تشارك في حفلة التصفيق هذه للأستاذ!

موقف الإمارات تجاه إيران موقف محق وصادق وشديد الوضوح، وتصريحات الشيخ عبد الله بن زايد تحمل اللغة الخليجية التي يجب أن تقال دوما، وبشكل موحد، لإيران، لغة تقول بوضوح: «كفى عبثا»، ويمكن أن يكون هناك رد مؤثر من هذه الدول على أضرار السياسة الإيرانية، أما الكلام «الوعظي» عن الأمة الإسلامية والوحدة حول قضية فلسطين، فهذا كلام لن يسترد الجزر المحتلة أو يدفع عنا غوائل هذه السياسات الثورية الإيرانية الضارة، وما تصريحات بعض مسؤولي إيران حول البحرين وسيادة إيران عليها عنا ببعيد..

تجاه إيران، يجب أن يكون جميع أهل الخليج «في الهم شرق».

m.althaidy@asharqalawsat.com

=========================

ما تبقى من اليسار الصهيوني

أليكس ستاين

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

26 نيسان/إبريل 2010

www.commongroundnews.org

تل أبيب – إذا كان اليسار الصهيوني ما زال موجوداً، فهو سيجد نفسه اليوم في ورطة قد تحدّد مستقبل دولة إسرائيل. يتوجب عليه أن يطرح على نفسه عدة أسئلة: ما الدور الذي يمكن أن يلعبه في حل المشاكل الوجودية التي تواجه الدولة؟ كيف يستطيع المساعدة على إخراج الدولة من الاحتلال المستمر منذ 43 سنة؟ وإذا أخذنا هذا الوضع بعين الاعتبار، كيف يستطيع المساعدة على محاربة المد المتزايد من الناس حول العالم الذين يعتقدون أن إسرائيل يجب ألا تبقى على شكلها الحالي؟ وأخيراً ما الذي يجب عمله بالنسبة للتهديد النووي؟

 

يوجد إجماع نسبي في المجتمع الإسرائيلي على أنه يتوجب على إسرائيل أن تفعل ما يتطلبه الأمر لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية. إلا أن الدولة ما زالت منقسمة بالنسبة للموضوعين الأولين.

 

يستحق الأمر إعادة سرد قصة تراجع اليسار، رغم أنها معروفة جيداً. اعتقد الكثير من الإسرائيليين في تفاؤل سنوات أوسلو أن النزاع قارب على الانتهاء. ثم جاء انهيار كامب ديفيد وبداية الانتفاضة الثانية. إلا أنه في الشهور الأخيرة استأنف اليسار صراعاته التقليدية، ففي حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية على سبيل المثال يتجمّع مئات اليهود الإسرائيليين كل أسبوع للاحتجاج على سياسة الحكومة التي تسمح لليهود "بالعودة" إلى بيوتهم التي كانت ملكاً لليهود قبل العام 1948، والتي أقامت فيها عائلات عربية منذ ذلك الوقت.

 

يتوجب على كل إسرائيلي أن يفهم أننا لا نستطيع اتباع هذه السياسة بالسماح لليهود بالعودة إلى أملاك لهم قبل عام 1948، بينما نستمر بحرمان الفلسطينيين الذين هربوا أو طُرِدوا من بيوتهم خلال الحرب من هذا الحق بالذات. لذا يجب أن يُنظَر إلى الشيخ جراح على أنها "نقطة الصفر" بالنسبة لهؤلاء الذين يريدون إسرائيل أن تستمر في الوجود كدولة يهودية وديمقراطية.

 

ولكن هنا تكمن مشكلة اليسار الصهيوني: رغم أن القضايا التي يثيرها حي الشيخ جرّاح هي تلك التي يجب أن تكون على أجندة اليسار الصهيوني، فإن هؤلاء في مقدمة مظاهرات الشيخ جراح ليسوا صهيونيين بشكل محدد (أي أنهم لا يهتمون بالدرجة الأولى بالحفاظ على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل داخل حدود عام 1967)، ولا هم حتى جزء من يسار التيار الرئيس. وقد اتخذت الاحتجاجات بالتأكيد طابعاً مضاداً للصهيونية أحياناً، كما يدل الجدل المتواصل حول مكان العلم الإسرائيلي في الشيخ جراح.

 

إلا أن هذه الحقيقة يجب ألا تُعفي اليسار الصهيوني من التعامل مع القضايا الرئيسية المتعلقة بهذه الاحتجاجات الشرعية. يتوجب على مواطني إسرائيل أن يقرروا على أي طرف هم. هل نريد ديمقراطية يهودية (رغم أنها قد لا تكون كاملة) أم هل نريد أن نحكم ملايين الفلسطينيين الذين لا يريدوننا أن نحكمهم؟

 

في اليوم التالي لحرب عام 1967، صرّح بعض أعظم شخصيات إسرائيل (مثل ديفيد بن غوريون ويشاياهو ليبويتز) بوضوح أن الانسحاب من الأراضي المحتلة يشكّل لزوماً إستراتيجياً، وهو أمر ما زال يشكل لزوماً إستراتيجياً. لا يهم ما يفكر به الفلسطينيون، من هذا المنطلق. فحاجتنا لأن تكون لهم دولة هي ملحّة تماماً مثل حاجتهم لهذه الدولة.

 

تشكّل قرية بلعين خطاً أمامياً رمزياً آخراً لهذه المعركة في الضفة الغربية، حيث تقع فيها احتجاجات أسبوعية ضد جدار الفصل منذ خمس سنوات. وقد حكمت المحكمة العليا في أيلول/سبتمبر 2007 أن الجدار في منطقة بلعين يجب إعادة توجيهه. وحسب هذا الحكم يجب أن تستعيد بلعين 50 بالمائة من الأراضي التي صودرت منها في أواخر عام 2004، التي يدّعي الكثيرون أنها صودرت لتيسير التوسع الاستيطاني تحت واجهة الاحتياجات الأمنية. إلا أنه حتى هذا اليوم لم يجرِ نقل الجدار.

 

هذا هو الوضع الذي يرفض فيه الجيش، الذي يُفترض أنه حامي الديمقراطية الإسرائيلية، تنفيذ حكم المحكمة العليا. باختصار، هذا صراع أيضاً من أجل سلامة مؤسسات الدولة، لأجل الديمقراطية الإسرائيلية. إلا أنه هنا أيضاً، ينتمي العديد من المتظاهرين اليهود في بلعين كل أسبوع إلى المجموعات المعادية للصهيونية، مثل "الفوضويون لأجل الجدار" الذين يتحولون عن نظام فصل عنصري إسرائيلي (أبارثايد).

 

أين هو اليسار الصهيوني إذن؟ قد يكون أعضاؤه منشغلين يناقشون مع هؤلاء الذين يرون أنهم يسلخون الشرعية عن إسرائيل. إلا أن الضرورة الإستراتيجية بالانسحاب من الأراضي المحتلة هي أكثر إلحاحاً من لزوم مواجهة هؤلاء الذين يرفعون الشرعية عن دولة إسرائيل.

 

سوف يكون هناك دائماً هؤلاء الذين يعارضون وجود الدولة، وسوف يستغلون أحداثاً كهذه. يجب ألا نحترم معارضتهم من خلال الانخراط في مناقشتهم. هناك أنواع مختلفة من نقّاد إسرائيل. سوف يوقِف بعضهم انتقاداتهم عندما نضع حداً للاحتلال. لقد فشل اليسار حتى الآن في المساهمة بعملية صياغة نوع الدولة التي ستكونها إسرائيل. وإذا كان لليسار الصهيوني أية علاقة أو أهمية، فسوف يجدّدوا الكفاح من أجل استعادة روح إسرائيل في أسرع وقت ممكن، بدءاً ببلعين والشيخ جراح.

ــــــــــ

* يقيم أليكس ستاين في تل أبيب وهو ناشط في "محاربون من أجل السلام" ويمكن الاتصال به على البريد الإلكتروني alex.stein@task21.com. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

==========================

خطة من أوباما للشرق الأوسط فكرة جيدة

إم جي روزنبرغ

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

26 نيسان/إبريل 2010

www.commongroundnews.org

واشنطن العاصمة – ذكرت الواشنطن بوست الأسبوع الماضي أن إدارة الرئيس أوباما تفكّر في التخلي عن دعمها لمحادثات إسرائيلية فلسطينية غير مباشرة لصالح محادثات مباشرة ترتكز على خطة ستطرحها الولايات المتحدة على الطاولة.

 

إنها فكرة عظيمة. تشكّل المفاوضات غير المباشرة أسلوباً جيداً لتحقيق لا شيء. وهي تشكّل كذلك خطوة إلى الوراء من المحادثات المباشرة والتي كانت الأسلوب المتّبع لمدة خمس عشرة سنة.

 

وحسب النيويورك تايمز، ستتبع خطة أوباما خطى ما يسمى ب "أطر كلينتون" وهي الخطة التي وضعها الرئيس كلينتون خلال أيامه الأخيرة في البيت الأبيض. كان كلينتون يؤمن أن أطره تمثل مواقف يستطيع الطرفان العيش معها. آمن وما زال أن أطره وفّرت الأساس لمعاهدة سلام يمكن تنفيذها بعد المفاوضات.

 

ورغم التشاؤم السائد، يشير بحث في الأطر والمواقف التي تتخذها الأطراف أن هناك في الحقيقة تقارب أكثر من المسافة التي تُبعد ما بين الطرفين.

 

وحسب تقرير النيويورك تايمز تضم الخطة ما يلي:

 

سيتوجب على المسؤولين الفلسطينيين تقبّل عدم وجود حق العودة للاجئين من حرب عام 1948 التي أدت إلى تأسيس الدولة الإسرائيلية، أو للملايين من أحفادهم.

 

ليس الاتفاق بعيداً حول هذه القضية. يفهم الفلسطينيون ذلك، وليس لديهم أية توقعات بأن يعود ملايين اللاجئين إلى إسرائيل. فيصبح الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية مواطنين في الدولة الفلسطينية الجديدة. أما هؤلاء في الخارج فلديهم الخيار بأن يصبحوا مواطنين في تلك الدولة الجديدة. ويُسمح لعدد رمزي (بضعة آلاف) بالعودة إلى إسرائيل نفسها، بحيث يكون لإسرائيل حق رفض أي من أو جميع المتقدمين للحصول على طلبات الجنسية في إسرائيل. موقف أوباما هنا مماثل لموقف إسرائيل. تضم الأطر شرطاً يفرض على الفلسطينيين قبول نوع من التعويض. مرة أخرى، هذا هو الموقف الإسرائيلي أيضاً.

 

أما بالنسبة للمشاكل التي تبدو غير قابلة للحل، فيتوجب على الطرفين التشارك في القدس، بحيث تكون عاصمة الفلسطينيين في القدس الشرقية وعاصمة الإسرائيليين في القدس الغربية، ويوقّع الطرفان على اتفاقية دولية حول كيفية التشارك في الأماكن المقدسة في البلدة القديمة.

 

إلا أن ذلك ليس صعب التحقيق. قامت إسرائيل ومن طرف واحد بتوسيع حجم مدينة القدس بواقع 300 بالمائة بعد حرب عام 1967 بضمها عشرات القرى الفلسطينية. يجب أن تعود هذه القرى إلى الفلسطينيين. يجب التشارك بالبلدة القديمة، المقدسة عند الديانات الثلاث، وبوجود مراقبين دوليين (أمريكيين على الأرجح) لضمان بقاء القدس مدينة واحدة مفتوحة للجميع.

 

سوف يكون ذلك مقبولاً لدى بعض الفلسطينيين، رغم أن لاعبين رئيسيين مثل حماس أظهروا بعض التردد. سيعارض ذلك أيضاً اليمين الإسرائيلي المتشدد، بمن فيهم المستوطنين، وربما بعض الوسطيين الإسرائيليين. إلا أن مشاريع مثل برنامج سري نسيبة وآمي أيالون، الذي حصل على أصوات ما يزيد على أربعمائة ألف إسرائيلي وفلسطيني في وسط الانتفاضة، يعرض موقفاً مماثلاً.

 

وتنص أطر كلينتون كذلك على أن تعود إسرائيل إلى حدود عام 1967، وهي حدود ما قبل استيلائها على القدس الشرقية والضفة الغربية في حرب الأيام الستة، مع بعض التعديلات المتفاوض عليها وتبادل الأراضي.

 

تحتفظ إسرائيل، بمعنى آخر، بالتجمعات الاستيطانية المحاذية لها ولكنها تعوّض الفلسطينيين بأراضٍ في أماكن أخرى بحيث يحافظ العرب على سيادتهم على 22% مما يعتبر فلسطين التاريخية قبل حرب عام 1967، وتحتفظ إسرائيل بِ 78% من فلسطين التاريخية قبل الحرب، والتي تمثل أراضٍ خُصّصت لإسرائيل ضمن خطة تقسيم الأمم المتحدة، مضافاً إليها الأراضي التي كسبتها إسرائيل في حرب استقلالها. يبدو أن السلطة الفلسطينية تدعم هذا الموقف أيضاً، كما يُرى من تصريحات مختلفة من طرفها، كذلك بالنسبة لغالبية من الإسرائيليين.

 

أما بالنسبة للقضية الأمنية فسوف يتوجب على الولايات المتحدة وحلف الناتو توفير ضمانات أمنية لإسرائيل، ربما تضم تمركز قوات على امتداد نهر الأردن، للحد من المخاوف الإسرائيلية من قيام دولة معادية باستخدام الدولة الفلسطينية نقطة لانطلاق هجمات ضدها.

 

وكما ظهر من أوسلو، لم يوافق الفلسطينيون على وجود إسرائيلي على الحدود مع الأردن، الأمر الذي يعتبره الفلسطينيون تعدٍ واضح على سيادتهم، تماماً كما هو الحال بالنسبة لمتطلب نزع سلاح الدولة الفلسطينية. يصرّ الإسرائيليون على الأمرين، وتُوافق إدارة الرئيس أوباما على ذلك. وهناك بريق من الأمل يتمثل في الكثير من التعاون الأمني في السنوات الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويوافق العديد من الفلسطينيين، في الواقع على دولة منزوعة السلاح.

 

وأخيراً يقوم الجيران العرب مثل المملكة العربية السعودية بالاعتراف بإسرائيل.

 

لقد تم قبول هذا المبدأ في مبادرة السلام السعودية، رغم أن السعوديين لم يظهروا مؤخراً الكثير من الحماسة في مجال التطبيع. بناءاً على ذلك، تقوم كل دولة عربية في العالم بتوقيع معاهدة سلام وتطبيع في العلاقات مع إسرائيل مقابل إنشاء دولة فلسطينية في المناطق المحتلة.

 

لا يوجد في هذه اللحظة دليل على أن الرئيس سوف يتبع هذه الخطة. ولكن هناك مؤشرات على أنه قد يفكر بطرحها قبل حل النزاع مع رئيس الوزراء نتنياهو حول المستوطنات.

 

الواقع أن هذه الخطة تشكل أسلوباً لإنهاء قضية المستوطنات والتوجه فوراً ومباشرة إلى المفاوضات التي تنهي النزاع برمّته.

 

قضية المستوطنات، التي تتسبب بالتوتر الأمريكي الإسرائيلي الحالي، قضية مهمة. إلا أن اتفاقية شاملة، من حيث المنطق، ستعمل على حلها مع كافة الأمور الأخرى. يتوجّب على الرئيس القيام بها.

ــــــــــ

* إم جي روزنبرغ، مدير السياسة السابق في منتدى السياسة الإسرائيلية، وهو زميل رئيسي في السياسة الخارجية في شبكة عمل الشؤون الإعلامية وعضو في المجلس الاستشاري للشرق الأوسط في منظمة البحث عن أرضية مشتركة.

كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

=========================

مركز الزيتونة يبحث احتمالات الحرب الإسرائيلية في سنة 2010 في حلقة نقاش عقدها بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

26/4/2010

www.alzaytouna.net

مع تصاعد الحديث عن احتمالات قيام "إسرائيل" بشنّ عدوان جديد في المنطقة، عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في مقرّه في بيروت حلقة نقاش بعنوان "إسرائيل واحتمالات الحرب في سنة 2010" في 22/4/2010. وقد نظّمت الحلقة بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان؛ وحضرها نخبة من الباحثين والمهتّمين بالشأن الفلسطيني، من لبنان والأردن.

بدايةً كانت كلمة افتتاحية موجزة للدكتور محسن صالح، مدير عام مركز الزيتونة، الذي رحّب بالحضور ووضع قيد الطرح مجموعة من الأسئلة المحوريّة في هذا المجال، أولها، إمكانية لجوء "إسرائيل" للخيار العسكري؛ وثانيها، في حال تم اللجوء لمثل هذا الخيار، فعلى أية جبهة سيتم: غزة أم لبنان أم سوريا أم إيران؟ أم على أكثر من جبهة؟؛ وثالثها، نوعية الضربة المحتملة من حيث كونها حرب مواجهة أو ضربة نوعية سريعة، وماذا عن ردود الفعل حينها؟؛ مضيفاً أن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست بسيطة، وتحتاج لقراءة في عدة عوامل ومتغيرات، أولها الجبهة الإسرائيلية الداخلية، وثانيها الجبهات المعنية (فلسطين ولبنان وسوريا وإيران)، وثالثها البيئة الإقليمية المحيطة والساحة الدولية، وخاصة الموقف الأمريكي.

 

ثمّ كانت بداية الجلسة الأولى التي ركّزت على ترتيب الوقائع والمعلومات المتوفرة ضمن محاور رئيسية بحسب الجبهات المحتملة. فكانت البداية مع مداخلة مطوّلة للكاتب المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، حلمي موسى، عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث سعى موسى للإجابة عن سؤال: "هل يوجد قرار إٍسرائيلي متخذ بشن حرب على أي من الجبهات؟". موسى أوضح أن طبيعة "إسرائيل" الوجودية تختلف عن كافة الدول والكيانات الأخرى، بأنها كيان قائم على مبدأ القوة، وتربط قدرتها على الاستمرار بقدرتها على الاحتفاظ بهذه القوة؛ وبالتالي فإن من أساسيات نظرية الأمن القومي الإسرائيلي هو أن "وجود "إسرائيل" لا يحتمل تعرضها لأية هزيمة."

 

لكن موسى نبّه إلى الفارق بين الاستعداد الدائم للحرب، وبين أخذ قرار بالحرب، خاصة مع التغيرات التي تشهدها المنطقة، إن لجهة ما نتج عن حرب 2006 وعدوان غزة 2009 وتنامي حركات المقاومة، أو لجهة تغير العلاقة الأمريكية الإسرائيلية والمأزق الأمريكي الحالي في الشرق الأوسط. واستبعد موسى إمكانية لجوء "إسرائيل" حالياً للخيار العسكري تجاه أي طرف من الأطراف، وإن كانت قد تهدد بذلك كنوع من الابتزاز السياسي، غير أن الوضع الحالي -على جموده- يخدم مصالحها أكثر، فغزة لا تشكل تهديداً حقيقياًً لها، كما "إسرائيل" تسير بمخططاتها الاستيطانية التوسعية والتهويدية في الضفة الغربية والقدس. وهي نقطة أيدتها مداخلات الحاضرين، الذين أجمعوا أن "إسرائيل" لا توفّر فرصة للاستفادة من الوضع الحالي من انقسام فلسطيني وانسداد في عملية السلام.

 

وهنا كانت المداخلة المطوّلة الثانية للدكتور جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان، عن إمكانية شنّ حرب على غزة، وماهية الأهداف التي قد تدفع "إسرائيل" للقيام بضربة عسكرية شاملة ضد القطاع. أبرز هذه الأهداف، بحسب الحمد، هو الحاجة الإسرائيلية لتحقيق نصر معنوي وحفظ ماء وجهها بعد الحربين الأخيرتين؛ خاصة وأن غزة هي اليوم "الحلقة الأضعف" أو "الخاصرة الرخوة" بين الجبهات المحتملة. وأضاف الحمد أنه على الرغم من أن هذه الجبهة لا تعني كثيراً ل"إسرائيل" بالمعنى الاستراتيجي، إلا أن الجوّ العام في "إٍسرائيل" يشير إلى التهيؤ لها، سياسياً وعسكرياً، بانتظار اللحظة المناسبة، واصفاً المسألة بأنها "مسألة وقت ونضج إقليمي ودولي."

 

 

الجدير ذكره أن مداخلات الحضور تباينت بهذا الشأن، واستبعد أغلبهم إمكانية قيام "إسرائيل" بشنّ ضربة عسكرية شاملة لإعادة احتلال القطاع – كما استبعدوا رغبتها بذلك أساساً؛ ورجّحوا أن تكتفي بالضربات النوعيّة المحدودة في حال اختارت التعامل مع القطاع عسكرياً، مثل التوغلات المحدودة أو عمليات الاغتيال.

 

أما بخصوص احتمالات الحرب على الجبهة الشمالية ولبنان تحديداً، فكانت المداخلة الثالثة للعميد الدكتور أمين حطيط، الذي وصف المرحلة القائمة حالياً في المنطقة بأنها مرحلة "عرض القوة"، لكن الانتقال إلى مرحلة استعمال هذه القوة مرتبط بمسألتين أساسيتين: اطمئنان القوة المهاجمة إلى قدرتها على تحقيق أهدافها أولاً، وثانياً إلى قدرتها على توظيف نتائج الحرب لخدمة مصالحها السياسية. وفي حالة لبنان، فإن المتغيرات بعد حرب 2006 ليست في صالح شنّ "إسرائيل" لمثل هكذا حرب، خاصةً مع الإعلان الثلاثي الأخير في دمشق. وأكّد حطيط أن عملية ترميم القوة والاستعداد للحرب هي عملية قائمة دائماً في "إٍسرائيل"، إلا أن اتخاذ قرار بدء الحرب المحدد في تفصيل "متى التنفيذ" هو المؤجل، ليختم مداخلته بالقول أنّ الحرب على لبنان مستبعدة في المدى المنظور (6-16 شهراً).

 

احتمالات الحرب على جبهة إيران كان موضوع المداخلة المطوّلة الرابعة قبل فتح الباب للنقاش؛ والتي قدّمها الدكتور طلال عتريسي، وبدأها باستعراض سريع للوقائع، خاصة تلك المتعلقة بالعلاقات الإيرانية الأمريكية منذ وصول باراك أوباما للحكم، وكيف تغيرت من رغبته الأولية بمقاربة مختلفة والعودة لحوار، ليصل مرحلة التصعيد بعد الانتخابات الإيرانية، وعودة الحديث إلى "طرح كل الخيارات للتعامل مع الملف الإيراني".

 

وأضاف عتريسي أن الضغوط التي مورست على إيران فشلت، سواءً في فك تحالفها مع سوريا، أو في إرباكها ومعمعتها داخلياً؛ وأن مسألة العقوبات المطروحة للمناقشة لن تكون مجدية في ظل اعتراض الصين وروسيا على أية عقوبات جدية، مما يبقينا أمام احتمالين: أولاً، ضرب إيران عسكرياً وردود الفعل المحتملة، التي لا يمكن حالياً لأمريكا معرفتها أو الاستخبار عن حدودها: هل ستمتنع عن الرد لتبدو بصورة الضحية، أم سترد رداً محدوداً؟ أو شاملاً؟، تماماً كما لا يمكن لأمريكا المجازفة باتخاذ هكذا خطوة في ظل أزماتها الحاضرة في العراق وأفغانستان، وعدم وجود بيئة مهيأة لمثل هذه الضربة عند دول الخليج العربي.

 

والاحتمال الثاني هو التعامل "الواقعي" مع فكرة امتلاك إيران لقدرات نووية، ووضع خطوط حمر تحكم هذا الامتلاك مثل: ممنوع استخدام هذا السلاح، ممنوع نقل هذه المواد أو بيعها، ممنوع أن تصل للمنظمات "الإرهابية" إلخ... . والاحتمالان بحسب عتريسي يشيران إلى حدوث تغيّر فعلي في التعامل الأمريكي مع إيران، يدفع لحد القول باستحالة حصول عمل عسكري ضدها في ظل الظروف الراهنة؛ مضيفاً أنه حتى الضربات المحدودة مستبعدة بسبب الغموض الذي يحيط بطبيعة رد الفعل الناتج وما سينبني عليه إقليمياً ودولياً.

 

ثمّ كانت مداخلات الحضور التي بدأها النائب العميد وليد سكرية، الذي ركّز على التغيّر الذي شهدته حركات المقاومة وقوى الممانعة، وعلاقتها ببعضها البعض، مشبهاّ إياها ب"أحجار الدومينو التي إن سقط أحدها يسقط الكل". وأضاف سكرية أن أمريكا تسعى حالياً لتفكيك قوى الممانعة وعزل إيران عن العرب، وأنه في حال كانت هناك ضربة عسكرية لإيران فلن تكون من أمريكا بل من "إسرائيل"؛ متسائلاً عن مدى استعداد "إسرائيل" لمثل هذه الضربة، المستبعدة.

 

 أما بالنسبة لسوريا، فإن الحرب مع سوريا ليست من مصلحة "إٍسرائيل" لعاملين رئيسيين، أولهما أن سوريا اليوم قد طورت استراتيجيتها الدفاعية، وبالتالي قادرة على الرد نوعاً ما؛ وثانياً، وهو الأهم بحسب سكرية، أن هذا الردّ بالصواريخ سيكلّف "إسرائيل" خسائر أعلى بكثير من سوريا، سواء اقتصادياً أو سكانياً حيث أن الشعب السوري قادر على التحمل والتضحية أكثر.

 

صقر أبو فخر، الكاتب والباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نبّه إلى أنه قد يكون هناك تسرّع في استبعاد احتمال الحرب، وأن احتمال الحرب قائم نظرياً، وحتى عملياً، فإن هناك إشارات ذات دلالة ضمنها المناورات والاستخبارات الناشطة وعمليات التسلح من قبل كافة الأطراف المعنية، مما يدلّ أنه "على الرغم من ضآلتها، فإن احتمالات الحرب قائمة".

 

أمّا زميله المتخصص في الشؤون الإسرائيلية في المؤسسة ذاتها، أحمد خليفة، فأشار إلى أن جميع المداخلات السابقة استثنت من النقاش التركيب الحالي للجبهة الإسرائيلية الداخلية، ومدى تأثير ذلك على قرار الحرب. وبحسب خليفة، فإن هذا العامل له تأثير حاسم، يليه عامل آخر أيضاً، وهو العلاقة بين "إسرائيل" وأمريكا، ومدى قدرة الثانية على دفع الأولى إلى حرب أو لجمها في حال اختارت الذهاب إلى حرب.

 

الباحث الفلسطيني، وليد محمد علي، دعا إلى عدم حصر التفكير بالحرب مع "إسرائيل" بالمعنى التقليدي، فالحرب قائمة وطبيعة الحرب هو ما يختلف؛ في إشارة إلى الممارسات الإسرائيلية المستمرة من حصار غزة وتهويد واستيطان القدس والضفة الغربية، والتنسيق الأمني، وغيرها من محاولات تصفية المقاومة وإعادة صياغة اصطفافات المنطقة.

 

المسؤول السياسي لحركة حماس في لبنان، علي بركة، توسّع في مسألة النظر للأبعاد المختلفة، فأشار إلى جمود عملية التسوية، وإلى رفض نتنياهو لحل الدولتين، وإلى الموقف المصري من حكم حماس في غزة، مذكراً أن خيار الحرب ليس بالضرورة خيار حرب شاملة أو حرب إنهاء وجود، بل ربما تكون حرب بهدف الإضعاف في حالة إيران، أو حرب بهدف إسقاط حكم حماس وليس احتلال غزة مجدداً.

 

الباحث والكاتب، د. محمد نور الدين، لفت إلى أن امتلاك إيران لسلاح نووي لا يشكل بحد ذاته تهديداً وجودياً ل"إسرائيل" بسبب إمكانية استخدامه، لكنه يشكل خطراً وجودياً من حيث تهديده لطبيعة العلاقة بين أمريكا و"إسرائيل"، حيث أنّ أمريكا مع الوقت بدأت تشعر بأن حماية وجود "إسرائيل" ومصالحها لم يعد خياراً استراتيجياً في مصلحتها كالسابق، وبأن عليها البحث في الخيارات الأخرى وفي طليعتها الحديث مع دول المنطقة.

 

ثم كانت نهاية الجلسة الأولى، واستراحة تبعتها الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور جواد الحمد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان.

 

أولى المداخلات في هذه الجلسة كانت للأستاذ سهيل الناطور، الذي أعاد طرح مجموعة من الأسئلة أعلاه في محاولة لترتيب المحاور الرئيسية التي تحدد الإجابة عن سؤال احتمالات الحرب في 2010. أبرز المحددات بحسب الناطور هي: العلاقة بين أمريكا وإسرائيل؛ سيناريوهات الحرب بمعنى ردود الفعل التي قد تنبني على قيام "إسرائيل" بخطوة عسكرية تصعيدية؛ مدى تهيؤ البيئة الإقليمية والدولية للحرب؛ طبعاً إلى جانب الموقف الإسرائيلي الداخلي. وشدد الناطور في ختام مداخلته على ضرورة الانتباه لمسائل أخرى لا تقلّ أهمية عن احتمالات الحرب، مثل مخاطر بقاء الواقع الفلسطيني على حاله مما قد يؤدي إلى "تعفّنه" بحسب تعبير الناطور.

 

ثم كانت مداخلة موجزة للأستاذ تيسير الخطيب، الذي استبعد إمكانية بقاء الواقع على ما هو عليه من جمود، ودعا الحاضرين للنقاش في السيناريوهات المختلفة، وطرح للبدء بذلك مثالاً سؤال: "ماذا لو حصلت حرب على غزة؟ هل سيتدخل حزب الله؟ ومتى؟". ليؤيده بذلك الدكتور حسين أبو النمل في مداخلته التالية، حيث أبدى أبو النمل قلقه من "الإيقاع العالي الذي يتردد في المنطقة، والذي يعيده شخصياً إلى 1967، فإسرائيل ليست وحدها من يتحدث عن الحرب وتكفي نظرة سريعة على الصحافة العربية لندرك هذا الإيقاع".

 

وحذّر أبو النمل أن مثل هذا الإيقاع قد لا يكون من مصلحة المقاومة، خاصةً من حيث التركيز على إيجابيات المقاومة وسلبيات "إسرائيل"، وتجنّب الحديث عن إيجابيات "إسرائيل" وما اكتسبته وطورته بعد الحربين الأخيرتين؛ مضيفاً أن الحرب مسألة جدية وكلفتها باهظة، وأن مثل هذا الإيقاع قد يؤدي إلى تشكل رأي عام مفاده "إذا كنا أقوياء وقادرين على التصدّي لإسرائيل، لماذا لا نقوم نحن بشنّ الحرب؟".

 

أما بخصوص غزة، فذكر أبو النمل أنّ "إسرائيل" ليست قلقة كثيراً من الوضع في غزة، فهو مريح بالمعنى العملي في الظروف الراهنة، لكنها قلقة من مسألة إيران لأنها أبعد من مسألة تهديد نووي، بل ترتبط بأيديولوجيا الإسلام السياسي والإسلام الحاكم وثبات وقوة حركات المقاومة، وجميعها من المفاهيم التي تسعى "إسرائيل" وأمريكا لمحاربتها، الأولى بهدف حماية مصالحها في المنطقة، والثانية بهدف تطبيع وجودها.

 

وإلى هذا، أضاف الدكتور طلال عتريسي، ثلاث ملاحظات لأخذها بعين الاعتبار، الأولى أن وجود استعداد للحرب في المنطقة ليس بأمر جديد بل يكاد يكون "طبيعياً"، ويبقى مسألة شنّها؛ والثانية أن مسألة الحرب مرتبطة كثيراً بمدى قناعة "إسرائيل" أن الجبهة المقابلة ستكون فعلاً جبهة واحدة أم لا، حيث أن "إسرائيل" بالطبع لا ترغب بخوض حرب شاملة؛ والثالثة أنّ عبارتيّ "الظروف الراهنة" و"المدى المنظور" مرتبطة كثيراً بواقع العراق، وبإمكانية انسحاب أمريكا منه وتبعات ذلك على الملف الإيراني.

 

أمّا حلمي موسى، فتطرّق إلى مسألة دول الجوار، والمقاربة الإسرائيلية للتعامل معها، فالأردن ومصر بالنسبة ل"إسرائيل" يؤمنان لها حدودها بشكل قد لا تستطيع هي نفسها تأمينه. كما أن سوريا بمثابة "عدو تعرفه خير من عدو تجهله". وعليه، فإن "إسرائيل" ترى في جميع الأنظمة العربية القائمة شيئاً تعرفه، والبديل المجهول هو على الأرجح بالنسبة لها أسوأ بكثير. وأضاف موسى أننا عندما نقرأ الواقع نقرأه على أساس المنطق والتوازنات، ولكن يبقى جزء الطيش والحماقات وهو موجود ولا يمكن إنكاره، لكننا لا نستطيع قراءته؛ خاصة في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، حيث أنه حتى الولايات المتحدة الأمريكية اليوم صارت تركّز في علاقاتها مع "إسرائيل" على المؤسسة العسكرية لفقدانها الثقة بالمؤسسة السياسية، ولإدراكها أن الكلمة الأقوى والأكثر تأثيراً هي للمؤسسة العسكرية؛ وهذا يعود بالنقاش إلى ما طرحه البعض، أي ضرورة التركيز على مسألة التركيبة الداخلية للجبهة الإسرائيلية.

 

رئيس تحرير جريدة السبيل الأردنية، عاطف الجولاني، ربط إمكانية شنّ حرب على غزة بذكر ثلاثة عوامل تحددّ ما إذا ستكون الحرب محدودة أو شاملة، أولاً جاهزية الجانب الإسرائيلي، وثانياً البعد المتعلّق بتحمّل الثمن القانون والأخلاقي، وهو عامل جديد بعد تقرير غولدستون، وثالثاً الموقف الأمريكي والأوروبي؛ حيث تساءل عن مدى جدية الأزمة بين أمريكا وإسرائيل، وإمكانية أن تكون فعلاً بداية مرحلة جديدة من العلاقة بينهما.

 

وعمّا إذا كانت الجبهة الثلاثية (إيران وسوريا وحزب الله) ستسمح بسقوط غزة، كانت مداخلة للعميد أمين حطيط مفادها الأساسي أنّها قد تسمح بسقوط غزة عسكرياً أو كنظام سياسي، لكنها لن تسمح بالقضاء على حماس نهائياً، أي لن تسمح بسقوط غزة كقضية مقاومة وتصفيتها كما يحصل في الضفة الغربية؛ حيث أنه في حال بدت النية الإسرائيلية لذلك، فإن قوى الممانعة ستتدخل، وتدخلها سيكون عبر ذرائع ومبررات موجودة حالياً لتدخل حزب الله العسكري المباشر، مثل خروقات "إسرائيل" المتكررة للقرار 1701 ومسألة مزارع شبعا، وأداء اليونيفيل المنحاز.

 

إلا أن النائب العميد وليد سكرية، وإن اتفق مع حتمية تدخل قوى الممانعة لمنع القضاء على حماس؛ إلا أنه استبعد احتمال سعي "إسرائيل" لذلك في المقام الأول، لأن غزة لا تشكل لها تهديداً أمنياً، ولا تشكل عائقاً لأية تسوية سياسية حيث أن التسوية السياسية ليست جاهزة أصلاً؛ بل على العكس، فبحسب سكرية، فإن أية حرب قد تقوم بها "إسرائيل" على غزة ستقوم بها إما كنوع من "الهروب للأمام" أو لإثارة بعض الدخان لتغطي على ممارساتها في الضفة الغربية؛ والحرب الشاملة ستكون بالنسبة لها نوع من الانتحار.

 

وهنا أضاف موسى أن "إسرائيل" لا يهمها كثيراً من يحكم غزة، لكن يهمها أن من يحكم غزة يأخذها كثيراً في الحسبان؛ لتكون من ثمّ مداخلة للدكتور محسن صالح عن موضوع "كي الوعي" المتبادل من خلال الحربين الأخيرتين، حيث أن حركات المقاومة اليوم تختلف عنها سابقاً في كونها "تضبط نفسها بنفسها"، مستشهداً بالتهدئة القائمة حالياً في غزة وتوقف إطلاق الصواريخ، ومتسائلاً عما إذا كان ذلك إنجازاً يحسب ل"إسرائيل" أم نوعاً من "النضج" لدى حركات المقاومة ناتج عن تجربتها السياسية؟ كما علّق صالح على مسألة استغلال "إسرائيل" للجمود الحالي في الظروف لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في الضفة، بالحاجة إلى مناقشة الحدّ الذي ستتحمّله "إسرائيل" من هذا الوضع، وما هي النقطة الحرجة التي لن تسمح "إسرائيل" بعدها بتنامي قوى المقاومة وتضطّر لكسر الجمود واتخاذ خطوة ما لتغيير الوضع؟.

 

ثمّ كان ختام الجلسة الثانية، حيث شكر الدكتور جواد الحمد الحضور وأطرى على غنى الحوار "الذي أثار أسئلة كبيرة، وكثيرة؛ أكثر من الإجابات؛ وترك العديد منها معلقاً برسم الإجابة"؛ تبعه الدكتور محسن صالح بشكر الحضور أيضاً، واختتام حلقة النقاش.

============================

ملعوب أمريكي جديد

فهمي هويدي

صحيفة الرؤية الكويتيه

25/4/2010

لا أستطيع أن أفترض البراءة في الدعوة الأميركية إلى عقد مؤتمر «ريادة الأعمال في العالم الإسلامي» في واشنطون غدا وبعد غد «26 و27 أبريل».

ولدي شكوك قوية في أن الهدف الرئيسي منه هو «تشبيك» المصالح بين رجال الأعمال العرب والإسرائيليين، قفزا فوق الشرخ العميق القائم الذي يزداد اتساعا بين الجانبين.

 

لقد نشرت جريدة «الشروق» (في 19أبريل الجاري» تقريرا عن المؤتمر. فهمنا منه أن منتدى رجال الأعمال المصري الأميركي أجرى مفاوضات حول الموضوع مع مسؤولي برنامج رعاية الأعمال الذي ترعاه الخارجية الأميركية بهدف تشجيع مشروعات ريادة الأعمال ونشر ثقافة العمل الحر.

إلى هنا والبراءة ظاهرة في العملية. لكن هناك أسبابا كثيرة للشك في مقاصدها، أحد هذه الشكوك أن المؤتمر بدا كأنه من أصداء الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما من القاهرة إلى العالم الإسلامي في العام الماضي، حتى وصفه التقرير المنشور بأنه مؤتمر «أوباما لرعاية الأعمال في العالم الإسلامي»، ورغم أن هذا عنوانه، إلا أننا فوجئنا بأن إسرائيل مدعوة إليه، ضمن 17دولة أخرى غير مسلمة (مجموع الدول المشاركة 95 دولة يفترض أن يمثلها 250 شخصا).

ورغم أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، إلا أننا لم نمانع في ذلك فيما بدا، فالرئيس أوباما حين جاء إلى القاهرة في العام الماضي لكي يخاطب العالم الإسلامي نظم له لقاء مع سبعة صحافيين يفترض أنهم يمثلون ذلك العالم، وكانت المفاجأة أن بينهم صحافيا إسرائيليا. وكما هو معلوم فإنني انسحبت من اللقاء احتجاجا على هذا التوريط الذي تفوح منه رائحة الاستعباط.

هذه المرة تكرر الأمر حين رتب مؤتمر لرعاية الأعمال في العالم الإسلامي، وأقحمت فيه أو فرضت عليه إسرائيل، ولا أستبعد أن يكون إدراج بقية الدول غير الإسلامية الست عشرة قد تم خصيصا لتبرير وتغطية إقحام إسرائيلي بين الحضور.

 

من تلك الشكوك أيضا أن عملية التحضير للمؤتمر بدأت باتصالات جرت مع مصر وإندونيسيا، والأولى أكبر دولة عربية والثانية أكبر دولة إسلامية، لأن ضمان حضور هاتين الدولتين يقوي من صورة المؤتمر ويعزز مكانته. وفي الوقت الذي دعيت فيه البرازيل والنرويج وفنلندا وباراجواي، واستبعدت إيران والسودان. بما يعني أن السياسة حاضرة وأن الاختيار كان انتقائيا، وليس صحيحا أن المؤتمر كان خالصا لا لريادة الأعمال ولا لنشر ثقافة العمل الحر.

 

من الشكوك أيضا أن الرئيس أوباما لم يستطع أن ينجز شيئا مما وعد به فيما خص العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكان التعنت والاستكبار الذي مارسته إسرائيل سببا رئيسيا في إفشال جهود التسوية السياسية، فما كان من إدارته إلا أن التفت حول الفشل وسعت إلى تحقيق التواصل على الصعيد الاقتصادي، في حيلة جديدة لمد الجسور بين الإسرائيليين والعرب.

 

أضف إلى ما سبق أن فكرة مد جسور التعاون الاقتصادي قفزا فوق جوهر المشكلة ليس نهجا جديدا.

فهي كامنة في مشروع بيريز لإقامة ما سماه بالشرق الأوسط الجديد،

وكامنة وراء مشروع إدارة الرئيس بوش حول الشرق الأوسط الكبير،

وكامنة بدرجة أو أخرى في سياسة نتنياهو التي دعت إلى إقامة ما سماه بالسلام الاقتصادي مع الفلسطينيين مع تجاهل الشق السياسي.

وهو النموذج الذي تم تطبيقه في رام الله التي شجع الإسرائيليون النشاط الاقتصادي فيها، في الوقت الذي مارسوا فيه الاعتقالات والتصفيات وتهويد القدس وحصار قطاع غزة، لإقناع الفلسطينيين بأن الاستسلام لإسرائيل هو طريق التقدم والرخاء.

 

في التقرير المنشور أن 16 من رجال الأعمال المصريين سيشاركون في مؤتمر ريادة الأعمال. وأغلب الظن أن السفارة الأميركية التي اختارتهم لمست فيهم استعدادا وعدم «ممانعة» في بلع الطعم والتجاوب مع الإسرائيليين في الاقتصاد،

ولا أعرف ما إذا كان هؤلاء المشاركون وأمثالهم يدركون أن احتلال فلسطين لا يزال مستمرا ويزداد شراسة ووقاحة أم لا، لكن الذي أعرفه جيدا أن الذين يتجاهلون هذه الحقيقة يسجلون أسماءهم في قوائم الخزي السوداء، التي إذا سوغها البعض أو باركوها في هذا الزمان فلن يغفرها لهم التاريخ.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ