ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 22/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أين الجديد في قرار "الرباعية"؟

محمد شريف الجيوسي

 الدستور

21-3-2010

هل يمكن اعتبار بيان (الرباعية) بشأن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية كافياً بما تضمن من إدانة للاستيطان في الضفة الغربية ورفض اقتلاع المواطنين العرب الفلسطينيين واعتبار هذه الإجراءات غير شرعية وتحديده فترة سنتين للوصول إلى اتفاق؟ مع العلم أن توجه الرباعية هذا ليس هو الأول ، فقد سبق أن دعت في اجتماعاتها العديدة منذ أواسط تموز 2002 إلى تجميد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وتفكيك المواقع التي أنشئت منذ تموز 2001 بل ودعت وقتها صراحة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ سنة ,1967

 

وكانت الرباعية قد أثنت في 23 أيلول 2007 على ما وصفته تحسن أداء الأمن الفلسطيني في مكافحة الإرهاب وتنفيذ استراتيجية أمنية أكثر شمولا (لتحسين مستديم في المدى البعيد) بحسب اللجنة ، وهو تعبير يقصد به الثناء على المدى الذي وصل إليه تنسيق السلطة الفلسطينية مع الجنرال دايتون ، وسحب السلاح من المقاتلين الفلسطينيين واعتقال (المطلوبين) منهم.. الخ.

 

وفي جل بياناتها دعت الرباعية : إسرائيل ، الى تجميد النشاط الاستيطاني بما في ذلك النمو الطبيعي في المستعمرات وتفكيك البؤر الاستيطانية التي أقيمت منذ آذار ,2001 لكن شارون وضع العديد من الملاحظات على خطة طريق الرباعية ، وأعلن نتنياهو رفضه لبيان الرباعية.. فيما لم تتخذ حكومة أولمرت خطوات حقيقية باتجاه السلام وإن لم تعلن رفضها للخطة ، بل أكدت باستمرار (التزامها بالسلام) لكنها حاصرت غزة وشنت عليها حرباً همجية لم تكسبها. وكثفت الحواجز في الضفة وتابعت بناء جدار العزل العنصري ومداهمة بيوت المناضلين والمقاتلين ليلياً (المجردين من إمكانية الدفاع عن أنفسهم) وتصّيد من تستطيع منهم.

 

وقبل الرباعية كانت هناك آلاف القرارات التي اتخذتها الجمعية العمومية ومجلس الأمن و المنظمات والمجالس والمؤسسات الدولية. لكن شيئاً لم ينفذ ، إلا ما تعلق بقيام إسرائيل.

 

من هنا فإن قرار الرباعية لا يعني شيئاً ، فهو لا يمتلك الأداة التنفيذية الكفيلة بتحقيق مضمونه ، بل في الظرف الراهن يكرس الانقسام الفلسطيني (في وقت يجري فيه الحديث عن مصالحة وشيكة) كما يأتي قبيل انعقاد القمة العربية ، كوسيلة تضليل وتسويف وشق للصف العربي. وعالميا سيبدو السلام وشيكاً ما سيتسبب في تراجع الفعاليات المؤيدة للشعب الفلسطيني.

 

بهذا المعنى فإن بيان وقرارات الرباعية لا تساوي الحبر الذي كتبت به. ولن تسهم في تحقيق السلام بل على العكس ستزيد الوضع سوءاً ، ما لم تتخذ الرباعية إجراءات تجبر إسرائيل وتضطرها على تحقيق السلام ، الشامل والعادل ، والدائم ، وهو توجه لا تبدو أمريكا راغبة في اتخاذها ، ولن تتيح للآخرين (الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) ذلك.

 

هذا يعني ، أن إسرائيل تمتلك لعبة كسب الوقت والتضليل (في أحسن الأحوال أو في أقلها سوءاً) بمساندة دولية. فيما على العرب اتخاذ خيارات أخرى قبل أن يجدوا أنفسهم ، أمام حالة عدم القدرة على الاختيار. وفقدان القدرة على الإحساس بفقدان الذات والكرامة وكل شيء.

وهذا يعني أيضاً أن "إسرائيل" بهذا الدلال الذي يقدمه الأقوياء لها ، وفي ظنهم أنهم يكرسونها ، إنما يعجلون في النهاية ، على نحوْ مختلف ، مما يظنون ، أخيراً أو آخراً.

======================

العلاقات الايرانية الاميركية في الميزان بعد رسالة اوباما

«ا ف ب»

قبل 12 شهرا وجه الرئيس الاميركي باراك اوباما رسالة تاريخية الى ايران بمناسبة رأس السنة الايرانية ، وكان من المفترض ان تؤذن هذه الرسالة ببداية عهد جديد من العلاقات بين الخصمين اللدوين ، ولكنها تدهورت منذ ذلك الوقت.

 

وتحول ما كان يعتقد انه سيصبح فصلا جديدا بين واشنطن وطهران بعد ثلاثة عقود من العداء ، الى ازمة متوترة حيث اصبح اوباما يسعى لفرض عقوبات جديدة على طهران وسط استمرارها في برنامجها النووي.

 

وصرح المحلل محمد صالح ان "رسالة اوباما الى ايران والمرشد الاعلى الايراني اية الله علي خامنئي فتحت قناة جديدة ، الا ان المتطرفين في ادارته والضغوط عليه من اسرائيل اضعفت امكانية اقامة حوار".

 

وبعد الرسالة التي اطلقها اوباما في 2009 في عيد النوروز والذي يصادف هذا العام اليوم ، التقى مسؤولون ايرانيون واميركيون في لاهاي في المؤتمر الدولي حول افغانستان. ورغم انه لم يتم البناء على العلاقات الاميركية الايرانية ، وافق مجلس النواب الاميركي هذا العام باغلبية كبيرة على قرار هو الاول من نوعه يتمنى فيه للشعب الايراني والايرانيين الاميركيين "عاما جديدا مزدهرا".

 

وامس الاول قدم عضو الكونغرس جون كيري امنياته للايرانيين الاميركيين ، وقال في بيان ان "عيد النوروز يرمز الى التجدد والامل". وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ "علينا جميعا ان نامل في لحظة الانسانية المشتركة التي تربطنا ببعضنا البعض. نتمنى ان يكون هذا العام عام سلام وازدهار بالنسبة اليكم".وتسبب استمرار ايران في مساعيها لتخصيب اليورانيوم وعدم وجود مبادرات اميركية مباشرة للعمل على تحقيق رسالة اوباما ، في الوضع الحالي حيث يقوم مسؤولون اميركيون بجولات في العالم سعيا لحشد التأييد لفرض مزيد من العقوبات على ايران ، حسب محللين. ونجح مسؤولون اميركيون الى حد كبير في اقناع روسيا ، شريكة ايران النووية ، بدعم فرض عقوبات على طهران ، الا ان الصين التي تمتلك حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن الدولي ، لا تزال مصممة على معارضتها لذلك.

 

ويلقي مسؤولون ايرانيون باللوم على واشنطن في عدم عملها على متابعة رسالة اوباما والقيام بخطوات مثل تخفيف العقوبات الحالية. وقال المتحدث باسم الخارجية الايرانية رامين مهمانبراست الثلاثاء الماضي "اذا كان الاميركيون يتمنون للايرانيين حقا عيد نوروز سعيدا ، فان عليهم التوقف عن التآمر ضد الشعب الايراني والتوقف عن نصب الافخاخ للمواطنين الايرانيين وعليهم ان يفرجوا عن مواطنين ايرانيين يحتجزونهم حتى يتمكنوا من تمضية نوروز سعيد منع عائلاتهم".

 

وتقول ايران ان 11 من مواطنيها لا يزالون محتجزين في السجون الاميركية ، بمن فيهم عالم نووي فقد العام الماضي في السعودية. كما اعربت واشنطن في الاشهر الاخيرة عن خيبة املها وقالت ان الايرانيين لم يردوا على مساعي اوباما الدبلوماسية بالمثل.وانتقدت الولايات المتحدة النظام الديني في طهران بسبب وقوفه وراء البرنامج النووي وسجله في حقوق الانسان خاصة منذ اعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية في حزيران الماضي. وكانت اعادة انتخاب احمدي نجاد اثارت احتجاجات عنيفة في ارجاء ايران.

 

وقال المحلل كريم ساجدبور من معهد "كارنيجي انداومنت" للسلام الدولي في واشنطن ان خطة اوباما لاجراء حوار مع ايران كان لها "تاثير كبير على ايران داخليا ، الا انه لم يكن لها تاثير واضح على سياسات ايران الخارجية". واضاف ان محاولة اوباما "فشلت في جعل سياسات ايران الخارجية معتدلة ولكنها نجحت في تعميق الانشقاقات السياسية الداخلية في ايران" ، في اشارة الى حركة المعارضة الداخلية.وقد حولت نتيجة الانتخابات الرئاسية عددا من الشخصيات التي كانت تعتبر ركائز للنظام الاسلامية ، الى معارضين شرسين له. ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي والمتحدث السابق باسم البرلمان مهدي كروبي. ورغم ان احمدي نجاد هو اكثر الزعماء الايرانيين اطلاقا للتصريحات ، الا ان خامنئي هو الذي يضع السياسات الخارجية ويلقي بمسوؤلية الاضطرابات التي اعقبت الانتخابات الرئاسية على واشنطن ولندن "الشريرتين".

========================

مبادرات أوباما ضئيلة ومتأخرة

بقلم :فيكتور ديفيز هانسون

الدستور

21-3-2010

ديون الولايات المتحدة ربما تصل إلى 20 تريليون دولار بحلول عام 2020. ولذلك قام الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل أيام، بتعيين لجنة من كلا الحزبين لبحث سبل معالجة مشكلة ديننا الوطني المرعب.

 

ومثل هذه الاستجابة المتعقلة ربما تبدو صادقة، وتستحق العناء المبذول من أجلها. لكنها تأتي بعد مرور 13 شهراً على تولي هذه الإدارة مقاليد الحكم ، وبعد أن أضاف أوباما 5, 1 تريليون دولار إلى كوم الديون في 2009.

 

وإلى أن يحين موعد قيام اللجنة الجديدة بتقديم توصياتها، بحلول نهاية العام الجاري، ستكون ميزانية 2010 الحالية قد أضافت 5, 1 تريليون دولار أخرى إلى الديون.

 

قبل وقت ليس بالبعيد، ركز أوباما خلال حملته الانتخابية بشكل خاص على موضوع الرصانة المالية، حيث استغل الغضب الشعبي من عجز الميزانية في عهد بوش، والذي تراكم حتى وصل إلى 5, 2 تريليون دولار على مدار 8 سنوات. لكن الآن يبدو أن أوباما قد كسر رقم بوش القياسي في تجميع الديون خلال سنتين فقط.

 

ولقد وجه أوباما أيضاً دعوة إلى المعارضة الجمهورية لعقد اجتماع على مستوى القيادات في البيت الأبيض، لتخطي الاختلافات حول مشروع قانونه المتعثر بشأن الرعاية الصحية.

 

وهنا أيضاً تبدو فكرة عقد محادثات جماعية على مبدأ «لنضع الماضي خلف ظهورنا» فكرة جيدة ، نظراً إلى تكلفة التأمين الصحي الآخذة بالارتفاع وملايين الناس الذين لا يقدرون على تحملها.

 

لكن المشكلة هنا أيضاً هي أن تلك المبادرة جاءت ضئيلة جداً ومتأخرة جداً ، بعد مضي أكثر من سنة عل بدء أوباما في مسعاه الأحادي لمنح الحكومة صلاحيات السيطرة على جزء كبير من نظام الرعاية الصحية في البلد.

 

وقبل سنة من الآن عندما كان الديمقراطيون يحظون بأغلبية ساحقة في مجلس الشيوخ ويتنعمون بأمجاد انتصاراتهم في انتخابات 2008 لم يعبأ أوباما كثيراً بغياب المساهمة والمشاركة الجمهورية.

 

وبدلاً من ذلك، عمد أوباما، بشكل متحزب، إلى وضع سلسلة من المواعيد النهائية والمهل الزمنية لحزبه لتمرير رزمة إصلاحاته المفضلة ، كان أولها مع حلول موعد عطلة أغسطس، ثم عطلة عيد الشكر، ثم استراحة عيد الميلاد، وهكذا دواليك. وكان لا بد من رشوة نائبين ديمقراطيين مترددين بمنحهما مخصصات بقيمة ملايين الدولارات لضمان تصويتهما مع السرب.

 

وفي هذه الأثناء، ذكرت تقارير ان الرئيس نفسه سخر من محتجين غاضبين في إحدى الفعاليات، واصفاً إياهم بمعاداة الحكومة الفدرالية. ويبدو أنه لم يكن يأبه للمعارضة في ذلك الحين.

 

وأخيراً شجب أوباما بفظاظة سياسات التحزب والإعلام وتراخي الكونغرس في واشنطن. ففي خطابه لحالة الاتحاد في يناير الماضي، استنكر أوباما «التحزب والصراخ والوضاعة» من قبل «الساسة الذين يشوه كل منهم الآخر بدلاً من العمل للنهوض بالبلد» و «المعلقين التلفزيونيين الذي يحولون المناظرات الجدية المهمة إلى مجادلات سخيفة». وشجب بعض مناصري الحكومة أيضاً لجوء الجمهوريين إلى الأساليب التعويقية في الكونغرس.

 

لكن في هذا السياق أيضاً، قبل 13 شهراً، لم يكن لدى هذا الرئيس نفسه أي اعتراض على حكم الحزب الواحد أو المعلقين التلفزيونيين أو أساليب السياسة في واشنطن. ولم يكن لديه أي انتقاد للأساليب التعويقية ،التي على أي حال لم يكن لها معنى في أوائل 2009، نظراً للأغلبية المطلقة التي كان يحظى بها أوباما في مجلس الشيوخ.

 

إذن، لماذا هذا التحول المفاجئ من جانب أوباما لتبني السياسات العاقلة المسؤولة؟

 

قبل سنة من الآن، كان الرئيس أوباما المنتخب حديثاً يحظى برضا حوالي 68 بالمئة من الجماهير. وكانت هناك أغلبية ديمقراطية قوية في كلا مجلسي الكونغرس. وكانت المؤتمرات الصحافية الرئاسية أشبه بمهرجانات ودّية.

 

ومن الواضح انه لم يكن هناك حاجة لمد يد التواصل إلى المعارضة، في ذلك الوقت عندما بدت الأجندة الليبرالية الجديدة الجسورة للبلد أمراً مؤكداً.

 

لكن الآن؟ معدلات رضا الجماهير عن أداء أوباما تراوح دون عتبة 50 بالمئة. الديمقراطيون خسروا أغلبيتهم المطلقة في مجلس الشيوخ بالفوز المذهل للجمهوري سكوت براون في ولاية مساشوستس الليبرالية.

 

كما ساعدت معارضة شعبية نظمها المحافظون في تنصيب حاكمين جمهوريين في كل من فيرجينيا ونيو جيرسي. وتظهر استطلاعات الرأي ان انتخابات نوفمبر 2010 ربما تتمخص عن أكبر انتكاسة ديمقراطية منذ جيل كامل، مع إمكانية أن يمنوا بخسارات كبيرة في كلا مجلسي الكونغرس.

 

والآن يرى المحللون من كلا الحزبين أن هناك أخطاء واضحة في أسلوب أوباما في الحكم. وتعبر الاحتجاجات الشعبية عن استياء الناس من فورة الإنفاق والاقتراض من جانب الحكومة الفدرالية، خارج حدود السيطرة، وأيضاً من فكرة إيجاد رعاية صحية تديرها الحكومة.

 

وهكذا، هرع الرئيس أوباما للقيام بما كان يجب عليه فعله منذ أكثر من سنة.

لكن المشكلة الآن هي أن الجماهير التي استبد بها الضجر تعتقد أن أوباما غير لهجته ومساره، ليس لأنه أراد ذلك لمصلحة البلد، بل لأنه أجبر على ذلك لمصلحته الشخصية.

بعبارة أخرى، إن رسالة «الأمل والتغيير» الذي خرج بها أوباما العام الماضي تحولت هذه السنة إلى رسالة «مهما كلف الأمر» بنبرة الساخر المتشائم.

أستاذ الدراسات الكلاسيكية والتاريخية في جامعة ستانفورد

=====================

العرب والمصالحة الأميركية - الإسرائيلية

الأحد, 21 مارس 2010

عبدالله اسكندر

الحياة

لن تكفي حماسة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لحمل الحكومة الاسرائيلية على توفير ظروف السلام مع الفلسطينيين وإقامة دولتهم المستقلة القابلة للحياة على الاراضي المحتلة في 1967. كما لن يكفي بيان من اللجنة الرباعية، حتى لو كان صادراً عن اجتماع على مستوى وزاري وفي حضور بان، لحمل بنيامين نتانياهو على التراجع عن خططه الاستيطانية في الاراضي المحتلة، بما ينسف حتى فرصة مفاوضات غير مباشرة مع السلطة الفلسطينية، كما ترغب الولايات المتحدة.

ربما يكون الانتقال المفاجئ للأمين العام للمنظمة الدولية الى المنطقة، غداة بيان اللجنة الرباعية، من باب إظهار الاهتمام وحسن النيات ازاء العزم على دعم اقامة الدولة الفلسطينية، وضرب الحديد الحامي في ظل الموافقة العربية على المفاوضات غير المباشرة والرغبة الاميركية الملحة بالبدء بها. وربما ايضاً من باب تشجيع العرب الذين يعقدون قمتهم بعد اسبوع، على الاستمرار في تأييد هذه المفاوضات ودعمها.

لكن المشكلة، مرة أخرى، ليست لدى الجانب العربي، والفلسطيني. انها تكمن في قدرة اللجنة الرباعية، بما هي انعكاس لسياسات الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدوة والاتحاد الاوروبي، على ضمان الحصول من اسرائيل على توفير متطلبات هذه المفاوضات، خصوصاً ان هذه اللجنة حرمت نفسها من أي وسائل ضغط جدية على اسرائيل، بما فيها العودة الى مجلس الأمن.

ليس سراً ان ادارة الرئيس باراك اوباما ترغب في تسجيل نقطة لمصلحة دعوتها الى المفاوضات غير المباشرة، بعد الصفعات الاسرائيلية المتكررة لموفديها الى المنطقة، عبر التمسك بسياسة ضرب أسس قيام الدولة الفلسطينية، ومنها الاستيطان.

وهنا تعمل الادارة الاميركية على خطين:

الأول هو الإكثار من رسائل التطمين الى العرب والفلسطينيين من أجل ابقائهم في اطار دعوتها الى المفاوضات غير المباشرة. وهذا ما جرى التعبير عنه في تصريحات علنية والبيان الأخير للرباعية وزيارة بان. وفي هذا المعنى يمكن اعتبار ان التحرك الاخير، والمعبّر عنه برفض الاجراءات الآحادية أي الخطط الاسرائيلية الجديدة للاستيطان، يتوجه اساساً الى العرب.

الخط الآخر هو ايجاد صيغة تسوية مع حكومة نتانياهو، لتجاوز أزمة الاستيطان، خصوصاً عشية انتقال رئيس الحكومة الاسرائيلية الى الولايات المتحدة. فعلى رغم كل الضجيج في واشنطن وتل أبيب عن حدة الخلاف، حسمت الادارة أمرها لجهة تفادي أي مواجهة مع اللوبي اليهودي، في ظل استحقاقات أميركية داخلية مهمة. وبات من مصلحتها لفلفة الاختلاف مع الحكومة الاسرائيلية، على أساس ان تراجع هذه الحكومة الخطط الاستيطانية، على نحو يبرر للادارة الاميركية القول انها حصلت على تنازلات منها. أما مضمون هذه المراجعة، أو كما قيل استجابة الشروط الاميركية، فهو الاستيطان من دون الضجيج الذي صاحب اعلان الخطة الاخيرة في القدس المحتلة خلال زيارة نائب الرئيس جو بايدن.

وفي هذا المعنى، يمكن الاعتقاد بأن الجولة الجديدة المقررة للموفد الرئاسي جورج ميتشل تهدف الى الاعداد لزيارة نتانياهو الى الولايات المتحدة اكثر من كونها تهدف الى الحصول من اسرائيل على تنازلات توفر ظروف استعادة المفاوضات. أي انها تهدف الى توفير المظاهر لمصالحة ادارة اوباما مع حكومة نتانياهو، وليس الضغط على اسرائيل لتوفير شروط الرباعية لاستعادة المفاوضات والقبول بأهدافها.

هكذا يتحول الضغط مرة أخرى الى العرب لقبول نتائج المصالحة الاميركية - الاسرائيلية ومتطلباتها، بدل ان يتصاعد الضغط الدولي، ومنه الأميركي، على اسرائيل لتوفير متطلبات السلام.

=======================

المشروع الإسلامي فوق طائفي إنساني

على هامش مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية المنعقد في دمشق

زهير سالم – كلنا شركاء

21/ 03/ 2010

أعتقد أن ارتكاساً طائفياً حادا قد أصاب واقع الأمة العربية والمسلمة على المستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية، فلم يكد ينجو منه أحد منذ الثلث الأخير من القرن العشرين، وما يزال شأن هذا الارتكاس يتعاظم حتى اليوم..

حين نعود إلى تاريخ الحركة الإسلامية وأرشيف مؤسسيها منذ الأفغاني وعبده ورضا والبنا وسيد قطب والسباعي والمبارك لا نكاد نشتم أي ريح مبددة أو مفرقة حيث سادت المشروعَ الإسلامي المعاصر سياساتُ الدمج والضم والجمع والطي والتأليف والتوحيد..

كل الأصوات الشاذة التي كانت تنطلق مؤسِسة أو مكرسة للفرز أو التفريق كانت تلقى الصد الحكيم والاحتواء الحازم، حيث كان شعار قادة المشروع الإسلامي المعاصر:( خذ ما راق ودع ما كدر ). حراك ذاتي كان يقوم عليه من كل فرقة أحكمهم رؤية وأكثرهم سداداً..

لإدارة الصراع على الساحة السياسية، وآخذ سورية مثلاً، لم يكن يُطرح في مناهج جماعة الإخوان المسلمين ولا في كتابات مؤسسيها موضوع الاختلاف الديني أو المذهبي خلفية للصراع والذي يمكن أن نطلق عليه بسهولة ويسر عنوان الحراك الديمقراطي. واستمر الحراك في أبعاده السياسية والوطنية سائدا حتى منتصف السبعينات تقريبا...

كانت تتم عمليات الفرز على الساحة الإسلامية للشخصيات العامة على أساس الولاء لمشروع الأمة في إطاره الأوسع: التحرر الاستقامة الموقف الأخلاقي العام. وعلى الأساس نفسه كانت تقوم القوى والأحزاب على أسس سياسية وبرامجية. دون أن ننسى أن نشير إلى بعض الملابسات وسوء الفهم كانت تشترك في صنع الموقف.

لا ينسى أحد من الإخوان المسلمين مثلاً كلمة الدكتور محمد الفاضل في تأبين زميله الدكتور مصطفى السباعي. الكلمة التي عُدت يومها من أقوى و أرصن الكلمات. وحين جاء نبأ اغتيال الدكتور محمد الفاضل في الأحداث التي ضربت سورية في أوائل الثمانينات وضع الكثيرون أيديهم على رؤوسهم حيرة ودهشة. وما تزال الجهة التي نفذت ذلك الاغتيال موضع الريبة والشك. يؤكد بعض المطلعين على الأحداث أنه كان المقصود إبعاد رجل في مثل مكانته وعقله عن طريق مشروع العنف الثوري الذي كان يملأ الرؤوس مستنسخا من التجربة الستالينية.

في خمسينات القرن الماضي وصل إلى سورية الداعية الإيراني (نواب الصفوي)، واستقبله الدكتور مصطفى السباعي، كما استقبله ثلة من رجال الفكر والدعوة الإسلامية في سورية، وقدموه في المجامع واستمعوا إليه خطيباً ومحاضراً ومتحدثاً، وجمعوا له الكثير من الجماهير ليخطب فيها.. ودخل به الدكتور السباعي رحمه الله على الشيشكلي الذي كان رئيس الجمهورية يومها وطلب منه أن يستمع إليه..

في الستينات والسبعينات، كان كتاب العلامة باقر الصدر (اقتصادنا) واحداً من كتب المنهج في جماعة الإخوان المسلمين، وكان كتاب (فلسفتنا) يُقرأ لدى المثقفين من أبناء الجماعة. وبالتوازي قام السيد خامنئي ( مرشد الثورة الإسلامية اليوم ) من قبل بترجمة كتاب هذا الدين لسيد قطب إلى الفارسية. يقول أحد قادة الدولة في إيران في جمع حاشد نحن تربينا على كتب جماعة الإخوان المسلمين: البنا وقطب والسباعي..

عندما انتصرت الثورة (الإسلامية) في إيران، وأعلم الآن أنني عندما أقول (الإسلامية) سأواجه بالاعتراض من قاعدة عريضة من المسلمين!! كان موقف جماعة الإخوان الإخوان المسلمين في التنظيم العام كما في التنظيم القطري في سورية موقفاً مؤيداً وداعماً، وعُد انتصار الخميني انتصاراً للمشروع الإسلامي في إطاره العام..

كل هذه الحقائق تاريخ لا يستطيع أن يجادل فيه أحد. الجدال يقع فيما وقع بعد. في المأزق الطائفي الذي تعيشه الأمة اليوم، وهو مأزق حاد وخانق ومدمر، مأزق لا يمكن الخروج منه بمؤتمرات خطابية للتقريب، ولا يمكن الخروج منه بأن يلقي كل فريق العبء على الآخر بطريقة اتهامية أو استعلائية..

وهذا المأزق كما هو خانق ومدمر لمشروع الأمة أجمع فهو أكثر تدميراً ونقضاً لمشروع (الحركة الإسلامية) في إطاريه الخاص والعام. وأشد المتضررين من هذا المشروع الطائفي، هو المشروع الإسلامي وحملته، المشروع الإسلامي هو حامل الرسالة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) يجدون أنفسهم فجأة في خندق مترب يحاصرهم فقهه وأفقه وكلاهما في الضيق سواء.

بسذاجة بالغة يتساءل صاحب المشروع الطائفي على لسان شيطان: هل يستطيع ربك أن يحشر الدنيا في البندقة؟! هذا أخو ذاك، سذاجةً وشيطنةً على السواء. وحين أؤكد أن الإسلام ومشروعه هو فوق طائفي بالمطلق فإن هذه الحقيقة إنما توازي قول القائل كرة الأرض أكبر من حبة البندق، ومثل هذه الحقائق لا يمكن أن تكون موضع نزاع إلا عند السذج والشياطين. حقيقة واقعة لا يلغيها ما بدأنا الحديث به من ارتكاس عام في خنادق الطائفية المتربة تصيب مجموع أبناء الأمة بلا تمييز.

ولقد تبدى هذا الحصار للمشروع الإسلامي واضحا في التجربة العراقية القريبة منا في الزمان والمكان.

اضطرارا وجد العديد من القيادات الإسلامية في العراق مخرجهم في الانضواء في سياق علماني يفرج عنهم بعض أسوار الحصار الخانق الذي فرضته عليهم الحالة الطائفية التي لم يكونوا من جناتها ولكنهم كانوا من حطامها ووقودها.

في مواجهة حالة مثل الحالة العراقية تسمع العديد يصرحون أو يؤكدون: العلمانية هي الحل. يردف بعض قادة المقاومة العراقية: نريد نظاماً يحترم الإسلام. لا نعتقد أن هذه النتائج لولا المقدمات الخاطئة موضع رضى أو تسليم. ولم يضرب حملة المشروع الإسلامي بجذورهم في الأرض، ولم يدفعوا التضحيات الجسام لينتهوا إلى نهاية مثل التي نتحدث عنها. ولا أعتقد أن الدعوة إلى المراجعة التي نتوجه بها إلى الجميع تأتي متأخرة..

 دعوة إلى العودة بالمشروع الإسلامي إلى منطلقه الأول مشروع: للضم والجمع والتوحيد. ونحن نعتقد أن علماء الإسلام على مر العصور هم حملة المشروع الإسلامي الحق لم تكن تنقصهم المعرفة بأحوال المخالفين والمختلفين.

افتح كتاب (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) للإمام أبي الحسن الأشعري المتوفي سنة 324، وهو الإمام في العقيدة لأكثر من نصف المسلمين، تجده يقول في مقدمة كتابه ذاك: (اختلف الناس بعد نبيهم، صلى الله عليه وسلم، في أشياء كثيرة ضلل فيها بعضهم بعضاً، وبَرِئ بعضهم من بعض فصاروا فرقاً متباينين وأحزاباً متشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم..) ثم يورد رحمه الله من أقاويل أهل الفرق ما تشيب لبعضه نواصي الولدان..

إذاً لم يؤت حملة مشروع الأمة المستوعِب والمنفتح، كما يزين البعض اليوم من نقص معرفي، وإنما قام مشروعهم في الأصل على الاحتواء والدمج والطي وعلى أن البحر الأعظم يذوب فيه ما يُحمل إليه. تقمصُ روحية البحر اللجي هي حال نفسي إذا فارقت تحول البحر إلى بركة لزجة موحلة وربما منتنة أيضا..

وروح التعصب التي قد تظهر وتنتشر وتسود لا تقابل بمثلها. فأنت لا تطفئ النار بإمدادها بالمزيد من الوقود. وكما اعتمد علماء الأمة في أصول فقهها أصلا لسد الذرائع، نجدنا اليوم نحتاج إلى اصل إضافي في إسقاطها. نريد لحملة المشروع الإسلامي أن يسقطوا من حساباتهم أنهم مدعوون للتعصب ما دام كل من حولهم متعصبا، فما هكذا تورد يا سعد الإبل، و يظل الشرب من نهر الجنون على طريقة توفيق الحكيم هي الجنون بعينه.

تتجسد الحالة فوق الطائفية أولا في نفسية فوق طائفية: الأصل الذي تتبعه الفروع، والمعصم الذي يحتوي الكف والأصابع، وهارون الرشيد يقول للسحابة أمطري حيث شئت، والنفسية فوق الطائفية تنتج تفكيرا فوق طائفي، ومشروعاً فوق طائفي، وممارسة فوق طائفية. والحالة فوق طائفية على المستوى الآخر هو شعور الفرع بالانتماء إلى الأصل، وتجاوز دواعي النقمة إن وجدت، والبناء على حقيقة الشراكة التاريخية الجبرية إن صح التعبير.

وإنه لمن المؤسف أنه بينما كانت الحركة الإسلامية في مطلع القرن العشرين ترود لمشروعها الإسلامي الحضاري آفاقه الإنسانية الحضارية العليا وبينما كان سيد قطب رحمه الله تعالى يكتب ( السلام العالمي والإسلام )، وكان الدكتور محمد المبارك في جامعة دمشق يدرس كتابه ( نحو إنسانية سعيدة )؛ تجد الأمة نفسها محاصرة في قوس مشروع طائفي بغيض يفتت صفها، ويقزم رسالتها، ويضرب عليها الذلة والمسكنة أفانين.

أسهل شيء فيما نحن فيه أن نتقاذف الكرة، أو أن نستمتع بنعومة خيوط الشرنقة الحريرية، لعلها تبرد بعض الحرور عن جلودنا، أو أن يصر بعضنا على ادعاء البراءة والتسامي، أو أن يصر البعض على أن هذه اليد شلاء، وأن اليد الشلاء ليست منا..

المستنقع آسن، ورائحته تزكم الأنوف، تسوء الصديق وترضي العدا، والحل في المراجعة الأولية للموقف النفسي وللمعطى الفكري، وللمشروع السياسي، والخيار: نخرج من هذا أو نختنق، وأول ما يواجه بهذه الحقيقة حملة المشروع الإسلامي ليس لأنهم، كما يزعم البعض الأكثر انغماسا في المشروع الطائفي، بل لأنهم الأليق بقوله تعالى (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا).

=======================

إيران والعدو الحقيقي

آخر تحديث:الأحد ,21/03/2010

أسامة عبد الرحمن

الخليج

إيران دولة إقليمية لها مصالحها التي قد تتقاطع أو تتعارض مع مصالح أنظمة عربية . والمصالح قد تتغير، تلك طبيعة الأمور، فقد كانت إيران في وقت من الأوقات على خط مغاير متفق مع المشروع الأمريكي في المنطقة، ووكيلاً عنه، وأصبحت إيران مناوئة لهذا المشروع، أو أصبح هو مناوئاً لها . وإن فرضت المصالح في بعض الأحيان تعاوناً بين الولايات المتحدة وإيران، وخصوصاً على الساحة العراقية، واتجاه الولايات المتحدة إلى كسب تعاون إيران على الساحة الأفغانية .

 

ومعروف أن إيران كانت الرابح الأكبر من غزو الولايات المتحدة للعراق واحتلاله، حيث غدا لها نفوذ كبير على الساحة العراقية، كما أنها كانت الرابح الأكبر من غزو أفغانستان واحتلالها، وبالطبع فإن الولايات المتحدة غزت العراق وأفغانستان واحتلتهما سعياً لمصالحها، لكن هذا السعي تقاطع مع مصالح إيرانية، وحقق لإيران كسباً كبيراً .

 

إن استمرار إيران في برنامجها النووي أثار حفيظة الولايات المتحدة، ومعها الكيان الصهيوني واتخذت الولايات المتحدة من الملف النووي الإيراني، قضية تثير في إطارها مخاوف الأقطار العربية، وخصوصاً الخليجية، من هذا الاتجاه الإيراني الذي سيعظم قوتها في المنطقة، ويزيد من نفوذها، ثم ان امتلاك أسلحة نووية من قبل إيران هو في حذ ذاته مثير للقلق في المنطقة العربية، وفي المنطقة الخليجية منها على وجه الخصوص، مع أن الكيان الصهيوني يمتلك منذ سنوات ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية، وهو أشد خطراً على العرب، والعدوانية معه قائمة ومستمرة بحكم وجوده غير الشرعي، واغتصابه للأرض الفلسطينية، والحقوق الفلسطينية، ومعاهدات السلام لن تلغي هذه العداوة .

 

إن إيران الشاه، كانت على علاقة وطيدة بالكيان الصهيوني، وكانت مرتكزاً من المرتكزات الرئيسية للمشروع الأمريكي والسياسات والاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة، ولعبت دوراً مناهضاً ومناوئاً للمصالح العربية، وجاءت إيران بنهج مغاير، واتخذت موقفاً مناوئاً للكيان الصهيوني، وتعارض هذا النهج مع المشروع الأمريكي، وبقدر ما تثار المخاوف من الملف النووي الإيراني حالياً أثيرت المخاوف في الماضي، مما سمي بتصدير الثورة، ودخل العراق في حرب طاحنة مع إيران، وتحقيقاً لهدف ربما بدا له سهل المنال، ومن دون الخوض في تفاصيل تلك الحقبة، فإن الرابح الكبير منها كان الكيان الصهيوني الذي لابد أن يربح من أي صراع يدخله العرب بعيداً عنه ويستنزف قدراتهم وطاقاتهم ومواردهم .

 

إن إيران . . مارست نبرة عالية من التصريحات التي قد يكون بعضها مستفزاً ومنها ما يتعلق بالبحرين والجزر الإماراتية الثلاث المحتلة على سبيل المثال . وربما كان دخولها على خط الخلافات العربية العربية كبيراً، مع أنها دخلت في حقبة سابقة على خط الانقسام العربي ربما بطريقة أقوى ومنهجية غير إعلامية . ذلك أن التصريحات الإيرانية التي تبدو عالية النبرة تروجها الوسائل الإعلامية التي غدت تستأثر عبر الفضاء الإعلامي الواسع بقدرة نشر وتأثير غير مسبوقة . وبدا لعدد من الأقطار العربية أن إيران حين تبدي تعاطفاً وتأييداً وتضامناً مع المقاومة الفلسطينية أو المقاومة اللبنانية فإنها تمارس المزايدة وبالذات ما يتعلق بالقضية الفلسطينية . ربما قال قائل إنه من المستحسن أن تكون إيران مناصرة للفلسطينيين واللبنانيين في مواجهة الكيان الصهيوني، ولكن عدداً من الأقطار العربية يعتبر أن إيران تدخل في هذه القضية من أجل نصرة طرف فلسطيني على طرف آخر، أو طرف لبناني على طرف آخر . وربما كان هذا شأن السياسة دائماً، غير أن الخلاف العربي العربي أمر ليس جديداً . . وقد يكون الجديد فيه الفضاء الإعلامي الواسع الذي ينشره بكثافة قد جعل التناقض والتعارض في السياسة بين بعض الأقطار العربية وإيران . . ويبدو أكبر من حجمه . . وأكبر من حقيقته .

 

إن إيران في بعض تصريحاتها ومواقفها تبدو مستفزة لبعض الأقطار العربية، ولو تلاشت هذه التصريحات المستفزة لبعض الأقطار العربية فإنه من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في المواقف والتوجهات، ولكن ينبغي أن تكون بعيدة عن تعظيم الجدل واللغط من خلال الفضاء الإعلامي الواسع .

 

إن من حق الأقطار العربية الخليجية أن تنشغل بالملف الإيراني النووي، أو نفوذ إيران في المنطقة، ولكن عليها أن تتعامل مع إيران كدولة إقليمية لها مصالحها . ويجب ألا تتعارض المصالح الإيرانية مع مصالح الأقطار العربية الخليجية .

 

إن مجمل القضية أن إيران لها مصالحها وتوجهاتها، ومن حق الأقطار العربية الخليجية أن يساورها القلق من بعض التوجهات وأبرز ملامحه الملف النووي الإيراني والتصريحات الإيرانية المستفزة، ولكن لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار إيران عدواً وصرف النظر عن العدو الحقيقي لهذه الأقطار وللأمة العربية بأسرها وهو الكيان الصهيوني .

 

إن محاولة استثمار هذا القلق من إيران، وملفها النووي لخلق عداء مع إيران يتصور فيه الكيان الصهيوني، أنه سيجعل العرب يقفون معه ضد إيران باعتبارها الخطر الحقيقي الذي يواجههه الجميع، هو استثمار مكشوف النوايا والأهداف، لأنه يرمي إلى صرف الأقطار عن العدو الصهيوني، وممارساته اليومية القمعية على الأرض الفلسطينية، واستهدافه للأمن العربي برمته، ويجب في كل الأحوال على إيران أن تخفف من نبرة تصريحاتها وأن تمارس السياسة بهدوء وعقلانية دون ضجيج إعلامي مستفز، حتى لا تثير عداء لها، وهذا ما يهدف إليه الكيان الصهيوني، الذي يتصور أنه في هذه اللحظة التاريخية قد أصبحت إيران عدواً له وللعرب، وكأنه ليس بعدو، وهذا تصور يخرج عن أي سياق منطقي، ومحاولة لطمس القضية الفلسطينية، وصرف الأنظار عنها، ويظل الكيان الصهيوني هو العدو الحقيقي، وهو الخطر الحقيقي على الأمة العربية بأسرها .

========================

هل أضحت الحرب "الإسرائيلية" على الأبواب؟

آخر تحديث:الأحد ,21/03/2010

غسان العزي

الخليج

يكاد لا يمر يوم واحد من دون أن يطالعنا الإعلام بخبر جديد عن استعدادات ومناورات عسكرية “إسرائيلية” لحرب ضد إيران و/أو سوريا ولبنان . وتنتشر على صفحات الصحف سيناريوهات محددة عن هذه الحرب التي يستعد لها من تستهدفهم من إيرانيين ولبنانيين وسوريين وفلسطينيين . فهل باتت الحرب “الإسرائيلية” فعلاً على الأبواب؟ أم أن ما يجري مجرد حرب كلامية تهدف بالتحديد إلى تفادي الحرب الحقيقية؟

 

ما تزال معادلة كلاوزفيتز صالحة إلى اليوم: الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى . بمعنى آخر لابد للحرب من أن تحمل أهدافاً سياسية تتوخى تحقيقها في ظروف داخلية وخارجية مؤاتية وفي ظل ميزان للقوى يغري بشن مثل هذه الحرب . وفي نظرة إلى الوراء فإن كل حروب “إسرائيل” على الدول العربية تحصنت بجبهة داخلية كانت مستعدة لها وبدعم أمريكي و”تفهم” دولي ناهيك عن عنصر المفاجأة وقوة النيران وغيرها من العناصر الضرورية للانتصار العسكري .

 

ومن المعروف أن “إسرائيل” تنظر اليوم بقلق بالغ إلى عجز العالم عن وقف البرنامج النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية، وتسعى بكل الطرق لإقناع الأمريكيين بأن لا مناص من توجيه ضربة عسكرية قاصمة إليه . ويبدي هؤلاء تفهما حيال حليفهم المدلل واتفاقاً معه حول جسامة الخطر النووي الإيراني لكنهم يفضلون إعطاء مهل إضافية للدبلوماسية وإقرار العقوبات عن طريق الأمم المتحدة . وهذه الأخيرة تبدو عاجزة أمام رفض الروس تارة والصينيين طورا لمثل هذه العقوبات والتي وإن تم إقرارها في النهاية إلا أن الجميع يعرف مدى محدودية تأثيرها، والوقت الذي تتطلبه لتبيان فاعليتها . و”الإسرائيليون” يستعجلون إنهاء الملف الإيراني لكنهم ليسوا بمستعجلين أو آبهين لتسوية مع العرب لا تلبي كل رغباتهم . وهم يستمرون في الاستيطان رغم أنف العالم كله ولا يترددون في إهانة الولايات المتحدة نفسها عندما يعلنون عن بناء المزيد من المستوطنات لدى استقبالهم لكبار المسؤولين الأمريكيين وآخرهم نائب الرئيس بايدن ناهيك عن جورج ميتشل وهيلاري كلينتون . ومن المؤكد أنهم يطمحون إلى إعادة الاعتبار لجيشهم الذي فشل في حرب يوليو/ تموز 2006 فيستمرون في تطوير قدراتهم التسلحية وينظمون المناورات العسكرية ويوزعون الأقنعة الواقية على سكانهم ويدربونهم على ظروف الحرب . لهذه الأسباب وغيرها فإن معظم المراقبين أضحوا على قناعة بأن “إسرائيل” تخطط لشن حرب مباغتة على إيران وحزب الله في وقت واحد وربما سوريا إذا لم تبق على الحياد .

 

الأجواء تعبق إذن برائحة البارود والمنطقة تعيش على كف عفريت وتبدو الحرب وكأنها باتت قاب قوسين أو أدنى .

 

ولكن . . . لنبدأ بالبيئة الدولية والإقليمية هل هي مؤاتية بالفعل لمثل هذه الحرب؟ الجواب لا بكل بساطة . فأصداء تقرير غولدستون ما تزال تتردد في العواصم الغربية كذلك تداعيات اغتيال المبحوح والتقارير عن خروقات “إسرائيل” المستمرة للقرار 1701 ما يحرمها من أي تعاطف أوروبي ودولي لاسيما وأن إدارة أوباما ما تزال ترفض منطق الحرب، الأمر الذي أعلنه نائب الرئيس بايدن خلال زيارته الأخيرة ل “إسرائيل” التي استخدم معها لغة الدعم المفرط والتطمين مع التحذير في الوقت نفسه من عواقب قيامها بأي عمل عسكري غير مبرر .

 

أما عن البيئة الداخلية فتدل عليها كل استطلاعات الرأي التي تنشرها تباعا الصحف “الإسرائيلية” وتبين عن خشية الجمهور من الحرب وعدم استعداه النفسي لها . ما تزال نقطة الضعف “الإسرائيلية” تكمن في هشاشة الوضع الداخلي العاجز عن الصمود طويلاً في حرب تطاول مدنه وقراه ومنشآته الحيوية .

 

عن الثمار السياسية المتوخاة من الحرب المحتملة فإن الأمل ضعيف في أن تتمكن “إسرائيل” من القضاء المبرم على حزب الله حتى لو تمكنت قواتها من احتلال كامل الأراضي اللبنانية . لا بل إن مثل هذا الاحتلال سوف يكشف هذه القوات أمام عناصر المقاومة كما سبق وحدث بعد اجتياحها واحتلالها للبنان في العام 1982 . وللتذكير فقط فإن حزب الله وجد كرد فعل على هذا الاحتلال وما يزال يستمد قوته من احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بعد نجاحه في تحرير الأراضي التي كانت تحتلها “إسرائيل” بالقوة . والأمر نفسه ينطبق على البرنامج النووي الإيراني، فإن السيناريوهات التي نشرتها صحيفة “يديعوت احرونوت” مؤخراً تتوقع بأن يعود هذا البرنامج إلى النشاط المتسارع بعد العملية العسكرية “الإسرائيلية” المحتملة والتي ستشكل ذريعة لإيران كي تسعى إلى امتلاك السلاح النووي .

 

وإذا كانت الثمار السياسية المرجوة من الحرب غير مؤكدة، وإذا كان الدعم الدولي هو الآخر غير مؤكد، هذا إذا افترضنا أن الأمريكيين اضطروا إلى مساندة “إسرائيل” أمام الأمر الواقع، فهل يمكن لهذه الأخيرة المجازفة بتلقي عشرات الآلاف من صواريخ إيران وحزب الله التي قد تصيب تل أبيب نفسها ومنشآت حيوية كمعامل كهرباء ومصانع بتروكيميائية وربما مفاعلات نووية وغيرها؟ من دون أن ننسى امكانية توسع الحرب لتشمل سوريا ومضيق هرمز والقواعد العسكرية الأمريكية والمنشآت النفطية في المنطقة وغير ذلك من سيناريوهات الرعب العسكري والاقتصادي والأمني التي باتت معروفة نتيجة تداولها في الإعلام العالمي وتقارير الخبراء الدوليين .

 

الحرب لا تقوم إلا بناء على حسابات عقلانية مدروسة بدقة لامتناهية وأي خطأ في هذه الحسابات قد يؤدي إلى التهلكة . و”إسرائيل” هي من أكثر الدول في العالم هشاشة أمام مثل هذا الخطأ، وبالتالي فهي أكثر الدول تردداً في ارتكاب فعل قد يحتمل مثل هذا الخطأ . وفي المدى المنظور على الأقل فإن الحسابات العقلانية لا تؤيد القيام بمثل هذه المغامرة . جل ما في الأمر أن “إسرائيل” تخشى من قيام حزب الله بعمل انتقامي كبير رداً على استشهاد عماد مغنية فتسعى للبرهنة عن جهوزيتها للرد إذا ما حصل مثل هذا الانتقام . ومن جهته فإن حزب الله الذي يخشى من نوايا “إسرائيلية” عدوانية يعمل من خلال خطبه الحماسية على لجمها . فالسيد حسن نصرالله ما انفك يعلن بأنه يسعى تحديداً لتجنب الحرب . أما إيران فإنها بنبرة التحدي العالية تسعى لحماية برنامجها النووي واكتساب المزيد من الوقت كي ينسل إلى نهاياته المرسومة .

=========================

المقاومة والحق في الحياة

 فيوليت داغر

achr@noos.fr

المصدر: موقع اللجنة العربية لحقوق الإنسان 9/3/2010

 شكل نجاح حركة المقاومة الإسلامية في الانتخابات الماضية في فلسطين منعطفاً جديداً وسابقة في القانون الدولي، كما في سقف وحدود الشرعية في النضال الوطني الفلسطيني. فمن جهة، نصت اتفاقيات أوسلو والقرارات والقوانين المتعلقة بالانتخابات التشريعية على ضرورة مشاركة كل الأطراف الفلسطينية في عملية السلام ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. ومن جهة ثانية، تعهدت الدول المانحة، وبشكل خاص الاتحاد الأوروبي، باحترام الاختيار الفلسطيني الحر لممثلي الشعب.

لكن الحرب على الإرهاب جاءت لتعزز الحرب الغربية على أي مقاومة مسلحة للاحتلال. فنجحت مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل في استصدار قرار (من البرلمان الأوروبي) من أكثر القرارات الأوروبية عداء للقضية الفلسطينية. قرار يصنف فصائل أساسية على لائحة الإرهاب، كما يطالب السلطة الفلسطينية بمحاربتها كشرط لاستمرار ما يسمى عملية السلام. ولكي تكتمل حلقة المحاصرة لفصائل المقاومة، تعهدت المفوضية الأوروبية في اجتماع سري لها (في منتصف ديسمبر/كانون الأول ومباشرة قبل الانتخابات الفلسطينية) بوقف المساعدات عن الجانب الفلسطيني في حال نجحت حركة حماس في الانتخابات.

لكي يكتمل نصاب الاعتداء على السيادة الفلسطينية وعلى حق هذا الشعب في اختيار ممثليه، مارس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سياسة عزل سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي على حكومة حماس الأولى. ثم عاد وفرض ضغوطاً جمة، مع تأييد حصار لا سابق له، بعد الصراع الفلسطيني/الفلسطيني وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة.

معظم الحكومات الأوروبية تدعم هذه السياسة الأميركية المعادية لنهج المقاومة، سواء ارتبط عند الأطراف السياسية الفلسطينية بهدنة مؤقتة أو طويلة الأمد، أو كان برنامجاً سياسياً يجمع بين مختلف أشكال النضال العسكري والسلمي من أجل الاستقلال.

وإزاء هذا الوضع، هناك أسئلة تطرح نفسها بقوة: هل يحق لأي شعب تحت الاحتلال مقاومة المحتل بكل الوسائل المتاحة بما فيها المسلحة؟ ما هو المباح والمحظور في النضال المسلح؟ وهل يحول هذا النضال دون تقدم "مباحثات السلام"؟ بل هل توجد حالة دولية واحدة لنزع السلاح قبل إنجاز البرنامج السياسي لحركة التحرير الوطني؟

يلخص أحد مؤسسي جبهة التحرير الجزائرية إشكالية المحظور والمباح في القانون الدولي بأن احترام جبهة التحرير اتفاقيات جنيف وتطبيقها، حتى ولو لم تعترف الدول السامية بجبهة التحرير، كان بمثابة العقد الأخلاقي والحقوقي الأساسي بين جبهة التحرير والمجتمع الدولي. في حين يقع كل ما يتعدى ذلك ضمن استقلالية المقاومة وحركات التحرر، وهو عمل شرعي تماماً في ظل كل احتلال. ونجد آراءً مشابهة لهذا الموقف في الفقه القانوني الدولي الأوروبي وعند العديد من منظمات حقوق الإنسان الأوروبية، كالرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان في الفترة الاستعمارية.

ولا شك في أن أي أمر قائم تحتكر فيه السلطة السائدة العنف ضد الشعب، أكانت محتلة أو دكتاتورية، يناهض فكرة حق مقاومة الظلم والاحتلال. فهل يمكن للمجموعة البشرية التقدم دون مقاومة الاعتياد على روتين المنظومة الحاكمة لوجودها والظلم الواقع عليها؟ العنف عندما يكون دفاعاً عن الحياة وعن الحق في العيش فهو مشروع بكل المقاييس. الأمر الذي يذكرنا بمقولة أبو ذر الغفاري المأثورة: "أعجب لرجل لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه".

وفي الثقافة العربية الإسلامية هناك تأصيل لحق المقاومة. لقد عرف شرقي المتوسط حركات مقاومة مسيحية للظلم ذات طابع ديني مثل النساطرة واليعاقبة والموارنة. وعندما جاء الإسلام وكثر الظلم على المسلمين نزل نص قرآني يعطي المشروعية لمقاومة الظلم.

أما في أوروبا فكان لمقاومة مظالم الكنيسة ومحاكم التفتيش ثمن باهظ. وقد دخل "حق المقاومة" في التراث الأدبي الغربي القاموس مع الحروب الدينية. كما ارتبط تطور مفهوم المقاومة مع تطور مفهوم "العقد الاجتماعي"، ووجود عقد بين الله والشعب وآخر بين الملك والشعب. بحيث إن انتهاك الملك للدين هو انتهاك لهذا العقد، مما يتيح للشعب ممارسة حق المقاومة. وتطور الأمر إلى فك الارتباط بين حق المقاومة والقوانين الإلهية، وإلى القول بقوانين وضعية تنطلق من مصالح البشر، بما يجيز لهم استعمال حق المقاومة في ظل سلطة ظالمة.

جاء إعلان الاستقلال الأميركي (4/7/1776) كوثيقة أولى تنص صراحة على حق المقاومة، وتؤكد أن المقاومة المسلحة هي المرحلة الأخيرة للاحتجاج ضد الهيمنة الاستعمارية (يقصد بها الإنجليزية في ذلك الحين) في المستعمرات الأميركية الثلاث عشرة. وقد أصبح هذا النص مرجعاً للعديد من حركات التحرر في القرنين التاسع عشر والعشرين.

بعد عقد ونيف يأتي "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" (1789) الفرنسي ليقر أربعة حقوق طبيعية للإنسان لا يجوز المساس بها: حق الملكية، حق الحرية، الحق في الأمن، الحق في مقاومة الظلم والاستبداد. واعتبرت المادة 33 من النص الثاني لهذا الإعلان، الذي صدر في 1793، أن حق مقاومة الظلم هو النتيجة الطبيعية لحقوق الإنسان الأخرى. أما "إعلان حقوق وواجبات الإنسان الاجتماعي"، الذي أقرته أمة جنيف في 9/6/1793، فنص في مادته العاشرة على ستة حقوق هي: المساواة، والحرية، والأمن، والملكية، والضمان الاجتماعي، ومقاومة الظلم. ثم أكدت المادة 44 أنه "لكل مواطن الحق في مقاومة الظلم" (مواد مقتبسة من موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان).

يعود الفضل في إعادة الاعتبار لمفهوم المقاومة والدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها إلى ثورة أكتوبر/تشرين الأول وولادة الأممية الثالثة، كما للرئيس الأميركي توماس ودرو ويلسون (1856-1924). وسيأتي ميثاق الأمم المتحدة ليقر في المادة الأولى منه حق تقرير المصير والمساواة في الحقوق بين الشعوب. ومع ذلك ستخوض الشعوب المستعمَرة في أكثر من بلد حروباً طاحنة من أجل استقلالها، بسبب رفض الدول المستعمِرة التخلي سلمياً عن مستعمراتها. بتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول 1960، تخرج التوصية رقم 1514 (15) حول منح الاستقلال للشعوب والأقاليم المستعمَرة، لتكون بمثابة النص الأكثر تقدماً ووضوحاً في هذا المضمار.

فهي تؤكد اعتبار الخضوع للاستعباد الأجنبي أو سيطرته أو استغلاله إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، كما تمنع أي استعمال للعنف ضد شعب غير مستقل. وقد مهدت هذه التوصية لإقرار مبدأ حق تقرير المصير في المادة الأولى من العهدين الخاصين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومع نهاية الحرب الباردة، خرجت فكرة حق المقاومة من مجرد حق شعب في الدفاع عن نفسه إلى فضاء أوسع: فضاء المقاومة المدنية العالمية التي تعتبر مثلاً حماية الشعب الفلسطيني وحقوقه مسؤولية دولية لكل مواطني العالم، فمن الصعب أن يشعر المرء، وخاصة في الدول المجاورة لبلد الصراع، بالأمان مع غياب الأمان عن الإنسان الفلسطيني أو العراقي أو الأفغاني إلخ.

أعادت القطبية الأحادية واختلال التوازن بين القوى الدولية مفهوم المقاومة للصدارة، لكون من يمتلك القوة ليس من يحرص على ضمان القيم التي دفعت بالحضارة للارتقاء، ذلك علاوة على أن الأمم تمتلك من القدرات والمعارف والإرادات ما يتيح لها أن تتجاوز ما يفرض عليها من الأقوى.

لكن إذا كان الظلم منتجاً أساسياً للاعقلانية وغياب الأخلاق في العلاقات بين الإنسانية، فهو أيضاً منتج للمقاومات بكل أشكالها. وأول هذه الأشكال، كما أبانت التجربة الإنسانية، المقاومة المدنية. لقد أثبتت أشكال الصمود الفلسطيني ضد كل وسائل تحطيم البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني -بما فيها حصار خانق وعدوان مسلح وحشي غير مسبوق، في ظل تواطؤ غربي وإقليمي وحصار إعلامي وسياسي واقتصادي غير معلن، بهدف فرض استسلام على شعب يفترضون أن تدميره سيجعله يقبل بشروط قوة الاحتلال- أن هذه الوسائل التدميرية للحياة الفلسطينية اليومية الطبيعية لا يمكن إلا أن تواجه بمقاومة مدنية خلاقة.

وكانت المواجهة بإبداع يومي لأشكال المقاومة المختلفة، من صناعة السلاح من المواد المتوفرة، إلى توفير الغذاء بوسائل مبتكرة، إلى الصمود في مجتمع تعرّف فيه أكثر من 24% من سكانه على السجون الإسرائيلية لمدد لا تقل عن ثلاثة أشهر وتتجاوز ربع قرن، وشهد نسب استشهاد تقارب نسبة الضحايا في حرب التحرير الجزائرية، مع وجود أوسع تحالف غربي غير مشروط وشبه دائم لأكثر من 60 عاماً مع دولة احتلال واستيطان أو "الدولة المجرمة" Criminal State، باستعارة تعبير المقرر الخاص للأمم المتحدة جون دوغارد.

هذه المقاومة المتعددة الأشكال غيّرت الكثير من المعطيات التي ظنها الغرب قبل أعوام نهائية. لقد اعتقد أنه، ببضع قوائم سوداء وسجون ورحلات سرية، سيقضي على الفارق الجوهري والهام بين المقاومة كحق أساسي من حقوق الإنسان والشعوب، وبين الإرهاب كوسيلة خرقاء للتعبير. هذا المصطلح الذي لم تجرؤ الأمم المتحدة حتى اليوم على تقديم تعريف له.

بعد عام على جريمة العدوان على قطاع غزة، يمكن القول إن القضية الفلسطينية قد استعادت شرعيتها ومشروعيتها كقضية شعب تحت الاحتلال والحصار. أي وضع الشعب الفلسطيني في صلب تقرير المصير، والمواطنة الكاملة، ودولة القانون ذات السيادة، والكف عن التعامل معه كجماعة منكوبة تحتاج لوكالة إغاثة لاجئين.

لذا أصرت المنظمات الحقوقية، ذات المصداقية في التجمعات العالمية المناصرة للمقاومة الفلسطينية، على أن قضية فلسطين ليست في عمليات الإغاثة، بل في رفع الحصار وفتح الحدود برية وجوية وبحرية. وكل عائق دون ذلك يعطي من جهة كامل الشرعية للإنسان الفلسطيني لمقاومة المحتل الذي يحرمه من حقوق أساسية لوجود الأفراد والدول. ومن جهة ثانية، يضع القوات المحتلة تحت طائلة المحاسبة على كل الجرائم التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، أي الانتقال من منطق العويل والبكاء على شعب يعاني إلى منطق محاصرة المعتدي بكل الوسائل المدنية والقانونية، وبالاعتماد على كل أصدقاء العدالة والحريات والحقوق في العالم.

تبدو تعبيرات المقاومة المدنية، ليس في فلسطين فقط بل في أرجاء الوطن العربي، مؤهلة أكثر من ذي قبل لمعركة تجديد البنيان وتقوية عناصر المناعة الداخلية. ذلك مع تعميم شبكات التضامن بين الشعوب وتشجيع كل أشكال التعاون والتنسيق العابرة للحدود. ومن خلال الاستلهام من التجارب واستقاء الدروس والاعتماد على آليات ورؤى وبدائل عملية مجرّبة.

هذا التعاون المثمر بين القوى المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية التي تلتقي على مشتركات أساسها مؤازرة المقاومات في مواجهة تعبيرات الهيمنة والاستعباد واستعادة الحلم في عالم أكثر إنسانية وتعددية وغنى. مشتركات ترتكز على الحق في المساواة بين الشعوب، وتتعزز في التصدي لزحف الفقر والتهميش، ومواجهة ضعف الرعاية الاجتماعية، وتهديدات الأمن الغذائي، واستباحة الطبيعة والبيئة التي تنتقم بإحداث المزيد من الكوارث.

لقد رأينا كذلك في المثل اللبناني وبشكل جلي كيف أن قوى المجتمع المدني قادرة على التصدي لمهامها بجدارة عندما يتاح لها جو من الحريات يمكّنها من إطلاق حملات التوعية والتعبئة بوسائل الاتصال والتواصل، وابتكار أدوات سلمية للمقاومة. فعندما تسمح سياسات المقاومة بتعبيراتها المختلفة لهذا الحيز الواسع الذي يضم كل ألوان الطيف المجتمعي بالتعبير عن نفسه، فإنه يصبح بالإمكان إحداث نقلة نوعية وفرض متغيرات على الواقع العربي المأزوم.

ومن البديهي القول، أخيراً وليس آخراً، أن ثقافة حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، التي يجب تعميمها بكل الأشكال المتاحة، هي أيضاً ما يغذي ثقافة المقاومة. ففيها ما يقوي مناعة الأجيال الشابة ويعيدها لذاتها ولصنع حاضرها وبناء مستقبل أوطانها، وما يوقف نزيف هذه الثروات البشرية الهائلة بالهرب للخارج أو للأمام اعتقاداً منها أنها بذلك ستنجو من ظلم الواقع المعاش.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ