ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 05/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الصراع على العراق

زين الشامي

الرأي العام

4-4-2010

لا يخفى على أحد أنه ورغم نجاح العراقيين في تجربتهم الانتخابية الأخيرة، رغم ما شابها من اعتراضات ومخالفات، فإنهم ومع كل أسف مضطرون للعيش في ظل طبقة سياسية لا تليق بهم ولا تليق بالعراق وتضحياته وآلامه، وهو الدولة ذات المكانة الكبيرة والاستراتيجية في المشرق العربي.

مناسبة هذا الكلام هو السلوك السياسي لهذه الطبقة السياسية الذي عبر عن نفسه بفجاجة منذ اليوم الأول لصدور نتائج الانتخابات، وهو السلوك الذي تمثل في ارتهان السياسيين العراقيين إلى الخارج واقحام الأطراف الإقليمية في اللعبة السياسية الداخلية والصراع والتنافس على السلطة. وقد تابعنا جميعا الزيارة التي قام بها الرئيس جلال الطالباني إلى إيران في توقيت بالغ الدلالة ومتزامن مع الإعلان عن نتائج الانتخابات، وهو ما شكل صفعة للروح الوطنية العراقية نظراً لما يمثله موقع الرئاسة من قيمة معنوية عند الشعوب ترمز إلى السيادة والاستقلال والهوية الوطنية الجامعة.

صحيح أن العراق لا يزال يعاني من مخلفات النظام الاستبدادي السابق، وصحيح أنه لايزال يعيش تحت وطأة ظروف أمنية قاسية منذ إسقاط نظامه في 2003، إلا أن ذلك لا يعني تسليماً نهائياً بعجز العراق عن النهوض من جديد وتجاوز إرث النظام السابق والعقد التي خلفها عند بعض السياسيين، كذلك العمل والمساعدة على تجاوز التحديات التي تفرضها الحالة الأمنية التي شهدت تحسناً ملحوظاً خلال العامين الأخيرين رغم بعض التفجيرات هنا وهناك بين حين وآخر.

ان السياسيين العراقيين، من كتل سياسية مختلفة، الذين زاروا إيران والتقوا مع مسؤولين أمنيين وعسكريين إضافة إلى المسؤولين السياسيين بغية التنسيق والتشاور على تشكيل الحكومة المقبلة، عكسوا ارتهاناً عراقياً لإيران بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهو ما يعني أن العراق الذي شكل يوماً ما منافساً ونداً للخصم الإيراني التاريخي والذي يملك طموحات اقليمية لا تخفى، أصبح اليوم، مجرد «ساحة» ومنطقة نفوذ لطهران في قلب الوطن العربي، والجميع يعرف خطورة هذا الارتهان على أمن ومستقبل العراق كون ايران تخوض صراعاً مفتوحاً على كل الاحتمالات مع الدول الغربية بسبب ملفها النووي وطموحاتها العسكرية.

وبصريح العبارة فإن مثل هذا الارتهان من شأنه أن يحول العراق مستقبلاً إلى «ساحة كسر عظم» ما بين إيران والغرب، ويجلب معه الحرب والصراع والدم والتدهور الأمني للعراقيين وهم الذين ذاقوا الأمرّين منذ عهد الرئيس السابق صدام حسين ومع دخول القوات الأميركية 2003 واسقاطها ذلك النظام.

ان ارتهاناً كهذا من شأنه أن يثير حفيظة الولايات المتحدة التي دفعت ضريبة كبيرة من أجل العراقيين حين خلصتهم من النظام السابق، ويثير حفيظة جميع الدول الإقليمية وعلى رأسهم الدول الخليجية والسعودية في مقدمتهم، نظراً لمعرفتهم وتجربتهم مع الطموحات الإيرانية في المنطقة.

وفي موازاة السعي الإيراني لإحكام القبضة على العراق من خلال إلحاق طبقة السياسيين فيه، تسعى سورية بدورها للتدخل وقول رأيها في ما يجب أن تكون عليه الحكومة العراقية المقبلة من خلال بعض الشخصيات العراقية السياسية والعشائرية، وموقف دمشق المعارض لعودة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى الحكم من جديد بات واضحاً بسبب الاتهامات التي وجهها لها بوقوفها وراء بعض التفجيرات التي هزت العاصمة العراقية قبل أشهر قليلة من الانتخابات، خصوصاً بعد أن ذهب المالكي بعيداً في اتهام السلطات السورية ومطالبته بلجنة تحقيق دولية ومحكمة للعراق على غرار المحكمة الخاصة للبنان، وفي هذا السياق ثمة تقارير من العاصمة دمشق أشارت إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد أبلغ نظيره الإيراني محمود احمدي نجاد في لقائهما الأخير في العاصمة السورية ضرورة البحث عن شخصية أخرى غير المالكي تتولى رئاسة الحكومة العراقية.

بدورها الولايات المتحدة، التي ستخرج صيف العام المقبل من العراق، سوف لن تقبل أن تترك كل ما انجزته، للإيرانيين ليقطفوا نتائج العملية العسكرية والسياسية التاريخية التي أنهت نظام صدام حسين، وهي ستسعى بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ لمنع الإيرانيين من استخدام العراق كورقة ضدها في أي حوارات مستقبلية على البرنامج النووي أو ملفات إقليمية أخرى.

تركيا أيضاً تريد تأثيراً أقل للمجموعات الشيعية الطائفية المرتبطة بإيران، وتريد حضوراً سياسياً للسّنة العراقيين في الحكم من شأنه أن يخفف من نفوذ إيران، ويساهم في تحقيق الاستقرار الأمني في المنطقة، كما أن تركيا تجد أن من مصلحتها قيام حكومة وطنية عراقية قوية تستطيع ضبط الحدود ومنع قيام ناشطين أكراد من استغلال تدهور الدولة وشن هجمات داخل الأراضي التركية.

وتلتقي الرغبة التركية مع رغبات الكثير من الدول العربية في الخليج، التي تنظر شذراً وقلقاً للطموحات الإيرانية في المنطقة وتخشى من البرنامج النووي الإيراني الذي من شأنه في مرحلة مقبلة أن يخل التوازن العسكري والسياسي القائم ويجعل جميع دول الخليج رهينة ومهددة من قبل طهران.

ما هو مخيب في كل هذا المشهد، أن العراق الذي كان يوماً قوة كبيرة، من النواحي الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية، ويملك موارد بشرية هائلة، نقول ان ما هو مخيب، أن كل ذلك صار في مهب الريح، وتحوّل العراق إلى دولة ضعيفة تتصارع عليها دول وقوى إقليمية ودولية.

كاتب سوري

=====================

الإختبار الديموقراطي في التجربتين اللبنانية والعراقية

المستقبل - الاحد 4 نيسان 2010

العدد 3614 - نوافذ - صفحة 10

يوسف بزّي

بعد امتحان لبنان الانتخابي، وما أسفر عنه من كبح متبادل بين القوى السياسية، عدنا على ما يبدو إلى ظروف تشبه كثيراً مرحلة 1992 2004، أي مرحلة "التوافق" على طمس التناقضات لا حلها ولا الاعتراف بها. ثم جاء الامتحان الانتخابي العراقي، لنكتشف أيضاً أن العراق يعاني المعضلة ذاتها. ففي الحالين اللبناني والعراقي أتت النتيجة واحدة: انقسام المجتمع (أو الناخبين) إلى كتل طائفية متراصة نجحت كل واحدة منها في استفتائها الخاص بها، أي في إظهار ولاء كل رعية لزعيمها وفي إبراز تحصنها الذاتي ومنعتها. وهي بعد ذلك، أي بغياب الحسم والغلبة المطلقة على المستوى الانتخابي الكلي والوطني، ستسعى اضطراراً أو ارتضاءً، إلى تشكيل حكومة "شراكة وطنية"... وإلا فهي ستواجه خطر ذهاب هذه الكتل بعصبياتها إلى العنف والحرب الأهلية. وهذه الأخيرة، حسبما نعرف، سرعان ما تصير حرباً إقليمية مستترة أو معلنة.

إذاً، تخبرنا التجربتان العراقية واللبنانية، أن الديموقراطية، الوليدة في بغداد والمستعادة في بيروت، يتهددها باستمرار تخثر المجتمع في عصبيات ما قبل الدولة وما قبل الحداثة. وهو ما يبعث تلقائياً على الإحباط.

لكن، إذا نظرنا بشيء من الروية وهدوء الأعصاب إلى المشهدين اللبناني والعراقي، يمكننا القول إن ذاك "التفصيل المحرج" المتعلق بالعصبيات وتكتلها حول ذاتها، سرعان ما يتحول مع الآلية الديموقراطية من استنفار ينحو نحو الاحتراب إلى حزبية سياسية براغماتية تسعى إلى تقاسم السلطة تسووياً. وهذه، على الرغم من أنها ليست هي التطبيق الفعلي لتداول الحكم، لكنها على الأقل الطريق العملاني نحوه. وهذا ما يبعث على الأمل. ففي المقابل، وبدلاً عن ذلك، هناك الإستبداد الذي يطمس كل شيء ويلغي السياسة والمجتمع، باسم الاستقرار أو باسم مقاومة الاستعمار.

أقول ب"الأمل" مع الكثير من الحذر. فما تعلمناه في السنوات الأخيرة، وهذا ما ظهر بجلاء في مداولات مؤتمر 14 آذار في البريستول، وشهدّتُ عليه، أن من السذاجة الظن أن المسار الديموقراطي، أكان في لبنان أو في العراق، سيسلك طريقه بمعزل عن التأثيرات الهائلة الآتية من المحيط الإقليمي، الذي هو تعريفاً معاد للديموقراطية، عدا عن التأثير السام الآتي من الصراع العربي الإسرائيلي، الذي بات يغلب عليه طابع الحرب الدينية من الجهتين.

والمفارقة الكبرى، أن أكبر مثبط للتغيير الديموقراطي في المنطقة هو ما يسمونه النموذج الديموقراطي الإسرائيلي. وإلا فكيف يمكن تفسير استمرار نجاح الأنظمة العربية في تحويل غضب الشعوب وإحباطها الداخلي نحو ذاك العدو الخارجي: إسرائيل. إنها الحل السحري للهروب من استحقاق التغيير والتحديث والدمقرطة.

وإسرائيل باتت بدورها، وبمعزل عن ذاك التوظيف الانتهازي للأنظمة، عائقاً فعلياً للطموح الديموقراطي، أي طموح إعلاء قيم السلام وقيم التسامح وقيم العدالة والمساواة. إسرائيل هي اليوم، إذا صح التعبير: أكثر دول "الممانعة" ممانعةً.

إسرائيل وليست الأنظمة وحدها، هي التي ستفشل الحلم الديموقراطي، من المشرق العربي وصولاً إلى إيران، فحتى المشروع النووي الإيراني يستمد "شرعيته" الداخلية، وتأييده الشعبي بين الشعوب الإسلامية، من إفتراض فحواه أن القوة النووية الإيرانية ستكون موجّهة ضد إسرائيل.

وإذ نعود إلى العراق، نتذكر أن صدام حسين، وفي سبيل "تجديد" ديكتاتوريته بعد الحرب مع إيران، قام بغزو الكويت (وبالطبع تحت شعار "تحرير فلسطين"). في ذاك الحين اكتسبت أميركا الحكمة التالية: حلّ القضية الفلسطينية هو المفتاح الوحيد لإخراج المشرق العربي من إضطرابه التاريخي ومن الديكتاتوريات ومن العنف. وعلى أساس هذه "الحكمة" تساوى قرار تحرير الكويت مع قرار إنعقاد مؤتمر مدريد لإبتكار السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط. لكن المسار المعروف لعقد التسعينات كله أن فرص السلام انهارت جميعها، وبات الأفق مسدوداً، خصوصاً مع فشل الإنتفاضة الفلسطينية الثانية وذهاب إسرائيل من اليمين إلى اليمين المتطرف إلى اليمين الأكثر تطرفاً. وباستجابة متبادلة، شهد ذاك العقد ذروة صعود التطرف الديني الذي يؤمن بالعنف. كان كل طرف، بهذا المعنى، يقوم بتغذية الطرف الآخر.

ثم جاء التغيير الكبير في السياسات الأميركية عقب 11 أيلول 2001. تغيير حفّز - ولا يمكن إنكار ذلك - على التحول في المزاج السياسي والفكري والثقافي في المنطقة، وأتاح قدرة على طلب الديموقراطية والاستقلال في لبنان، فضلاً عن الفرصة الهائلة التي مثلها سقوط نظام صدام حسين في العراق.

لكن مرة جديدة، وفي إتجاه معاكس، ذهبت إسرائيل إلى تبني أيديولوجيا أقل ما يقال فيه أنها تفشّل قوى الإعتدال العربي ووعودها الوردية، ولا تلاقي أبداً التصور الأميركي المعلن للشرق الأوسط لا في رؤية حل الدولتين ولا في الإيفاء بمتطلبات السلام مع جيرانها، بل على العكس من ذلك شنت حرباً عام 2006 على لبنان وحرباً أخرى على غزة عام 2008. والنتيجة واحدة: معسكر الممانعة هنا وهناك هو الذي ساد وسيطر. وهو ما أعاق مجدداً التحول السلمي والديموقراطي والمدني في المنطقة.

هكذا عدنا في لبنان، وببساطة، إلى مرحلة 1992 2004. بقي العراق وحده قيد المستقبل والاحتمال الممكن لتحقيق "النموذج"، وبقي لدينا أمل آخر، يتمثّل في أن كتلة سكانية كبيرة في لبنان وفلسطين ومصر والعراق وإيران (كمجتمعات أهلية ومدنية) قد ذاقت طعم لا الانتخابات وحدها بل مذاق السياسة الديموقراطية ومذاق الحرية وقوة الإعتراض المدني والسلمي.

=====================

مآسي الفقر الخفية!

راكان المجالي

 الدستور

4-4-2010

تفتقر بلدان العالم الثالث وفي مقدمتها البلدان العربية ، الى قاعدة معلوماتية موثقة وبيانات دقيقة حول الاوضاع الاجتماعية ، وكما يبدو: فانه من مصلحة الحكومات ، عدم تبيان الحقائق بالنسبة للاوضاع المعيشية للطبقات المسحوقة والمعدمة والمحتاجة والأكثر فقرا والأقل فقرا وذوي الدخول المحدود جدا.. الخ. كما انه ليس من مصلحة الحكومات اعلان نسب البطالة بتلاوينها المختلفة.. الخ.

 

وقد لفت انتباهي في الايام الاخيرة الضجيج والصخب اللذان فجرتهما تظاهرات واعتصامات باسم عشرات الآلاف في مصر حول مستويات الدخل ، فهؤلاء يتحدثون باسم قطاع من العاملين في مؤسسات حكومية وشبه حكومية مصرية ويتقاضون رواتب شهرية مقدارها 99 جنيها مصريا أي ما هو أقل من 20 دولارا شهريا ، ونقارن الدخل بالدولار في مصر وغيرها من البلاد العربية لأن الأمر في الماضي لم يكن كذلك لأن القيمة الشرائية للجنيه المصري ، مثلا كانت فيما سلف من أيام أكثر باضعاف من القيمة الشرائية معادلة بالدولار أو العملات الرئيسية الأخرى ، ويكفي ان نتابع التقارير التلفزيونية الرسمية المصرية التي تتحدث عن ارتفاع الاسعار لنكتشف ان سعر كيلو اللحم البلدي يوازي الراتب الشهري الذي اشرنا اليه.. الخ. وكل الاسعار مولعة كما هو الحال في كل مكان من هذا العالم.

 

المفارقة في الموضوع والذي كان موضع نقاش وحوار بين وزراء وبين نواب من مجلس الشعب المصري ، ان كل الوزراء وكل النواب الذين تحدثوا في برامج تلفزيونية ، وفي مداخلات على هامش اللقاء مع اللجان العمالية المعترضة أنكروا انهم يعلمون ان هنالك في مصر من يحصل على مرتب لا يصل الى 100 دينار ، مع ان كثيرين تحدثوا مع برامج تلفزيونية افادوا ان دخولهم دون ال 99 دينارا بكثير،،.

 

وفي العديد من البرامج التلفزيونية الرسمية والخاصة يجري التعرض بشكل مستمر الى بعد اجتماعي آخر وهو كيف لاسرة ان تعيش في دخل مقداره 300 جنيه ، ويتردد دوما سؤال الى وزير المالية ورئيس الوزراء المصري: وهو تعال خذ هذا المبلغ وقل لنا كيف يمكن لعائلة ان تعيش فيه في ظل ارتفاع الاسعار ومتطلبات الحياة الحالية.. الخ.

 

نظل في مصر ، نشير الى ان محكمة القضاء الاداري يفترض ان تصدر اليوم قرارا بفرض الحد الادنى للاجور في القطاعين العام والخاص والارجح ان يكون ذلك بحدود 400 جنيه أي اقل من 70 دينارا ، وذلك يشكل حلما ل 40 مليون مصري هم نصف سكان مصر حاليا ، وهم يملكون اقل مما يملك 2% هم اغنى اغنياء مصر.

 

ونتطرق الى هذه الظاهرة تحديدا في مصر ، لأنها انفجرت في الآونة الاخيرة على السطح ، لكنها ظاهرة موجودة مع الاسف الشديد في اقطارنا وأمصارنا ، ولا بد ان الغفلة عامة في كل مكان عن حقيقة الاوضاع الاجتماعية ، وان هنالك مآسي تعصف بحياة نسبة عالية من الناس المساكين الذين لا صوت لهم.

=====================

حل الأزمة الإيرانية بالحوار لا العقاب

مازن حماد

أمضى الرئيس الامريكي باراك اوباما ساعة كاملة وهو يحاول اقناع نظيره الصيني هاتفيا بان تدعم بكين مبدأ فرض عقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي ، غير ان هذه المكالمة الطويلة لم تنجح في جر الصين الى المعسكر المؤيد للعقوبات ، لكن التنازل الوحيد الذي يمكن ان يكون الصينيون قد اقدموا عليه هو موافقتهم على بحث مسألة العقوبات في مجلس الامن.

 

ومع ذلك يجب التفريق بين الموافقة على بحث الموضوع ، والموافقة على فرض العقوبات ، حيث ان المسافة شاسعة بين الاحتمالين ، ولعل ما قاله كبير المفاوضين الايرانيين في الشأن النووي سعيد جليلي قد لخص الموقف ، وذلك عندما اكد اتفاق طهران وبكين على ان سلاح العقوبات ضد ايران لم يعد مجديا.

 

لذلك كله ، ليس صحيحا ما قالته بعض الصحف الغربية والاسرائيلية حول وجود اختراق في الموقف الصيني من الملف النووي الايراني ، فما حدث لا يزيد عن كونه نوعا من المجاملة الدبلوماسية على ضوء ضغوط شديدة مارسها الامريكيون على الصنيين طيلة الشهور الماضية في مسعى لاستمالتهم الى مربع العقوبات.

 

واذا كانت روسيا قد المحت الى موافقتها هذه المرة على فرض عقوبات "لا تؤذي المواطن الايراني" فان الصين ما زالت الدولة الوحيدة من كبار اعضاء مجلس الامن التي لا تقبل العقوبات كمبدأ ، وكدليل على ذلك ناشد وزير خارجية الصين كافة الاطراف المعنية بالازمة الايرانية التحلي بالمرونة واللجوء الى حل الازمة بالحوار والتفاوض.

 

وفي كل الحالات تحتاج العقوبات الجديد الى الاتفاق عليها اولا بين دول مجلس الامن الخمس الكبرى والمانيا ، لكن معارضة الصين لأي عقوبات ذات تأثير قوي ومعارضة روسيا للعقوبات التي تمس مصالح الشارع الايراني ، تقفان بالمرصاد لأي عقوبات قاسية.

 

من المؤكد على سبيل المثال ان موسكو وبكين ترفضان وضع الشركات البحرية الايرانية على القائمة السوداء او تجميد الاصول المالية الايرانية في الخارج او منع ايران من تصدير النفط وهذا يعني ما يعني بالتالي ان دفعة العقوبات الرابعة التي يجري التحضير لها في مجلس الامن ستكون ضعيفة وغير ذات نفع في اجبار ايران على وقف تخصيب اليورانيوم.

 

وكما تقول صحيفة "هآرتس" مثلا ، فان استبعاد العقوبات المؤثرة لا يشكل اي عزاء لأولئك الذين يحسون بالقلق لتطوير ايران تكنولوجيا نووية قد تكون قادرة على انتاج اسلحة دمار شامل.

 

ولكن تبقى هناك في كل الحالات حقيقة مهمة وهي ان ايران الخاضعة للعقوبات منذ ثلاثة عقود ظلت قادرة على انتاج بنى تحتية ضخمة للطاقة النووية ، وصنع اسلحة متطورة في جميع المجالات العسكرية مما فاجأ العالم.

ومن المشكوك فيه بعد ذلك ان تؤدي العقوبات الجديدة الى اقناع ايران بوقف برنامجها النووي ، وهو ما يستدعي القول ان الطريقة الوحيدة لحل هذه الازمة تكمن في محاورة ايران وليس في معاقبتها تارة او في تهديدها بالعمل العسكري تارة اخرى.

=====================

اسرائيل: الهروب الى الحرب

ابراهيم العبسي

Ibrahim.absi@yahoo.com

الرأي الاردنية

4-4-2010

لم يعد خافيا، ان ثمة ازمتين شديدتين وثقيلتين تعصفان باسرائيل هذه الايام،يمكن للمتابع ملاحظتهما على وجه نتنياهو وهو يتنقل امام عدسات المصورين متوترا، قلقا،غاضبا،مضطربا، ومهزوزا وكأنه على وشك الانفجار . الازمة الاولى داخلية وتتمثل في تخبط سياسات نتنياهو وسياسات اليمين الصهيوني المتطرف المشارك في حكومته الامر الذي اصاب اسرائيل بصدع غير قليل ربما من الصعب تجاوزه دونما جراح مؤلمة. فهذه تسيبي ليفني وزيرة الخارجية السابقة ورئيسة حزب كاديما تظهربعد غياب طويل هكذا على نحو مفاجىء وهي توجه انتقادات حادة ولاذعة لحكومة نتنياهو واصفة اياها بالرعونة والطيش والتخبط. وها هو حزب العمل بزعامة ايهود باراك وزير الدفاع في حكومة نتنياهو يلوح جديا بامكانية انسحاب حزبه من هذه الحكومة وتركها تغرق دونما اسف. والازمة الثانية خارجية وتتمثل في العزلة الدولية التي تعيشها اسرائيل وتوتر علاقاتها مع اقرب حلفائها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الاميركية واوروبا الغربية وغالبية دول العالم غربا وشرقا هؤلاء الذين بدأوا يلمسون مدى خطورة السياسات الاسرائيلية ليس على منطقة الشرق الاوسط فحسب ولكن على السلم والامن الدوليين، اذ قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مؤخرا دونما مواربة وهو من اهم اصدقاء اسرائيل، ان سياسات حكومة نتنياهو من شأنها اشاعة الارهاب والعنف في العالم.

 

واللافت ان هاتين الازمتين المتداخلتين والمرتبطتين ببعضهما اشد الارتباط بدأتا تلقيان بظلهما على الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي تشهد خلافات وانقسامات في الرأي العام الاسرائيلي مما لا يخفى على نتنياهو واركان اليمين في حكومته، ولذلك بدأ هذا الرجل المتطرف حد النخاع والصهيوني حد الروح والممتلىء بالحقد والكراهية على كل ما هو حق وعدل وانسانية وعدالة وسلام يفكر في مخرج من هاتين الازمتين الخطيرتين بالهروب الى الحرب الكفيلة وحدها بانهاء الانقسامات والخلافات في المجتمع الاسرائيلي والتي من شأنها ايضا كسر عزلة اسرائيل على الاقل بالنسبة لاصدقائها ومؤيديها الاميركيين والاوروبيين. اذ بدأ القادة العسكريون والاستراتيجيون في هذه الحكومة يتحدثون عن ضرية قوية اما لايران او اجتياح دموي لقطاع غزة. غير ان ذلك وان اسهم في اعادة اللحمة الداخلية لاسرائيل واسكت بعض حلفائها لبعض الوقت فانه من المؤكد سيضاعف من حجم عزلة اسرائيل في العالم، ويضاعف من حجم الغضب بالنسبة لاصدقائها الذين باتوا يعرفون بدقة خطورة سياسات اسرائيل على مصالحهم وامنهم وعلى الامن والسلم الدوليين.

=====================

أميركا اللاتينية »الموحدة« ... على الطريق !

فاوستو فرنانديس بورهي

السفير اللبنانية

الرأي الاردنية

4-4-2010

تمرّ أميركا الجنوبية حاليا بفترة فريدة من نوعها في تاريخها، حيث لا يشكك العديد من المراقبين في تأهلها لنهضة جديدة أو إعادة إحياء نهضة قديمة. فبعد غزو قوات نابليون لاسبانيا عام 1807، وتعيينه أخيه جوزيف بونابرت ملكا على تلك البلاد، تمّت قيادة المستعمرات الإسبانية في أميركا في ذلك الوقت من قبل فنزويلا والأرجنتين، اللتين استغلتا هذا الوضع لتعلنا استقلالهما، ما شكّل مؤشراًً إلى بداية حرب دموية لم تنته إلا بمعركة أياكوشو في العام 1824، حيث ألحقت القوات الوطنية، بقيادة خوسيه انطونيو سوكري، الهزيمة الساحقة بالملكييّن، رغم التفاوت العددي الساحق.

مع حصول أميركا الجنوبية على استقلالها، تجمعت في تلك اللحظة التاريخية الظروف الفعلية لبدء عملية الاندماج، الذي كان من المرجّح أن يشمل بقية دول أميركا اللاتينية. بيد أن القوى التي كانت تقود الوحدة قد انهارت، فيما عمدت الطبقات المحلية المهيمنة، والمتواطئة مع المصالح الامبريالية البريطانية، إلى تخريب المشروع المتكامل الذي أثاره كل من ميراندا، وبوليفار، وسوكري، وسان مارتين، وأوهيغينز، وغيرهم كثر.

ومن أجل ضمان هيمنتها على أميركا الجنوبية، لم تكن القوة الجديدة (بريطانيا) بحاجة إلى احتلال أميركا الجنوبية عسكرياً، ذلك أنها اكتفت بالسيطرة على اقتصادها. وبحسب المؤرخين، فقد كانت بريطانيا المرجعية الأهم في أميركا الاسبانية منذ العام 1700، فقد شاركت بفعالية في حرب استقلال القارة، حيث وفّرت المعدات العسكرية وحتى الأفراد العسكريين، ذلك لأنها كانت مهتمّة بتشديد قبضتها على السوق الأميركية، الأمر الذي كان ضرورياً لتنمية اقتصادها.

والواقع أنّه منذ ذلك الوقت، نشأت علاقة فاسدة بين الطبقات البرجوازية التجارية وملاّك الأراضي والمؤسسة العسكرية والسياسية في أميركا الجنوبية، من جهة، وبين الإمبريالية البريطانية من جهة أخرى. وقد دافعت عن هذه العلاقة على نحو كاذب تحت راية التجارة الحرة، حيث أمرت بإزالة الحواجز التجارية، ما ساهم بشكل حاسم في كبح تنمية القدرات المحلية في جميع أنحاء القارة، مع التركيز على التنمية غير المتوازنة بين مختلف المناطق.

وهكذا، فإن تحرير التجارة في منطقة تتصف بالتنمية الضعيفة أو الناشئة، أدى إلى فلاس المنتجين، مع تأثيرات جانبية مشؤومة تمثلّت بالتقهقر والتفكك الاجتماعي.

 الخلفية الاقتصادية للاستقلال كانت في وجود امبريالية هامدة ، إذ تم استبدال الامبريالية الاسبانية بأخرى جديدة، اتخذت طابعاً تحرريا وجوهراً رأسمالياً يقوم على النهب والتوسّع ، بحيث تحّول الاستقلال إلى توطيد لتحالف الدول الاستعمارية لا الى حل هذا التحالف.

لقد قطعت حركة الاستقلال في أميركا الجنوبية الروابط السياسية والإدارية مع اسبانيا، من دون أن تحدث أي تغيير في البنية الاجتماعية التي تكونت خلال الفترة الاستعمارية، والتي استمرت حتى مطلع القرن العشرين، حيث حلت الولايات المتحدة مكان بريطانيا، محوّلة هذه المنطقة، بالاضافة الى أميركا الوسطى والمكسيك، إلى «حديقة خلفية» لها.

وعلى عكس ما حدث في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث نشأت البرجوازية ليس فقط في صفوف الطبقة الحاكمة، لكن أيضا في المجتمع برمته، مارست الفئات الحاكمة في أميركا الجنوبية دور الموجه، خدمةً للمصالح الأجنبية، ما جعل هذه المنطقة تحتلّ مكانة أدنى في التقسيم الدولي للعمل، كمورّد للمواد الخام وكمستورد مزمن للسلع المصنعة.

وبدلاً من الوحدة والاندماج، جرى تقسيم أميركا الجنوبية إلى عدة دول. وقد حولت هذه الدول الجديدة الحدود إلى حواجز غير متواصلة، تحت دارة الرأسمالية الكبيرة، بحيث بقيت العلاقات في ما بينها ضعيفة، في إطار هيمنة اقتصاد الموانئ، الذي يتطلع دائما إلى الشمال ويتجاهل الجيران الأقربين.

اليوم، بدأت وحدة أميركا الجنوبية تستفيق من سباتها الطويل، فقد ساهم إنشاء اتحاد دول أميركا الجنوبية (أوناسور)، ومجلس الدفاع في أميركا الجنوبية، بالإضافة إلى العديد من مبادرات الاندماج الأخرى، ك«مبادرة الاندماج للبنى التحتية الإقليمية في أميركا الجنوبية» (IIRSA)، والبديل البوليفاري للأميركتين (ألبا)، ومصرف الجنوب، وبتروكاريبي، والشراكات المثمرة في مختلف المجالات، والنهضة المثالية البوليفارية لاندماج أميركا اللاتينية، منعطفا تاريخيا لم يسبق له مثيل، وكان من الضروري تحقيق أقصى قدر من التكامل والاندماج في عملية مستمرة تزداد في نطاق واسع ومن دون انتكاسات.

النقطة السوداء الوحيدة في هذا الأفق الواعد، كانت التعنّت الأعمى لحكم الاولغارشية الكولومبية، التي تبنت تاريخيا تغليب مصالحها الضيقة على مصلحة أميركا الجنوبية، متمسكة بامتيازات عفا عليها الزمن، وذلك من خلال التعاون الوثيق مع الامبريالية الأميركية.

وقد أدىّ ذلك إلى عرقلة تنمية المجتمع الكولومبي الذي لا يزال نظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي مشدوداً الى الماضي الاستعماري الجائر، حيث كانت للطبقات النخبوية المتأثرة بالنمط الأوروبي الكلمة الأخيرة.

وإن عدم مشروعية النظام القمعي وغير المنصف آنذاك أدّى إلى وقوع الحرب الداخلية المتفشية التي ما زالت تلقي بظلها على المجتمعات منذ أربعينيات القرن الماضي حتى اليوم. وفي هذا السياق، لم تكن السلطات الكولومبية قادرة على ممارسة السيطرة الكاملة على أراضيها، الأمر الذي استغله تجار المخدرات استغلالاً كاملاً، حتى أصبحت كولومبيا اليوم تنتج 80 في المئة من كميّات الكوكايين و20 في المئة من الهيرويين المستهلك عالميا.

وتعتبر كولومبيا البلد الأكثر عسكرة في القارة، فهي تملك جيشا مكوناً من حوالى 300 ألف جندي، إلى جانب العديد من القوات المسلحة الخاصة التي تسيطر عليها الدولة، والجماعات شبه العسكرية، ومئات الآلاف من المخبرين السريين لخدمة النظام. وتشير التقديرات إلى أن الإنفاق العسكري يتجاوز 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الكولومبي.

ويشكل قرار كولومبيا السماح للولايات المتحدة بإقامة سبع قواعد عسكرية على أراضيها، تحت ذريعة مكافحة الاتجار بالمخدرات والإرهاب، بالنسبة لأميركا تهديدا ذا أبعاد واسعة، وهو يحوّل كولومبيا إلى «إسرائيل أميركا اللاتينية»، لهذا فإنّ فنزويلا تأمل في يوم من الأيام أن يتمكن الكولومبيون بأنفسهم من إلحاق الهزيمة بهذه البؤرة المظلمة المتمثلة بالاوليغارشية الكولومبية، عبر الوسائل الديموقراطية، كما تأمل أن تتمكن أميركا الجنوبية من السير على طريق العدالة والاندماج، لما فيه الخير لشعوبها والبشرية جمعاء.

=====================

صراع الأيديولوجيات لم ينتهِ

آخر تحديث:الأحد ,04/04/2010

محمد خليفة

الخليج

أثارت مصادقة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف على العقيدة العسكرية الجديدة لبلاده انتقادات واسعة من حلف شمال الأطلسي، حيث اعتبر الحلف أكبر خطر على أمن بلاده في ظل توسعه باتجاه الحدود الروسية وقيامه بنشر منظومة الدرع الصاروخية التي من شأنها أن تقوض الاستقرار العالمي . وحدد ميدفيديف في الوثيقة سياسة بلاده في مجال الردع النووي حتى عام 2020 مانحاً روسيا الاتحادية الحق في استخدام السلاح النووي لصد أي عدوان ضدها أو ضد حلفائها، واستخدام قواتها خارج حدودها بهدف حماية مصالحها ومواطنيها والمحافظة على السلم والأمن في العالم .

 

ولعل هذه المصادقة على العقيدة العسكرية من أقوى الضربات التي توجهها روسيا الاتحادية الى الرأسمالية والمؤسسة العسكرية الغربية، باعتبار أن السلوكية الليبرالية لا تؤمن إلا بالحقيقة المادية وبالسببية الميكافيلية . إذ ترى أن القوى الغربية تهدف الى تدمير الايديولوجيات الأخرى والثورة الإصلاحية الجديدة التي تعيشها روسيا، والنقيضة للفلسفة المدرسية البرجوازية الاحتكارية، حيث تشكل السياسة الرأسمالية عاملاً نشطاً للتأثير إن كان في العمليات الاجتماعية أو السلوك البشري الفردي، فهي ظاهرة اجتماعية لها سمات مشتركة مع ظواهر أخرى مثلما لها سمات خاصة بها . وتهتم بجوهر سلطة الدولة ومحتواها وشكلها في علاقتها مع الدولة، ومكانة القانون في نظام الأصول الاجتماعية ووظائفه السياسية، والعلاقات الحقوقية، ووضع الفرد الحقوقي والتربية القانونية كجزء من التربية الأخلاقية وغيرها .

 

وتتنوع منطلقات العلماء لإدراك وتقويم دورهم في السياسة حيث إن الليبرالية ونزعة المحافظة الجديدة - هما نوعان من أنواع ايديولوجية البرجوازية الاحتكارية، ومعاديان بنفس الدرجة والنسبة للاشتراكية وللايديولوجيات غير الغربية ،التي تنتمي لمجموعة من التراكيب التي تخضع لبنية الضمير الزمانية والمكانية . وبما يستطيع الإنسان أن يسمو فوق الحدود الضيقة من التمايز الفيزيائي والذي يبرز فيها النظام السياسي من خلال مختلف المؤسسات المدنية للمجتمع، وإليها تنتمي الأنظمة السائدة في البلدان الرأسمالية المتطورة، والمكونة من تلك التفاعلات والعلاقات المتبادلة التي تتوزع بواسطتها القيم في المجتمع، وتدفع أكثرية أفراده لقبول هذا التوزيع بصورة الزامية بحيث يؤدي الى انهيار النظام السياسي كما حصل للدول الاشتراكية، ليصبح هذا الانهيار نقطة تحول تدفع بمسار التاريخ إلى اتجاه جديد .

 

فقد كان الاتحاد السوفييتي إحدى القوتين العظميين حتى السبعينات من القرن الماضي، لكنه خلال سنوات معدودة ما بين 1989 - 1991 بدأ في الانهيار وتفكك الى جمهوريات خلال عقد التسعينات بسبب عدم قدرته على الإصلاح القيمي، وتطوير ايديولوجيته الجامدة .

 

والنظام يدخل ضمن الأنظمة المكشوفة أي أنه عبارة عن نظام للسلوك يدرج ضمن الوسط المحيط المكون من عوامل فيزيائية وبيولوجية ونفسية والتي بدورها تؤثر وتتأثر في نظم كل الأفكار السياسية المعراة عن كل ما هو محسوس وخارج معقولية التاريخ، وبالرغم من أن العلماء البرجوازيين يعتقدون بإمكانية قيام علم السياسة بدور المثالية المتعالية في المجتمع المعاصر، بحيث تهيئ النور الذي يضيء علاقات سائر البشر وبأسرها وغاياتها في ذاتها في بدء وجود الإنسان، وإرادة البرهان في وحدة الطبيعة والتطور العلمي في تكوين الرأي العام، وفاعلية اللأنا التي نادى بها الفيلسوف جيه في آينيرن وتأثيره وسعيه الى جذب علماء الفلسفة والسياسة وغيرهم الى الجهاز الهندسي للفعل وخطوات التعاون المتبادل بين علماء السياسة وممثلي المؤسسات الحكومية الى عمل واع جماعي يهدف الى تشكيل نوع من المجتمع الذي يستطيع أن يوفق بين فكرة الحرية وفكرة الضرورة وذلك بواسطة فكرة المعقولية .

 

فالأفعال المعقولة حرة لأنها صادرة عن الذات، وضرورية لأنها صادرة عن مقتضيات العقل وفق العملية الديناميكية، وهذه تتم بفضل المادة الفعالة بهدف تثبيت الأسس النظرية، ومن بينها النموذج التكنوقراطي والاستشاري والبراغماتي، لكن هذه النماذج تقوم على تصورات الفلسفة الإيجابية بصدد جوهر المجتمع التجريبي الذي يجري تصويره بصفته المجتمع المنسجم تجاه الممارسة التجريبية للفكر غير المتحيز للواقع الرأسمالي، وكان يلعب دوراً نشيطاً في الصراع الطبقي متطوراً ووطنياً وشاملاً ويبحث في بناء سلطة الدولة ويعتبرها المسألة الجذرية لأية ثورة، في صورة مثالية المعرفة الديمقراطية الشفافة لجميع الهيئات والمنظمات الاجتماعية بالمباراة السلمية بين مختلف النخب المتنافسة السياسية والعلمية والدينية والايديولوجية وغيرها، وتمارس الجماهير العامة وهيئاتها التمثيلية السلطة السياسية والمصلحة المتبادلة بين الفئات المختلفة توحدها جميعاً في مجال المحافظة على نظام الدولة والهوية بين الذات أو الامتثال وبين الموضوع الذي يفسر المعرفة .

 

ويحاول العلماء وضع تصنيف الطبيعة الشافية بما يسمى بالقوة العليا، كنموذج مثالي باعتبارها الثقافة البلورالية القائمة على أساس التفاعل المتبادل والإيمان، وينظرون بمزيد من الشك الى الثقافة الآفرو-آسيوية السياسية، ويزعمون أن ثقافات الولايات المتحدة وبريطانيا السياسية تنسجمان مع الثقافة المدنية والفعالية اللا واعية والعمياء في سلوكها الآلي، والإرادة وفقاً لغايات وأغراض الفاعلية الفنية والتي تحل النزاع بين العقل النظري والعقل العملي، وتنشئ الموضوع الذي هو العقل شي واحد ولكن لا قيام للإرادة الفردية، وللأنا العملي والشعور بالحرية من دون تبادل الفعل بين الكائنات العاقلة، مما لا يمكن أن يتم إلا في نطاق عالم مختلف المواهب والمذاهب، وبما يستطيع أن ينقل حريته بقدر ما يزيد فعله وفق محاور نواميس العالم العميق، الذي أشار اليه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف بتأكيده على تنازع البقاء، وإنما أيضاً تنازع القوة والسيطرة . فالنزاع الكبير يدور في كل مكان، ومن كل الوجوه حول السيادة والنمو والاتساع حول القوة، وتبعاً لإرادة القوة التي هي إرادة الحياة .

=====================

استغلال الفرص

آخر تحديث:الأحد ,04/04/2010

عبد الزهرة الركابي

الخليج

في تقريرها الصادر في مستهل العام الحالي، اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أن العام المنصرم هو عام الفرص الضائعة والتحديات الكبرى في الشرق الأوسط في ظل ظروف أقسى لحقوق الإنسان، بعدما قُطعت وعود عدة في هذا الجانب، لكنها لم تتحقق في الغالب، وقد عكس التقرير التحقيقات المستفيضة التي أجرتها المنظمة المذكورة خلال العام ،2009 بالشراكة مع ناشطين محليين لحقوق الإنسان في أحيان كثيرة .

 

وإذا كانت الفرص الضائعة في بلدان عدة في العالم والمنطقة، هي عنوان التقرير السالف، فإن ما نريد طرحه من تساؤل هو: هل تستغل هذه البلدان هذه الفرص، وتعمد إلى استغلالها خير استغلال في العام الجاري، أم أنها ستهدرها مثلما فعلت في الأعوام المنصرمة بذرائع وحجج ما أنزل الله بها من سلطان؟

 

إن الفرص بطبيعة الحال ليست على الدوام تأتي أو تسنح حتى يتم انتظارها، بل إن الذي يريد الوصول إلى مبتغاه، فمن الواجب عليه إيجاد الفرص وتهيئتها وبلورتها .

 

وقد ظلت السياسات في المنطقة تنوء بثقل عدم استغلال الفرص الإقليمية والدولية إلى حد التراكم، الأمر الذي أدى إلى انعكاسات سلبية على القضايا المركزية والثانوية، وهي انعكاسات طاولت الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، من دون مراجعة نقدية تؤشر بشكل جدي الى هذا الخلل الطافح على سطح هذه السياسات، لا سيما وأن البعض من هذه الفرص لا يزال قائماً حتى هذا الوقت، بيد أن المؤشرات الدالة على المواقف، تؤكد عدم وجود مبادرات وطروحات عملية وجماعية لاستغلال واستثمار هذه الفرص القائمة .

 

لاشك في أن الملف النووي الإيراني والذي هو الشغل الشاغل لأوروبا وأمريكا والكيان الصهيوني، هو من أكبر الفرص للعرب، كي يثيروا موضوع الملف النووي “الإسرائيلي” بوجه أوروبا وأمريكا ومن سار على ركبهما، من واقع أن “إسرائيل” هي الدولة الوحيدة التي تملك أسلحة نووية في المنطقة، وكان من المفترض والواجب من سياسات المنطقة أن تشرع بجهود حثيثة ومواقف صلبة، للفت أنظار العالم إلى هذا الملف (المدلل) من قبل الغرب إذا صحت التسمية، ليكون هذا الملف بنفس المستوى من الإثارة لدى الغرب على وجه التخصيص، مع التنويه إلى أن هذا الغرب، بقضه وقضيضه، كان يقف وراء حصول الكيان على هذه الأسلحة النووية .

 

وبشهادة الخبراء والمراقبين في المنطقة والعالم، فإن البرنامج النووي “الإسرائيلي” يشكل خطورة على دول المنطقة، خاصةً أن كل المؤشرات تؤكِّد عسكرية هذا البرنامج .

 

ولا يخفى على أحد، أن هذا البرنامج قد بدأ عمليّاً في عام 1949 مع بداية إنشاء الكيان الصهيوني، وذلك عندما قامت وزارة الدفاع في عام 1948 بتنظيم عمليات المسح الجيولوجي في صحراء النقب من أجل التنقيب عن اليورانيوم، ووضعت مسؤولية الإشراف والرقابة المباشرة عليه لوزارة الحرب “الإسرائيلية”، وهو ما يعني أن التوجه الاستراتيجي للكيان، بالنسبة للأنظمة النووية طابعه عسكري بحت .

 

ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن هذا الكيان لديه شبكة رصد إشعاعي تغطي جميع مناطقه، بحيث تسجل المستوى الإشعاعي القاعدي، وتعطي إنذاراً مبكراً في حالة الارتفاع المفاجئ للمستوى الإشعاعي، نتيجة تسرب إشعاعي، أو بسبب وقوع حادث نووي في الداخل أو الخارج، وتوزيع محطات الرصد الإشعاعي يغطي ثلاث مناطق هي المنطقة الشمالية، والمنطقة الوسطى، والمنطقة الجنوبية .

 

ويؤكدون أن “إسرائيل” كانت ولا تزال تخطط للحفاظ على تفوقها العسكري على كل الدول العربية في الأسلحة التقليدية، فضلاً عن حيازة ترسانة من الأسلحة النووية في غياب أي تسليح نووي في أية دولة عربية، مشيرين إلى أن هناك دلالات عديدة توفرت تؤكِّد تحقيقها لحيازة ترسانة من الأسلحة النووية، يقدرها الخبراء بحوالي مائتي رأس نووي على الأقل .

 

ولهذا، فقد أصبح من الضروري والمناسب اقتناص الفرصة الدولية القائمة لتكثيف الضغط من قبل السياسات مجتمعة، على المجتمع الدولي لإجبار “إسرائيل” على فتح منشآتها النووية للتفتيش الدولي، وأن من المستغرب عدم استغلال السياسات للتقارير التي تتحدث عن مخاطر البرنامج النووي “الإسرائيلي”، في وضع استراتيجية عربية موحدة للمطالبة بإخضاع المنشآت النووية “الإسرائيلية” للتفتيش، حيث إن المجتمع الدولي لن يصغي إلى أصوات عربية متفرقة .

 

وإذا كانت الفرصة تلد الفرصة، فقد بات متاحاً أمام السياسات في المنطقة، إن أرادت ذلك، أن تضع المجتمع الدولي بين خيارين إما الضغط على الجميع، أو عدم التعامل بازدواجية المعايير .

=====================

طمئِنوا سوريا! ماذا عن لبنان؟

سركيس نعوم

النهار

3-4-2010

تعتقد مصادر ديبلوماسية عريقة جداً ومطَّلعة ان "النكسة" التي اصابت سوريا بشار الاسد في لبنان بعد اضطرارها الى سحب جيشها منه تحت ضغط اميركي واوروبي وعربي غير مسبوق دفعتها الى اتخاذ قرار بازالة آثار هذه النكسة وان اقتضى ذلك توظيف كل طاقاتها والتحول طرفاً اساسياً في المحور الاقليمي المواجه لاميركا وحلفائها العرب وحليفتها الاولى اسرائيل. وكذلك مراجعة، ليس استراتيجيتها الاقليمية وخصوصاً الشق المتعلق بلبنان، بل الخطط التنفيذية لها والممارسات التي اقدمت عليها سواء داخل لبنان او في العراق او في فلسطين وذلك بغية اكتشاف الأخطاء التي وقعت فيها والتي ادت الى نفور غالبية الشعوب اللبنانية منها وكذلك نفور غالبية الدول العربية والمجتمع الدولي تمهيداً لتصحيحها وتلافي الوقوع فيها مجدداً وتالياً التخلص من طوق العزلة الذي كان يشتد حول عنقها. هذه المراجعة تضيف المصادر اياها جرت واثمرت بداية تحوُّل وإن غير نهائي في المواقف السلبية منها التي اتخذتها جهات لبنانية وعربية واقليمية ودولية. ومما ساعد على جعلها مثمرة تطورات سلبية اعاقت جهود المحور الدولي – الاقليمي العربي "المعادي" لسوريا والمحور الذي تنتمي اليه اولا في العراق وثانياً في لبنان وثالثاً في افغانستان ودفعته الى الاقتناع بضرورة الانفتاح على بعض المحور المعادي وتحديداً سوريا سواء حداً للخسائر او تعزيزاً لفرص النجاح في المواجهة الدائرة.

متى بدأ الانفتاح على سوريا بشار الاسد؟

تلفت المصادر الديبلوماسية العريقة والمطلعة اياها قبل الجواب عن هذا السؤال الى ان المحور الدولي – الاقليمي – العربي توصل بنتيجة مراجعة للأوضاع في المنطقة بعد انسحاب سوريا من لبنان في 26 نيسان 2005 الى ان للأخيرة مشكلات كثيرة مثل كل الدول. لكن لها مشكلات اربعاً صعبة بل خطيرة بعضها حديث وبعضها "عتيق" يؤدي استعمالها بكفاية في المواجهة الى الحاق ضرر بسوريا لا يعوّض، كما تؤدي محاولة توظيفها لاستمالة سوريا او تحييدها او عودتها صاحبة "دور بنّاء" كما كان يقول الاميركيون والاسرائيليون دوماً الى تقليل خطر انفجار المنطقة وتخفيف الضغوط التي يعانيها المحور المذكور في المنطقة.

والمشكلات هي اولاً سلامة النظام الحاكم في سوريا واستقراره وديمومته. وثانياً، استعادة كل الاراضي السورية التي احتلتها اسرائيل عام 1967 (الجولان). وثالثاً، استعادة لبنان دولة تتأثر بها وتنفّذ سياستها وتدور في فلكها. ورابعاً، ازالة سيف "المحكمة الدولية" المصلت فوق رقبة سوريا من المجتمع الدولي وزعيمته اميركا سواء كان نظامها مذنباً في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري او بريئاً.

اما بالعودة الى السؤال المطروح اعلاه فان المصادر الديبلوماسية العريقة والمطلعة نفسها تجيب عنه بأن "بدايات" الانفتاح الدولي وتحديداً الاوروبي على سوريا بدأت عام 2007 وتعمقت لاحقاً في ضوء التطورات الاقليمية التي كانت ايجابية بالنسبة اليها وخصوصاً في لبنان. وكان عنوانه "طمئِنوا سوريا". طبعاً كانت وجهة هذه الدعوة لبنان او جهات لبنانية معينة. لكن وجهاتها الاكثر اهمية كانت اميركا واسرائيل والدول العربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ومصر فضلاً عن أوروبا.

اما طرق الطمأنة التي افاض في شرحها المقتنعون بها والعاملون في سبيلها فكانت عديدة. فعلى الصعيد اللبناني مثلاً تمّت الدعوة الى اعتراف، او بالأحرى الى تجديد الاعتراف الدولي وتحديداً الاميركي – الاسرائيلي "بمصالح سوريا المشروعة في لبنان". وأُضيفت الى المصالح صفات ثلاث هي السياسية والامنية والاقتصادية. وعلى الصعيد اللبناني ايضاً بدأت جهات دولية مهمة تتساءل عن جدوى "المحكمة الدولية"، لا بل سألت لبنانيين معنيين: لشو المحكمة؟ فأجابوا: لمنع العنف والاغتيالات. وكان ردها: من قال ان المحكمة تمنع كل ذلك؟ وعلى الصعيد السوري – العربي قيل لسوريا ان مؤتمر موسكو الدولي الذي سيحيي عملية السلام في الشرق الاوسط سينعقد وبتأييد من المجتمع الدولي وتحديداً كباره. وان استعادة الجولان ستكون في صدارة الابحاث. وتجاوبت سوريا وأبدت استعدادها لمفاوضات مباشرة (جديدة) مع اسرائيل كانت رفضتها في السابق. وانطلاقاً منه اشتركت في مؤتمر انابوليس الذي لم يسفر عن شيء كما هو معروف. وعلى صعيد النظام السوري عادت اميركا جورج بوش الابن عن سياسة تغييره بعدما كانت قالت: اتوني ببرويز مشرف سوري لأمشي في التغيير.

لماذا هذا الكلام الآن؟

لأن الانفتاح الذي بدأ على سوريا عام 2007 يتوسع باطراد. ولأن العزلة العربية والدولية التي كادت ان تُحكم حول رقبة نظامها انفكت. ولأنها بدأت استعادة لبنان. ولأنها تقاتل الآن وإن على نحو غير مباشر لكسر سيف المحكمة المصلت فوق رأسها. ولأن الاعتراف ب"اوراقها" المهمة وتالياً بدورها الاقليمي عاد الى العالم. وليس لأننا نتزلف اليها بعدما عادت "عزيزة مكرّمة" من اعدائها في الداخل اللبناني وفي الخارجين العربي والدولي. ولأن مصلحة لبنان تقتضي اقدامه على تفاهم نهائي معها يحفظ استقلاله وسيادته ويعترف بمصالحها. وهذا امر كان يجب ان يقوم به بعد انسحابها من لبنان في 2005 على حد قول جهات دولية مهمة جداً معنوياً وعرف عنها دائماً الاهتمام بلبنان وليس بسوريا.

طبعاً لا يعني كل هذا الكلام ان سوريا صارت في أمان وان لبنان صار جرماً ثابتاً في فلكها. فالمواجهة مستمرة بين محورها والمحور الآخر. لكن اهميتها اكبر من اهمية لبنان وقدرتها على الفعل السلبي والايجابي كبيرة. والحاجة اليها لاستقرار المنطقة ضروري. ومن شأن ذلك نجاحها في تحقيق بعض اهدافها وليس كلها شرط ان لا ترتكب "خطأ الشاطر الذي يساوي الفاً". ولا ضمان لذلك لأنها ارتكبت مثله عام 2004 وعام 2005 وأدى الى ما أدى اليه. انطلاقاً من ذلك يتمنى اللبنانيون الراغبون فعلاً في إنهاء ملف "العداء" مع سوريا ان يهتم الذين طمأنوها في العالم بطمأنتهم ايضاً، لأنهم يحتاجون الى ذلك كثيراً.

=====================

مصر وسوريا.. حتمية اللقاء وسؤال البدائل

بقلم :جلال عارف

البيان

4-4-2010

الحمد الله، مرت القمة العربية على خير .. لم تقل شيئاً، ولم تفعل شيئاً، واكتفت بترحيل كل الموضوعات المهمة إلى قمة أخرى في سبتمبر (إن عقدت) وسددت رسم العبور من قمة مارس إلى قمة سبتمبر بتخصيص خمسمائة مليون دولار لدعم الصمود العربي في القدس.

 

وكأن المال (رغم ضآلة المخصصات) سوف يرد وحده على ما طرحه نتنياهو في وجه الجميع .. بأن البناء في القدس كالبناء في تل أبيب لن يتوقف على الإطلاق ومهما كانت الضغوط !!

 

مرت القمة على خير، لا أحد كان يتوقع منها الكثير، ولا هي حققت شيئاً إلا أنها مرت بسلام وبدون خلافات حادة، وبدون مفاجآت حتى وهي تعقد برئاسة الأخ العقيد الذي تعود الرأي العام العربي على مفاجأته، مع أنه حاول على جبهتين لإحداث مفاجآت ايجابية ..

 

الأولى على جبهة المصالحة الفلسطينية وكادت تنقلب إلى مشكلة حقيقة، فبعد أن كان قد دعا أبو مازن لزيارة ليبيا قبل القمة على أمل جمعه مع خالد مشعل قائد حماس، وهو ما رفضه أبو مازن مشترطاً توقيع مشعل أولا على الورقة المصرية.

 

الأمر الذي واجهه القذافي بالامتناع عن مقابلة الرئيس الفلسطيني الذي غادر ليبيا غاضباً وكاد ألا يحضر القمة بعد ذلك، لولا وساطات مصرية وعربية ومكالمة هاتفية له من القذافي، ولولا أن القمة كانت «قمة القدس» كما قال عنوانها.

 

ومع ذلك فقد تكررت الأزمة حين لم يستقبله القذافي في المطار كما فعل مع باقي الرؤساء ولكن القذافي تدارك الأمر بعد أن كان أبو مازن على وشك مغادرة ليبيا غاضباً فور إلقاء كلمته في الجلسة الافتتاحية!

 

الجهد الآخر كان على الجبهة المصرية ؟ السورية، وشاركت فيه أطراف عربية عديدة، وكان الأمل كبيراً أن تشهد القمة اللقاء المرتقب بين الرئيسين مبارك والأسد، لولا الظروف الصحية التي ألمت بالرئيس المصري والجراحة التي أجراها في ألمانيا واضطراره للغياب عن القمة.

 

ومع ذلك فقد شهدت القمة علامات على التقارب الذي تم بين القيادتين المصرية والسورية، وكان الرئيس الأسد قد اتصل هاتفيا بالرئيس مبارك في ألمانيا مستفسراً عن صحته بعد الجراحة، كما أعلن عن استعداده لزيارة مصر، وهي الزيارة التي ينتظر إتمامها قريبا فور انتهاء فترة النقاهة للرئيس المصري .

 

وما يهمنا هنا ألا يكون الأمر مجرد تطييب للخواطر أو تجاوز للجانب الشخصي فقط من المشكلة، رغم أهمية الجوانب الشخصية في نظامنا العربي. المهم أن يكون الأمر لقاء على أسس موضوعية راسخة تستوعب ما جرى وتستعد للقادم الخطير على كل الجبهات. فقد دفع القطران الشقيقان ودفع العرب جميعا ؟ ومازالوا ؟

 

ثمن افتراق الطرق بين العواصم الثلاث التي شكلت لسنوات طويلة نقطة الارتكاز الأساسية للعمل العربي المشترك وهي القاهرة ودمشق والرياض.

 

وإذا كانت المصالحة بين السعودية وسوريا قد أنجزت أساساً استقرار الأوضاع في لبنان، فتحت الباب للتعاون في ملفات عديدة سواء في اليمن أو العراق، فإن التطورات الخطيرة في المنطقة تجعل من إتمام التوافق بين العواصم الثلاث بالمصالحة السورية المصرية أمراً شديد الأهمية.

 

فالتوافق المرتقب سوف يفتح الباب لإتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية، وسوف يقوي الموقف العربي في الصراع الذي يشتد حول مصير العراق، وفي مواجهة الأخطار الهائلة على السودان واليمن والوضع الخطير في الخليج العربي في ضوء صدام أميركا وإيران أو توافقهما.

 

إن الجهد العربي الأساسي ينبغي أن يتوجه إلى بناء القوة العربية الذاتية وليس إلى التماس الحل لدى دول الجوار، لقد كان الضعف العربي والتشرذم والانقسام عوامل أدت إلى استباحة الساحة العربية من القوى الإقليمية الأخرى لتتنازع مع القوى العالمية على تقسيم الغنيمة العربية أو الاتفاق على حسابنا.

 

ولقد جربت أطراف عربية كثيرة أن تتحالف منفردة مع القوى الأكبر إقليميا أو عالميا، ولم يحقق لها ذلك أمنها الوطني الذي لن يتحقق إلا في إطار تحالف قومي عربي حقيقي يقوم على نقطة الارتكاز المصرية ؟ السورية ؟

 

السعودية يعيد للأذهان التحالف الذي انتصر في أكتوبر، والتحالف الذي قام بعد حرب الخليج وضم دمشق والقاهرة إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي.

 

ويتدعم بانضمام قوى عربية رئيسية مثل الجزائر الشقيقة (التي أرجو أن تتجاوز الأزمة العبثية مع مصر والتي آثارها صبية الإعلام الرياضي واستغلها أعداء العروبة في القطرين الشقيقين) هكذا فقط نكون مستعدين للتعامل المتكافئ مع دول الجوار، سواء كان ذلك مع تركيا أو مع إيران أو مع جيراننا في إفريقيا الذين يستحقون منا اهتماماً أكبر بكثير.

 

وهكذا فقط يمكن أن نتعامل بجدية مع السؤال الذي طرحه أمين الجامعة العربية على القمة الأخيرة حول البدائل التي نملكها في حالة فشل محاولات السلام مع إسرائيل، وهو السؤال الذي نطرحه ويطرحه غيرنا منذ سنوات، ويتهرب من الإجابة عليه الجميع داخل القمة وخارجها.

 

لأنهم يعرفون أن البدائل ليست عند القوى الكبرى، ولا عند دول الجوار بل نصنعها نحن حين نبني قوتنا الذاتية ونستعيد القرار المستقل ونملك القدرة على حماية أمننا القومي.

 

ولا نكتفي بترديد معزوفة أن السلام هو خيارنا الاستراتيجي والوحيد، جاهلين أو متجاهلين أن الضعفاء لا يصنعون السلام ولا يستحقونه.

كاتب صحفي مصري

=====================

المشهد العربي بين الجوار والحوار

بقلم :ممدوح طه

البيان

4-4-2010

لم يكن المشهد العربي الرسمي في عقد من العقود بمثل هذا الوضوح الكاشف الذي ظهر في سنوات العقد الأخير، خصوصا مع انعقاد كل قمة عربية.

 

وهو الذي بدا بانقساماته السياسية العلنية والمخفية حول الاستجابة المواجهة لكل تحد من جانب عدو أو حول التجاوب الإيجابي مع كل مشروع من جانب شقيق أو صديق، انعكاسا لواقع تقسيمه قطريا على الخريطة الجغرافية بقصد تهشيمه وتهميشه قوميا على الخريطة السياسية.

 

هذا الانقسام الرسمي حول المبادئ الأساسية بمرجعياتها الإسلامية والعربية ولد انقساما بين الأجزاء حول المصالح المشتركة فولد انقساما في الرؤى والسياسات غلبت مصالح الجزئي على الكلي والقطري على القومي، بما أضعف الجزئي والكلي والقطري والقومي معا، وغيب المشروع العربي الاستراتيجي المشترك..

 

الأمر الذي غلب عليه المشاريع الصهيونية والأميركية بما فرض عليه التفاوض المسالم والتفاوض مع الأعداء، ورفض التكامل والتعاون مع الأشقاء، والمشاحنة ورفض التحاور مع الأصدقاء!

 

وهو اختلال استراتيجي خطير انعكس بكل تأكيد على معادلات القوى إقليميا ودوليا ويخصم من قوتنا ووزننا وتأثيرنا في المنطقة والعالم لنيل حقوقنا وانتصارا لقضايانا، بقدر ما يضيف لقوة ووزن وتأثير عدونا عدوانا على حقوقنا وتهميشا لقضايانا.

 

وهو ما ينبغي الوعي بخطورة استمراره والسعي إلى تصحيح الاختلالات في موازين القوى والسعي إلى إعادة صياغتها برؤية استراتيجية جديدة تقوم على وقف مسلسل المزيد من الانقسامات السياسية والتقسيمات الجغرافية والطائفية والمذهبية وتوحيد الرؤى وحشد الطاقات العربية والإقليمية الإسلامية والأفريقية.

 

من هنا كان التجاوب العربي لرؤية الطيب أردوغان الاستراتيجية بلسان غير عربي مثل قوله «إن القدس هي قرة عين كل العالم الإسلامي، ولا يمكن قبول اعتداء إسرائيل على القدس والأماكن الإسلامية إطلاقا» .

 

ولهذا لم يكن غريبا ذلك التصفيق الحار الذي حظي به رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من قادة الدول العربية قبل وأثناء وبعد إلقائه كلمته الشجاعة غير المكتوبة في افتتاح القمة العربية في سرت.

 

ولا تلك التعليقات الصحافية العربية التي أشادت بالخطاب السياسي الرسمي التركي وعكست إلى حد كبير التجاوب الشعبي العربي والإسلامي الأكبر والأكثر حرارة للخطاب التركي، إلى الحد الذي جعل بعض التعليقات تصف أردوغان بأنه كان «العلماني الأكثر إسلاما والتركي الأكثر عروبة»!

 

وربما أهمية الإشارة إلى ذلك تنبع من أنها من المرات النادرة لتوافق الرسمي مع الشعبي بدرجة كبيرة مع قليل من التحفظ حول خطاب سياسي غير عربي.

 

لم يسبق مثله بدرجة أقل وبكثير من التحفظ إلا مع الخطاب السياسي الأميركي للرئيس أوباما في جامعة القاهرة في رسالته إلى العالم الإسلامي التي بشرت بالتغيير النظري في الموقف الأميركي ولكن دون تغيير عملي على الأرض حتى الآن!

 

وما حدث من تجاوب رسمي وشعبي عربي مع خطاب أردوغان في قمة سرت وفي أكثر من محفل دولي آخر، سبقه في المقابل تجاوب شعبي وتحفظ رسمي على خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز.

 

وعلى مواقف الزعيم السياسي البريطاني جورج جلوي تجاه دعم القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب الأولى الذين هم الأولى بالدفاع عنها قولا وفعلا قبل غيرهم.

 

وإذا كان لتجاوب ما هو رسمي مع أقوال أردوغان يعكس أن ما عبر عنه من رؤى عكس إلى حد كبير ما هو كامن في عقل معظم القادة العرب لكنهم لم يفصحوا عنه بهذا القدر من الوضوح والتلقائية والحرارة.

 

غير أن تجاوب ما هو شعبي وإعلامي عربي كان يعكس نوعا من الإحباط لغياب تلك الرؤى الواضحة في أقوال بعض القادة، وغياب ترجمة ذلك في قرارات معظم القادة .

 

ورغم أن آمال الجماهير العربية لم تجد صداها بقدر كاف في قرارات قمة الجماهيرية، حيث كانت تنتظر استجابة عربية على قدر التحدي خصوصا إذا تجاوز هذا التحدي ما هو وطني إلى ما هو عربي وما هو عربي إلى ما هو إسلامي.

 

وما هو إسلامي إلى ما هو إنساني بقرارات قوية في مواجهة الاستخفاف الإسرائيلي بالشعب العربي بممارسة العدوان والاستيطان والتهويد والتهديد، إلا أن نتائج القمة لم تكن خالية من الإيجابيات الفكرية والأفكار الاستراتيجية.

 

أهمها تأكيد أن لا مفاوضة مع الاستيطان والاعتداء على المقدسات، ولا سلام إلا بإنهاء الاحتلال للأراضي العربية، وإلا بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة. لكن الأهم هو التنفيذ.

 

لقد كان من بين الاستثناءات الإيجابية في تلك القمة هو اعتراف رئس القمة السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني بأن النظام العربي يواجه خللا تنبغي معالجته، الاعتراف بالمشكلة يساوي نصف الطريق إلى الحل.

 

وأيضا تحذير الزعيم الليبي معمر القذافي بأن الجماهير العربية لا تنتظر من القمة أقوالا بل أفعالا أكثر وكلمات أقل وأن النظام العربي رسما في موقف لا يحسد عليه ولهذا لابد لقرارات القادة أن تلبي طموحات الجماهير.

 

وكان من الإيجابيات أيضا إعادة طرح مشروع «الاتحاد العربي» على لسان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، واتصالا بها الرؤية الليبية لبناء هذا الاتحاد المطلوب.

 

وكان على قدر كبير من الأهمية المقترحات البناءة للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وأهمها «رابطة الجوار العربي»، ودعوته للبدء بحوار عربي إيراني لأنه لا حوار إلا بين المختلفين بهدف انهاء الخلاف. خصوصا إذا كانوا أشقاء وجيران ومصالحهما مشتركة.

 

وربما انتهى إلى ما انتهت إليه الكلمات في انتظار الأفعال، بتأكيد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن إحباطه لما شاهده في غزة والضفة الغربية والقدس المحتل.

 

وإدانته لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي ووصفه لإجراءاتها بالبطلان، ودعوته العالم إلى إنهاء الحصار «الظالم» على قطاع غزة.

 

لكن الأهم هو قوله للقادة العرب «إن تاريخكم، وعضويتكم، وتنوعكم، تشكل موارد قوية تمكنكم من المساعدة على حل بعض أكثر مشاكل العالم تعقيدا».. فما بالنا مازلنا دون مستوى حل قضايانا؟!

كاتب مصري

=====================

العراق بين الخضوع لإيران والحوار العربي معها

الأحد, 04 أبريل 2010

حسن أبو طالب *

الحياة

في قمة سرت لم ينل اقتراح عمرو موسى بإنشاء رابطة مع دول الجوار غير العربية الكثير من النقاش. جوهر الاقتراح ليس جديداً، فبغض النظر عن الاسم، فالهدف منه هو ايجاد آلية لتنظيم الحوار، ربما تكون في صيغة منتدى دوري وغير رسمي أيضاً، بين العالم العربي تحت مظلة الجامعة العربية، وبين دول الجوار الجغرافي إزاء القضايا المشتركة.

معروف أنه بعد غزو الولايات المتحدة للعراق في آذار (مارس) 2003 واحتلاله، وما رافقه من تصاعد أسهم عدد من القوى الإقليمية، كإيران وتركيا، على حساب الضعف والتردي العربي، طرح عمرو موسى فكرة عضوية مراقب للقوى الاقليمية، كمدخل لتنظيم العلاقة مع هذه القوى وللحفاظ على ما يمكن تسميته بالمصالح العربية الجماعية. وكشأن الاقتراح الأخير الذي قدم في القمة العربية في سرت أخيراً، لم ينل اقتراح عضوية مراقب أية مناقشة جدية. ولعل الاستطراد هنا يتطلب التذكير بأن هذه الفترة - قبل غزو العراق وبعده مباشرة - شهدت تطبيقاً لاقتراح تركي تمثل في عقد لقاءات الحوار الاقليمي في شأن العراق والذي ضم الدول المجاورة له إضافة إلى مصر، وكان من أهم مبادئه الحفاظ على الوحدة الإقليمية للعراق وبالتالي عدم قبول تقسيمه كما كان مطروحاً أميركياً آنذاك.

لماذا هذه القصة التي تجمع بين أمرين يفرق الزمن بينهما بما يقرب من ثمانية أعوام؟ ثمة أسباب عدة، لعل أولها أن ما يجري في العراق منذ الاحتلال الأميركي له لم يعد شأناً عراقياً بحتاً. صحيح أن رئيس الوزراء نوري المالكي في آخر تصريحاته نفى أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة يتم على أرض غير أرض العراق. ولكن الصحيح أيضاً أن الأمور في العراق لا تُدار بهذا الشكل الوردي، إذ كل طرف داخل العراق موصول بالخارج الاقليمي والدولي بدرجات مختلفة. وثانيها أن ايران والولايات المتحدة من بين الدول الأكثر تأثيراً في الشأن العراقي. وإذا كان ثمة فضل للولايات المتحدة في تبديل هيمنة البعث في العراق إلى تعدد الكتل الانتخابية، فإن فضل إيران إن كان ثمة فضل فهو مساندة كتل وطوائف وشخصيات عراقية بعينها بكل قوة إلى درجة الهيمنة أحياناً والسيطرة المباشرة أحياناً أخرى والتعاون المتقطع أحياناً ثالثة.

وثالث الاسباب أن الهيمنة الإيرانية على بعض ساسة العراق وتكتلاتهم الحزبية هي جزء من استراتيجية إيرانية بعيدة المدى تتعلق بالمواجهة الجارية مع الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب وبممارسة النفوذ على الإقليم انطلاقاً من الأرض العراقية من جانب آخر. كما أن إيران تتحسب كثيراً للحظة التي ستلي انسحاب معظم القوات الأميركية، ويهمها أن تكون حكومة العراق التي سترث هذا الانسحاب، ليست صديقة وحسب، بل شريكة إن لم تكن عميلة.

رابعاً: ان بعض الدول العربية التي لديها قدر من النفوذ في الداخل العراقي تتحسب في الاعلان عنه أو إظهاره، فيما عدا سورية. ولذا لم يكن غريباً أن يذهب وفد "الائتلاف الوطني" وعماده حركة مقتدى الصدر الشيعية إلى دمشق ليعلن موقفه من طريقة تشكيل الحكومة الجديدة على أن لا يستبعد منها أي طرف فائز من الاطراف الاربعة الكبرى، وهي زيارة لا تخلو من رسالة للداخل وللخارج، فالائتلاف كان أرسل وفداً سابقاً إلى طهران، وهذا هو الوفد الثاني إلى دمشق، وربما نرى وفوداً أخرى تذهب إلى بلد عربي أو أكثر. والمعنى هو أن "الائتلاف الوطني" يتبع سياسة متوازنة بين العرب وإيران.

هذه الأسباب الأربعة وغيرها تجعل من عملية تشكيلة الحكومة العراقية الجديدة شأناً صراعياً بالمعنى الإقليمي وليس فقط شأناً عراقياً. فإذا كان اياد علاوي يصر على حقه في تشكيل الحكومة باعتبار أنه الفائز الأكبر، فإن المالكي تراجع بدوره عن أولوية ائتلافه إن تحالف مع تكتلات اخرى لتشكيل الحكومة بعيداً عن علاوي، وطرح مبدأ الشراكة بين الجميع.

وإذا كان التدخل الايراني مفهوماً ومُعلناً يصبح السؤال المثار: أين التدخلات العربية؟ اليقين أن هناك تدخلات عربية ولكنها ليست لا بالقدر ولا بالآليات التي تستخدمها إيران أو حتى تركيا للحفاظ على مصالحهما العليا. واليقين أيضاً أن المصالح العربية في العراق هي مصالح مشروعة وتاريخية وذات جذور عميقة، وأن العراقيين من السنّة والشيعة الذين يتمسكون بعروبة بلدهم وتعدديته الطائفية المتجانسة والمتناغمة في ظل المواطنة، ويرنون إلى دور عراقي فاعل في إطار الأمة العربية مدعوماً بدور إيجابي ونشط في إطار الأمة الإسلامية، هم الآن في موضع دفاع استراتيجي يهدف إلى الحفاظ على الذات بالدرجة الأولى في مواجهة هجمة إيران والمتعاونين معها. وهو ما يثير بدوره تساؤلاً آخر حول كيف يدعم العالم العربي هؤلاء المتشبثين بعروبتهم وهويتهم الحضارية؟ الأمر الذي يعيدنا مرة أخرى إلى قصة اقتراح عمرو موسى امام قمة سرت التي تصدرت هذا المقال.

لقد قيل أن الوقت غير ملائم للحوار مع إيران، حيث تندفع بالتدخلات غير المشروعة في شؤون عربية مختلفة. هذا الرفض لا يحقق فعالية عربية مضادة لما يمكن وصفه بالسياسات الهجومية الايرانية تجاه العراق والمنطقة. وفي الآن نفسه يجب عدم تجاهل الحوار المتواصل مع أكراد العراق ولكن بما لا يؤثر على وحدته الإقليمية أو على استقراره الاجتماعي. وإذا كان جلال طالباني الذي لم يحقق حزبه في الانتخابات الاخيرة نتائج مهمة، ما زال يسعى للبقاء في منصب الرئيس مقابل أن ترضى عنه إيران من خلال تشكيل تحالف بين ائتلاف "دولة القانون" والكتلة الكردستانية، فمن المهم أن يعرف أن هذا التصرف يضر به وبتاريخه ويضر باستقرار العراق وأمنه، ويفتح الباب مشرعاً بلا قيود أمام نفوذ إيراني يعرف الجميع مدى خطورته على مجمل الاوضاع العراقية.

وإذا كنا نحبذ حواراً عربياً عراقياً كردياً، ونضعه في المرتبة الاولى، ومصلحتنا هي في تشكيل حكومة عراقية متوازنة وغير خاضعة إلا للمصلحة العراقية العليا، فهذا لا ينفي أن هناك حاجة إلى حوار منضبط مع كل جيران العالم العربي بما في ذلك إيران. هذا الانضباط يعني ببساطة أن تدرك إيران أن سياستها الهجومية ستنقلب عليها، وأنه لا يصح إلا الصحيح.

وعليه فإن السلطة والثروة في حكومة الاحتلال الخامسة القادمة التي ستشكل ملامح العراق ومستقبله السياسي ستكون من نصيب أحد المعسكرين اللذين يخوض كل منهما الانتخابات بشراسة وكالة ونيابة إما عن إيران التي وضعت كل ثقلها خلف الائتلاف الطائفي الذي يقوده "المجلس الأعلى"، وأعادت بناء الاصطفاف فيه بالترغيب والترهيب بعد تفككه، وأجبرت الخارجين عنه على العودة إلى بيت الطاعة الإيراني وفي مقدمهم التيار الصدري وحزب "الفضيلة"، أو الولايات المتحدة التي ترغب في تقليص نفوذ إيران في العراق، وترك حكومة موالية لها لتأمين انسحابها وضمان مصالحها في العراق والمنطقة. لذا فهي تتبنى كتلة وتحالف إياد علاوي - صالح المطلك، وكتلة وزير الداخلية الحالي جواد البولاني الذي يحظي بتحالف ودعم "الصحوات".

وفي السياق المتعلق بدوافع ناخبي "القائمة العراقية"، تحضر في شكل أساسي طبيعة القائمة من حيث التشكيل، في ظل محدودية الخيارات الأخرى. ذلك أن تزعم علاوي للقائمة لم يكن يعني الكثير بالنسبة الى الناخبين، إذ تتقدم في وعيهم الثقة بخيارات الرموز السنّة الذين انضموا إليها، وعلى رأسهم - بل أهمهم - أسامة النجيفي الذي يحظى بشعبية كبيرة في الموصل ظهرت على نحو واضح في الانتخابات المحلية قبل عام ونصف عام، حيث حصدت قائمته "الحدباء" معظم مقاعد المحافظة، كما تأكدت في هذه الانتخابات، حيث منحت الموصل للقائمة "العراقية" النسبة الثانية من المقاعد بعد بغداد.

إلى جانب النجيفي، هناك صالح المطلك الذي حصلت مجموعته على شعبية أكبر إثر استبعاده من الترشيح بدعوى انتمائه لحزب البعث، وكذلك حال الخارجين من الحزب الإسلامي مثل طارق الهاشمي الذي ارتفعت شعبيته بعد تصديه لمسألة المهجرين في قانون الانتخاب، ومعه رافع العيساوي وآخرون بينهم شيوخ عشائر.

* كاتب مصري

=====================

احذروا هذا البديل الإسرائيلي لحل الدولتين

بلال الحسن

الشرق الاوسط

4-4-2010

بدأت تخرج من إسرائيل تباعا، خطوط مسرحية جديدة، قد يبدأ طرحها علنا في إطار مشروع التسوية العربية - الإسرائيلية. وتحاول الخطة جاهدة أن تنقل إسرائيل من إطار دولة معتدية ومحتلة، إلى إطار دولة شريكة مع الدول العربية، في إعادة تنظيم استراتيجية للمنطقة بأكملها، تشبه خطة سايكس - بيكو التي دمرت وحدة المنطقة العربية في مطلع القرن العشرين. تضع الخطة إسرائيل في قلب المنطقة العربية، بموافقة ومباركة ومشاركة من دول عربية، وبرعاية دولية أميركية وأوروبية وروسية.

بطل الخطة الإسرائيلية العلني هو اللواء احتياط غيورا آيلاند، الذي كان رئيسا لقسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، كما كان رئيسا لمجلس الأمن القومي. وهو أيضا الشخص البارز في مؤتمر هرتسليا السنوي الذي يناقش ويقترح خطط إسرائيل الاستراتيجية، وفي المقدمة منها خطط الترانسفير للفلسطينيين المقيمين في أرض وطنهم تحت حكم دولة إسرائيل، لتحقيق «يهودية» دولة إسرائيل.

أما بطل الخطة السري، فهو العالم الجغرافي الإسرائيلي يوشع بن آرييه، الذي كان سابقا رئيسا للجامعة العبرية. وقد صاغ هذا العالم ما يسميه «خريطة عامة لحل إقليمي للنزاع العربي - الإسرائيلي»، ثم جاء اللواء غيورا آيلاند، وبما له من نفوذ داخل الجيش الإسرائيلي، وداخل القطاع السياسي الإسرائيلي، فتبنى الخطة، وبدأ يروج لها.

الترويج للخطة قديم يعود للسنوات الأولى بعد عام 2000، الذي شهد فشل مفاوضات كامب ديفيد بين ياسر عرفات وإيهود باراك. ولكن بروزها من جديد يرتبط بالأزمة السياسية القائمة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فقبل أيام نشر غيورا آيلاند مقالا في صحيفة «يديعوت أحرونوت» (31/3/2010)، أوضح فيه أن الولايات المتحدة الأميركية، وبخاصة التيار الديمقراطي فيها، تبنى منذ عام 2000 اقتراح إنشاء دولتين، دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وذلك حسب خطة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، التي أعلنها قبل نهاية عهده بفترة وجيزة. هنا يقول آيلاند: «إن فكرة الدولتين، هي في نظر كل إدارة أميركية، وبالتأكيد ديمقراطية، اسم سري لخطة كلينتون جوهرها فكرة الدولتين.. وقبل نحو أسبوع قرر أوباما عدم الاكتفاء بالاسم السري، والتأكد من أن نتنياهو يفهم ويوافق على أن تأييد (الدولتين) معناه تأييد خطة كلينتون».

نتنياهو طبعا يرفض خطة الدولتين، ويرفض خطة كلينتون، وهنا يتقدم غيورا آيلاند إلى واجهة المشهد ليعلن أنه هو أيضا لا يرى فائدة من حل الدولتين، حيث سيستمر من خلالها الصراع بسبب تصادم شروط الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، ويتقدم باقتراح «استراتيجي» خاص به، جوهره تبادل الأراضي جغرافيا بين إسرائيل والضفة الغربية ومصر والأردن.

كانت هذه الخطة قد طرحت داخل إسرائيل، ونوقشت في الأوساط العسكرية والسياسية بدءا من عام 2000، وبخاصة بدءا من عام 2004، حين طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون فكرة الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، فتقدم آيلاند ليقول إنه موافق على الخطة، شريطة أن نقرر ماذا بعد ذلك، أي أن يكون الانسحاب من قطاع غزة جزءا من خطة إسرائيلية أشمل، ويبلور حلا إقليميا مدعوما عالميا، وهو ما لم يحدث على أرض الواقع.

خلاصة الخطة كما يراها ويروج لها آيلاند هي كما يلي:

أولا: أن تنقل مصر إلى قطاع غزة، مناطق من سيناء، مساحتها 720 كيلومترا مربعا، وهذه الأراضي عبارة عن مستطيل ضلعه الأول يمتد على طول 24 كيلومترا على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غربا حتى العريش، وبعرض 20 كلم داخل سيناء. إضافة إلى شريط يقع غرب «كرم سالم» جنوبا، ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر. وتؤدي هذه الزيادة إلى مضاعفة حجم قطاع غزة البالغ حاليا 365 كيلومترا مربعا إلى نحو ثلاث مرات.

ثانيا: توازي مساحة 720 كيلومترا مربعا نحو 12 في المائة من أراضي الضفة الغربية. ومقابل هذه الزيادة على أراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12 في المائة من أراضي الضفة الغربية التي ستضمها إسرائيل إليها، شاملة الكتل الاستيطانية الكبرى، وغلاف مدينة القدس (وحاليا القدس نفسها حسب سياسة نتنياهو).

ثالثا: مقابل الأراضي التي ستتنازل عنها مصر لتوسيع قطاع غزة، ستحصل من إسرائيل على منطقة جنوب غربي النقب، توازي «تقريبا» مساحة المنطقة التي ستتنازل عنها، وبعد ذلك تسمح إسرائيل لمصر بارتباط بري بينها وبين الأردن، من خلال حفر قناة بينهما، وستمر القناة التي يبلغ طولها نحو 10 كيلومترات من الشرق إلى الغرب، على بعد 5 كيلومترات من إيلات، وتكون خاضعة للسيادة المصرية.

وبعد إيراد هذه الأسس للخطة، يبدأ آيلاند في إيراد ما يسميه الفوائد الضخمة التي سيكسبها كل طرف من الأطراف، وستشمل هذه الفوائد، حسب عرضه، إسرائيل ودولة فلسطين ومصر والأردن.

وقد قام آيلاند في شهر فبراير (شباط) الماضي بعرض هذه الخطة مفصلة في دراسة (وثيقة) أعدها لصالح مركز بيغن - السادات للدراسات لاستراتيجية، الذي يعمل داخل جامعة بار إيلان التي تعتبر مركزا لإنتاج الفكر اليميني الإسرائيلي، وفي تصوره أن تقدم للرئيس أوباما، لتصبح مدار بحث جديد، بديلا لفكرة الدولتين، وبديلا لخطة بيل كلينتون.

وكان آيلاند قد طرح هذه الخطة على الإدارة الأميركية عام 2004 بعد أن سمح له شارون بذلك، فقام بزيارة إلى واشنطن، حيث طرح الخطة على نظيرته كونداليزا رايس حين كانت رئيسة لمجلس الأمن القومي الأميركي، فاستدعت مساعديها وجلسوا جميعا للاستماع إلى محاضرة آيلاند التفصيلية. كما قام آيلاند بعرض الخطة على يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق، وعلى جهات أوروبية أخرى. وتقول صحيفة «معاريف» (7/5/2004) إن الخطة عرضت سرا على بعض الشخصيات العربية.

وآنذاك.. كانت الخطة، أن تبدأ إسرائيل بالانسحاب من قطاع غزة، وأن تخلي مستوطنات القطاع بالكامل، على أن يرتبط ذلك بتطبيق بنود الخطة الأخرى. ولكن شارون، وبمباركة أميركية، نفذ الخطوة الأولى، تاركا بنود الخطة الأخرى للبحث والنقاش والتداول.

وآنذاك أيضا.. كان آيلاند يتصور ويقترح، أن يبرز مشروع خطته هذا، كمشروع تقترحه أوروبا، ثم تأتي إسرائيل لتوافق عليه، ويأتي بعدها الشركاء الأساسيون: مصر والأردن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويتم توقيع الاتفاق في مؤتمر سلام ينعقد في مصر ويشارك فيه رئيس الولايات المتحدة، وقادة الدول الأوروبية، وروسيا.

إن مشروع غيورا آيلاند هذا، وبتفاصيله التي تبدو جذابة ومشرقة، ينطوي على تصورات خطرة. فهو أولا يريد أن يحدث تغييرات استراتيجية في المنطقة كلها، من أجل أن يضمن لإسرائيل بقاء كل مستوطناتها الأساسية، وبخاصة المحيطة بالقدس والمحاصرة لها. وهو يريد بذلك أن يضمن لها مصالحها الاستراتيجية العسكرية من خلال توسيع الخصر الإسرائيلي الضيق، وذلك عبر منطقة القدس وصولا إلى البحر الميت. وهو ثانيا يريد أن ينقل إسرائيل من موقع الدولة المحتلة والمعتدية، وإلى حد ارتكاب الكثير من جرائم الحرب، إلى موقع الدولة الشريكة في رسم صورة استراتيجية جديدة للمنطقة كلها، تعطي فيها وتأخذ على قدم المساواة مع الأطراف الآخرين، بحيث تصبح الدول العربية كلها معترفة بهذا الدور الشريك لإسرائيل، وهذا أمر يتجاوز مفهوم «التطبيع» بكثير. وهو ثالثا يريد أن يحل مشكلات الاحتلال (الذي يفرض القانون الدولي إنهاءه) على حساب الأراضي العربية، والأراضي المصرية بالذات، وفي منطقة النقب التي تم احتلالها عام 1948 بما يتجاوز قرار التقسيم الصادر عام 1947. وهو أخيرا حل يستند إلى رفض حق العودة للاجئين، ويتصور أن توسيع قطاع غزة سيتيح فرصة استيعاب جزء أساسي منهم، فيعودون إلى «إقليم غزة» لا إلى وطنهم الأصلي.

لقد هربت إسرائيل دائما إلى الأمام رافضة أي نوع من التسويات السياسية، مصرة على إبقاء صورتها العدوانية التوسعية، وها هي تهرب إلى الأمام من جديد، وعبر هذا المشروع الغريب، أكثر من أي مرة سابقة.

وتقدم كل هذه الاعتبارات مبررات كبيرة وعميقة وكافية لرفض المشروع من حيث المبدأ. والأهم أن تدرك الدول العربية أن عدوانية دولة إسرائيل تعيش في وجدانها الاستراتيجي، وخطة غيورا آيلاند تعبير صارخ عن تلك

=========================

انفصال الجنوب .. اريتريا أنموذجا

التغيير 2010/04/02

احمد صالح الفقيه

خلال الشهرين الماضيين أخذت أعداد الضحايا تتزايد بوتائر سريعة في الصراع الدائر في الجنوب بين السلطة والحراك الجنوبي. ويسود لدى السلطة اعتقاد أن بوسعها القضاء على الحراك نظر لفوارق القوة، والتعداد السكاني، والعلاقات الدولية، والإمكانيات المادية. وكل ذلك وهم كبير.

 

 كان الوجود الأثيوبي في اريتريا وجودا شرعيا تم بموافقة الأمم المتحدة وإشرافها ضمن اتحاد فيدرالي حولته إثيوبيا إلى احتلال مسلح يتحدى كل حقائق التاريخ والواقع، بل يتعارض حتى مع الحد الأدنى الذي رسمه التحالف الاستعماري ضد هذا الشعب.

 

فحين هزمت ايطاليا في الحرب العالمية الثانية فرض الحلفاء على اريتريا ان تشكل دولة اتحادية مع الحبشة، غير أن حكومة الإمبراطور هيلاسلاسي لم تلبث أن تنكرت للاتفاق، فأصدر الإمبراطور هيلاسلاسي قرارًا في 14 من نوفمبر 1962م ألغى بموجبه الاتحاد الفيدرالي، وأعلن ضم إريتريا إلى إثيوبيا نهائيا، وجعلها الولاية الرابعة عشرة لإثيوبيا.

وفرض حكما استعماريا مباشر، وأطلق يد العسكر في إدارة الأمور حتى تحولت اريتريا إلى مستعمرة يعيش شعبها على هامش الحياة، ناهيك عن الأساليب الوحشية التي اتبعها المستعمرون للتعبير عن التعصب وروح الانتقام التي تثأر لتاريخ طويل من المجابهات في القرن الأفريقي.

 

وقد كانت إثيوبيا قوة ضخمة بالموازين الأفريقية، والإمبراطور هيلاسلاسي في قمة أمجاده، والعالم ينظر إليه كحكيم أفريقيا، وعميد العالم الثالث، والدول العربية ليست في وضع يسمح لها باستفزاز "سبط يهوذا" وسليل ملكة سبأ وسليمان الحكيم.

 

وكانت اريتريا المنفذ البحري الوحيد لإثيوبيا فلم تكن والحالة هذه مستعدة للتفريط بسيطرتها عليها. وإثيوبيا بلد شاسع المساحة عشرة إضعاف مساحة اريتريا وكان عدد سكان إثيوبيا يبلغون خمسة عشر ضعفا تقريبا على سكان اريتريا. ومع هذه الفوارق لم يكن احد يتصور أن هناك فرصة ولو بعيدة لنيل الاريتريين الانفصال عن إثيوبيا.

ولكن قادة الثورة كانوا من ذلك النوع "المثالي" الحالم، الذي يسلط بصره على الثوابت، ولا يسمح للعوامل الطارئة أن تؤثر على تفكيره، والثوابت الراسخة لديه أن شعب اريتريا له خصائصه المميزة، وأن هذه الخصائص تجعل من المستحيل عليه قبول الهيمنة الحبشية، وكل ما يحتاجه هو القيادة التي تذكر، وتنظم، وتقرب المنال.

 

 وحينذاك سيصبح كل فرد مقاتلاً، وسيصبح سلاح الجيش المحتل هو سلاح المناضلين، ولن تستطيع أثيوبيا أن تفرض نفسها عليه لفترة طويلة.

 

 أثناء الاحتلال الإثيوبي لإريتريا في أواخر عام 1958، اضطر عدد كبير من العمال الإريتريين إلى الهجرة إلى الدول المجاورة، وبادر عدد منهم إلى تأليف تنظيم ثوري حمل اسم حركة التحرير الإريترية واتخذ قاعدة له في بورسودان، وشيئًا فشيئًا توسعت الخلايا السرية لهذا التنظيم إلى الكثير من المدن الإريترية.

 

 ثم شهد عام 1960 أول تأليف للجبهة بين العمال والطلبة الإريتريين في المشرق العربي، وانتقل نشاطها في العام التالي إلى المرتفعات الإريترية إثر انتفاضة 1 سبتمبر 1961 مع بضعة مقاتلين يحملون بنادق إيطالية عتيقة، وقد تبنت الجبهة تلك الانتفاضة لتحولها في مدى سنوات قليلة إلى ثورة مسلحة منظمة انسجاماً مع أهداف التحرير التي حددها دستور الجبهة. في مقدمتها الاستقلال الوطني الكامل عن طريق الكفاح المسلح المدعم بجهود سياسية ودبلوماسية في الخارج..

 

 وقد تطور الكفاح المسلح بإمكانات ذاتية بسيطة وبدعم من بعض الأقطار العربية، وفي مقدمتها سوريا، إلى مقاومة حملات قمع وإبادة إثيوبية شرسة شملت مئات الألوف من الضحايا الإريتريين.

 

 واتسمت بعض تلك الحملات بإتباع سياسة الأرض المحروقة للقضاء على المحاصيل الزراعية والمواشي، وإبادة المواطنين بالجملة من دون تمييز، كما حدث في حملات 1967 و1970 و1974 و1975 على التوالي فشردت أعداداً كبيرة من الإريتريين في الصحارى والغابات، وعبرت أعداد أخرى الحدود إلى السودان، الأمر الذي أدى إلى نشوء مشكلة اللاجئين الإريتريين هناك، في حين سيطرت حركة المقاومة الإريترية على معظم الريف الإريتري، وتمكنت من تحرير بعض المدن، وكانت سيطرة جبهة التحرير تتسع أو تتقلص بحسب ظروف المواجهة وتطوراتها.

 

 وفي هذا السياق، عقدت حركة المقاومة الوطنية الإريترية أكثر من مؤتمر لها في الأراضي المحررة، ولم تنج من التعدد والانقسامات التي فرضها تباين منعكس المعاناة الداخلية، ورواسب المجتمع والتداخلات الخارجية أحياناً.

 

 وإثر سقوط نظام منجستو هايلي ماريام في إثيوبيا بتاريخ 25 مايو 1991 نالت اريتريا استقلالها بعد فترة انتقالية لعامين وذلك في يوم 24مايو 1993م

 لقد اتخذ الشعب الاريتري قراره وأصر عليه ودفع الثمن وحقق ما يريد.

======================

اصبحنا فرعون

أوري مسغاف

يديعوت 28/3/2010

القدس العربي

الفصح، عيد الحرية، هو أكبر أعياد اسرائيل. الشعب المختار شهد في التاريخ فترات فاخرة من السيادة، ولكن الفكرة التي تعصف به أكثر من أي شيء آخر كانت ولا تزال قصة خروج مصر: التمرد على حكم قمعي، يتحرر من قيود العبودية، الخروج الى الاستقلال وبناء الامة. غير أن جموع بيت اسرائيل، بأنخاب النبيذ وبالطعام اللذيذ، يجدون صعوبة في أن يشخصوا المفارقة التاريخية التي توجد تحت أنوفهم.

تذكير: ابتداء من العام 1967 تسيطر اسرائيل، بيد من حديد وبذراع ممدودة، على الفلسطينيين سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. 43 سنة. جيلان. أكثر من الفترة التي تاه فيها بنو اسرائيل في الصحراء. واذا اضفنا الى ذلك حقيقة أنه حتى 1966 كان يسود حكم عسكري في المناطق التي يسكن فيها عرب الدولة، يتبين أن فقط في سنة واحدة من الـ62 سنة من استقلالها لم تتصرف فيها اسرائيل كاحتلال.

الاضطرارات والمعاذير ليست قوية بما فيه الكفاية. في الحساب التاريخي، يدور الحديث عن وصمة عار سوداء. أصبحنا فرعون.

يحتمل أن تكون المرحلة الاكثر خطورة في الاحتلال تجري بالذات في السنوات الاخيرة، تحت رعاية الهدوء الموهوم الذي حل بعد عاصفة الانتفاضة. يوجد في هذا الهدوء، مهما كان مباركا من ناحية التوفير في حياة الانسان، شيء فظيع. ظلاله العنيفة هي موسيقى اليأس، اللامبالاة والتسليم. انتهى الجدال. ولكنه لم يحل ولم يحسم، بل مات فقط من شدة التعب.

في الاسبوع الماضي قتل في غضون يوم واحد أربعة فلسطينيين بنار جنود لواء كفير، قوة حفظ النظام العسكرية الاسرائيلية في الضفة. في الحادثتين اللتين ادتا الى موتهم ظهر استخفاف اجرامي في الانظمة، في المعقولية وفي الاخلاق. في الاولى اطلقت النار على متظاهرين من مسافة بعيدة، دون أن يشكلا أي خطر على الجنود. في الثانية اوقف للفحص المطول والزائد فلاحان وهما في طريقهما لكدح يومهما. في مرحلة معينة شعر العريف المسؤول عنهما بـ 'احساس التهديد'، بعد ان تقدما نحوه على حد زعمه. كما أنه سمعهما 'يثرثران بالعربية'، فأطلق النار عليهما فقتلهما. الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي سارع الى النشر بان القتيلين هاجما آسرهما بمذراة، وانه بسبب صحوة المقاتلين 'منعت عملية مضادة'، ولكن في الغداة تبين بان المذراة بقيت على الارض في اثناء الحادثة.

المتظاهران والمزارعان القتلى لم يكونوا لا مخربين ولا ارهابيين. فقد قتلوا بخفة لا تطاق، عندما كانوا يحققون حقا أساسا هو 'حق العمل وحق الاحتجاج'.

عن اسحق رابين درج على القول انه تاق لوضع تكون فيه ممكنة مكافحة الارهاب 'بدون محكمة العدل العليا وبدون بتسيلم'. وفي استعارة يمكن القول ان الاحتلال وجد السبيل للتعايش مع محكمة العدل العليا ومع بتسيلم. المحكمة العليا تقلل من التدخل في ما يجري في الضفة، وتكثر من التعلق بتلويات دستورية واجراءات قانونية. وحتى عندما تقضي بحكمها، يسمح لنفسه جهاز الامن بالتعطيل والاذابة لقراراتها. هكذا يحصل في بلعين، وهكذا من المتوقع في طريق 443. اما بتسيلم، مثل منظمات حقوق الانسان الاخرى، فلم يتم الاعلان عنها خارجة عن القانون. الحقيقة العبثية لها ولمنظمات اخرى ببساطة كفت عن ان تعصف بالجمهور.

تحت السحابة المتواصلة هذه نمت زروع عشوائية من نوع خريجي حركة العمل موشيه يعلون. كرئيس أركان ساهم قدر مستطاعه في تصعيد المواجهة العسكرية مع الفلسطينيين. وكمفكر ساهم في تاريخ النزاع بالفكرة الرعناء عن 'كي الوعي' في عقولهم. ليس لديه حلول يقدمها، بل مجرد شعارات.

في مقابلة مع 'يديعوت احرونوت' في نهاية الاسبوع وصف يعلون اخلاء المستوطنات في اطار اتفاق السلام بانه 'يودنرات حقيقي' (مثابة خيانة يهودية) - ولكل مشبه يوجد مشبه به. 'يودنرات' هو الاسم الذي اعطي للادارة الذاتية للطوائف اليهودية تحت الحكم النازي. فمن هم النازيون في قصة يعلون؟ الفلسطينيون المقموعون والضعفاء؟ ربما الامريكيون الذين يحاولون انقاذ الاسرائيليين من لعنة الاحتلال الخالد، قبل أن يفقدوا كل افعالهم في البحر؟

الى متى سيبقى يعلون وأمثاله عميانا تجاه الدرس التاريخي، بينما ينشدون بتزمت على طاولة العيد 'وكلما عذبوه فانه يكثر ويتفجر'؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ