ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 02/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ثلاثة اربعة للحرب

تسفي بارئيل

هآرتس 28/2/2010

القدس العربي 3/1/2010

أربع مرات زار محمود احمدي نجاد سورية، مرتان منها في السنة الاخيرة. وأربع مرات زار بشار الاسد طهران منذ ولي أحمدي نجاد السلطة في 2005. اذا كانت الزيارات المتبادلة بين رئيسي ايران وسورية سببا للذعر فانه يحسن الاطمئنان لان التوازن بينهما محفوظ جيدا. كذلك زار خالد مشعل ايران مرات كثيرة، كانت آخرها في كانون الاول (ديسمبر)، بحيث ان مجرد وجود اللقاء في الاسبوع الماضي بينه وبين احمدي نجاد لم يكن شاذا. اذا كانت سورية وايران وحزب الله وحماس تعد لحرب على اسرائيل فانها لا تحتاج الى لقاءات استعراضية، لكن لماذا لا نذعر اذا أمكن، ولماذا لا نرى كل لقاء كهذا تهديدا؟

'رياح حرب' هو العنوان الذي صحب في اسرائيل هذه اللقاءات في وسائل الاعلام. ليس مهما ان التقدير الاستخباري في الجيش الاسرائيلي يقول انه لا استعداد للحرب. يكفي ان يأتي المنطقة رئيس اركان القيادة المشتركة الامريكي، وأن يخطب نصرالله خطبة تل ابيب، وأن يتهم سياسي لبناني مسيحي للمرة المئة حزب الله بأنه قد يجر لبنان الى حرب، وأن يزور احمدي نجاد دمشق زيارة رد، وأن يقول للمرة التي لا يعلم احد كم ان الكيان الصهيوني سيختفي، كي تثور فينا قشعريرة لذيذة. أيمكن أن يوجد برهان أسطع من ذلك على أنه تدبر علينا حرب او على أن 'شيئا ما يحدث' في الاقل؟

في ظاهر الأمر، لكل واحد من الزعماء الذين التقوا في الاسبوع الماضي في دمشق علة تخصه لمحاربة اسرائيل. وفي صورة مرآة توجد لاسرائيل ايضا علة لمحاربة كل واحدة من هذه الجهات، معا او على حدة. لكن علة الحرب ليست شرطا كافيا للحرب. فمن الحقائق ان اسرائيل لا تخرج لمحاربة حزب الله وان سورية لا تقدم دبابات الى الجولان. ان منظمات مسلحة مثل حماس وحزب الله ترى مجرد التهديد، لا لاسرائيل فقط ذخرا استراتيجيا. فحزب الله يقيم سيطرته في لبنان على التهديد، لكنه يعرف بأن الحرب قد تسلبه شرعيته السياسية.

ان حماس، مقطوعة عن مصر والضفة، لا تستطيع ان تسمح لنفسها ب 'رصاص مصبوب' ثانية، في حين تجتهد في ترميم اضرار 'الرصاص المصبوب' الاولى. وتستطيع سورية ان تهاجم اسرائيل، لكن الثمن الذي ستدفعه قد يكون أعلى كثيرا مما تدفعه حماس او حزب الله. كذلك لا تهتم ايران كثيرا بأن تتلقى حليفاتها ضربة شديدة يشعر بنتائجها السياسية جيدا في طهران ايضا. فهي ترى طائفة التهديدات افضل من حرب حقيقية. ان ميزان الرعب هو الكابح الأنجح لهجوم اسرائيلي في رأي ايران وسورية وحزب الله وحماس ايضا.

يمكن ان يزعزع هذا الميزان اتفاق سلام فقط بين سورية واسرائيل. لن يمنع حصول ايران على القدرة الذرية ولن يقطع العلاقات بين سورية وايران او بينها وبين حزب الله. لكنه سيحذف ضلعا حيوية من المربع الفظيع. لكن يبدو اننا نرتب امورنا مع التهديدات افضل مما نفعل مع الحروب او 'العمليات' الحقيقية.

عندما يسخر الأسد من مطلب هيلاري كلينتون الابتعاد عن ايران نتلاشى. فها هو هذا 'محور الشر' ما يزال موجودا، والتهديد حي يتنفس. لكن عندما يدعو الاسد نفسه مرات لا تحصى الى تجديد التفاوض غير المباشر مع اسرائيل، يكون ملف الشروط المسبقة معدا: لن نعطي الجولان، ولن نوافق على وساطة تركية وسنطلب نقض عرى الحلف الايراني السوري. وعندما تحاول الولايات المتحدة اقناعنا بأن مفاوضة الفلسطينيين قد تضعف قوة ايران في المنطقة ولا يهم الهذا الفرض ما يقوم عليه أم لا نحدث علل احتكاك جديدة بالفلسطينيين. لم يبق كثير من تجميد البناء والاعلان بأن مغارة المكفيلا وقبر راحيل مواقع تراثية قد يفضي الى انتفاضة ثالثة. ان حقيقة ان حماس لم تعد تطلق صواريخ قسام منذ اكثر من سنة اصبحت ترى مفهومة ضمنا، لكن حصار غزة استمر اكثر من ثلاث سنين ونصف سنة. ترى اسرائيل هذا وضعا طبيعيا يجب الا يؤثر البتة في مواقف الفلسطينيين.

لا تستطيع اسرائيل أن تغسل كفيها غسلا نظيفا وهي تتحدث عن تهديدات من الخارج ولا تعرض على الجمهور بديلا. أجل ان بيريس يمد يده للسلام مع السوريين لكن حكومة اسرائيل تمد اليهم الاصبع الوسطى.

=========================

اليوم الخليل.. غدا.. القدس

د. عبدالله معروف

3/1/2010

 القدس العربي

كما توقع المطلعون والملمون بقضية المسجد الأقصى المبارك والمقدسات في فلسطين عموماً.. أعلنت قوات الاحتلال ضم المسجد الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال في بيت لحم لقائمة ما يسمى (التراث اليهودي)، وبذلك انتهى الفصل قبل الأخير من عملية إنهاء الوجود الإسلامي في هذه الأماكن المقدسة، والتي بدأت منذ سنوات وبنفس طويل. وهنا أقول 'الفصل قبل الأخير' لأن ما سيحدث الآن بحسب التوقعات أن سلطات الاحتلال ستبقي للمسلمين إمكانية الدخول إلى هذه الأماكن المقدسة فترةً معينة على اعتبار إقناع الرأي العام بأن هذه العملية ليست إلا مجرد إجراء شكلي ولم يؤثر على إمكانية الصلاة وإقامة الشعائر في هذه المساجد المقدسة، وذلك على أمل أن تظهر أصوات قد عهدناها دائماً تنادي بأن لا حاجة لانتفاضة الشعب الفلسطيني والمسلمين في العالم كله أو الغضب لهذه العملية الخطيرة وذلك لأن الوجود الإسلامي في هذه المساجد 'ما زال مكفولاً'، وقد تظهر أيضاً نفس هذه الأصوات تنادي بأن يصلي المسلمون في هذه الأماكن ويتركوا 'النضال' السياسي لاستعادة هذه الأماكن لأصحاب التوجه السياسي الذي سيرفع القضايا ويستعين بالمجتمع الدولي و'يفضح' الممارسات الصهيونية في العالم كله بحيث 'تنكشف' المؤامرات للمجتمع الدولي الذي لن يقبل بهذا وسيكون ذلك 'انتصاراً' سياسياً للفلسطينيين في وجه كيان الاحتلال.

هذا السيناريو عودتنا عليه هذه الأصوات.. ولن أتعب قلمي هنا بالرد عليها لأننا عهدنا فيها التخاذل وتقديم مصالحها المرتبطة بالمحتل أصلاً على مصلحة هذه الأمة ومقدساتها. وليس لي إلا أن أحذر أبناء أمتنا سواء داخل فلسطين أو المسلمين في العالم كله وأهيب بهم أن يقلبوا القنوات الفضائية عند ظهور هؤلاء اليائسين. ولا يلتفتوا لأصوات يائسة أخرى قد تقلل من أثر هذه العملية وتقول إن تضخيمها والحديث عنها مجرد عبث.

إن ما حدث في المسجد الإبراهيمي بالذات (ويلحق به مسجد بلال بالتأكيد) له دلالات كبيرة وخطيرة تثبت ما ينادي به المطلعون على قضية المسجد الأقصى المبارك من توجه قوات الاحتلال الصهيوني لتقسيمه واقتطاع جزء منه لصالح قضية المعبد، ويبين أن ما يحدث في المسجد الإبراهيمي الآن مجرد 'بروفة' وتدريب عملي لما سيحدث في المسجد الأقصى المبارك إن بقي الوضع على ما هو عليه. ولنبدأ القصة من بدايتها لنرى نفس السيناريو في القدس أيضاً وأرجو من القارئ أن يتصور أحداث القصة التالية في المسجد الأقصى المبارك مع أن مسرحها الخليل.

تم احتلال المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1967، وهو نفس العام الذي تم فيه احتلال المسجد الأقصى المبارك وشرقي مدينة القدس. ومنذ ذلك الوقت كانت قوات الاحتلال تحاول الدخول إلى منطقة المسجد الإبراهيمي بأي شكل وبأي طريقة، فبدأت باحتلال الجدار الخارجي للمسجد الإبراهيمي في الناحية الشرقية والجنوبية، وبعد تكاثر المتطرفين اليهود في المكان بدأت ترتيبات إدخالهم إلى المسجد الإبراهيمي إلى جانب المسلمين بحيث يصلي كل طرف منهم صلاته، وبعد ذلك بدأت المطالبة بتخصيص أوقات يسمح فيها للصهاينة بالانفراد داخل المسجد الإبراهيمي أوقاتاً محددة، وبمعنى آخر: اقتطاع زمني لصالح اليهود، واستمر الأمر على ذلك حتى سمحت قوات الاحتلال لأفراد المتطرفين الصهاينة بدخول المسجد الإبراهيمي بأسلحتهم 'دفاعاً عن أنفسهم' في وجه المسلمين. وكان التطور الخطير لهذه الترتيبات متمثلاً في مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994 على يد الإرهابي المتطرف باروخ غولدشتاين 'الذي اعتبره المتطرفون الصهاينة شهيداً قديساً بعد أن قتله المصلون المسلمون في ذلك اليوم'. ولم تكن هذه المجزرة إلا جزءاً من الاستراتيجية الصهيونية للسيطرة على المسجد الإبراهيمي، وذلك بدليل نتيجة المجزرة التي كانت عكس المفترض، فبدلاً من معاقبة المتطرفين اليهود بمنعهم من دخول المكان، فوجئ العالم كله بقوات الاحتلال تكافئ المتطرفين اليهود باقتطاع جزء من المصلى المرواني وتخصيصه لليهود فقط، الأمر الذي لم تم تطويقه من قبل جهات كثيرة كان منها للأسف جهات فلسطينية، خاصة أن عملية السلام في ذلك الوقت كانت تمر في أوج مراحلها. وخلال السنوات اللاحقة بدأ التضييق على المصلين المسلمين في المسجد الإبراهيمي يشتد أكثر متجلياً في منع المسلمين من دخول المسجد في الأعياد اليهوية (وما أكثرها)، وبالمقابل إبقاء الوضع على ما هو عليه في أعياد المسلمين، ووصل الأمر إلا إغلاق المسجد الإبراهيمي في وجه المسلمين الأيام والليالي ذات العدد، وها قد حان وقت إعلان المكان تراثاً يهودياً مع 'وعد' صهيوني رسمي - تناقلته وسائل الإعلام - بعدم المساس بحقوق العبادة لدى المسلمين. وهذا المتوقع في هذه الحالة على الأقل في البداية كما حدث عند الاقتطاع عام 1994.

ولمن لا يعلم أبعاد الإعلان الصهيوني الأخير أقول: إن هذا الإعلان يعني انقلاب الوضع في المسجد الإبراهيمي رسمياً لأول مرة منذ الاحتلال الصليبي للخليل قبل حوالي ألف عام، فبدلاً من أن يكون هذا المكان مسجداً حقاً للمسلمين يصلي فيه اليهود دون حق في ملكيته (منذ الاحتلال عام 1967)، أصبح المكان بهذا الإعلان كنيساً يهودياً كاملاً يسمح فيه للمسلمين بإقامة شعائرهم باعتبار ذلك 'تفضلاً' و'منَّةً' من اليهود لا باعتباره حقاً للمسلمين، وهذا الإعلان يمكن اليهود إلى اعتبار المسلمين (أصحاب المكان في الحقيقة) مجرد رعايا يسمح لهم بالصلاة في المكان دون اعتراف لهم بحقهم فيه، ويفتح هذا الباب للاحتلال بحقه في منع المسلمين من الصلاة في هذا المكان في حال مخالفة القوانين التي تضعها قوات الاحتلال، وهو ما سيحدث في المستقبل القريب خلال السنوات القليلة القادمة إن بقي الوضع على ما هو عليه وينتهي بإخراج المسلمين نهائياً من المسجد الإبراهيمي، وهذه الحالة أقرب في مسجد بلال الواضع في بيت لحم نظراً لظروفه الأصعب من المسجد الإبراهيمي.

هذا هو السيناريو الذي يتم الآن تنفيذه 'لا تخطيطه فقط' في المسجد الأقصى المبارك، فالأقصى مر بالمرحلة الأولى وهي احتلال الفضاء الخارجي له منذ عام 1967، ويمر الآن في أواخر المرحلة الثانية وهي تخصيص الأوقات الصباحية لصلاة اليهود في رحابه بأعداد كبيرة، وهو على أعتاب المرحلة الثالثة التي قد تحدث قريباً وهي تقسيم ساحات المسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود واقتطاع جزء قد يكون صغيراً في البداية من ساحات المسجد لصالح الجماعات اليهودية المتطرفة.

 

ونحن هنا لا نروج للأمر ولكن نقول إن على الأمة أن لا تنتظر حتى يحدث هذا الأمر لتقوم وتنتفض قليلاً ثم تموت القضية كما حدث سابقاً مع المسجد الإبراهيمي، ولكن المسؤولية تكمن في منع هذا الأمر من الحدوث أصلاً، وهنا يتكامل الرسمي مع الشعبي، فالرسمي عليه أن يرسل رسائل شديدة اللهجة إلى قوات الاحتلال بأن الأمر سيعود إلى ما كان عليه قبل مؤتمر مدريد عام 1992 في حال المساس بأي جزء من ساحات المسجد الأقصى المبارك (وليس مجرد قبة الصخرة أو الجامع القبلي)، والشعوب عليها التحرك الآن لإرسال رسائل شديدة جداً إلى كيان الاحتلال توضح له أن الشعوب لن تسمح بأي شكل بأن يحدث أي تقسيم للأقصى.. وعلى الإعلام أن يساهم في هذه المرحلة بقوة بزرع وتأكيد هوية المسجد الأقصى المبارك الحقيقية لدى أبناء أمتنا.. فالأقصى ليس مجرد قبة الصخرة أو الجامع القبلي، وإنما هو كل الساحات بأشجارها ومصلياتها وقبابها وآبارها ومحاريبها ومدارسها ومصاطبها وبوائكها وكل ما فيها (والذي اسمه الحقيقي 'المسجد الأقصى' لا ما يسمى خطأً 'الحرم القدسي')، واقتطاع أي جزء من الساحات أو حتى إسقاط شجرة منه كما حدث العام الماضي يعني فعلياً اقتطاع جزء من الأقصى المبارك والاعتداء عليه كله.

الأمر وصل إلى تطور كبير وخطير، والأمة كلها اليوم على المحك، وستكون النتيجة عامة شاملة للأمة كلها لا واحداً أو جهةً منها فقط، وهنا أتذكر شخصاً اتصل ببرنامج تلفزيوني كنت أشارك فيه وسأل: (من الذي سيحاسب يوم القيامة عن ما يحدث للمسجد الأقصى المبارك؟) فكان الجواب الذي أكرره لكل من يقرأ هذه السطور: أنت.

' أستاذ دراسات بيت المقدس

=========================

استفزازات إسرائيلية تنذر بحرب!

د. عايدة النجار

الدستور 1-3-2010

لا يمكن لمن يتعاطى مع الكتابة والهم العام وبشكل خاص الهم الفلسطيني الذي يشكل أولوية للصحافة والاعلام العربي حيث يناقش "القضية العجوز" من زوايا ووجهات نظر متنوعة.

 

ولعل الاستفزازات التي تقوم بها اسرائيل هذه الايام بضم الحرم الابراهيمي "للتراث الوطني اليهودي". استفزاز جديد يشير للخطر الاسرائيلي الذي يتحدى الشعب الفلسطينيي في القدس والخليل وكل الأراضي الفلسطينية. وكان التركيز الاعلامي العربي والأجنبي الموضوعي على غزة أثناء الحرب الأخيرة والمستمرة عليه ما أوصل للمشاهد والمتابع للأخبار صورا جديدة عن اسرائيل الدموية التي تقتل الاطفال. وقد دأبت منذ "وجودها" الى خداع الرأي العالمي ، أنها تنشد السلام وتدافع عنه وتبحث عن الأمان،.

 

بعملها الأرعن المستمر ، تخلق اسرائيل أجواء حرب جديدة ساحتها هذه المرة في الخليل: فالأجواء المتوترة وغضب الناس المعبرين عنه برشق اليهود بالحجارة ، لينشّط الذاكرة ويسترجع الغضب الذي ارتفع على أثر المذبحة التي قام بها جولدشتاين في الخليل قبل 16 عاما ، أو الانتفاضة الاولى عام 1987 ، والتي قام بها أطفال فلسطين بالحجارة ، والثانية عام 2000 عندما تصدى المصلون بالحرم الشريف لشارون بعد زيارته الاستفزازية. واليوم تسود الخليل أجواء غضب وانتفاضة ورياح حرب وتحركات شعبية في جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة ، وقد تنطلق الشرارة لجميع المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.

 

رياح الحرب التي تثيرها اسرائيل تهدف الى حرب دينية بين "العالم العربي والاسلامي واليهود". فهي لم تتعلم من أضرامها الغضب والنار عام 1996 ، عندما قامت بفتح نفق المبكى وسببت قتل الضحايا المدافعين عن القدس والاماكن الدينية. تستمر وتقوم بالحفريات في محيط القدس والحرم الشريف ، والبحث عن أدلة للهيكل المزعوم الذي تخطط لبنائه بعد هدم المسجد الاقصى. وتقوم اسرائيل بالتنقيب والبحث عن "الرموز الدينية اليهودية" والادلة التراثية وان كانت صغيرة ولا قيمة لها في كل مكان وعبثا هي جهودها لايجاد شيء تاريخي ومفيد لتستعمله لتعزيز ادعاءاتها وخرافاتها. وتقوم بذلك في الوقت الذي تدعي وتطالب بالعودة لطاولة المفاوضات. والأدهى أنهى تقوم بشكل مخطط ومرسوم لمواصة احتلال الاراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات أو تسمين الموجود منها. وهذا يؤكد أن لها أغراضا سياسية غير سلبية مستمرة.

 

ولعل استفزازات المتطرفين اليهود في الخليل للعرب ، ما يلفت النظر الى أنهم يتحدون حكومتهم وهم أكثر تطرفا منها وهم يقترحون جمع الأموال من يهود العالم الاغنياء لاشهار "أمكنة" بأنها من التراث اليهودي. وهم بذلك يحاولون سلب المزيد من الاراضي والأماكن الاسلامية والعربية وبطرق يراها المتطرفون أنها حق لهم. خاصة وقد خدعوا العالم أن فلسطين كانت "أرضا بلا شعب" وهذا يعني "بلا تاريخ وتراث وحضارة" ليفاجأ المخدوعون من الذين جلبوهم لفلسطين ، أن الأرض عربية ولها تاريخ أرض وشعب يدافع عنها بحرب،.

 

ان الاستفزازات اليهودية في كل المناسبات تجعل من الشعب الفلسطيني قنبلة موقوته تحت الاحتلال وتخلق أجواء انتفاضة جديدة. ويبدو أنها بدأت والأطفال يرشقون الجنود بالحجارة ببسالة مستمدين القوة من الغضب المختزن من الحالة المعيشية الصعبة التي يعيشونها في كنف الاحتلال. السلطة اليهودية في خوف دائم من الغضب الشعبي ولذلك تحشد جنودها المدججين بالسلاح وبالقنابل الدخانية لمحارة المتظاهرين. وليس من الصعب التنبؤ بانتفاضة وحرب واسعة تستعمل اسرائيل فيها الطائرات والأسلحة غير التقليدية كالفسفور الأبيض المحرم دوليا والذي استعملته في حربها ضد غزة لتفقأ عيون لؤي صبح وتقطع أرجل جميلة وتقتل مئات الاطفال.

 

ان عودة نتنياهو للبحث عن التراث اليهودي والأماكن الدينية لترميمها وضمها الى "التراث اليهودي" ، ليدل على تخبط سياسته وكشف المزيد من كذبه وادعاءاته أنه يريد السلام. وهو بهذا يحاول من جديد العودة الى جذور الصهيونية التي قررت في مؤتمر بازل 1897 بأن تكون فلسطين "المركز الروحي لليهود" لاقامة ما أسموه "بالوطن القومي". انه يسير للوراء.. ويثير رياح حرب دامية لشعب غاضب ذاق مكر الصهيونية.

=========================

تراث الطمس على الحقائق

جدعون ليفي

هآرتس

الرأي الاردنية

1-3-2010

يبدو ان العالم الرئيس الذي أسيئت سمعته لوزارة التربية، الدكتور غابي افيتال، شخص أكثر انفتاحا وتنورا من سكرتير الحكومة المقدر، المحامي تسفي هاوزر. ففي حين أن افيتال الذي اصبح بين عشية وضحاها سخرية وتهكما في عيون الجميع، أراد ان يدرس نظريات (واعتقادات) أخرى تزاد على الداروينية، يريد هاوزر، بايحاء من رب عمله، بنيامين نتنياهو، ان يهب لنا رواية واحدة وحيدة. لم يدع افيتال «الظلامي» الى تجاهل الداروينية؛ اما نتنياهو وهاوزر «المستنيران» فيصران على تجاهل أكثر التاريخ.

400 مليون شيكل و150 «موقع تراث على الانترنت» وأكذوبة واحدة قديمة كبيرة هي: شعب بلا أرض أتى أرضا بلا شعب. بعد أكثر من 100 سنة صهيونية وأكثر من 60 سنة من وجود دولة اسرائيل ما تزال تحتاج الى الاخفاء، والتنكر، والطمس على الحقائق والتغطية عليها، من أجل تسويغ وجودها؛ لا يوجد برهان أكبر من ذلك على عدم ثقتها بعدلها. «ليس هذا يوم عيد للمؤمنين بما بعد الصهيونية»، قال هاوزر في اليوم الذي أجيزت فيه خطته؛ صحيح هذا يوم عيد لرجال الدعاية.

يمكن أن ندع أحداث الشغب في بيت لحم والخليل: زيد قبر راحيل ومغارة المكفيلا على الخطة كتحرش في اللحظة الاخيرة بضغط من شاس ويبدو ان الجلبة ستهدأ. يجب أيضا قبول التوجه الذي يقول إنه يحل لدولة ولشعب أن يخلدا ماضيهما وتراثهما. لكن دولة غطت بحراج الكيرن كيميت 416 قرية ضائعة وجدت في البلاد مئات السنين، ولا تترك علامة تدل عليها ولا حتى لافتة يجب آخر الأمر أن تهب لمواطنيها التاريخ كله لا فصولا مختارة فقط متعتعة منه.

ازاء كون اسرائيل قوة اقليمية، قوية مستقرة، وبخلاف زعمها الداحض، لا يوجد كثيرون في العالم يشكون في حقها في الوجود، كان يجب على حكومة نتنياهو – هاوزر أن تستجمع الشجاعة وأن تقترح خطة تراث حقيقية، الحقيقة الكاملة. لا محو فصول تاريخية كاملة ولا سحق تراث نحو من خمس المواطنين، ابناء البلاد من العرب، القدماء الضاربة جذورهم فيها اكثر من أكثر مواطنيها اليهود. أكوخ صفيح بن غوريون؟ بيقين، بيقين. لكن ماذا عن المقبرة المهملة المحظور دخولها في الشيخ مؤنس؟ عندما يتحدث هاوزر عن «مواقعنا الاثرية» لا يمكن أن يقصد اليهود في الدولة فقط.

في سرة بلدة زخاريا في جبال القدس، التي قامت على أنقاض زكريا الفلسطينية، يقوم مسجد مهجور. سافروا الى هناك مرة وسترون الجدار الذي يحيط به. وماذا كتب في اللافتة؟ «حذاري، مبنى خطر». أتوجد استعارة أدق من هذه؟ الرواية الفلسطينية، وهي لا تقل صدقا وأصالة عن روايتنا، ما تزال تعد مبنى خطرا في نظرنا. لماذا؟ اذا كان كل شيء عدلا في 1948، فلماذا نخفي ونهمل ونحيط بجدار ونحذر؟ لماذا لا نرمم، في اطار خطة التراث، وأن نحكي لابناء زخاريا الحقيقة عن الأرض التي يسكنون فوقها.

لماذا يعد من «ما بعد الصهيونية» المعيبة ان نقول انه كانت هناك قرية، قامت منذ أيام الرومان والبيزنطيين، وسكنها في القرن السادس عشر 259 نسمة، وسكن في 1948 في بيوتها ال 181، ألف ومائة وثمانون ساكنا عربيا. يجوز ايضا ان نتحدث عن نهاية القرية وأن نروي كيف أنه في آذار 1949، بعد اقامة الدولة وانقضاء الحرب، في الوقت الذي كانت فيه القرية ما تزال آهلة، كتب المسؤول عن الاقليم في وزارة الداخلية أنه يوجد «في القرية بيوت جيدة كثيرة، وسيكون من الممكن أن نسكن فيها عدة مئات من المهاجرين الجدد»؛ وكيف التقى بن غوريون في اثناء عطلته في طبريا، موشيه شريت وطائفة من الموظفين وقرر طرد سكان القرية، وكيف طردوا في صيف 1950 الى الابد. أليس هذا لذيذا، لكن يجب أن نعلم. فهذا أيضا جزء من تاريخنا.

إن خطة نتنياهو لا تتجاوز عن هذا الفصل فقط، بطبيعة الأمر. فهي تتجاوز عن مئات السنين من الاستيطان غير اليهودي لارض اسرائيل. ألكي لا نعلم؟ أيستطيع تراث دعائي أن يغير وجه التاريخ؟ واذا كان الماضي مشكلا الى هذا الحد، فربما ندعه الى أن نستجمع الشجاعة لروايته كاملا. في هذه الاثناء، ربما يحسن أن يكون نتنياهو أكثر انشغالا بالمستقبل. ربما يحسن ان يفكر في أنه ما هو التراث الذي يريد ان يخلفه وراءه؛ ماذا سيدع لورثته – أمواقع معارك، أتراث حرب آخر، أم شيئا آخر ربما من أجل التغيير؟

=========================

المشهد الدمشقي: لا راحة لإسرائيل بعد اليوم

نصري الصايغ

السفير

1-3-2010

I جديد... ولأول مرة

الرئيس أحمدي نجاد في دمشق يقول كلاماً جديداً.. يسمع العالم ويصمت.

الرئيس نجاد يلتقي السيد حسن نصر الله. يرى العالم ذلك ويفهم.

الرئيس نجاد يستقبل فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة.. يعرف العالم فلسطين بطريقة أخرى.

حصل كل ذلك في ضيافة الرئيس بشار الأسد.. بدا الأسد مرتاحاً جداً، فأدرك العالم، أن سوريا مفتاح المنطقة وبابها المشرّع: للحرب والسلم. ولعله أدرك، أنه أكثر استعداداً للحرب وأقل اهتماماً بالسلم.

هل تغيّر العالم قليلاً؟

الجواب: العرب عربان، عرب بائدة، أميركية الصنع، وعرب حاضرة لتصنع المستقبل.

II حوار مكتوم، وكأنه تفكير بطريقة سرية

منذ شهر تحديداً، التقيت بناء على همّ أحمله، وبحاجة إلى أن أفضفض بالكلام فيه، أمام خبراء ومتابعين وعارفين بنسج السياسات السرية. قلت باختصار: «إسرائيل تقود حلفاً عربياً، من أنظمة فاشلة، وتعوّل في استراتيجيتها على أربعة أطراف اقليمية، بالتتابع.. استفردت بحزب الله في تموز 2006.. استفردت بغزة في 2008 2009. تستعدّ لاستفراد سوريا.. تحرّض لاستفراد إيران.. فمتى ينشأ حلف استراتيجي، سياسي عسكري، يعتبر فيه أي عدوان على طرف، عدواناً على أعضاء هذا الحلف؟». واستطردت قليلا: «هذه ليست أمنية بل حاجة فعلية، يقتضي من الأطراف المنتظمة في هذا الحلف، ان تكون في مستوى التحدي عسكرياً وأن يكون لها القدرة، إما للجم العدو، أو لتكبيده حرباً فاسدة، إن لم تكن هزيمة كبرى».

العارف والمتابع واللصيق بالملفات الساخنة قال: «كأنك تهدس بما يصار إلى تحقيقه». وَسَكَت.. فهمت ولم أكتفِ.. ألححت على التفصيل. قال: «سبقوك. هذه الأطراف التي تسمّيها، قطعت شوطاً كبيراً. انتهت من مسألة التنسيق ووضع الخطط والتسليح والتدريب. إنها في صدد إنشاء شبه قيادة موحدة للمعركة.. وهذا ما يدفع إسرائيل إلى الإسراف بالتهديد، والخوف من الفعل«.

وسمعت منه تحليلاً في السياسة لمحطات بارزة عربياً واسرائيلياً ودولياً: قال: «تعلمت اسرائيل درساً من عدوان تموز، ولكنها طبقته بشكل رديء جداً في غزة.. وهي تتعلم من العدوانين، لتأجير حربها لسواها.. تريد استئجار واشنطن، وفتات «المجتمع الدولي»، لإلزام إيران بالتراجع، عبر الحصار والتهديد الدائم بالعقوبات، إلى ان يحين الظرف لضربة عسكرية، تتوفر لها شروط النجاح».. فهمت أن النووي الإيراني في زمن الشاه، كان مرغوباً فيه. والنووي الراهن، مدان، لأن له فقهاً سياسياً مختلفاً. ايران تعاقب فيها «ولاية الذرة» لا ولاية الفقيه، لأن فلسطين عاصمة المعركة.. وليس من الضروري ان تكون إيران نووية عسكرياً.. وقد لا تكون كذلك.

ساعدته قليلاً في رسم صورة اسرائيل الكالحة: «انها تشعر أنها في خطر وجودي.. الحروب الأميركية في العراق وأفغانستان، باءت بالفشل. الشرق الأوسط الأميركي الاسرائيلي الجديد انتهى.. أميركا اليوم بلا استراتيجية، وتتخبط كالأعمى.. تريد انسحاباً لا يكلفها خسارة جسيمة من العراق.. تسعى إلى انتصارات بربرية ودموية في أفغانستان لتطويع الطالبان.. كان لأميركا خطة هجومية مع بوش، وليس لها خطة انسحاب مع أوباما.. هي في مستنقع سياسي. فإذا كانت هذه هي حال واشنطن، فكيف ستكون حال إسرائيل؟».

ولما هممت برسم الصورة العربية قاطعني: «وفّر عليّ الوقت، العرب خارج كل حساب.. يمكنك التعويل على «الرباعية» الفاشلة، أكثر من العرب.. إنسَ الموضوع.. محور «الاعتدال» بلا خطة. هو ملحق ويسير خلف أميركا، حذو النعل بالنعل... التاريخ يا صديقي ليس عربياً.. التاريخ في هذه اللحظات، تنسجه استراتيجيتان: إسرائيلية من جهة وقوى الممانعة، المتحوّلة فعلاً إلى قوى مجابهة».

كان بودّي، أن أستفيض في ذم المسيرة العربية.. لجمت نفسي وقلت استمع، وأصغيت لاحتمالاته: «اسرائيل تفكر كل يوم بالحرب. ولكنها لا تعرف كيف ومتى ولماذا وأين، وتحسب ألف حساب، وتخلص في كل حساب إلى سؤال: ماذا لو فشلنا؟ هذا السؤال يقضّ مضاجع العسكريين كثيراً.. لا تعلق كثيراً على تصريحات السياسيين.. وعليه، أنا أميل، ليس بناء على معلومات، بل على قراءات ومتابعات يومية، إلى أن إسرائيل تستعدّ لحرب لن تشنها.. وهي مطمئنة فقط، إلى أن إيران وسوريا وحزب الله لن يشتركوا في شن حرب عليها ويبادئوها القتال. انهم قوة صدّ.. قوة دفاع.. والظرف الدولي لا يسمح بأكثر من ذلك«.

III حرب أخرى... وتربح اسرائيل

فاجأني صديقي بأن اسرائيل، ليست في حاجة إلى حرب قد تخسرها.. انها تقوم بحرب رابحة جداً... كان التوازن العسكري الشامل ممنوعاً.. كان يجب ان تبقى اسرائيل متفوقة وهي لا تزال كذلك، غير انها لا تستطيع صرف هذا المنسوب العالي من القوة والتقنية. لأنها قد تتعرّض إلى هزة عنيفة في عقيدتها الأمنية.. العمود الفقري للعقيدة الصهيونية، هو القوة العسكرية والمجتمع المطمئن إلى أمن مثالي... الصهيونية هي روح اسرائيل، وجسدها هو الأمن.

قلت: «انها أمام الجدار.. لن تتقدم ولن تتأخر.. هل تستطيع الحفاظ على وجودها في وضعية القوة العظمى العاجزة؟».

قال: «تصرف قوتها في معركة سهلة ومربحة.. الاستراتيجية الاسرائيلية الراهنة، هي في استعجال صهينة الأرض الفلسطينية عبر تهويدها.. ألا يقول زميلك حلمي موسى، «ان خطط التهويد مزمنة؟» اليوم، جاء وقت تسريعها.. تريد اسرائيل ان تنتهي من ثنائية الأرض، لإلغاء ثنائية الشعب.. عاشت اسرائيل بعد العام 1967، وهي تجيب عن سؤال: ماذا نفعل بالأراضي؟ تباطأت كثيراً.. موعدها اليوم مع «يهودية الدولة التامة» وهذا يقتضي الإسراع في تهويد الأرض.. وإذا استمرت حركة التهويد في القدس بهذه الوتيرة، سيتم فصل المسجد الأقصى عن المسلمين.. لن تعود الطريق إليه سالكة.. ممنوع العبور في «أراض يهودية» من القدس وجوارها، إلى المسجد.. وسيسقط المسجد الأقصى بالهجران. لن يعود الحفر تحته خطراً.. عدم قدرة المصلين على أن يؤموه، يجعله عاطلاً عن «العمل».. علّقتُ: «قد يصبح أندلس الروح».

تساءلت: «ألا تخشى اسرائيل من انتفاضة؟ من عقوبات دولية؟ من وقف مسار التفاوض؟» ابتسم صديقي ولم يجب. كأنه كان يقول لي، على ما أظن وأرجح.. «أبو عمار راح. أوباما المسكين في غيبوبة شرق أوسطية. التفاوض سيكون في خاتمة المشروع الاسرائيلي.. ستتفاوض إسرائيل مع نفسها ومع من تبقى داخل «باندوستانات» ابو مازن وسلام فياض.

ختم صديقي قوله: «لم نعد نخشى حرباً تخوضها إسرائيل ضدنا.. خشيتنا من عجز إنقاذ فلسطين من التهويد الكامل».

قلت: ستربح إسرائيل حرباً لن تخوضها... إلا... ولا أعرف وضع كلمة بعد إلا...

IV مراجعة لواقع عربي بلا عرب

ما أغرب النتائج التي تحصل عليها بوضوح: إسرائيل قوية، وقد لا تشن حرباً، وقوى الممانعة قوية أيضاً، ولا تتجرأ على شن حرب. توازن رعب.. وفلسطين متروكة لقدرها الصهيوني؟

تستعيد في لحظة مراجعة ما توصلت إليه بعد سؤال: «متى تنتهي إسرائيل من تهويد فلسطين؟» وكان الجواب نظرياً ومقنعاً لي: «تنتهي من التهويد عندما تهوّد العرب سياسياً».

هل يمكن مواجهة «حرب التهويد الإسرائيلية»، عبر إثارة الغريزة الدينية والمذهبية سياسياً وعقائدياً وحركياً؟ هل هذا العمل التخريبي السائر حالياً، يفضي إلى الخروج من العجز؟ قلت في نفسي: «لا بدّ من تخريب هذا الركام العربي السياسي، إنما من دون استبداله بتخريب المجتمع العربي وإسقاطه من الداخل بحروبه الدينية والمذهبية... يبدو أن الفعل هذا سبق العقل الذي غيّبته، بسبب يأسي المتسرّع من العرب.. لا، العرب راهناً، ليسوا أمواتاً، إنهم في الأسر. يكفي أن يخرجوا، حتى تصير دمشق وطهران وجنوب لبنان، مواقع التقاء الممانعين المقاومين.

وساءني أن أحكم على الحراك الدموي المذهبي العشائري حكماً قيمياً أخلاقياً، أكثر مما هو سياسي. ومن دون أن يكون لي يد في ذلك.. المجتمعات العربية تغلي بالفوضى والعنف، ولا يبدو أنها ستستقرّ على مخاض سليم. غير أن اللافت في هذه المعارك المتنقلة، أن فلسطين حاضرة في جانب منها، ولو من بعيد.. إنها حاضرة في حركات مقاومة عراقية، حاضرة في حركات ثقافية تنويرية سعودية، حاضرة عند الحوثيين الطفار في صعدة وجوارها، حاضرة في مخيمات اللجوء الفلسطيني، حاضرة في الحركات الدينية في مصر، حاضرة لدى النخب العربية الملتزمة، وهي حاضرة اليوم في أوروبا وبعض دولها وتنظيماتها الحقوقية والإنسانية.

اتضحت الصورة لديّ.. ستعود فلسطين، بعد الركام العربي الرسمي الأخرس لتحدث ضجيجاً وصخباً ووعياً. وعندها سيسمع العالم ما يذهله. ولكن، سيفوته أنه أمضى زمناً يراهن على أنظمة السوء، ولم يسمع أو يلتفت أو يستقصي، حال الشعوب العربية في المستقبل، ومقام فلسطين العربية عندها.

زمن المهانة قد يمتدّ أزمنة.. بهدوء وسكينة وخضوع، إلا أن زمن الانفجار سيكون دويّه كبيراً.. فهذا القطب العربي المتجمّد، ستذيبه حرارة فلسطين، عندما تشهر العروبة، مرة أخرى، وبطريقة غير خطابية.

V القوة والحكمة

لقد نضج التاريخ العربي.. المشهد الدمشقي لم يكن خطابياً.. تعلمت هذه القيادات، أن الفعل يسبق الكلام.. وزمن المقاومة يسبق وقت الإعلان عنها.. وزمن الحلف الاستراتيجي الجديد، يسبق أوان الحديث عنه.

إنها مرحلة الإمساك بزمام الواقع بعمق، وتحديد أولوياته، والعمل التأسيسي المنظم، لاستعمال قدرات هذا الواقع، وتوظيفها، في خدمة الأولويات: التحرير ومقاومة الاحتلال ورفض الهيمنة..

إنها حقبة النضج السياسي، عبر التأكيد على السلوك العقلاني، والفعل الموضعي، والمرحلية المتقنة، والبناء على الثابت، والتخطيط عبر توظيف إبداعي للإمكانات المادية والروحية معاً. إنها مرحلة تقول: لكل معركة سلاحها، ولكل ظرف أدواته، ولكل حالة سياستها، في تناغم بين دقة استعمال الوسائل وعظمة بلوغ الأهداف.

قدّمت المقاومة الإسلامية نموذجاً لهذا المزج الرائع، بين معطيات المادة وقضايا الروح ونسبية الوسائل وغائية امتلاك القوة، وكيفية توظيفها دائماً، في خدمة الأولوية... وليست السلطة من أولوياتها.

انتهت «الثورات الخطابية».. انتهت فلسطين كمنصّة لبلوغ السلطة والعبث بها وشعبها.. وانتهت كذلك، النظرة الدونية التي تتعامل فيه أنظمة مع شعوبها. لأن معظم هذه الشعوب، ينظر نظرة دونية جداً لحكامه وأنظمتهم.. وانتهت «الفورات الغضبية المجانية»، و«السلاح زينة الشوارع والأزقة» في بيروت وسواها.. وانتهت المغامرات التي أنهت المعركة قبل وقوعها.

والمشهد الدمشقي يُسفر عن خطوات لحماية الأولوية الفلسطينية والأولوية الاستراتيجية، وأولوية الحفاظ على عناصر القوة والمكتسبات الناتجة عن أخطاء الآخرين.

وعليه، ستزداد القبضة السورية الناعمة في لبنان، لحماية المقاومة، وهذا أقلّ الإيمان، ولاستمرار احتضانها ودعمها و... وسيزداد الحضور الإيراني أكثر، ومن حق «دول» الخليج، ان تشعر بالخوف، إلا إذا خرجت، ولا نقول تحدّت، من الخيار الاميركي. اما العراق فسيكون التفاحة التي ستسقط في السلة الإيرانية، بعد انسحاب جنود الغزو البربري الأميركي.

=========================

هل من خلافات سورية - ايرانية... في لبنان ؟

سركيس نعوم

النهار

1-3-2010

تعرف الأوساط الديبلوماسية العربية والأجنبية العاملة في بيروت ان ما يربط بين سوريا الأسد، الرئيس الراحل حافظ ثم نجله بشار، بالجمهورية الاسلامية الايرانية هو تحالف وثيق جداً سياسي وأمني وعسكري واقتصادي، يسميه البعض استراتيجياً. لكن هذه المعرفة لا تمنع بعض الاوساط اياها من التساؤل اذا كان التحالف المذكور الذي كاد ان يبلغ التطابق في المواقف بين الدولتين أكثر من مرة منذ قيامه بين العامين 1979 و1980 يشمل لبنان أو بالأحرى اذا كان التطابق المذكور سواء في المواقف أو في المصالح يشمله. وينبع تساؤل البعض المشار اليه من حقيقة بعيدة هي التحالف الذي قام بين دمشق وطهران منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية والذي استمر بل تعمِّق اثناء الحرب العراقية – الايرانية التي استمرت ثماني سنوات والذي رافقته في الوقت نفسه تقريباً حرب بين العاصمتين على النفوذ في لبنان ذهب ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح من ابناء الطائفة الشيعية التي انقسمت في ذلك الوقت بين مؤيد لسوريا (حركة "امل") وبين مؤيد لايران "حزب الله".

وينبع التساؤل نفسه من حقائق جديدة أو بالأحرى من ممارسات وتصرفات جديدة لم تَرْقَ بعد الى درجة الحقائق. منها سعي سوريا وبعد تحول ميزان القوى الداخلي في لبنان الى مصلحة حلفائها الى تقديم كل الدعم اللازم لحلفائها المباشرين فيه اي الذين كانوا في الاساس حلفاء لها ولم يصبحوا حلفاء لايران إلا لكونها حليفة موثوق بها لسوريا والا بعد حصولهم على الضوء الأخضر لذلك منها. وقد ترجم ذلك نفسه بعلاقات مباشرة مع الحليف اللبناني المباشر لايران كونها ساهمت في تأسيسه أو صاحبة القرار في تأسيسه، أي "حزب الله" الذي هو في الوقت نفسه حليف لسوريا رغم ان الأولوية في التحالف عنده، نظرياً على الأقل وحتى الآن على الاقل تبقى لايران.

وفي الحقائق أو بالأحرى الممارسات ايضاً اعطاء سوريا الضوء الأخضر للفصائل الفلسطينية المتحالفة معها مباشرة بل "المنسقة" معها إلى أبعد الحدود للعودة الى لبنان سياسياً وباعتبار انها موجودة فيه عسكرياً، سواء داخل المخيمات الفلسطينية أو خارجها ولترجمة هذه العودة بنوعين من الأعمال. الأول، التحرك داخل المخيمات لتفعيل وجودها ولتثبيت دورها الفلسطيني ولا سيما بعدما بدأ تنازع السيطرة عليها بين حركة "فتح" الممسكة بها منذ عقود (وهي السند الفصائلي الأول للسلطة الوطنية الفلسطينية) وحركة "حماس" الاصولية الاسلامية (وهي المتمردة على السلطة والممسكة بقطاع غزة عسكرياً وسياسياً) وبعدما بدأت منظمات فلسطينية اسلامية واخرى اسلامية غير فلسطينية مؤمنة بالاسلام الاصولي التكفيري والعنفي (قاعدة وطالبان....) استغلال "استقلال" المخيمات عن سلطة دولة لبنان وتنازع "حماس" و"فتح" لتحويل هذه المخيمات ملاذاً آمناً لها بل دويلة تحمي منفذي "العمليات الجهادية" في لبنان أو خارجه وتخطط لهذه العمليات بعيداً من أي رقابة محلية أو أي وصاية أو قدرة على الضبط من سوريا. ومعروف ان هذا النوع من الفكر الاصولي يتناقض وما تؤمن به سوريا الاسد وحتى ايران الاسلامية رغم قدرة كل منهما على استعمال المؤمنين بهذا الفكر في أوقات الحاجة. وهي قدرة مورست أكثر من مرة في اكثر من منطقة عربية. ومعروف ان مواجهته ضرورية لأن أثره مباشر وخصوصاً على سوريا المجاورة الأمر الذي يدفع الاخيرة الى تمكين حلفائها الفلسطينيين المباشرين من استحقاق دور مهم داخل المخيمات بالتعاون مع الفصائل الاخرى القريبة منها، مثل "حماس" و"الجهاد الاسلامي". ومن المواقف والممارسات التي تدفع ثالثاً بعض الاوساط الديبلوماسية العربية والاجنبية العاملة في لبنان نفسه الى التساؤل عن امكان تناقض ولاحقاً اختلاف سوريا وايران في لبنان سعي سوريا الى استمالة "التيار الوطني الحر" بعدما نجح "حزب الله" الحليف المباشر لايران في ارساء تحالف عميق معه مبني على أمور عدة عملية وسياسية واستراتيجية ومعه جهات مسيحية أخرى. وفي المواقف أو الممارسات رابعاً، سعي سوريا الى المحافظة على قوة حلفائها المباشرين داخل الطائفة الشيعية وفي مقدمهم حركة "امل" وخصوصاً بعدما نجحت ايران مباشرة حيناً وبواسطة ابنها "حزب الله" حيناً في قضم عدد مهم من قواعدها و"الكادرات". وفي المواقف أو الممارسات خامساً وأخيراً، تعرُّض الطائفة الشيعية التي تحولت منذ أكثر من عقدين الى الحليف الأول لسوريا ثم ايران أو لايران ومن خلالها لسوريا الى تجاذب معين من العراق "الشيعي" اذا جاز التعبير على هذا النحو. فالأطياف الشيعية المختلفة وأحياناً المتناقضة او المتنافسة بدأت تعزز وجودها في لبنان "الشيعي". وقد يؤدي ذلك الى ظهور لاعب جديد على الساحة الشيعية اللبنانية هو العراق. كما قد يؤدي الى تعزيز دور كل من سوريا أو ايران فيها. ذلك ان الدولتين موجودتان في الاطياف العراقية المذكورة. وان كان الوجود الايراني أكثر بروزاً لأن الوجود السوري أكثر في الاطياف السياسية العراقية السنية.

ما مدى صحة التساؤلات الديبلوماسية العربية والأجنبية المفصلة أعلاه؟

العارفون لا يستبعدون وجود نوع من التناقض بين سوريا وايران في لبنان وعليه. ذلك انهم يعرفون ان سوريا لا تقبل شريكاً لها فيه أياً يكن. وقد برهنت ذلك في العقود الثلاثة الماضية. ويعرفون ان ايران ستبقى متمسكة بتحالف "ابنائها" مع سوريا وايضا بعدم تحولهم جزءاً منها على الاقل ما دامت معركتها مع اسرائيل واميركا وحلفائها مستمرة وخصوصاً في المنطقة. اذ انها تخشى ربما اغراء سوريا يوما ما بعرض لا تستطيع رفضه (استعادة الجولان كله والسيطرة على لبنان) قبل حل مشكلاتها مع "العالم" الأمر الذي يفقدها ورقة مهمة بل موقعاً استراتيجياً كان له الأثر في "كسبها" اكثر من معركة حتى الآن هو لبنان.

لكن العارفين انفسهم في الوقت نفسه يؤكدون ان الخلاف بين الحليفين السوري والايراني الآن ليس وارداً رغم الفروقات الكثيرة بينهما. وما زيارة الرئيس نجاد الأخيرة لدمشق الا دليل على ذلك، فالاثنان لا يزالان في خضم الحرب. وهي طويلة ولا تبدو نهايتها وشيكة. واذا كانا الآن يعملان معاً في لبنان لاستكمال وضع اليد على الدولة ومؤسساتها و"مخيماتها الفلسطينية" بهدف الاستعداد لمعركة مقبلة أو التحصن ضد أي مفاجأة اقليمية أو دولية فان ذلك يعني انهما ليسا "فاضيين" للتناحر أو للتقاتل أو للتناقض.

فقط عندما تنتهي "المواجهة" الأكبر في المنطقة يمكن توقع ذلك. علماً أن توقعات كهذه لا تصح دائماً.

=========================

أوباما.. التفرد بالقرار والتنكر لأوروبا!

لوفيغارو

ترجمة

الاثنين 1-3-2010م

ترجمة: سهيلة حمامة

الثورة

كلنا يعرف أن الرئيس باراك أوباما مشغول، في هذه الأيام، بأمور كثيرة ومتنوعة تتخطى في أهميتها شجون وشؤون قارة أوروبا، كتعدد مؤتمراتها الشكلية وبياناتها العقيمة واصطلاحاتها الرمزية،

لا يخفى على أحد أن الانتخابات الأمريكية التي تلوح في الأفق، أعني منتصف ولاية أوباما تهدد بشكل أو بآخر إلى حد الشلل أو العجز التام أجندته المتنوعة في مجال الإصلاحات، ما يدلل على ذلك خلافاته مع جمهورية الصين الشعبية وفشله في التعاطي مع المسألة النووية الإيرانية، وحروبه النكراء في كل من أفغانستان وباكستان وتقاعسه المزري حيال قضية الصراع العربي الإسرائيلي وقضية حل الدولتين (الفلسطينية والإسرائيلية).‏

بعد كل ذلك، ألا نرى ضرورة عقد قمة إضافية بين أمريكا والاتحاد الأوروبي للبحث بصدق في هذه الإشكاليات المهمة وإيجاد الحلول الناجعة والسريعة لها؟؟ بكل بساطة يهمس أوباما في أذن مساعد وزير دولته للشؤون الأوروبية، فيليب غوردن قائلاً: «لا أجد في عقد قمة طارئة شيئاً عظيماً أو مهماً، ولا أرغب حتى في المشاركة السنوية للقمة بين الفريقين في مدريد في شهر أيار المقبل» لاشك في أن القادة الأوروبيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الإسباني ذهلوا بتصاريحه الفجة، أليسوا هم بالذات من افتتنوا به رئيساً شاباً خلاسياً، أميناً في إبراز صورة أمريكا الثابتة والمخلصة لشعوب أوروبا وقادتها؟‏

ولا غرابة، بعد ذلك أن تنكفئ أوروبا العجوز والتي تجر أذيال الخيبة، على جراحاتها الثخينة وتجتر مرارة أنانية أوباما وتفرده في اتخاذ القرارات، بل وقساوته وتنكره لأهميتها الجيوسياسية، وإسقاطه لها من حساباته، هو الهائم والمتحمس، الآن لقارتي آسيا وافريقيا! ولنكن مع ذلك، واقعيين، فليس كل ما يرمي أوباما فعله يعد خطأً أو زيفاً، ففي عالم تتحرك فيه الصلاحيات المركزية أو السلطات المركزية بسرعة كبيرة، كظهور مجموعة العشرين (G20)، فإن هذا الرجل الأسود المسالم لا يميل بالفطرة إلى تشويه صورة الوسط الأوروبي، ولنقل المعتدلي الاتجاه، كما فعل أسلافه، ذلك ما يضفي دون شك بعض «الموضوعية» لتصوره النسبي لواقع أوروبا وأهميتها كما يقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين.‏

وعلى نحو مبتذل، اصطدم أوباما كسائر أسلافه بالعنف الذي تمثله حيثيات العمل في الاتحاد الأوروبي، وما تنطوي عليه من جدل بيزنطي عقيم وتفرقة وتشتت وبيروقراطية.‏

وما زاد الطين بلة، أعني بلبلة وتشويشاً أكبر، أحد بنود معاهدة لشبونة القاضي بإحداث سلطتين مركزيتين أو إصلاحات حديثة تضاف إلى تلك الموجودة أصلاً.‏

أحد المختصين في الملف الأوروبي من الحزب الجمهوري بروس جاكسون يشير بصراحة في إشارة ضمنية إلى المنافسات الجارية بين الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية إلى أن الاتحاد الأوروبي يمثله أربعة رؤساء معنيين بتمثيل أوروبا إلى جانب ميركل وساركوزي، وكل منهم ينتظر من أوباما أن يلقي القرعة عليه ليحوز منه صفة الرئيس الأظرف، وذلك ما يمتنع عنه أوباما، وهو مصيب في ذلك!! وبشعوره المنقسم جداً حيال واشنطن يستطرد جاكسون قائلاً: « الخبز المؤسساتي لم ينضج بعد، فلا غرابة إذاً أن ينتظر أوباما قبل أن يثب من الطائرة». وهذا لعمري يشكل «بلبلة واضطراباً كبيرين» وبما أن الاتحاد الأوروبي غير مدجج بالسلاح، وليس له مقعد في مجلس الأمن، فلا يستطيع، والحال هذه، أن يقدم الكثير لأوباما. ثم إن القنوات المؤسساتية المصقولة والمدربة جيداً، والتي تربط أوروبا وأمريكا، تجعل هذه القمم أو المؤتمرات الشكلية أقل لزوماً وضرورة.‏

إلى جانب القضايا التنظيمية التي يتوقعها أوباما من قادة أوروبا، ينتظر أيضاً بناء علاقة أكثر براغماتية وأقل رومانسية.‏

ذلك أن أوباما يعرف تماماً أن علاقة كهذه مبنية على طائفة من القيم والمزايا لا يمكن مقارنتها بأي علاقة أخرى. وعلينا ألا ننسى أن هذا الأخير قصد أوروبا مراراً خلال سنة واحدة كما أشارت كاترين دونفيرد، المختصة بالعلاقات فيما وراء الأطلسي، مشيرة أيضاً إلى أهمية تعاون أوروبا مع الجمهورية الإيرانية الإسلامية على سبيل المثال لكنها تستدرك على الفور قائلة: «يجب على الأوروبيين أن يدركوا أن العلاقة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي تتطلب تشكيلاً وتجديداً جديدين» ويكون ذلك بإفساح المجال لبروز سلطات مركزية أخرى في الصين والهند كما في البرازيل، إن أردنا -حقيقة- لهذه العلاقة ألا تتهمش بعد ذلك!.‏

=========================

تسونامي الأقصى

الافتتاحية

الاثنين 1-3-2010م

بقلم رئيس التحرير: أسعد عبود

الثورة

ليس للحكاية بداية محددة بدقة.. هناك أكثر من بداية.. مؤتمر بازل الصهيوني بسويسرا.. وعد بلفور.. حرب 1948.. لكن احتلال الأقصى كان في حزيران 1967 .. وبدأ الزلزال.. تسونامي حقيقي لعل الصهاينة يقدرون قوته من خلال ما يفعلون لاستمراره وتأجيجه..

لعلهم يقدرون ذلك أكثر من الكماة الصيد حماة الأقصى من عرب ومسلمين.‏

في حزيران 1967 دخلت ابنة موشي دايان «وزير الحرب الصهيوني في حينه وجنرال حرب 1967» إلى الأقصى بتحد سافر، كان كافياً أن يثير كل مسلمي الأرض إن توفر الدم للثورة.. واكتفينا بالرد شعراً.‏

منذ ذاك التاريخ هذا التسونامي مستمر.‏

يضربون.. يقتلون.. يدمرون.. لا فرق عندهم بين فلسطيني وغير فلسطيني بين عربي وأجنبي.. بين مسلم ومسيحي.. لنتذكر هنا, كم ضحية أجنبية ناشطة للسلام حول الأقصى وفي فلسطين دفعت حياتها ثمناً لتمادي الصهاينة ورغبتهم بأن لا يتوقف ذاك الزلزال الذي يحدثونه من حول الأقصى, إلا وقد بلغ اليأس نفس كل فلسطيني وعربي ومسلم.‏

هم يراهنون على أن يدرك الملل.. والضجر.. وفقدان الأمل.. الفلسطينيين وأنصارهم فيكون لهم ما يريدون.‏

بين مرحلة وأخرى يجربون إن كان هذا الجسد المقاوم من حول الأقصى قد استكان فتأخذهم المفاجأة..‏

ألم يكن تحدي شارون واقتحامه الأقصى سبباً للانتفاضة الفلسطينية التي أذهلت العالم..؟!‏

ومع ذلك.. استمر الصهاينة في مخططاتهم..‏

يريدون محو الذاكرة.. قلب الحقائق.. يريدون حتى صناعة «آثار» تكذّب التاريخ وتسخر من منطقه.. فيستمر الزلزال من حول الأقصى.‏

يراهنون على الزمن..‏

فلنراهن أيضاً على الزمن..‏

نحن الأرض.. الناس.. التاريخ.. لماذا نخاف؟!‏

الخوف فقط من أدعياء الموضوعية والواقعية.. أولئك الذين سوّغوا للسادات رحلته الشنيعة إلى الكنيست الإسرائيلي..‏

وسوّغوا أوسلو.. وسوّغوا خراب غزة.. والطعن بغولد ستون.. وخشوا «المغامرة».‏

هؤلاء يستخدمون سلاح الواقعية.. وعلى واقعيتهم يراهن الصهاينة.‏

يراهنون أن يدركنا الملل تحت جناح الخوف فيكملوا الزلزال الذي أحدثوه.‏

مازال الأقصى يلد أطفاله..‏

ومازال الأطفال يجدون حتى في الحجر، سلاحاً..‏

ومازال الشعب يرفض تلك الواقعية وتستقطبه المقاومة.‏

ليس طريقاً سهلاً.. لكن النصر فيه أكيد..‏

طريق المقاومة.. بكل أشكالها.. بكل صورها.. بمبدئها الأول الذي هو رفض إجراءات العدو.. ورفض التعامل معه طالما أنه العدو الذي يسعى لخرابنا.. خراب الأقصى..‏

الطريق طويل.. طويل..كلما مضينا فيه اقتربنا من هدفنا، وابتعدوا عن هدفهم، وما زال الأقصى يستثير ضمير المقاومة فينا.. ويدفع إلى الأرواح الميتة بالحرج.‏

إسرائيل تعرف ذلك جيداً..‏

وإن لم تكن تعرفه... عليها أن تحسبه جيداً.‏

من الصعب أن يموت الضمير.. ليعيدوا كتابة تاريخ بلا ضمير..‏

=========================

قمة في أجواء من الاسترخاء

آخر تحديث:الاثنين ,01/03/2010

الخليج

محمود الريماوي

حققت القمة العربية المقبلة في ليبيا قبل أن تبدأ إنجازين مهمين . الأول: الاتفاق الجديد للمصالحة ووقف إطلاق النار بين الخرطوم ومتمردي إقليم دارفور . والثاني انحسار معركة الحوثيين في صعدة/ اليمن وانكفاء هؤلاء عسكرياً .

 

في واقع الأمر أن القمم العربية الدورية لا تخرج بجديد يفارق الأوضاع القائمة، باستثناء إصدار بيانات غير ملزمة يجري إعدادها والموافقة عليها قبل الانعقاد . وعليه فإن الأسابيع الأربعة التي تفصلنا عن قمة طرابلس، سوف تشهد حُكماً تحريك بعض الملفات العالقة مثل قضية المعارضة الجنوبية في اليمن التي تنادي باستعادة الوضع الذي كان قائماً قبل وحدة شطري البلاد . ومثل المزيد من تطبيع العلاقات السورية اللبنانية، وتبريد الخلافات السورية المصرية، وسيعمل فرقاء فلسطينيون على إشاعة أجواء من التفاؤل حول مصالحة عتيدة بين حماس ومنظمة التحرير، وسيصار الى ترتيب مسألة مشاركة لبنان في القمة بالنظر الى اعتراض أطراف سياسية محلية على مبدأ المشاركة احتجاجاً على مكان الانعقاد، وسيصار في الأثناء الى الحد من الحملة الليبية على سويسرا . وتفادياً لأية مفاجآت، فقد تشهد القمة نسبة من غياب القادة لا تقل عن نسبة الحضور، وكما كان الحال في قمة دمشق وقمم دورية أخرى، ما دام أنه يمكن التمثيل بوزير وحتى بسفير في اجتماع القادة . وفي جميع الأحوال فقد نجحت “مؤسسة القمة” في تحويل هذا الحدث الى مناسبة بروتوكولية وإعلامية مع بعض الفوائد الجانبية مثل تمتع العواصم المضيفة بحملات نظافة وتزيين، وتنشيط بعض الخدمات المواكبة للاجتماع . ويستبعد المرء أن تكون قمة العام 2010 خارجة عن هذا السياق المستقر .

 

لن يتم على سبيل المثال متابعة تحركات أوروبية لتوقيف مجرمي الحرب “الإسرائيليين” . رغم أن الأطراف المتضررة من هؤلاء هي أطراف عربية لا أوروبية . ولن تتم مخاطبة دول أوروبية بخصوص استخدام جوازات سفر تابعة لها، سواء كانت حقيقية أو مزورة لاستخدامها في اقتراف جرائم على أراض عربية، كما في اغتيال محمود المبحوح في دبي وعماد مغنية في دمشق . ومن المستبعد أن يصار الى بحث عضوية الدولة الصهيونية في تجمعات إقليمية قارية، مثل “الاتحاد من أجل المتوسط” وفي وقت تتنكر فيه هذه الدولة للسلام وتمعن في شن الحروب .

 

وليس بعيداً عن الأضواء بل في دائرتها، فلسوف تشهد القمة لقاء مصالحة بين قيادتي الجزائر ومصر، في أول لقاء، وبعد أكثر من موقعة رياضية حامية الوطيس تُوجت باهتزاز العلاقات بين البلدين . غير أن القمة لن تقترب كما هي العادة من الخلافات بين الجزائر والمغرب حول قضية الصحراء واحتضان الجزائر لجبهة البوليساريو على أراضي مخيمات تندوف التي يقول المغاربة إنها أراضٍ مغربية تاريخياً .

 

كما سبق القول تعكس القمم الوضع القائم بمحدداته ومستوياته الماثلة، ولا تعيد النظر فيه ولا تبحث في قرارات لم يتم النظر بها سابقاً ومطولاً . غير أن المناسبة توفر منبراً جيداً ومسموعاً للخطابات، التي تبث من جميع المحطات التلفزيونية العربية . ما يشكل مناسبة ولو مؤقتة لتنشيط عمل هذه المحطات واجتذاب مشاهدين وربما المعلنين الجدد . والخطابات في العُرف العربي هي خطابات، أما السياسة الفعلية فتُتخذ وتُمارس وفقاً لمنظور المصالح المباشرة والحسابات الحسية، وليس إرضاء الرأي العام هنا وهناك أو وضعه بالضرورة في الاعتبار .

 

وقد يكون من باب التشاؤم الجهر بأن صلاح أحوال القمة ومن قبلها أحوال الأمة، منوط إما بصلاح أوضاع كل بلد عربي، وذلك بالنظر الى أن بلوغ هذا الطموح، قد يستغرق ردحاً طويلاً من الزمن، إذ إنه يبقى من المتعذر أن ينجح العرب قومياً وجماعياً، في ما يخفقون فيه موضعياً وقُطرياً . أو بإعادة النظر في تعريف الجامعة وتحديد أدوارها بما يعني إعادة تأسيسها، وهو ما لا تخفق له قلوب من يرغبون بالمزيد من تهميش هذه المؤسسة لا تنشيطها .

=========================

الحرب ليست نزهة

الإثنين, 01 مارس 2010

غسان شربل

الحياة

حديث الحرب مفتوح في الشرق الأوسط. كثيرون يجزمون بحتمية وقوعها. تساؤلاتهم تتركز على التوقيت. لهذا تغرق المنطقة في السيناريوات. مسؤولون كثر تحولوا الى محللين. واضح ان العرب لا يملكون القدرة على منع الانزلاق الى الهاوية. قرار اطلاق الحرب ليس في يدهم. وكذلك قرار منعها.

قرع طبول الحرب لا يعني بالضرورة الوقوع فيها. لا شيء يوحي ان ادارة باراك اوباما راغبة في شن حرب على ايران. واضح انها ليست جاهزة ايضاً. الإدارة نفسها مهتمة بتنفيذ وعود اوباما الانسحاب من العراق وفق الجدول المعلن. انفجار الحرب قد يجعل القوات الأميركية في العراق هدفاً لهجمات. قد يرغمها على العودة الى القتال داخل المدن والقرى. ثم ان مسار الحرب في افغانستان لا يسمح لواشنطن برفاهية فتح جبهة ثالثة مع ايران. تحتاج اميركا الى وقت لترتيب اوراقها وانتشار قواتها. تحتاج ايضاً الى استنفاد كل سبيل آخر قبل اللجوء الى آلتها العسكرية.

الحرب على ايران ليست نزهة. لا بد هنا من الالتفات الى ان اميركا ليست في افضل ايامها. اثمان الأزمة المالية العالمية كانت باهظة. الإنفاق في العراق كان خيالياً. الرأي العام الأميركي ليس جاهزاً لتقبل مغامرة من هذا النوع الآن. الوضع الدولي ليس مناسباً ايضاً. تقبّل روسيا فكرة العقوبات ضد ايران لا يعني ابداً تقبّل حرب اميركية عليها. موقف الصين واضح ومعروف. اوروبا ايضاً معنية بالعقوبات ولا تتحدث عن الحرب.

يصعب الاعتقاد ايضاً ان ايران ستبادر الى اشعال الحرب. نتيجة الحرب لا تخفى على الإيرانيين انفسهم. الضربات الخارجية لا تسقط نظاماً من قماشة النظام الإيراني لكنها ستعيد البلد برمته عقوداً الى الوراء. لا تستطيع ايران الحاق الهزيمة بأميركا في غياب تورط اميركي بري. تستطيع فقط إلهاب المنطقة والتسبب بخسائر كبيرة فيها. في حديث الحرب لا يمكن تناسي النفط وممراته وأسعاره.

لا تستطيع اسرائيل التعايش مع ايران نووية. هذا ما يؤكده المسؤولون الإسرائيليون. يقولون ايضاً ان اسرائيل ستتحرك منفردة اذا وقع العالم في خطأ التباطؤ او التردد. لكن هذا السيناريو لا يبدو سهلاً. الحرب ليست فقط الضربة الأولى. ستحتاج اسرائيل سريعاً الى مشاركة اميركية او الى دعم اميركي واسع. يصعب الاعتقاد ان اسرائيل تستطيع استدراج اميركا الى الحرب بهذه الطريقة.

صعوبات اخرى تعترض الحرب الإسرائيلية على ايران. مهاجمة المواقع النووية الإيرانية ستعني ايضاً الاصطدام بترسانة «حزب الله» في لبنان. اي محاولة برية لسحق «حزب الله» قد تعني صداماً مباشراً مع سورية. جبهة غزة قد لا تبقى هادئة ايضاً. الحرب على لبنان لم تعد نزهة بعد «حرب تموز».

يصعب الاعتقاد ايضاً ان «حزب الله» يمكن ان يبادر الى اطلاق الحرب. تهديدات اسرائيل المتكررة للحكومة اللبنانية تنذر بأخطار غير عادية. لا تستطيع اسرائيل اقتلاع «حزب الله». لكنها تستطيع الحاق دمار هائل بلبنان وإغراق الحزب في تداعيات هذه الخسائر. لا شيء يضمن بقاء الحرب في حدود مسرحها الأول. يصعب على الحزب اتخاذ القرار وحده. لهذا يستبعد ان يبادر الحزب الى اطلاق الحرب او توفير ذريعة للعدو لإطلاقها.

تغرق بعض عواصم الشرق الأوسط في سيناريوات الحرب. لكن قرع الطبول لا يعني بالضرورة انها صارت حتمية او وشيكة. اكثر من اي وقت مضى يعرف الجميع ان الحرب ليست نزهة.

=========================

مرة ومرات... افتح ملفّك يا فساد

الإثنين, 01 مارس 2010

بصيرة الداود *

الحياة

قال تعالى «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون» (القرآن الكريم - سورة البقرة). «يعدون هؤلاء - المعلمين الدجالين - بالحرية، وهم أنفسهم عبيد للفساد» (رسالة بولس الثانية). «الظلم يجعل الحكيم أحمق، والرشوة تفسد القلب» (التوراة - سفر الجامعة).

جميع الأديان السماوية تدين الفساد في أكثر من موضع وعلى نحو أو آخر، وعلى رغم ذلك لا يزال الفساد ينتشر انتشار النار في الهشيم، فيملأ البر والبحر ويبلغ عنان السماء بتفذلكه وتقعره حتى يعجز الشهود عن إثباته في أية محكمة عادلة.

تُجمِع الآراء على أن التحليل الواقعي للعديد من أنماط الفساد في مجتمعنا السعودي في شكل خاص، والعربي في شكل عام، ينطلق تاريخياً من سلوكيات يحلو لها أن تخالف أبسط قواعد العقل والمنطق والقانون والشرع، حتى أصبح تراكم أخطائها وتجاوزاتها لمختلف أنواع الفساد يشكل عبئاً على حاضر الدول ومستقبلها.

قد يسأل المرء وكيف يتم ذلك؟ والإجابة باختصار مفيد تقودنا إلى أساس ومنطلق مفهوم السلطات السياسية في أوطاننا العربية، التي أظهرت لأبناء المجتمعات منذ قرون طويلة مضت بأنها هي وحدها المصدر الرئيسي للجاه والمال والسلطان، ولن يتمكن أحد من الوصول أو النفاذ إليها إلا من طريق الولاء المطلق والطاعة العمياء، وتأييد جميع سلوكياتها حتى لو كانت على خطأ أو باطل، والسكوت عن تجاوزاتها كافة.

من هنا يتولد الفساد، ويفتح عينيه على بيئة خصبة، للتكاثر والنشأة بمختلف الأنواع والأشكال والسلوكيات، ولا سيما إذا ما وجد بيئة يُسهل فيها انتشاره واحتضانه، مثل البيئات التي تتشكل منها معظم الهياكل السياسية والنظم الاجتماعية في عالمنا العربي، والتي تضم داخل كل مجتمع ودولة طائفيات، وعشائريات، وقبليات، ومذاهب، وعنصريات، أو بمعنى آخر تعصباً عرقياً من دون أن تجد حتى الآن حلاً جذرياً شاملاً وشافياً لتلك المشكلات الحاضنة لمختلف أنواع وأشكال الفساد، يبدأ دائماً - من وجهة نظري - بالعمل على الإصلاح من أعلى القمة داخل كل مجتمع ثم يتدرج إلى الأسفل، وفي شكل صارم ووفقاً لمعايير موضوعية تسري على الجميع من دون استثناء، لئلا يصبح التجاوز على المال العام أو التحالف مع رأس المال الخاص، أو سوء استغلال السلطة والمناصب القيادية والإدارية (وما أدراك ما يفعله سوء استغلال السلطة بعباد الله، وتنفيع الأقارب والمحسوبيات والواسطات وغيرها من الأمور التي أصبحت تتكرر يومياً أمام المجتمع وبصره في حين أن السلطات وتشريعاتها وقوانينها صامتة لا تحرك ساكناً إلا عند وقوع المصائب). حتى أصبح تراكم هذا التكرار اليومي في بلادنا والعالم العربي من السلوكيات المألوفة، ثم المقبولة على مستوى المجتمع التي قد يفضي التسليم والرضوخ لواقعها إلى أن تصبح تلك السلوكيات إحدى أهم «القيم» التي من المفروض أن تسود داخل مجتمعاتنا، وقد نراها مستقبلاً تُؤَصَّلُ فقهياً وشرعياً ليصبح الجميع رهناً لفتواها، وهذا جُلُّ ما أخشاه، ولكني لم أعد أستغرب وقوعه لا محالة.

كان في قلب مفهوم النظام الإداري «البيروقراطي» واختراقه للمصالح والمكتسبات الخاصة أثره في فقدان أبسط المعايير الموضوعية في العديد من دول عالمنا العربي بالنسبة الى تولي المواقع القيادية الإدارية أو حتى على مستوى الوظائف العامة، والتجرؤ على المال العام وإهداره بشتى الطرق والوسائل، واستثمار النفوذ والمعلومات لمصالح خاصة، وشراء الذمم وفتح الباب على مصراعيه أمام الرشوة، بينما نجد أن مثل تلك السلوكيات الاجتماعية والسياسية اللاأخلاقية قد أصبحت منذ زمن بعيد محل مساءلة وعقاب في المجتمعات والأمم الأخرى غير العربية المُسْلِمَة بفضل الممارسة الديموقراطية الحقة، وحرية وسائل الإعلام، وإعطاء حق المساءلة والعقاب دوره الذي لعبه جيداً في محاربة ومكافحة هذا الداء الخطير، فاختفى العديد من تلك الوسائل والمظاهر غير الأخلاقية لديهم، في حين أنها لا تزال قائمة وفاعلة في مجتمعاتنا، إذ أن الكثيرين ممن يمارسونها لا يدانون اجتماعياً أو شرعياً أو قانونياً بسبب أنها أصبحت تعتبر نوعاً من أنواع «الحذاقة»، و «الشطارة»، و «الفهلوة» وغيرها من المصطلحات التي قَلبت رأساً على عقب كيان هذه الأمة، فأصبح الحلال فيها حراماً، والمجرم مظلوماً، والجاهل مثقفاً، والغبي لا يوجد أذكى منه على وجه الأرض. كل ذلك بفضل الفساد، بل إن كثيرين أصبحوا لا يندهشون إذا لمسوا التعامل الايجابي للمجتمع مع المفسدين، ولا سيما إذا تمت تبرئتهم شرعاً وقانوناً من فسادهم الفاضح، وبقوا على وضعهم يمتلكون كل الأموال التي وفرها لهم فسادهم، أو حاولوا تغطيتها بمظاهر التدين وطقوسه.

إن غياب الفهم الصحيح لمعنى الشعور المناهض للفساد في بلادنا والدول العربية في شكل عام كان أحد أهم الأسباب - في تصوري - لعدم إمكان تحقيق أيّ تغيير أو إصلاح حقيقي على المستوى الاقتصادي أو السياسي، ولذلك فإن من الضروري قبل البدء بأي عمل يهدف إلى وضع استراتيجية تدفع باتجاه محاربة الفساد بصوره وأشكاله كافة، ألا توضع في الأولويات مراعاة العوامل التاريخية و «الخصوصيات» الثقافية التي تعطل فاعلية أية استراتيجية توضع لمكافحة الفساد، وإنما يتطلب الأمر ضرورة التركيز على تجاوز أية سلبية قد تنتجها تلك الرابطة الصعبة بين ضرورة مكافحة الفساد، وإجراء إصلاحات اقتصادية أو سياسية أو إدارية وكذلك على المستوى الاجتماعي في شكل شامل وعام، حيث يُمكِّن ذلك بالفعل من دفع البلاد باتجاه أن تصبح دولة يحكمها الشرع والقانون الإسلامي الفعلي، أو تلك التي تحكمها القوانين الوضعية، في الوقت الذي يبعدها ذلك عن خطر الانزلاق الى أن تصبح مجرد بلاد أفراد وطبقيات. كما أن أيّ إصلاح مطلوب لمكافحة الفساد لا بد من أن يُستثمر لمصلحة متطلبات التنمية المستدامة، من خلال إصدار التوجيهات السيادية العُليا في البلاد لدفع الجهود كافة لخدمة مصالح الوطن في شكل عام، ومصالح الفرد في شكل خاص، ومراقبة تطبيق تلك التوجيهات، وعدم التسامح أو التهاون مع من يحاول اختراقها أو الهروب من تطبيقها لمصلحته الشخصية على حساب مصالح البلاد والعباد.

* أكاديمية سعودية.

=========================

من يسحب فتيل الانفجار في البلقان؟

المستقبل - الاثنين 1 آذار 2010

العدد 3581 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

ماذا يعني ان يقوم الرئيس التركي عبد الله غول بزيارة رسمية الى العاصمة الصربية بلغراد؟.

خلال الحرب في البلقان تعرّضت صربيا التي رفضت الانسحاب من كوسوفو بعد سلسلة المجازر الجماعية التي ارتكبتها قواتها هناك الى قصف تدميري في عام 1999 قام به طيران حلف شمال الأطلسي واستمر 78 يوماً.

اما الآن فقد مرت مياه كثيرة تحت الجسور المدمرة في العاصمة بلغراد. فقد زارها نائب الرئيس الاميركي جون بايدن في شهر مايو الماضي.. وتفقد خلال تلك الزيارة القوات الأميركية التي تقوم منذ عام 2006 بتدريب القوات الصربية واعادة تجهيزها..وقد شاركت فرقة من هذه القوات الصربية في الاحتفال الاستعراضي الذي نظمته ليبيا في مطلع شهر أيلول الماضي بمناسبة الذكرى الأربعين لثورة الفاتح التي قادها الزعيم معمر القذافي، وكانت بذلك تدخل لأول مرة أراض دولة عربية منذ المجازر التي ارتبطت بها في البوسنة وكوسوفو. وتأمل صربيا في استعادة الدور اليوغسلافي السابق بتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية الى ليبيا والى دول عربية اخرى. كما تأمل أن ترتفع قيمة صادراتها من هذه المعدات في العام الحالي الى نصف مليار يورو.

وابتداء من أول العام 2010 سمحت دول الاتحاد الأوروبي بقبول دخول مواطني صربيا اليها من دون تأشيرة، بعد أن كانت هذه الدول تصنف صربيا على انها دولة خارجة على القانون الدولي!!.

ومع ان صربيا "الجديدة" تعتبر ان سياستها الخارجية تقوم على الأعمدة الرئيسة الأربعة: روسيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والصين، فانها تتطلع الى استرجاع دورها في العالم الثالث، الذي كان الرئيس جوزف تيتو احد مؤسسيه وأحد كبار أعمدته (مع الرؤساء جمال عبد الناصر مصر، وشوان لاي - الصين، وأحمد سوكارنو أندونيسيا، وكوامي نيكروما غانا). وقد تقدمت بلغراد بطلب رسمي لاستضافة مؤتمر القمة القادم لدول عدم الانحياز المقرر عقده في عام 2011.

غير ان صربيا تواجه في الوقت ذاته مشكلتين تعطلان أو تعرقلان مسيرتها الانفتاحية الجديدة. المشكلة الأولى هي عدم اعتقال الجنرال راتكو مالديش الذي تتهمه النيابة العامة الدولية في لاهاي بالمشاركة مع الجنرال المعتقل رادوغان كاراديتش بارتكاب جرائم ضد الانسانية في البوسنة ولمسؤوليته المباشرة عن قتل أكثر من ثمانية آلاف مسلم في بلدة سبرينتشا قبل أن تتوقف الحرب في عام 1995 نتيجة لاتفاق دايتون (في الولايات المتحدة).

وتؤكد معلومات الانتربول ان مالديش موجود في صربيا وان السلطات متواطئة في التستر عليه.

اما المشكلة الثانية فهي عدم الاعتراف باستقلال كوسوفو والعمل على عرقلة اعتراف دول العالم بالدولة البلقانية الجديدة التي تعرضت الى حرب ابادة خلال السيطرة الصربية عليها.

وكان انهيار الاتحاد اليوغسلافي السابق قد ادى الى قيام دول جديدة، من بينها دولتان تتمتعان بأكثرية اسلامية هما كوسوفو والبوسنة. وتحظى كوسوفو حتى الآن باعتراف 62 دولة فقط بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، الا ان بقية الدول وعلى رأسها روسيا والصين واسبانيا ترفض الاعتراف بها. فروسيا متضامنة مع صربيا حليفتها الستراتيجية، الا انها، الى جانب الصين واسبانيا، تخشى ان يؤدي الاعتراف بكوسوفو الى تشجيع الحركات الانفصالية على المطالبة بالاستقلال ايضاً (الشيشان في روسيا وسينكيانع في الصين وكتالونيا في اسبانيا).

اما البوسنة التي تتمتع باعتراف دولي واسع، فانها تواجه وضعاً صعباً وخطيراً للغاية نتيجة مطالبة الشطر الصربي منها بصلاحيات ذاتية أوسع أو بالانفصال عن البوسنة نهائياً ومن ثم الانضمام الى صربيا.

أدّت هذه المشكلة الى شلّ الدولة البوسنية طوال السنوات الثلاث الماضية. وكان اتفاق دايتون قد رسم صيغة للحكم، كما رسم حدود الدولة على اساس اتحادي بين الصرب (الأرثوذكس) من جهة والكروات (الكاثوليك) والبوسنيين (المسلمين) من جهة ثانية. وقد استطاعت الدولة الجديدة تدبير شؤونها بمساعدة وبإشراف أوروبي أميركي مشترك من عام 1995 حتى عام 2006. أما الآن وفي الوقت الذي يطالب فيه المسلمون البوسنيون بتعزيز مركزية الدولة، فان الصرب في بنجالوكا يرفعون علناّ شعارات الانفصال ويرفضون الانخراط في السياسة العامة للدولة.

ومما يزيد الوضع سوءاً ان الاتحاد الأوروبي قرّر اقفال مكتبه في العاصمة سراييفو على أساس انه لم يعد ضرورياً. غير ان الولايات المتحدة تعارض هذا القرار وتحذر من ان التخلي عن البوسنة في هذا الوقت بالذات ربما يؤدي الى انهيار الوضع من جديد مع ما يعنيه ذلك من تداعيات أمنية وليس سياسية فقط!.

وازاء التصلب الصربي، فان الضغط الاميركي الأوروبي ينصبّ مرة جديدة على البوسنيين المسلمين لقبول المطالب الصربية بمنحهم مزيداً من الصلاحيات الذاتية. وبالمقابل تتعهد اوروبا بمنح البوسنة وضع الدولة المرشحة للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي وفي حلف شمال الأطلسي.. كما تتعهد بإعطاء البوسنيين حق دخول الدول الأعضاء في الاتحاد من دون تأشيرة.

يقود المفاوضات حول هذه الامور الصعبة والقابلة للاشتعال وزير خارجية السويد الذي تترأس بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي والذي شغل قبل ذلك منصب المندوب الأوروبي في البوسنة بعد توقف الحرب مباشرة. ويضم الوفد المفاوض عن الولايات المتحدة نائب وزير الخارجية جيم شتاينبرغ الذي سبق له ان لعب مع السفير ريتشارد هوليروك دوراً أساسياً في صياغة اتفاق دايتون في عام 1995.

ويبدو ان اللعبة السياسية تقوم على الضغط والضغط المعاكس. فصربيا تتعرض للضغط من اجل وقف معارضتها لاستقلال كوسوفو بذريعة المحافظة على حقوق الأقلية الصربية فيها، وترد صربيا بالضغط على البوسنة من خلال تهديد الاقليم الصربي فيها بالانفصال عن الدولة الاتحادية.

وفي ضوء ذلك يبدو البلقان مرة اخرى على قاب قوسين أو أدنى من حركة يخشى ان تعيده الى نقطة الصفر. من هنا اهمية زيارة الرئيس التركي الى صربيا. فوريث "التركة العثمانية" يمكن ان يلعب دوراً أساسياً جديداً يضاف الى الأدوار التي تقوم بها بلاده في الشرق الأوسط، وفي آسيا الوسطى. ونظراً لعلاقات تركيا التاريخية والدينية والاثنية مع البلقان، فان مجرد زيارة عبد الله غول الى بلغراد من شأنها ان تشجع على فتح صفحة سلمية في السجل الدموي الطويل للمنطقة كلها.

=========================

تويوتا وتكلفة الحداثة

تشارلز كروثمر

الشرق الاوسط

1-3-2010

من المفاجئ أن جلسات الاستماع داخل الكونغرس التي تناولت مشكلة «تويوتا» متحضرة نسبيا. وبعيدا عن بعض الغطرسة المسرحية الحتمية، كان الاستجواب بصورة عامة محترما، وكانت الانفعالات منضبطة. وكان هذا هو العنصر الأبرز على الرغم من النزعة الدرامية التي سيطرت على جزء منها، مثلما حدث عندما بكت روندا سميث وهي تروي حكايتها عندما كانت تقود سياراتها «لكزس»، اتصلت بزوجها لأنها كانت «تريد سماع صوته لوقت أطول».

ربما تجعلك تلك القصص المؤلمة تود شنق أول مسؤول من شركة «تويوتا» تقابله في طريقك. ولكن، هذه القضية أكبر وأكثر تعقيدا.

ينتج أي مجتمع صناعي أشياء مدهشة وبأعداد كبيرة، مثل السيارات والأدوية والأجهزة الطبية. وتبدو هذه الأشياء رائعة، ومع ذلك يحتمل أن تكون مميتة أيضا. وفي بعض الأحيان تخدعنا عناصر الروعة. ولدى أي شخص يحصل على أجر عادي سيارة تنقله، فيها وسائل رفاهية وحرية وراحة أكبر من التي كان يتمتع بها أي ملك مسافر خلال القرون التي سبقت القرن العشرين. كما تحول الأدوية الحديثة دون الشعور بالمزيد من الآلام والضعف، ومن دون حدوث عدد أكبر من الوفيات بالمقارنة مع أي شيء استخدمه البشر في الماضي.

والقضية هي: كيف يمكن التمييز بين الفشل الجوهري والفشل المنهجي؟ وعلى سبيل المثال، كيف يمكن التمييز بين خطأ يحدث في خط تجميع السيارات، ومشكلة جوهرية في هندسة موديل السيارة؟ وكيف يمكن التمييز بين نفسية مريض تؤدي إلى حدوث آثار جانبية بعد تناول دواء معين، ومشكلة جوهرية تتعلق بالدواء تجعله خطرا ولا يمكن قبوله؟

لنفكر في الشيء الغريب في إعلانات هذه الأدوية على شاشات التلفزيون. خلال 50 ثانية، يتناول الإعلان المجهود العلاجي المبذول، ويتبعها نحو 45 ثانية لذكر قائمة سريعة للآثار الجانبية المحتملة المريعة. وعندما ينتهي الإعلان، لا يمكن تذكر شيء حول وظيفة الدواء، غير أنه يؤدي إلى الشعور بالغثيان وتليف الكبد والقيء وحدوث طفح جلدي وانتصاب لمدة أربع ساعات وموت مفاجئ. ويعد الموت المفاجئ الشيء المفضل بالنسبة إلي، إذ ثمة شيء مضحك في أن يكون الموت المفاجئ عرضا جانبيا. وما التأثير الرئيسي في تلك الحالة تحديدا؟ هل هو التخفيف من انتفاخات البطن؟ وكم من الوقت يمضي قبل أن نقول «كفى»، ونسحب الدواء من السوق؟

ولا تتخيل أننا لا نحسب ببرود التكلفة البشرية. في عام 1974، خفض الحد الأقصى للسرعة إلى 55 ميلا لكل ساعة بهدف توفير البترول. وأدى ذلك إلى تراجع كبير في الإصابات المرورية، قرابة 3000 روح كل عام. ولم يمنعنا ذلك بعد مرور أزمة النفط من رفع الحد الأقصى للسرعة ليعود إلى 65 ميلا في الساعة وأكثر، على الرغم من أننا كنا نعلم أن الآلاف من الأميركيين سيموتون بسبب ذلك. لم تكن الحسابات صريحة، ومع ذلك كانت حقيقة، وكنا مستعدين نوعا ما للتضحية بعدد من الأرواح البشرية مقابل السرعة، ومقابل الفاعلية والملاءمة التي تأتي معها.

ولا يهدف ذلك السماح ل«تويوتا» بالهرب من هذا الموقف تحت دعوى أن المنتجات كافة فيها مخاطر. وقد أقر المسؤولون التنفيذيون في «تويوتا» فعلا بأنهم استهانوا بالتقارير الخاصة بدواسات السرعة. ويبدو، أخيرا، أنهم يبذلون جهدا جادا جدا لإصلاح ما يمكن إصلاحه، مع استئناف فحص احتمالية وجود مشكلة في بعض الأجهزة الإلكترونية الإضافية.

ليست استهانة بذكرى من قتلوا وأحزان من ورائهم أن نقر ببساطة أن أفضل التقنيات التي تنتجها أميز الشركات في العالم يمكن أن تشوبها أخطاء وتؤدي إلى حالات وفيات، وأن الاستجابة الذكية ليست مشاعر الغضب والعقاب، بل العلاج المتزن والاعتراف بالتكلفة الكبيرة التي ندفعها، طواعية، مقابل الحداثة بما تدره من أشياء رائعة وأخرى خطيرة.

*خدمة «واشنطن بوست»

=========================

أوباما يراهن على آسيا وسط حذر القوى الإقليمية

جيم هوغلاند

الشرق الاوسط

1-3-2010

تشكل آسيا مفترق طرق لنجاح أو إخفاق الخطط الأهم للسياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما. وتبلور هذا الانطباع على مدار عام بدا الرئيس خلاله غير مبال تجاه أوروبا، وعاطفيا ومضطربا إلى حد ما بشأن أفريقيا، ومتحيرا بشأن الشرق الأوسط وغافلا إلى حد كبير عن أميركا اللاتينية.

تبدو خيارات أوباما بشأن الصين والهند واليابان وباكستان مهمة على الأقل بنفس درجة أهمية التحديات الملحة المتعلقة بالحروب في أفغانستان والعراق. وأوضح الرئيس حاجة الولايات المتحدة إلى التخلص من الأعباء بإلقائها على جهات خارجية من أجل المساعدة في إصلاح الاقتصاد الأميركي الذي لحقت به أضرار بالغة. يعني ذلك أنه يجب على أوباما تسوية الأعباء - والسلطة - الأميركية المهملة عبر مجموعة من المنظمات الدولية يزيد فيها نفوذ بعض الدول الآسيوية على نحو متزايد. ألقى الرئيس بمجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى إلى غياهب النسيان في خطاب «حالة الاتحاد»، حيث أنه لم يذكر هذه الدول مطلقا فيما أشار إلى مجموعة العشرين، المؤلفة من دول متقدمة ونامية. ولم يسقط ذلك سهوا؛ حيث تأمل إدارته أن تخرج مفاوضات التغير المناخي من إطار الأمم المتحدة الذي يصعب السيطرة عليه والذي أسهم في فشل قمة كوبنهاغن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ووضع هذه المحادثات في إطار مجموعة العشرين، بحسب مسؤولين أميركيين.

تقدم القوى العظمى في آسيا، وهي الهند والصين، نموذجين متباينين ومتعارضين للتعاون الدولي. يحتاج العالم في ظل مجموعة العشرين بشدة إلى علاقة ديناميكية بين الولايات المتحدة والهند، وذلك من أجل المساعدة في تسوية الانقسامات داخل هذه المنظمة بين الدول الغنية والدول الفقيرة وأنظمتهم السياسية المختلفة. لكن هنا في نيودلهي، تزداد مخاوف مسؤولين هنود من أن الفريق المعاون لأوباما لا يرى الأمر على هذا النحو. يشعر الهنود بالفخر لأن مأدبة العشاء الرسمي الوحيدة التي استضافها أوباما العام الماضي كانت على شرف رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، الذي سيجعله ذكاؤه اللافت وأسلوبه المهذب ضيفا مرحبا به في أي مكان. لكنهم أيضا يلاحظون اتباع واشنطن توجهات متناقضة حيالهم، ويتمثل رد فعلهم في أنهم يحتاطون من أي انسحاب أميركي سريع من أفغانستان لأن من شأنه أن يتسبب في اعتماد أميركي اكبر على الصين وباكستان على حساب الهند.

وتجد الهند، التي تقربت إليها إدارة الرئيس الأميركي السابق بوش لإحداث توازن مع الصعود المستمر للصين كقوة عسكرية واقتصادية، نفسها غير متفاهمة مع إدارة أوباما بشأن بعض القضايا الأساسية. ورغم عدم وجود أي صراع معلن بين الجانبين، فإنه لا يوجد أيضا جو من الإثارة والابتكار بشأن علاقة الولايات المتحدة شبيه بما عاينته خلال رحلتي الأخيرة إلى الهند قبل 18 شهرا.

ومنذ ذلك الحين، رفضت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بوضوح سياسة توازن القوى باعتبارها من مخلفات الماضي. ومع ذلك تشعر الهند واليابان ودول آسيوية أخرى بالخوف من أنه من دون الدعم الأميركي، فستطغى عليهم القدرات العسكرية المتنامية للصين ودبلوماسيتها الفعالة والنشطة على نحو متزايد.

والفكرة الخيالية إلى حد ما لمنظمة مجموعة الاثنين، والتي تتعاون فيها الولايات المتحدة والصين لتحديد الاتجاه الاقتصادي والسياسي العالمي، تصطدم بالواقع على نحو متزايد، ذلك أن التوترات بشأن تايوان والتجارة والتبت تجعل فكرة مجموعة الاثنين غير قابلة للتطبيق، وهو ما أظهرته الأحداث الأخيرة مرة أخرى. لكن الخوف لا يزال يساور الآسيويين، وكذلك الأوروبيين، من أن أوباما سيميل لمحاولة تطبيق الفكرة، رغم أن بناء مجموعة اثنين فاشلة سيشكل النتيجة الأسوأ بالنسبة للجميع.

يقول بي جيه باندا، أحد السياسيين الشباب الصاعدين في الهند، «تنطوي مجموعة الاثنين على فكرة أن الولايات المتحدة ستترك آسيا للصين لتديرها». ويضيف خبير استراتيجي آخر: «علينا تحقيق التوازن مع الصينيين، بغض النظر عما تفعله الولايات المتحدة والآخرون». وأثار تأكيد أوباما على وضع موعد مبدئي للانسحاب من أفغانستان في خطابه الذي ألقاه في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في الوقت الذي أرسل فيه مزيدا من القوات الأميركية، الشكوك في الهند بشأن الصبر الاستراتيجي للولايات المتحدة. وتصاعدت الشكوك أيضا جراء الزيارات العسكرية الأميركية المتكررة والثناء المبالغ فيه لقيادة الجيش الباكستاني على الرغم من وجود أدلة موثوق بها على تورط باكستاني رفيع المستوى في الإرهاب العابر للحدود الموجهة ضد الهند. والانطباع السائد بعد ثلاثة أيام من المحادثات غير الرسمية التي نظمتها في الهند «أسبن ستراتيجيك غروب» مع مسؤولين ومحللين هنود، هو أن باكستان أصبحت مشكلة من الدرجة الثانية بالنسبة للهند، في الوقت الذي تستحوذ فيه على اهتمام متزايد في واشنطن. وما وصفه أحد المحللين الهنود على أنه «التنبيه النووي لأوباما» يعطي أيضا باكستان قدرة متزايدة على التأثير على واشنطن.

وفي الفترة الأخيرة، نقلت الهند القوات بعيدا عن الحدود الباكستانية في الوقت الذي عززت فيه من نشر القوات على المناطق الحدودية التي تدعي الصين الحق فيها عبر خطابات عدوانية مثيرة للمشاكل. وفي انحراف عن سياستها السابقة القائمة على رفض وجود قواعد أجنبية في المنطقة، قامت الهند بضمان نيل الجيش تصريحا بالمرور عبر ونشر قوات في قاعدة جوية في طاجيكستان. وبالغت حكومة سينغ في الترحيب برئيس الوزراء الياباني الجديد يوكيو هاتوياما في زيارة قام بها إلى البلاد مؤخرا لمدة ثلاثة أيام وشملت الإعلان عن خطط لعقد مناورات عسكرية مشتركة في المحيط الهندي.

تعد تلك مؤشرات واضحة على أن الهند تأخذ احتياطاتها، حيث تسعى لحشد حلفاء استعدادا للسيناريو الأسوأ في حين تعمل على استيعاب الصين فيما يخص القضايا الاقتصادية. وأسهم في هذه السياسة الهندية إخفاق إدارة أوباما في إعادة التأكيد بوضوح على أن صعود الهند يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية. وهذا خطأ ينبغي للرئيس تصحيحه سريعا، من أجل خدمة رؤيته الخاصة بنظام عالمي جديد متمركز على المحيطين الهادي

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ