ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 14/02/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رفع الالتباس في خطاب حماس

فهمي هويدي

حين قرأت في احدى صحف الأحد الماضي أن «حماس» فتحت الملف الاجتماعي، وأن قادتها المرشحين ـ محمود الزهار ـ أدلى في مهرجان انتخابي بتصريحات في هذا الصدد أثارت مخاوف قطاعات من الفلسطينيين، بحثت عن تلك التصريحات في ثنايا الخبر المنشور على الصفحة الأولى، فوجدتها كالتالي: قال الدكتور الزهار في المهرجان الذي أقيم في «بيت لاهيا» ان الحركة بعد فوزها ستسعى إلى اعادة صوغ المجتمع الفلسطيني «على أسس اسلامية وادارية صحيحة، بعيداً عن الفساد والفوضى والمحسوبية». مضيفاً أن عملية التفاوض مع اسرائيل مرفوضة كلياً، وأن كتائب القسام ستبقى، وستزداد عدة وعددا.

أضاف تقرير الصحيفة اللندنية إن هذا الخطاب نقل دعاية الحركة الانتخابية من الملف السياسي إلى الملف الاجتماعي، ومس وتراً حساساً لدى شريحة من أهالي الضفة الغربية الذين يخشون من أن تفرض عليهم حماس مواقفها الاجتماعية. وفي سياق استعراض المخاوف التي عبر عنها البعض من جراء ذلك الهاجس، نقلت الصحيفة عن احدى الاعلاميات الفلسطينيات قولها أنه إذا فازت حماس، فإنها ستهاجر إلى البرازيل، وعبر آخرون عن قلقهم من أن تتدخل حركة حماس في حياتهم الخاصة، وتجعل كل شيء ممنوعاً باسم الدين.

دققت في النص المنشور فوجدت أن كلام الزهار ركز بوضوح على خمسة أمور هي: الفساد والفوضى والمحسوبية، والتفاوض مع اسرائيل وتعزيز المقاومة. ولم أجد شيئاً يشير إلى «الحياة الاجتماعية»، الأمر الذي جعلني أرجح أن محرر التقرير استنتج ذلك من قول الدكتور الزهار أن الحركة ستسعى إلى اعادة صوغ المجتمع الفلسطيني على أسس سليمة. بالتالي فإنه لم يتصور «الأسس السليمة» التي عناها إلا في حدود التدخل في الحياة الشخصية للناس، عن طريق لبس حجاب الرأس مثلاً، أو تعديل قوانين الأحوال الشخصية. وبدا ذلك التصور طاغياً إلى الحد الذي جعل المحرر يسقط من اعتباره الاشارات الصريحة إلى شيء من الأمور الخمسة التي تحدث عنها الزهار، ويركز على تأويل معين للعبارة الفضفاضة التي تحدثت عن اعادة صوغ المجتمع الفلسطيني.

ولست في مجال تحري نية محرر التقرير، وما إذا كان قد فعلها عامداً ولسوء منه، أم أنه عالج الأمر بتلقائية لا تخلو من البراءة، متصوراً أنه طالما كانت حماس ذات توجه اسلامي فمن الطبيعي أن أول ما تنشغل به هو الأخلاق والمظاهر والشعائر، على نحو ما فعلت طالبان في أفغانستان، حين أجبرت الرجال على اطلاق لحاهم وتدخلت في أزياء النساء ومنعهن من العمل، وأجلت مواصلة الفتيات للتعليم لحين بناء مدارس مستقلة لهن، لضمان عدم الاختلاط.

هذا التصور ليس مفاجئاً، ولكنه شائع في دوائر الاعلام الغربي والعربي، بعدما أصبح ذلك المفهوم الطالباني للعمل الاسلامي مستقراً في الأذهان ومهيمناً على المدارك. بحيث لم يعد كثيرون يرون غيره. وكأن الاسلام لم ينزل ولم يعرف تطبيقاً قبل ظهور حركة طالبان بأفغانستان في منتصف التسعينيات.

هذا الذي حدث مع حماس في فلسطين، تكرر بنفس الأسلوب في الانتخابات التشريعية الأخيرة في مصر، ذلك أن القوى الحزبية المنافسة والمثقفين العلمانيين المخاصمين لمجمل التوجه الاسلامي لم يجدوا ما يقولونه في ذم الاخوان ومحاولة فض الناس من حولهم، سوى فكرة التدخل في الحريات الخاصة والعامة. ومن أسف أن منابر الاعلام الرسمية (الصحف القومية والتليفزيون) شاركت في الحملة من هذه الزاوية، الأمر الذي أشاع الخوف في بعض قطاعات المجتمع. وكما نقل محرر تقرير الصحيفة اللندنية عن الاعلامية الفلسطينية قولها انها ستهاجر إلى البرازيل إذا فازت حماس، فإن قطباً قبطياً معروفاً هو الدكتور ميلاد حنا فاجأنا بإعلان مماثل، قال فيه انه إذا تسلم الاخوان السلطة فإنه سوف يهاجر من مصر!

هذا حدث في الجزائر أيضاً، بعدما فازت حركة الانقاذ في انتخابات البلديات أولاً، ثم رجحت كفتها في الانتخابات التشريعية التي أجريت في بداية التسعينيات، وعلى الفور أطلقت حكاية التدخل في الحياة الخاصة للناس، وجرى الترويج لها بشدة، إلى الحد الذي دفع بعض عناصر النخب الجزائرية إلى مغادرة البلاد إلى فرنسا.

هذه الخلفية تستدعي أربع ملاحظات على الأقل هي:

أن ثمة صورة نمطية للتوجه الاسلامي تمكنت من عقول كثيرين، من جراء الالحاح الاعلامي المضاد المكثف، وبمقتضى هذه الصورة فان ما هو اسلامي صار مرتبطاً في الأذهان بالتخلف والقمع ومصادرة الحريات. وهذه الصورة تستثمر ممارسات بعض المنسوبين إلى العمل الاسلامي، الذين قد يكونون كذلك بالفعل، غير أن المشكلة تنشأ من تعميم تلك الممارسات على الجميع.، علماً بأن القمع والتخلف الذي يعاني منه العالم العربي في الوقت الراهن تمارسه نخب وأنظمة أقرب إلى العلمانية منها إلى الاسلام، وأكثرها في اشتباك مع الحالة الاسلامية، مستمر منذ عقدين على الأقل.

يلفت النظر في هذا الصدد أن الاخوان المسلمين في مصر، وهم يحاولون مقاومة تلك الصورة النمطية وتغييرها، عمدوا إلى طباعة كتاب تضمن أسئلة واستجوابات ممثليهم السبعة عشر بمجلس الشعب في دورته السابقة، التي كان أغلبها منصباً على هموم الناس ومشكلات المجتمع، ولم يكن بينها شيء مما تروج له الصورة النمطية الرائجة. وبعد انتخاب 88 منهم في البرلمان الجديد، فإن مشاركاتهم ركزت على استجواب الحكومة بشأن قضايا الحريات، وإهدار الأموال العامة، وانهيار الخدمات الصحية وما إلى ذلك . ومع ذلك فإن الأبواق الاعلامية المضادة ما زالت تلح على تخويف الناس من مجرد وجودهم داخل مجلس الشعب، رغم محدوديته. وازاء استمرار الحملة التي تسعى إلى تكريس الصورة النمطية، فإنهم قرروا أخيراً أن يجمعوا الأسئلة وطلبات الاحاطة والاستجوابات التي يقدمونها في المجلس، في تقارير أسبوعية توزع على كل الكتاب والصحافيين ووكالات الأنباء، لإطلاعهم على حقيقة ما يقومون به، ولعلهم يرون ما أغمضوا أعينهم عنه.

ان الاصرار على تخويف الناس من التوجه الاسلامي إذا كان قد أحدث صداه في بعض الشرائح صاحبة الصوت العالي، فإنه لم يؤثر كثيراً على الرأي العام في المجتمع. أعني أن الحملة ربما سمحت الأجواء وأشاعت فيه التوتر حقاً، لكن ما يلفت النظر أن صناديق الانتخاب ونتائج الفرز لم تستجب لذلك التسميم. والنتائج التي حققتها حماس في انتخابات البلديات، وتلك التي حققها الاخوان في مصر دالة على ذلك. وقد رأى الجميع كيف أن السلطة في مصر استخدمت كل ما كان متاحاً من أساليب القمع والمصادرة والحظر لكي توقف عملية التصويت لمرشحي الاخوان.

انه يظل مستغرباً أن تظل النخب العربية تنادي بالديمقراطية لسنوات عديدة، ثم حين يلوح في الأفق أن الانتخابات أتت بما لا يحبونه، ينقلبون عليها ويرفضون ما انتهت إليه خيارات الناس، وأحياناً ينتقدون اختياراتهم ويتهمونهم بقلة الوعي وسوء التقدير، وهو موقف أقل ما يوصف به أنه غير ديمقراطي، من حيث أنه يقبل بالديمقراطية فقط حتى تسفر عما يشتهون، في حين أن الايمان الحقيقي بالديمقراطية يقاس بمقدار قبول المرء بما يكره وليس بما يحب. والإطار الفاصل في المسألة هو احترام الدستور والقانون، وليس المصالح والأمزجة والأهواء.

ان الحركات الاسلامية، سواء كانت الاخوان أو حماس أو غيرهما، كثيراً ما تثير الالتباس في الأذهان من جراء تداخل موقفها الدعوي مع رؤيتها السياسية، الأمر الذي يفرض عليها ضرورة اعادة النظر في تشكيلاتها، بحيث تفصل بين الاثنين بما يرفع الالتباس. وبالتالي يسد الثغرة التي توفر لكثيرين من الناقدين أو المخاصمين فرصة التشهير والتخويف، وإذا رجعنا إلى التصريح المنسوب إلى الدكتور محمود الزهار، فسنجد فيه ذلك التداخل الذي أعنيه، فحديثه عن اعادة صوغ المجتمع الفلسطيني هو مشروع حماس الدعوي والتربوي الذي ترتكز عليه منذ تأسيسها، أما اشاراته الصريحة إلى الفساد والفوضى والمحسوبية والموقف من التفاوض مع اسرائيل أو من المقاومة، فهو البرنامج السياسي لحماس الذي به تخوض الانتخابات، أو هذا ما أفهمه على الأقل. ذلك أنني لا أتصور أن تشارك حماس الانتخابات في بلد محتل، ورصيدها في المقاومة لا يحتاج إلى بيان، لكي يحتل الملف الاجتماعي صدارة برنامجها.

هذه النصيحة وجهت إلى الاخوان في مصر، من قبل بعض الباحثين الغيورين والمنصفين، لكن صداها لم ينضج بعد في داخل الجماعة، وأرجو أن يفكر فيها الآخرون بشكل جاد، خصوصاً في فلسطين، حيث يظل مهماً للغاية أن تتضح الخطوط والمسارات بين مقاصد مشروع طويل الأجل، وبين واجبات الوقت وأولوياته.

الشرق الأوسط 25/1/2006

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ