ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 21/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


يمكن لحصار غزّة أن ينقلب حصاراً أخلاقياً لإسرائيل

المستقبل - السبت 20 آذار 2010

العدد 3600 - رأي و فكر - صفحة 19

مصطفى قاعود ()

لم يعد لدى إسرائيل ما تسوغ فيه سياستها العنصرية حيال الشعب الفلسطيني، والتي بلغت ذروتها في حصار غزة والعدوان عليها، وباتت إسرائيل مُلاحقة ومُحاصرة أخلاقياً في العديد من دول العالم بما فيها إسرائيل ذاتها، وبات الشغل الشاغل للصحافة الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، النواح على سمعة إسرائيل المتراجعة باضطراد وخاصة في الدول التي تعتبرها حليفة إستراتيجية، حتى وصل الاختراق إلى الكونغرس الأميركي، حيث ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن 54 نائبا في الكونغرس يطلق عليهم اسم "القوة 54 لغزة"، باتوا يشكلون قوام كتلة تطالب برفع الحصار عن غزة، وأشارت الصحيفة "إلى أن الزمن الذي كان فيه أعضاء الكونجرس الأميركي موالين تلقائيا لإسرائيل قد ولى"، وأصبح اليوم بمقدورهم إعاقة نشاط مؤيدي إسرائيل داخل الكونغرس.

ولا يمكن عزل نشاط المجموعة 54 عن دعوة عضوي الكونغرس بريان بيرد ونيك يبلونو، جورج ميتشل إلى زيارة قطاع غزة، حيث أكد بريان بيرد أنه أجرى في الآونة الأخيرة محادثات مع مبعوث الإدارة الأميركية للشرق الأوسط جورج ميتشل حول زيارته إلى قطاع غزة، للإطلاع على معاناة الفلسطينيين في ظل الحصار الإسرائيلي، وكان بيرد ويبلونو قد وصلا مؤخرا إلى غزة بهدف كسر الحصار، وقال بيرد " يجب علينا أن نسعى لإبحار سفن محملة بالمساعدات الطبية والغذائية إلى قطاع غزة مباشرة ".

إن النشاط الذي يشهده الكونغرس الأميركي لفك الحصار عن غزة، ليس المؤشر الوحيد على عمق الأزمة التي وصلت إليها السياسة الإسرائيلية، بل هو امتداد لما شهدته العديد من الدول الأوروبية سواء على الصعيد الجماهيري أو على الصعيد الرسمي والمؤسسات الحقوقية والقانونية، ومن المحطات والمواقف الجديرة بالذكر الحقائق التي نشرتها الصحيفة السويدية بشأن تقطيع أوصال الفلسطينيين والاتجار بأعضائهم، الأمر الذي أثار عاصفة عنيفة داخل إسرائيل حيث شنت إسرائيل حملة غير موضوعية اتهمت فيها السويد باللاسامية، ما انعكس سلبا على إسرائيل وزاد من تعاطف السويديين مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، كما أن محاولة توقيف ليفني في بريطانيا التي أسفرت عن تدخل إسرائيلي واضح في القوانين والتشريعات البريطانية، أيضا زاد من حالة الازدراء داخل المجتمع البريطاني لمحاولات إسرائيل الفظة للتدخل في شؤون دولتهم، أضف إلى ذلك التوتر الذي ساد العلاقات التركية الإسرائيلية جراء حماقات وزارة الخارجية الإسرائيلية، النابعة من موقف حاقد على تركيا بسبب موقفها من العدوان والحصار.

وأكثر ما أصاب إسرائيل بعدم التوازن تقرير غولدستون، حيث صدمت المحافل الإسرائيلية لمعرفة أن غالبية المعلومات والاقتباسات الواردة في تقرير غولدستون كانت من مصادر إسرائيلية، وهذا وثقته صحيفة يديعوت الإسرائيلية في عددها الصادر يوم 29/1/2010 وتضمن تحقيقا أجرته منظمة "إن أردتم" أظهر أن لجنة غولدستون حصلت على أغلبية المعلومات والوثائق التي تدين إسرائيل من منظمات إسرائيلية تمول من قبل مؤسسة "صندوق إسرائيل الجديد" الموجودة في أميركا، وحسب المنظمة التي شنت حملة ضد المنظمات التي غذت التقرير بالمعلومات، فإن التقرير تضمن 1208 ملاحظات تشمل 1377 توجيها لمصادر معلومات مختلفة، وقرابة نصف الاقتباسات الواردة في التقرير من مصادر إسرائيلية، فحوالي 92% منها جاءت من تلك المنظمات، وهذا ما لم تستطع إسرائيل دحضه أو حتى وصف غولدستون بعدم الموضوعية، وكل ما تقدمت فيه إسرائيل من ردود على التقرير لم يقنع حتى الإسرائيليين أنفسهم، لدرجة أنهم راحوا يناقشون ماذا لو لم يقنع هذا الرد حلفاء إسرائيل كيف ستتصرف حكومة نتنياهو في هذه الحالة، وحتى الرد الإسرائيلي تضمن اعترافا صريحا باستخدام الفوسفور الأبيض ضد المدنيين الفلسطينيين في العدوان على غزة، وخاصة ضد مدرسة الأونروا التي كانت تأوي من شردهم العدوان، وجاء في الرد الإسرائيلي أنه تم استخدام الفوسفور الأبيض ولكن بقرار فردي من قبل ضابطين جرى توبيخهما.

لقد ضاق العالم ذرعا بسياسة الحصار التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة، والأجواء باتت مهيأة لكسر هذا الحصار عبر خطوات عملية، وما على الفلسطينيين سوى استثمار هذه الأجواء واتخاذ خطوات تجعل من فك الحصار إمكانية عملية، عبر ترتيب البيت الفلسطيني حيث لا يمكن استثمار تلك الأجواء في ظل حالة الانقسام ، فالتسريع بخطوات المصالحة والوحدة البرنامجية قبل كل شيء من شأنه أن يسرع عملية فك الحصار، إذ أن المصالحة وحدها لا تكفي وهي مصطلح مضلل ما لم يصاحب ذلك وحدة برنامجية حقيقية في مواجهة أجندة التهويد الإسرائيلية، فثمة فرق شاسع ما بين مصطلح المصالحة ومصطلح الوحدة الوطنية، والمصالحة هي خطوة واحدة بينما الوحدة الوطنية تحتاج إلى عدة خطوات، تبدأ بالوفاق وتنتهي بالوحدة البرنامجية.

() كاتب فلسطيني

=============================

الذرّة على الطاولة؟

السبت, 20 مارس 2010

حازم صاغيّة

الحياة

إذا كان من خلاف أميركيّ – روسيّ حول إيران ومفاعل بوشهر، فهذا يبقى تفصيلاً، ولو مهمّاً، في لوحة دوليّة أعرض.

ذاك أنّ السلاح النوويّ أصبح، مع إدارة باراك أوباما، مطروحاً على الطاولة على نحو لا سابق له.

فقبل سنة، وتحديداً في 4 نيسان (ابريل) 2009، سُكّ تعبير «حلم أوباما»، الذي يستلهم التعبير الخطابيّ الشهير لمارتن لوثر كينغ، بهدف إيجاد عالم منزوع من السلاح النوويّ. جاء ذلك في خطاب للرئيس الأميركيّ في براغ، ذكّر كثيرين بخطاب جون كنيدي الشهير في برلين قبل عقود خمسة. هناك دعا أوباما إلى عقد قمّة كونيّة حول الأمن النوويّ وإنشاء شراكات جديدة لمنع انتشار الأسلحة النوويّة. كذلك أكّد على أمله في مفاوضات توصل إلى معاهدة جديدة تنهي إنتاج الموادّ الانشطاريّة اللازمة لتلك الأسلحة. وكانت كوريا الشماليّة، قبل ساعات من الخطاب، قد أطلقت تجربتها الاستفزازيّة فاستخدمها أوباما ذريعة للتركيز على «الحاجة إلى العمل» على هذا الصعيد.

ولم يخل كلامه من إرادويّة محسوبة: فحتّى لو لم يتمّ بلوغ هذا الهدف في حياته، كما قال يومذاك، فهذا ما لن يثنيه عن المضيّ في النضال من أجله.

وهذا الكلام الوارد في اجتماع للقادة الأوروبيّين في العاصمة التشيكيّة ترافق مع استخدام أقصى للسحر الأوباميّ الذي فتك بأوروبا، مثلما فتك بها سحر كنيدي من قبل، وفي المرّتين كان سيّدا البيت الأبيض يدشّنان عهديهما.

مع ذلك، لم يحل السحر دون ملاحظة العقبات وتسجيل الاحتمالات المعاكسة.

فافتراض أوباما أنّ هذا الإنجاز قد لا يحدث في حياته، وهو يومها في السابعة والأربعين، فتح باباً للتشاؤم لأنّ الرئيس الأميركيّ الحاليّ قد يعيش ثلاثين أو أربعين سنة أخرى.

لكنّ الأهمّ ما أضافه في الخطاب عينه من أنّه ما دامت تلك الأسلحة موجودة، فإنّ بلاده ستحتفظ بترسانة «آمنة وفعّالة». وكان التفسير العمليّ أنّ في وسع دولة واحدة تحتفظ بالأسلحة أن تخرّب كلّ شيء: إذ في هذه الحال تحتفظ الولايات المتّحدة بسلاحها وتكرّ، من ثمّ، سبحة المحتفظين. فكيف وأنّ هناك دولاً ذات أنياب نوويّة ليست منضمّة أصلاً إلى معاهدة منع الانتشار، كالهند وباكستان، وقبلهما إسرائيل، وبعدهما كوريا الشماليّة وربّما إيران؟.

مع هذا أوجد أوباما أملاً وجدّد وضع المسألة على الطاولة. وفي 2 شباط (فبراير) الماضي، أعاد إلزام إدارته بهدف العمل لعالم خال من السلاح النوويّ. جاء ذلك في كلمة إلى مؤتمر باريسيّ مهمّته إرساء ستّة أشهر يتمّ خلالها الاتّفاق على خطّة دوليّة للتعاطي مع انتشار السلاح المذكور. وفي المؤتمر نفسه، قدّم الرئيس الروسيّ ديمتري ميدفيديف رسالة مكتوبة تؤيّد الهدف ذاته. وقد ذُكر يومها أنّ الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في ما يخصّ قضيّة النزع، كما توقّع المراقبون تسريع التوصّل إلى معاهدة أميركيّة – روسيّة جديدة تحلّ محلّ «ستارت» الموقّعة في 1991 والتي انتهت صلاحيّتها السنة الماضية.

لكنْ قبل أيّام قليلة أعلن نائب وزيرة الخارجيّة الأميركيّة وليم بيرنز أنّ واشنطن وموسكو حقّقتا «تقدّماً جيّداً جدّاً»، على صعيد الخفض والنزع، فيما كانت الوزيرة هيلاري كلينتون تخوض مع الروس مفاوضاتها حول الموضوع. وجاءت هذه الإيحاءات لتسمح بتوقّع ولادة الاتفاقيّة الجديدة في أيّة لحظة.

وقصارى القول إنّ العالم قد يكون عشيّة لحظة بالغة الأهميّة، ما كان من الممكن بلوغها لولا إصرار أوباما على توجّهه. صحيح أن الأمر يشوبه كثير من الخطابة والأحلام، لكنّه أيضاً مشوب بكثير من الإصرار.

=============================

النوستالجيا السورية والمرحلة الانتقالية

الجمعة, 19 مارس 2010

وليد شقير

تتجه العلاقة اللبنانية – السورية نحو مرحلة من الاختبار بعد سلسلة التطورات التي طبعتها في الأشهر الأخيرة والمستجد فيها استعادة العلاقة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والقيادة السورية في الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها خلال أيام للعاصمة السورية.

وبزيارة جنبلاط تكون دمشق استرجعت علاقتها مع قطبين أساسيين من أقطاب الحركة السياسية الواسعة التي خاصمتها منذ عام 2005، قوى 14 آذار، أي مع زعامة آل الحريري ممثلة برئيس الحكومة سعد الحريري الذي ما زال في الوقت نفسه زعيم هذا التحالف العريض، ومع الزعامة الدرزية ممثلة بجنبلاط الذي غادر هذه الحركة السياسية المخاصمة لسورية، الى موقع ما زال يصر على انه وسطي. واستعادة دمشق العلاقة مع هاتين الزعامتين بعد سنوات من العداء والخصومة تأتي بعد انتقال علاقتها مع زعيم آخر كان ناصبها العداء الشديد على مدى أكثر من 16 سنة هو العماد ميشال عون، إلى موقع التحالف معها، منذ ما بعد عام 2005.

وإذا كانت التطورات المحلية منذ أحداث 7 أيار (مايو) 2008، ثم المستجدات الإقليمية الدولية التي أنتجت المصالحة السعودية – السورية آخر عام 2008، أنتجت مصالحة الحريري مع دمشق ثم جنبلاط معها، فإن ذلك أوجد معطيات جديدة في الخريطة السياسية التي تستند إليها سورية في لبنان، مختلفة عن الخريطة التي استند إليها الدور السوري في السنوات الخمس الماضية التي عوّض فيها عن انسحاب الجيش السوري في 26 نيسان (ابريل) 2005، بالاستناد الى «حزب الله» بديلاً للوجود العسكري المباشر ووكيلاً حصرياً على الصعيد السياسي، في ظل التحالف الإيراني – السوري الوثيق الذي أملاه الاحتلال الأميركي للعراق والذي أوجبه اتباع دمشق سياسة أخرجت جزءاً مهماً من حلفائها السابقين في لبنان وتحديداً آل الحريري وجنبلاط من خانة المحسوبين عليها في لبنان.

وعلى رغم ان استعادة دمشق علاقتها مع زعامتي الحريري وجنبلاط تغنيها عن الوكالة الحصرية ل «حزب الله» في الخريطة السياسية الداخلية التي تستند إليها، من دون ان يلغي ذلك استنادها الى الحزب في ما يخص الأبعاد الإقليمية للساحة اللبنانية في ظل استمرار تحالفها الوثيق مع ايران، فإن القيادة السورية تتصرف حيال لبنان على أنها عادت إليه أقوى مما كانت حين كان جيشها فيه، وتسعى الى استعادة موقعها في قلب السلطة السياسية في لبنان كما كانت قبل عام 2005. وهو ما سبق لمسؤولين سوريين ان صرحوا به. لكن أسئلة عدة تطرح إزاء إمكان نجاحها في العودة الى ممارسة نفوذها السابق على عام 2005. فإذا كان نفوذ «حزب الله» العسكري عوّض لها خروجها العسكري في ظل الصراع على لبنان وفيه، هل يمكن ان يعوّض لها غياب وجودها المباشر في ظل المصالحات التي أجريت حتى الآن؟ وإذا كان الجواب يعني ان الدور المستجد لسورية في الداخل اللبناني سيبقى دوراً يُحسم منه الوجود العسكري المباشر، فإن الأسئلة في هذا المجال كثيرة: هل يعوّض لها تحالفها مع العماد عون، تراجع قدرتها على التأثير المباشر والحاسم في رأس السلطة السياسية أي رئاسة الجمهورية، نظراً الى ان الرئيس ميشال سليمان مختلف عن الرئيس السابق اميل لحود؟ وهل يمكن العودة برئاسة سليمان الى ما كانت الأمور عليه في ظل رئاسة لحود، في وقت تتنافس القوى المسيحية على اكتساب رصيد استعادة الرئاسة قوتها واستقلاليتها؟ وهل تعوّض المصالحات السعودية ثم المصرية (الآتية على الأرجح) مع سورية، والانفتاح الغربي عليها، انتزاع التفويض الدولي الإقليمي لها في لبنان للتصرف وفق ما تشاء، ام ان هذا التفويض غير قابل لإعادة إنتاجه مجدداً، طالما ان القرار الدولي 1559 ما زال قائماً، وما دامت المصالحات العربية التي تشمل الوضع اللبناني تبقي على القوى الإقليمية المعنية بلبنان (وتركيا من بينها اضافة الى السعودية ومصر) في موقع رعاية تحسن العلاقات بين دمشق وبيروت؟

من الواضح، كما يقول خبراء في السياسة السورية من ذوي الإطلالة الدائمة على دمشق، أن ثمة «نوستالجيا» لدى القيادة السورية حيال استعادة الإدارة المباشرة للشأن الداخلي اللبناني على الطريقة القديمة. وهو ما يشي به هجوم حلفائها في لبنان على الرئيس سليمان وعلى الحريري، والتهيؤ للعودة الى إدارة التوازنات والتناقضات الداخلية، مع «اكتمال» استعادتها علاقاتها السابقة بزيارة جنبلاط.

يبقى السؤال الأهم: هل سيتيح الفرقاء اللبنانيون استرجاع التدخل المباشر كما في السابق؟ المؤكد ان العلاقة بين البلدين ستمر في مرحلة انتقالية.

=============================

وليد جنبلاط في سورية... ضريبة التوريث

زين الشامي

الرأي العام

20-3-2010

الالتفاتة السياسية الكبيرة والدراماتيكية التي قام بها الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط نحو النظام في سورية، والاعتذار الذي قدمه له عبر قناة «الجزيرة» أخيراً تمهيداً لزيارته إلى سورية، يعكس حقاً حجم التحولات السياسية الدولية والإقليمية منذ هزيمة «الجمهوريين» في الانتخابات الأميريكية وبالتالي وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض منذ عام ونيف، ويعكس أيضاً الانتصارات التي حققها الحلف السوري الإيراني في المنطقة وفي داخل لبنان تحديداً منذ ما قبل ذلك وحتى اليوم.

صحيح أن الخطوة التي قام بها الزعيم اللبناني غير العادي وليد جنبلاط، خيبت آمال الكثيرين من القوى الديموقراطية في سورية ولبنان، إلا أنها كانت متوقعة من زعيم طائفي وليس زعيماً لبنانياً وطنياً له أجندته الخاصة الشخصية والسياسية، وقبل ذلك، من قبل زعيم محدود الخيارات نظراً لما يفرضه التموضع الطائفي الذي ارتضاه لنفسه ورفض الخروج منه رغم الفرصة السانحة له في عام 2005 حين اغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

فلو مضى جنبلاط في ذلك الخيار والطريق لربما تغير شكل لبنان ومستقبله، لكن الزعيم الدرزي ربما هو أدرى بتفاصيل الخارطة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، وربما هو يدرك حجم قوته الحقيقية ومحدودية الأفق والفضاء السياسي في لبنان الطائفي.

ولأن الزعيم جنبلاط غالباً ما يعرف نفسه ويؤطر دوره على أساس أنه زعيم درزي أولاً ثم لبناني ثانياً، فلن يخرج أبداً من هذا الإطار ولن يذهب بعيداً في طموحه السياسي الوطني والإقليمي، وبالتالي لن تكون خياراته وقراراته أكثر من خيارات وقرارات تتوسم مصلحته الخاصة ومصلحة العائلة الجنبلاطية والطائفة الدرزية في لبنان.

على هذه الخلفية فقط نفهم هذا التحول وتلك الاستدارة الكاملة وذاك الاعتذار الصارخ أو ربما «المذل» الذي قدمه جنبلاط إلى سورية النظام، لقد كان هذا الزعيم اللبناني الذي قال يوماً ان والده اغتيل على أيدي هذا النظام، ينظر ويتطلع إلى توريث ابنه تيمور الزعامة من بعده وليس إلى أي شيء آخر، لا إلى القوى الديموقراطية في سورية أو لبنان، ولا إلى مصير قوى الرابع عشر من آذار، ولا إلى قضية الشعب الفلسطيني كما أعلن وبرر في تلك المقابلة على قناة «الجزيرة».

وإذا لم يكن غير ذلك، فلم أعلن كل هذا التحول في ذكرى اغتيال والده كمال جنبلاط، ولم قال انه سامح ونسي، ولم قال انه لا يريد أن يورث الأحقاد؟

ان هذا الكلام، وفيما لو اشبعناه تحليلاً يعني ما يلي: أنا الزعيم اللبناني وليد جنبلاط قررت أن أسامح من قتل والدي، وأن أنسى الجريمة وازيحها من ذاكرة العائلة والطائفة حتى أستطيع تأمين مستقبل سياسي آمن لولدي تيمور، واني أقول لمن قتل والدي أن عليكم ان تأخذوا ذلك بعين الاعتبار، وأن تحافظوا على حياة ابني وتدعموا مستقبله السياسي كوريث من بعدي. وأيضاً فإني أعود الى خياراتكم السياسية وأقبل بها وأتمنى أن تقبلوني ضمن حلفائكم وأوراقكم، لكن لي رجاء أن تساعدوا تيمور وريثي وابني في المستقبل وأن تحافظوا عليه في ساعات الشدة، كما أن الطائفة الدرزية كلها أمانة بين أيديكم.

لو كان جنبلاط خرج من قمقم الطائفة في تلك اللحظة التاريخية في عام 2005، لما اضطر اليوم إلى الاعتذار، وحتى لو دفع الثمن لاحقاً مثل أبيه، فسيكتب التاريخ أن وليد جنبلاط كان سر أبيه، «زعيماً لم تسعه طائفة وحلم في الخروج من مستنقع الشرق إلى شرق جديد» كما قال الراحل محمود درويش يوماً في كمال جنبلاط.

=============================

عسكريو أمريكا أقل صهيونية من سياسييها

آخر تحديث:السبت ,20/03/2010

عصام نعمان

الخليج

يستطيع المراقبون والمحللون الإحاطة بسهولة برؤى أمريكا الاستراتيجية، لكن ليس بخططها التكتيكية . ذلك يتحقق بالتدقيق في ما يقوله كبار عسكرييها وسياسييها في شهاداتهم أمام لجان مجلس الشيوخ، ولا سيما أمام لجنتي القوات المسلحة والعلاقات الخارجية .

 

الرؤى الاستراتيجية هي، غالباً، أفكار ومفاهيم وتصورات يتداولها اختصاصيون من أهل الفكر والسياسة والاستراتيجيا، يتناقشون في مدى صدقيتها وفعاليتها، ولا يمكنهم إخفاؤها وليس لهم أصلاً مصلحة في ذلك . أما الخطط التكتيكية، فيحرص أهل القرار السياسي كما العسكري على إحاطتها بستار كثيف من السرية لأن كشفها يمكّن العدو من تعطيل جوانبها التنفيذية وتفشيلها .

 

في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة أخيراً، قدّم قائد القيادة الأمريكية الوسطى الجنرال ديفيد بترايوس رؤية سياسية وعسكرية شاملة لأوضاع المنطقة كما تبدو من منظار كبار القادة العسكريين الأمريكيين، بينما قدّم سفير أمريكا الجديد في دمشق روبرت فورد أمام لجنة العلاقات الخارجية رؤية سياسية استراتيجة للعلاقات الأمريكية السورية، وما تريده واشنطن من دمشق في الحاضر كما في المستقبل .

 

بترايوس أعاد الصراع في فلسطين إلى قلب اهتمام أمريكا في الشرق الأوسط بعدما ربطه بقدرة قيادته على العمل بفعالية في الخليج، وبنفوذ إيران، وبتنظيم “القاعدة”، وبقوى المقاومة والجماعات المسلحة في شتى ساحات المنطقة، بينما وضع البرنامج النووي الإيراني في مرتبة أدنى بقوله إن جهود إيران الرامية إلى “تطوير أسلحة نووية قد تباطأت قليلاً” .

 

ففي شهادة مكتوبة، صنّف بترايوس الصراع العربي “الإسرائيلي” بأنه “أهم تحدٍ للأمن والاستقرار” في منطقة عمل قيادته الوسطى، معتبراً أن “إنهاء أعمال العنف بين “إسرائيل” وبعض جيرانها، يمثل تحدياً استثنائياً لقدرتنا على تعزيز مصالحنا في المنطقة” . لماذا؟ “لأن هذا الصراع يثير المشاعر المعادية للولايات المتحدة، بسبب انحيازها ل “إسرائيل”، ولأن غضب العرب بسبب المسألة الفلسطينية يحدّ من صلابة الصداقة الأمريكية وعمقها مع حكومات المنطقة وشعوبها، ويُضعف شرعية النُظم السياسة المعتدلة في العالم العربي” .

 

شهادة بترايوس تضج، إذاً، بإقرار واضح مفاده “الانحياز الأمريكي ل “إسرائيل””، وبأن هذا الانحياز هو “سبب غضب العرب” الناجم عن المسألة الفلسطينية، وبأن انحياز أمريكا ل “إسرائيل” وغضب العرب بسبب ذلك هما المسؤولان عن الحدِّ من مفعول الصداقة الأمريكية مع حكومات المنطقة وشعوبها من جهة وعن إضعاف شرعية هذه الحكومات من جهة أخرى .

 

كلام صريح ودقيق لا يقع عليه المراقب في شهادات المسؤولين السياسين الأمريكيين وتصريحاتهم . ولعل مرد ذلك إلى أن العسكريين لا يتأثرون بدعاوى قادة “إسرائيل” ومصالحهم وليسوا على تماس مباشر معهم في معرض انتخابات تشريعية أو محلية أو في سياق إدارة سياسية أو اقتصادية لأوضاع ومصالح فئوية أو وطنية .

 

وليس أدل على صوابية هذا التحليل من قول بترايوس في شهادته إن تنظيم القاعدة وجماعات مسلحة أخرى “تستغل هذا الغضب (العربي) لحشد التأييد لها” . إلى ذلك، فإن “الصراع يعطي إيران أيضاً تأثيراً في العالم العربي عبر حليفيها، حزب الله وحماس” .

 

لا يكتفي بترايوس بتوصيف مشكلة أمريكا مع شعوب المنطقة وبعض حكوماتها، بل يتقدم بخطوط عريضة لكيفية معالجتها . صحيح أنها علاجات قاصرة ومحدودة الفعالية، لكنها محاولات من طرفه تشي بافتراقه عما تعتمده بلاده (ومن ورائها “إسرائيل”) من سياسات عجاف . فهو يذكر أن “جهداً أمريكياً جديراً بالثقة حيال المسألة العربية “الإسرائيلية”، يوفر للحكومات الإقليمية وشعوبها فرصة التوصل إلى تسوية معقولة، سيحدّ من سياسة إيران المتمحورة حول المقاومة المسلحة . . .” .

 

لئن كان كلام بترايوس هذا معادياً دونما مسوّغ لإيران ولخيار المقاومة لدى القوى الحية في الأمة، فإنه ينطوي على موقف رافض لمضمون السياسات والمقاربات الممالئة للصهيونية التي تعتمدها واشنطن حيال قضية فلسطين . مع العلم أن هذه السياسات والمقاربات القاصرة أدت إلى انفجار الأزمة أخيراً بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو .

 

شهادة بترايوس عيّنة من رؤية العسكريين الأمريكيين لواقع الصراع في المنطقة وتحدياته وعن دور السياسات التي تنتهجها واشنطن في صناعة الكراهية العربية ضدها . ماذا عن رؤية السياسيين وانعكاساتها السلبية على علاقات أمريكا مع أصدقائها وأعدائها؟

 

لنقرأ، بادئ الأمر، ردة فعل السناتور جون ماكين (المرشح الجمهوري للرئاسة الذي هزمه باراك أوباما) بعد استماعه إلى شهادة بترايوس . فقد علّق قائلاً: “المسألة ليست مسألة المستوطنات بقدر ما هي مسألة وجود “إسرائيل” . ذلك ان جيرانها ( . . .) كرسوا أنفسهم لمحاولات القضاء عليها”!

 

إلى ذلك، تقدم شهادة السفير روبرت فورد أمام لجنة العلاقات الخارجية مثالاً اوضح على الفجوة الواسعة بين السياسيين والعسكريين الأمريكيين حيال مسألة معالجة تدني، إن لم يكن انعدام، ثقة العرب بسياسة أمريكا في المنطقة . فقد تبنى السفير فورد في شهادته نظرة إدارة جورج بوش وسياسته تجاه سوريا لكونها “كانت داعماً ثابتاً ل “الجماعات الإرهابية” مثل حماس وحزب الله والجهاد الاسلامي”، ودعا إلى “إقناعها بأن إيران وحزب الله لا يتقاسمان المصلحة الاستراتيجية لسوريا في السلام الشامل للشرق الأوسط، وعلينا أن نرى حقاً ما إذا كان السوريون مهتمين صدقاً بالتفاوض على اتفاق سلام مع “إسرائيل”” .

 

باختصار، فورد دعا سوريا إلى الابتعاد عن إيران وحزب الله وتفادي “أخطاء في الحسابات” تؤدي إلى “انجرار سوريا إلى المواجهة ولو عن غير قصد مع “إسرائيل” في حال تكرار سيناريو عام 2006” .

 

كلام فورد يوحي بأن “إسرائيل”، ومن ورائها أمريكا، تخطط لسيناريو جديد سيكون تكراراً لسيناريو عام ،2006 وبأنها تريد لسوريا أن تنأى بنفسها عن حزب الله كي تنفرد به “إسرائيل” مرة أخرى .

غير أن بترايوس، وغيره من كبار العسكريين الأمريكيين، يدرك ويدركون من الذي ارتكب في حرب 2006 العدوانية “أخطاء في الحسابات” ومن سيرتكبها، على ما يبدو، مرةً أخرى إذا ما ركب رأسه ونفذ سيناريو مشابهاً لعام 2010 .

=============================

جائزة "أردوغان" الفعلية

آخر تحديث:السبت ,20/03/2010

محمد نور الدين

الخليج

رجب طيب أردوغان، اسم جديد على الساحة التركية والدولية .احتشدت الأسماء في الداخل التركي: سليمان ديميريل، طورغوت أوزال، بولنت أجاويد، نجم الدين أربكان .

 

حظي كل هؤلاء باحترام لدى العالم العربي: أوزال لميول إسلامية ما وإن محدودة، أربكان لميوله الإسلامية القوية، ديميريل لعلاقات معقولة مع بعض العرب وإن ساءت صورته كثيراً بعد الانقلاب على حكومة أربكان عام 1997 . أما أجاويد المناوئ بشدة للإسلاميين فكان له احترام وتقدير كبيران في العالم العربي لأنه كان مناصراً كبيراً للقضية الفلسطينية وصديقاً لياسر عرفات وفي عهده فتحت أبواب تركيا أمام فلسطين في نهاية سبعينات القرن العشرين .

 

لكن كل هؤلاء، باستثناء أربكان، في كفة، ورجب طيب أردوغان في كفة أخرى .

 

الإنسان العربي كان ولا يزال بحاجة إلى أنظمة تحكم بشفافية وبصدق وبإخلاص وتتسم بمواقف صلبة وإنسانية ومبدئية وأخلاقية من قضاياه ولا سيما القضية الأم أي القضية الفلسطينية . وإذ لم يجد ضالته في المسؤولين العرب فقد احتل أردوغان في قلوب العرب موقعاً لم يحتله من قبل سوى الزعيم الكبير جمال عبدالناصر .

 

لم يستسغ بعض الأتراك تشبيه أردوغان بعبدالناصر، بل حرّض مرة السفير الأمريكي في أنقرة على مقارنة أردوغان بناصر وحاول تشويه صورة عبدالناصر الذي أراد أن يكون للعربي كلمة على مسرح التاريخ وأن تكون الأمة العربية مستقلة بقرارها ومصيرها عن التدخلات والغزوات الاستعمارية .

 

عندما وقف أردوغان في دافوس ضد الرئيس المجرم شمعون بيريز كان يحيي الأحاسيس والذكريات المشعة لعصر وقفات عبدالناصر ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي .

 

وفرنسا وبريطانيا بالذات كانا من ألد أعداء الدولة العثمانية ومصالح الجمهورية التركية وقد مزقاها في الحرب العالمية الأولى إرباً إرباً .

 

وقف أردوغان حيث لم ينجح أن يقف اليوم معظم المسؤولين العرب .

 

تحولت تركيا في سياستها الخارجية . تركيا، وفقاً لأحمد داود أوغلو وزير خارجيتها، باستطاعتها أن تكون أوروبية في الاتحاد الأوروبي وفي الوقت نفسه أن تكون شرقية أو مسلمة في علاقتها بمحيطها العربي الإسلامي .

 

نعم هذه هي المعادلة الجديدة . تركيا ذات “النزعات المتعددة” لا يمكن لها أن تنغلق على “هوية” أوروبية لم يرها الأوروبيون يوماً جزءاً منهم . لذلك نحا أردوغان ورفاقه صوب الشرق من دون أن يقطع مع الغرب .

 

وجدت تركيا أردوغان في الشرق العربي والإسلامي بحراً بل أوقيانوسا بكامله يمكن للسمكة التركية أن تنمو فيه وتصول وتجول بحريّة .

 

نجحت تركيا في أن تعبّر عن نفسها وعن هويتها الحقيقية المنفتحة في الوقت عينه على الأخذ بأساليب التقدم والحداثة .

 

أصبح باستطاعة تركيا أن تقول نعم لمن تريد ولا لمن تريد . امتلكت قرارها الحر المستقل . ولم تغب عن خطاب أردوغان عبارات الانتصار للمظلومين في كل مكان من فلسطين وغزة إلى سنجان في الصين . صحيح أن الوقوف إلى جانب المظلومين بحاجة إلى التوسيع وأن يشمل الأكراد في تركيا مثلاً . لكن المهم هنا أن هذه “الطينة” موجودة وهذا هو الأهم . ويمكن لأردوغان أن يعبّر عن هذه الطينة اليوم هنا وأن تختفي عنده لظروف قاهرة خارج إرادته هناك . لكن نصرة المظلومين والحق والعدل صفات ندر أن تجتمع في زعيم تركي مثل أردوغان .

 

لذا عندما تسلم أردوغان جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام من الملك السعودي عبدالله كان تعليقه على الجائزة متصلاً بالعدل . قال: “إن العدل هو أهم قيمة في الحياة مهما تشعبت دروبها، ولعل السبب الرئيسي وراء كل ما يشهده العالم من مشكلات راهنة، هو انعدام العدالة أو الحرمان منها، فالظلم أساس كل المآسي التي نشهدها” .

 

شاهد أردوغان الظلم “الإسرائيلي” فشهد للمظلومين في غزة . ولم تفتّ في عضده واستمرار نصرته لهم لومة اللائم “الإسرائيلي” ولا انتقام “الحليف” (الوهمي) الأمريكي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي .

قليل على “الطيب” جوائز العرب والمسلمين، جائزة أردوغان الفعلية عندما نستفيد من سياسة تركيا الجديدة ونرفع الصوت عالياً من أجل التوحد بوجه المستعمر الصهيوني والدفاع عن أرض العرب والمسلمين في فلسطين بدلاً من محاولة البعض تعطيل الدور التركي ووضع العصي في دواليبه والجدران الفولاذية والسياسية بيننا وبين مظلومي غزة .

=============================

هل تنجح سوريا في تحويل الأكثرية أقلية في لبنان؟

اميل خوري

النهار

20-3-2010

مراقبة مواقف الحكم من المقاومة والتعيينات

هل مكتوب للبنانيين أن ينقسموا كل مرّة حول القضايا الداخلية أو الخارجية التي تواجههم، وأن يبلغ هذا الانقسام حد العداء في ما بينهم والتضحية بمصالحهم ومصالح وطنهم عوض أن يكون انقسامهم تنافساً على خدمة هذه المصالح.

لقد انقسم اللبنانيون في الماضي بين من هم مع الاستقلال بلا شروط ومن هم معه بشروط محافظة عليه، ثم انقسموا بين مؤيد ل"التيار الناصري" ومناهض له، وبين مؤيد للوجود الفلسطيني المسلح ومعارض له، الى حد اشتعال حروب داخلية. ثم انقسموا بين مؤيد للوجود العسكري السوري في لبنان ومعارض لاستمرار وجوده، ويُخشى أن يتجدد الانقسام حالياً بين من يرضى بعودة النفوذ السياسي السوري الى لبنان والوصاية المقنّعة عليه، من خلال ايصال حلفائها في لبنان الى السلطة، وهذا ما يبدو حتى الآن، فيعود عندئذ الصراع الشديد بين قوى 8 آذار حليفة سوريا وقوى 14 آذار المناهضة لعودة أي وصاية على لبنان حرصاً على استمرار السيادة والحرية والاستقلال، وهو صراع بدأ على ما يبدو بالحملة على الرئيس الحريري وعلى الرئيس السنيورة وعلى قيادة قوى الأمن الداخلي، وأخيراً وليس آخراً على رئيس الجمهورية ميشال سليمان ومن منزل العماد ميشال عون في الرابية الذي يعرف الجميع أنه كان أول من دعا الى انتخاب رئيس للجمهورية لمدّة سنتين فقط، كي يتم الانتقال بعد ذلك من الجمهورية الثانية الى الجمهورية الثالثة التي يكون لها نظام جديد ودستور جديد...

والحملة المدروسة والمبرمجة هذه قد ترمي الى تحقيق الآتي، سواء في المدى القريب أو البعيد:

أولاً: تحويل الأكثرية التي فازت بها قوى 14 آذار في الانتخابات النيابية الى أقلية، بحيث تنتقل هذه الأكثرية الى قوى 8 آذار، وذلك بإقناع النائب وليد جنبلاط المتموضع في الوسط، بالانضمام الى الاكثرية الجديدة مع نواب وسطيين آخرين ومستقلين.

ثانياً: تشكيل حكومة ائتلافية من الاحزاب والكتل التي ترغب في المشاركة فيها، وعندها تستطيع هذه الحكومة أن تمسك بالزمام وبالقرارات المهمة، سواء ما يتعلق منها بوضع سلاح "حزب الله"، وباستراتيجية مواجهة اسرائيل، وبالتحكم بسير المحكمة ذات الطابع الدولي بحجة منع تسييسها، وبإسقاط القرار 1701 وجعل مصيره كمصير القرار 1559.

ثالثاً: إذا لم يتعاون الرئيس سليمان مع الحكومة ويوقّع المراسيم والقرارات التي تصدر عنها، بل لجأ الى اعادة بعضها لدرسها من جديد في ضوء الأسباب الموجبة التي ترد في قرار اعادتها، فإن الحكومة تدخل عندئذ في مواجهة معه، فإما أن يرضخ لها فيكمل ولايته أو يعاند فيفتح عندئذ في وجهه باب الاستقالة وذلك من الثغرة الدستورية التي كان الرئيس حسين الحسيني قد نبّه اليها واقترح سدّها بتعديل المادة 49 من الدستور، فلم يطرح اقتراحه بحجة انه يشكل اعترافاً بحكومة الرئيس السنيورة التي اعتبرتها قوى 8 آذار غير ميثاقية وغير شرعية، ولا يزال أكثر من 170 مشروعاً صدر عن تلك الحكومة موضوع خلاف ولم تتوصل الحكومة الحالية بعد الى ايجاد تسوية تجعل هذه المشاريع نافذة.

والسؤال المطروح هو: ما الذي يحل بالبلاد إذا عاد الانقسام بين اللبنانيين على هذا النحو الخطير؟ وأي مواجهة فاعلة يمكن ان تتم في حال حصول عدوان اسرائيلي على لبنان وجبهته الداخلية منقسمة على نفسها ومصدّعة؟ وهل يؤدي انقسام اللبنانيين بين مؤيد للمحور الايراني – السوري ومناهض له الى اشعال فتنة داخلية كتلك التي اشعلها الانقسام حول الوجود الفلسطيني المسلح فكان دمار وخراب، وهي الفتنة التي حذّر منها الرئيس بشار الأسد في حديث له، وان جرى توضيحه في ما بعد؟ وهل تكون هذه الفتنة إذا وقعت، سبيلاً الى تغيير النظام في لبنان فلا يبقى كما هو الآن نقيض أنظمة الدول المجاورة ولاسيما سوريا فيصعب التعايش بين أنظمة متناقضة بل بين انظمة متشابهة ومتجانسة، وتكون قوى 8 آذار والمتحالفون معها قد ثأروا من قوى 14 آذار واطاحوا "ثورة الأرز" قبل أن تكمل أهدافها، وقاموا بانتفاضة على "انتفاضة الاستقلال".

هذا المخطط الموضوع برسم التنفيذ منذ فوز قوى 14 آذار بالأكثرية في الانتخابات، يبدو انه وضع على نار وإن هادئة حتى الآن، لاختبار تصرّف حكومة الرئيس الحريري في المواضيع المهمة مثل سلاح "حزب الله" والاستراتيجية الدفاعية، والاستعداد لمواجهة عدوان اسرائيلي محتمل، وإجراء حركة تعيينات ادارية وديبلوماسية وأمنية تكون مقبولة من ممثلي قوى 8 آذار في الحكومة، ورصد موقف الرئيس ميشال سليمان منها، وهل يكون مع تعيينات ترضي هذه القوى أم لا، وذلك باستعمال سياسة الترهيب ضده.

وفي معلومات لمصادر ديبلوماسية، أن نتائج الانتخابات في العراق إذا لم ترضٍ ايران كما كانت تتوقع، كما لم ترضٍ نتائج الانتخابات في لبنان سوريا فجاءت خلافاً لما كانت تتوقع، فإنه يخشى أن تعود الاضطرابات وأعمال العنف الى العراق إذا تعذّر التوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وفاق وطني، وأن تعود الازمات السياسية الى لبنان لتجعله يواجه اخطار الفراغ اذا ما استقالت الحكومة الحالية، وأخطار الشلل الذي يصيب المؤسسات، ومثل هذا الوضع يشكّل خدمة مجانيّة لاسرائيل سواء قامت بعدوان مستفيدة من الضعف العربي وتفكّكه، أو من انقسام اللبنانيين الى حد الفتنة، مما يؤكد قول الرئيس سعد الحريري في مناسبة إحياء ذكرى ميلاد والده: "إن البعض عندنا لا يزال يؤجّر وطنه وبندقيته للآخرين"، وقول السيدة نازك الحريري بالمناسبة نفسها: "إن الضمان هو في وحدتنا والتفافنا حول الدولة".

=============================

نتائج انتخابات العراق... هزيمة لإيران ؟

سركيس نعوم

النهار

20-3-2010

-1-

فاجأت مجريات الانتخابات التشريعية في العراق التي اجريت قبل نحو ثلاثة عشر يوماً والتي لم تعلن نتائجها الرسمية بعد بسبب عدم انتهاء عمليات الفرز الكثيرين من متابعي الاوضاع العراقية وتشعباتها الداخلية من طائفية ومذهبية وعرقية وخلفياتها الخارجية من صراع على النفوذ بين عدد من الدول العربية والاسلامية وعدد آخر من الدول الكبرى. اول دوافع المفاجأة كان الأداء البارز بل الباهر لرئيس الوزراء السابق والبعثي المنشق عن بعث (الراحل) صدام حسين الدكتور اياد علاوي في الانتخابات المذكورة. وقد ظهر ذلك من خلال نتائج ما يقرب من 90 في المئة او اكثر بقليل من أصوات المقترعين. وهي ترشح علاوي بعد انجاز الفرز لموقع من اثنين. الاول، فوزه وقائمته بأكبر كتلة نيابية في المجلس العتيد وتالياً تحوله تلقائياً مرشحاً طبيعياً لتأليف الحكومة الجديدة. علماً ان نجاحه في ذلك يقتضي تحالفاً بينه وبين كتل اخرى قوية ومتنوعة. واذا عجز عن اقامة تحالف كهذا فان لا شيء يمنع اختيار آخر لتأليف الحكومة وخصوصاً اذا كان قادراً على تأمين غالبية نيابية تؤيدها وتؤيده. اما الموقع الثاني فهو احتلال كتلته النيابية المرتبة الثانية في المجلس وتحوله تالياً رقماً صعباً في الحياة النيابية بل في الحياة السياسية العراقية وحتى في مستقبل العراق كدولة ونظام. وثاني دوافع المفاجأة كان الأداء الانتخابي الضعيف او حتى الهزيل في نظر البعض للقائمة التي يشكل المجلس الاعلى الاسلامي برئاسة السيد عمار الحكيم والتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر ابرز كيانين سياسيين فيها. فهذا التكتل مرشح لأن يحتل المرتبة الثالثة من حيث عدد النواب في المجلس في حين ان توقعات الجهات التي دعمته من داخل العراق وخارجه والتي ربما ساهمت في اقامته كانت اعادة رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي الى ما تعتبره حجمه الطبيعي الذي ضخمه كثيراً فوز ائتلافه في الانتخابات المحلية الاخيرة، واعادة آل الحكيم ومجلسهم بمساعدة الصدريين الى صدارة الزعامة الشيعية في العراق بل الى صدارة الزعامة في العراق الحديث، عراق ما بعد صدام. اما ثالث دوافع المفاجأة فكان نجاح نوري المالكي رئيس الحكومة في تحقيق نتائج قوية جداً لتحالفه الانتخابي سواء مكنته هذه النتائج من البقاء في رئاسة الحكومة او دفعته الى المرتبة الثانية على الصعيد السياسي والنيابي والوطني في العراق. ذلك انه رغم تمتعه برضا جهات شعبية عدة ذات انتماءات مختلفة وربما افادته من موقعه الحكومي في الانتخابات او افادة هذا الموقع له في صورة غير مباشرة، واجه معارضة قوية بل شرسة من اقوى الجهات الاقليمية المتدخلة في بلاده او المعنية بها وصاحبة المصلحة في دفع اوضاعها في اتجاه او في آخر والمتناقضة في ما بينها وفي مقدمها الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية والى حد ما سوريا بشار الاسد.

في اختصار، يعزو المتابعون انفسهم للاوضاع العراقية بتشعباتها الداخلية وخلفياتها الخارجية، نتائج انتخابات العراق، المشروحة اعلاه وان مبدئياً، الى اسباب عدة من ابرزها الطريقة التي شكل بها السيدان عمار الحكيم ومقتدى الصدر لائحتهما والبعض يقول الطريقة التي شكلت بها ايران هذه اللائحة كون زعيميها هما الاقرب اليها. وهي طريقة لم تأخذ في الاعتبار عوامل كثيرة اثناء اختيار المرشحين الامر الذي لم يُغْرِ الناس بالتصويت لها. وبهذا المعنى فإن المتابعين هؤلاء ومعهم جهات اقليمية ودولية عدة يعتبرون حلول لائحة الحكيم – الصدر في المرتبة الثالثة هزيمة ليس لهما فقط بل ايضاً لايران. ومن ابرز الاسباب ايضاً اصرار المرجعية الرئيسية الشيعية الاكبر في العراق آية الله علي السيستاني على اعتماد اللائحة المفتوحة في الانتخابات رغم اجماع معظم التيارات والحركات والشخصيات والتكتلات على اللائحة المقفلة وذلك رغبة منه في اعطاء الناخبين حرية اختيار حقيقية بين الاف المرشحين وحرصاً منه على تمكين الناخبين من محاسبة المرشحين وخصوصاً العاملين في الحياة السياسية. فاذا كانوا فاسدين وغير جديرين يسقطونهم. واذا كانوا واعدين ينتخبونهم. ومن ابرز الاسباب اخيراً اصرار المرجعية الاكبر نفسها على عدم التدخل في الانتخابات. ومن الامثلة التي يعطيها المتابعون المشار اليهم اعلاه عن ذلك موقفه الذي ابلغه الى "المرشح" وزعيم اللائحة اياد علاوي اثناء احدى زيارتيه له رداً على اقتراحه الائتلاف مع مجموعة الحكيم – الصدر بعد الانتخابات مباشرة واستعداده لتوقيع مستند بذلك يبقيه معه (اي المرجعية). وكان هذا الرد ان عرضا كهذا ستفسره المجموعة الاخرى بأنك تدعوها الى التحالف مع أمر واقع هو رئيس الوزراء أياد علاوي. وسترد عليه بأن العرض يكون جدياً اذا عرض صاحبه الاتفاق او الائتلاف في الانتخابات أي تشكيل لائحة واحدة مقبولة من الفريقين.

في أي حال لم يعد بعيداً موعد اعلان النتائج النهائية للانتخابات رسمياً. ولم يعد بعيداً موعد معرفة رئيس الوزراء المقبل في العراق، لكن لا أحد يعرف موعد تأليف الحكومة. فذلك رهن ظروف وعوامل وجهات داخلية وخارجية سيعالجها "الموقف" يوم الاثنين المقبل.

=============================

سلّم الأولويات الأميركي

سميح صعب

الرأي الاردنية

20-3-2010

قدم الرئيس الاميركي باراك اوباما العلاقات مع اسرائيل على عملية السلام في الشرق الاوسط، وإلا ما مغزى قوله إن خطة بناء 1600 وحدة سكنية في مستوطنة رامات شلومو بالقدس الشرقية يمكن ان تكون معرقلة لعملية السلام، لكنها لن تضر بالعلاقات "غير القابلة للانفصام" مع الدولة العبرية. وهذا ما يعني عملياً ان ادارة اوباما لن تقدم على أي خطوة يشتم منها الاضرار بالعلاقات مع اسرائيل حتى لو أتى ذلك على حساب استمرار الجمود في العملية السلمية.

وفي الواقع هذا ما اتكل عليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما رفض تلبية مطلب اوباما قبل عام بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية تجميداً تاماً من اجل اقناع الفلسطينيين بالعودة الى طاولة المفاوضات. وكل الكلام الذي قيل أميركياً في الأيام الاخيرة عن "إهانة" وجهتها اسرائيل الى واشنطن عندما تزامن الاعلان عن الخطة الاستيطانية الجديدة مع زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن لا يعدو كونه محاولة لاسترضاء السلطة الفلسطينية كي تتجاوز قضية الاستيطان وتمضي في المفاوضات غير المباشرة التي اقترحها المبعوث الاميركي الخاص جورج ميتشل.

الرسالة التي بعث بها اوباما الى اسرائيل كانت واضحة جداً، وهي ان العلاقة معها لها اولوية على العملية السلمية، وان البيت الابيض لن يقدم على خطوة قد تفسرها الحكومة الاسرائيلية بأنها محاولة للضغط عليها كي تقبل بالتجميد التام للاستيطان او بتقديم "بادرة حسن نية" حيال السلطة الفلسطينية مثل إطلاق اسرى فلسطينيين او تسليم الفلسطينيين مزيداً من الاراضي في الضفة الغربية او تخفيف (وليس الغاء) الحصار المفروض على قطاع غزة.

هذا الموقف الاميركي يشجع نتنياهو على عدم تقديم تنازلات جوهرية تحدث "تحولاً في الموقف الاسرائيلي"، على حد تعبير الرئيس الاميركي سابقاً جيمي كارتر، من شأنه ان يقنع الفلسطينيين والعرب بجدية التوجه الاسرائيلي نحو تسوية مع الفلسطينيين.

وما دام جوهر الموقف الاميركي يتلخص في "التزام مطلق" بأمن اسرائيل وبايلاء العلاقة معها اولوية على تحقيق السلام في الشرق الاوسط، فإن الحكومة الاسرائيلية لن تجد نفسها مضطرة الى تقديم تنازلات، لا بل انها ستمعن في اتخاذ المواقف التي تستفز الفلسطينيين وتفرض عليهم اجراءات الامر الواقع، وفي أفضل الاحوال الدخول في مفاوضات من اجل المفاوضات فقط ومن دون التقيد بجدول زمني او التطرق الى مسألتي القدس واللاجئين اللتين من دون ايجاد حل لهما لن تتحقق التسوية.

مرة أخرى، يخشى ان تأتي معاودة المفاوضات على حساب الفلسطينيين والعودة مجدداً الى دائرة المراوحة مع استمرار الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية في ظل تحكم ذهنية ان الوصول الى تسوية مع الفلسطينيين هو بمثابة "الوهم" بحسب تعبير وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان.

ومجدداً نجح نتنياهو في ليّ ذراع الادارة الاميركية التي ابتلعت "الإهانة" التي وجهت الى نائب الرئيس جو بايدن. ومهما كانت لغة التنديد الكلامي الاميركي قوية، فإن ذلك ليس من شأنه ان يغير من واقع الامر شيئاً في الاراضي الفلسطينية. فلا تراجع عن الاستيطان في القدس الشرقية، ولا اعادة نظر في الاجراءات الاحادية، ولا تنازلات جوهرية.

أما الادارة الاميركية فباتت في حكم الاسيرة للتهديد الاسرائيلي بتوجيه ضربة عسكرية الى ايران وخلط الاوراق في المنطقة. ولذلك تتم المقايضة بين موقف اميركي ممالئ في الموضوع الفلسطيني في مقابل قبول اسرائيل بعدم شن هجوم على ايران.

وينصب الكثير من جهد المسؤولين الاميركيين الذين يزورون اسرائيل على المستويين السياسي والعسكري على اقناع الحكومة الاسرائيلية بعدم توجيه ضربة عسكرية الى المنشآت النووية الايرانية وانتظار المزيد من العقوبات المشددة على طهران.

وفي الحصيلة، يتراجع الاهتمام الاميركي المتعلق بالتوصل الى تسوية للقضية الفلسطينية لتصير المشكلة الان منصبة على عدم الاضرار بالعلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل!

=============================

القمة بين التضامن والتعاون

بقلم :حسين العودات

البيان

20-3-2010

ينعقد مؤتمر القمة العربية في أواخر هذا الشهر في الجماهيرية الليبية، وكما هو معلوم أصبح انعقاد هذا المؤتمر منذ مطلع القرن الحالي انعقاداً دورياً سنوياً، لا يخضع لموافقة أحد أو لموافقة أكثرية أو إجماع، ويمكن عقده بمن حضر، ويُحدد البلد العربي الذي سيعقد فيه حسب الأحرف الأبجدية.

 

ومهما كان الأمر يمكن اعتبار لقاء القادة العرب عملاً إيجابياً حتى لو كان لقاء (بروتوكولياً)، مع أن البعض يعتبر أن لقاءات القمة التي لا تتخذ فيها قرارات نوعية هي وسيلة لخداع المجتمعات العربية وإيهامها أن القادة سائرون بطريق التضامن وحل معضلات الأمة الكبرى، وعلى كل حال ففي (الحركة بركة) وفي لقاءات القمة إيجابيات في كل الأحوال.

 

لم تستطع مؤتمرات القمة العربية (منذ المؤتمر الأول في أنشاص عام 1946 إلى مؤتمر الدوحة عام 2009) وحتى الآن، تحقيق التضامن العربي أو توحيد الموقف العربي تجاه العدو الخارجي والعدو الصهيوني بشكل خاص، أو الاتفاق على إقرار التكامل الاقتصادي أو العسكري.

 

كما ينبغي (بقيت اتفاقية الدفاع العربي المشترك حبراً على ورق كما بقي التكامل والعمل العربي المشترك أو كاد أن يبقى في حدود تبادل العواطف والاستعراض الكلامي ومزاعم تقوية أواصر الأخوة ورص الصفوف لمواجهة التحديات والعدو الصهيوني المشترك)، مع أن مؤتمرات القمة العربية تصر في مقدمة بياناتها على (مصيرية المرحلة) وعلى (التحديات التي تواجهها الأمة) حتى كأن كل أوقات العرب مراحل مصيرية وتحديات مملوءة بالمخاطر ومؤذنة بتحولات عميقة لا يعرف أحد أغوارها وقرارها.

 

بقيت أهداف التعاون العربي السياسي فضلاً عن التنسيق والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي والتقني وغيره إشكاليات تواجهها صعوبات وعقبات، والمفارقة أن الجميع حاكمين ومحكومين يطالبون بالتعاون والتنسيق بل وبأكثر منها لكن هذه لا تتحقق، وكأن تحقيقها يرتبط بقوى خفية قادرة على معاندة الجميع ومخالفة رغباتهم وكسر إرادتهم دون أن يتسنى لأحد معرفة هذه القوى على وجه اليقين أو حتى الإشارة إليها بدقة، فضلاً عن التغلب عليها وقهرها.

 

نادت حركة التحرر العربية بالوحدة العربية منذ نشأتها ووضعت هذا الهدف على رأس أولوياتها، وتجاهلت مطالب ضرورية لتأسيس دولة (قطرية) قادرة ومجتمع متماسك وتنمية شاملة وتحقيق مصالح الناس ورفع مستوى حياتهم المعيشية في سبيل هدف الوحدة الذي كرست له كل اهتمامها، ولهذا فشلت في تحديث الدولة والمجتمع وضحت بالحرية والمساواة والديمقراطية وتداول السلطة وغيرها من معايير الحداثة تحت شعار أولوية تحقيق الوحدة القومية وتكريس كل الجهود لها.

 

وبعد نصف قرن من النضال من أجل هذا الشعار اكتشف العرب أنهم لم يحققوا الوحدة بل يعيشون في دول متناقضة، وإنهم إخوة أعداء لهم مصالح متباينة وأهداف مختلفة واهتمامات متناقضة، وتبني دولهم علاقاتها مع الآخر غير العربي كما يحلو لها.

 

وتقيم أسس تعاون وثيق مع دول غير عربية أقوى بما لا يقاس منه مع الشقيقات العربيات، أما العلاقات التجارية (وغير التجارية) البينية بين البلدان العربية فهي مدعاة للأسف والحزن عليها وعلى الحال الذي وصل إليه التنسيق العربي والتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والثقافي والفني.

 

إن العربي الذي أمضى عمره مهموم بالوحدة العربية ويعمل لأجلها، يشعر بالخيبة وفقدان الأمل بعد ستين عاماً من التضحيات في سبيل الوحدة ويتمنى لو أن العرب حققوا شيئاً خلال نصف القرن الماضي، بدلاً من التشدق بشعار التضامن والوحدة، كإقامة أسس لجمارك موحدة بين بلدانهم ومنطقة جمركية واحدة، وإلغاء سمات الدخول لمواطني البلدان العربية الأخرى، ومد خطوط حديدية تربط البلاد العربية من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب.

 

وتكثيف هذه الخطوط بما يؤهلها لنقل المسافرين بسرعة ونقل البضائع بكلفة منخفضة، وإنجاز التنسيق الاقتصادي والتكامل الزراعي والصناعي بين هذه الدول، وتطبيق سياسة ثقافية متوازنة ومعمقة وشاملة، لو نفذت الأنظمة العربية هذه الإجراءات، لأوجدت شروطاً موضوعية تساعد على تطوير مجتمعاتها وتعاونها أكثر بكثير مما تحقق حتى الآن، ولسارت هذه البلدان خطوات جدية أكثر نحو الوحدة، لأن هذه الإجراءات تؤسس بالضرورة للوحدة العربية.

=============================

الاختلال الوظيفي الأميركي

بقلم :جيسي جاكسون

البيان

20-3-2010

الاختلال الوظيفي في مجلس الشيوخ الأميركي يبدو أنه وصل الآن إلى أعماق بعيدة. ففي البداية شاهدنا كيف قرر الجمهوريون، بصورة منهجية، إعاقة كل تصويت رئيسي، وأنهوا دور الأغلبية بصورة فعالة من خلال مطالبهم المشددة بالحصول على 60 صوتاً للمصادقة على أي قانون أو تشريع يمر عبر مجلس الشيوخ.

 

والآن استخدم صلاحية القدرة على عرقلة مشاريع القوانين السناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي جيم باننغ، الذي لا يفكر بإعادة ترشيح نفسه لإعادة انتخابه مجددا في مجلس الشيوخ.

 

وكان هدفه منع تمديد إعانات البطالة 30 يوماً، وكذلك المعونة المقدمة لمدفوعات التأمين الصحي، علاوة على تلك المقدمة لسلسلة من برامج الرعاية الصحية الرئيسية. وشدد باننغ على أن الديمقراطيين ضغطوا من أجل التصويت المتكرر على ذلك التشريع في محاولة للمصادقة عليه. واشتكى في غضون ذلك أنه افتقد كثيرا مباراة كرة السلة التي جرت بين فريقي كنتاكي وجنوب كارولينا.

 

هذا شيء مخجل تماما. ربما يكون باننغ قد افتقد مباراة في كرة السلة، غير أن مكاتب البطالة الحكومية كانت مضطرة لإرسال ملايين الرسائل التي تبلغ أصحابها أن معونة البطالة الخاصة بهم قد أوقف صرفها، وأنهم لا يستطيعون تمديد التأمين الصحي لعائلاتهم تبعا لذلك.

 

كما أبلغ الأطباء أنهم سيتعرضون لخصم ما نسبته 21% من مساعدات الرعاية الطبية.

 

وحصل 2000 موظف فيدرالي في هيئة النقل العام على إجازات دون الحصول على مستحقاتهم، كما جمدت المعونات الفيدرالية البالغة 190 مليون دولار، والمخصصة لتحسينات الطرق السريعة في مختلف الولايات الأميركية، علاوة على تجميد قروض بعض الشركات الصغيرة.

 

وهناك نحو أكثر من عشرة ملايين عاطل عن العمل في ولاية كنتاكي، التي يحكمها باننغ. فهل لدى السناتور أدنى فكرة كيف يكون الحال عند مواجهة البطالة في هذا الوضع الاقتصادي المزري؟ هناك منافسة شديدة على الوظائف الشاغرة، بحيث إنه يتقدم لكل وظيفة أكثر من ستة أشخاص من العاطلين عن العمل. وكل فرد من العائلات الأميركية يبحث عن وسائل لتعزيز النفقات.

 

وأصبح الناس يحسبون حساب المبالغ الضئيلة، بالسنتات، وليس بالدولارات، وكل فاتورة تصدر عن إحدى الدوائر أصبحت تشكل محنة للأهالي. واضطر الناس لاتخاذ قرارات صعبة.

 

وربما أصبحوا يختصرون وجباتهم الغذائية لضمان حصول أطفالهم على الطعام. وبلغت البطاقات الائتمانية حدها الأقصى وتمزقت، لكي يتم تأمين الرهونات العقارية. وبلغ التوتر حده الأقصى وسط استحقاق مزيد من الدائنين لمستحقاتهم، وفقدان مزيد من الفواتير.

 

وتحت هذه الضغوط المكثفة، تعرضت العديد من الأسر الجديدة للتوتر الشديد. وأدى الاكتئاب، والغضب، والشعور بالفشل، بين أفرادها للإسراف في شرب الكحول، أو ما هو أسوأ من ذلك. كما أدى البحث المتواصل عن وظائف شاغرة إلى الشعور بالنبذ المستمر.

 

ويبلغ عدد الأميركيين العاطلين عن العمل، أو الذين يعملون بصورة جزئية، في الوقت الحالي نحو 29 مليون شخص. وفي خضم ذلك يأتي سناتور متعجرف وغاضب، لأنه مضطر لتفويت مشاهدة مباراته المفضلة في كرة السلة على التلفزيون، لكي يضمن وصول مذكرات تجميد المعونة إلى ملايين الأميركيين في الوقت المناسب. والأنكى من ذلك أن الوكالات الحكومية ستتحمل التكاليف الزائدة الناجمة عن إغلاق برامج الرعاية الصحية، ثم تشغيله من جديد.

 

والمعروف أن كوبونات التأمين ضد البطالة والمواد الغذائية تعتبر من أفضل برامج العمل في أية خطة تعافي، وتحقيق اكبر عائد للدولار، والسبب في ذلك في غاية البساطة، فالموظف ينفق كل سنت لديه على نفقاته، ويستخدم كوبونات المواد الغذائية لشراء الأطعمة التي يحتاجها. وكل مبلغ ضئيل يتم إنفاقه يساعد على تعزيز الطلب وإيجاد الوظائف.

 

ولا يعتبر اقتراض المال للإنفاق على تأمين البطالة عملا إنسانيا فحسب، إنما يساعد أيضا على تعافي الاقتصاد. ولهذا السبب يعتبر تأمين البطالة موازنا أوتوماتيكيا، وهذا يبرر الدعم الكبير لتوسيع تأمين البطالة من كلا الحزبين، في الوقت الذي نعاني من كساد عميق وممتد.

 

وإذا كان باننغ غير مدرك لمحن ملايين العاطلين عن العمل وعائلاتهم، دون ذنب اقترفوه، فهو ليس السناتور الوحيد في هذا الشأن. فحاكم أريزونا السناتور جون كيل يريد إيقاف مشروع قانون التوظيف، لإجبار مجلس الشيوخ على خفض الضرائب عن القصور التي يبلغ ثمنها ملايين عدة من الدولارات، التي يتم تسليمها لورثتها.

فسوط الأقلية يوشك أن يهدد المساعدة المقدمة للعمال العاطلين عن العمل وعائلاتهم، مقابل زيادة ميراث باريس هيلتون، الملياديرة المثيرة للجدل، ووريثة فنادق هيلتون.

مرشح سابق للرئاسة الأميركية

=============================

حول الخطاب العربي فى الصراع العربي الصهيوني

د سليم نزال

3/20/2010

القدس العربي

قرات قبل فترة مقالا حول سيرة المرحوم انيس الصايغ و خاصة لجهة موقفه الصلب فى وضع(اسرائیل ) بين قوسين الامر الذى حسب المقال كان يثير الاستغراب و احيانا السخرية من البعض ممن يعتقد انه لا داع لوضع اسم الدولة الصهيونية بين قوسين كونها حقيقة موجودة.

لذا فان هدف هذه المقالة هو دعم راى الصايغ و نقد الاطروحة التى ترى ان موضوع المصطلح امرا شكليا و التاكيد على ان النظر بخفه الى موضوع المصطلحات المتعلقة بالصراع يلحق ضررا بالكفاح العربى ضد المحتلين الصهاينة .

هذا الامر يقودنا الى مسالة استعمال المصطلحات فى الصراع مع العدو الصهيونى و هو موضوع اثاره قبل بضعة اعوام المفكر العربى عزمى بشارة الذى دعا فيه الى التنبه من استخدام المصطلحات الصهيونية فى الاعلام العربى. وكانت بعض وسايل الاعلام العربى تستخدم تعابير مثل قامت القوات الصهيونية بعملية كذا و كذا ردا على عملية كذا و كذا الفلسطينية مما يعطى الانطباع ان ما يفعله الغزاة الصهاينة ما هو الا دفاعا عن النفس.و قد كتبت منذ بضعة اشهرحول هذا الموضوع مقالا بالانكليزية اشرت فيه الى ضرورة الانتباه فى موضوع استخدام المصطلحات التى تتناسب مع الرؤية العربية للصراع كون الخطاب جزء من المعركة.

و اظن انى لا ابالغ بالقول ان بداية التراجع فى الموقف العربى بدا ت عندما بدا بعض الاعلام الفلسطينى و العربى استخدام المصطلحات الصهيونية لوصف الصراع مثل مصطلح الصراع الفلسطينى الصهيونى بدل مصطلح الصراع العربى الصهيونى الخ. و بهذا الصدد يجب التنويه بمحطات التلفزة العربية مثل محطة الحوار المدركة لاهمية قضية المصطلحات و التى تضع على الدوام كلمة ( اسرائیل) بين قوسين.

و اعتقد ان على مؤسسات الاعلام العربية ان تدرك اهمية الخطاب السوسيو الثقافى من وجهة النظر العربية كونه جزء اساسى من ادوات الصراع مع الخطاب الصهيونى الذى استخدم منذ البداية مصطلحات تتناسب مع هدفه لاجل شطب الشعب الفلسطينى من الوجود والتى كانت بدايتها مع الاعلان الصهيونى ان فلسطين منطقة خالية من السكان الامر الذى اسس و برر لاحقا لعمليات الطرد الجماعى للشعب الفلسطينى.و على هذا النحو فان المصطلحات الصهيونية مثل تعبير الارهاب لوصف كفاح الشعب الفلسطينى و سواها تستخدم عادة لتبرير الاحتلال و بالتالى السعى لاسقاط شرعية كفاح الشعب الفلسطينى.

و اذا كان من المنطقى ان يستخدم العدو الصهيونى التعابير التى تناسبه بل ويضغط لمعرفته باهميتها لاجل اسقاط التعابير المعادية للاحتلال من المناهج المدرسية و الاعلام العربيين .فانه من غير المنطقى ان يستخدم الاعلام العربى العدو عبر استخدام الاعلام العربى التعابير الصهيونية المتعلقة باالصراع.

و لذا فانى اعتقد ان بؤس الفكرة التى تعتبر القضية قضية شكلية تكمن فى عدم قدرتها على التفريق ما بين الواقع الموجود على الارض و الطموح لتغييره و سيصبح التغيير اصعب اذا ما نجح الصهاينة باضعاف منطقة الحاجز النفسى.

و نحن عندما تستخدم تعبير الوطن العربى ندرك انه يصف حالة غير موجودة على المستوى السياسى.لكن الاصرار على استخدامه يعبر عن طموح لتغيير الواقع التقسيمى الامر الذى يغذى فينا منطقة الامل .

و لذا فمن الاهمية بمكان انتاج الخطاب الذى يعبر عن الذاكرة الجمعيىة العربية لان الطرق التى نعبر بها عن رويتنا تتوقف كما يقول علماء النفس على ما نعتقد بصحته.

و الامر اذا ليس مسالة ثورية اكثر من اللازم بقدر ما هى اصرار على استخدام التوصيفات المناسبة لتوجهاتنا و لتاريخنا و بالطبع لرؤيتنا.

لذا فان الاعتراف اللغوى بالدولة الصهيونية هو المقدمة للاعتراف بها و تحطيم حاجز العداء للصهيونية و هو امر مارسته القوى الرسمية العربية التى تخلت عن النضال بل وصل بعضها الى مرحلة بات موقعه من الصراع امر يثير التساؤل.

و هنا لا يحتاج المرء لجهد كبير ليبرهن الرابط ما بين تعبير( الجيران) بدل الاعداء فى و صف الصهاينة و موقف هؤلاء من الكفاح الوطنى برمته.

 

 

لكن اجد من الضرورى التاكيد ان استخدام الخطاب المناسب و الذى يصف طبيعة الصراع من وجهة النظر العربية هو جزء و ليس كل الجهد لتتغيير الواقع. و هو يلعب دورا تعبويا على مستوى الجهوزية النفسية لان مسالة تغيير الواقع تتطلب كفاحا طويلا يستغرق على الارجح عدة اجيال.

 

على هذا الاساس فانى اعتقد بضرورة استخدام الخطاب المعبر عن وجهة النظر العربية من الصراع تجاه الكيان الصهيونى التى يمكن تلخيصها بجملة واحدة : ان الكيان الصهيونى كيان عنصرى فاشى زرع بقوة الارهاب فى المنطقة العربية.و اذا كان العرب لا يستطيعون فى الوقت الحاضر تفكيك هذا الكيان فمن اضعف الايمان ان يحافظوا على الخطاب السوسيو ثقافى العربى واضعين فى الاذهان ان التطبيع و الاعتراف بالامر الواقع الذى فرضه الصهاينة و بالتالى الهزيمة المعنوية يبدا من اللحظة التى يتوقف فيها العرب عن انتاج و استعمال خطابهم لصالح استخدام مصطلحات المحتلين.

مؤرخ نرويجى من اصل عربى فلسطينى .كتاباته حول القضية الفلسطينية مترجمة الى اكثر من عشر لغات.

=============================

السياسة الامريكية وكابوس الشرق الاوسط

علاء ابو صالح

3/20/2010

القدس العربي

من يتابع تطورات الأوضاع في المنطقة يدرك أن ملف النزاع في الشرق الأوسط بات يشكل كابوساً يقض مضاجع الإدارات الأمريكية المتلاحقة.

فلقد باتت قضية الشرق الأوسط مفتاحاً لفشل المخططات الأمريكية في المنطقة بأسرها، وعاملاً مهماً من عوامل التأثير السلبي على مختلف ملفات وقضايا المنطقة.

وهو ما دعا كل من بيكر-هاملتون إلى التوصية بضرورة حل قضية الشرق الأوسط وإحياء دور الولايات المتحدة في تحريك ما يعرف بعملية السلام وضرورة إفاقة الولايات المتحدة من غيبوبتها في هذا الشأن، لما يلحقه ملف الشرق الأوسط من أضرار فادحة بكل من قضايا العراق وأفغانستان. وهو ما دعا الجنرال ديفد بتراوس قائد القيادة الأمريكية الوسطى إلى القول في لجنة استماع لشهادته في مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً "أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يقوض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط"، وهو ما دعا بايدن كذلك إلى القول ليهود إن سياستهم تعرض حياة الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان للخطر.

وبرغم أن قضية فلسطين واحتلالها، وإقامة كيان يهودي على أراضيها المغتصبة، كان من أهم أهدافه هو حرف الصراع عن حقيقته وجادته ليتحول من صراع حضاري بين المسلمين من جهة وبين القوى الغربية الاستعمارية بما فيها قاعدتهم العسكرية المتقدمة "كيان يهود" من جهة أخرى، إلى صراع "إسرائيلي" فلسطيني، ومجرد صراع حدودي، وإلى مجرد قضايا مجتزأة كقضايا اللاجئين والحدود والمياه وغير ذلك، ولكي تكون قضية فلسطين مشغلة للأمة عن قضاياها المصيرية التي خلفت احتلال فلسطين وضياع الأمة الإسلامية وسط الأمم،

برغم ذلك كله إلا أن هذه القضية باتت محركاً رئيسياً للمسلمين ينبههم إلى وحدة قضاياهم ويدعوهم إلى التفكر والتدبر لكيفية الخلاص مما يرزحون تحته من احتلال وتبعية سياسية، فباتت قضية فلسطين عاملاً يذكر الأمة بقضيتها المصيرية وبوجودها كأمة، وتستحثها للعمل الحقيقي للتغيير الشامل والجذري، لا مجرد قضية إقليمية ضيقة أو وطنية محلية.

وهذا الخروج بقضية فلسطين عن السياق الذي حددته لها القوى الغربية الاستعمارية يدفع تلك القوى وأتباعهم من الحكام الذين يدينون لهم بالطاعة والولاء إلى التخوف الدائم والمستمر من اشتعال فتيل حرب دينية، أي إلى عودة القضية الفلسطينية إلى سالف عهدها قضية تخص الأمة الإسلامية بأسرها ويتحرك لها المسلمون في شتى أصقاع المعمورة، لا أن تبقى هذه القضية ألعوبة وألهية بيد حفنة زعمت تمثيل أهل فلسطين فتاجرت في هذه الأرض المقدسة كما تتاجر في أي سلعة حقيرة.

نعم هذا الذي تخشاه أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي وتخشاه الأنظمة الجاثمة على صدر الأمة، وهذا الذي يقلقهم من تصرفات يهود في القدس وفلسطين، لا حرصهم على فلسطين ولا غيرة على مقدساتها.

لكن يهود قد ضربوا بهذه التخوفات عرض الحائط وأصروا على تصرفاتهم وسياساتهم الاستفزازية، فهم من جانب يسعون لاستغلال الضعف السياسي الذي يعتري الإدارة الأمريكية الحالية وانشغالها في الانتخابات النصفية للكونغرس وبقضايا أكثر إلحاحاً كما سبق أن عبر عن ذلك تقرير صادر عن وزارة الخارجية "الإسرائيلية"، فتريد "إسرائيل" أن تفرض تصوراتها كوقائع جارية. وأمريكا تسعى من جانب آخر إلى ضبط الأوضاع وبقاء إمساكها بزمام المبادرة في هذا الملف الحرج ولجم كيان يهود لكي لا يعطل عليها أهدافها ومصالحها في المنطقة بسبب تعنته وعلوه واستكباره، لتتفرغ هي لقضاياها الأكثر أهمية.

لكن أمريكا، ولا سيما في عهد الإدارة الأمريكية الحالية، تتسم بالضعف الشديد الذي يمنعها عن ممارسة أي ضغط يذكر على كيان يهود، يمنعها من ذلك مشاكل هذه الإدارة الداخلية وقوة اللوبي اليهودي هناك وقرب حلول انتخابات الكونغرس النصفية. مما ينبأ أن هذا الكيان المغتصب ماض في علوه واستكباره، وماض في اعتداءاته على أهل فلسطين ومقدساتهم، وماض في سعيه لتغيير الوقائع الجارية.

إن القوى الغربية الاستعمارية تخشى من أن تؤدي تصرفات يهود في القدس وفلسطين إلى تحرك إسلامي يصطدم بحائط الأنظمة العميلة لها فيطيح بها ويقلب الأوضاع على غير ما تشتهيه، وهو ما عبر عنه ديفد بتراوس بقوله "إن الغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية يحد من قوة وعمق الشراكات الأميركية مع الحكومات والشعوب في المنطقة ويضعف شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي".

 

إن على الأمة إن هي أرادت أن تحرر فلسطين أن تغذي السير لاقتلاع أنظمة الجور التي وطدت أركان كيان يهود في فلسطين وحمته ورعته كما يرعى الأب ابنه، وتمسكت بما يسمى بالمفاوضات والسلام كخيار استراتيجي ووحيد، كما على الحركات العاملة فيها أن تغير مفردات الخطاب الموالي للأنظمة والداعم لها، فبدون اقتلاع هذه الأنظمة والاستبدال بها كياناً يلم شعث الأمة ويوحد كلمتها فيزحف في جيش جرار نحو فلسطين فيحررها من رجس يهود، بدون ذلك ستبقى فلسطين ترزح تحت نير الاحتلال، فالطريق إلى القدس لمن فقد البوصلة يكون من قاهرة المعز ومن الأردن وسوريا ولبنان بل ومن طهران وإسلام أباد واسطنبول.

===========================

تحقير للديمقراطية

أسرة التحرير

3/20/2010

القدس العربي

الكنيست حقرت أمس الأول الديمقراطية الاسرائيلية حين أقرت بالقراءة الاولى، بأغلبية 15 ضد 8 مشروع 'قانون النكبة'. اذا ما اقر القانون بالقراءة الثانية والثالثة، فانه سيسمح بالحرمان من التمويل العام ويفرض غرامات على هيئات تستحق الدعم الحكومي، اذا ما احيت يوم الاستقلال كيوم حداد، او اقامت احداث ذكرى للكارثة الفلسطينية في 1948.

المشروع الذي اقر في ختام الدورة الشتوية كان 'مخففا' بالقياس الى مشروع القانون الاصلي، الذي بادر اليه اليكس ميلر من 'اسرائيل بيتنا'. وقد صيغ المشروع بحيث أن الغرامة التي ستفرض على مؤسسات عامة تقيم نشاطاً 'يرفض وجود دولة اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية'، يدعم الكفاح المسلح او الارهاب ضد الدولة، يحرض على العنصرية او يمس بشرف علم الدولة ورمزها. وهو ليس موجها لمعاقبة الافراد وتهديدهم بالسجن، مثل مشروع 'قانون النكبة' في صيغته الاولى.

ولكن حتى في الصيغة المعدلة، ورغم اللغة المغسولة التي صيغ فيها مشروع القانون المعدل، لا ينبغي الخطأ في نية الحكومة: دحر المواطنين العرب والمس غير المتوازن بحريتهم في التعبير وحقهم في قص روايتهم التاريخية. حزب افيغدور ليبرمان الذي أدار حملة انتخابات فظة ضد المواطنين العرب، سجل لنفسه انجازا في الطريق الى تحقيق شعاره العنصري 'بلا ولاء لا مواطنة'.

الفكرة التي سمحت بتشويش وعي الماضي للمجتمع العربي من خلال قوانين وتهديدات بالغرامات هي فكرة سخيفة. ف'النكبة' لم تنس في 62 سنة مرت منذ اقامة الدولة، وبات المفهوم والتعبير دارجا اليوم على لسان الاسرائيليين اكثر منه في الجيل الماضي. مغادرة اللاجئين الفلسطينيين، تدمير مئات القرى العربية واقامة بلدات يهودية مكانها هي جزء من التاريخ الاسرائيلي، لا يمكن اخفاؤه او الفرض على خمس مواطني الدولة رواية الاغلبية.

التهديد بالحرمان من التمويل الحكومي لمؤسسات تحيي النكبة تذكر بادعاءات وزيرة الثقافة ليمور لفنات تجاه مخرج فيلم 'عجمي' اسكندر قبطي الذي قال 'انه لا يمثل اسرائيل'. ومثل المبادرين 'لقانون النكبة' لفنات هي الاخرى تعتقد بان مبدعا تلقى دعما من الدولة لانتاج ابداعه ملزم 'بالولاء' وعليه ان يقف كممثل للدولة في المسابقات العالمية. هذه هي روح حكومة نتنياهو ليبرمان: سندعم فقط من يفكر مثلنا. ان دمج المواطنين العرب في المجتمع الاسرائيلي هو مصلحة وطنية اولى في سموها، وتحقيقها يستوجب من الاغلبية اليهودية اظهار التسامح والانفتاح تجاه الاقلية. واضح ان النزاع الوطني يثقل على الدمج، والشرخ اليهودي العربي لن يختفي قريبا. ولكن مشاريع قوانين مثل 'قانون النكبة' فضلا عن مسها بالقيم الديمقراطية الاساسية تشجع فقط على المزيد من التطرف والانعزال للمجتمع العربي.

على الكنيست أن تخجل من اقرارها القانون بالقراءة الاولى. كتلتا كاديما والعمل جديرتان بالتنديد لعدم وقوفهما ضده. ولكن من غير المتأخر محاولة صد القانون الضار في القراءات التالية قبل أن يصم بالعار سجل القوانين.

===========================

الوهم الأكبر

بول كروغمان

الشرق الاوسط

20-3-2010

حتى الآن، ظلت التداعيات الاقتصادية الدولية لحرب القوقاز ضئيلة نسبيا، رغم دور جورجيا كممر مهم لشحنات النفط. لكن أثناء تصفحي آخر الأنباء السيئة، راودني التساؤل حول ما إذا كانت هذه الحرب نذيرا، بمعنى أنها مؤشر على أن الحقبة الثانية الكبرى للعولمة ربما تلقى نفس مصير الأولى.

إذا كنت تتعجب وتتساءل حول ما أعنيه، إليك ما ينبغي عليك معرفته: لقد عاش أجدادنا في عالم يتميز في الجزء الأكبر منه بالاكتفاء الذاتي والاقتصاديات الوطنية المتطلعة نحو الداخل، بينما عاش أسلاف أجدادنا، مثلما الحال معنا الآن، في عالم يقوم على التجارة والاستثمار الدوليين على نطاق ضخم، وهو عالم دمرته النزعات القومية.

عام 1919، كتب العالم الاقتصادي البريطاني العظيم جون مينارد كينيز واصفا الاقتصاد العالمي عشية الحرب العالمية الأولى: «إن المرء القاطن في لندن بمقدوره إصدار أوامر بشراء ما يبغيه من مختلف المنتجات من جميع أرجاء العالم عبر الهاتف، بينما يرشف فنجان الشاي في مخدعه في الصباح.. وبمقدوره في الوقت ذاته وعبر الوسائل ذاتها المغامرة بثروته في الاستثمار في موارد طبيعية ومشاريع جديدة في أي من بقاع العالم».

وأضاف كينيز أن اللندني «ينظر إلى هذا الوضع باعتباره طبيعيا ومضمونا ودائما، فيما عدا إمكانية تحركه نحو مزيد من التطور.. وعلى ما يبدو، فإن مشاريع وسياسات التوجهات العسكرية والإمبريالية، والتشاحنات العنصرية والثقافية، والاحتكارات والقيود والإقصاء.. ليس لها أدنى تأثير على المسار الطبيعي للحياة الاجتماعية والاقتصادية، وعملية التدويل التي أصبحت مكتملة تقريبا على الصعيد العملي».

إلا أنه في أعقاب ذلك، جاءت ثلاثة عقود من الحرب والثورة وغياب الاستقرار السياسي والكساد وحرب أخرى. بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كان العالم ممزقا اقتصاديا وسياسيا. واستغرق الأمر جيلين لجمع شمل العالم من جديد. وعليه فإن التساؤل الأكبر الآن: هل يمكن أن يتشرذم العالم مجددا؟ نعم.

دعونا ننظر إلى العوامل المرتبطة بأزمة الغذاء الراهنة، فعلى مدار سنوات جرى تلقيننا أن فكرة الاكتفاء الذاتي عفا عليها الدهر، وأنه من الآمن الاعتماد على الأسواق العالمية فيما يخص الحصول على إمدادات الغذاء. لكن عندما اشتعلت أسعار القمح والأرز والذرة، عادت من جديد «المشاريع والسياسات» التي ذكرها كينيز المتعلقة ب«القيود والإقصاء» مجددا، حيث سارعت كثير من الحكومات لحماية مستهلكيها المحليين من خلال حظر أو تقليص الصادرات، مما ترك الدول المستوردة للغذاء في وضع حرج.

والآن، يأتي دور «التوجهات العسكرية والإمبريالية». مثلما ذكرت آنفا، لا تعد الحرب في جورجيا في حد ذاتها أمرا شديد الأهمية من المنظور الاقتصادي، لكنها تشكل نهاية الحقبة الأميركية، وهي الحقبة التي احتفظت خلالها الولايات المتحدة باحتكار استخدام القوة العسكرية. ويثير هذا الوضع تساؤلات خطيرة حيال مستقبل العولمة. الواضح أن الاعتماد الأوروبي على صادرات الطاقة الروسية، خاصة الغاز الطبيعي، ينطوي فيما يبدو على خطورة بالغة، بل يرى البعض أن هذه الخطورة تفوق خطورة اعتماد أوروبا على نفط الشرق الأوسط. وقد استغلت روسيا بالفعل الغاز الطبيعي كسلاح عام 2006 عندما قطعت إمداداتها عن أوكرانيا في خضم خلاف حول التسعير.

وإذا كانت روسيا على استعداد وقادرة عل استخدام القوة لتأكيد سيطرتها على المنطقة التي أعلنت أنها تشكل منطقة نفوذها، ألن يقدم آخرون على المثل؟ عليكم تخيل الاضطراب الاقتصادي على الساحة العالمية حال فرض الصين التي على وشك تجاوز الولايات المتحدة كأكبر دولة مصنعة في العالم بالقوة ادعاءاتها بأحقية السيطرة على تايوان.

ويخبرنا بعض المحللين أنه لا ينبغي أن نشعر بالقلق، ذلك أن التكامل الاقتصادي العالمي ذاته يحمينا من خطر الحرب، لأن الاقتصاديات التجارية الناجحة لن تخاطر برخائها بالتورط في مغامرات عسكرية. بيد أنه حتى هذا الوضع يثير ذكريات تاريخية غير سارة.

قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، نشر كاتب بريطاني آخر يدعى نورمان أنجيل كتابا شهيرا بعنوان «الوهم الأكبر» أكد خلاله أن الحرب لم يعد من ورائها طائل، وأنه في إطار الحقبة الصناعية الحديثة، أصبحت حتى الدول المنتصرة تخسر أكثر بكثير بسبب الحرب عما تكسبه. وكان محقا في رأيه، ومع ذلك ظلت الحروب في الاشتعال.

هل تتميز دعائم الاقتصاد العالمي الثاني بمتانة أكبر عن دعائم سلفها؟ في بعض الجوانب، نعم. على سبيل المثال، تبدو مسألة اندلاع حرب بين الدول الغربية أمرا يتعذر تخيل إمكانية حدوثه الآن، الأمر الذي يعود ليس إلى الروابط الاقتصادية بينها، وإنما لما تشترك فيه من قيم ديمقراطية.

إلا أن الكثير من دول العالم، بينها دول تضطلع بدور محوري في الاقتصاد العالمي، لا تشارك في هذه القيم. وقد اعتاد معظمنا الاعتقاد بأنه، على الأقل من الناحية الاقتصادية، لا يحمل هذا الأمر أهمية، وأنه بإمكاننا الثقة في استمرار تدفق التجارة العالمية بحرية لمجرد أنها مربحة للغاية. لكن من غير الحكمة الاعتماد على مثل هذا الافتراض.

لقد كان أنجيل محقا في اعتقاده بأن الحرب لا تعدو كونها وهما كبيرا، لكن الظن بأن الحسابات الاقتصادية المنطقية ستحول دوما دون وقوع الحرب، هو الآخر وهم بنفس القدر. إن الاعتماد الاقتصادي المتبادل الهائل على الصعيد العالمي في وقتنا الراهن، الذي من المتعذر الحفاظ عليه من دون تصرف جميع الحكومات الكبرى بحكمة، أكثر هشاشة مما نتخيل.

========================

كلام فيه نظر مع الشيخ جابر العلواني

الشيخ : أبو الطيب سالم

موقع علماء سورية – 17/3/2010

لأن برنامج (الشريعة والحياة) الذي تتفضل به قناة الجزيرة برنامج له مكانته في تكوين ثقافة المسلم المعاصر، وقد أعطته الإطلالة المتواترة للشيخ يوسف القرضاوي من خلال نافذته أبعادا أكثر مصداقية في عقول المسلمين وقلوبهم..

ولأن الشيخ (جابر العلواني) حفظه الله، هو أحد علماء الإسلام الثقات، وعضو المجامع الفقهية الإسلامية الذي ينبغي أن يُحمل كلامه على ما يليق بمكانته في مقدمة علماء العصر...

ولأن الشيخ نفسه في سياق لقائه المذكور الذي كان على قناة الجزيرة في 28/2/2010. قد وضح أن العالِم قد يقول كلاماً وهو لا يريد معانيه المباشرة....

لأجل هذا كله نسجل هذه النظرات، لنضع تحت النظر والتأمل والمراجعة بعض الكلمات التي مرت على لسان الشيخ (جابر العلواني) في الحلقة المومى إليها، وهي لا يمكن أن تحمل على ظاهرها. بل من الضروري أن يعاد التنبيه عليها وتوضيحها لئلا تكرس أو ترسخ في أذهان جمهور من المتلقين وطلاب العلم ممن يعتزون بالشيخ جابر و ببرنامج الشريعة والحياة..

في إطار مناقشة الشيخ للقول المنسوب للإمام الأوزاعي، كما أفاد هو، السنة قاضية على الكتاب، واعتذاره عن الإمام الأوزاعي، بالتوضيح وردت عبارة أن القرآن الكريم ليس فيه (غموض وليس فيه إبهام وليس فيه إشكال وليس فيه تشابه وليس فيه إجمال...) ثم يقول الشيخ جابر إن هذه المصطلحات كلها إنما ( جاءت نتيجة ظروف جعلت الفقهاء يخضعون لسان القرآن لأحكام لغة البدو وهذا أمر خاطئ قد انتقدهم عليه لغويون وأصوليون..)

 

ولا نعتقد أن الألفاظ الأولى بدلالاتها اللغوية المفتوحة، وليس أحكام لغة البدو!! يمكن أن تنفى عن القرآن بالسهولة التي يشير إليها الشيخ جابر!! الله سبحانه وتعالى يقول عن القرآن الكريم [اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ...] {الزُّمر:23} ويقول في موطن آخر [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ..] {آل عمران:7} فأثبت التشابه في آي القرآن في سياقين بمعنيين فقوله متشابها في الآية الأولى غير قوله وأخر متشابهات كمقابل موضوعي للآيات المحكمات. فبأي معنى يتسنى للشيخ جابر نفي وجود التشابه في القرآن.

ثم بالعودة إلى سلف الأمة سنجد الكثيرين قد ألفوا وصنفوا في غريب القرآن ومشكل القرآن ومتشابه القرآن فهل كان أولئك العلماء يحرثون في الهواء...

أما قول الشيخ جابر بأن القرآن الكريم ليس فيه إجمال فهو الأمر الأكثر إثارة للاستغراب بالمفهومين اللغوي والاصطلاحي، إن نفي وجود الإجمال عن القرآن الكريم يضع المسلم والفقيه المسلم بشكل خاص أمام مشكلة حقيقية. ولا نظن أن حلقة إرشادية إعلامية تتسع لمثل هذا النوع من الخطاب، مع إدراكنا أن الشيخ جابر يملك معاذيره التي يدافع بها عن كل ما قال. أمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه أن نقيم الصلاة، [وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ] {البقرة:43} ، [وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ] {البقرة:3} ، واضح أنني سأسأل أي صلاة؟! سأسأل عن العدد والطريقة والوقت، وكذا تقول في جميع الأحكام التكليفية تقريبا. أحب أن أترك للشيخ نفسه أن يبين مراده، مع أنه واضح لي تماما أنه لم يرد أبدا إقصاء السنة المطهرة أو استبعادها.

ثم يمضي الحديث شوطا آخر مع الشيخ جابر ليفجؤنا بكلام يشتم منه إنكار حاجة القرآن الكريم إلى علوم التفسير، ويذهب إلى أن التبيين الذي أنيط بالرسول الكريم في قوله تعالى: [لِتُبَيِّنَ لَهُمُ] {النحل:64} ؛ يرى أن التبيين في السياق ينصرف إلى التفعيل. ويسترسل الشيخ في السياق ذاته ليقول (... أما التفاسير فمن المؤسف أن لدينا ما يسمى بالتفسير العقلي والتفسير الإشاري والتفسير الموضوعي والتفسير البياني وتفاسير كثيرة جدا والفلسفي وسواها. وكل هذه التفاسير مع الأسف أنها قد تحولت إلى حاجز بين القرآن وبين المسلمين، ولو علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا القرآن يحتاج إلى تفسير غير العمل وغير القرآن لفسر القرآن.. )

وهذا كلام خطير يحتاج المراد منه إلى تفسير وتوضيح من الشيخ جابر. هل حقاً هو ينكر حاجة الأمة لعلم التفسير بأنواعه لتقترب من كتاب ربها، هل العلماء الذين بذلوا جهودهم على مدار خمسة عشر قرنا ليرتقوا بنا إلى آفاق القرآن الكريم كانوا يبنون جدارا عازلا بين الأمة وكتاب ربها؟!

وقبل هذا والأخطر منه هل الشيخ جابر من الذين يعتمدون هذه القاعدة في (الاستنباط) لو كان القرآن الكريم محتاجاً إلى تفسير لفسره رسول الله. نفس المنطق الذي واجه سيدنا أبا بكر يوم جمع (المصحف) قالوا: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أظن أن هذه الطريقة في الاستنباط أو بالأحرى في الإغلاق على كل اجتهاد شرعي أو علمي أو مدني مما لا يتوافق أبدا مع المنهجية المنفتحة للشيخ جابر العلواني بالذات !! وكان منهج الإغلاق المحكوم بقاعدة: كيف تصنع شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ، لو ساد ، ليمنعنا من تدوين العلوم وفتح خزائن العقول بل كان سيمنع المسلمين من تدون الدواوين، وصك النقد، وبناء أركان الدولة!! هل نستطيع أن نقول إن الأمة غير محتاجة إلى علم الفقهاء واستنباطاتهم واجتهاداتهم وتجديداتهم، وإذا كانت بحاجة إلى كل ذلك ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بتبويب أبواب الفقه للناس بالمنطق نفسه.

نحن لا نظن أن الشيخ جابر، ينكر حاجة القرآن الكريم إلى التفسير. ولا ينكر على المفسرين الكبار من علماء الأمة جهدهم المشكور في خدمة كتاب الله..

ولا نظنه ينكر أيضاً أن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فيه دلالة واضحة على أن (التأويل) وهو التفسير بمعنى من المعاني على أهمية وضرورة علم التفسير. حتى أطلقت الأمة على ابن عباس ترجمان القرآن..

والمحطة الثالثة.. في حديث الشيخ حفظه الله أنه حين سئل عن مدرستين من أدعياء العلم، مدرسة تقول بأن السنة قاضية على الكتاب وأخرى تقول بالاستغناء بالكتاب عن السنة. وازى في النقاش والحوار بين المدرستين. مع أن الحديث عن المدرسة الأولى هو حديث عن وجود متوهم، فلا نظن أحداً من المسلمين يضع السنة المطهرة في مواجهة القرآن الكريم. وبدعة مثل هذه لا وجود عملي لها في حياة المسلمين، ولم يفت الشيخ أن يشير إلى هذا

بينما البدعة الثانية هي التي سببت وماتزال دعوة غير راشدة في حياة المسلمين، قوم يسمون أنفسهم أهل القرآن. سبق النبي الكريم إلى التحذير منهم بقوله (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل متكئ على أريكته يأتيه الحديث عني فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإنما ما حرم رسول الله مثلما حرم الله). نعتقد أن المقام، لولا الاستعجال، كان يقتضي مناقشة مثل هذه البدعة والرد على أهلها، ولا يزال موضوعها مطروحاً على قناة الجزيرة. وربما تكون لها حلقة خاصة يقوم عليها فضيلة شيخنا العلامة يوسف القرضاوي لشيوع مثل هذا المنطق الزائغ لدى شريحة من أبناء المسلمين.

وكما أعتذر الشيخ جابر لغيره من علماء الإسلام نعتذر له وننتظر منه. ومن قناة الجزيرة ومن المشرفين على برنامج الشريعة والحياة توضيحاً كافياً في سياق هذه النظرات.

 والله المستعان وعليه التكلان

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ