ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 07/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حول مؤتمر امريكا والعالم الاسلامي

محمد علي فقيه

3/6/2010

القدس العربي

في المؤتمر السنوي الذي ينظمه معهد بروكينغز في الدوحة لمنتدى امريكا والعالم الاسلامي والذي عقد بين 13 و15 شباط/ فبراير 2010 وشارك فيه أكثر من 300 شخصية من العالم، على رأسهم أمير قطر ورئيس وزرائها ومبعوث الرئيس الجزائري عبد العزيز بن خادم ورئيس وزراء تركيا (أردوغان) و'هيلاري كلينتون' و'جون كيري' والعماد 'ميشال عون' ورئيس وزراء ماليزيا السابق 'أنور ابراهيم' و'صائب عريقات'، ولحسن الحظ كانت الكثير من بلدان العالم الاسلامي ممثلة في المنتدى من خلال مستشارين وزعماء أحزاب وسفراء ومفكرين وباحثين وقد تحدث بعضهم باسهاب.

وعلى مدى ثلاثة أيام عقدت جلسات عديدة، من ضمنها الجلسة العامة الأولى التي كانت بعنوان 'التزامات الولايات المتحدة والعالم الاسلامي: من المفاهيم الى النتائج الملموسة' التي حاضر فيها عدة شخصيات من ضمنهم الممثل الخاص ل'هيلاري كلينتون' في الجاليات الاسلامية 'فرح بانديث' والتي شاركت فيها بمداخلة. وكانت لي مداخلة أوضحت فيها للمؤتمرين ما يلي:

 لقد قررت أن أقرأ امريكا منذ 17 عاماً وبالضبط عند العدوان الصهيوني على لبنان في تموز/يوليو 1993. وقد قرأت يومذاك مقالة مهمة للمفكر الفلسطيني 'الدكتور أحمد صدقي الدجاني' يقول فيها بأن السلوك الامريكي يدعو كثيرين في منطقتنا الى النظر في مكونات وتاريخ الولايات المتحدة. واذا كان 'جمال حمدان' قد استجاب لهذه الدعوى في أعقاب حرب عام 1967 وقدم لنا رؤية ثاقبة في كتابه 'استراتيجية الاستعمار والتحرير' للولايات المتحدة الامريكية من منظور دولي كوكبي فاننا نتوقع ان يحدث تركيز في هذه المرحلة على تتبع أصول الموقف الامريكي من العالم الاسلامي'.

 ولو سئلت كشاب عربي 'ماذا تعني لك امريكا كمصطلح؟' لقلت لهم، انها مجرد دولة منحازة لاسرائيل التي دمرتنا مراراً، بل ان امريكا تعني لنا وأنا آت من الضاحية الجنوبية مجرد دولة ساعدت العدو الاسرائيلي بقصف منازلنا بصواريخ امريكية الصنع، ان اسرائيل تبدو لنا كانها امريكا الشرق الاوسط او الولاية 51 من الولايات المتحدة او على الأقل أكبر قاعدة امريكية عبر البحار الا انها قاعدة بدرجة دولة لكن طاقمها كله من اليهود الصهاينة.

 في الاصل ليس هناك مشكلة بين العالم الاسلامي وامريكا، بل ان العرب حاولوا الاستعانة بامريكا للتخلص من الاستعمارين البريطاني والفرنسي، بل ان كثيرا من العرب كان يتغنى بمبادئ ولسون بحق الشعوب لتقرير مصيرهم، يقول المثل المصري: 'شيل ده عن ده يرتاح ده من ده'. مشكلتنا مع امريكا انها منحازة لاسرائيل ولا يمكن لاسرائيل ان تضرب اي بلد بدون الضوء الاخضر من امريكا، بل انها لو دمرت لبنان مئة مرة لكانت امريكا خير من يوجد لها كل المبررات القانونية والشرعية لهذا العمل. وعندما قصفت اسرائيل لبنان رأينا كيف ان بوش صرح بأن محاربة حزب الله جزء من محاربة الارهاب.

 لا يوجد في الوطن العربي (22 دولة) وحسب، بل مع وجود القواعد العسكرية الامريكية فيه، هناك 23 دولة حيث ان هذه القواعد الذرية وغير الذرية تملأ المنطقة وتطوّق العالم الاسلامي. حيث تبدو قاعدة (ديغوغارسيا) كأنها قمة عسكرية أمريكية تسيطر على كل المحيط الهندي. ولهذا فان تفعيل الحوار الامريكي مع العالم الاسلامي قياساً مع المزيد من القواعد العسكرية الامريكية في افريقيا وآسيا يعني بأن العلاقات ستزداد سوءاً، فالمؤتمرات وبعض الأحلاف مع امريكا لن يغيّرا من صورة أمريكا عند العرب شيئا حيث تحولت بحارهم الى مجرد حاملات للطائرات العسكرية الامريكية.

 لقد تساءل الداعية عمرو خالد عن الحب بأنه مجرد مصطلح اجتماعي أم سياسي وتساءل لماذا لا نحب بعضنا البعض. ورددت عليه، بانه لا مجال للحب مع امريكا. فالسياسة الانديكية (مارتن آنديك) الاحتواء المزدوح، حاصرت العراق وايران لسنين عديدة والآن تعمل امريكا مرة أخرى على تطبيقها على ايران.

 ان امريكا في بداية عهد بوش الابن أنشأت برنامج تطبيق الديمقراطية في العالم العربي ووضعت له ميزانية مقدارها (29 مليون دولار امريكي) وهو مبلغ سخيف لهذا المشروع الضخم مقابل اكثر من (ستمئة مليون دولار) كميزانية عسكرية للحرب. ولما كانت نتيجة ذلك البرنامج في العالم العربي فوز حماس وحزب الله والاخوان المسلمين... في الانتخابات البرلمانية قرروا التخلي عن ذلك لان النتيجة كانت لغير صالحهم ولهذا ذكرت كيلنتون في المنتدى بأن هناك توازناً دقيقاً لا بد من مراعاته من الانظمة الصديقة مثل مصر وماليزيا لتعدد الملفات العالقة بينهما.

 لا يمكن التفاهم بين العالم الاسلامي وامريكا وكلاهما يعرف الآخر بطريقة سطحية، فمن جهة العرب، عليهم ان يعرفوا ان امريكا ليست على طريقة البلاد العربية التي عندما تصل الى رأس الهرم فيعني ان البلد كله قد اصبح في الجيب وهذا ما تصوره بعض العرب عندما تبرعوا بمبالغ مالية (10 ملايين دولار) لرود جولياني بعد 11 ايلول/سبتمبر التي رفضها وقد علّق على ذلك ادوارد سعيد بأن دخول امريكا وكسب ودّها ليس بهذه الطريقة. وذكر بانه طلب من ياسر عرفات أثناء زيارته للرئيس كلينتون آنذاك أن يؤمن له خمس أو ست جلسات مع المفكر الاسلامي الباكستاني اقبال احمد ليشرح له تركيبة المجتمع الامريكي قائلاً لعرفات بأني لا أعرف امريكا جيداً رغم اقامتي فيه منذ 30 عاماً. وقد قدم اقبال احمد في هذا المجال دراسات عديدة لم نستفد منها حتى الآن كعرب حول تركيبة العلاقات الامريكية الفيتنامية وتركيبة العلاقات الفرنسية الجزائرية والأسباب التي جعلت امريكا وفرنسا تنهزمان في احتلالهما للبلدين المذكورين.

ومن جهة امريكا فقد ذكر احد المفكرين بأن المخططين في البيت الأبيض أشبه بمن يجلسون في أعلى برج، بغرف من زجاج فيبدأون برسم استراتيجيتهم حول العالم الاسلامي رغم انهم لا يعرفون لغاته ولم يقرأوا تاريخه بدقة ويبدأون بالتعاطي مع العالم الاسلامي وما يريدون منه كمن يجلس في مطعم راق وتقدم له لائحة الطعام فيختار منها ما لذّ وطاب. ولا بد ان نشير بأن الامريكيين عندما يدرسون العالم الاسلامي فانهم يتسلحون بوجهة النظر الصهيونية لندرة الكتب الانكليزية التي تمثل وجهة النظر العربية.

لقد لاحظنا في المؤتمر ان الدعوات كانت محصورة بكل من يتوافق مع الولايات المتحدة الامريكية بل شعرنا بأن المؤتمر كان خالياً من أهم المتخصصين العرب في الشأن الامريكي سواء كانوا أصدقاء لامريكا أم اختلفوا معها ومن ضمنهم: احمد جلبي، جميل مروة، موفّق حرب، كنعان مكية، عزمي بشارة، منذر سليمان، رشيد خالدي، فؤاد عجمي.. وهذا التصرف يضرب أسس التفاهم بين العالم الاسلامي وامريكا فعندما عيّن الرئيس اوباما جورج ميتشيل مبعوثاً خاصاً له ذكر الأخير بأن تجربته في حل المشكلة الايرلندية تؤكد بأن حل مشكلة الشرق الاوسط تفرض مشاركة جميع الأطراف ولهذا فان ميتشيل يعرف بأن حل الصراع العربي الاسرائيلي يكمن في مشاركة حماس وحزب الله ولا يمكن للصراع أن ينتهي اذا بقيت امريكا تعتبر بأن محاربة حزب الله وحماس اللذين يحضيان بشعبية كبيرة في العالم الاسلامي، جزء من محاربة الارهاب، وقد اجرى مركز ابن خلدون الذي يرأسه المفكر سعد الدين ابراهيم والذي حضر الجلسة استفتاء في العالم العربي بعد عدوان تموز(يوليو) 2006، مباشرة حول أكثر الشخصيات شعبية فكانت النتيجة ان السيد حسن نصر الله الأول والثاني الرئيس أحمدي نجاد.

ان فعل اوباما ايجاد توازن في فريقه بين مسلمين ويهود لا يعني انه يدرك مشاكل العالم الاسلامي فتعيينه رشاد حسين (الهندي الاصل) كمبعوث خاص لأوباما في منظمة المؤتمر الاسلامي وتعيين كلينتون ل'فرح بانديث' (أصول كشميرية) كمبعوث خاص لها لا يعني بأن امريكا قد أحاطت بمشاكل العالم الاسلامي فعيب هؤلاء المبعوثين انهم لا يتكلمون العربية، وقضوا اكثر عمرهم في الولايات المتحدة وتعيينهم تم على اساس انهم مسلمون وليس على اساس انهم متخصصون لهم باع طويل في فهم العالم الاسلامي. وعندما ذكر اوباما في خطابه للمنتدى ان رشاد حسين هو ثقة من قبلي ويحفظ القرآن، حيث كان رشاد حسين يجلس على مقربة مني تذكرت مكان ذكره لي أحد الجنرالات العرب الذي درس المخابرات في الكلية الحربية قائلاً: 'ليس صحيحاً ما يقال بأن الرجل المناسب في المكان المناسب، بل درسونا في المخابرات الرجل المناسب للهدف المناسب وللغاية المناسبة' ورشاد حسين ليس اكثر من مجرد رجل ثقة عند اوباما لا اكثر.

ومع كل ذلك لا بد ان يدرك العرب ان وجود اوباما في البيت الابيض يعتبر اعظم فرصة لهم. ويجب استغلالها. حيث ان اوباما وهيلاري كلينتون مكروهان بشكل كبير داخل الكيان الصهيوني. يقول الحديث الشريف: 'اغتنموا الفرص فانها تمرّ مرّ السحاب'.

مدير معهد الدراسات الدولية

=============================

اقتحام الاقصى: صفعة للجامعة ووزرائها

رأي القدس

3/6/2010

القدس العربي

الرد الاسرائيلي على مباركة وزراء الخارجية العرب للمقترحات الامريكية باستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية غير المباشرة جاء اسرع بكثير مما توقعنا، فقد اقتحمت القوات الاسرائيلية يوم امس المسجد الاقصى، واعتدت على المصلين وحاصرت نسبة كبيرة منهم، واصابت برصاصها المطاطي وقنابل الغاز اكثر من اربعين شخصا على الاقل.

عندما يكون القادة العرب على هذه الدرجة من الهوان، ويذعنون بشكل مزر للاملاءات الامريكية، فلماذا لا يقتحم المستوطنون الاسرائيليون المسجد الاقصى، ويضعون حجر الاساس لهيكل سليمان والكنيس الذي سيحتويه في باحة المسجد الاقصى؟

اسرائيل لا تريد السلام، وتريد من هذه المفاوضات ان تكون غطاء لتنفيذ مخططات الاستيطان والتهويد التي تمارسها في الاراضي العربية المحتلة والقدس على وجه الخصوص، ولعل المواطنين الفلسطينيين اصحاب الارض وحماة المقدسات العربية والاسلامية هم الادرى والاوعى بمثل هذه المخططات، في وقت يفضل فيه الزعماء العرب ادارة وجوههم الى الناحية الاخرى.

لن يتحرك العرب والمسلمون استجابة لنداءات المصلين المحاصرين في الاقصى، ولن يطالب السيد احسان اوغلو امين عام منظمة المؤتمر الاسلامي بعقد قمة عاجلة للقادة المسلمين، فهؤلاء يعيشون حالة تكلس مفتعلة، وبات الكثير منهم يعتبر اسرائيل حليفا في الحرب المقبلة ضد ايران البلد المسلم.

اهالي الارض المحتلة، بصدورهم العارية، وايمانهم الراسخ هم وحدهم الذين سيواجهون الرصاص الاسرائيلي، ويتصدون لمقتحمي اقصاهم من المستوطنين الاسرائيليين، مثلما فعلوا دائما، فرغبة هؤلاء في البذل والعطاء بلا حدود.

حكومة نتنياهو اليمينية العنصرية التي سيتفاوض معها العرب، والرئيس محمود عباس وممثلوه هودت الحرم الابراهيمي، ومسجد بلال بن رباح، كمقدمة او تمهيد لتهويد المسجد الاقصى، وتقسيمه الى كنيس يهودي ومسجد اسلامي في افضل الاحوال.

القادة العرب سيستمرون في اشهار سيف السلام، والتمسك بمبادرتهم التي تعفنت على مدى سبع سنوات منذ اطلاقها من شدة الاحتقار الاسرائيلي لها، فالسيد عمرو موسى امين عام الجامعة العربية الذي 'نعى' عملية السلام قبل عامين، وتعهد امام الملأ بانه لن يترك وزعماؤه مبادرة السلام العربية على الطاولة الى الابد في ختام اعمال القمة العربية في الدوحة في آذار (مارس) الماضي، تناسى جميع وعوده هذه، وهدد بانه سيذهب الى مجلس الامن اذا لم يتم التوصل الى نتائج بعد اربعة اشهر من المفاوضات التي من المفترض ان تنطلق الاسبوع المقبل.

الانجاز الكبير الذي حققه وزراء الخارجية العرب اثناء اجتماعهم الأخير في القاهرة هو تحديد سقف زمني للمفاوضات غير المباشرة، وبعدها لن يذهبوا الى الحرب او قطع العلاقات مع اسرائيل، بل الى مجلس الامن، وكأنها المرة الاولى التي يذهب فيها العرب الى هذا المجلس وللاسباب نفسها.

اسرائيل ستستولي على المسجد الاقصى، وستدمر المزيد من البيوت في القدس المحتلة، وستوسع المستوطنات في الضفة الغربية، مستغلة غطاء الاشهر الاربعة التي منحها لهم وزراء الخارجية العرب.

الشبان الفلسطينيون سيواصلون الدفاع عن مقدساتهم بصدورهم العامرة بالايمان، فقد اصطفاهم الله لهذه المهمة السامية، وهم اهل لها.

============================

حول عقد مؤتمر دولي للسلام

ضياء الفاهوم

 الدستور

6-3-2010

 يتواصل الحراك العربي والإسلامي والدولي لتهدئة الأوضاع التي تقوم إسرائيل بتأزيمها كلما تطلب الأمر منها اتخاذ موقف ايجابي صادق تجاه السلام وذلك كسبيل للهروب مما اقترفته من إجرام تجاه قطاع غزة يندى له جبين الإنسانية ، والذي حاولت أن تلفت الأنظار عنه بمواصلة تعسفها وقتلها بدم بارد العديد من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة واغتيالاتها لرجال اشتهروا برفع لواء المقاومة الصلبة للإسرائيليين والإصرار على دحر احتلالهم لكافة الأراضي العربية المحتلة ، كما فعلت مؤخرا مع الشهيد محمود المبحوح الذي اغتالته في دبي.

 

إسرائيل ترى أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ، ومن هذا المنطلق وبعد أن عراها تقرير القاضي النزيه غولدستون ، الذي طالب بمحاكمة المسؤولين عن الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة ، وبعد تفاقم موضوع إلقاء القبض على هؤلاء المجرمين في بريطانيا ، وتحدي اسرائيل لدول الاتحاد الأوروبي الذي أعلن تأييده لحل الصراع العربي الإسرائيلي على أساس حل الدولتين ضمن حدود عام 1967 ، ثم إهانة السفير التركي في تل أبيب التي ردت عليها تركيا بحزم وأجبرت إسرائيل على الاعتذار رسميا أمام العالم كله ، بعد كل ذلك والضغط الأميركي الهادئ باتجاه حل الدولتين فربما ترى إسرائيل أن الخروج من حشرها في الزاوية قد يكون بمغامرة عسكرية جديدة خطيرة الأبعاد والنوايا كشأنها دائما . ولذلك فقد وجب الحذر كل الحذر .

 

لقد حالت إسرائيل حتى الآن دون عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط حاولت روسيا عقده منذ حوالي عامين لأنها تعلم علم اليقين أن أغلبية دول العالم ستقف مع الحقوق العربية الثابتة في فلسطين ومع احترام بيوت الله وستعرب عن استنكارها الشديد للأعمال الإجرامية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي المدجج بكافة أنواع الأسلحة التقليدية والمحرمة دوليا ضد كل شيء في قطاعنا الحبيب وشعورها العميق بالمآسي التي ما زال كل الأهل في القطاع يعانون منها وخاصة الحصار الذي يحاول أحرار العالم كسره تمهيدا لتنفيذ وعود إعادة الإعمار الذي طال انتظاره .

 

القصة أصبحت معروفة لكل صاحب ضمير ولغير مغسولي الأدمغة الذين ما زالوا للأسف الشديد يغضون الطرف عن العنصرية الرهيبة التي يمارسها الإسرائيليون المدعومون من المتصهينين الجدد أصحاب المصالح من تجار السلاح وسارقي أوطان الناس وثرواتهم في إشعال الفتن في أنحاء كثيرة من العالم .

 

وحتى لا تتعرض الأمم المتحدة لمزيد من فقدان هيبتها واستهتار بمبادئها وقراراتها فما عليها إلا أن تتبنى هي عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط على الفور وتساهم بجدية في رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وإعادة حقوقه إليه . كما أن عليها أيضا أن تسهم بشكل فعال في بناء عالم لبني الإنسان مبني على الرقي والحضارة الإنسانية والتعاون المثمر للجميع قبل أن يتحول إلى غابة من الوحوش يأكل فيها القوي الضعيف .

 

ومع أن كثيرين شككوا في أن الولايات المتحدة ستقدر على تبني حل عادل للقضية العربية المركزية ، حتى بعد إعطائها الفرصة من قبل لجنة متابعة مبادرة السلام العربية لحلها فإنه ما زال هناك بصيص من أمل بأنها ستضع ثقلها هذه المرة ولو لإنقاذ سمعتها التي أودى بها بوش والمتصهينون الجدد إلى الحضيض . أما وقد أعطى العرب فرصة أخرى للسلام فإننا نأمل أن يتأكد للدنيا كلها الآن أنهم يريدون السلام فعلا على عكس اسرائيل التي لا تريده إلا قولا وعلى الأرض تفعل ما يؤكد أنها لا تريده ، وقد أثبتت الأيام أن كل سياسييها مماطلون من الدرجة الأولى ولا يمتنعون حتى عن سرقة تراثنا .

 

إنها فعلا آخر فرصة للسلام برعاية أمريكا مدتها أربعة أشهر لا تعفي الأمة من الاستعداد الكامل ، ولو من باب الاحتياط الواجب ، للقيام بمسؤولياتها التاريخية وتوحيد كافة قواها وإمكانياتها حتى تكون جاهزة في حال عدم رضوخ إسرائيل للسلام واستحقاقاته لتحرير أقصاها وجميع مقدساتها ومدنها وقراها وأراضيها من نير الاستعمار الاستيطاني الرهيب الذي لن يمتنع عن مزيد من الاستيطان إلا إذا وجد من يمنعه بالقوة وليس بأي شكل من أشكال المفاوضات غير المتكافئة . وإذا ما استطاعت الولايات المتحدة الأميركية بمساعدة أوروبا إقناع إسرائيل بالجنوح إلى السلام ، على أساس أنه مصلحة أميركية أيضا ، فإننا نرى أنه لا بد أيضا من عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط حتى يصبح الحل السلمي دوليا وليس غير ذلك .

============================

مَنْ يوقف العدوان الإسرائيلي؟

د. سحر المجالي

Almajali74@yahoo.com

الرأي الاردنية

6-3-2010

كانت مدينة القدس يوم الأحد 28/2/2010 على موعد آخر من مسلسل تهويد هذه المدينة العربية المسلمة، وعلى مسمع من كل دعاة الشرعية الدولية ومرأى من كل المؤمنين بعدم شرعية الإحتلال شكلاً ومضموناً.

 

فقد اقتحمت الشرطة الإسرائيلية باحات المسجد الأقصى وطوقت مبناه، بطريقة إستفزازية وتتناقض مع كل الأنظمة والقوانين الدولية التي تحمي الأماكن الدينية التي تخضع للإحتلال من أي عبث وتحرم على قوات دولة الإحتلال الدخول إليها.

 

هذا العدوان الإسرائيلي المبيت جاء تزامناً مع القرار الصهيوني بضم الحرم الإبراهيمي إلى قائمة «التراث الإسرائيلي» والذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية قبل أيام من عدوانها الأخير على المسجد لأقصى.

 

والتراث في المعنى اللغوي يعني إبداعات الأمم والشعوب التي صاغتها أجيالها المتعاقبة، واصبحت تمثل هويتها التاريخية والثقافية. فأي تاريخ لإسرائيل إبتداءً، ومن أين جاءها التراث الذي يحتاج لقرون عديدة ومتواصلة ليتأصل في الوجدان الإنساني، ويستقر في ذاكرة الزمان والمكان. وهذان المعطيان لا يمتان لإسرائيل بصلة، لا من قريب ولا من بعيد. فهي كيان أبعد من أن يكون ذا تراث او تاريخ، واستمرارية وجوده تعتمد على معطيات خارجية غير قابلة للإستمرار ومهيأة للتغير في أي لحظة. حيث لم تنشأ الدولة العبرية بناءً على المعطيات التاريخية لنشوء الدول الطبيعية، بل جاءت كنتيجة للتحالفات الدولية بين الدول الاستعمارية، وفي لحظة كانت فيها الأمة العربية تئن تحت وطأة القوى الاستعمارية نفسها التي باركت مولد «إسرائيل» على حساب الحقوق التاريخية العربية ومشروعها الحضاري.

 

وإذا كان هناك من يدعي بوجود تاريخ حديث لهذا الكيان، فهو تاريخ لا يتجاوز الستين عاماً إلا بسنتين، كما أن هذه العقود الستة اتسمت بالشراسة العدوانية على الأرض التي اغتصبها وعلى باقي العرب، معتمداُ على سياسة الأرض المحروقة لإرهاب الآخرين، وما مجازر دير ياسين وقبية وغزة إلا تجسيد حي على وحشية السياسات الصهيونية، والتي إذا ما قورنت بالسياسات النازية تجاه الآخرين، لوجدنا الأخيرة متواضعة مع عدوانية السياسات الصهيونية تجاه الأمة العربية.

 

إن العدوان الصهيوني الأخير على الأماكن المقدسة في القدس والخليل دليل على إفلاس سياسي وعسكري وهروب من استحقاقات مبررات وجود اسرائيل كدولة في المنطقة، وعلى رأسها المسيرة السلمية، وإنعكاساً لعدم ثقة إسرائيل، لا بنفسها ولا بمستقبل أجيالها.

 

كما يأتي هذا العدوان وعيون العرب « الدامعة» ترنو نحو البيت الأبيض، عسى ولعل ان تجد مبرراً واحداً للإعتماد على الدبلوماسية الأمريكية كوسيط محايد فيما يسمى بالمسيرة السلمية في « الشرق الأوسط». هذه الوساطة التي مازلنا نتلمس خطاها منتظرين نتائجها منذ نشوء الدولة العبرية عام 1948 حتى اليوم، والتي قد لا تأتي إلا بما يخدم المخططات الصهيونية.

 

فمن يصدق أن الإدارة الأمريكية غير قادرة على كبح جماح التطاول الإسرائيلي على حقوق العرب، وهم في جلهم من المحسوبين على ما يسمى ب»طرف الإعتدال» في الصراع العربي- الصهيوني. ويبدو أن الإعتدال تعني في المفهوم الإسرائيلي- الأمريكي، التسليم بسياسة الأمر الواقع والذي يخدم في المحصلة النهائية دولة إسرائيل على حساب الحقوق العربية.

 

والمضحك- المبكي، إن هذه الاستفزازات الإسرائيلية جاءت في الوقت الذي تنتظر فيه الإدارة الأمريكية إجابات الأسئلة التي طرحتها على الأطراف المعنية في المنطقة من أجل استئناف المفاوضات. وقد جاء الرد الإسرائيلي واضحاً وصريحاُ و» جريئاً في عدوانيته» وهو الإستيلاء على تاريخ العرب في الخليل وتهويد القدس...فهل هذه هي الإجابات التي تنتظرها الإدارة الأمريكية، وتعبر عن إرادة حقيقية تجاه السلام المنشود.

 

ويحاول الأردن الآن بشتى الوسائل أن يوقف الممارسات الإسرائيلية الأخيرة التي تجاوزت الحد الذي يمكن للعرب القبول به، إلا أنه لا يمكن وضع حد لهذا التطاول في العدوان إلا بجهد عربي جماعي وموحد، يتجاوز منطق ال(أنا) لصالح عقلانية ال(نحن).

============================

شركاء الرفيق بولتون

نصري الصايغ

الدستور

6-3-2010

هناك ما يثير الحزن والغضب معاً:

لم يعد مسموحاً ولا جائزاً ولا مفهوما أن تستمر «الدولة اللبنانية» مستباحة في وضح النهار من قبل سفراء السفارة الأميركية في لبنان وخبرائها ومدرائها وموظفيها.. لم يعد مقبولاً أن يتم التعامل مع اللبنانيين على قاعدة الشبهة، بأنهم «شركاء الرفيق بولتون» في المصير.

هناك ما يثير حساسية التماسيح:

هذه سفارة، ليست ككل السفارات، إنها سفارة دولة راعية للإرهاب الإسرائيلي المعظّم.. هذه سفارة جورج دبليو بوش بسحنة أوباما وسفارة الوجبات السريعة مع كوندليسا رايس، فيما آلة الحرب الإسرائيلية/ الأميركية الصنع تسحق لبنان.. هذه سفارة معادية لأكثرية ساحقة من الشعب اللبناني، فلا يجوز أن يتم التعامل مع سفيرتها، من قبل «الطبقة السياسية المنتفخة» على أنها رئيسة الرؤساء، ووزيرة الوزراء، ومديرة المدراء، ومستشارة المستشارين، وكاتبة الرغبات ومبلّغة الرسالات، ومُغدقة الوعيد والوعود.

هناك ما يثير ذكريات غير مرغوب فيها:

هذه سفارة دولة، أعطت إذنا لأرييل شارون لاجتياح لبنان عام 1982، وأرسلت بوارجها لقصف الجبل اللبناني، وأنزلت جنودها على الشاطئ لإدخال لبنان في «منظومة العالم الحر»، ضد فلسطين ودمشق.. هذه سفارة زوّدتنا بالوجه البشع لأميركا، وتحديداً في لبنان، فتقدمت الصفوف الدبلوماسية لحماية عدوان تموز 1993 (جردة الحساب)، وحمت إسرائيل في عدوان نيسان 1996، وعفت، ومعها ابنتها الشرعية، الأمم المتحدة، من حساب الضمير، بعد ارتكاب مجزرة قانا.. هذه سفارة دولة نكّلت بلبنان، وجعلته حقل تجارب دموياً، عندما قررت صناعة شرق أوسط جديد، بجثث الأطفال والنساء والرجال.

هذه سفارة دولة في سجلها أسماء لضحايانا بالآلاف.. ولم يعتذر منا أحد.

هناك ما يثير الاشمئزاز منا نحن:

هذه سفارة دولة تتحمل وزر ما آلت إليه أحوال الأمة في العراق.. هذه سفارة دولة تكذب على الكرة الأرضية برمتها، وتتشبث بقداسة كذبها: تحارب الإرهاب، وبن لادن حي يرزق، فيما الأفغان الأبرياء، الذين لا سماء تحميهم، ولا جدران تؤويهم، ولا أرض تطمئن الى أقدامهم يتعرضون كمدنيين، لعملية اصطياد يومية، هذه سفارة دولة ارتكبت 36 كذبة عظمى، ومئات الأكاذيب الصغرى، عندما دمرت العراق، مرة بحرب، مرة بحصار، ومرة باحتلال.. هذه سفارة دولة ترعى حصار غزة الإسرائيلي/ العربي المشترك، كما رعت حصار أبو عمار في المقاطعة، حتى الوفاة.

هناك ما يثير الشفقة علينا:

هل صرنا مهزومين الى درجة أننا بتنا نبالغ في تقدير وحب من كان له الفضل في تلقيننا حروباً وهزائم ومجازر؟ هل بلغنا عتبة الموت، موت الضمير وموت الذاكرة وموت الإرادة، طمعاً بالسلامة التي تشبه الموت الكسول؟ هل علمتنا الولايات المتحدة، أنها «شيطاننا الحارس» لنا من كل نزوة حرية أو شهوة كرامة أو رغبة استقلال أو نزق حياة؟

بالطبع، لسنا كذلك.. وإذا كنا أحيانا نتهم أنظمة عربية قامعة لشعوبها، بأنها تطيع إملاءات أميركا وشروطها الفظة، فماذا نقول عنا في لبنان، وبالكاد لدينا حكومة وازنة، أو سلطة مبوأة؟ ألا يحق لنا أن نسأل أنفسنا: أليس لبنان، بلد المقاومة المنتصرة؟ فلمَ هذا الترهل في علاقات لبنان الدبلوماسية؟ على أميركا أن تتعلم منا أن تقرع الباب وتنتظر الجواب.

إذا كان طردها جنونا سياسياً، فإن استمرار فلتان السفارة، أكثر جنوناً. فلتقم العلاقات بين الدولة اللبنانية، حاضنة المقاومة وشعبها وشهدائها وأبنائها، والدولة الأميركية العظمى (ليس عندنا) على قاعدة الأعراف البروتوكولية. فلتكن على الأقل، وبجدارة علاقات ندية، نسبياً، ولتسلك «سعادة السفيرة سيسون» خارطة الطريق الطبيعية، عبر وزارة الخارجية. ولتقفل الأبواب المشرعة أمامها، وليكف المؤمنون «بولاية الفقيه الأميركي»، عن استدعائه وتمهيد الطريق له، ليكون المرشد الأعلى للسياسات الأمنية و«الإنمائية» والانتخابية.

ثم أخيراً، هناك ما يثير القول الاستهجاني: العمى بعيونكم! ألا تعرفون أن «السياحة» الدائمة لسيسون في لبنان تهدف الى ما لم تستطعه إسرائيل في حربها، وما عجزت عنه واشنطن عبر استغلال جريمة قتل الرئيس الحريري، وهو وضع سلاح المقاومة قيد الإقامة الجبرية في موقع تحت تسميته ب«قرار السلم والحرب».

بكل احترام، مطلوب من أطراف أساسيين في الدولة اللبنانية، أن يحترموا شرائح واسعة من الشعب اللبناني... فلبنان، ليس محمية من محميات «بولتون وشركاه».

صحيح أن بولتون لم يعد في موقعه... فإلى متى تبقى مواقعه هنا في مكانها، سياسة وأمناً واستراتيجيا؟

============================

تزايد الضغط الدولي على إسرائيل، فأين العرب ؟

مسعود ضاهر

الدستور

6-3-2010

تواجه إسرائيل في المرحلة الراهنة حملة إدانة عالمية بسبب مواقفها السياسية ذات الطابع العنصري. وتخشى بعض الأوساط العقلانية فيها من تزايد الضغط الدولي الرامي إلى تجريدها من صفة الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، مما يزيد في عزلتها ويساعد على فضحها كدولة استيطانية ذات الأطماع الاستعمارية.

ومع أن صقور الحكومة الإسرائيلية يتجاهلون تلك الانتقادات المشروعة، فإن القوى العقلانية فيها تتخوف من مخاطر ساسة إسرائيليين يتحدّون يومياً الرأي العام العالمي.

وتزايد حجم التظاهرات المناهضة لممثلي إسرائيل في جامعات أجنبية، والدعوات إلى مقاطعة منتجات مصنعة في إسرائيل، ومحاولات اعتقال مسؤولين في الدولة العبرية لملاحقتهم أمام القضاء في الخارج. ونشرت مقالات سياسية وثقافية عدة تصف إسرائيل بالدولة العنصرية بامتياز، وتدعو إلى تقديمها أمام الرأي العالمي ككيان استعماري يمارس أبشع أشكال التمييز العنصري ضد الفلسطينيين.

لذلك نبه رئيس الهيئة المكلفة بشؤون هجرة يهود الشتات إلى إسرائيل إلى أن الدولة العبرية تواجه اليوم حملة عالمية ترمي إلى نزع الشرعية عنها، مما يعرض مصالح إسرائيل الاستراتيجية للخطر الشديد.

تجدر الإشارة إلى أن تقرير القاضي ريتشارد غولدستون زاد من حدة الانقسام السياسي في إسرائيل، وألحق ضرراً بالغاً بصورتها أمام الرأي العام العالمي بسبب ارتكاب بعض قادتها جرائم حرب في قطاع غزة. وأشعل التقرير معركة داخلية بين الجماعات المتصارعة على السلطة في الكيان الصهيوني. وشن مسؤولون إسرائيليون حملة عنيفة على واضع التقرير الذي أوصى بإحالة المسألة أمام المحكمة الجنائية الدولية إذا رفضت إسرائيل فتح تحقيق يتمتع بالصدقية الكافية لمحاكمة من ارتكب جرائم حرب في غزة. ودعا إلى تصحيح فوري لسياسة إسرائيل في المناطق التي تخضع لها بالقوة منذ العام 1967. فقد رفض وزير خارجية إسرائيل أية تسوية تعيد أراضي فلسطينية للفلسطينيين، أو تعيدهم إلى ديارهم. وحذرت زعيمة حزب كاديما، ليفني، من الخطر الديموغرافي الفلسطيني الذي يجعل التسوية السياسية خارج مشروع الدولتين بمثابة انتحار لأقلية يهودية في محيط عربي.

على جانب آخر، يتعاظم القلق داخل إسرائيل لقناعة متزايدة بعجز الدول الكبرى عن فرض عقوبات رادعة على إيران ومنعها من استكمال برنامجها النووي. فبادرت القوى السياسية والإعلامية والعسكرية الإسرائيلية إلى خلق لوبي ضاغط بقوة وفاعلية لإرغام الولايات المتحدة الأميركية ومعها دول الاتحاد الأوروبي على اتخاذ خطوات فورية لفرض عقوبات رادعة ضد إيران بما فيها الموافقة على الحسم العسكري بالسلاح الإسرائيلي من خلال ضربات سريعة وموجعة. وهي تخشى من أن تنتهي المماطلة في حل مسألة السلاح النووي الإيراني إلى حل وسطي تمتلك معه إيران السلاح النووي والقدرة العسكرية، والخبرة الكافية لتصنيعه، والرغبة في استخدامه.

ويشكل حل كهذا، من وجهة نظر إسرائيل، تغييراً جذرياً في ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط لأنه يلغي احتكار إسرائيل للسلاح النووي أو التهديد باستخدامه.

لكن حدة الانقسامات الداخلية في إسرائيل تشكل مصدر قلق لدى غالبية المحللين السياسيين العرب لأنها ترجح قرب انفجار الحرب في الشرق الأوسط. ومع ابتعاد فرص التسوية والسلام مع إيران، تحللت التصريحات الإسرائيلية من كل الضوابط الدبلوماسية لتهدد سوريا ولبنان وفلسطين وإيران في آن واحد.

ويرى بعض المحللين العرب القوى التي تهدد وجود إسرائيل تعتبر سبباً مبرراً لشن الحرب بهدف توحيد الجبهة الداخلية في معركة مصيرية. فعندما تزداد الأزمة السياسية داخل الكيان الصهيوني، خاصة بين الأحزاب الكبيرة، تندفع القوى المسيطرة إلى استخدام الحرب لإعادة الوحدة الداخلية بين الإسرائيليين. وغالبا ما تكون حرباً مع قوى إقليمية صغيرة، ولتحقيق أهداف محددة. فالحرب المستمرة جزء من استراتيجية إسرائيل الثابتة لحل مشكلاتها الداخلية وهي لا تحتاج إلى ذرائع.

ويبدو اليوم أن إسرائيل قررت تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط دون الحصول على ضوء أخضر من الأميركيين. لكنها تخشى تكرار الهزيمة على غرار حربها على لبنان في العام 2006، وعلى غزة في نهاية العام 2008. وهي تدرك جيدا أن إعلان الحرب على لبنان أو غزة مجدداً دون تحريك الجبهة السورية لن يصل إلى نتائج مهمة، بل سيزيد من مأزق إسرائيل. أما الحرب على إيران فتحتاج بالضرورة إلى قرار أميركي. لذلك تكتفي القيادة العسكرية الإسرائيلية بالتهويل لاختبار مدى صلابة التحالف الإيراني السوري أو قدرته على التماسك. كما أن الموقف العربي المرتقب من سيناريو إسرائيلي كهذا ما زال غير واضح لأنه يقود منطقة الشرق الأوسط إلى أزمة سياسية وعسكرية واقتصادية قد تستغرق سنوات طويلة. لكن هناك مقالات كثيرة تؤكد أن تحريك المفاوضات المتوقفة بين سوريا وإسرائيل يتطلب ضربة عسكرية محدودة الأهداف، ومحددة زمنياً، تعقبها تدخلات خارجية كثيفة لتحريك المفاوضات على جميع الجبهات.

نخلص إلى القول إن القيادة الإسرائيلية الراهنة، والمحاصرة داخليا وخارجيا، مصرة على تفجير حرب لأسباب داخلية بالدرجة الأولى. وهي لا تخشى الانتقادات الخارجية، خاصة إذا كانت الحرب مدروسة بعناية لتحريك موازين القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما أشار إليه باراك بوضوح حين قال: «إن غياب اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل، قد يشعل حربا جديدة في الشرق الأوسط».

فإسرائيل هي إسرائيل التي اعتادت على الضربات الخاطفة ضد المفاعل النووي العراقي، وما اشتبه بأنه مفاعل نووي في سوريا. وهي تحضر الآن لمعركة ضد سوريا ولبنان وفلسطين، وقد تضرب طائراتها في عمق الأراضي الإيرانية.

إسرائيل لا تخشى سوى سلاح المقاومة الذي أثبت فاعليته حين هزمت إسرائيل ثلاث مرات في السنوات العشر الماضية. لكنها تصر على تنفيذ المشروع الاستيطاني الصهيوني مستفيدة من التخاذل الرسمي العربي الذي بلغ أقصى مداه في بناء الحاجز الفولاذي بن مصر وقطاع غزة، واستمرار الصراع الفلسطيني الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، والنزاعات الداخلية في أكثر من دولة عربية.

لن توقف إسرائيل جرائمها المتواصلة في مناطق احتلالها لأن العنف الدموي ضد الآخر في صلب الأيديولوجيا الصهيونية. وهي لن تتوقف تهديداتها ضد قوى المقاومة المسلحة التي تواجه مشروعها الصهيوني في أية رقعة في العالم العربي وصولا إلى إيران. وكانت إسرائيل دوماً الطرف المعتدي، والرافض للقرارات الدولية، والمعوق لقيام السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وهي مستمرة في تهويد القدس، والاستيطان في كامل الأراضي الفلسطينية وفي الجولان المحتل. لكن الشعوب ذات الحضارة العريقة في مختلف مناطق العالم استجابت للرد على التحدي الحضاري بمواجهته بكل ما لديها من طاقات بشرية وموارد اقتصادية. فمتى يرتفع العرب إلى مستوى الرد القوي والفاعل بجميع الوسائل المتاحة وفي طليعتها المقاومة المسلحة، لمواجهة التحدي المصيري الذي يجسده المشروع الصهيوني الزاحف بين الفرات والنيل منذ قرابة قرن من الزمن؟

============================

تناقض بين البيان الوزاري وتوجهات قمة دمشق

الاندفاعة الحكومية أمام التحدي الأكبر في الحوار

روزانا بومنصف

النهار

6-3-2010

صحّحت بعض الاجراءات التي اتخذتها الحكومة هذا الاسبوع، إنْ لجهة التعيينات او انجاز التعديلات على قانون الانتخابات البلدية والاختيارية واحالته على مجلس النواب، الانطباعات أو التوقعات السائدة والمترقبة عن شلل الحكومة، بحيث بدت هذه الاجراءات على رغم المحاصصة والتسويات التي اتسمت بها مفاجئة الى حد ما لكنها أعطت دفعا لهذه الحكومة كما لرئيسها ورئيس الجمهورية على حد سواء.

ويتحدث بعض الوزراء عن نية اجراء بعض التعيينات بين جلسة واخرى ولو "بالقطارة" من أجل الافادة من الزخم وتعزيز الانطباعات عن قدرة حكومة ما سمي الوحدة الوطنية على انجاز بعض الامور. وهذه التطورات ترقى الى مستوى تجاوز القطوع الحقيقي بعدما وصلت الحكومة الى حدود خط أحمر خطير بالنسبة الى وجودها واستمرارها على حد سواء، علما انها سلطت الضوء على أمرين: أحدهما ان التصويت كان مهما من حيث الشكل وهو ضروري في ظروف معينة، وان التسويات في المحاصصة قد تساهم في ايصال اشخاص غير اكفياء وغير معروفين، لكنها ضريبة للمحاصصة الطائفية والسياسية. وثمة تحديات داخلية أخرى أمام الحكومة، من أبرزها وأكثرها إلحاحا موضوع الموازنة الذي سيحسم في نظر الكثيرين عناوين التموضع الداخلي من زاوية التعامل معها واستخدامها من الافرقاء السياسيين في 8 آذار على طريقة الضغط بضربة على الحافر واخرى على المسمار وفق ما يتوقع كثيرون.

ولذلك يُعتقد أنّ التحدي سيكون أكبر في المرحلة المقبلة امام استحقاق ما يسمى طاولة الحوار وما يمكن ان تنجزه اولاً على وقع وتيرة التجاذبات غير الخافية التي تظهر في الاداء الحكومي، وثانيا بعد انتقادات كثيرة ساقتها غالبية الافرقاء السياسيين الى تركيبتها، في حين يدور جدل مباشر ايضا حول جدول اعمالها وما اذا كانت ستقتصر على موضوع الاستراتيجية الدفاعية وبت مصير سلاح "حزب الله" ام انها ستكون مفتوحة على مجموعة من المواضيع الاخرى وفق ما يضغط البعض. في عناوين هذا التحدي المباشر وفي ظل الاعتقاد ان التوافق على موضوع مصير سلاح الحزب واخضاعه للسلطة اللبنانية من ضمن ما يسمى استراتيجية دفاعية امر صعب لاعتبارات متعددة تتخطى لبنان وقدرته، ثمة مجموعة من التساؤلات من ابرزها:

اولا، ان طاولة الحوار السابقة انتهت الى نتيجتين، احداهما القرار في شأن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات على الاقل، ومن المهم الا تنطلق طاولة الحوار الجديدة من دون ان تضع هذا القرار موضع التنفيذ، لكي يكون هناك طائل وجدية، فضلا عن الصدقية، في ما يقوم به الافرقاء السياسيون على هذه الطاولة، خصوصا ان القرار يفترض ان يكون اسهل بكل المعايير من بت مصير سلاح "حزب الله" بامتداداته الاقليمية المعروفة. والنتيجة الاخرى هي انتداب الافرقاء السياسيين على طاولة الحوار ممثلين عسكريين لهم لتقديم دراسات عن سبل اعتماد استراتيجية دفاعية من ضمنها سلاح الحزب، تردد في حينه أن اسباب ذلك تعود الى ان استراتيجية الدفاع هي من مهمة العسكريين لا السياسيين، ولم ير اللبنانيّون أي نتيجة لذلك، فيما عاد الافرقاء السياسيون الى طاولة جديدة للبحث في الاستراتيجية الدفاعية مجددا من حيث المبدأ.

ثانيا، فرضت التهديدات الاسرائيلية الاخيرة على لبنان حملة سياسية واسعة قام بها المسؤولون السياسيون من مختلف مواقعهم في الداخل مع ممثلي الدول الكبرى كما في اتصالات بعواصم دول مؤثرة صديقة من أجل تجنيب لبنان حربا اسرائيلية جديدة في ضوء تكرار رئيس الجمهورية بنوع خاص ضرورة الزام اسرائيل تنفيذ القرار 1701 والانتقال من مرحلة وقف الاعمال العدائية الى وقف للنار. وكان أبرز هذه المواقف من روسيا والفاتيكان وفرنسا، الى جانب بعض الدول العربية.

من جهة اخرى، أدرجت القمة السورية الايرانية بمشاركة الامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله لبنان في الخط الاول للمواجهة، لا بل في صراع محوري، على غير ما ورد في البيان الوزاري للحكومة وفق ما تلاه رئيس الحكومة امام مجلس النواب في 8 كانون الأول 2009، ونالت على اساسه الحكومة الثقة بغالبية غير مسبوقة من جميع الافرقاء. وقد ورد في البند السابع من البيان "ان الحكومة ستعمل على تعزيز العلاقات مع الاشقاء العرب وتمتين الاواصر التي تشدنا اليهم، وتلتزم الحكومة نهج التضامن العربي بعيدا من سياسة المحاور، حرصا على مصلحة العرب جميعا وبطبيعة الحال لمصلحة لبنان، فلا يكون ساحة لصراعات النفوذ الاقليمية والدولية (...)".

وتاليا، هل يمكن هيئة الحوار الجديدة ان تنطلق من أبسط الامور، أي التوافق على موقف يؤكد تضامن لبنان بجميع ابنائه في وجه التهديدات الاسرائيلية واستعداد الجميع للدفاع عن لبنان في حال تعرض لادنى اعتداء، وكذلك التوافق على موقف يقي لبنان الاخطار والتهديدات الاسرائيلية عبر التمسك بتنفيذ القرار 1701 بحرفيته كالتزام مبدئي، في موازاة طلب الحماية ومنع الاعتداء من الآخرين، ويقي لبنان كل الاخطار الاخرى، ايضا على خلفية ما يحصل في المنطقة ومخاوف مسؤوليه من ارتدادات ذلك عليه، انطلاقا مما ورد في البيان الوزاري على الاقل، أي التوافق على إبعاد لبنان عن كل المحاور، كيفما كانت، من ضمن التضامن العربي مع القضية الفلسطينية.

فهذا الامر الاخير مهم أيضا بالنسبة الى طاولة الحوار بصفتها ستضم المسؤولين جميعهم من كل الاتجاهات، وعلى نحو اكثر شمولا من مجلس الوزراء. وقد تركت قمة دمشق الايرانية السورية انطباعا ان لبنان بات فعلا في محور الممانعة، في حين ان البيان الوزاري ينص على ابتعاد لبنان عن سياسة المحاور. ومن المهم ان يتضح ذلك للخارج والداخل معا، لئلا يؤخذ على لبنان في وقت من الاوقات اندراجه من ضمن سياسة محورية أو صمته على ادراجه من ضمنها من دون أي رد فعل.

============================

الربيع هادئ... فهل الصيف ملتهب ؟ -2-

سركيس نعوم

النهار

6-3-2010

الجواب عن سؤال: هل تبقى حرب اسرائيل على لبنان، المرتقبة ربما، لبنانية او تتدخل فيها جهات عربية وتحديداً سوريا، هو في الواقع جواب من شقين. الاول، يتعلق بتدخل الدول العربية مجتمعة او منفردة في حرب كهذه دفاعاً عن لبنان وتنفيذاً لميثاق الدفاع العربي المشترك الموضوع على "الرف" منذ توقيعه قبل عقود. وهنا فإن الجواب سهل ومعروف وجوهره ان عملاً عربياً مشتركاً، جماعياً كان او ثنائياً او ثلاثياً او احادياً امر مستبعد لاعتبارات كثيرة. منها ان التجارب العسكرية العربية المشتركة قليلة جداً في التاريخ العربي الحديث وخصوصاً بعد قيام اسرائيل وثبوت خطرها على العالم العربي كله. والاستثناء النادر الذي تمثَّل في حرب ال1967 عندما اشتركت مصر وسوريا والاردن في حرب ثبت فيها ان سوء التقدير العربي للاوضاع وللقوى ولموازين القوى في المنطقة والعالم ومع العدو كان كبيراً. اما الاستثناء النادر الآخر الذي تمثل بحرب تشرين 1973 التي خاضتها مصر وسوريا معاً فقد اثبت ان العرب قادرون على الحرب وعلى الانتصار وان اسرائيل ليست عدوا لا يُقهر. لكنه اثبت في الوقت نفسه غياب التنسيق والصراحة بين القيادات السياسية للمحاربين الامر الذي افرغ انتصار ذلك التشرين من مضمونه، وأعاد لاسرائيل الثقة بالقوة وبالنفس بعدما كانت وشعبها على شفير الانهيار العصبي والنفسي وربما العسكري. والاستثناءان على ندرتهما لا يشجعان على توقع "نجدة" عربية للبنان وخصوصاً بعد "تصالح" بعضهم مع اسرائيل رسمياً وبعد "تصالح" بعض آخر منهم عملياً معها وبعد اعتبار بعض ثالث منهم انها لم تعد الخطر الاول عليه بعد قيام ايران الاسلامية التي احتلت المرتبة الاولى في تهديد انظمة غالبية العرب ومصالحهم والنفوذ.

اما سوريا وهي الشق الثاني في الجواب فانها تحتاج الى جواب خاص بها عن السؤال المطروح اعلاه. اولاً، كونها جارة لبنان وصاحبة نفوذ فيه وطموحات يعتبرها كثيرون من مواطنيه اطماعاً. وثانياً، كونها عاشت مع لبنان حربين شنتهما عليه اسرائيل الاولى عام 1978 والثانية عام 1982. وثالثاً، كونها عاشت مرحلة المقاومة الفلسطينية المسلحة المنطلقة من اراضي لبنان ضد اسرائيل. ورابعاً، كونها عاشت مرحلة المقاومة اللبنانية "الوطنية" ثم "الأملية" ف"الاسلامية"، وكانت الاطول بكل اخفاقاتها والنجاحات. والجواب يتضمن بوضوح وصدق جملة امور.

اولها، ان سوريا كانت ترفض ان تستدرجها اسرائيل الى حرب نظامية في زمان غير ملائم لها وكذلك في ظل اوضاع غير متكافئة عسكرياً واقليمياً ودولياً. ولذلك امتنعت اكثر من مرة عن مواجهة او بالاحرى عن مساعدة لبنان في مواجهة حرب اسرائيل المستمرة عليه.

 وثانيها، ان سوريا وبعد اتفاق فك الاشتباك مع اسرائيل عام 1974 اي بعد حرب تشرين 1973 صممت على عدم دخول حرب مباشرة مع اسرائيل تلافياً لخسائر تصيب الشعب والنظام وانتظاراً لتحقيق توازن استراتيجي عسكري وسياسي معها يمكنها من خوض معركة او حرب ناجحة معها او لها حظوظ في النجاح على الاقل.

وثالثها، ان سوريا ورغم الموقفين المشار اليهما اعلاه لم تتوان يوماً عن تقديم المساعدات السياسية والامنية والعسكرية (سلاح وذخائر) الى المقاومين اللبنانيين لاسرائيل على تنوعهم والى غير اللبنانيين منهم على تنوعهم ايضاً. ورابعها ان سوريا، لم تهرب من مواجهة اسرائيل عندما اجتاحت لبنان في حزيران 1982، ولم يكن في امكانها ان تهرب، لانها كانت فيه عسكرياً، ولأن الجيش الاسرائيلي استهدف قواتها بشراسة في مناطق عدة، وخسرت آلاف الجنود وسبعين طائرة ومئات المركبات والمدرعات كما خسرت وجوداً في لبنان عادت واستعادته بعد سنوات خمس بسبب دهاء قيادتها وغباء اللبنانيين. وخامسها حاجة اسرائيل والمجتمع الدولي الى ضابط لاوضاع لبنان "يفهم لغة ابنائه" ويستطيع تالياً حصر اذاه لكل الاطراف الاقليميين المعنيين ومنهم اسرائيل. وسادس الأمور هو ان انتصار المقاومة الاسلامية على اسرائيل (التحرير عام 2000 ومنع تحقيق اهداف حرب ال2006) ما كان يمكن ليتحقق لو لم تكن سوريا جبهة دعم خلفية لها وجبهة اسناد سياسي وجسر عبور لكل انواع الاسلحة التي تحتاج اليها والتي كان معظمها يصل الى سوريا من الجمهورية الاسلامية الايرانية.

هذا الوصف الدقيق للدور السوري "السابق" يثير سؤالاً جدياً يتعلق بالدور الذي ستقوم به في حال شنت اسرائيل حرباً جديدة على لبنان و"حزب الله" فيه تتوعده بها كل يوم. والجواب عن هذا السؤال ليس سهلاً. لكنه مكوّن بدوره من شقين. الاول، المساعدة والدعم ولكن قبل حصول الحرب. وهو ما يرجح العارفون والجهات الديبلوماسية المطلعة من اقليمية وعربية ودولية انه حاصل انطلاقاً من اقتناع سوريا وقيادة "حزب الله" ان الحرب قد تكون واسعة وبرِّية. وحرب كهذه تعني قطع طريق الشام ومنع عبور السلاح. ويفرض ذلك استقداماً ضخماً للسلاح قبل الحرب وتخزيناً له استعداداً لساعة الصفر. اما الشق الثاني فيتعلق باشتراك سوريا مباشرة في الحرب دفاعاً عن لبنان. وهذا امر لا يمكن الجزم بحصوله او بعدم حصوله. لكن الجهات الديبلوماسية المشار اليها تؤكد ان القيادة في دمشق حصلت بواسطة حليفتها تركيا على موقف اسرائيلي يشير الى ان الحرب لن تشمل سوريا اذا لم تتدخل فيها. وقد يدفع ذلك الى توقع عدم الاشتراك السوري فيها الا طبعاً اذا "خدعت" اسرائيل سوريا واستهدفتها وخصوصاً في حال تأكد لها انها سلمت "الحزب" اسلحة مؤذية وخطيرة كانت امتنعت عن تسليمها له سابقاً. او الا اذا اجرت سوريا وحليفتها ايران حسابات معينة توصلتا في نهايتها الى ان الاشتراك في الحرب بل تكبيرها سيكون في مصلحتهما ومصلحة القضايا التي عنها تدافعان.

اما في ما يختص بايران الاسلامية فان احداً لا يتوقع اقدامها على مهاجمة اسرائيل او اميركا اذا شنت الاولى حرباً على لبنان محاولة القضاء على ابنها "حزب الله". علماً ان التوقعات في هذا المجال قد لا تصح رغم براغماتية القيادة الايرانية عند الحاجة. يبقى الفلسطينيون، المقيمون في لبنان سواء داخل المخيمات او خارجها. هؤلاء قد يشاركون في شكل او في آخر، اذا سُمح لهم بذلك، علماً انهم لا يمتلكون ما يستطيعون بواسطته تغيير الموازين في ميدان القتال.

هل يعني ذلك ان الحرب حتمية من اسرائيل على لبنان؟ وهل هي في مصلحة سوريا؟ وهل ستتفرج سوريا على قيامها من دون ان تحاول تفاديها او من دون ان تشترك فيها؟

الحرب المذكورة ليست حتمية، تجيب الجهات الديبلوماسية المطلعة نفسها. لكن لا يمكن الا التحسب لها والاستعداد. وهذا ما تفعله سوريا.

والتحسب والاستعداد يعنيان محاولة وقفها من دون دفع اثمان باهظة او وضع اطار محدود لها تحول دون توسعها ولا يحوّل المنطقة كلها جحيماً ملتهباً. في اختصار لا يمكن نجاح هذا النوع من المحاولات من دون المساهمة الفاعلة لاميركا. والمعلومات المتوافرة عنها تشير الى ان رئيسها اوباما ووزيرة خارجيتها كلينتون يعرفان ان "الممانعة" السورية المستمرة و"المواجهة" السورية المستمرة لاميركا ستنتهيان او ستتوقفان وان الرئيس بشار الاسد سيتطلع بايجابية اليها في حال من اثنتين. الاولى، اذا شعر ان انفراجاً حقيقياً بين واشنطن وطهران بدأ او صار في الافق. والثانية، اذا شعر أو ربما اذا تأكد ان العمل العسكري سيبدأ اسرائيلياً سواء ضد ايران او ضد لبنان او ضد الاثنين معاً.

انطلاقاً من ذلك ترجح الجهات الديبلوماسية نفسها ان يكون الربيع المقبل هادئاً. لكنها لا تستطيع ان تقول الشيء نفسه عن اواسط الصيف الذي يليه.

============================

أزمة القروض العقارية تتفاقم

بقلم :جيسي جاكسون

البيان

6-3-2010

بينما يتحدث الاقتصاديون عن الانتعاش الوشيك، يفقد المزيد من الأميركيين بيوتهم بأعداد أكثر من أي وقت مضى.

 

لقد نجح برنامج الإغاثة المالية الفيدرالي في إنقاذ البنوك، لكنه لم يفعل الكثير لمساعدة مالكي البيوت في مواجهة انهيار قيم مساكنهم، وارتفاع تكلفة الرهن العقاري، والبطالة المتزايدة التي تجعل من المستحيل عليهم الالتزام بسداد أقساط قروضهم العقارية. وفي مختلف أنحاء أميركا، يواجه الآن مالكو البيوت من الطبقة الوسطى عموماً ومن الأميركيين الأفارقة واللاتينيين خصوصاً الذين تم استهدافهم من قبل المقرضين المفترسين، يواجهون خطر خسارة بيوتهم.

 

وإذا كانت المصارف الكبيرة في وول ستريت كبيرة لدرجة أنه لا ينبغي السماح بانهيارها، فلماذا لا نعتبر أن الطبقة الوسطى الأميركية أيضاً كبيرة لدرجة أنه لا ينبغي السماح بانهيارها، وأنها بالفعل تستحق المساعدة؟

 

الأرقام الأخيرة ترسم صورة قاتمة للمشهد. فأكثر من 9% من جميع قروض الرهن العقاري متأخرة عن الدفع الآن، أي أعلى بنسبة 8,7% مما كانت عليه قبل سنة، بحسب إحصاءات جمعية مصرفيي الرهن العقاري. كما ارتفعت أعداد القروض السكنية التي تأخر أصحابها عن السداد لفترة 90 يوماً، أو تلك التي تواجه خطر الحجز إلى مستويات قياسية. وتشير دراسة جديدة قام بها مركز التغيير الاجتماعي ومركز لارازا الوطني إلى أن 3,1 مليون عائلة لاتينية ستخسر بيوتها حتى 2012.

 

وكان الأميركيون الأفارقة على وجه التحديد هدفاً خاصاً لسماسرة القروض العقارية عالية المخاطر. ففي ولاية مساشوستس، أظهرت دراسة قام بها بنك بوسطن الاحتياطي الفيدرالي في 2007 أن نحو نصف الأميركيين الأفارقة الذي خرجوا من منازلهم أرغموا على ذلك بسب الحجز على بيوتهم من قبل البنوك المقرضة، وليس بسبب قيامهم ببيع منازلهم طوعاً.

 

ولقد ثبت بالدلائل الواضحة أن البرنامج، الذي ترعاه وزارة الخزينة لتوفير مساكن بأسعار معقولة، لم يكن كافياً بأي شكل من الأشكال. فلقد نجح البرنامج في تعديل شروط سداد نحو 200 ألف قرض عقاري بحيث يتم خفض القسط الشهري المستحق. لكن الخطة نفسها قدرت أن 3 إلى 4 ملايين من مالكي البيوت سيحصلون على إعانات مباشرة أو غير مباشرة بحلول عام 2012 عندما تنتهي فترة البرنامج. وهذا يعني أن البرنامج بصيغته الحالية مصيره الفشل.

 

ويتمثل جزء مهم من المشكلة في عدم تعاون البنوك إلا على مضض. فهي تفضل الإبقاء على القروض وكأنها تحتفظ بقيمتها الأصلية لأطول فترة ممكنة، كي لا تضطر للاعتراف بالخسائر رسمياً في دفاتر حساباتها. العوائل التي تخسر بيوتها بهذه الطريقة تعاني من الغم والحزن لدرجة تضع العلاقات الزوجية على المحك، وتوثر بشكل كبير في أداء الأطفال في المدرسة وفي صحتهم النفسية وثقتهم بأنفسهم.

 

نريد من إلإدارة الأميركية أن تكف عن رشوة البنوك لحضها على التعاون والبدء بالعمل بشكل مباشر لمساعدة مالكي البيوت المنكوبين. والعضلة الفعالة الوحيدة في برنامج أوباما وهي تخويل قضاة الإفلاس بتعديل شروط سداد القروض العقارية لمساعدة المقترضين على الاحتفاظ بمساكنهم تم إسقاطها في الكونغرس، رضوخاً للضغوط الشديدة من جانب لوبي البنوك. والآن على الإدارة أن تكثف جهودهاً للتعامل مع هذه التحديات. ويمكن للحكومة التدخل بشكل مباشر لإعادة تمويل القروض بأسعار الفائدة الفدرالية، بدلاً من السماح للبنوك بإخراج الناس من بيوتهم عنوة.

 

وكحل بديل، يمكن للحكومة استخدام صلاحياتها لشراء القروض العقارية أو الديون المتأخرة، بحيث تقوم بعد ذلك بخفض مبلغ القرض الأصلي إلى القيمة الحالية للبيت المشترى، وتمرير المبالغ الموفرة بهذه الطريقة على شكل قرض عقاري أرخص تكلفة. وبالنسبة للعاطلين عن العمل، يمكن للحكومة تقديم قرض لتغطية الأقساط المستحقة بين من يبحثون عن عمل، على أن يقوموا بسدادها لاحقاً على مدار فترة أطول.

 

وكلما ساعدنا عدداً أكبر من الناس على البقاء في مساكنهم، أسهمنا في تسريع انتعاش الاقتصاد. وهذه البرامج تحتاج إلى العضلات والإرادة الفيدرالية أكثر من حاجتها للمال، ويمكن تغطية تكلفتها بسهولة من فرض ضرائب على البنوك الكبيرة مقابل المساعدة في إنقاذها، أو بفرض ضرائب على المداخيل والمكافآت الفاحشة التي يتقاضاها الرؤساء التنفيذيين لتلك البنوك.

 

هناك شيء واحد واضح، وهو أن البنوك لن تتطوع للقيام بذلك من تلقاء نفسها، حتى وإن كان الإفلاس سيكلفها أكثر من خيار إعادة جدولة القروض العقارية. والبرنامج الفيدرالي الحالي وحده ليس كافياً. ولذلك نحتاج إلى تحرك حقيقي عاجل قبل ان تسهم أزمة الإسكان في إطلاق شرارة ركود اقتصادي ثان، وموجة ثانية من البؤس البشري.

مرشح سابق للرئاسة الأميركية

============================

الرقابة العربية وحق المعرفة

بقلم :حسين العودات

البيان

6-3-2010

تفرض الحكومات العربية جميعها الرقابة على الكتب والمطبوعات والمواقع (الإلكترونية) وعلى البريد الإلكتروني وأحياناً على الرسائل والبريد العادي بذريعة الحفاظ على (الأخلاق العامة، والأمن القومي، ومصلحة الأمة وما يشبهها) كما تزعم إدارات الرقابة العربية عند سؤالها عن أسباب الرقابة، والمدقق في أنظمة الرقابة العربية وشؤونها وشجونها يلاحظ أن مبرر الرقابة هذا شديد الغموض والإبهام وقابل للتأويل والتفسير المتعدد، إذ أن مصطلحات الأخلاق العامة والأمن القومي يصعب تعريفها بدقة أو الاتفاق على مضمونها، وغالباً لا يتفق إثنان على تحديد مصطلحها.

 

وفي هذه الحالة وبالضرورة يعود التعريف أو التوصيف إلى الرقيب الذي ينوب عن الحكومة والنظام السياسي والأمة في إقرار المنع والرفض وتولي الوصاية على حق التعبير والتواصل وعلى الحريات الشخصية والتوجهات الثقافية وتقويمها وتثمينها وبيان ضررها أو فائدتها.

 

وهكذا يصبح من حق فرد واحد أن يغلق مصادر ثقافية أو فكرية أو مواقف سياسية ويحرم الأمة بكاملها من التعرف عليها وينصّب من نفسه وصياً على الشعب ومدافعاً عن أمنه وقيمه وتقاليده، التي يصبح تأويلها من حق هذا الرقيب وحده وهو بطبيعة الحال يخطئ ويصيب، وتتدخل أفكاره ورغباته وأهواؤه ومواقفه السياسة والفكرية وعقائده في المنع أو السماح.

 

المشكلة الأخرى في نظام الرقابة العربية والتي تشكل عبئاً كبيراً على حرية التعبير، هي عدم وجود نظام رقابة مكتوب مفصل يحتوي على الممنوعات أو على النهج الذي ينبغي أن يتبع في الرقابة، وتعمل الرقابة العربية في الغالب الأعم مسترشدة بالتعليمات الشفهية، وهي تعليمات غير محددة المعالم ولا مفصلة ولا مثبتة خطياً أمام كل رقيب كمرجعية.

 

مما يتيح له المجال كي يجتهد ويعمل على هواه، وكثيراً ما يمنع رقيب نشر كتاب أو صحيفة أو إدخالهما إلى البلد المعني في ضوء استنسابه الشخصي، بينما إذا عرضا على رقيب آخر يسمح بهما لأنه استنسب ذلك، وكثيراً ما يعمد الناشرون إلى إعادة عرض الكتاب والصحيفة على الرقابة مرة أخرى أمام رقيب آخر فيسمح بهما بعد أن كانا ممنوعين.

 

منذ تفجر الاتصال قبل عقدين أصبح بإمكان المتلقي أن يصل إلى المادة الثقافية والإعلامية بالرغم من كل أنواع الرقابة المفروضة في بلده، فالشبكة الإلكترونية (الأنترنيت) والمواقع الإلكترونية العديدة والقنوات الفضائية، يمكنها أن تتيح له قراءة الصحف ومعظم الكتب والمقالات والاطلاع على الحركة الثقافية في العالم كله.

 

سواء قبلت الرقابة في بلده أم رفضت، ولم تعد لا إجراءات الرقابة ولا حجب المواقع الإلكترونية قادرة على منع المتلقي من الحصول على المعلومات السياسية أو المواد الثقافية التي يريد، وعلى ذلك فقد أصبح من غير المجدي فرض أية إجراءات رقابية مهما كانت شديدة ومتنوعة، فالعالم مفتوح أمام من يرغب بالحصول على المعلومات والمواقف والآراء والأفكار السياسية أو الثقافية أو حتى الإخبارية لأنها أصبحت مؤممة وبمتناول الجميع، ومن العبث تجاهل هذه الحقائق والاستمرار في فرض إجراءات رقابية لا جدوى منها ولا فائدة.

 

لم تعد للأنظمة السياسية أية سلطة على شعوبها في اختيار الثقافة التي تريد أو فرض الرقابة على ما لاتريد، وأصبحت وسائل الاتصال والإعلام متداولة من الجميع وخاصة منها القنوات الفضائية، مما يؤكد تهافت الإصرار على استمرار الرقابة في أي بلد ولأي موضوع. خاصة أنه تأكد من خلال الممارسة أن المادة الثقافية أو الإعلامية التي تطالها الرقابة تنتشر بسرعة أكبر وبسعة أكبر مما لو سمح بتداولها، وتصبح الرقابة في هذه الحالة وسيلة لنشر الممنوع وترويج الذي لا تريد وصوله إلى المتلقي وتؤدي مهاماً عكس المهام التي أوجدت من أجلها..

 

نصت دساتير الدول العربية (أو قوانينها الأساسية) جميعها على أن حرية التعبير وحق المعرفة مصانان ومحميان بالدستور، ولكنها جميعها أيضاً أشارت إلى أن هذه الحماية تقع في إطار القانون أو حسب القانون ولم تصدر القوانين المفسرة لهذه المادة في معظم البلدان العربية، وعلى ذلك بقيت حقوق التعبير والاتصال معلقة بحكم الواقع، والقوانين التي صدرت في بعض البلدان لتفسرها وتشرحها كبلتها وألغت مفعولها عملياً.

 

وأصبح القانون في الواقع أقوى من الدستور، وبالتالي فقد الإنسان العربي حقوقاً أساسية من حقوقه وهي حق المعرفة والتواصل والتعبير فضلاً عن الحق في الحرية، وهذه جميعها من حقوق الإنسان الأساسية التي أقرتها الأمم المتحدة وضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته عام 1948 وصدقت عليه الدول العربية، وقبلت أن تكون له الأولوية على قوانينها المحلية، لكنها لا تأخذ به في هذا الجانب على الأقل.

 

إن حرمان الإنسان العربي من هذا الحق ليس هو المشكلة الأكبر فالمسألة الأهم منه هي حرمانه من معرفة ما يجري في العالم من تيارات إعلامية وثقافية وحوار وآراء وصراعات، وبالتالي يصبح ناقص الثقافة أو مشوهها، جاهلاً بالتيارات الثقافية والمعرفية وبإنتاج الفكر الإنساني وخيارات الشعوب.

 

مما يجعله هشاً وضعيفاً أمام الاختراق الثقافي الخارجي بل وأمام ما يهدده من مخاطر العولمة والليبرالية الجديدة والآراء والأفكار والمواقف التي تتربص به والتي أصبحت جائحة لن تردها الإجراءات الرقابية بل تحتاج إلى مناعة ذاتية لا يمكن اكتسابها وتعزيزها إلا بمزيد من الحريات وخاصة حرية التعبير واحترام الحق بالمعرفة، في عصر تفجر المعلومات والاتصال.

كاتب سوري

odat-h@scs-net.org

============================

موسكو وباريس معا على الطريق

بقلم :ليونيد ألكسندروفتش

البيان

6-3-2010

لا شك أن موسكو ترى في استئناف التعاون مع فرنسا خطوة هامة تساعدها على تطبيع علاقاتها مع القارة الأوروبية، خاصة بعد الأزمة التي واجهتها هذه العلاقات خلال حرب القوقاز صيف عام 2008. ويمكن القول إن زيارة الرئيس ديمتري مدفيديف إلى العاصمة الفرنسية تأتى في إطار تقريب المواقف، وتحقيق المصالح المشتركة.

 

لقاء الرئيسين الفرنسي والروسي حقق خطوات أساسية في هذا الإطار،حيث توصل ساركوزى ومدفيديف إلى اتفاقات محددة ستمكن الأليزيه والكرملين من تحقيق نقلة نوعية في مسيرة تطوير العلاقات التجارية الاقتصادية بين البلدين، خاصة في مجالات النشاط المصرفي، والاستخدام السلمي للطاقة الذرية، والطيران، واستكشاف الفضاء.

 

ويمكن القول إن ملفات التعاون الاقتصادي أصبح لها الأولوية في العلاقات بين البلدين، وقد توسع التعاون الروسي الفرنسي في قطاع الطاقة بعد الاتفاقية التي عقدتها شركة «غاز بروم» مع شركة (EdF) الفرنسية، والتي سيحصل الشريك الفرنسي بموجبها على حصة في خط أنابيب (السيل الجنوبي) لا تقل عن 10%. كما أن الشركات الفرنسية أصبحت تشكل محوراً مهماً في قطاع صناعة السيارات الروسي. وقد حققت مبيعات «Renault» التي افتتحت عام 2005 مصنعا لتجميع سياراتها في موسكو، واستثمرت فيه 250 مليون دولار أكثر من 70 ألف سيارة سنويا.

 

وقد وقعت الشركة الفرنسية عقد شراكة مع شركة «افتوفاز» (لادا) التي تنتج 70 في المائة من السيارات المصنعة في روسيا، تحصل شركة «Renault» الفرنسية بموجبه على 25% من أسهم «افتوفاز»، على أمل أن تتعاون الشركتان على تحسين نوعية منتجات «افتوفاز» (لادا)، عبر تبادل الخبرات الصناعية والتسويقية، لزيادة إنتاجها داخل روسيا وللتصدير إلى الأسواق الخارجية.

 

ولا بد وأن يقود التعاون الاقتصادي بين البلدين إلى تقارب في الملفات السياسية، خاصة أنه لا يوجد خلافات جوهرية بين البلدين في القضايا الأساسية التي تمس الأمن الدولي. ولعل ابرز الملفات التي يسعى الكرملين للتوافق فيها مع الأليزيه التوصل إلى معاهدة إقليمية تستند إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتوضح معنى عامل القوة في العلاقات ضمن المجتمع الأوروبي الأطلسي.

 

وسيكون من الممكن في إطارها حل مسائل الأمن والمراقبة على الأسلحة في أوروبا، على أن تتضمن هذه المعاهدة آليات رقابة على التسلح والبناء العسكري ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات غير الشرعية.

 

وكان الموقف الفرنسي خلال اللقاء الأخير مخالف للموقف الأوروبي الذي عبر عنه سولانا منذ عدة شهور، إذ أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أن فرنسا تعتزم الاستمرار في التعاون مع روسيا في مسألة توقيع اتفاقية الأمن الأوروبي كشريك في هذه المسألة.

 

وهذا لا يعنى وجود توافق في المواقف بين موسكو وباريس، إلا انه يعكس رغبة فرنسية في الحوار والتفاهم. كما أن فرنسا التي سبق وعرضت تبنى مؤتمر دولي لتسوية الأزمة الشرق أوسطية، لم تمانع في التنازل عن مقترحها لصالح مؤتمر موسكو الدولي، وهو ما كشف عنه لقاء مدفيدف ساركوزى.

 

حيث وشدد الرئيس ميدفيديف في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي ساركوزي على ضرورة اتخاذ إجراءات لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط من نقطة الجمود.

 

وأكد أن هذا المؤتمر يجب أن يعقد في العاصمة الروسية، مشيراً إلى استعداد روسيا للعمل في إطار مقترحات أخرى، بما فيها المقترح الفرنسي.

 

لاشك أن النهوض بالعلاقات الروسية الفرنسية يحتاج لمزيد من الحوار والجهود، إلا أن لقاء ساركوزى مدفيديف كان خطوة هامة نحو الوصول إلى تفاهم بين البلدين على أولويات المصالح الأوروبية والعالمية.

 

إذ يدرك الكرملين أن مصالح روسيا ترتبط باستقرار علاقاته مع العواصم الأوروبية، وهو ما يجب أن تدركه أوروبا. وأن تتخلص من الأوهام التي تبثها بعض دول أوروبا الجديدة والناجمة عن ارتباطها بفلك السياسية الأمريكية.

 

أن التعاون الروسي الأوروبي يضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي ليس فقط للقارة الأوروبية وإنما أيضاً لروسيا وبلدان القوقاز ووسط آسيا،ولاشك أن تحقيق الاستقرار لهذا التكتل الدولي سينعكس وبشكل مباشر على أمن المجتمع الدولى. وسيؤدى لنقلة نوعية في مواجهة مخاطر عديدة ومتنوعة مثل الإرهاب، وسيمكن أطراف المجتمع الدولي من التخلص من تداعيات الأزمة المالية العالمية.

كاتب روسي

============================

لقاء دمشق يتدارك الحرب بالاستعداد لها

آخر تحديث:السبت ,06/03/2010

 الخليج

سليمان تقي الدين

ما يميّز منطقتنا عن سائر مناطق العالم أنها لم تعرف الاستقرار السياسي على مدى القرن الماضي . تشكلت دولها وأنظمتها من خلال عملية استعمارية مباشرة . لكن الأهم من ذلك أنها حين تخطَّت مشكلة هويتها وتكيّفت مع النظام الاقليمي الذي فرض عليها واجهت تحديات جديدة لاعادة تشكيلها من جديد . لم يتوقف المشروع الصهيوني عند انشاء الكيان في امتداد الحرب العالمية الثانية، بل هو استأنف مساره ليكون عنصراً مقرراً في محيطه في تكامل مع الدور الامريكي الذي ورث الاستعمار القديم . حين تغير النظام الدولي أول ما استهدف بناء “شرق أوسط” وصف مرَّة بالجديد ومرَّة بالكبير تحت وصاية دولية تلغي كل عناصر قوته وتقدمه وتضع اليد على موارده وثرواته وتخضعه لعملية كولونيالية جديدة . جرى تدمير العراق للقضاء على احتمالات قيام دولة قوية بقطع النظر عن ادارته السياسية . بدأت المواجهة السياسية مع ايران بقطع النظر عن اهدافها السياسية . ما يحرك السياسات الغربية هو التصدي لاحتمالات نشوء دول قوية تمسك بمقدرات أساسية تنزع الى الاستقلال بقرارها وادارة مواردها ومجتمعاتها من دون املاءات الخارج .

 

حاجة شعوب المنطقة الى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كانت دائماً موجودة وموضع بحث، لكن الغرب لم يلتفت مرَّة الى هذه الاعتبارات وهو يرسم سياساته في السيطرة على المنطقة . لم يكن الغرب يوماً يضع هذه المعايير في تعامله مع دول المنطقة والعالم . وهو لا يحدد موقفه الآن من أي دولة أو نظام استناداً لتلك القيم والمعايير . الغرب الذي رعى قيام الكيان الصهيوني وما زال يحميه إنما احتضن أسوأ نموذج للعنصرية وللاعتداء الفاضح على حقوق الشعوب والانسان وأسقط مواثيق الأمم المتحدة وثقافة حق تقرير المصير والسلم والأمن حتى آخر القائمة .

 

خرجت تركيا من النظام الشرقي وسلكت طريق العلمانية واتجهت غرباً وكافحت لتكون جزءاً من أوروبا . لم يساهم الغرب في استيعابها رغم انضمامها الى الحلف الأطلسي وتعاونها مع “إسرائيل” . لم تتحول تركيا في موقفها السياسي فقط بسبب تراثها الاسلامي . علمنة الدولة لم تلغ هويتها الثقافية والدينية . التحول في الموقف التركي يستشعر خطر تصاعد الهويات المذهبية والاثنية . ما زال مصير العراق ومستقبله قيد البحث . اذا فشلت العملية السياسية في استعادة وحدة العراق وهويته العربية الأساسية بنجاح الانتخابات الشهر الجاري، فسيكون على دول الجوار أن تدخل في لعبة اقتسام النفوذ . لكن المخاطر التي حذّر منها وزير الخارجية التركي مؤخراً هي وقوع حرب إقليمية تنشر الفوضى في أكثر من دولة وتؤدي الى انهيار منظومة السياسة والأمن فضلاً عن النتائج الكارثية الانسانية والاقتصادية .

 

في هذا السياق جاءت قمة دمشق أو لقاء دمشق لأطراف الممانعة والمقاومة، لتأكيد عدم استفراد أي طرف من الأطراف المرشحة لعمل عسكري من الكيان الصهيوني . في الواقع إن التهديدات المتوالية والمتصاعدة ليست مجرد تهديدات، إنها تترافق مع استعدادات جدية على قدم وساق ومناورات تحاكي الحروب وتتناول كل الجبهات . “إسرائيل” تسابق الزمن على خلق وقائع يصعب الارتداد عنها عبر توسيع وتعميق الاستيطان وتغيير البنية الانسانية والتاريخية بما في ذلك التراث الديني في المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي . لدى الكيان فرصة من الوقت لإعادة رسم خارطة فلسطين في غياب وحدة الموقف والانقسام ومن خلال حال السلبية العربية . هناك سيناريوهات ترسم لحل المسألة الفلسطينية على أساس تغيير الجغرافيا بالقوة أم بعروض الاستبدال . ما زال العقل الصهيوني يعتبر دولة فلسطين في الأردن رغم توقيع اتفاقية سلام، وكذلك يريد لغزّة أن تصبح جزءاً من الجغرافيا المصرية . لم يعد الجولان السوري ولا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا مواقع عسكرية فقط، بل هناك مطلب صريح يتردد عن التصرف بالثروة المائية . من اجل ذلك شهدنا حركة واسعة للاستيطان في الجولان، وتهرّب من تطبيق القرار 1701 وتسليم شبعا لسلطة الامم المتحدة . كل الدبلوماسية الدولية حذرت من أن حرباً ستقع في الربيع أو الصيف وذريعتها تعزيز قدرات المقاومة في لبنان عبر سوريا ومن ايران . لكن الملف الايراني يتجه اكثر لتجميع الموقف الدولي من اجل فرض العقوبات والحصار . كل هذا هو شكل من أشكال الأعمال الحربية . ومن البديهي القول إن الحرب تتزايد احتمالاتها ويتم التحضير لها وعندها ليس مهما من يطلق الرصاصة أو القذيفة الأولى أو يصطنع ذريعة لها . الحسابات العقلانية التي مازالت تستبعد الحرب لا تدرك حجم التطور الفاشي في عقلية قادة الكيان الصهيوني التي حذّر منها رئيس المحكمة العليا السابق . شبّه رئيس المحكمة العليا، قادة “إسرائيل” بالنموذج الهتلري الذي صعد الى السلطة بواسطة الديمقراطية لينقلب عليها وليجعل من اسطورته أو فكرته المحرضة قاعدة للعمل بقطع النظر عن الحسابات .

 

حين يسيطر العقل الفاشي على القيادة السياسية والعسكرية يعني ان المحرك الاساسي للقرارات هو الخوف او الوهم أو الاسطورة . نحن أمام قيادة صهيونية تحاول استعادة البنية الايديولوجية الصهيونية حين تأسيسها بصرف النظر عن المتغيّرات والوقائع . يتحدثون عن يهودية الدولة وعن الخطر الديمغرافي العربي وعن الطموح للعب دور “اسرائيل الكبرى” أو العظمى . تتراجع فكرة التسوية السياسية بالمطلق وتتراجع فكرة رسم حدود الدولة . ما كان مطروحاً عن حل الدولتين، لدى بعض القيادات ولدى المجتمع الدولي، يتحول الى مشروع “حل اقتصادي” لمشكلة الشعب الفلسطيني كما يطرح نتنياهو . أي التعامل مع سكان بلا هوية وطنية وبلا نظام سياسي وبلا سيادة . نحن امام مشروع عنصري شبيه بجنوب افريقيا سابقاً .

 

في احسن الاحوال تطبق “إسرائيل” نموذجها في غزّة . جغرافيا بشرية محاصرة لا سيادة لشعبها على حدودها وأمنها بما في ذلك الماء والهواء والغذاء . ما يجري على أرض الواقع هو سحب جميع المبادرات السياسية من التداول . لم تعد هناك أية افكار تطرح سوى التفاوض للتفاوض ولم نسمع المبعوث الامريكي جورج ميتشل يطرح فكرة جديدة . بل التفاوض على وقف الاستيطان وعدم تهويد المقدسات، أما قضايا الحل النهائي فلا احد يقدم تصوراً لها بالمطلق . وزيرة الخارجية الامريكية اعلنت خيبتها من تقدم الحوار . هي تدعو العرب لتقديم المزيد من التنازلات المسبقة لكنها لا تلتزم أصلاً بأية أفكار مسبقة . على ماذا يفاوض العرب بعد سحب المبادرة العربية أو تعطيلها وبعد عدم ذكر واشنطن لحل الدولتين، وبعد اسقاط الكيان الصهيوني لمبدأ التعامل مع القرارات الدولية . المنطقة أمام مأزق لا أفق فيه للتسوية السياسية، لكن الغليان مستمر والجميع يسعى في سبيل تطوير موقعه وتعزيز أوراقه . اذا صح هذا الوصف فإن تغيير هذا التوازن لا يتم إلاّ بالحرب . اذا كان من حظوظ لهذه المنطقة فقد تكون محدودة، وإلاّ فإن الحرب الاقليمية الشاملة ستغيّر وجه المنطقة لكن بالمزيد من الأثمان الباهظة، ولو ان “إسرائيل” مرشحة لدفع ثمن مقابل . قمة دمشق تركت الابواب مفتوحة امام كل الاحتمالات، فهل تنضم الدول العربية الى صف الساعين لاستبعاد الحرب بالضغط على أمريكا لانتاج مبادرة سياسية، أم سيشجع الموقف العربي بتناقضاته على اطلاق دينامية الحرب؟

============================

المفاوضات حاجة أمريكية

آخر تحديث:السبت ,06/03/2010

الخليج

عصام نعمان

المفاوضات، في الأساس، وسيلة لغاية . أما بالنسبة للولايات المتحدة فهي غاية بذاتها .

الغاية من المفاوضات، لدى الفلسطينيين وبالتالي العرب، تنفيذ القرارات الدولية القاضية بانسحاب “إسرائيل” من الأراضي التي احتلتها في حرب ،1967 وبإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة، وعودة اللاجئين إلى ديارهم والتعويض عليهم .

هذه الغاية لا توافق عليها أمريكا لأن “إسرائيل” ترفضها . لذلك تتظاهر واشنطن بأنها مع تنفيذ القرارات الدولية شرط التوافق على ذلك من خلال مفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” .

ترفض “إسرائيل” أن يكون للمفاوضات مرجعية . أي أنها ترفض تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، وتريد استمرار الاستيطان في القدس والضفة أثناء المفاوضات وبعدها، واستمرار وجودها في أغوار نهر الأردن الغربية لأسباب أمنية .

 

الفلسطينيون يرفضون هذه الشروط المسبقة ويطلبون وقف الاستيطان أثناء المفاوضات كشرط لاستئنافها . وإزاء فشل الرئيس أوباما في حمل “إسرائيل” على القبول بوقف الاستيطان، فقد اضطر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى رفض استئناف المفاوضات .

 

استفادت حركة “حماس” وسائر منظمات المقاومة وتنظيمات المعارضة في فلسطين من تعنت “إسرائيل” وإخفاق السياسة الأمريكية وفشل عباس الذي قاده إلى الاستقالة، وأخذت تحضّر لإطلاق انتفاضة ثالثة . هذا التوجّه أخاف حكومة بنيامين نتنياهو وأزعج أمريكا وأحرج حلفاء عباس من العرب . وزاد من حرج الجميع أن توقف المفاوضات جاء في لحظة تاريخية خطيرة هي انفجار الخلاف بين الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات من جهة وإيران من جهة أخرى حول برنامج طهران النووي وتصميم الأخيرة على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم في أراضيها . هذه التطورات تستوجب، في مفهوم واشنطن، التركيز على قضية إيران في هذه الآونة وتوفير تضامن دولي من حول الدول المناهضة لطموحاتها النووية بغية ردعها، واستطراداً فرض عقوبات صارمة عليها .

 

أولوية “الخطر” الإيراني تستوجب، في التكتيكات الأمريكية، تهدئة المشهد الفلسطيني وترضية العرب “المعتدلين” من حلفاء واشنطن . من أجل بلوغ هذا الغرض ابتدعت إدارة أوباما مخرج “المفاوضات غير المباشرة” بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو، وفي ظنها أن آليته تفك الإحراج عن الجميع . فلا شروط مسبقة يفرضها الجانبان بخصوص الاستيطان ومرجعية المفاوضات لأن المطلوب هو مجرد محادثات مفتوحة لتقريب وجهات النظر بين الجانبين لمدة محددة (أربعة أشهر) . بعدها يعود الجانب الفلسطيني إلى نفسه وإلى حلفائه العرب لتقرير الخطوة التالية، كما تعود “إسرائيل” إلى نفسها لتحديد موقفها مما سيصدر عن الفلسطينيين في هذا المجال .

 

المفاوضات، إذاً، هي حاجة أمريكية وإلى حد ما حاجة “إسرائيلية” انتقالية أيضاً نتجت عن تطورات استراتيجية وممارسات عدوانية حدثت في الآونة الأخيرة، أهمها:

 

* أولاً، تكامل التحالف الإقليمي، السياسي والدفاعي والاقتصادي، بين سوريا وإيران الذي تجلى في قمة دمشق بمشاركة قائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله، كما قائد “حماس” خالد مشعل . وقد فسرت “إسرائيل” مشاركة نصر الله بأنها دليل لافت على تكامل أطراف “الحلف الرباعي” من جهة وتكريس عدم قدرة “إسرائيل” على استفراد أيٍّ من أطرافه من جهة أخرى .

 

* ثانياً، ثبوت حيازة المقاومة اللبنانية أسلحة متطورة للدفاع الجوي، كما ضد الدبابات، من شأنها كسر ميزان القوى العسكري في الحرب، الأمر الذي أخاف “إسرائيل” وحملها على إيفاد وزير الحرب ايهود باراك إلى واشنطن من أجل إقناعها بالضغط على سوريا لوقف تمرير الأسلحة إلى حزب الله .

 

* ثالثاً، انتقال أهل الريف الفلسطيني في الضفة الغربية إلى تصعيد المواجهة ضد المستوطنين المغيرين على قراهم وأملاكهم وعجز حكومة نتنياهو عن ردع المستوطنين بل اضطرارها إلى تغطية اعتداءاتهم في أحيان كثيرة .

 

* رابعاً، جنوح حكومة نتنياهو إلى ممارسة المزيد من العمليات الاستفزازية المحرجة للعرب كما لإدارة أوباما: اغتيال المبحوح في دبي، وضع الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال في الخليل على لائحة التراث اليهودي، الإعلان عن بناء 600 وحدة سكنية صهيونية في القدس الشرقية، محاولة الصهاينة المتطرفين احتلال حرم المسجد الأقصى تمهيداً لاقتسامه كما حدث للحرم الإبراهيمي، وأخيراً وليس آخراً، اعتزام بلدية القدس الصهيونية هدم المزيد من المنازل العربية في محيط الحرم القدسي ولاسيما في حي البستان .

 

هذه الممارسات العدوانية الفظة أحرجت أمريكا أمام حلفائها العرب، كما أحرجت هؤلاء أمام شعوبهم عشية انعقاد القمة العربية أواخر الشهر الجاري، وأفسحت في المجال أمام العرب الممانعين ليشنوا على “المعتدلين” هجوماً معاكساً في القمة المقبلة . كل ذلك حمل واشنطن، كما حلفاءها العرب على ممارسة ضغوطٍ شديدة على محمود عباس وفريقه من أجل القبول بالمخرج المطلوب للتهدئة: إجراء مفاوضات غير مباشرة لمدة أربعة أشهر يصار بعدها إلى إعادة تقويم الموقف .

 

ما جرى، إذاً، هو التوافق بين أمريكا وحلفائها العرب على محاولة تنفيس الاحتقان والتوتر وشراء الوقت لتهدئة المشهد الفلسطيني والوضع الإقليمي على نحوٍ يمكّن واشنطن من تركيز جهودها على ما تعتبره الآن أولويتها الأساسية في المنطقة وهي مواجهة إيران السائرة بلا إبطاء على طريق استكمال قدراتها النووية .

 

يتحصّل من هذا كله أن عرب “الاعتدال” ما زالوا أسرى لعبة الأمم، وأن لا فكاك لهم من إسارها في ظل رهانهم الخائب على الولايات المتحدة .

متى التوقف عن إدمان معاقرة الوهم الأمريكي؟

============================

ماذا لو لم تكن لدينا إسرائيل؟

الجمعة, 05 مارس 2010

حسام عيتاني

الحياة

تذوق إسرائيل الآن ما خبرته الشعوب العربية منذ عقود: حكومة تختبئ وراء ذرائع التهديدات الخارجية لتبرير إمساكها بالسلطة وإهمال الضرورات الإصلاحية والتنموية.

التهرب من تحمل مسؤوليات تشمل مشكلات الموازنة وتوسيع قاعدة الحكم وإخفاق السياسة الخارجية وانعدام الرؤية المستقبلية، هي الأمراض التي شخَّصها عضوا الكنيست داليا اتزيك ورونين بار- أون في جلسة خصصت لمناقشة الوضع الحكومي لمناسبة مرور عام على تسنم «الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ اسرائيل» السلطة برئاسة بنيامين نتانياهو.

وبعد سيل الاتهامات التي كالها بار- أون لرئيس الوزراء بالضعف والتردد والاستسلام لمشاعر الذعر والسعي إلى «سرقة» نواب الأحزاب غير المشاركة في الائتلاف الحكومي، أوجزت اتزيك الحالة التي تعيشها إسرائيل بسؤال واحد: «ماذا كنا لنفعل لو لم تكن لدينا إيران؟». فهذه الأخيرة توفر، برئيسها الذي يدعو ليل نهار إلى محو الدولة العبرية عن خريطة العالم، وببرنامجها النووي الذي أقل ما يوصف فيه أنه غامض ومثير للريبة، وبتطفلها على شؤون غير دولة عربية، كل ما يشتهي نتانياهو من حجج للتهرب من العمل على علاج الأوضاع الداخلية وليس أقلها خطراً مشكلات تنامي التوترات بين المتشددين الدينيين والعلمانيين وبين الأكثرية اليهودية والأقلية العربية داخل الخط الأخضر، من ناحية، ورفض الاعتراف بالأثمان الباهظة التي تدفعها إسرائيل ثمناً لإصرارها على احتلال الضفة الغربية، من ناحية ثانية (قطاع غزة لا يزال قيد الاحتلال وفق منطق القانون الدولي الذي لا يعترف بانسحاب المحتل وتركه لفراغ في السيادة).

وإذا كان ليس لعربي تتعرض بلاده لتهديدات يومية بالتدمير ويعيش مع مواطنيه هواجس العدوان وما يحمله من قتل عميم وما قد يعقبه من تفاقم التناحر الأهلي، على ما تدل تجارب سابقة، إلى جانب التراكمات التي تعاني منها الشعوب العربية بسبب المأساة التي أنزلتها إسرائيل بالفلسطينيين، نقول انه إذا كان ليس للمواطن العربي هذا غير المقارنة بين ما يشكو منه البرلمانيون الاسرائيليون وبين ما يعيشه هو، فإنه لا مجال في المقام هذا غير الالتفات إلى تشابه ولو شكلياً وعابراً بين الشكوى الإسرائيلية والمعاناة العربية المستديمة.

وتشكل عبارة «ماذا كنا لنفعل لو لم تكن لدينا إسرائيل؟» عنواناً مناسباً لمساءلة الحكومات ومنظومة الوعي العربي السائد على السواء. ولا يتطلب استنتاج الحالة التي يعيشها المواطن العربي نظراً عميقاً في أرقام الإحصاءات المحلية والدولية عن البطالة والفقر والأمية مقابل رطانة المفاجآت الكبرى وتغيير وجه المنطقة، ليدرك كارثية المسار الموعود عربياً. نشرة أخبار واحدة تكفي.

فالسؤال الذي يتعين أن يجيب العرب عليه هو ذاك المتعلق ب «طبيعة المنطقة» التي يريدون العيش فيها في ظل الاحتلال أو بعد التخلص منه. والسؤال هذا يصبح أشد إلحاحاً إذا صدقت وعود ونبوءات محو إسرائيل وإزالتها من الوجود واقتحام الجماهير العربية للقدس على متن الحافلات المدنية، على ما رأى قائد مقاوم أخيراً. أو بكلمات أخرى: كيف سيتعايش العرب مع بعضهم غداة التحرير المأمول؟

إذا كان الجواب يذهب إلى أن حالة التنمية والحقوق المدنية والحريات العامة، ستكون بعد التحرير هي هي ما كانت عليه قبله، يتعين التساؤل عن معنى كل الصراع العربي –الإسرائيلي بالنسبة إلى الملايين العربية التي ربطت مستقبلها بتسوية الصراع تسوية عادلة. أما اذا كان الجواب ينحو صوب التفاؤل بحتمية الإصلاحات العميقة بعد التخلص من إسرائيل، فمن البداهة عندها الاستفهام عن السبب الذي يحول دونها حالياً.

============================

زيارة نجاد الى دمشق: استباق المقايضات ونسف المصالحات

الجمعة, 05 مارس 2010

بيروت – راغدة درغام

الحياة

الخوف من العزل أدى بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى لقاء الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله في دمشق الأسبوع الماضي، حيث عُقِدَت «قمة» ثلاثية كان رابعها الغائب عن «الصورة» الشهيرة حاضراً في اجتماعات استراتيجية ما سمي ب «محور المقاومة والممانعة» هو قادة الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تتخذ من دمشق مقراً سياسياً لها ومن لبنان جبهة عسكرية. محمود أحمدي نجاد ذهب الى العاصمة السورية متأبطاً رسائل عدة موجهة الى الغرب، سيما الولايات المتحدة وفرنسا، والى الشرق الذي يضغط عليه وبالذات روسيا والصين، والى منطقة الشرق الأوسط بشقها العربي وبشقها الإسرائيلي. عنوان الرسالة الرئيسي هو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تملك مفاتيح الحرب عبر لبنان، ليس فقط عبر «حزب الله» وإنما أيضاً عبر الفصائل الفلسطينية المسلحة، وأن التعهدات والتطمينات التي تقدمها أي جهة أخرى غير مجدية. الرسالة الأخرى وجهها أحمدي نجاد الى القيادة السورية بأن إعلاء أجندة الحروب هو قرار إيراني بامتياز في هذا المنعطف، سيما في زمن الغزل الغربي والشرقي مع سورية، وفي أوقات العَزْل الذي يطوق إيران والآتي حتى بصورة استفتاء أمثال هوغو شافيز عن علاقات المؤازرة التصعيدية مع إيران من أجل علاقات المصالح التي تخدمه وتخدم فنزويلا. انما بين أهم ما أراد أن ينجزه الرئيس الإيراني في دمشق هو أن يزج سورية علناً في صفوف الدول التي تقع عليها مسؤولية الحرب والمقاومة من حدودها مع إسرائيل، فأطاح كأمر واقع، ولو مرحلياً، بحرص سورية الدائم والعلني على أن المفاوضات - وليس المقاومة – هي خيارها الاستراتيجي. حرص أحمدي نجاد أيضاً في دمشق على التنبيه من مجرد التفكير بتلبية محاولات خطب ود سورية الآتية من الولايات المتحدة عبر الديبلوماسية والسفير والوعود، وتلك الآتية من أوروبا باستثمارات وتأهيل وفك عزلة كانت بالأمس القريب مرعبة لدمشق. فدمشق تكاد تكون وحدها الدولة الرئيسية التي لو لبّت رغبات فك الارتباط مع إيران لتركت إيران في حالة عزلة داكنة. أمام كل هذا، إن القيادة السورية أمام تحديات وحسابات بالغة الدقة وهي تسير على الحبال المشدودة مع كل من الغرب وإيران في علاقاتها الثنائية بكل من الأطراف وفي مناطق ساخنة أبرزها العراق وفلسطين ولبنان. وهنا الأسباب والافرازات المحتملة من استفادة وخسارة وربما مجازفات.

العلاقة الإيرانية – السورية في العراق ونحوه ليست واضحة بل إن فيها من التضارب والتداخل مع العلاقة الأميركية – السورية في العراق غموض يلفت الأنظار. فالعراق يبقى الأولوية الإقليمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية مباشرة بعد الأولوية التي لا يُعلى عليها، وهي بقاء النظام. قد يعتقد البعض أن لبنان هو ساحة التعاون أو التواصل السوري – الإيراني الأهم. لبنان مهم بالطبع في هذه العلاقة، لكن العراق اليوم يكاد يكون أهم وهو الذي يضع تلك العلاقة تحت المراقبة المتبادلة في هذه المرحلة.

يتردد أن علاقة تفاهم وتعاون الأمر الواقع بين الولايات المتحدة وإيران حول العراق أصيبت في الآونة الأخيرة بانتكاسة وأن الفتور بلغ حد اتخاذ واشنطن القرار بالعودة الى طاولة رسم السياسات، وبالذات بين كوادر قائد العمليات المركزية الجنرال ديفيد بترايوس. يتردد أيضاً أن التعاون الأميركي – السوري في العراق يزداد. يُقال إن دمشق تريد أن تمارس نفوذاً نحو العراق عبر قيادتها ل «بعث» موحد، إنما ليس واضحاً إن كان ذلك يحدث حقاً والى أية درجة وإن كان يحدث ضمن تعاون أميركي – سوري متفق عليه، وانه رسالة من دمشق الى واشنطن تتضمن شتى قدرات التأثير السوري في العراق. الواضح هو أن هناك تباعداً أميركياً – إيرانياً في العراق فيما هناك تقارب أميركي – سوري فيه. الغامض هو ما إذا كان ذلك يحدث بتفاهم إيراني – سوري يدخل في خانة توزيع الأدوار أو أنه مؤشر على نجاح تدريجي ونسبي للاستراتيجية الأوروبية – الأميركية القائمة على سلخ سورية عن إيران.

فك الارتباط بانسلاخ تام ليس وارداً لدى دمشق انما ما يحدث قد يكون تخفيضاً لدرجات الارتباط. لربما القيادة الإيرانية اشتمت الرائحة فبعثت رئيسها الى دمشق ليعلن منها رسالة إدارة الأمور من طهران وليتعمد القول أثناء لقاءات المقاومة والتصدي لإسرائيل إن العراق جزء مهم من ذلك المحور وتلك الدائرة.

ولأن العراق في نظر النظام الحالي في طهران هو «الحديقة الخلفية» له، وأنه بات، بعد حرب العراق، الإنجاز والهدية اللتين لا يمكن التخلي عنهما، فان طهران تتأهب لأية ملامح أو مؤشرات أو حتى إشاعات عن تعاون أميركي – سوري أو دور سوري ربما أتى نتيجة مصالحات عربية – عربية. ولذلك فالمعادلة بالغة الدقة للقيادة السورية وهي تسيير الحبل المشدود في العراق في علاقاتها الاستراتيجية مع إيران وفي موازين مصالحاتها العربية.

فما يشغل بال النظام في طهران لا يتوقف عند عزل شبه تام يأتي عليه في حال انسلخت دمشق عنه، وانما ما يشغله أيضاً هو نوعية المقايضات في العلاقة الأميركية السورية وفي المصالحات العربية – العربية، وبالذات السعودية – السورية. ولعل أحد ما دار في ذهن القيادة الإيرانية عندما أوفدت أحمدي نجاد الى دمشق هو استباق المقايضات ونسف بعض قواعد المصالحات.

على صعيد الفصائل الفلسطينية، وبغض النظر عما إذا كانت دعوتها الى لقاء دمشق أتت بقرار أو بإيحاء من دمشق أو طهرن، فالنتيجة هي ذاتها والرسالة واضحة، وهي أولاً إن النظام في إيران يعتبر أن إفشال جهود الرئيس الأميركي باراك أوباما لتحريك عملية السلام بشقيها الفلسطيني والسوري انما هو حجر أساس في مصلحة نظام طهران. فأي نجاح في معالجة النزاع العربي – الإسرائيلي ومعالجة القضية الفلسطينية هو فشل للأجندة الإيرانية القائمة على اختطاف «القضية» من القادة العرب لتحريض الشعوب العربية والإسلامية ضدهم، وكي تصبح ممانعة النظام في إيران شعاراً وعلماً وعنواناً للقومية والعنفوان. والمسألة لا تتعلق بفلسطين فقط، بل إن طهران تمانع في صنع السلام بين سورية وإسرائيل حتى وإن أدى الى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان.

ثانياً، أرادت طهران أن تصبح وكيلاً بديلاً للفصائل الفلسطينية بما فيها تلك التابعة لدمشق، وذلك إضعافاً للأوراق السورية في المقايضات مع الولايات المتحدة، وتقوية للأوراق الإيرانية في لبنان. ولذلك حرص القائد الحقيقي في إيران آية الله علي خامنئي على استقبال قادة «حماس» وفصائل فلسطينية مباشرة بعد لقاء دمشق الذي ضم قيادات فلسطينية عسكرية متحالفة مع دمشق تعمل في لبنان. وللتأكيد، ليس القصد القول إن قيادة «حماس» في الخارج قررت الانسلاخ عن دمشق، إلا أنها تلعب الأوراق السياسية والمالية معاً، فتتحرك هي بدورها على الحبال المشدودة في العلاقتين.

القيادة السورية أثبتت انها تتقن الحنكة الديبلوماسية ولعب الأوراق بحذاقة، إلا أنها سبق وارتكبت أخطاء بسبب الإفراط في الثقة أبعدتها عن الحسابات الصحيحة. انها شديدة الحذر والدقة والحنكة عندما يتعلق الأمر بعلاقاتها مع إيران وبطرق تلاعبها بالأوراق الفلسطينية وبوسائل صنع دور جديد لها في العراق، لكنها في خطر تكرار ما فعلته في لبنان لربما لأنها لم تتأقلم بعد مع علاقتها الجديدة به.

فالواقع الجديد للعلاقة اللبنانية – السورية الرسمية المبنية على مبدأ الدولتين المستقلتين ذات السيادة المتوازية أُصيب بطعنة في محاولة لإجهاض مفهوم سيادة الدولة اللبنانية والعلاقة المقننة بين المؤسسات الحكومية السورية واللبنانية الذي أسفرت عنه زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الى دمشق قبل أقل من شهرين. انه رسالة طعن برئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية اللبنانية لأن فحوى رسالته هو: نحن فوقكم. وهذا باختصار تدخل مباشر من قبل سورية وإيران في الشؤون الداخلية اللبنانية حتى وإن كان اللقاء بوجود السيد حسن نصر الله، لأن «حزب الله» جزء من الحكومة وليس الحكومة والدولة بمجملها.

لعل دمشق لم تتعمد تفريغ مفهوم توطيد أواصر علاقة الدولتين انما هناك إحساس لدى الرأي العام بأنها إما كانت منذ البداية غير جدية في توطيد تلك العلاقة المؤسساتية الجديدة نوعياً، أو انها بدّلت رأيها لأسباب تخصها، أو انها اتخذت مبدأ «خذ وطالب» وعادت بسرعة الى عاداتها القديمة بعدما حققت لها زيارة الحريري ما أرادت. ردود فعلها على ما قاله الحريري للصحيفة الإيطالية «كورييري دي لاسيرا» لم يأتِ احتجاجاً على فحوى ما قاله بقدر ما أتى استباقاً واحتواءً لتطبيق مفهوم الدولتين المستقلتين وتشوقاً لإحياء أنماط التبعية التي بموجبها تحكمت سورية سابقاً بلبنان. وهذا ليس في مصلحة سورية ولا لبنان ولا هو ذو فائدة للقيادة السورية في هذه المرحلة الانتقالية المهمة لها.

فلا حاجة بها الى خسارة ما استثمرته أوروبياً وأميركياً لتتموضع وتتخذ موقعها الحالي في منطقة الشرق الأوسط، عبر تركيا أو عبر إيران، أو باستقلالية عن أي منهما. ثم إن إفساد ما تم إصلاحه من علاقات إقليمية من خلال توجيه صفعة لسيادة واستقلال الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية ليس استثماراً صالحاً بعيد المدى لسورية أو للبنان أو للمصالح العربية. لا حاجة لدمشق أن تبدو كأنها مساهمة في تعطيل الاستقرار في لبنان، أو في تحييد الحكومة والدولة، أو في إعطاء طهران أدوات السيطرة على لبنان، أو في توفير الذخيرة لإسرائيل كي تسرع الى الاعتداء على لبنان وربما أيضاً على سورية.

حذاقة لعب الأوراق شيء والمجازفة بقراءة خاطئة للمعطيات الدولية شيء آخر. وهذا يُطبق على جميع اللاعبين في «محور الممانعة»، سيما أن إسرائيل هي شبه عضو فخري في هذا المحور، لأنها المستفيدة من التعنت ولأنها تترقب الأخطاء لكي تقفز الى حروب تخدم مآربها.

تحفظ سورية عن تأييد مجلس وزراء الخارجية العرب مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل قبل يومين ليس تحفظاً على المفاوضات غير المباشرة ولا على مبدأ التفاوض. قد يكون التحفظ لأسباب تتعلق بالمفاوضات السورية – الإسرائيلية أو قد تكون له علاقة مباشرة باجتماع دمشق وما ينتج منه من قرار أو من إيحاء أو من صورة. إنما في نهاية المطاف إن دمشق لن تدق طبول الحرب ولن تقودها ضد إسرائيل. فهي تفهم تماماً أن إيران لن تقود حرباً مع إسرائيل كطرف مباشر فيها، وتدرك أن العرب لن يتخذوا قراراً جماعياً بالحرب مع إسرائيل. وعليه، لن تقدم القيادة السورية حدودها جبهة للحروب وللمقاومة وذلك لأنها تفهم مصلحتها ومصالح بلادها.

============================

القمّة العربية بين الصداع والتصدّع؟

المستقبل - السبت 6 آذار 2010

العدد 3586 - رأي و فكر - صفحة 19

ممدوح الشيخ

منذ أن بدأت انعقادها الدوري قبل سنوات، لم تتحول القمة العربية إلى مناسبة للتفاؤل وتوقع الأفضل، بل إنها كمؤسسة لم تنجح بعد في إرساء تقاليد سياسية تمنع العواصف السنوية التي أصبحت تسبقها دائما. وليست المشكلة في تعارض الأجندات، ففي كل تجارب العمل الجماعي المماثلة هناك أجندات متعددة، لكن المشكلة هي في تعدد المعايير، وهو ما كشفت عنه أزمة القمة الطارئة بالدوحة (2009) التي شهدت جدلا حول مشروعية انعقادها ومشروعية تمثيل أطراف عربية ومشروعية حضور أطراف غير عربية.

وقد كان من الأشياء التي بقيت محفورة في ذاكرتي من علاقة طيبة بالمفكر القومي الراحل المعروف الدكتور أحمد صدقي الدجاني أنه كان شديد الاهتمام بالعلاقة بين الأمة العربية وما كان يسميه: "الأطراف" و"التخوم" وكان يعني بذلك القوى الإقليمية المهمة المحيطة بالعالم العربي (تركيا - إيران إثيوبيا دول جنوب أوروبا) وجميعها ربطت الجغرافيا بيننا وبينها برباط يفرض الحوار والتعاون وبناء الجسور، وقد توفي الدكتور الدجاني قبل أن يرى بعينيه العالم العربي وقد أصبح في أمس الحاجة إلى بناء الجسور.. في الداخل!

ويشكل الجدل الدائر حول التمثيل الفلسطيني مثالا لما آلت إليه قضية المشروعية في العالم العربي، ليس فقط من زاوية ازدواجية التمثيل بين حكومة غزة وسلطة الضفة، بل من زاوية الازدواج الذي ستزداد تأثيراته السلبية مستقبلا، بين مناضلين يكتسبون المشروعية أولا وأخيرا من المقاومة وبالتالي فإن مشروعيتهم "قيمية"، وبين من يحوزون مشروعية "إجرائية" عبر صناديق الانتخابات.

وإلى جانب إشكالية التعارض بين المشروعية الإجرائية والقيمية هناك التصاعد الكبير لقضية "الهوية"، التي تكاد تتحول إلى ساحة صراع. وقد أثارت كلمة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في إحدى القمم العربية مؤخرا ردود فعل غاضبة داخل العراق، بسبب الجدل حول مدى تعبير عباراته عن هوية "العراق الجديد". وقد حدث هذا الجدل رغم أن الأكراد نجحوا بعد فوزهم بمنصب رئيس الدولة في عراق ما بعد صدام في تحقيق توازن حقيقي بين هويتهم الخاصة وبين البعد العربي في هوية العراق.

ومن العراق إلى السودان تظل الأسئلة نفسها، فربما انعقدت القمة العربية القادمة في 2011 وخريطة السودان مختلفة تماما، وربما انعقدت هذه القمة والسودان يحكمها رئيس جنوبي له هوية ثقافية وسياسية مغايرة تماما للهوية العربية. ولا يعني هذا اتهاما من أي نوع للكرد أو الأفارقة، لكنه تحد جديد يمكن أن يضاف لتحديات تواجه العمل العربي، وهو لم ينجح حتى الآن في مواجهة تحديات أقل حدة وتعقيدا.

والقمة العربية منذ تقرر انعقادها دوريا، وهي لا تكاد تمر دون عواصف من هذا النوع، وهذا الانشغال بالإجراءات والمشروعية مؤشر على افتقار المشروع الإقليمي العربي إلى إطار لبناء مصالح مشتركة، فهذا أحد أهم عوامل تقليص مساحة التدافع في عالم "الرموز". والتجربة الأوروبية في العمل المشترك في مسيرتها التي لا يجادل أحد في أن ثمرتها رائعة، بدأت بين دول كانت قبل عامين فقط من العمل الجماعي أطرافا في حرب هي الأقسى في التاريخ، الحرب العالمية الثانية.

وقد شكل المحور الفرنسي الألماني قاطرة هذا المشروع الكبير رغم أن ألمانيا كانت للتو احتلت فرنسا وانسحبت منها مهزومة، وكان لدى كليهما من الاستعداد للتعالي على الجراح سريعا ما جعلهما يدشنان أولى خطوات البيت الأوروبي عام 1947.

وخلال خمسة عقود كانت النواة تتضخم، لا بسبب المشاعر الطيبة وهي دون شك ثروة يجب تثمينها بل اعتمادا على رؤية للمصالح الوطنية والمصلحة الجماعية حتمت على الجميع طي صفحات من الماضي شديدة السواد للبدء فوراً في بناء أوروبا الموحدة. وقد بنيت أوروبا الموحدة على أكتاف شعوب ليس بينهم الحد الأدنى من "المؤهلات الكلاسيكية" للوحدة التي طالما رددناها، فهم يتكلمون أكثر من 20 لغة، وينتمون لأعراق عديدة، وتاريخهم المشترك كان دائما عبئا لا حافزا، لكن القناعة بأن الوحدة "مصلحة جماعية" استطاعت مواجهة كل الأحقاد الموروثة والعقبات الواقعية.

ومع اقتراب انعقاد القمة، فإن المقلق ليس وجود الخلافات التي سبقت الإشارة إليها، بل الحجم الذي تشغله من اهتمام العالم العربي بحيث أصبحت الفترة التي تسبق انعقاد القمة العربية موسما سنويا ل "الصداع السياسي"، وما يضاعف خطورة ما يحدث أن الصداع أصبح يشغلنا عن "التصدّع" الكبير الذي تشهده الخريطة العربية.

فوحدة الدولة تعاني في أماكن متعددة من الخارطة العربية ضغوطا حقيقية، فهي أصبحت شيئا من الماضي في الصومال، وهي مهددة في اليمن، وتمر باختبار عسير في السودان، وتواجهها تحديات جادة في العراق. وإذا كان غياب الدولة في الصومال قد تسبب بأزمة دولية كبيرة هي أزمة القرصنة، فإن السنوات القليلة القادمة يمكن أن تشهد ميلاد أزمات عربية أخرى لا تقل تداعياتها خطورة. وكما أن الأطراف الأسرع تحركا والأكثر تأثيرا في أزمة القرصنة لم تكن عربية رغم أن الصومال في النهاية دولة عربية، ورغم أن الممر الملاحي الذي هددته الأزمة يمثل شريانا رئيسا لتجارة عدد من الدول العربية، ...إلى آخر الاعتبارات التي كانت توجب أن يكون التحرك العربي أسبق من تحرك أي طرف آخر. أما في السودان، فكان الدور الأفريقي أكثر حضورا ونضوجا من الدور العربي.

فإلى متى يشغلنا "الصداع" عن "التصدّع"؟.

================================

اعطوا عباس الغطاء

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

6-3-2010

كل من شاهد البخار المتصاعد في الجدل بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم والأمين العام للجامعة العربية في اجتماع وزراء الخارجية العرب، يدرك أن القضية كبيرة ومهمة.

الدكتور عمرو موسى يريد موافقة الوزراء العرب على تفويض السلطة الفلسطينية إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، والوزير السوري يعترض بحجة أن ليس للجنة الوزارية، أو الوزراء الجالسين، علاقة بذلك وإنه شأن فلسطيني.

فعلا، نظاميا هو على حق، لأن عشرات المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم يستأذن أحد بإجرائها، فكيف عندما تكون مفاوضات غير مباشرة؟

الحقيقة أن السلطة الفلسطينية ارتكبت خطأ كبيرا قبل سنة عندما أعلنت على الملأ أنها لكي تفاوض إسرائيل، فعليها أن توقف الاستيطان، ووافقتها الإدارة الأميركية التي لم تستطع وقف الاستيطان تماما. هذا الاشتراط خدم الإسرائيليين المتطرفين، لأنهم لا يريدون مفاوضات، وفشل الرئيس الأميركي المتحمس باراك أوباما، وتنفس الصعداء رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، فوقف التفاوض واستمر الاستيطان.

من قبيل الحياء وستر الفضيحة أرادت القيادة الفلسطينية غطاء للتراجع والتفاوض، فطلبت إذن الجامعة العربية وأصرت على جلوس الأميركيين معها في غرفة التفاوض، وبالتالي تكون قد حققت أمرين: الأول أنها تفاوض بموافقة الدول العربية، والثاني أنها لم تمارس التفاوض مباشرة.

البحث عن بطانية عربية عادة فلسطينية منذ أيام الراحل الرئيس ياسر عرفات، تعلمها من اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي اغتيل رغم انه مارس حقه كرئيس دولة ذات سيادة. وحتى عندما حصل عرفات على معظم مطالبه في مفاوضات عام 2000، مع باراك وكلينتون، إلا انه انسحب في اللحظة الأخيرة لأن كل الدول العربية الرئيسية تحاشت أن تمنحه الغطاء وقيل له اذهب وفاوض أنت لوحدك. ففضل عرفات خسارة إقامة الدولة الفلسطينية على المخاطرة.

الوزراء العرب مشكورين منحوا الرئيس محمود عباس الغطاء، فعلوها على عجل، وتمتم موسى بهذا التنازل قائلا: هذه آخر مرة ستكون هناك مفاوضات.

ومع معرفتنا للوضع السياسي الصعب الذي يواجه السلطة الفلسطينية إلا أن عليها أن تعرف أن أي تفاوض يتطلب تنازلات، وسيعني أن عليها أن تواجه جمهورا غاضبا لاحقا، وستواجه أطرافا عربية معادية تحرض عليها. وسيواجه رئيس وزراء إسرائيل كذلك المشكلة نفسها، حيث ستعارض الصلح شريحة من المتطرفين اليهود، وسيحرضون ضده، ولا تزال ذكرى اغتيال إسحق رابين ماثلة في الذهنية الإسرائيلية. لكن الواجب القيادي والسياسي يفرض على الرئيس الفلسطيني ألا يضع في حسبانه إلا أمرا واحدا هو خدمة شعبه، بغض النظر عما يقوله بعض العرب أو الفلسطينيين. الثقل على كاهل الرئيس عباس كبير جدا، إنما هذه هي واجباته القيادية، أن يفعل ما يعتقد انه في مصلحة فلسطين أو عليه أن يتنحى. والرئيس عباس يقف أمام أفضل فرصة لم تحصل في زمن كل الرؤساء الأميركيين منذ عهد جيمي كارتر، ورغم صعوبة الموقف إلا أنه أهون مما واجهه سلفه الرئيس عرفات. أوباما تعهد برعاية مفاوضات لا تتعدى عامين يعلن في نهايتها إقامة الدولة الفلسطينية، والأوروبيون تعهدوا بإعلان دولة فلسطينية من على منبر مجلس الأمن لو عطلت إسرائيل الحل السلمي.

alrashed@asharqalawsat.com

================================

التحليل السَّيال

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة

المصدر : الإسلام اليوم

السبت 20 ربيع الأول 1431

الموافق 06 مارس 2010

كان أحدُهم يتحدّث بلهجة الواثق, عن خطّة مرسومة محكمة بشأن ما ، ويستشهد بأقوال المختصين ، ثم يعزّز قوله بأدلة تاريخية ، وشواهد واقعية ، وأمثال مضروبة؛ ليخلص إلى أن الأمر جدّ لا هزل فيه ، وأن المماراة في مصداقية ما يقول ليست سوى ضرب من الخبال والجهالة والسّذاجة، أو نوع من التواطؤ مع المتآمر ، مقصوداً كان هذا التواطؤ أو غير مقصود.

وبعد سنوات؛ تمحّض الواقع المشهود بالعيان عن صورة مختلفة كثيراً عما كان يبشّر به أو يتوعّد به ، وفي مجلس مماثل كان الرجل ذاته يتحدث ؛ فبادره أحدهم قائلاً : أين ما كنت تؤكده بشأن الحدث السابق، وتقطع بأنه كان ضمن خطة ذات إطار سياسي وعسكري ؛ توفرت له كافة الإمكانات والوسائل، ولا يوجد ما يعارضه أو يقاومه .. وها نحن نشهد وضعاً مغايراً للصورة التي كنتَ ترسمها؟!

 

بمقدور صاحب التحليل أن يقول إن ما كنتُ أتحدث به ليس سوى ظنّ ، والظنّ يخطئ ويصيب، والتحليل يقرب ويبعد، وقد يلتمس له العذر أن يقول: ظنّي خير من يقين غيري، مع أن هذا ليس بمسلم.

وباب التوقّعات المستقبلية في السياسة أو الاقتصاد أو سواهما هو تخمين وحدس، مثل الكلام في الأرصاد، بل هو دونه، وأقوال المحللين تتضارب وتتقاطع في الأعم الأغلب.

بيد أن صاحبنا ظلّ متمسّكاً برأيه، مصرّاً على أن كل حرف قاله كان صواباً ودقيقاً، وأنه لم يكن يرجم بالغيب ..

ما الذي جرى إذاً ؟

أفاد بأن الذي حدث هو أن الخطة المرسومة لم يتحقق لها النجاح لأسباب كثيرة منها ...

وهنا نقض الرجل كلامه من حيث لا يدري، لأن تحليل ما سيقع في المستقبل لا يفترض فيه تجاهل المعوقات والممانعات المناقضة؛ فما يجري إذاً هو مزيج من الإرادات المتعارضة للبشر ، وهو قطعاً إرادة الله العظيم الذي لا يقع شيء إلا بإذنه، ولكنه شاء أن يبلو بعضهم ببعض، ويدفع بعضهم ببعض، ..

والزعم بالاطّلاع على تفصيلات الخطط لا يخلو من ادّعاء، وإنكار المؤامرة جهالة والوقوع في أسرها قدح في الوحدانية.

المؤامرة جزء محدود في عالم مليء بالمختلفات والدوافع المتباينة التي سماها الله : ( دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) وسماها في موضع آخر بسياق آخر (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) وليس معنى " سُخْرِيًّا " هنا مجرد العبودية أو التسلط, بل قد يكون الطرف الواحد يسخّر غيره في شيء معين ودائرة محددة, ويكون هو بدوره مسخّراً من قبل طرف آخر في موضوع مختلف ودائرة أخرى .. في تسلسل كوني عجيب, تحدث عنه الأعشى في موضوع العلاقات بطريقة ساخرة ؛ فقال عن محبوبته:

عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ

والحالة أن بعض المحللين يقف عند سبب واحد حول قضية كبيرة؛ فيجعله هو كل ما في الأمر ويرتاح.

والغالب أن المتنفّذين يشجّعون التحليلات التي تمنحهم قوة إضافية؛ لأنها تعطيهم بعداً في النفوس وسطوة على العقول، وهم لا يصنعون الأحداث، ولكنهم يستغلونها ويشجعونها، أو يثبطونها حسب هواهم.

وفي مناسبات عدة؛ أجدني شخصياً في فعل اقتضته المصادفة البحتة , والمصادفة هنا لفظ صحيح لغة وشرعاً، وليس معناه نفي القدر لكن نفي التخطيط البشري، وقد جاء هذا اللفظ في السنة النبوية من حديث لقيط بن صبرة قال: (قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ) رواه أبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي .

 

المهم ؛ أنت تجد نفسك في فعل غير مقصود, وتحدث نفسك أن الكثيرين لو رأوه لما كان لاحتمال المصادفة عندهم مجال، ولا كانوا يمنحونها نسبة ولو ضئيلة من الاحتمال، ولجزموا بأن الأمر مرتّب، وبنوا عليه نتائجه التي قد تكون إيجابية، تعبّر عن رشد وسداد وسبق لست له بأهل ، أو سلبية تعبر عن شك وريبة وتساؤل , لست له بأهل أيضا !

وحقيقة الأمر أنه "عفو" محض.

وهذا الوعي بفعل الذات والنفس وما يقع لها من المصادفة والعفوية التي لا يحتمل التحليل لها إلا ربطها بالقصد المسبق؛ يعطي المرء درساً في أفعال الآخرين ؛ بأن منها ما يجري على العفوية والتأتي القدري المنبثق عن مجموعة أسباب متعارضة أو متناقضة، ومنها ما يجري على تخطيط طرف أو أطراف متفقة، ومنها ما يجري خلاف إرادة اللاعبين جميعاً.

تقول هذا في أحداث السياسة كما في العراق مثلاً، فلا إرادة الولايات المتحدة تحققت بحذافيرها، وإن كانت توصلت للعديد من أهدافها، ولا إرادة الحكومة السابقة ومن يستظل بظلها مضت ، ولا إرادة الأطراف المعارضة، ولا القبائل، ولا الدول المجاورة ..

 

تمضي إرادة العزيز الحكيم الفعّال لما يريد، وَلِحِكَمٍ يعجز الناس عن تقديرها، وفيها العدل الرباني الذي يمنح من يعمل ويدأب ويخطط على المدى الطويل بوعي وروح جماعية، ويقرأ الأحداث والأوضاع قراءة أقرب إلى الصواب .. فيستحق من التفوق واستثمار الظروف أكثر من غيره، بمعزل عن صواب رسالته وخطئها، على أنه لم يحقق أهدافه ولا أمضى خططه، والقول بأنه رسم ثم نفذ فيه غفلة كبيرة عن تحولات الواقع، وعن مجريات السنن الإلهية، وفيه تثبيط للهمم.

في كل تلك الظروف والأحداث الملتهبة ، والصراعات والنزاعات؛ يقفز إلى الذهن ذلك التعبير الرباني البديع (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) وفي الآية الأخرى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ) (البقرة : 251) * فتخطيء التحليلات، بيد أن سنة التسخير والتدافع تبقى قانوناً لا يحيد ولا يخطئ.

=============================

تشيلي وهايتي: نظرة على الزلازل والسياسات

آن أبلباوم

الشرق الاوسط

6-3-2010

القول بأن العاصمة سانتياغو أفضل حالا اليوم من بورت أوبرنس لن يواسي الشعب التشيلي في محنته، فهو لن يبني منازلهم التي دمرت، أو يرد لهم قتلاهم، ولن يعيد لهم بناء مطارهم الذي دمر، أو يقيم المستشفيات الميدانية ويزودهم بإمدادات الطوارئ الضرورية للحيلولة دون ارتفاع أعداد القتلى، وقد يعمل على تثبيط المؤسسات الخيرية حول العالم.

بيد أن المقارنة بين الزلزالين، اللذين ضربا عاصمتين من أميركا اللاتينية في وقت متقارب، لا يمكن تجنبها. وفي كلتا الدولتين تُرك القادة السياسيون يصارعون لاستخدام الألفاظ التي تعبر عن حجم المأساة. فالرئيس التشيلي، مايكل باتشيليتي، على سبيل المثال، وصف الزلزال بأنه «حالة طارئة لم تشهد البلاد مثيلا لها في تاريخها». أما الرئيس الهايتي رينيه بريفال، فقارن بين الزلزال و«الدمار الذي يمكن أن تشهده إذا ما قصفت دولتك 15 يوما متتاليا».

لكن التأثير على السكان لن يكون مماثلا. فدائما ما تقع الزلازل بصورة مفاجئة، ومن ثم فهي دائما نتيجة الحظ السيئ في اليانصيب الجيولوجي، كما كتب زميلي ديفيد إغناتيوس في «الواشنطن بوست» في يناير (كانون الثاني).

بيد أن كلا من التأثيرات القصيرة والطويلة المدى للزلزال - مدى الدمار الذي تحدثه والسرعة التي يعيد بها السكان تنظيم أنفسهم وإعادة البناء - لا ترتبط بالحظ. فمن درسوا المجاعات قالوا إن المجاعات ناجمة عن السياسات والاقتصاديات السيئة إلى جانب الطقس السيئ. الغذاء متوافر دائما في مكان ما، لذا إذا لم تمتلك دولة حاجتها من الغذاء، فلابد وأن هناك تفسيرا غير «كان الصيف الماضي حارا جدا».

قدرة المجتمع على التعافي من كارثة طبيعية هي انعكاس لثقافتها الاقتصادية والسياسية. سيكون هناك الكثير من السلب والنهب في تشيلي هذا الأسبوع لأن المواطنين بدأوا يناضلون من أجل الحياة بين الأنقاض، لكن الجيش التشيلي والشرطة، لا قوات المارينز الأميركية، سيسيطران على الموقف. وستنهار العمارات السكنية الضعيفة على نحو مفاجئ، لكن سيكون هناك مفتشون للمساعدة في تقييم تلك البنايات التي قد تكون آمنة.

كانت القوانين التي طبقتها تشيلي في مجال الإسكان، قبل الزلزال، تلزم مقاولي البناء في كل المباني الجديدة بالالتزام بمعايير مقاومة الزلازل. ولم تكن كل البنايات مطابقة للمواصفات، لكن الكثير منها كان كذلك. ونتيجة لذلك سيحصل سكان البنايات التي لم تلتزم بالمعايير على حقوقهم مرة أخرى. فيشير أحد التقارير إلى أن سكان إحدى البنايات الجديدة التي انهارت في مدينة كونسبكيون قاموا بمقاضاة شركات البناء. والحقيقة أن مناقشة هذا الخيار تشير إلى أن مالكي هذه الشقق يوقنون بأن لديهم نظاما قضائيا فاعلا، قادرا على إجبار المقاولين على دفع تعويضات، وأنظمة بناء تحترم بشكل عام. لكن هايتي لا تملك أيا مما سبق.

على الرغم من أن ذكر هذه الأشياء في الوقت الحالي ليس من اللباقة، لكن تشيلي تقف على طرف نقيض مع هايتي، وتحولت إلى ديمقراطية ناهضة. ففي الانتخابات الأخيرة خسر حزب يسار الوسط الانتخابات لصالح يمين الوسط المعارض للمرة الأولى خلال عقدين. ويتوقع أن تنتقل السلطة دون حوادث عندما يتسلم الرئيس الجديد سباستيان بينيرا منصبه الأسبوع القادم. وعلى الرغم من كون بينيرا مليارديرا، فإنه وجه حملته تلقاء أصحاب المشروعات الصغيرة الذين وعدهم ببيع بعض من أصول شركاته لمنع أي تعارض للمصالح، وعين مجلسا للوزراء ضم عددا من الوزراء المستقلين، بل إن بعضهم كان من يسار الوسط.

بطبيعة الحال، لن نعرف كيف سيكون الرئيس بينيرا، لكن انتخابه معناه قبوله لدى الملايين من التشيليين، وليس لأنه ثري أو لتجاوزه الخلافات الحزبية.

في أعقاب هذه الكوارث الطبيعية ما يهم هو أن إطلاق لفظة ديمقراطية على تشيلي يعني أنها دولة يضع فيها السياسيون مخاوف الناخبين في حسبانهم. يجب أن تعكس الاستجابة لزلزال تشيلي نفس قيم نظام المعاشات الشهير (الذي ابتكره خوزيه بينيرا شقيق الرئيس المنتخب) الذي يقصد من ورائه ضمان تقاعد لائق للعمال العاديين. وخلال الشهور القادمة ربما لا تتمكن الدولة من مساعدة الفقراء الذين عانوا، لكنها لن تتمكن من تجاهلهم إلى ما لا نهاية.

الكوارث لا منطق لها، ولا أهمية سياسية، لكن عملية الانتعاشة التي تتبع الكارثة ذات أثر سياسي أعمق. وعلى الرغم من الزلزال وتوابعه القوية فإن تشيلي ستعود إلى طبيعتها أسرع من تشيلي، فلا شيء يمكن للحظ أن يلعبه هنا.

* خدمة «واشنطن بوست»

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ