ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 17/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التحالف الأطلسي هل حان وقت التحوّل؟

المستقبل - الثلاثاء 16 آذار 2010

العدد 3596 - رأي و فكر - صفحة 17

عفيف رزق

في اوج تداعيات إنهيار الاتحاد السوفياتي وذراعه العسكرية حلف وارسو- في اواخر ثمانينات القرن الماضي، اخذت اصوات بعض قادة بلدان الكتلة السوفياتية السابقة اوروبا الوسطى والشرقية تنادي بالتقارب والانضمام الى المؤسستين، الاتحاد الاوروبي ومنظمة حلف شمالي الاطلسي. وضعت الاولى معايير سياسية إقتصادية.. على كل بلد تلبيتها لتتاح الفرصة امام الراغبين بالإنضمام، اما الثانية فقد وجدت انه من الافضل التمهل في قبول الاعضاء الجدد، ريثما يستقر الوضع السياسي والإقتصادي في روسيا.

إزاء هذا الوضع ، صاغ احد ابرز قادة اوروبا الوسطى الرئيس التشيكي " فاكلاف هافيل " المعادلة التالية : اذا كانت منظمة التحالف الاطلسي قد أُنشئت للدفاع عن اوروبا الغربية من اي هجوم سوفياتي محتمل، وبما ان الاتحاد السوفياتي قد زال، فعلى هذه المنظمة ان تزول او ان تفتح ابوابها امام الخائفين من الخطر الروسي الجديد، وريث الخطر السوفياتي. شكل تساؤل هافيل اول حديث حول جدوى وجود التحالف الاطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة. تبع تساؤل الرئيس التشيكي، تساؤل من نوع آخرتناول مهام التحالف الجديدة في ظل الاوضاع والتطورات التي حصلت على الساحة الدولية، أثاره الفرنسيون عندما بدأ التداول بعودة فرنسا الكاملة للتحالف، بعد ان كان الرئيس الفرنسي الاسبق الجنرال ديغول قد انسحب من الشق العسكري للتحالف.

عاد الحديث من جديد، انما بصيغة جديدة هي ضرورة تحول منظمة حلف شمالي الاطلسي منتدى للتشاور حول القضايا الدولية، واتى هذا الحديث من داخل البيت الاطلسي من قبل رئيس وزراء الدانمارك الاسبق والامين العام الجديد للمنظمة الاطلسية، الذي تسلم مهامه في آب 2009 " اندريس فوغ راسموسين "، وذلك في المؤتمر السنوي ال 46 للسياسة الامنية، الذي عُقد في ميونيخ في اوائل شباط الماضي. من المعروف ان عقيدة التحالف الاطلسي الذي أُنشئ، بعد الحرب العالمية الثانية، عام 1949 تقوم على الدفاع عن الفضاء الاطلسي، اي عن حدود البلدان الاعضاء لهذا التحالف، لكن كما يقول الروس خُرق هذا المبدأ لدى مهاجمة القوات الاطلسية، مطلع هذا العقد، القوات الصربية وطردها من اقليم كوسوفو من دون تفويض من مجلس الامن الدولي، ويضيف الروس ايضا ان من المحتمل ان يُخرق هذا المبدأ مستقيلا في منطقة القطب الشمالي حيث لأربع دول من هذا التحالف مصالح شأن روسيا.

بعد ان يشير راسموسين الى ان اقتراحه بتحويل التحالف منتدى تشاورياً تولد من اقتناعه بالتجربة العسكرية التي تخوضها قوات التحالف في افغانستان، وعزز هذا الاقتراح بالاسباب الرئيسية التالية:

اولا: ان المهمة الاولى التي تأسس التحالف من اجلها عام 1949، هي الدفاع عن "حدودنا"، لكن بسبب تداعي الامن عالميا يجب ان يمتد الدفاع عن اراضينا الى ما وراء هذه الحدود.

ثانيا: ان صون "امننا" المشترك مرهون اكثر بحسن تعاوننا او عدمه مع الآخرين.

في مؤتمر صحافي عقده راسموسين لشرح ابعاد مقترحاته اوضح ان مجموعة من القضايا الامنية العالمية كالارهاب والهجمات الالكترونية والانتشار النووي والقرصنة والتغير المناخي والتنافس على الموارد الطبيعية...، قضايا تهم العالم بأسره وتوجب التشاور، فلا ضرر من ان تطور دول كبرى كالصين والهند وباكستان وروسيا وغيرها علاقات اوثق مع الحلف ؛ واذا حدث ذلك فانه سينعكس، واقعيا، فائدة في ما يتعلق بالثقة والتعاون. وضرب مثلا على ذلك في افغانستان فالصين والهند وروسيا يجب ان تعبر عن آرائها في الحرب الدائرة هناك. ثم اقترح الامين العام للتحالف قيام شراكة اطلسية مع الدول المتوسطية والآسيوية والشرق الاوسطية، وقال في هذا الاطار: "في رأيي ان تحويل الحلف الاطلسي مؤسسة ذات ارتباط بالعالم ليست خيارا.. انه ضرورة" منبها ان دعوته لا تتعلق بإقامة حلف "منافس للإمم المتحدة "لان" ذلك ليس ممكنا ولا محبذا". تجدر الاشارة في هذا الاطار الى ان التحالف كان قد شكل لجنة من 12 "حكيما" برئاسة وزيرة الخارجية الاميركية سابقا "مادلين اولبرايت" لتحضير وثيقة جديدة لاستراتيجية تحل محل تلك التي كانت قد اعدت عام 1999، وستناقش القمة الاطلسية، التي ستعقد في لشبونة في تشرين الثاني المقبل، هذه الوثيقة لتبني استراتيجية جديدة.

لقد اثارت مقترحات راسموسين الكثير من ردود الفعل، لعل ابرزها الانتقاد الذي وجهته القيادة الروسية، التي ما زالت تعتبر، كما في فترة الحرب الباردة، ان التحالف خصم لها، فهي شككت بعمق بمخططات التحالف الذي اعتبرته " يتطور بطريقة معكوسة.. يريد التحرك في العالم، لكنه يُفكر محليا (...) ان نشاطه يتفق ومصالح اعضائه الثمانية والعشرين..."، غير آبه بمصالح القوى الاخرى، وغير مهتم بالتطورات الحديدة على الساحة الدولية. وقد علق وزير الدفاع الالماني على مقترحات راسموسين بالقول: "اننا لا نريد الدخول في سباق مع الامم المتحدة ولا نريد ان نجعل الحلف وكالة دولية" للأمن، ويتفق هذا الرأي مع الرأي الفرنسي المعارض لفكرة تحويل الحلف "شرطيا عالميا".

مما لا شك فيه، في ظل الاوضاع المضطربة على الساحة الدولية وخصوصا في افغانستان؛ ستبقى مقترحات راسموسين مدار نقاش مستفيض نظرا لأهمية هذه الاحداث، من جهة، ونظرا لانها اتت من داخل البيت الاطلسي، من جهة اخرى.

فما هو الموقف الذي ستتبناه القمة الاطلسية في الخريف القادم، ثم ما هو رأي القوى الدولية الاخرى؟؟

========================

دولة مؤسسات و«لوبيات»

الثلاثاء, 16 مارس 2010

علي بن طلال الجهني *

الحياة

كان السناتور جوزيف بايدن يمثل ولاية ديلاوير الصغيرة جداً في مجلس الشيوخ الأميركي لفترة زادت عن ثلاثة عقود. ولم يجعله معروفاً وله أهمية في مجلس الشيوخ غير أقدميته التي مكنته من رئاسة لجان عدة مختلفة في أوقات مختلفة، لأن نظام مجلس الشيوخ الأميركي الداخلي يقضى بأن يتولى رئاسة اللجان العضو الأقدم من حزب الأغلبية. وطوال فترة عضوية السناتور بايدن في مجلس الشيوخ، كان أهم مساعديه يهودياً صهيونياً، وهو الذي حل محله موقتاً في مجلس الشيوخ الى أن يأتي موعد الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010.

ومن أهم أسباب اختيار الرئيس أوباما للسناتور بايدن ليكون مرشحاً لنائب الرئيس، وهو المنصب الذي تولاه بعد نجاح أوباما في انتخابات تشرين الثاني 2008، هو ولاؤه المطلق ودعمه غير المشروط لأمن إسرائيل، إرضاء للوبي الصهيوني في واشنطن، ورغبة في كسب تعاون هذا «اللوبي» القوي وشبه المسيطر على الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، على أمل أن يسهل ذلك على أوباما تنفيذ برنامجه الإصلاحي الداخلي على الأقل.

ولذلك لم يكن مفاجئاً اختيار نائبه بايدن ليذهب إلى إسرائيل لإحياء إجراءات التفاوض من اجل إحلال السلام بإقامة دولة فلسطينية مستقلة جنباً الى جنب مع إسرائيل، أي تقسيم فلسطين بما في ذلك القدس بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

غير أن دعم السناتور جوزيف بايدن المستمر منذ ما يزيد على ثلث قرن لم يشفع له ولو بتأخير الإهانة التي وجهتها له حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة. ووصف الإعلان عن إنشاء آلاف المساكن الإضافية لتمكين اشد المتشددين من الإسرائيليين من احتلال المزيد من شرق مدينة القدس، ب «الإهانة» لنائب الرئيس خلال وجوده في إسرائيل، بل وللولايات المتحدة الأميركية، وهي العبارة التي اختارتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وليس أنا.

والمراد إيضاحه، صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية دولة مؤسسات، ونظرياً ينبغي أن الذي يحدد سياستها الخارجية هو مؤسساتها لا السياسيون الأفراد. غير أن الواقع المعاش يثبت لكل ذي عينين أن ما يقرر سياسة أميركا الخارجية، هي اعتبارات داخلية بحتة لها علاقة مباشرة بالانتخابات، وبخاصة الانتخابات «النيابية» التي تتكرر كل سنتين. إن الأمر لا يعدو اعتبارات انتخابية «انتهازية» ضيقة تؤثر في هذا السياسي أو ذاك. واهم ما يتعلق بالاعتبارات الانتخابية ليس الملايين من الناخبين الذين لا يربط بينهم رابط ايديولوجي، وإنما «اللوبيات» المنظمة المحكمة التكوين والممولة جيداً للتأثير في الناخبين.

ولو نظر المتابع الى الصعوبات الجمة التي تواجهها إدارة الرئيس أوباما لاستصدار تشريعات تنظم وتضع ضوابط لتصرفات منسوبي القطاع المالي لحماية هذا القطاع ذاته ثم حماية الاقتصاد الوطني من حيل وخداع سماسرة أسواق المال، سيلحظ بسهولة مدى قوة «لوبي البنوك» و»لوبي» بقية منشآت القطاع المالي، في مقاومة إصدار تشريع من الواضح لغالبية المتخصصين المحايدين فائدته لمعظم المواطنين الأميركيين.

والشيء نفسه حصل في مقاومة إصلاح نظام تقديم الخدمات الصحية في أميركا. فقد استطاعت شركات التأمين الصحي العملاقة تعطيل إصدار تشريع الإصلاح واستطاعت تشويه محتواه. وبذلك استطاعت أن تخلق ضبابية وشكّاً ومخاوف في أذهان عموم الناخبين.

إن «اللوبيات» القوية النافذة ك «لوبي» القطاع المالي، و»لوبي» شركات التأمين الصحي ووسائل الإعلام المتعاطفة معها تحقيقاً لمصالحها أو بسبب كرهها لأوباما كصحيفة «وول ستريت جورنال» ومحطة «فوكس نيوز» وبقية وسائل الإعلام التي يسيطر عليها روبرت ميردوخ، هي التي عطلت وأخرت تشريعات الإصلاح المالي وإصلاح تقديم الخدمات الصحية، والاهم شوّهت محتوياته وأساءت إليه إساءة بالغة.

وإذا كان هذا هو الواقع داخلياً فكيف تكون عليه الحال خارجياً، ما دام أن اللوبي الإسرائيلي «ايباك» (اللجنة الاميركية الاسرائيلية للشؤون العامة) يستطيع أن يستصدر قراراً يقول ان الشمس تطلع من مغربها وبأغلبية كبيرة من أصوات أعضاء الكونغرس بمجلسيه، كما قال مرة السناتور وليم فولبرايت.

أما بات بيوكانن، الجمهوري المحافظ والشخصية الوطنية الأميركية المشهورة، فهو من قال إن مبنى «العاصمة»، أي قاعات مجلس الكونغرس ومبانيه، هي «ارض محتلة»، أي تحتلها «ايباك» وقال قولاً مماثلاً الصحافي اليهودي المعادي للصهيونية روبرت نوفاك. وهذا ما يعرفه كل عضو من أعضاء الكونغرس الحاليين والذين لا يستطيعون إعلانه، ولا يختلف عما قاله واستطاع إعلانه أعضاء سابقون.

إن نتانياهو لم يعتذر لنائب الرئيس الأميركي الزائر بايدن عن موافقة حكومته على توسيع المستوطنات خصوصاً في الأحياء العربية في شرق القدس. وإنما اعتذر عن «توقيت» الإعلان الذي تم خلال زيارة بايدن.

هل هي مصالح أميركا الوطنية العليا التي سمحت لإسرائيل بهذه العنجهية والتطاول على العالم كله بما فيه أميركا؟

إن الذي مكّن وربما سيستمر يمكّن إسرائيل من عمل ما تشاء هو قوة نفوذ «ايباك» وشبه سيطرتها أو «احتلالها» كما قال بيوكانن ونوفاك للكونغرس الأميركي بمجلسيه. أما الذين يرددون مقولة «دولة مؤسسات» و»صهاريج فكر»، ولذلك لا يمكن أن يملي سياستها الخارجية أو الداخلية شيء غير الاعتبارات الإستراتيجية الوطنية العليا، فإنهم يرددون ما يتنافى مع «الواقع»، كما يتنافى مع ما قاله ويقوله أساتذة العلوم السياسية الذين لا تربطهم ب «ايباك» رابطة في كل جامعة أميركية مميزة. بل وما قاله ويقوله كل رئيس أميركي سابق، وكل رئيس سابق للاستخبارات الأميركية، ونفرٌ من رؤساء أركان القوات المسلحة السابقين، كما قاله أيضاً نخبة من المتميزين من أعضاء مجلس الشيوخ من أيام وليام فولبرايت وتشارلز بيرسي ومايك هاتفيلد وحالياً سام نن.

والله من وراء القصد.

========================

في أسبوع الفضائح المدوية

آخر تحديث:الثلاثاء ,16/03/2010

 فهمي هويدي

الخليج

لو سألتني عن عنوان للأسبوع الفائت لقلت على الفور إنه أسبوع الفضائح المدوية، الذي سقطت فيه أوراق التوت عن عورات العرب، فظهروا أمام الملأ في وضع مخل .

-1-

وسط أجواء الحديث عن العودة إلى المفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” أعلن عن ضم مسجدين كبيرين في الخليل وبيت لحم إلى الآثار اليهودية، وفوجئنا بصورة نشرتها صحيفة “هاآرتس” لمجموعة كبيرة من المجندات “الإسرائيليات” وقد دخلن بأحذيتهن إلى الحرم الإبراهيمي أحد المسجدين وجلسن في باحة المسجد يستمعن إلى تعليمات تلقى عليهن . لم تكن تلك هي الصدمة الوحيدة التي كانت تعبيرا عن إشهار التحدي والازدراء بالعرب والمسلمين، لأن الصدمة الأكبر تمثلت في الصمت العربي إزاء ما حدث، والتعامل معه باعتباره أمراً عادياً لا يستحق استنفاراً أو غضباً .

 

قبل ذلك بأيام اقتحمت جماعات من اليهود المسجد الأقصى، واستولى آخرون منهم على بيوت الفلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس، وتم اعتقال عشرات من الفتية الفلسطينيين من بيوتهم في حي سلوان تحت جنح الظلام، بعدما اتهموا برشق الجنود “الإسرائيليين” بالحجارة، وفي الوقت ذاته، كان “الإسرائيليون” يبنون كنيساً جديداً بجوار المسجد الأقصى إيذاناً بانطلاق مشروعهم لإعادة بناء هيكل سليمان، تحقيقاً لنبوءة أحد الحاخامات الذين يقولون إنه في القرن الثامن عشر، حدد يوم السادس عشر من شهر مارس في عام 2010 (اليوم) للبدء في عملية البناء .

 

في هذا الجو المسكون بالتحدي والعربدة “الإسرائيلية”، الذي تواصلت في ظله جهود اقتلاع الفلسطينيين وتدمير حياتهم، عرضت على الأمة العربية تمثيلية المفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو ليبرمان . ولأن المفاوضات كانت مجمدة من الناحية الرسمية وأعلن أنها لن تستأنف إلا بعد وقف الاستيطان، فقد أراد لها المخرج الأمريكي أن تتم بغطاء عربي لإنقاذ ماء وجه السلطة الفلسطينية وللإيحاء بنجاح الوساطة الأمريكية، تحقق المراد على النحو المعروف، ووافقت لجنة المبادرة العربية (غير المختصة بالموضوع!) على المفاوضات غير المباشرة، وحين بدأ المبعوثون الأمريكيون في التحضير للقاء المرتقب توالت المفاجآت . جاء جورج ميتشيل مبعوث الرئيس أوباما إلى المنطقة فأعلنت “إسرائيل” عن البدء في بناء 112 وحدة استيطانية جديدة . وبعده جاء نائب الرئيس جوبايدن، فأعلنت “إسرائيل” عن الشروع في بناء 1600 وحدة استيطانية أخرى ماذا كان رد الفعل الفلسطيني والعربي على ذلك؟

 

الرد كان مفجعاً وصادماً . فمن ناحية توالت التصريحات في رام الله والقاهرة وعمان التي ذكرت في المرة الأولى أن الهدف من القرار هو إفساد مهمة ميتشيل، وفي المرة الثانية قيل إن القرار صفعة لنائب الرئيس الأمريكي، كأن العرب كانوا حريصين على مهمة ميتشيل وعلى كرامة بايدن بأكثر من حرصهم على حقوقهم وكرامتهم . لم يتحدث أحد عن أن الصفعة الحقيقية هي من نصيب الجانب العربي الذي وافق صاغراً على العودة إلى المفاوضات . وقبل بأن يدور في الحلقة المفرغة، التي لم يجن منها شيئاً منذ توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993 .

 

-2-

 

الموقف العربي إزاء الممارسات “الإسرائيلية” لم يتجاوز أمرين، أولهما الإعراب عن “الاستياء”، وثانيهما التلويح بفكرة الامتناع عن العودة إلى المفاوضات غير المباشرة . الاستياء ظل تصريحا صحافياً ولم يترجم إلى غضب ملموس، أما مقاطعة المفاوضات المفترضة فإن أحدا لم يأخذها على محمل الجد . واعتبرها الآخرون مجرد فرقعة في الهواء، إذ استقبلت في الولايات المتحدة و”إسرائيل” بحسبانها تهديدا لا يملك الفلسطينيون ولا يحتمل العرب المضي فيها إلى النهاية، فالمسؤولون في واشنطن قالوا إنهم لم يتلقوا معلومات رسمية بهذا الخصوص . أما بنيامين نتنياهو فقد تحدث بلغة الواثق والمطمئن، وقال إن المفاوضات ستبدأ في موعدها في الأسبوع القادم .

 

أثبت نتنياهو أن نهجه أكثر جدوى في التعامل مع العرب من غيره من السياسيين “الإسرائيليين”، هكذا كتب شالوم يروشالمي في صحيفة “معاريف” “5/3/2010” . وكان صاحبنا هذا من الناقدين لرئيس الوزراء “الإسرائيلي”، لكنه غيّر موقفه، شأن آخرين ممن لاحظوا التخاذل العربي أمام قرارات نتنياهو وممارساته، الأمر الذي أقنعهم بأن الرجل له قراءته للواقع العربي المدرك لما فيه من عجز ووهن . من ثم فإنهم إما توقفوا عن انتقاده أو شرعوا في كيل المديح له .

 

وفي الوقت الذي تزايدت فيه جبهة التأييد لنتنياهو في الإعلام “الإسرائيلي”، فإن التعليقات التى تناولت ردود الأفعال العربية والفلسطينية ضمناً بالسخرية والتهوين لم تتوقف . فقد سخرت “هاآرتس” من فكرة المفاوضات غير المباشرة . فنشرت (6/3) مقالاً كتبه آفي سيخاروف مراسلها للشؤون الفلسطينية تساءل فيه قائلاً: هل توقفت حقا الاتصالات بين ممثلي السلطة والمسؤولين “الإسرائيليين” . حتى يحتاج نتنياهو وعباس إلى مفاوضات غير مباشرة؟، وأضاف، “أن التنسيق الأمني بين الطرفين مستمر بشكل غير مسبوق، حيث يتبادل مسؤولو الأجهزة الأمنية في كل جانب الأدوار والمعلومات في تعقب حركات المقاومة وإجهاض عملياتها . وأشاد الكاتب بقادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية الذين أصبحوا يتنافسون في التعامل مع نشطاء المقاومة لتحسين صورتهم لدى “إسرائيل” .

 

لم يسلم الجانب العربي من سخرية المعلقين “الإسرائيليين”، الذين استخفوا بما ورد في البيان الذي أيد العودة إلى المفاوضات غير المباشرة لإعطاء الفرصة ل”إسرائيل” لإثبات “حسن نواياها”، وحدد سقفا زمنيا مدته أربعة أشهر لتلك العملية . وكان تسفي بارئيل محرر الشؤون العربية في “هاآرتس” أحد الذين سخروا من البيان، وكتب في 6/3 مقالا ذكر فيه أن حكومة اليمين في “إسرائيل” ملتزمة بمواصلة الاستيطان في القدس والضفة الغربية أكثر من التزامها بأي شيء آخر الآن أو بعد أربعة أشهر . ومن المعلقين “الإسرائيليين” من ذكَّر الجانب العربي بأنه بعد أربعة أشهر من المفاوضات غير المباشرة ستكون مهلة تجميد الاستيطان المؤقت موشكة على الانتهاء . علما بأن نتنياهو وكبار وزرائه وعدوا بأن الحكومة تستعد لطفرة في المشاريع الاستيطانية بمختلف أنحاء الضفة الغربية . على رأسها بناء مدينة استيطانية تستوعب 14 ألف مستوطن (لاحقا في 11/3 نشرت “هاآرتس” أن ثمة مشروعا قيد الدراسة الآن لبناء 50 ألف وحدة سكنية في أحياء القدس الشرقية) .

 

-3-

 

لا تقف عند حد عملية الإذلال التي يتعرض لها الفلسطينيون والعرب الذين باركوا المفاوضات غير المباشرة وحددوا لها سقفاً زمنياً، وهي المفاوضات التي كانت اقتراحاً أمريكيا تم إخراجه إلى حيز التنفيذ وتمريره عربياً بالتعاون بين السلطة الفلسطينية ومصر والأردن، فقد أبلغت الإدارة الأمريكية السلطة الفلسطينية بأنها ترى أن حكومة نتنياهو غير ملزمة بالتفاهمات التي تم التوصل إليها مع رئيس الحكومة السابق إيهود باراك (هاآرتس 7/3)، الامر الذي يعني أن المفاوضات المرتقبة سوف تبدأ من الصفر، استجابة لموقف نتنياهو الذي أعلن فيه أنه مستعد للمفاوضات من دون أي شروط مسبقة . وهو ما تحلل به من أي التزامات أو اتفاقات سابقة، ليس ذلك فحسب، وإنما اعتبرت الإدارة الأمريكية أن عمليات بناء الوحدات الاستيطانية التي تتم في نطاق القدس خارجة عن نطاق التجميد الظاهري الذي أعلنه نتنياهو .

 

الخلاصة أن الفلسطينيين سيذهبون إلى المفاوضات غير المباشرة وهم في أضعف أحوالهم . ليس هذا فحسب، وإنما هم واثقون أيضا من عدة أمور، أولها أن الإدارة الأمريكية منحازة بالكامل ل”إسرائيل”، وليس لديها أي استعداد لممارسة أي ضغط عليها، ليس فقط لقوة “اللوبي” الصهيوني في واشنطن، ولكن أيضا لأن الجميع يعلمون أن الإدارة الأمريكية تتحسب للانتخابات التشريعية التي سوف تجرى هناك في نوفمبر القادم، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى إرضاء “إسرائيل” وكسب تأييد قادتها .

 

الأمر الثاني أنهم يعرفون جيدا أن الموقف العربي الرسمي مرتبط بالإرادة الأمريكية ولا يستطيع أن ينفصل عنها . الأمر الثالث أنهم يدركون أن المفاوضات لن تحقق لهم شيئا في ظل موازين القوى الحالية . وخبرتهم منذ مفاوضات واشنطن عام 1991 وحتى مؤتمر أنا بوليس عام 2007 مرورا بأوسلو ولقاء كامب ديفيد، أقنعتهم بأن “إسرائيل” مستعدة لأن تأخذ فقط ولا تريد أن تعطي .

 

هذا الانطباع عبر عنه الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني بلال الحسن في مقالة أخيرة له قال فيها إن “إسرائيل” لا تريد البحث في القضية الفلسطينية الأصل، ولا تريد البحث في حق العودة للاجئين ولا تريد البحث في انسحاب “إسرائيلي” كامل من أراض احتلت عام ،1967 ولا تريد إزالة المستوطنات، ولا تريد الموافقة على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في حدود أراضي ،1967 وبات معروفا وشائعا في المقابل أن “إسرائيل” تريد نصف الضفة الغربية، وتريد مياه الضفة الغربية، وتريد سماء الضفة الغربية، وتريد المياه الإقليمية لقطاع غزة، وتريد التمركز العسكري على امتداد نهر الأردن، كل هذا تريده “إسرائيل” وكل هذا تعرف أمريكا أن “إسرائيل” تريده، ومع ذلك فهي تأتي إلى المنطقة بكل هيبتها لتقول لنا إنها ستدير مفاوضات غير مباشرة وتتعهد لنا أنها ستنتهي في حدود عامين، وتريد منا أن نصدق هذه الكذبة الكبرى .

 

-4-

 

المأزق الذي تعاني منه القضية يرجع إلى عوامل عدة في المقدمة منها عاملان جوهريان هما:

 

1 تحييد مصر وخروجها من معادلة الصراع مع “إسرائيل”، بتوقيعها معاهدة السلام المنفرد في عام ،1979 وبهذا الخروج فقد العرب أهم عناصر قوتهم في مواجهة “إسرائيل”، الأمر الذي أدى إلى انكشاف العرب وتفتت قدراتهم وانغلاق خيالاتهم . فلا حرب تحرز، ولا تسوية تسترجع البقايا . هذه الفقرة اقتبسها من بحث حول المأزق للدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة بيرزيت والوزير في الحكومة الحالية . وكانت النتيجة والكلام له أن العرب منذ ذلك الحين لم يستعيدوا زمام المبادرة مطلقا في مواجهة “إسرائيل” . الأمر الذي أدى إلى إلحاق الهزيمة السياسية بهم في كل مراحل المفاوضات التي استمرت منذ عام 1991 وحتى هذه اللحظة .

 

2 انعدام الخيارات لدى الطرف الفلسطيني والعربي، ذلك أن معادلة ميزان القوى بين الأطراف المتقابلة في أي عملية تفاوض تتأثر إيجابا وسلبا بمدى توافر هذه الخيارات من عدمها عند تلك الأطراف، من ثم فقوة الطرف المفاوض تزداد بمدى ما يتوافر له من خيارات أخرى، بمقدوره أن يلجأ إليها إذا ما لم يحقق التفاوض الهدف المنشود منه . أما إذا أعلن أحد الأطراف أن التفاوض هو خياره الوحيد، فإنه يخسر قضيته منذ اللحظة الأولى . وهي الفكرة التي سجلها باستفاضة الدكتور الجرباوي في بحثه، وأكد فيها على أنه من الأفضل للطرف الذي لا يملك خيارات أخرى غير التفاوض ألا يتفاوض من الأساس، لأنه في هذه الحالة سيجد نفسه محكوما بموازين القوة ومضطرا إلى العودة للمفاوضات مرة أخرى وإلى تقديم التنازلات لخصمه الأقوى في أي قضية خلافية .

 

أما ما هي الخيارات الأخرى فقد تكون المقاومة أو الانتفاضة . وقد تكون مجرد رفض التفاوض والتنازل، لكن الحاصل عندنا أننا منذ أعلنا عن أن السلام هو خيارنا الاستراتيجي وأن التفاوض هو سبيلنا الوحيد، حشرنا أنفسنا في الزاوية وكتب علينا أن نحترف إدارة الخد الأيمن كلما تلقينا صفعة على الخد الأيسر، ولم نعد نملك إلا أن نفعل العكس بمجرد أن نتلقى الصفعة التالية . الأمر الذي أغرى “الإسرائيليين” بالذهاب إلى أبعد من الصفعات في تعاملهم معنا، وهذا هو الحاصل الآن للأسف البالغ .

========================

النزعات الانفصالية وخدمة الأجندة الأمريكية

آخر تحديث:الثلاثاء ,16/03/2010

إميل أمين

الخليج

في أعقاب اللقاء الأخير الذي جمع في البيت الأبيض بين الرئيس الامريكي باراك أوباما وبين الزعيم الروحي للتبت الدالاي لاما وردود الفعل الصينية المنزعجة بسبب هذا اللقاء، والتي تؤجج النيران المشتعلة بين بكين وواشنطن لا سيما بعد ما جرى من أمر صفقة الأسلحة الأمريكية المتقدمة لتايوان، بات السؤال الجوهري المطروح على ساحة العلاقات الدولية: هل الرجل هو مخلب قط أمريكي ومرشح ظهور أنداد كثيرين له في مختلف بقاع وأصقاع الأرض تحت لافتات الحرية وحقوق الانسان، خاصة من أصحاب النزعات الانفصالية؟

 

تكثر الأحاديث الموثقة وغيرها عن طبيعة علاقة الدالاي لاما بالأمريكيين خاصة وبالأوروبيين عامة حتى بغير هؤلاء وأولئك بمعنى علاقته باليهود و”إسرائيل”، ولا يمكن تحديد أول زيارة قام بها للولايات المتحدة بصورة مؤكدة، فهناك في الدفاتر الخفية كلام كثير عنها غير أن أهمها وأول واحدة اعتبرت ذات شأن وأشارت توابعها للعلاقة الخاصة بينه وبين ساكن البيت الأبيض، تلك التي جرت في عهد الرئيس الجمهوري رونالد ريجان والذي لم يكن يألو جهداً في محاربة الشيوعية سواء في روسيا أو الصين .

 

ففي 21 سبتمبر/أيلول من عام 1987 أعطت اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بمجلس النواب الأمريكي، الكلمة للدالاي لاما الذي قدم اقتراحاً من خمس نقاط حول ما يسمى “وضع التيبت”، وعقدت لجنة شؤون الخارجية بمجلس النواب جلسة استماع يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول عام 1987 حول حقوق الإنسان في التيبت أيد خلالها عدد من أعضاء الكونجرس الدالاي لاما ، وحاولوا ممارسة ضغط على الصين .

 

بعد ذلك صعّد الدالاي لاما من الأنشطة الانفصالية، ومضى بشكل متكرر يروج لأفكاره في الدول الغربية، وفي 27 سبتمبر/أيلول من عام 1987 أي بعد ستة أيام من الكلمة التي ألقاها أمام اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في مجلس النواب الأمريكي، شهدت لاسا عاصمة منطقة التيبت ذاتية الحكم أول أعمال الشغب التي كانت ترمي لتحقيق ما يسمى باستقلال التيبت .

 

وقد استمرت الحكومة الأمريكية والكونجرس في دعمهما للدالاي لاما بشتى الطرق بعد عام ،1989 وفي هذا السياق كانت الإشارات المتعددة الواردة في وثائق وزارة الخارجية الأمريكية المفرج عنها عام 1998 تؤكد على أن الدالاي لاما كان يتلقى مبالغ مالية من الحكومة الأمريكية بصفة سنوية ففي 1-10-98 قالت “النيويورك تايمز” أنه كان يتلقى مبلغاً بمثابة راتب سنوي مقداره 186 آلاف دولار من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA من بداية الخمسينات إلى نهاية السبعينات .

 

فيما أشارت “اللوس أنجلوس تايمز” الصادرة بتاريخ 15-9-98 بأن 1،7 مليون دولار كانت تقدم للحركة الانفصالية في التيبت سنوياً للقيام بأعمال عنف مسلح ضد الصين الشعبية خلال نفس الفترة .

 

وتبقى في الأمر علامة استفهام، كيف واصلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة دعم الدالاي لاما وجماعاته الانفصالية، حتى بعد قيام علاقات دبلوماسية صينية أمريكية؟

 

ربما كانت الإجابة تمر هذه المرة عبر قنوات معلومات الاستخبارات الروسية، والتي من خلالها كانت وكالة الأنباء الروسية “نوفوستي” تشير إلى أن دعم الانفصاليين التيبتين استمر عبر مجموعة من ال SNGO أي المنظمات الأهلية غير الحكومية والمعروفة باسم منظمات المجتمع المدني بل إلى أبعد من ذلك إذ تشير الوكالة ذاتها في تقرير لها تحت عنوان “القلاقل في التيبت تتبع سيناريو كوسوفو” في صيغة أبعد ما تكون عن الإعلام وأوثق وألصق ما ينبغي بقراءة مخابراتية معلوماتية، تقول فيه إن من بين تلك المنظمات غير الحكومية ومراكز الأبحاث: “الحملة الدولية من أجل التيبت” والصندوق الاجتماعي وتنمية الموارد وشبكة التيبت للمعلومات ومعهد التيبت وغيرها من المسميات العريضة .

 

والحاصل أن الدالاي لاما ومنذ العام 1967 ومع رمزية العام نفسه كان يختط لنفسه خطاً مغايراً لما سبق، وسعى من خلاله في رحلة نضاله بحسب أقواله فقد كان مسارعاً للمشاركة في كل حوارات الأديان حرصا على أن يكون للبوذية مكانة كتلك التي تحتلها الديانات السماوية، وفي عام 1973 كان لقاؤه الأول في الفاتيكان مع البابا بولس السادس، ولاحقاً التقى البابا البولندي الأصل يوحنا بولس الثاني مرات عديدة . وفي عام 1990 التقى وفداً من حاخامات اليهود ومنذ ذلك التاريخ بدأ علاقة حميمة مع “إسرائيل” التي زارها ثلاث مرات كان آخرها في 15-2-2006 وذلك في الذكرى المئوية لما أطلق عليه وقتها “ هجرة ديفيد بن جوريون أول رئيس لدولة “إسرائيل” إلى الأراضي المقدسة” .

 

وهناك كان لابد له أن يزور ضريح بن جوريون وأن يلقي كلمة أوردتها الصحف الصهيونية بكاملها وفيها غزل صريح يمتد من تل أبيب ليصل إلى واشنطن، مروراً بعواصم غربية أخرى مثل لندن التي التقى فيها قادة الكنيسة الانجليكانية، وقد توجت هذه العلاقات المتشعبة مرتين الأولى عام 1989 عندما تم منحه جائز نوبل للسلام، والثانية في منتصف شهر أكتوبر/تشرين أول من العام ،2007 ففي احتفال رسمي كان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش يقلد الدالاي لاما الميدالية الذهبية للكونجرس الأمريكي، أعلى وسام شرف مدني أمريكي، وكان المبرر هو “تقديراً لجهوده من أجل السلام وحقوق الإنسان” . وفي الكلمة التي ألقاها بوش في مراسم تسليم الجائزة وصف الدالاي لاما بأنه “شعلة شعب التيبت التي ظلت مضاءة طوال الوقت” مع أن الصين وحكوماتها كانت على مدى نحو خمسة عقود ترى انه ذئب يتخفى في ثياب رجل روحي .

 

ويبقى ما يستوقف المرء، إذ كيف قُدِّر للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش صاحب النزعات الدينية الإنجيلية الأصولية، أن يضفي هذه الهالة من القداسة والتوفير على رجل يعد في معتقد بوش الديني بلا ناموس وهي صيغة مهذبة ومقنعه لمقولة ملحد أو لا ديني، ويمكن القول ولو على غضاضة “كافر” لا يؤمن بالله وليس من الموحدين سواء اليهود أو المسلمين؟

 

ربما يتبقى القول إن التيبت ليست إلا فصلاً جديداً من فصول كثيرة تعمد الولايات المتحدة من خلالها إلى مواجهة التنين الصيني، ووقف نموه وامتداده الامبراطوري حول العالم ولهذا لا تتردد في استقبال الدالاي لاما رجلها في التيبت حتى لو غضبت بكين التي تحتاجها واشنطن أشد الاحتياج اليوم للوقوف بجانبها في مجلس الأمن، خاصة اذا مضت في طرح مشروع قرار بعقوبات على إيران فالخدمات التي يقدمها الرجل للاستراتيجية الامريكية التوسعية في آسيا أهم كثيراً من ملف ايران، ويظل كذلك نسقه كارثة على استقرار دول عديدة حول العالم، ومنها البعض في العالم العربي حيث تحاول واشنطن تعزيز النزعات الانفصالية لمصلحة الأجندة الامبريالية الأمريكية ما ظهر منها وما خفي .

========================

التشدد القومي محور الخلل الأوروبي

بقلم :حسن عزالدين

البيان

16-3-2010

ثمة جزئية ملفتة في أوروبا، مرتبطة بمسألة القومية أو ربما الشوفينية، الباحثة دائما عن وسيلة معيّنة للاندماج مع التطور الأشمل المتسارع حاليا، ضمن الكيان الذي يعرف باسم الاتحاد الأوروبي.

 

وهذه الجزئية كانت موجودة بنسب مختلفة ضمن مجتمعات الدول الأعضاء المؤسسة لهذا الاتحاد، لكنها تمكنت مع مرور الوقت من التغلّب على المشاكل المرتبطة بها، ضمن الصيغة المتعارف عليها حاليا في هيئات وأطر عمل الاتحاد.

 

ما أصبح آنيا في الوقت الحاضر، هو كيف ستتمكن الدول المنضمة حديثا، وربما تلك التي تتأهّب للانضمام، من استيعاب التجارب المثمرة لمن سبقها من الدول، والتعامل مع هذه الجزئية الخطيرة بكل مسئولية ورقي؟

 

فقد باتت هذه الاستفسارات محقة في ظل التطورات الجدّية التي تبرز هنا وهناك، بعضها مغلّف بإطار دبلوماسي روتيني، لكنه، وهذا هو الأخطر، معتمد على خلفيات عرقية ودعم قومي وشعبي مختلف.

 

وحتى لا نضيع في متاهات التفسير العام، سنركّز على مثال مصغّر ممّا يحدث في بعض جوانب أوروبا من صراعات، قد تتفاقم مع الوقت وتنمو في ظاهرة أعمق مما قد تبدو عليه حاليا..

 

فقد صادق البرلمان السلوفاكي مؤخرا على قانون يُلزم المدارس والمؤسسات الرسمية على اختلافها، بإبراز رموز الدولة من نشيد وطني وما شابه ذلك بشكل مستمر، كنوع من التأكيد على هوية الدولة.

 

هذا يعني أن المدارس ستُلزم من اليوم فصاعدا بعزف النشيد الوطني في بداية كل أسبوع لكي يحفظه الطلاب، وسترفع الأعلام الرسمية وصور مسؤولي الدولة في كافة أروقتها وجوانبها.

 

إضافة إلى ذلك، سيلزم موظفو الدولة بأداء قسم اليمين عند استلامهم لوظائفهم، حيث يتعهدون من خلاله بالولاء للوطن السلوفاكي دون غيره.

 

وقد يبدو هذا الأمر عاديا جدا لمن هو مقيم في أرجاء الوطن العربي الشاسع، باعتبار أن كل هذه التقاليد مرسّخة في الممارسة اليومية لمدارسنا ومؤسساتنا منذ زمن بعيد.. وإن بشكل مبالغ فيه أحيانا، إلا أن نظرة أقرب إلى جوهر الأمر، تكشف ما هو أبعد وأخطر من ذلك بكثير.

 

فالقانون المذكور طُرح للنقاش والمصادقة من قبل الحزب اليميني القومي المتشدد، الذي حافظ منذ استقلال سلوفاكيا على نبرة قومية واضحة في كافة تفاصيل نشاطه السياسي وحتى الاجتماعي.

 

وهو أحد ثلاثة أحزاب تشكّل في الوقت الحاضر ائتلافا حاكما، يتمتّع بأكثر من خمسين في المئة من تأييد جماهير الشعب، وبالتالي فهو مرشح لإمكانية الاستمرار في سدّة المسؤولية، بعد الفوز المتوقع في الانتخابات البرلمانية المرتقبة.

 

أما سبب طرح هذا القانون الذي قد يبدو للبعض غير متناسق مع المفهوم الأوروبي المعاصر، فيتمثل في القناعة التي باتت مترسخة في نفوس القوميين السلوفاكيين، ومفادها أن نظراءهم على الجانب الآخر المنافس، أي المتشددون المجريون، باتوا يتمتعون بنسبة تأييد عالية جدا داخل المجتمع المجري.

 

وهذا يستدعي دق ناقوس الخطر، لأن ذلك يعني، حسب إحصائيات الحزب القومي السلوفاكي طبعا، أن واحدا من كل خمسة مواطنين مجريين، مؤمن بزوال سلوفاكيا لأنها دولة اصطناعية، ويجب العمل لإعادتها إلى حضن وطنها الأم.. أي المجر.

 

ومما لا شك فيه أن هذه المخاوف السلوفاكية عزّزتها سلسلة من الفعاليات والتصريحات التي شهدتها المنطقة مؤخرا، لاسيما تلك التي ينشط من خلالها المتشددون المجريون، إن كان على الساحة المحلية أم ضمن هيئات البرلمان الأوروبي، المفترض أن يكون حاضنا لفسيفساء الانتماءات الأوروبية المختلفة.

 

وليست التصريحات الاستفزازية الصادرة مؤخرا عن النائب المجري في البرلمان الأوروبي، تشاناد سيغيدي، والتي ذكّر فيها أنصاره مجددا بأن «المجر تتقاسم حدودها الشمالية مع بولندا»، سوى جزء من وقود الفتنة الآخذة بالتكامل.

 

تضاف إلى ذلك مطالبته المتكررة بإلغاء «مراسيم بينيش»، والتي ساهمت في تأميم ممتلكات آلاف المواطنين المجريين بسبب تعاملهم مع النظام النازي، وغير ذلك من المطالب.

 

بكل تأكيد، فإن تصريحات مثل هذه تساهم في بث نار التفرقة بين الشعبين، وتلعب لصالح من يرغب في تأجيج المشاعر دائما لأسباب مختلفة. والنائب المذكور تعمّد إزالة سلوفاكيا من الخارطة الجغرافية، لكنه أراد في الواقع أن يكرّس هذه الممارسة المتطرفة في إدراك المجريين وقناعاتهم الإيديولوجية.

 

زد على ذلك بالطبع، سلسلة من المشاكل القائمة منذ زمن بعيد، على صعيد التعايش المشترك بين صفوف الأقلية المجرية المنتشرة على طول المناطق الواقعة في جنوب سلوفاكيا، وطريقة اندماجها بشكل منطقي ومقبول مع المجتمع السلوفاكي الأشمل.

 

وهذه أمور، بطبيعة الحال، تدخل في تفاصيل الحياة السياسية للبلدين المتجاورين، لكن حدّتها ترتفع عادة مع اقتراب مواعيد الانتخابات.

 

ما يجب تأكيده في هذا السياق، هو أن الأداء الرسمي في كلا البلدين يبقى محافظا قدر الإمكان على الحدود المنطقية من التعامل الدبلوماسي، وضمن ما هو متعارف عليه من أصول اللياقة المفترض قيامها بين الدول المتجاورة، الحليفة أصلا.

 

وهذا أضعف الإيمان المطلوب من دول خاضت تجارب قاسية كثيرة في تاريخها المعاصر، وناضلت من أجل التكامل مع «أوروبا الديمقراطية»، بعدما عانت الأمرّين من تجربتي الاحتلال النازي والحكم الاستئثاري الشيوعي.

 

وقد انضوى البلدان في مجموعة «فيشغراد» التي نسّقت الجهود بينها وبين دول أخرى مجاورة، للانضمام إلى حلف الناتو ولاحقا الاتحاد الأوروبي.

 

قد يكون مفيدا التذكير بأن التفاصيل الخطيرة المرتبطة بالتوتر القومي، ليست مقتصرة حتما على البلدين المذكورين، حيث يمكن إيجاد الكثير من تلك البؤر التي مازالت اليوم خامدة لسبب أو لآخر.

ما يمكن تأكيده حتما، هو أن تلك البؤر والخلافات المتجذرة في ثقافة ونفوس شعوب المنطقة ستبقى، رغم التطور الديمقراطي القائم، بمثابة رماد حار، سيشتعل لهيبه الحارق مع حلول أول لحظة ضعف أوروبية.

========================

الاتحاد الأوروبي والمغرب

بقلم :توفيق المديني

البيان

16-3-2010

منذ أن تم توقيع الاتفاقية بين المغرب والاتحاد الأوروبي في 26 فبراير 1996، الذي سبقته مفاوضات شاقة بسبب تعقيد الملفات ولا سيما في مجالي الزراعة والصيد البحري، لم يعد المغرب في دائرة الجوار فقط مع الاتحاد الأوروبي، بل إنه دخل في منطق الاندماج.

 

هذا ما أكدته القمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، التي عقدت في قصر الحمراء التاريخي في مدينة غرناطة جنوب إسبانيا، والذي يرمز لدور الأندلس كجسر بين ضفتي المتوسط، يوم 9 مارس الحالي.

 

وقد ترأس هذه القمة من الجانب المغربي الوزير الأول عباس الفاسي، ومن الجانب الأوروبي هرمان فان رامبوي رئيس السلطة التنفيذية الجديدة للاتحاد الأوروبي، المتمثلة في المجلس الاوروبي.

 

لا شك أن قمة غرناطة تشكل نقطة تحول تاريخي في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودولة عربية تقع جنوب المتوسط، إذ منح الاتحاد الأوروبي للمغرب في أكتوبر 2008.

 

وضع «اتفاق الوضع المتقدم»، علماً بأن مبادلات المغرب مع الاتحاد الأوروبي تبلغ حوالي 70% من مجموع مبادلاته التجارية مع الخارج، كما أن الاتحاد منح المغرب أيضاً المساعدة المالية الأولى التي تقدر بنحو 205 ملايين يورو سنة 2009.

 

وتأتي قمة غرناطة نتيجة منطقية لسياسة الانفتاح التي تنتهجها المغرب في تعامله مع السياسة الأوروبية للجوار، وبعد أن أصبح ينظر إليه بوصفه التلميذ النجيب للاتحاد الأوروبي في جنوب المتوسط.

 

بيد أن هذه النظرة الإيجابية في موقف الاتحاد الأوروبي من المغرب، لا تحجب عنه الأمور التي تشكل نقاط خلاف بين الطرفين، حيث أكدت القمة الأوروبية المغربية في ختام أعمالها أن «وصول المغرب إلى المستوى الأمثل من التقارب مع الاتحاد الأوروبي.

 

يتطلب منها المضي قدما في نهج التحديث السياسي والانفتاح الاقتصادي والتماسك الاجتماعي»، وهي عبارات تبدو بمنزلة «خارطة طريق» يتعين على المغرب نهجها في سبيل تعميق علاقاتاه مع الاتحاد الأوروبي، والذي تعهد من جانبه بدعم مسلسل الإصلاحات في المغرب والعمل معها بشكل «منسق» لتحقيق مصالح الطرفين.

 

من منظور الاتحاد الأوروبي، الوضع المتميز الذي تحظى به المغرب في علاقاتها الأوروبية، لا يتحدد من خلال دعم الإصلاح الاقتصادي الهيكلي لجهة الحد من تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص، مع التدرج في نقل الملكية العمومية إلى الخواص.

 

واعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادي على السوق العالمية، وتأسيس منطقة تبادل حر أورو ت مغربية، والقيام بالإصلاح الضريبي (استمرار التوسع في أساس الضريبة على القيمة المضافة، وإعادة تحديد الضريبة على الدخل) والموازنة، فحسب، بل أيضاً من خلال إحراز تقدم حقيقي في مجال بناء الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وتخفيف الفوارق الاجتماعية.

 

ويعتقد بعض المحللين الغربيين أن المغرب حقق تقدما في مجال حقوق الإنسان، وهو ما يجعله في وضع متقدم على بلدان أخرى في منطقة المغرب العربي، ويرون أن تعميق علاقات هذا البلد مع الاتحاد الأوروبي، يساهم في تقوية الديمقراطية ومساعدة المجتمع المدني هناك على تحقيق تقدم أكبر.

 

لقد عبر الاتحاد الأوروبي والمغرب في قمة غرناطة الأخيرة، عن إرادتهما لبناء شراكاتهما في مجال العلاقات الخارجية على أساس القيم المشتركة للديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان.

 

رغم أن أمورا كثيرة لم تتم تسويتها بعد، مثل المصادقة على اتفاق التبادل في القطاع الزراعي الذي سيحتاج إلى موافقة البرلمان الأوروبي، كما أكد ذلك خوسيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية خلال مؤتمر صحافي في غرناطة.

 

ومن المعلوم أن القطاع الزراعي يحتل دورا متميزا في النسيج الاقتصادي والاجتماعي المغربي، إذ يشكل 20% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يوفر العمل لأكثر من 6 ملايين من الأيدي العاملة في المغرب.

 

ويساهم بحوالي 40% من الصادرات المغربية وحوالي 20% من الواردات، ويستقطب نحو 25% من الاستثمارات الوطنية. ولا يزال دخول المنتجات الزراعية المغربية إلى الأسواق الأوروبية، يصطدم بمصالح بلدان أوروبا الجنوبية، مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان.

كاتب تونسي

========================

موقف عربي لدعم أوباما ؟

راجح الخوري

النهار

16-3-2010

ليس في وسع الأسف المراوغ ان يمحو الاهانة الموصوفة، او بالاحرى الاهانتين اللتين لحقتا بالسناتور جورج ميتشل ثم بنائب الرئيس جو بايدن في مسألة الاعلان الاستيطاني الفظ الذي اعلنته اسرائيل عندما كانا يزورانها.

لكن بنيامين نتنياهو يمضي في الحاق الاهانة بطريقة غير مباشرة بالادارة الاميركية وبالرئيس الاميركي باراك اوباما شخصيا، عندما يقول في مجلس وزرائه اول من امس: "هوّنوا عليكم، فنحن نعرف كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات ... لقد كنت فتى وقد شخت، وليس علينا إلا رباطة الجأش والرصانة والتحلي بالمسؤولية!".

هذه الكلمات تكشف ضمنا ان نتنياهو الذي يعرف كيف يتعامل مع "هذه الحالات"، والمقصود ضمنا الغضب الذي عبرت عنه المواقف الاميركية خلال الايام الاربعة الماضية، بعد الاعلان عن اقامة 1600 وحدة سكنية في القدس، يريد ان يواصل سياسة التحدي التي مارسها في الماضي ويمارسها الآن منذ وصول اوباما الى البيت الابيض ووصوله هو الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية.

يقول الديبلوماسي الاميركي اليهودي السابق مارتن انديك، الذي كان سفيرا لواشنطن في تل ابيب عندما كان نتنياهو رئيسا للحكومة عام 1996: "إن نتنياهو يشعر بتفوقه السياسي وخصوصا بعد الحملة الناجحة التي هندسها مع منظمة "ايباك" لمحاصرة الرئيس الاميركي الجديد في الكونغرس كما في وسائل الاعلام الاميركية، وذلك بعد خطابه في جامعة القاهرة الذي كان قد اعلن خلاله انه اختار منطقة الشرق الاوسط مدخلا لتطبيق سياسة التغيير التي رفع شعارها في حملته الانتخابية، وان هذا التغيير يُفترض ان يجد ترجمة عملية في المنطقة عبر قيام الدولة الفلسطينية الى جانب اسرائيل.

ما حصل بعد ذلك معروف تماما، فقد حوصر اوباما وتم التضييق عليه حتى في الحزب الديموقراطي. وتبيّن ان كل خطته المستعجلة في الشرق الاوسط قد اصطدمت بالحائط الصهيوني – الاسرائيلي الذي رفعه نتنياهو. وليس سرا ان كل الادارات الاميركية وكل وزراء الخارجية الاميركيين واجهوا تقريبا ما تواجهه ادارة اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون الآن من سياسات تقوم على التحدي والصلف في مسألة الاستيطان. وفي هذا السياق، يذكّر مارتن انديك، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس ومدير السياسة الخارجية في معهد "بروكيغنز"، بان جيمس بايكر كان قد واجه ما تواجهه كلينتون الآن ايام جورج بوش الاب، لكنه اوقف ضمانات القروض لاسرائيل وهو ما دفعها الى الانسحاب من المستوطنات في سيناء انفاذا لاتفاق كمب ديفيد. ويبدو ان مادلين اولبرايت واجهت الامر نفسه، اي التحدي الاستيطاني الاسرائيلي الذي تعلنه تل ابيب في وجه الديبلوماسية الاميركية، كلما جاءت الى المنطقة محاولة دفع عملية السلام المتهالكة. ومن المعروف ان كوندوليزا رايس، التي زارت المنطقة اكثر من 17 مرة في محاولة لتحريك عجلة السلام بما يحقق رؤية بوش الابن حول قيام الدولتين، ووجهت دائما بالاعلان عن مزيد من الاستيطان ومصادرة الاراضي كلما استقلت الطائرة مغادرة تل ابيب.

ما فعله نتنياهو هذه المرة انه وجه الصفعتين الى ميتشل وبايدن، واستطرادا الى كلينتون واوباما، مباشرة عندما كان ميتشل وبايدن في اسرائيل. ولهذا فان الخلاف "المتفاقم" بين الادارة الاميركية والحكومة الاسرائيلية يشكل فرصة ملائمة جدا يُفترض ان يستغلها الفلسطينيون والعرب استغلالا ذكيا وواضحا من خلال الاضاءة تكرارا على ان ما يعوق اي تسوية في المنطقة هو العدو الاسرائيلي، الذي رفض ويرفض كل صيغ الحلول السلمية.

ولأن جو بايدن كان قد ابلغ الرئيس محمود عباس ان قيام دولة فلسطينية هو مصلحة اميركية، وكلام سبق ان قاله اوباما في خطابه في جامعة القاهرة، ولان المبادرة العربية للسلام التي وضعها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله واجمعت عليها القمم العربية تباعا تدعو الى حل على اساس قيام هذه الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، فان من الضروري صدور مبادرة او ظهور تحرك عربي قوي في هذه الايام يذكّر بكل هذه الحقائق ويؤمّن نوعا من الدعم المعنوي لسياسة اوباما المعارضة للاستيطان، بما يؤدي فعلا الى بلورة موقف اميركي اكثر مسؤولية وجدية في مواجهة الصلف الاسرائيلي.

========================

أوراق «اللعبة» بيد إسرائيل

الياس سحاب

السفير

16-3-2010

طبعا هي ليست «لعبة»، بل هو مصير الأجيال الحالية والأجيال القادمة في المنطقة العربية، لكنه تعبير مستعار من الرئيس المصري السابق أنور السادات الذي دشن العصر السياسي الذي ما زالت المنطقة العربية تعيشه حتى اليوم باتفاقيات كامب دافيد، تحت العبارة الشهيرة «تسعة وتسعون بالمئة من أوراق اللعبة بيد أميركا»، ثم طور النسبة من تسعة وتسعين الى مئة بالمئة، عندما شعر ان الأوضاع العربية العامة قد استوعبت الصدمة الأولى.

وفي وقت قصير، بدا أن مصر قد تبقى وحيدة بين الدول العربية الداخلة في هذا العصر، بدليل تكتل سائر الدول العربية، في البداية، في جبهة مواجهة، أطلق عليها في ذلك الحين اسم «جبهة الصمود والتصدي»، بل ان الأمر ذهب الى أبعد من ذلك، حيث رأت أنظمة عربية معينة أنها الفرصة التاريخية للإجهاز على ما تبقى من دور مصر العربي، بعد انخراط الرئيس المصري في عملية التخلي الطوعي عن ذلك الدور، فقرر العرب الرسميون سحب مقر جامعة الدول العربية من مصر، وسحب موقع الأمين العام للجامعة منها ايضا، فانتقل مقر الجامعة العربية، ومنصب الأمانة العامة، للمرة الأولى والأخيرة، الى تونس.

ومرت سنوات قليلة كانت فيها الجماهير العربية تنتظر المسار السياسي لمجموعة الدول العربية التي هبت هبتها العنترية في وجه النظام المصري: هل سيكون مسارا كامل التناقض مع اتفاقيات كامب دافيد، أم مختلفا عنه فقط؟ والى أي درجة من الاختلاف؟

لكن عناصر الصدمة التاريخية ما لبثت أن تكشفت بعد سنوات، عندما اكتشفت الجماهير العربية، أن انقضاض الأنظمة العربية الرسمية لم يكن على اتفاقية كامب دافيد، بل كان انقضاضا على دور مصر، بعد أن جاءت الاتفاقية في نهاية المطاف خدمة لتلك الأنظمة، وتسهيلا شديدا للتعبير الصريح عن موقفها الدفين من دور مصر العربي، كما عبرت عنه مرحلة جمال عبد الناصر.

وان نظرة استرجاعية عامة لمسيرة الخط السياسي العام للأنظمة العربية الرسمية، في العقدين الأخيرين، تؤكد أنها قد خرجت، مثل مصر، من مسؤوليات الصراع العربي الاسرائيلي، وأنها أصبحت تتصرف في هذا المجال مع الالتزام الدقيق بمقولة الرئيس المصري الذي وقع اتفاقية كامب دافيد، من ان أوراق اللعبة قد أصبحت بالكامل بيد واشنطن.

إن مراجعة كاملة لمسيرة هذه الأنظمة منذ مؤتمر مدريد للسلام في مطلع التسعينيات، وحتى يومنا هذا، تؤكد على سير الأنظمة العربية الرسمية، على خطين متوازيين:

1 خط الضغط المتدرج في تشدده على فكرة المقاومة (بكل أشكالها) لدى الجماهير العربية، باتجاه العمل على وقف نهائي لثقافة المقاومة، حتى لو بالاستعانة بضغط أميركي، أو إسرائيلي، في هذا السبيل.

2 حصر البحث عن الحل النهائي للصراع العربي الإسرائيلي في واشنطن، وليس في ميدان الصراع نفسه.

وظلت السياسة العربية العامة تسير في هذا الاتجاه، الذي بقي دور إسرائيل فيه، محصورا بمدى الحظوة التي تحظى بها في واشنطن. حتى ان بعض الأنظمة العربية الرسمية، كانت، وما زالت، تحصر رهانها على المستقبل بإنهاء أو تخفيف الحظوة الاسرائيلية لدى أميركا، وإحلال حظوة عربية محلها. ومما أنعش هذا الوهم، رغم ان مسيرة السياسة الأميركية ظلت (وما زالت) في اتجاه مناقض، قيام واشنطن بإلهاء هذه الدول العربية بلقب «دول الاعتدال»، مما أوهمها بأن المزيد من الاعتدال، سيؤدي حتما الى المزيد من فرص نجاح حلول الحظوة العربية، محل الحظوة الإسرائيلية.

غير ان تطورا دراميا دخل على هذا المسار حين وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو السرية.

إن تطور أحداث المنطقة العربية بكل عمومياته منذ ذلك الحين، وبكل خصوصياته المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي خاصة، يؤكد أننا ما زلنا نعيش في مرحلة كامب دافيد، لكن بعد أن ساهمنا، نحن العرب، بنقل أوراق اللعبة من يد أميركا (بما لإسرائيل من حظوة ثابتة لديها)، الى يد إسرائيل مباشرة.

ولا تبدو هذه النقلة التاريخية بالغة الوضوح في مسيرة القضية الفلسطينية في العقد الاخير فقط، بين آخر سنوات ياسر عرفات وأول سنوات محمود عباس، لكنها تبدو أكثر وضوحا في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، بالذات في عهد أوباما نتنياهو.

لقد أثبت التصرف الاسرائيلي الاخير، في موضوع المستوطنات، في وجه نائب الرئيس الأميركي (ذي الميول الصهيونية العلنية أصلا)، انه بعد ان عشنا عصرا سياسيا كاملا نتسول فيه الحل من واشنطن، بدأنا ندخل في عصر على الأنظمة العربية الرسمية فيه، أن تتسول الحل من اليد الإسرائيلية، بعد الانكشاف الكامل لأوهام الضغط الأميركي على اسرائيل، الذي ثبت أنه يساوي صفراً، سواء كان نابعا من رغبة أميركا أم من عجزها.

إنه عصر سيبقى ساري المفعول، حتى يقرر العرب استرداد ولو جزءاً من أوراق اللعبة، من اليد الإسرائيلية أولا، ثم اليد الأميركية.

========================

الآن.. كنيس الخراب على أنقاض الأقصى!!

سلطان الحطاب

الرأي الاردنية

16-3-2010

تحسم معركة هدم الاقصى هذه الايام بعد ان جعلت المجموعات اليمينية الصهيونية المتطرفة من النصوص الاسطورية المتوارثة دستورا لها الزمت الحكومة الاسرائيلية التي اعتنقت في سياساتها ما تراه تلك المجموعات التي زحفت الى السلطة في اسرائيل عبر احزابها في الكنيست.

ما يجري الان في القدس وفي المسجد الاقصى هو عمل متصل لهدمه حيث تبدأ المرحلة الاخيرة الان بافتتاح كنيس (حوربا) اي كنيس الخراب والذي اقيم على انقاض المسجد العمري على بعد امتار من المسجد الاقصى في المنطقة المسماة حارة الشرف والتي اسماها اليهود بالحي اليهودي..

كنيس الخراب كما في النبوءة التي اطلقها الحاخام جاؤون فيلنا والتي عرفت بنبوءة ايليا بن شلومو حددت يوم 16/3/2010 موعدا لهدم الاقصى واقامة الهيكل الثالث واذا لم يتمكن اليهود حسب النبوءة من انجاز ذلك في 16/3 اي في ايام عيد الفصح اليهودي فان عليهم ان يفتتحوا هيكل الخراب ليكون يوم الافتتاح هو يوم انطلاق بناء الهيكل وهدم الاقصى.

 

والكنيس الخراب قصة ربطها المؤرخون اليهود بتلك النبوءة واخرى غيرها طبقها اليهود يوميا وما زالوا يطبقونها وسط صمت عربي واسلامي لا يخلو من التصريحات التي لا تقدم ولا تؤخر.. ولم يبق لانقاذ المهمة اليهودية الا ساعات. ولا يجد اليهود في وجوههم سوى مئات من الشباب الفلسطيني الاعزل الذي يعتصم في الاقصى ان استطاع الوصول عبر الاغلاقات الصعبة التي بدأت امس على يد ايهود باراك وزير الدفاع..

 

ليس موقع كنيس الخراب الذي اكتمل الان في بناء كنيس من ثلاث طبقات وبقبة اعلى من قبة الصخرة وعلى بعد امتار من الجدار الغربي للاقصى..ليس هو الكنيس الوحيد الذي اقيم في محيط الاقصى منذ عام 1967 وان كان الاخطر فقد اقيمت كنيس ومراكز ومتاحف مثل متحف قافلة الاجيال ومتحف البيت المحروق وقلعة داودو وهناك كنيس ومزارات اقامتها اسرائيل تحت الارض وفي الانفاق التي يتواصل حفرها والتي جعلت الارض تحت المسجد الاقصى اشبه بشبكة العنكبوت، ففي حدود المسجد الاقصى ايضا اقيم كنيس حمام العين ويوهيل اسحق(خيمة اسحق) وكنيس المدرسة التنكزية وغيرها من المدارس والمواقع التي دونها واصل تاريخها الراحل الدكتور كامل العسلي في كتابه الشهير «اجدادنا في ثرى بيت المقدس».

 

ولفكرة كنيس الخراب قصة اذ قامت مجموعة من يهود بولندا كان عددهم (300) جاءوا الى القدس عام 1700 بجمع اموال طائلة ارادها رشوة لحكام الخلافة العثمانية ليسمح لهم اقامة المعبد ولما لم يتمكنوا من اقناع الولاة احتفظوا بالمبلغ لأنفسهم وعملوا على اقامة معبد مالبثت السلطات العثمانية ان هدمته عام 1721 وبقي المكان خرابا ل(90) سنة وسمي بكنيس الخراب واعيدت ارضه الى اصحابها وهم عائلة البكري المعروفة في عام 1808 حاول اليهود اعادة البناء ولكن فشلوا مرة اخرى واعتقل الوالي العثماني رؤوسهم واستغل اليهود زلزال عام 1834 و ادعوا انهم يبنون ما هدمه الزلزال وقاموا بجمع تبرعات من يهود اليمن وعدن والهند وسيلان وبغداد.

 

وبدأ البناء عام 1857 وقد استمر البناء حتى عام 1864 واستمر الكنيس حتى عام 1948 حين لجأت إليه العصابات اليهودية المقاتلة في القدس فقام احد قادة الجيش الاردني بإنذارهم وطلب الصليب الاحمر اخراجهم من الكنيس حوربا والا اعتبره معسكراً ، ولما لم يأته الرد قصفه ودمره. حين احتل الصهاينة القدس عام 1967 عادوا الى فكرة بناء الكنيس ووضعوا مكانه قوساً تذكارياً وعادت فكرة بناء الكنيس لتدخل اطاراً عملياً عام (2000) وبكلفة 7.3 مليون دولار واكثرها من تبرعات صندوق تطوير الحي اليهودي في القدس الشرقية وجرى ربط موعد انتهاء البناء وافتتاح الكنيس مع النبوءة الاسطورية وذلك في 16/3/2010.

 

هذه حقيقة الكنيس الذي سيكون افتتاحه هو لحظة الصفر لهدم الاقصى فهل ينتبه العرب والمسلمون وهل يوقفون هذا العمل الاجرامي في ربع الساعة الاخير والذي قد يكون اثره اغراق القمة العربية القادمة في سرت بوقائع جديدة مرعبة.

 

الاقصى الان برسم الهدم... من ينقذه؟ وهل هناك من ترف انتظار حتى نراه يهوي على يد مجرمين يجعلون من اساطيرهم دستورا لحكومة ارهابية مازال العالم يحميها ومازالت الامة غائبة عن اي اعداد يمنعها من القيام بهذه الجريمة النكراء..

========================

صخرة وجود السلام

عكيفا الدار

هآرتس الاسرئيلية

الرأي الاردنية

16-3-2010

بنيامين نتنياهو محق تماما

فمنذ 1967 لم تقف اي حكومة اسرائيلية البناء في القدس والشرق والغرب سيان. منذ ان طبقت حكومة اشكول السيادة الاسرائيلية على القدس «وضمت اليها القرى حول المدينة، اصبحت «القدس الموحدة» جزءا لا ينفصل من دولة اسرائيل.

رئيس الحكومة مخول ان يأمر وزير الداخلية بأن يؤخر قليلا البحث في اللجنة اللوائية لخطة توسيع حي يهودي وراء الخط الاخضر ويستطع ان يطلب الى رئيس البلدية تأجيل تقديم خطته لتغيير وجه الحوض ا لمقدس. لا يستطيع اي رئيس حكومة صهيوني ان يخرج من فيه عبارة «انا التزم تجميد البناء في القدس».

كذلك محمود عباس محق تماما

فمنذ 1967 لم تعترف اي دولة بضم شرقي القدس الى دولة اسرائيل. والى ذلك لا تستضيف القدس - والغرب كالشرق - اي سفارة أجنبية. بل إن الرئيس جورج بوش الذي اعتبر محبا للصهيونية، حرص على أن يوقع في كل ستة أشهر تعليق القانون من سنة 1995 في شأن نقل سفارة الولايات المتحدة الى عاصمة اسرائيل. يرى الفلسطينيون انه لا يوجد اي فرق بين اجازة خطة لبناء مئات الوحدات السكنية في رمات شلومو وبين اقامة بؤرة استيطانية جديدة قرب عوفرا. ان تعميق الوجود الاسرائيلي في «حديقة الملك»، عند منحدرات الحرم الشريف يضر بهم اكثر من اقامة منطقة صناعية جديدة قرب اريئيل بأضعاف مضاعفة.

وبراك اوباما محق هو ايضا

لقد توقع الوسيط الامريكي ان يمتنع نتنياهو في الاشهر القريبة من تغيير الوضع الراهن في المناطق التي مصيرها موضوع على مائدة التفاوض. أدركوا في واشنطن ان نتنياهو لا يستطيع ان يسمح لنفسه بأن يعلن تجميد البناء في شرقي القدس.

لقد أرادوا في الحصيلة العامة ألا تعلن اسرائيل توسيع البناء في شرقي القدس. وللأسف أمل الامريكيون ألا تفاجئهم بالبدء بخطة جديدة في اثناء زيارة نائب الرئيس وعشية البدء بمحادثات التقارب.

ومحمود احمدي نجاد محق اكثر من الجميع وهو يذوب اليوم ارتياحا. ان القدس هي جبهة ايران وحليفاتها في المنطقة المفضلة، للمصادمة مع الولايات المتحدة وحليفاتها في الشرق الاوسط.

لا تستطيع طهران تأميل مكان اكثر راحة وتوقيت أكمل لتعرض الجماعة الدولية بادية العورة.

عندما يجتمع قادة الدول العربية في طرابلس، سيتابع آيات الله من قريب تلوي قادة الجامعة العربية حول اقتراح امضاء مبادرتهم السلمية العقيم من 2002.

يبدو على حسب تجربة الماضي ان نتنياهو يستطيع أن يتوقع خفوت الاهتمام بالبناء في رمات شلومو كما يخفت الاهتمام بحوادث الطرق القاتلة.

بعد يوم او يومين تعود الحياة الى مسارها. واشنطن السياسية تقلقها انتخابات الكونغرس التي ستجرى بعد أقل من ثمانية أشهر. ان سنة الانتخابات هي موسم ازهار جماعة الضغط الموالية لاسرائيل والتي تأثيرها كبير في الحزبين وفي حزب الرئيس اوباما ايضا. «القدس الموحدة، عاصمة الشعب اليهودي الخالدة»، كانت دائما ابدا سلاح يوم الدين لليمين الاسرائيلي واليهودي في الانقضاض على تل الكبيتول.

تذكر قصة رمات شلومو جميع محبي القدس الحقيقيين بأن هذه المدينة الصعبة هي صخرة وجود السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، وبيننا وبين الاديان الثلاثة التي تؤمن بقداستها.

الازمة الجديدة حول الاخلال بالوضع الراهن في شرقي القدس تجسد الخطر الكامن في اقتراح تأخير حل الخلاف في قضية السيادة على برميل البارود هذا الى نهاية المباحثات في التسوية الدائمة. ما ظل البرميل مفتوحا، فسيوجد متطرف او غبي، او رئيس البلدية نير بركات او الشيخ رائد صلاح الذي يرمي بالثقاب.

ستشتعل القدس. ان لم يكن ذلك غدا فبعد غد. ان أزمة تجميد البناء هي ضائقة اللحظة الاخيرة. لم يعد يوجد فراغ كثير لمحادثات التقارب ولرحلات مكوكية أخرى لمبعوثين رئاسيين رفيعي المستوى اكثر او اقل. هذا هو وقت زعيم القوة العظمى لاستلال خطة أوباما لدولتين عاصمتهما القدس.

========================

العلاقات الأميركية الإسرائيلية بعد زيارة بايدن: إلى أين؟

الرأي الاردنية

16-3-2010

تمثّل الحدث الأهم هذا الأسبوع في زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لتل أبيب والذي تعرض خلالها لإهانة واضحة جاءت على شكل اعلان الحكومة الإسرائيلية بناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية المحتلة. وطرح البعض في ضوء رد الفعل الأميركي الغاضب مستقبل العلاقات الأميركية الإسرائيلية وفيما إذا كانت واشنطن وتل أبيب ستفترقان ولو لبعض الوقت.

 على هذا يجيب إليوت ابرامز، الباحث البارز في مركز العلاقات الخارجية وأحد كبار معاوني الرئيس بوش سابقا بالقول أن السبب في تأزم الموقف بين البلدين يعود للطريقة التي تعاملت بها إدارة الرئيس أوباما للعلاقات مع إسرائيل، فإسرائيل تتمتع بشعبية واسعة في الولايات المتحدة كما يظهر من الاستطلاعات، كما أن الولايات المتحدة تواجه تحديات وأخطار كبيرة في الشرق الأوسط وليس هناك من حليف قوي وموثوق به سوى إسرائيل. ويرى إليوت ابرامز أن الإسرائيليين لا يأخذون واشنطن على محمل الجد في الموضوع الإيراني لأن واشنطن تصر على العقوبات فقط لدفع إيران على تغيير موقفها وهذا يسبب نوعا من التوتر في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، كما أن شجب الاعلان عن بناء وحدات سكنية أمر غير مقبول لأن الإدانة للجرائم فقط. ويضيف أن أوباما هو الطرف المسؤول عن تدهور العلاقات وأن الإنتخابات والوقت كفيلان بتغيير هذا الموقف وهذا التباعد.

 أرون ديفيد ميلر من معهد ويلسون ومستشار سابق لستة وزراء خارجية يقول أن المشكلة هي أن إسرائيل لا تستجيب إلا إذا أظهرت واشنطن صرامة في التعامل معها، غير أن الرئيس أوباما ولغاية الآن لم يظهر هذه الصرامة إذ يجب أن يكون هناك ثمن مرتفع لمن يقول لا للدولة العظمى الوحيدة في العالم. وينصح أن تركز الإدارة الأميركية على التوسط لإتفاق بشأن الحدود وليس التركيز فقط على الاستيطان لأن مصير ذلك الفشل المحتوم.

 روبرت مالي وحسين آغا لهم رأي مختلف لأنهما يعتقدان أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية قد تتضررلكنها علاقات قوية جدا وبكل المقاييس، وهما يعتقدان أن قرار إسرائيل ليس خداعا أو طعنة بالخلف لبايدن بقدر ما هو موقف حقيقي للحكومة الإسرائيلية التي ترى أن المعركة الأشد هي على هوية القدس، وهذا يعني أن كل من واشنطن وتل أبيب ينظران إلى عملية السلام بشكل مختلف وهنا مكمن الخلاف الحقيقي بينهما. بمعنى أن الخطوة الإسرائيلية كانت بمثابة رسالة واضحة حول موقفها من عملية السلام.

 طبعا جو بايدن جاء بهدف التنسيق مع إسرائيل بشأن الملف النووي الإيراني وبقصد إعطاء الدفعة الأخيرة لإستئناف المفاوضات غير المباشرة، وبالفعل أكد بادين على إلتزام الإدارة الرئيس أوباما بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في وقت طالب فيه الرئيس محمود عباس الإسرائيلين التوقف عن فرض الحقائق على الأرض وإعطاء الفرصة لجهود واشنطن للنجاح.

 وفي مؤتمر الصحفي مع الرئيس عباس، قال بايدن إن «إدارة أوباما ملتزمة تماماً حيال الشعب الفلسطيني والعمل لإقامة دولة مستقلة متواصلة جغرافياً» مؤكداً «عدم وجود بديل قابل للإستمرار سوى حل الدولتين الذي يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من أي خطة شاملة للسلام لأنه يصب في مصلحة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي». وخلال تصريحاته المختلفة أكد بايدن على ضرورة حل الخلافات بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر المفاوضات التي يرى بأنها «ضرورية للتوصل إلى إتفاق بشأن قضايا الوضع النهائي لاسيما اللاجئون والقدس والأمن». وتعهد بايدن بأن تلعب بلاده دورا مستمرا ومستداما للتوصل إلى السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مشيراً في الوقت ذاته إلى ضرورة أن يعمل الطرفان لعدم تعقيد هذه المسألة.

 بايدن الذي تلقى إهانة من قبل إسرائيل انتقد قرار إسرائيل ببناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية معتبراً أن القرار «يقوض الثقة التي نحتاج إليها للتوصل إلى نتائج في المفاوضات»، وأكد بايدن أن «الولايات المتحدة ترفض أي تصريحات من شأنها تأجيج التوتر» بين الطرفين معرباً في الوقت ذاته عن تأييد واشنطن لجهود السلطة الفلسطينية لبناء وتعزيز مؤسساتها ودعم الاقتصاد الفلسطيني. وأكد على «ضرورة تحسين مستوى معيشة سكان قطاع غزة وتوفير مستقبل أفضل أكثر أمناً لهم عوضاً عن المتشددين»، وذلك في إشارة إلى حركة حماس التي تفرض سيطرتها الكاملة على غزة، وقال بايدن إن «السلام التاريخي يستلزم من الجانبين وقيادتهما أن يكونا صارمين» مؤكداً أن بلاده «ستقف إلى جانب من يجازفون من أجل السلام».

 لكن النقد الذي جاء على لسان بايدن كان دبلوماسيا حسب ما ذهبت إليه صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر يوم الحادي عشر من الشهر الجاري. ففي افتتاحيتها أفادت الصحيفة أن بايدن استخدم لغة غير دبلوماسية نادرة في انتقاد إسرائيل، حيث قال بايدن «إنني أشجب هذا القرار». والافتتاحية توضح أن الإدارة غاضبة من هذا القرار، وبخاصة وأن بايدن كان في إسرائيل للمساعدة في إحياء محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. والمفارقة إن القرار الإسرائيلي صدر في نفس اليوم الذي كان بايدن يؤكد فيه الإلتزام الأمريكي المطلق نحو أمن إسرائيل. اللافت حسب ما ذهبت إليه الإفتتاحية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتنصل من خطة المساكن الجديدة، ومن ثم فلا يمكن تبرير هذا التوقيت سوى بأنه صفعة بوجه واشنطن.

 الفلسطينيون بدورهم، حسب ما ذهبت إليه الإفتتاحية منزعجون من قرار الحكومة الذي جاء في وقت أعلنوا فيه الموافقة على مقترحات إدارة أوباما باجراء مفاوضات غير مباشرة. وفي واشنطن هناك تضارب في الآراء حيال تشخيصهم لموقف الفلسطينيين، وبخاصة حول ما إذا كان رئيس السلطة الفلسطينية سيستمر في المحادثات بالإنابة التي سيكون المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل وسيطاً بها، على أمل إحراز ما يكفي من التقدم لإحياء المفاوضات المباشرة بشأن حل الدولتين.

 بعد الإهانة التي وجهت إلى بايدن، عرجت الصحفة على ما اعتبرته خطأ جسيما ارتكتبته إدارة الرئيس أوباما والرئيس شخصيا عندما أصر على مبدأ أن تجمد إسرائيل بناء المستوطنات الجديدة أي كان شكلها، الأمر الذي رفضته إسرائيل، واعتراض الصحيفة ليس لأن الطلب غير عادل بل لأن الإدارة لم تتمكن من اقناع نتنياهو على فعله. وترى الصحيفة في افتتاحيتها أن قواعد الدبلوماسية الأساسية كانت تقتضي أن لا يصر الرئيس الأمريكي على شيء في العلن دون أن يكون واثقاً في إمكانية الحصول عليه، أو دون أن تكون لديه خطة بديلة. لذا فحينما وافق نتنياهو على التجميد المؤقت لمدة 10 أشهر، شعر الفلسطينيون بالمرارة مما أدى إلى إنهيار جهود السلام. ومقابل ذلك تشير الإفتتاحية إلى أن الرئيس أوباما وميتشيل فشلا في إقناع القادة العرب بالموافقة على تقديم أي محاولات للتقارب مع إسرائيل مقابل تجميد المستوطنات.

 فإدارة أوباما جاهدت لإقناع الرئيس الفلسطيني بالعودة إلى المفاوضات بحجة أن مزيدا من تأزم الوضع لن يخدم الفلسطينيين. وبالفعل نجحت الإدارة في إقناع بعض القادة العرب بدعم العرض الأمريكي للمحادثات غير المباشرة ما منح الرئيس عباس التغطية والشرعية السياسية التي كان يحتاجها لتبرير تراجعه عن شرط تجميد كافة أشكال الإستيطان. غير أنه وبعد القرار الإسرائيلي، هناك مخاوف من تراجع العرب عن دعمهم العودة للمفاوضات، لذا سيكون على ميتشيل دفع جميع الأطراف من أجل نجاح إقتراحه بعودة المفاوضات، سواء بدفع إسرائيل إلى تجميد المستوطنات، أو بدفع العرب إلى تقديم ما هو أكثر من محاولات التقارب مع إسرائيل. وبهذا الصدد تشير الإفتتاحية إلى أن بايدن قال يوم الأربعاء إن الإدارة ستحمل الطرفين مسؤولية أي قول أو فعل من شأنه إثارة التوتر أو التأثير على نتائج المحادثات، وهذه بداية طيبة وتأمل الصحيفة أنه في حال تأخر التقدم المرغوب أن تقدم الإدارة الأمريكية رؤيتها الخاصة فيما يتعلق بالقضايا الأساسية مثل الحدود واللاجئين والأمن ومستقبل القدس.

 الخشية من أن يتراجع الفلسطينيين عن المفاوضات غير المباشرة هو أمر وإن كان مقلقا لدى بعض الدوائر إلا أنه ليس كذلك لدى البعض، وفي هذا الشأن أعد إيثان برونر تقريراً نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الحادي عشر من الشهر الحالي قال فيه إنه وبالرغم من إدانة الفلسطينيين للقرار الإسرائيلي الأخير ببناء 1600 وحدة سكنية جديدة للمستوطنين اليهود في القدس الشرقية غير أنهم لم يبعثوا بأي إشارة باتجاه وقف المفاوضات أثناء إجتماعهم مع جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي. ويشير التقرير إلى أن الرئيس محمود عباس قال بعد إجتماعه مع بايدن إن «سياسات الإستيطان الاسرائيلية، لاسيما في القدس، تهدد هذه المفاوضات. لذا نطالب بإلغاء هذه القرارات». ويضيف التقرير أن عباس تحدث عن الهدف من المحادثات، وليس عن الحاجة إلى إلغائها، حيث أضاف «والآن أريد أن أوجه حديثي إلى الإسرائيليين قائلاً إنه حان الوقت لإرساء السلام، والذي ينبغي أن يقوم على حل الدولتين: دولة إسرائيل التي تعيش في سلام وأمن إلى جوار دولة فلسطين القائمة على حدود ما قبل 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».

 ويوضح التقرير أن إعلان وزارة الداخلية الإسرائيلية بشأن بناء الوحدات السكنية الجديدة كان بمثابة مفاجأة غير سارة لبايدن الذي كان يؤكد قبيل الإعلان مدى الإلتزام الأمريكي بالأمن الإسرائيلي ووقف إيران عن سعيها امتلاك السلاح النووي. ويشير التقرير إلى أن بايدن أعاد شجب القرار الإسرائيلي أثناء وجوده لدى السلطة الفلسطينية في رام الله، قائلاً إن هذا الإعلان يقوض الثقة الضرورية لدفع السلام. الفلسطينيون ربما ينتنظرون ماذا يمكن أن تقوم به واشنطن بهذا الشأن، فهذا سلام فياض يصف القرار الإسرائيلي بأنه «مدمر بالتأكيد...إنها لحظة تحدي للجهود الأمريكية لإحياء السلام ثانية. ونحن نقدر الإدانة الأمريكية لهذا القرار». جدير بالذكر أن وزير الداخلية الإسرائيلي يرأس حزب شاس الديني المتشدد، ولا يؤمن بمبدأ تقسيم القدس. ورغم إصدار مكتب رئيس الوزراء بياناً جاء فيه إن خطة المساكن الجديدة قيد البحث منذ ثلاث سنوات ولن يتم تنفيذها الآن، فقد صرح مسؤول إسرائيلي آخر بأن إسرائيل ليست مستعدة للتخلي عن حقها في السيطرة على مدينة القدس بأكملها، متجاهلاً بذلك الآمال الفلسطينية في أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتها المستقبلية. من ناحية أخرى، صرح مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى بأنه لا يزال هناك إختلافات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي حول الهدف من محادثات التقارب. حيث يراها الفلسطينيون وسيلة لمناقشة بعض القضايا الأساسية مثل الحدود ووضع مدينة القدس، بينما يراها الإسرائيليون مجرد وسيلة لتسهيل محادثات السلام المباشرة بين الطرفين. وسيحاول المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل تقريب وجهات النظر خلال الفترة القادمة.

 صحف أميركية أخرى أيدت انتقادات بايدن للقرار الإسرائيل واعتبرت أن على أميركا العمل لتحقيق السلام بين طرفي الصراع. فهذه صحيفة بوسطن غلوب في افتتاحيتها يوم الأربعاء الماضي تذكر أن الرئيس الاميركي كان قد وعد بتلافي الأخطاء التي وقع فيها آخر رئيسين للولايات المتحدة الأمريكية، اللذين انتظرا طويلاً قبل محاولة جمع طرفي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي حول طاولة التفاوض. وتأسف الصحيفة الأمريكية من أن الرئيس أوباما سمح بمضي 14 شهراً منذ توليه المنصب الرئاسي دون تجديد محادثات السلام التي توقفت في أعقاب الإجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة في الشتاء الماضي. والآن ، وافق الطرفان على الدخول في محادثات سلام غير مباشرة، وتوجه المبعوث الأمريكي الخاص، السيناتور السابق جورج ميتشل إلى هناك، سعياً للتوصل إلى إتفاق، أو على الأقل لتمهيد الطريق لإجراء مفاوضات مباشرة. وتذكر بوسطن غلوب في إفتتاحيتها أنه لكي يكون النجاح حليفاً لميتشل، يتعين على أوباما أن يكون صارماً. إذ سيتحتم عليه إقناع كلا الطرفين بأن السلام لن يتحقق دون التوصل إلى إتفاق سلام قائم على حل الدولتين، وهو أمر يدعي كلا الطرفان نظرياً رغبتهما فيه. كما سيتعين على أوباما إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لا بد وأن يحقق تجميد النشاط الإستيطاني في الضفة الغربية في وقت ما، فالضفة قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية.

 وتشير بوسطن غلوب إلى أن نتنياهو (مثل العديد من قادة اليمين السياسي الإسرائيلي) أقر بأن مصلحة إسرائيل القومية تتطلب إقامة الدولة الفلسطينية. ومن ثم ترى أنه إذا استلزم الأمر أن يغير نتنياهو ائتلافه الحاكم ليأتي بائتلاف يدعم تجميد النشاط الإستيطاني، فليُقدم على تلك الخطوة. وهذا الأسبوع، مع وصول نائب الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل من أجل محادثات السلام، أعلنت وزارة الداخلية، التي يترأسها زعيم أحد الأحزاب المتشددة في ائتلاف نيتانياهو، عن خطة بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية، في محاولة منها لتقويض محادثات السلام.

 وترى بوسطن غلوب أن بايدن كان محقاً في إدانته لهذا الإعلان. كما تنوه إلى ضرورة وضع حدود زمنية لأي محادثات سلام مباشرة تتبع محادثات السلام غير المباشر المُزمع إجراؤها. وتؤكد على ضرورة وضع الوسطاء الأمريكيين الأسس الذي سيتم وفقها تناول القضايا الرئيسية. وتذكر في نهاية إفتتاحيتها أن التوصل إلى حل لتلك القضايا لن يعزز فقط الأمن القومي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، بل سيدعم أيضاً الأمن القومي للولايات المتحدة والعالم الغربي كله.

 وانضمت لوس أنجلوس تايمز في افتتاحيتها إلى جوقة المنتقدين للقرار الإسرائيلي والمؤيدين لنائب الرئيس الأميركي في شجبه للقرار الإسرائيلي. وجاء في الافتتاحية أن معظم القادة الإسرائيليين والفلسطينيين تبنوا في أغلب الأحيان الحل القائم على إنشاء دولتين كوسيلة لحل هذا الصراع الدموي بين الفلسطينيين الإسرائيليين. ومع مرور الوقت، نأى كلا الطرفين بعيداً عن تلك الغاية، تحت ضغط «القوى المتطرفة» لدى كلا الجانبين التي تشد طرفي النزاع في اتجاهين متعاكسين. والآن، يسعى نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمبعوث الأمريكي جورج ميتشل، لدفع الطرفين إلى الدخول في مفاوضات سلام غير مباشرة، وسط مخاوف من إنتهاء أجل الحل القائم على إنشاء دولتين.

 ومع وصول بايدن إلى القدس لحث الجانبين على «المجازفة من أجل السلام»، ردت إسرائيل بإعلانها عن عزمها إنشاء 1600 وحدة سكنية جديدة بالقدس الشرقية، فضلاً عن 112 وحدة بالضفة الغربية. وترى لوس أنجلوس تايمز أن بايدن كان محقاً في إدانته لذلك الإعلان. ومن جانب آخر، اتهم صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين إسرائيل بمحاولة تخريب المحادثات المتوقفة منذ أواخر عام 2008. واعتذرت إسرائيل في وقت لاحق عن «توقيت» هذا الإعلان، لا عن جوهر الموافقة على إنشاء تلك الوحدات الجديدة.

 وتشير لوس أنجلوس تايمز إلى أنها ما زالت تعتقد أن إقامة دولة فلسطينية على جانب إسرائيل هو الخيار المنطقي الوحيد، أما البديل لذلك فسيكون دولة ثنائية القومية، تضم أقلية يهود تسيطر على أغلبية فلسطينية، أو يسعى فيها الفلسطينيون من خلال العملية الديمقراطية وزيادة عددهم إلى تولي زمام السيطرة. وتشير لوس أنجلوس تايمز في نهاية إفتتاحيتها إلى أن حل الدولتين ما يزال ممكناً نظرياً، ولكن أياً من الطرفين لا يثق بالآخر، كما أنهما ليسا على استعداد لتقديم التنازلات الضرورية للتوصل إلى إتفاق سلام دائم.

 جنين زكريا من الواشنطن بوست أعد تقريرا بين فيه أن إعلان بناء المساكن الجديدة في منطقة يريدها الفلسطينيون ضمن دولتهم المستقبلية أثر سلباً على جهود بايدن لإعادة تنظيم علاقة الولايات المتحدة وإسرائيل التي شعرت بتجاهل الرئيس أوباما لها. كما يأتي الإعلان الإسرائيلي بعد يوم من قبول الفلسطينيين والإسرائيليين مفاوضات السلام غير المباشرة بوساطة أمريكية. وكان بايدن قد أكد صباح الثلاثاء الماضي على الإلتزام الأمريكي بالأمن الإسرائيلي وبعدم السماح لإيران بالحصول على أسلحة نووية، كما أعرب عن إعجابه بإسرائيل والشعب اليهودي قبل أن يزور مقبرة «جبل هرتزل» ومتحف ياد فاشيم التذكاري للهولوكوست. ولكن حينما علم بايدن بالإعلان الإسرائيلي عن المساكن الجديدة، تأخر ومساعدوه 90 دقيقة عن حفل العشاء الذي أعده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيث بحث بايدن ومساعدوه ما يمكنهم قوله في البيان الذي سيلقيه، إلى أن إتفقا على إستخدام لفظ «شجب»، وهو لفظ نادر الإستخدام بين المصطلحات الدبلوماسية في إنتقاد سلوك الحلفاء المقربين. فقال بايدن في كلمته «إنني أشجب قرار حكومة إسرائيل في مواصلة التخطيط لوحدات سكنية جديدة في شرق القدس...إذ أن فحوى وتوقيت هذا الإعلان، لاسيما مع بدء محادثات التقارب، هو خطوة من شأنها تقويض الثقة التي نحتاجها الآن، كما أنه يناقض المناقشات البناءة التي أجريتها في إسرائيل...لابد وأن نهيئ الجو المناسب لدعم المفاوضات، وليس لتعقيدها».

 ويوضح التقرير أن مستقبل القدس يمثل أحد النقاط الأساسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث فشل مفاوضو السلام الأمريكيون في التوصل إلى حل لهذه القضية طيلة عقود من الزمن. في الوقت ذاته، بحث الوسيط الأمريكي جورج ميتشيل صيغاً مبتكرة لعملية السلام لتأجيل النظر في قضية القدس وبدء المفاوضات بالحديث عن حدود دولة فلسطين المستقبلية، وعن الترتيبات الأمنية. ويشير التقرير إلى أنه لم يتم الإتفاق بعد على مدى وكيفية محادثات الإنابة، مما يجعل من توقيت القرار الإسرائيلي أمراً محرجاً لبايدن ويعرض جهود السلام الجديدة للخطر أيضاً. من جهته، قال الناطق بإسم وزير الداخلية الإسرائيلي إيلي إيشاي إن خطة المساكن الجديدة قيد البحث منذ ثلاث سنوات قبل أن توافق عليه لجنة التخطيط في القدس، وأنه لا علاقة بين القرار وزيارة نائب الرئيس الأمريكي. غير أن هذا القرار أضر بنتنياهو الذي يحاول الحفاظ على علاقات طيبة مع الإدارة الأمريكية للتأكد من إلتزامها بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية. في الوقت نفسه، فإن هذا القرار سيجعل من الصعب على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس العودة إلى مائدة المفاوضات.

 غير أن مجلة تايم في عددها الأخير تتهكم على ما تراه حقيقة أن الفلسطينيين والإسرائيليين هما متفقان على اجراء المحادثات ولكنهما أيضا متفقات على فشل هذه المحادثات. وفي هذ الشأن أعد توني كارون تقريراً حمل عنوان «إتفاق الإسرائيليين والفلسطينيين على الحديث، وعلى الفشل»، ذكر فيه أن الفلسطينيين والإسرائيليين لن يخوضا محادثات مباشرة، وإن كان لهما هدف مشترك في «الحديث عن قرب»، بوساطة أمريكية. وللأسف فإن هدفهما المشترك هذا لا يتمثل في التوصل إلى إتفاق نهائي لحل الصراع بينهما على أساس الحل القائم على إنشاء دولتين، فكلا الطرفين يدركان أن المساعي الأمريكية لن تكون قادرة على تقليص الفجوة القائمة بين مطالبهما. بل إن هدفهما المشترك من وراء تلك المحادثات هو تجنب لوم كل منهما بالفشل.

 ويذكر التقرير أن كلا الجانبين – بعد عقدين من عملية أسلو للسلام – ما عادا يدخلان في مفاوضات مباشرة، بل إنهما يتواصلان بوساطة أمريكية، ما يُعد علامة واضحة على مدى قتامة أفق السلام. ويذكر التقرير أنه بالنسبة للفلسطينيين ومؤيديهم من العرب فإن هدفهم من وراء تلك المحادثات هو إثبات أنه لا يمكن التوصل إلى إتفاق سلام يتسم بالمصداقية مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو المتشددة، وأن خلق دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة يتطلب من الأمريكيين الضغط على إسرائيل لحملها على القيام بأمور لن تقوم بها طوعاً.

 وأما عن الجانب الإسرائيلي فإنه يهدف إلى إظهار حسن نيته، وإلقاء لوم عدم التوصل إلى إتفاق سلام على الفلسطينيين، كما فعل حتى الآن. وأشار مسؤول إسرائيلي رفيع، خلال حديثه مع صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية، إلى أن استئناف المحادثات «يسمح للعالم العربي والمجتمع الدولي بالتركيز على التهديد الحقيقي: إيران». ويذكر التقرير أن نتيناهو وافق بعد توليه رئاسة الوزراء الإسرائيلية على إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مستقلة، ولكن وفق شروط غير مقبولة من القيادة الفلسطينية. وقد أعلن نتنياهو خلال الأسبوع الماضي أنه ليس ملتزماً بما تم التوصل إلية سابقاً، وأن المحادثات سوف تبدأ من الصفر، وهو موقف مرفوض بشدة من الفلسطينيين. ومن ثم فإن نتنياهو سيزعم أن إسرائيل مستعدة لإجراء محادثات سلام مباشرة مع الفلسطينيين وبدون شروط مسبقة، ثم سيستخدم رفض الفلسطينيين كأداة لتوجيه اللوم إليهم على هذا الجمود.

 على كل، من المبكر الحكم على درجة التوتر في العلاقات الاميركية الإسرائيلية وبخاصة مع قدرة إسرائيل على استدعاء حلفائها في الكونغرس ومن خلال توظيفها للجماعات اليهودية المؤثرة في واشنطن. اللافت أن الإعلام الأميركي اصطف خلف الإدارة في المواجهة مع تل أبيب ولكن لا يمكن التعويل على ذلك لأن قادم الأيام قد يشهد زخما مختلفا في واشنطن لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية التي تشير إلى ان الديمقراطيين لن يحققوا نفس نتائج الإنتخابات النصفية الماضية.

========================

كنيس بجانب الأقصى .. قضية القدس إلى أين؟

ياسر الزعاترة

 الدستور

16-3-2010

منذ سنوات طويلة ، تحديدا منذ احتلالها في العام 67 ، تحتل القدس الشرقية مكانة بالغة الأهمية والحساسية في الوعي الإستراتيجي وحتى العقائدي لقادة الدولة العبرية ، وعموم الحركة الصهيونية في العالم أجمع ، بخاصة في الدول الكبرى والغنية. نتذكر ذلك بمناسبة الكنيس الذي من المفترض أن يكون قد افتتح بالأمس في المنطقة المحاذية للمسجد الأقصى.

 

لا يتعلق الأمر هنا بمساحة عادية من الأرض ، بل ببقعة تحتل مكانة مقدسة في الوعي اليهودي. ويكشف هذا الأمر مدى الوهن الذي تعاني منه نظرية تفريط العرب بفرص السلام أو الحصول على جزء من فلسطين ، كما هو حال الحديث عن التفريط بقرار التقسيم ، ذلك أن الصهاينة لم يكونوا ليقبلوا أي قرار يفرط بالقدس ، أعني المدينة القديمة ، مهما منحهم من مساحات أخرى أو مزايا سياسية مثل السلام والأمن والتطبيع مع الدول العربية.

 

وإذا كانت نظرية بن غوريون تقوم على مقولة إنه "لا معنى لإسرائيل بدون القدس ، ولا معنى للقدس بدون الهيكل" ، فإن الآخرين من آباء المشروع ورموزه لم يفرطوا يوما بهذه النظرية ، وأي حديث حول مساومة عليها هو محض تخريص لا أكثر.

 

نذكّر هنا بأن ما أفشل مفاوضات كامب ديفيد صيف العام 2000 ، لم تكن قضية المساحة ولا الأرض ولا حتى السيادة ، بل ولا حق العودة ، إذ كان بوسع ياسر عرفات التفاهم معهم عليها جميعا ، وما أفشلها في واقع الحال هي قضية القدس القديمة ، حيث لم يوافق الإسرائيليون سوى على منح مناطق ضُمت إلى المدينة بعد الاحتلال ، أو ما يعرف بالأحياء العربية المحاذية للمدينة القديمة ، أما هذه الأخيرة وتحديدا المربع المقدس الذي يوجد فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة فلم يساوموا عليها.

 

هنا في هذه البقعة لم يُظهر الصهاينة أيّ تنازل يذكر ، فقد طلبوا جزءًا من الشق العلوي للمسجد ، فيما طالبوا بسيادة على الجزء السفلي ، ما يعني أن المطلوب هو الاحتفاظ بحق التخلص منه ، أو من أجزاء منه في حال تم العثور على بقايا الهيكل المزعوم ، أو البحث عن مخرج للأمر من خلال ادعاء العثور على شيء منها.

 

لا يتعلق الأمر بالمسجد فقط ، والذي تواصلت الاعتداءات عليه منذ احتلال عام 67 ، وصار لليهود موطىء قدم فيه ، بل بعموم المدينة القديمة التي تتعرض منذ ذلك التاريخ لعملية غزو بالغة البشاعة ، وبالغة الدقة والتخطيط في آن ، حيث لم تزل المدينة تخسر سكانها العرب لصالح اليهود بالتدريج ، الأمر الذي لم يتوقف فصولا منذ ذلك الحين ، حيث تولت كبر هذا الأمر مؤسسات ضخمة وعدد لا يحصى من أثرياء اليهود ، إضافة إلى سياسات تهجير بشعة استهدفت المقدسيين الذين لا يتمكن أحدهم من بناء غرفة جديدة في بيته ، بينما كانت المستوطنات تزرع تباعا في المدينة.

 

لا تحتمل هذه السطور إجراء رصد للسياسات التي اتبعها المحتلون طوال عقود ، ولا الأرقام المتعلقة بالسكان والبيوت ، وهي عموما متاحة في مواقع الإنترنت لمن أراد الاستزادة ، لكننا نشير إليها مجرد إشارة ، ليس لإدانة الموقف العربي والفلسطيني الرسمي ، بل لنتحدث عن هذه التسوية "الحلم" التي يطاردها قومنا دون توقف ، في حين يدرك العقلاء أنه من دون تنازل حقيقي في ملف القدس الشرقية ، فإن أية حكومة إسرائيلية لن تجرؤ على توقيع تسوية مع الطرف الفلسطيني ، مهما انطوت عليه من تنازلات ، وما جرى بين سلطة رام الله وحكومة أولمرت دليل على ذلك ، وهذا التعنت الصهيوني في رفض تجميد ، مجرد تجميد الاستيطان في القدس ، ولو بشكل مؤقت يؤكد ذلك أيضا.

 

لو كان بوسع الصهاينة تقديم تنازل معقول في هذا الملف ، لما استغرق التفاوض أسابيع بعد التنازلات التي أبدى الطرف الفلسطيني استعدادا لتقديمها ، بما في ذلك الإبقاء على الكتل الاستيطانية في الضفة تحت بند تبادل الأراضي ، وكذلك حال حق التنازل عن حق العودة والسيادة الكاملة.

 

ملف القدس والموقف الصهيوني العام منها يؤكد أن التسوية مع هذا العدو مستحيلة ، اللهم إلا إذا تورط بعض قومنا في قبول ما لا يُقبل ، ما يعني أن مشروع التفاوض لا يعدو أن يكون غطاءً للمزيد من الاستيطان والتهويد ، مع شطب مشروع المقاومة الذي لا يصلح غيره في التعامل مع الاحتلال.

========================

مؤتمر قمة عربي دوري آخر!

ميشيل كيلو

3/16/2010

القدس العربي

في أوائل الثلث الأخير من شهر آذار الحالي، سيعقد في ليبيا مؤتمر قمة عربي دوري آخر، سيشهد ما عرفته مؤتمرات القمة السابقة من خلافات، وسيثار حوله لغط كثير، سيطاول قضايا متنوعة، ومن المرجح أن يكون مصيره مماثلا لمصير غيره من مؤتمرات القمة، التي لم تنجح يوما في تنقية الأجواء العربية،

ليس بمعنى الكلمة الآني، الذي يتركز على تسوية الخلافات العابرة، التي كانت سائدة قبل وخلال فترة انعقاد المؤتمر، بل بمعناها الحقيقي، الذي يركز على إقامة أرضية فهم وتأمل ورؤية مشتركة بين مختلف حكومات ودول العرب، يتم انطلاقا من مبادئها الموحدة اتخاذ مواقف مشتركة بالفعل حيال المسائل التي تتخطى اللحظة الآنية والمشكلات الظرفية، فتأتي معالجتها في العمق، وتكون متقاربة أو متماثلة، لأن أرضية التصدي لها توحيدية، باستطاعتها التصدي لأية مسائل جزئية وتفصيلية، والحيلولة دون تحولها إلى مسائل عامة ومزمنة، تضخم الخلافات العربية / العربية، مع أنها ليست من طبيعة هيكلية، رغم ما تثيره من تناقضات بين الأطراف المهتمة أو المعنية بإدارتها واستغلالها.

بسبب غياب هذه الأسس السياسية والروحية المشتركة، التي تشكل أرضية بوسعها توحيد نظرات ومواقف ومصالح البلدان العربية، وبسبب رجحان المصالح الجزئية على المصالح العليا والعامة، تفشل مؤتمرات القمة في الخروج من دائرة الخلافات الوقتية، القائمة أثناء انعقادها أو قبله بقليل، وفي طرح ومعالجة مشكلات العرب الحقيقية، البنيوية، التي يفترض بالقمة أن تعتبرها موضوعها الرئيس وأن تتصدى لها، لكنها لا تفعل ذلك في واقع الأمر، لأن الافتقار إلى رؤية موحدة، وإلى الاتفاق على طابع وهوية المشكلات العابرة للأمة، يحتم طريقة في النظر تتقاسمها سائر الحكومات، ترى العام العربي انطلاقا من الخاص القطري أو الحكومي وغالبا الشخصي، بدل رؤية الخاص في جزئيته بدلالة العام في شموله، فتترتب على ذلك ليس فقط نظرة مشوهة وخاطئة إلى مشكلات العرب، تتجاهل مشكلاتهم وآمالهم الحقيقة، الفاعلة والمؤثرة في عمق حياتهم العامة والسياسية، الوطنية والقومية، وتثير نزاعات كثيرة حول المغانم الخاصة بكل نظام عربي، هي البديل العملي للإنجازات والمكاسب القومية، العابرة للدول والكيانات القائمة، والمعبرة بحق وعمق عن مصالحها الحقيقية، التي ينتظر من 'قمة عربية' تستحق اسمها أن تحققها، وأن تجد السبل الكفيلة بترجمتها إلى مصالح جامعة لا اختلاف عليها، تلبي حاجات البلدان العربية المختلفة، هي بالبداهة من طبيعة توحيدية، تخفق القمة العربية، بسبب غيابها، في تحقيق الغاية منها، وتنقلب إلى ميدان صراع على مغانم ومسائل جزئية بين متنافسين متعادين، كما هو حال مؤتمرات القمة العربية، التي عرفناها منذ عام 1964 إلى اليوم.

السؤال الذي يطرح نفسها علينا الآن هو: هل يمكن للقاء سنوي عابر أو قصير بين أطراف متناقضة ومتصارعة، تتنافس على احتلال مواقع جزئية متضاربة في مجال قومي واحد، أن يحل مشكلاتها ومشكلاته، مهما كانت نقاشاته معمقة ونوايا المشاركين فيه سليمة ؟. وهل يمكن للقادة العرب حل مشكلات لا ريب في أنهم يتأثرون جميعهم بنتائجها، لكنهم يختلفون في نظراتهم إليها، ومقاصدهم من حلها، وطرقهم في معالجتها، والنتائج التي يردونها منها؟

أكثر من ذلك: هل توجد اليوم، بعد قرابة قرن ونيف على نشوب الصراع الإسرائيلي ضد العرب عامة وفلسطين بصورة خاصة نظرة عربية موحدة حقا إلى هذا الصراع، تقوم على أرضية لحمتها وسداها أسس ومشتركات واحدة تتقاسمها نظم وحكومات العرب، ولا تختلف حولها، كل واحدة انطلاقا من ما تتوهم أنه مصالحها، ضاربة عرض الحائط بالمصلحة العربية والفلسطينية الجامعة؟. إذا كان قرن من الصراع الدامي والعنيف على فلسطين لم يفض إلى إقناع الحكام العرب ببلورة نظرة عربية موحدة أو مشتركة أو متقاربة أو منسقة إلى قضيتها، رغم أنها أثرت بعمق في مصير بلدانهم جميعها، القريبة منها والبعيدة، فما الذي يمكن أن يفضي إليه لقاء يدوم أربعا وعشرين أو ستا وثلاثين ساعة، يذهب بعدها المختلفون المتصارعون كل إلا بلده، لينسى ما قاله وتعهد به خلال قمة حضرها وهو قليل الاقتناع بجدواها قليل الالتزام بنتائجها، ويستأنف الصراع على الجزئيات والنفوذ والمصالح مع من كان يدعوهم إخوته وأشقاءه ؟!.

ثمة خلل بنيوي وعميق في حياة العرب السياسية وفي علاقاتهم البينية، ينعكس على جامعة الدول العربية ومؤسسة القمة، فيعطلهما، ليس فقط لأن الحكومات العربية غير جادة أو صادقة في التصدي لمشكلات العرب، بل كذلك لأنها تفتقر إلى جوامع ومشتركات تجعل من يتبنون معاييرها الموحدة يتخذون مواقف مشتركة أو متقاربة، حتى دون أن يجتمعوا أو يلتقوا، وقد ضربت مثالا على ما أحدثه الافتقار إلى هذه المشتركات والجوامع من دمار في المسألة الفلسطينية، التي يوجد سياسات عربية كثيرة، متناقضة ومتعادية، حولها، ولا ولم يوجد إطلاقا، في أي وقت من تاريخنا الحديث، أي موقف عربي موحد أو متقارب أو حتى منسق، ثابت وفاعل، منها، رغم كثرة المؤتمرات التي عقدت بذريعتها، من عام 1929 إلى اليوم، وتحولت من مؤتمرات لحمايتها إلى مؤتمرات للتخلي عنها، لأسباب أهمها تناقضات السياسات والمصالح والرؤى.

لا سبيل إلى التخلص من هذا الخلل بغير عمل منظم، منهجي وطويل الأمد وصادق، يتم على صعيدين رئيسين، من الضروري أن تتولاه جامعة عربية لها وظائف تختلف اختلافا جديا عن الجامعة الحالية، جامعة الخلافات العربية، وأن يتم قسمه الأول على مستوى خبراء مشهود لهم بالموضوعية والعلم، يكلفهم مؤتمر القمة القادم، على سبيل المثال، بوضع رؤية شاملة تصف وتحدد بدقة الأسس الكفيلة بتوحيد مواقف العرب حيال مشكلاتهم الكبرى، العابرة للزمان والمكان، والتي لا تفضي ترجمتها في الواقع العربي إلى الإضرار بمصالح الدول الجزئية أو الخاصة، وتؤسس لمساحات من التوافق الفكري والروحي لا خلاف عليها، تملي عليهم نظرات عملية متقاربة أو موحدة، تبين سبل تصديهم لمشكلاتهم العامة وحلها، دون أن يؤجج ذلك نيران صراعاتهم، ويؤدي إلى تغيير علاقات وتوازنات القوة بينهم، أو يفزعهم، ودون أن يضعف أطرافا منهم ويقوي أخرى، ويستدعي حماية بعض نظمهم من أطراف خارجية.

بعد انتهاء عمل الخبراء، يجب أن يعود المؤتمر الحالي على دورة انعقاد استثنائية، تقر ما توصل الخبراء إليه، وما حددوه من آليات تنفيذية توسع مساحة ما هو مشترك بينهم، وتقيد خلافاتهم، وتقنعهم بتبني أساليب متقاربة أو متشابهة أو موحدة في التعاطي مع قضاياهم القومية والعامة، التي لا يجوز لهم الاختلاف حولها، لأن اختلافهم يقوض مصالحهم.

بتوفر هذا الزاد الفكري والعملي، وباعتماده من حكومات العرب، ستنجح مؤتمرات القمة وسيكون عائدها هائل الأهمية بالنسبة للأمة ودولها، وسينتهي الابتزاز المتبادل بين الدول والأحزاب والسلطات الحاكمة، وسيحسب العالم حسابا حقيقيا للعرب، الذين ستتحسن كثيرا مكانتهم فيه وسيؤخذون على محمل الجد، لأنهم سيحققون تقدما حاسما في حل مشكلاتهم، بدءا من فلسطين.

بدأت مصاعب مؤتمر القمة الوشيك الانعقاد تظهر في الحياة السياسية العربية، مثلما كانت مصاعب غيره من المؤتمرات هي علاماتها الفارقة. إن انعقاد لقاء عابر بين مختلفين، يناقشون خلاله مسائل يتنازعون بشدة عليها، ليس أمرا مجديا، وإن وجد بعض العرب فيه شيئا من التسلية، واعتبره معظمهم صورة مجسدة لفضيحة دائمة، لم تتمكن 'خير أمة أخرجت للناس 'التخلص منها خلال فترة نيف ونصف قرن هي عمر مؤتمرات القمة!

========================

نتنياهو اوباما: زوبعة في فنجان

رأي القدس

3/16/2010

القدس العربي

أن تعتبر السيدة هيلاري كلينتون اعلان الحكومة الاسرائيلية بناء 1600 وحدة سكنية في احدى مستوطناتها شمال القدس اثناء زيارة جوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي لتل ابيب 'اهانة' موجهة الى الولايات المتحدة الامريكية، فهذا امر جميل، ولكنه اعتراف متأخر بعد سلسلة طويلة من الاساءات والاهانات الاسرائيلية امتدت لاكثر من ستين عاما، اي منذ قيام اسرائيل على حساب الارض العربية في فلسطين.

توبيخ السيدة كلينتون لنتنياهو في مكالمتها الهاتفية التي استمرت اربعين دقيقة ليس كافيا، طالما لم تتبعه خطوات عملية عقابية على ارض الواقع، لان الساسة الاسرائيليين تعودوا على مثل هذه المكالمات الغاضبة، ويعلمون جيدا انها سرعان ما تتبخر وتعود المياه الى مجاريها، وبصورة اكثر قوة وصلابة.

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي يدعي دائما انه يفهم الولايات المتحدة اكثر من غيره، ويتحدث الانكليزية بلكنة امريكية، يتحدى الرئيس باراك اوباما، ولا يتورع عن السخرية منه وادارته، لانه يعتبر نفسه الاقوى، بسبب دعم اللوبي اليهودي له، وسيطرته بالكامل على مراكز صنع القرار في المؤسسة الامريكية الحاكمة.

تراجع الادارة الامريكية الحالية، وبطريقة مخجلة، عن مطالبها بتجميد كامل للاستيطان في الاراضي المحتلة، ومن ضمنها القدس، قبل العودة الى طاولة المفاوضات، هو الذي شجع نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، على استفزاز هذه الادارة بالاعلان عن بناء المزيد من المستوطنات في الضفة والقدس المحتلتين.

الرئيس اوباما، وبعد هذه الصفعة التي تلقاها من نتنياهو، مطالب بان يرد الاعتبار لنفسه اولا، ولادارته ثانيا، ولعملية السلام ثالثا، وان يتصدى لمثل هذه العجرفة الاسرائيلية بالطريقة التي يتصدى فيها حاليا لايران، من خلال السعي من اجل استصدار قرار عن مجلس الامن الدولي بتشديد العقوبات الاقتصادية عليها.

فعندما يقدم اوباما على انزال اسرائيل وقادتها ومستوطنيها من وضعها الحالي كدولة فوق القوانين والاعراف الدولية، ويرفع عن جرائمها الحصانة العسكرية والدبلوماسية الامريكية، فإن ادارته ستكتسب الكثير من المصداقية في العالمين العربي والاسلامي، بل والعالم بأسره.

ولا نعتقد ان الرئيس اوباما الذي اضاع عاما كاملا من عمر ادارته وهو يغض الطرف عن الجرائم الاسرائيلية في الاراضي المحتلة، ويحول ضغوطه الى الطرف الفلسطيني الضعيف لاجباره على العودة الى مفاوضات غير مباشرة محكومة بالفشل مسبقا، لا نعتقد انه سيفعل اكثر من الاحتجاج والعتب بالنسبة الى حلفائه الاسرائيليين، فنائبه بايدن الذي اعلن انه صهيوني اصيل، رد على استفزازات نتنياهو له، وافشاله لجولته بالتأكيد على عمق العلاقة الاسرائيلية الامريكية، والتزام واشنطن بالامن الاسرائيلي دون اي تحفظ.

الرئيس اوباما ضعيف امام اللوبي اليهودي، وكذلك الحال بالنسبة الى معظم المسؤولين الاوروبيين الآخرين، وهذا الضعف المصطنع، في رأينا، يعكس رؤية ازدواجية في النظر الى المعايير الاخلاقية، والتعاطي بازدواجية مع قضايا المنطقة العربية، وبما يؤدي في النهاية الى اذكاء حالة التوتر بين الغرب والعرب، وصعود موجات التطرف واستفحال ظاهرة الكراهية المتنامية.

ومن المؤسف ان الضعف العربي، وقلة الحيلة عند معظم الزعماء العرب، ان لم يكن كلهم، هو الذي يشجع هؤلاء على عدم تحدي اللوبي اليهودي الموالي لاسرائيل، مثلما يشجع نتنياهو والمتطرفين اليهود على المضي قدما في نهب الارض وتهويد المقدسات، وهدم المسجد الاقصى وبناء هيكل سليمان على انقاضه.

========================

نتنياهو وأوباما.. وكسر العظام

طارق الحميد

الشرق الاوسط

16-3-2010

دخلت العلاقة بين أوباما ونتنياهو إلى منطقة كسر العظام، على خلفية إعلان إسرائيل بناء مستوطنات جديدة بالقدس الشرقية أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي الأخيرة، وهو ما اعتبره الأميركيون تحدياً وإهانة لهم، مما دفع هيلاري كلينتون إلى نقل غضب أوباما لنتنياهو بمكالمة هاتفية عاصفة.

الإسرائيليون بحالة ترقب، وقلق؛ فعلى مستوى الحكومة صدرت أوامر نتنياهو لأعضاء حكومته بالتزام الصمت وعدم مفاقمة الأزمة مع واشنطن، والتي اعتبرها مايكل أورن سفير إسرائيل في واشنطن بأنها أخطر أزمة شهدتها علاقات البلدين منذ عام 1975. وعلى مستوى الصحافة الإسرائيلية كتبت «هآرتس» أن «الأزمة التي كنا نتوقعها منذ زمن بين إسرائيل وأميركا منذ تولي نتنياهو مهامه قد نشبت»، مضيفة أن «ساعة الحقيقة دقت بالنسبة إلى نتنياهو الذي سيضطر للاختيار بين قناعاته الآيديولوجية وتحالفه مع اليمين، وبين ضرورة الحفاظ على دعم واشنطن».

نتنياهو، الذي عاد ليصعِّد مع واشنطن، نصح الصحافيين قائلا «لدى قراءة الصحف أقترح ألا نصاب بالهلع». إلا أن أوساط نتنياهو تقول إنه «فوجئ» برد الفعل الأميركي، وعن ذلك يقول لي مصدر مطلع بواشنطن إن سر مفاجأته هو أنه تلقى التعنيف من هيلاري وليس أوباما، والمفاجأة أن لهيلاري كثيراً من التقدير في إسرائيل الآن، على عكس أوباما. والنفور من أوباما، إسرائيلياً، ليس بالسر، حيث كان هناك ترقب حاشد للاجتماع الأول بين أوباما ونتنياهو بالبيت الأبيض في مايو 2009، وتقول مصادري إنه بعد اللقاء اعتقد نتنياهو أن بوسعه الالتفاف على أوباما من خلال اللجوء إلى أصدقاء إسرائيل بمجلس الشيوخ، لكن نتنياهو فوجئ حينها عندما سمع هناك نفس ما سمعه من أوباما عن ضرورة الشروع بالمفاوضات، ووقف المستوطنات.

هنا يقول لي مصدري إن البيت الأبيض وقتها كان يعتقد بأن حكومة نتنياهو أضعف من أن تصمد لو ضغطت عليها واشنطن، لكن المفاجأة، بحسب المصدر، أن أوباما هو من ضعف. ويضيف المصدر أن أذكى ما فعله نتنياهو وقتها هو الانتظار، حيث أضعفت المشاكل الداخلية أوباما.

وعليه فإننا اليوم أمام مواجهة سياسية من العيار الثقيل بين أوباما المكبل بقضايا داخلية، وطبعه المواجهة، وبين نتنياهو الخائف من زلزال سياسي يسقط حكومته للمرة الثانية بعد أن أسقطه الرئيس السابق بيل كلينتون، ولذا فنحن في مفترق طرق، كما يقول لي دبلوماسي عربي «نتنياهو يريد تفريغ مبادرات أوباما، وضرب مصداقيته، واستغلال الظرف الداخلي الأميركي.. ولذا فنحن أمام مفترق طرق حقيقي، فكيف سيكون التعامل، مثلا، مع إيران، في حال ضربت مصداقية أوباما»؟

نتنياهو يعرف خصمه جيداً، فقد روى الكاتب الأميركي الشهير ديفيد إغناتيوس حادثة مهمة بمقاله في ال«واشنطن بوست» في 20 مايو 2009 حين التقى نتنياهو يومها بأوباما 2007، يوم لم يكن أحد وقتها يكترث به، وقال نتنياهو حينها لمساعديه «أعتقد أن هذا هو الرئيس المقبل لأميركا». السؤال اليوم هل يصمد نتنياهو، أم تسقط حكومته للمرة الثانية على يد أميركا، أم تزداد جراح أوباما، وتدخل المنطقة في دوامة أخرى، لا تقل خطورة عما

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ