ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 24/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


لبنان: هل هي قصة صواريخ؟

ميشيل كيلو

23/02/2010

القدس العربي

كلما ذكر حزب الله، قال المتحدثون: إن لدى حزب الله كذا ألف صاروخ، لذلك لن يتجرأ العدو على مهاجمة لبنان أو الحزب.

وعندما تذكر الدول العربية، لا يقول أحد إن لديها كذا مليون صاروخ، لذلك لا تتجرأ إسرائيل على مهاجمتها أو العدوان عليها، بل يقولون: إن العرب ضعفاء، وليس لديهم القدرة على التصدي للعدو: في ميدان الحرب كما على طاولة المفاوضات.

عند الحديث عن حزب الله، الذي قاتل دوما بحد مقبول من السلاح، وحد أعلى من الاستعداد الروحي والمعنوي، يعتبر المتحدثون السلاح عنصرا فاعلا يحسب العدو له ألف حساب. ويقولون إنه على حق في تهيبه وخوفه منه، فقد علمته تجاربه أن السلاح بيد مقاتلي الحزب عنصر فاعل حسب حسابه، وأنه ليس فقط زينة لهم، بل هو كذلك أداة قتل تصيب وتدمر ماديا ومعنويا، فمن الأفضل تحاشيه.

يمتلك أكثر الجيوش العربية ضعفا عشرة أضعاف ما لدى حزب الله من سلاح. ويمتلك أي جيش عربي من وسائل الدفاع والهجوم ما هو أكثر تنوعا وتكاملا مما لدى الحزب. مع ذلك. ... ماذا فعلت أسلحة الجيوش، وكثير منها معادل لسلاح إسرائيل أو متفوق عليه؟. لماذا استمرت كل حرب أياما قليلة فقط، قبل أن يحدث ما يعرفه كل عربي وما يجعل الناس لا يذكرون سلاح الدول، ويؤمنون بقوة تجربتهم الملموسة أن القصة ليست قصة سلاح وصواريخ، بل قصة إيمان صادق يصنع قلوبا حديدية.

لا مجال، أيضا، لمقارنة ما لدى حزب الله من أسلحة بما لدى العدو. لا يمتلك حزب الله سلاحا جويا أو مدرعا أو بحريا أو وحدات محمولة جوا أو بحرا، أو جيشا بريا. إنه يملك مقاتلين وحسب، ويستخدم أسلحة خفيفة مما يستعمله جندي مشاة واحد أو عدد قليل من المقاتلين، كمدافع الهاون والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات والبنادق الفردية. مع ذلك، نجح مقاتلوه في الحد من تأثير الطيران عليهم، ودمروا مرابض مدفعية ثقيلة بمدافعهم الخفيفة وصواريخهم المحمولة، وأصابوا قطعة بحرية ذات قدرات تقنية ونارية جدية، وأقاموا مجازر حقيقية لدبابات الميركافا، التي قيل إنها عصية على التدمير بأي سلاح، بينما واجهوا وحدات النخبة من جيش العدو بمعارك ضارية خاضها ضدهم عدد محدود من المقاتلين، نجح في صدهم وردهم عن قراه ومواقعه العسكرية، وألحق بهم خسائر كبيرة.

لم تحسم أسلحة العدو حربه أو معركته ضد الحزب، رغم أنه استهدف عددا محدودا من الرجال ومناطق جغرافية صغيرة نسبيا، واستخدمها بإفراط، كما قال ضباط أمريكيون كبار. أما السبب، فهو معنوي / فكري أساسا، فقد استخدم مقاتلو الحزب أساليب قتالية متفوقة على أساليب العدو، تتفق مع ما في أيديهم من سلاح استخدموه ببراعة وإتقان. في حين أحاطوا الخطط والأساليب والأسلحة بحاضنة معنوية / روحية، فردية / شخصية ومجتمعية، جعلت منهم أصحاب حق وقضية يواجهون جنديا صهيونيا مشحونا بالعنصرية، فهزموه رغم تفوقه في السلاح، وتمكنوا من هزيمته في كل مرة قاتلوه. ليست القضية إذن قضية صواريخ ومدافع. هناك حد أدنى من السلاح يجب توفره، فإن حمله أصحاب قضية وطنية وإنسانية وأتقنوا استخدامه، وكانت لديهم خطط ملائمة، ضمنوا النصر، حتى على قوة تفوقهم عددا وعدة، لكنها بلا روح. ولعله ليس أمرا قليل الأهمية أن بعض قادة الجيش الإسرائيلي اعترفوا بوجود نوع من الندية بين قواتهم وقوات الحزب، بينما اعترف بعضهم الآخر بتفوقه الميداني، وعزوه إلى الجانب المعنوي الروحي: الخطط والإيمان، ولم ينسبوه إلى السلاح، مع أن هذا روع صهاينة فلسطين المحتلة كما لم يسبق لأي شيء آخر لدى العرب أن روعهم، فغادر مئات الآلاف منهم بيوتهم، أو ذهبوا إلى الخارج.

ليست القضية قضية سلاح، فهو متوفر لدى العرب أكثر بكثير مما هو متوفر لدى عدوهم. إنها قضية اقتناع بضرورة وشرعية القتال، وقضية استعداد له، ورغبة في التضحية والفداء، وإيمان بالوطن وبالنفس، ورفض للذل، والوعي بأنه يكون بالقطع شخصيا أيضا، إن كان وطنيا أو قوميا وعاما.

إن القليل من السلاح لا يحول دون تحقيق انتصارات، والكثير منه قد لا يحقق غير الهزائم، إذا لم ينضو في إطار يجعله يتكامل مع خطط صحيحة وإيمان يشحن من يستخدمونه بروحية تؤهلهم للجود بأنفسهم من أجل حرية وكرامة وطنهم وشعبهم وأمتهم، التي هي حريتهم وكرامتهم الشخصية أيضا.

هنا مربط الفرس، وهذه نقطة الضعف، التي تثلم السلاح وتحوله إلى كتل حديدية لا نفع فيها. يملك مقاتل حزب الله تفوقا معنويا/ روحيا هو سر انتصاراته، فضلا عن أنه ليس مشغولا بالجري وراء منافعه الشخصية وملذاته. إنه يقوم بواجبه بتواضع ونكران ذات، ويقاتل دفاعا عن الحياة، فإن تطلب الأمر حماها بطلب الشهادة، واندفع إلى لقاء عدوه دون تردد أو خوف. إن قوته في روحه، والإنسان الحقيقي يعيش من روحه، بينما تعيش البهائم بلا روح، بلا قيم، على العلف وحده!.

لولا حزب الله، بسلاح مقاتلي القليل نسبيا وروحهم التي بلا سقف أو حدود، لما كان بوسع أحد في المشرق العربي النوم مطمئنا إلى أن العدو لن يحتل في الليل بيته أو قريته أو مدينته!.

' كاتب وسياسي من سورية

========================

كنائس القدس تشكو من اعتداءات ال"حريديم"

المستقبل - الثلاثاء 23 شباط 2010

العدد 3576 - رأي و فكر - صفحة 19

جيروم شاهين

نقلت، في الفترة الأخيرة، وكالات الأنباء خبراً مفاده أن بلدية القدس استضافت اجتماعاً ضمّ مندوبين عن الكنائس المسيحية في القدس ووزارة الخارجية الإسرائيلية والبلدية وحاخام من "الطائفة الحريدية"، للبحث في تصاعد اعتداءات اليهود المتشددين "الحريديم" على كنائس في القدس وكهنتها، خصوصاً في ضاحية "مينا شعاريم" التي يسكنها هؤلاء. وتنوّعت أخيراً اعتداءات "الحريديم" على الكنائس وممثليها، مثل البصق على رهبان وراهبات وشتمهم، وإلقاء جيفة قط في ساحة إحدى الكنائس، وكتابة شعارات مهينة للسيد المسيح على الجدران، وإلقاء حجارة.

قد تكون اليوم طائفة "الحريديم" الأكثر أصولية في اليهودية. فما هي ملامح صورتها؟

في البداية، لا بد من التأكيد أن اليهودية بمختلف تياراتها تتأسس على مبدأ أصولي بامتياز وهو مبدأ "الشعب المختار" من الله. ففي مراجعتها للتاريخ وعت إسرائيل لنفسها أنها شعب اختاره الله لنفسه. إن هذه القراءة للتاريخ دفعت إسرائيل إلى التقوقع على نفسها من حيث كان يجب أن تتفتح على الشعوب الأخرى حاملة لها رسالة التوحيد.

فمن حيث كان يجب أن تكون "نوراً للأمم" (أي للغوييم) انغلقت على الأمم ظانّة أن الله خصّهم بذاته، مصطنعة مسافة كبيرة بينها وبينهم، بل وممارسة فوقية دينية حيال الشعوب الأخرى (الأمم).

وعند قراءتهم لتاريخهم المقدس، توقف اليهود خصوصاً عند حادثتين: الخروج من مصر، والسبي. ففي الخروج من مصر، "يهوه" خلّصهم بيد جبارة من أيدي أسيادهم المصريين، هؤلاء "الغوييم"، وأدخلهم أرض كنعان طارداً أمامهم شعوباً من الغوييم، الخروج هو انتصار ساحق على الغوييم بيد الله الجبارة. أما الحدث الثاني، السبي، فهو بمثابة انتصار "الغوييم" عليهم. إن ذهابهم وراء وثنية الغوييم هو أحد الأسباب الرئيسة للسبي وخسارة كل شيء. لذلك، كان يجب أن يكونوا أكثر تشدداً مع "الغوييم". والنص الموجود في سفر التثنية (7: 1-8) يعطي التفسير اللاهوتي اليهودي للحادثتين. وتظهر في هذا النص الخصائص للنظرة اليهودية للذات وللآخر المختلف دينياً. النظرة للذات: هم شعب مقدّس، أختيار إلهي، "أخصّ من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". إن هذه النظرة الفوقية للذات تحمل في طياتها نظرة دونية لكل شعوب الأرض الأخرى. لذلك، فالموقف من الآخر، كما يقول النص، يجب أن يكون موقفاً في غاية السلبية والعنف: رفض حتى الإبادة.

إضافة إلى الموقف الأصولي العام للديانة اليهودية والذي ينسحب على جميع التيارات، هناك تيارات يهودية أصولية بشكل كامل، ومن أهمها: تيار "الحريديم".

"الحريديم" كلمة عبرية تعني: "الخائف الله". فما هي سمات وعادات وتقاليد هذا التيار الأصولي الموجود في دولة إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية؟

منذ نهاية القرن التاسع عشر و"الحريديم" ينبذون التكنولوجيات التي جاءت بها "الحداثة الغربية"، كما ينبذون كل ما يتعلق بصلة في تلك الحداثة على صعيد القيم والأخلاق وعلى الصعيد الأيديولوجي. لذلك، هم يعيشون منزوين على هامش المجتمع. لهم أحياؤهم الخاصة التي يديرها حاخاميون يشكلون في نظرهم السلطة الشرعية الوحيدة ولهم أحزابهم (كحزب "شاس" على سبيل المثال) ولهم متاجرهم ومدارسهم الخاصة بهم دون سواهم. إنهم الخائفون الله. وخوفهم الله يجعلهم يخافون جداً من عدم تطبيق الوصايا ال613 التي يتضمنها التراث.

مسلك "الحريديم" يرتكز على مبدأين أساسيين: الأول الانصياع لما تقوله التوراة. والمبدأ الثاني: الانصياع لما يقوله الحكماء. والتوراة يجب أن تكون بالتالي مصدر كل تشريع. لذلك هم لا يعترفون بشرعية دولة إسرائيل ولا يعترفون بالدستور الإسرائيلي. من جهة أخرى يعتقدون أن الديموقراطية المبنية على رأي الأكثرية هي مضادة للشريعة لأنها تجعل سلطة الأكثرية أعلى من سلطة الله. وعلى كل حريدي أن يتخذ حاخاماً معلماً له يمارس السلطة المطلقة لأن هذا الأخير يصل إلى المعرفة المطلقة.

الاختلاط ما بين الرجال والنساء ممنوع عند "الحريديم". لذلك، فالمرأة لا تمارس وظيفة خارج المنزل، كما أن الرجال يفضلون الذهاب إلى المدارس التي تدرّس التلمود على أن يشتغلوا. من هنا، اضطر "الحريديم" إلى المساومة مع دولة إسرائيل بالاعتراف بشرعيتها لكي يحصلوا على المساعدات المالية منها عبر الأحزاب التي أسسوها لتدافع عن حقوقهم من جهة، ولكي تعمل على تطبيق الشريعة في القوانين المدنية من جهة ثانية.

لاعتقادهم بأن التلفزيون والانترنت والعالم المعاصر هم سبب في إفساد الناس، يمتنع "الحريديم" عن مشاهدة التلفزيون، علماً بأن هؤلاء لا يؤمنون بالعلم ويعتقدون أن الحقيقة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال النصوص المقدسة.

المعدّل الوسطي لعدد الأولاد في عائلة "الحريديم" هو خمسة أولاد. هذا، وتعرف الديموغرافية الحريديمية تصاعداً مستمراً. فقد بلغ عدد "الحريديم" نسبة إلى عدد اليهود في إسرائيل ثلاثة في المئة، وخمسة في المئة عام 1999، وستة في المئة عام 2002 وثمانية في المئة عام 2004، علماً أن عدد "الحريديم" يمثّل اليوم نحو 25 في المئة من عدد السكان في المستوطنات الإسرائيلية

===========================

شأن الإيراني: استمرار بناء حالة الحرب

الرأي الاردنية

23-2-2010

واصل قادة الولايات المتحدة بناء حملتهم ضد إيران، ووصلت هذه الحملة ذروتها في الآونة الأخيرة بخطاب ألقته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في قطر عندما حذرت من خطورة تحول إيران إلى «دكتاتورية عسكرية» تحل فيها مؤسسات تابعة للحرس الثوري محل الحكومة الإيرانية. وبكلمات الوزيرة: «الحرس الثوري الإيراني يحل محل الحكومة ومن ثم فإن إيران قد تكون متجهة صوب دكتاتورية عسكرية». وأضافت أن بلادها «تعتقد أن الحرس الثوري يحل فعلياً محل الحكومة في إيران، كما أن هناك تهميشاً للحكومة في إيران والزعيم الأعلى والرئيس والبرلمان» مؤكدة أن الجمهورية الإسلامية « تتجه صوب دكتاتورية عسكرية.» وكشفت هيلاري كلينتون أن القادة التي التقت بهم في منطقة الخليج العربي كانوا قد عبروا عن قلقهم إزاء مشاريع طهران مشيرة إلى أن هؤلاء القاده «لديهم قلق إزاء نوايا ايران ومخاوف حيال قدرتها على أن تكون جارة جيدة» يمكن العيش بسلام إلى جانبها. كما شددت كلينتون في كلمة لها أمام الدورة السابعة لمنتدى الولايات المتحدة والعالم الإسلامي في الدوحة أن الولايات المتحدة تعد مع حلفائها «إجراءات جديدة» لاجبار طهران على العودة عن «قراراتها الإستفزازية» في المجال النووي معتبرة أن موقف إيران لا يترك أمام المجتمع الدولي خياراً سوى الذهاب باتجاه تشديد العقوبات عليها.

 وفي هذا الصدد التقطت الصحف الأميركية الرسالة، وكانت واشنطن بوست السباقة في التعليق على الربط بين تنامي قوة الحرس الثوري في إيران وديكتاتورية العسكر التي أشارت لها هيلاري كلينتون في خطابها الشهير في الدوحة. وأعد المحلل السياسي القدير غلين كيسلر تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست في الخامس عشر من الشهر الجاري حمل عنوان: «كلينتون تحذر من تنامي نفوذ الحرس الثوري في إيران»، أشار فيه إلى تأكيد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون يوم الإثنين من الأسبوع الماضي على أن إيران تتحول إلى «ديكتاتورية عسكرية» بشكل سريع، في إشارة واضحة إلى تزايد سيطرة الحرس الثوري الإسلامي على الحياة السياسية والاقتصادية وعلى الجيش أيضا.

 ويوضح التقرير أن ملاحظات كلينتون التي كررتها في قطر والسعودية كانت جهداً محسوباً لتحريك الجمود الذي يكتنف الجهود الأمريكية في محاولتها الحصول على تأييد لفرض عقوبات جديدة على إيران بسبب طموحاتها النووية. ويبدو أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون كانت تسعى لقرع جرس الإنذار حتى داخل الجمهورية الإسلامية وتحذر من عواقب ما يبدو وكأنه تزايد في نفوذ الحرس الثوري الإيراني، كما أنها تهدف إلى احداث تغيير في موقف بعض الدول التي لا تتحمس لفرض عقوبات على طهران كالبرازيل والصين.

 التقرير يلامس قضايا هامة تتعلق بالملف الإيراني، فبالاضافة إلى رفض إيران مناقشة برنامجها النووي مع الدول الكبرى، يصر التقرير بأن الإدارة الأميركية (عبر كبار المسؤولين فيها) تخطط لإستهداف الحرس الثوري بالعقوبات وذلك بسبب تورطه في البرنامج النووي والصاروخي، وذلك حتى لا يحلق بالشعب الإيراني ضررا من جراء العقوبات. وألمحت كلينتون إلى أن العقوبات التي يتم بحثها الآن مصممة أيضاً لإعاقة نمو الحرس الثوري ونفوذه في الحياة السياسية الداخلية.

 التقرير يكشف حقائق مذهلة عن انغماس الحرس الثوري في كافة مناح الحياة في إيران، فقد شارك في قمع مظاهرات المعارضة، كما أنه تلقى عقوداً حكومية تقدر بما لا يقل عن 6 مليار دولار خلال العامين الماضيين، ولكن الرقم الإجمالي قد يكون أكثر لأنه لا يتم الكشف عن جميع التعاقدات. وعلاوة على ذلك يتولى الحرس الثوري ومن خلال القطاع الخاص التابع له إدارة مطار طهران الدولي، وإقامة الطرق السريعة وأنظمة الإتصالات. كما يدير برنامج الأسلحة والصواريخ الإيراني.

 وفي مؤتمرها الصحفي الذي عقدته في المملكة العربية السعودية، قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن القادة المنتخبين في إيران بحاجة لأن يتخذوا موقفا وأن يقوم القادة السياسيون والمدنيون بالعمل على إستعادة السلطة التي يتوجب عليهم ممارستها نيابة عن شعبهم». وأوضحت كلينتون أن «القيادة المدنية في إيران إما مشغولة بالموقف السياسي الداخلي أو تتنازل عن سيطرتها للحرس الثوري» في محاولة لإحتواء مظاهرات المعارضة. بدوره بدا وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أقل حماسا فيما يتعلق بفعالية العقوبات وقال أنها «قد تنجح» على المدى البعيد، ولكن السعوديبن يساورهم القلق الآن لأنهم «أقرب إلى الخطر».

 بناء الحالة لشيطنة النظام الإيراني مستمرة على قدم وساق في الولايات المتحدة، وهنا نشير إلى المقال الهام الذي كتبه ديفيد أغناشيوس في صحيفة واشنطن بوست في الثاني عشر من الشهر الجاري والذي حمل عنوان: «فيما يخص إيران، جميع ما سبق»، بدأه بالسؤال التالي: ماذا رأى العالم حينما إحتفلت إيران بالذكرى الحادية والثلاثين لقيام الثورة الإسلامية؟ ويجيب بقوله إنه شهد نظاماً فارغا يمتهن قمع شعبه أكثر من إدارة حكومته، فبعد ثلاثين عاما من الحماس وصل النظام مرحلة منتصف العمر الحرجة. ويوضح ديفيد أغناشيوس أن نجاح النظام الإيراني في إثارة فزع المتظاهرين كان إستعراضاً للقوة، ولكن بشكل سطحي فقط. فقد أشاع الإيرانيون أن يوم الخميس سيشهد بحاراً من الدماء في طهران، على أمل إرهاب المتظاهرين لعدم الخروج يوم الخميس، ما يُعد إشارة على عدم الإستقرار وغياب الثقة.

 وبهذا الصدد يقول الباحث كريم سادجدبور، عضو مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي، إن إيران أقرب إلى شركة إنرون الأمريكية التي أعلنت إفلاسها، ومن ثم «إذا كانت إيران شركة في بورصة الأوراق المالية، لن يشتري أحد أي من أسهمها». ويجزم الكاتب بحتمية انهيار النظام كما انهارت شركة إنرون، ولكن هذا الإنهيار قد يستغرق عدد من السنوات، ويرى الكاتب أن إدارة أوباما تتعامل مع الملف الإيراني وتبحث مجموعة من الخيارات السياسية قبل أن تختار مربع «جميع ما سبق»، وهو مزيج مما حذر منه الرئيس أوباما مؤخراً «نظام من العقوبات مع إستمرار الدعوة إلى المحادثات».

 ويوضح ديفيد أغناشيوس أن المسؤولين في واشنطن يرون أن إستراتيجية الاشتباك كانت وسيلة للضغط، ولديهم من الأدلة ما يثبت ذلك، فقد أصبحت إيران منقسمة داخلياً مقارنة بها قبل عام، كما فقدت الكثير من مصداقيتها داخل العالم الإسلامي، وتحول توازن القوى الإقليمي في الإتجاه المعاكس للمرة الأولى منذ سنوات، في حين لا تزال هي معزولة دولياً ولم تعد تستطع الإعتماد على روسيا كحليف في مواجهتها مع الغرب. ويرى ديفيد أغناشيوس أن يد أوباما الممدودة لها دلالة قوية، لأنها تعكس أهم أسلحة إيران الدعائية. فقد أصبح الإيرانيون أكثر عرضة للحوادث دون تدخل الشيطان الأعظم الذي تلقي عليه باللوم. ثم يدعو الكاتب القارئ إلى تذكر كيف تعاملت واشنطن مع الإتحاد السوفيتي السابق لإسقاطه عبر مزيج من العقوبات والوسائل الدبلوماسية، وعبر الحديث عن إنتهاكات حقوق الإنسان وإنتقاد الحكم الشيوعي.

 وفي معرض تعليقه على موقف الشعب الإيراني من الأزمة الحالية، يقول ديفيد أغناشيوس أن الشعب الإيراني ليس غبيا، فهناك الكثير منهم من يقرأ الصحافة الأميركية التي تفترض وجود برنامج غربي سري لتقويض البرنامج النووي الإيراني، وهم من خلال قراءاتهم لم يكتب في الصحافة الغربية يعرفون أن التخريب إن وقع سيكون محدودا لأن الغرب يريد خلق مصاعب أمام النظام الإيراني ويحرمه من القدرة على تخصيب اليورانيوم خشية من أن تمتلك إيران القدرة على صناعة قنبلة نووية. ويشير الكاتب إلى أن الإيرانيين قرأوا عن السلاح الأمريكي الجديد الذي يستطيع إختراق ستين قدماً من الخرسانة المسلحة، والذي سيكتمل نهاية العام الحالي. ويختتم الكاتب المقال بقوله إنه في الوقت ذاته يمد الرئيس أوباما يده للإيرانيين بالقول: «إذا كنتم تريدون قبول الإتفاقات مع المجتمع الدولي فأنتم على الرحب والسعة»، وهذا هو المزيج الجيد، حسب ما ذهب إليه ديفيد أغناشيوس للسياسة بينما يحتفل الإيرانيون بثورتهم المتهالكة.

 وفي الأثناء، يطرح البعض ما في وسع الأدارة أن تقوم به بعد أن ثبت أن الحوار مع إيران لم يفض للنتيجة المتوخاة. ففي السادس عشر من الشهر الجاري كتب كل من إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية، وروبرت ماكفرلين، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ريغان، مقالاً نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز متسائلين عما يمكن للإدارة الأمريكية فعله فيما يتعلق بالطموح النووي الإيراني.

 الكاتبان يشيران إلى حقيقة أن الموعد النهائي الذي حدده باراك أوباما للتواصل إلى حل دبلوماسي للأزمة النووية مع إيران قد انتهى، في حين أعلنت إيران مؤخراً عن عزمها بناء عشرة منشآت نووية جديدة لتخصيب اليورانيوم، وانتقلت إلى تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى مما هو ضروري للاستخدامات السلمية. وبالتوازي مع ذلك ارتفعت الأصوات المنادية بفرض عقوبات ضارية على النظام الإيراني الحاكم على أمل أن تُثني تلك العقوبات طهران عن طموحاتها النووية.

 وحتى تكون العقوبات المتوقعة ذات أثر بالغ وفعال، يقترح الكاتبان بأنه ينبغي على البيت الأبيض التعرف على المزيد عن البرنامج النووي الإيراني. فهناك ضرورة للقيام بذلك بعد أن اعتمدت الإدارة الأميركية في مقاربتها تجاه إيران على تقويم الإستخبارات الوطنية عام 2007، والذي أشار إلى أن إيران أوقفت برنامجها لتصنيع الأسلحة النووية عام 2003، الأمر الذي اتضح خطأة في نهاية الأمر بعد الكشف عن وجود منشأة نووية سرية في مدينة قم والتي كشف النقاب عن وجودها في شهر أيلول الماضي، وهي منشأة يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني. بعد ذلك بثلاثة شهور فقط ظهرت وثائق سرية تشكف عن تفاصيل عمل إيران على تطوير «البادئ النيتروني»، الذي لا يُستخدم سوى بالتفجيرات النووية، والذي يُعد دليلاً دامغاً على أن إيران تقوم بتطوير قنبلة نووية، وفق ما ذكره الكاتبان. في النهاية يطالب الكاتبان بأن يعاد النظر في الكثير من المعلومات الاستخبارية بشكل أكثر شفافية وشمولا مع الاخذ بالحسبان الأراء المخالفة.

 وفي ضور التصعيد اللفظي الحالي، نشرت صحيفة واشنطن تايمز إفتتاحية في الخامس عشر من الشهر الجاري تطالب بأن تقوم الولايات المتحدة بالتخطيط لصراع عسكري مع النظام الإيراني الذي لم يعد يجدي معه الحوار إذ لا بارقة أمل في أن يتعقل هذا النظام. وتقتبس الإفتتاحية من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قوله أنه في الوقت الحالي لدى إيران القدرة على إنتاج وقود نووي عالي التخصيب بشدة، مؤكداً على أنه ما من سبب يدعو إلى الخوف، «لأن إيران تتحلى بالقدر الكافي من الشجاعة التي تمكنها من أن تعلن ذلك صراحة حال رغبتها صنع إحدى القنابل النووية».الصحيفة في افتتاحييتها تتساءل عن السبب الذي يدفع إيران إلى تخصيب اليورانيوم الخاص بها إلى تلك المستويات العالية من التخصيب. فاليورانيوم عالي التخصيب إلى تلك المستويات ليس له أي استخدامات سلمية.

 وتذكر الصحيفة بأن الولايات المتحدة خاضت حربا مع العراق في عام 2003 لتحول دون حدوث مثل تلك الأشياء التي تعلنها اليوم إيران وبكل فخر. وتسخر الصحيفة من كون مؤسسات الأمن القومي الأمريكي ترسل إشارات ضمنية بأنها لا تعتبر أن التهديد النووي الذي يمثله رجال الدين مشكلة كُبرى. ومع إخفاق الولايات المتحدة في إثناء إيران عن طموحاتها النووية، واحتدام الجدل حول تشديد العقوبات على إيران، تتشكك الصحيفة في أن تنجح العقوبات في ردع طهران عن مواصلة مسارها الحالي. بل إن النظام الإيراني سوف يستغل فرض تلك العقوبات كذريعة لبناء واختبار الأسلحة النووية رداً على الإبادة الجماعية الإقتصادية الغربية المزعومة، على حد تعبير الصحيفة التي تناشد في نهاية إفتتاحيتها الولايات المتحدة الأمريكية البدء في التخطيط للصراع الذي لا مفر منه.

 باختصار شديد، ما زالت الأصوات التي تطالب بأن تتحرك إدارة أوباما بالتفكير في خيارات غير سلمية في التعامل مع إيران المتمردة في ازدياد، وهو أمر يعيد للإذهان كيف بنت إدارة بوش حالة الحرب ضد العراق.

===========================

أوباما والتغيير: وعود غير ناجزة!

جيمس زغبي

الرأي الاردنية

23-2-2010

 في إبريل الماضي أجرينا استطلاعا للرأي عبر العالم العربي لمعرفة ما يرى العرب أنه أكثر القرارات إيجابيةً اتخذها أوباما في بداية رئاسته سعياً لتحسين العلاقات الأميركية العربية... فجاء على رأس القائمة تعهدُه بإغلاق سجن جوانتانامو وحظر التعذيب. لكن حقيقة أن هذا الموضوع اكتسى أهمية أكبر بالنسبة للعرب من الموضوعات الأخرى التي حققها أوباما في اتجاه إحلال السلام في الشرق الأوسط أو التقرب من العالم الإسلامي، ينبغي ألا تكون مفاجئة.

لقد بات لدى العرب تشكك وارتياب في قدرة الرؤساء الأميركيين ورغبتهم في الوفاء بما يقطعونه على أنفسهم من وعود بتحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني، لكنهم مستعدون لتصديق أن الولايات المتحدة تستطيع تغيير الاتجاه وتغيير سلوكها حول مسألة لا تتعلق بإسرائيل. فمواضيع التعذيب والاعتقال الممدد للسجناء في جوانتانامو وسجون أخرى عبر العالم، كان يُنظر إليها كسياسة مقلقة للغاية يستطيع الرؤساء الأميركيون تغييرها.

وعلى مدى سنوات قبل الآن، اكتشفت استطلاعاتُنا إلى أي مدى تُغضب معاملةُ أميركا للسجناء العرب والمسلمين الرأيَ العام العربي. ومثلا، إذا كانت صور أبو غريب قد اختفت في الولايات المتحدة، فإنها مازالت حاضرة في أذهان العرب.

وبالتالي، فمن ناحية يمكن القول إن الأمر كله يبدو شبيها بجريمة كراهية، وذلك على اعتبار أنه إذا كان من تعرضوا للمعاملة المسيئة والمحِطة أفرادا، فإن تأثير ذلك والشعور بالإذلال كان سائداً عبر المنطقة بكاملها.

 ومما زاد الطين بلة أن جوانتانامو، وسجون «المواقع السوداء» السرية التابعة ل»سي آي إيه»، وعمليات «الترحيل الاستثنائي»... لم تؤد إلا إلى مضاعفة هذا الشعور بالعار والإذلال، مما يُظهر نفاق القوة وعجرفتها.

فأميركا قد تدعي تحليها بقيم رفيعة والانتصار لحقوق الإنسان وحكم القانون، لكن تصرفنا كان يقول للعرب إن «حقوق لإنسان» لا تنطبق عليهم، وإن «حكم القانون» لا ينطبق علينا، عندما قررنا أننا فوق القانون.

وعلى هذه الخلفية، استُقبلت تعهدات أوباما بإغلاق جوانتانامو وحظر التعذيب، بترحيب كبير ونُظر إليها كمؤشر على القطيعة مع سياسات بوش.

لذلك، فمن المثير للقلق ألا يكون جوانتانامو قد أُغلق، وأن تكون ممارسات مسيئة أخرى مازالت مستمرة رغم مرور عام. وتضاف إلى خيبة الأمل هذه حقيقةُ أنه إذا كان الضوء قد سُلط على معلومات جديدة بخصوص الاستعمال المرخص وواسع النطاق للتعذيب ضد سجناء معتقلين في جوانتانامو و»مواقع سوداء» أميركية أخرى عبر العالم، فلا أحد من المسؤولين عن ذلك خضع للمحاسبة بسبب تصرفه.

فأمام المعارضة الشرسة التي يواجهها من قبل الجمهوريين وبعض أعضاء حزبه، استقر رأي الرئيس على مخطط يقوم على نقل جوانتانامو إلى موقع جديد -سجن شديد الحراسة في ولاية إيلينوي- بدلا من إغلاقه. ومن أجل تسهيل هذه الخطوة والاستمرار في اعتقال السجناء، تفيد بعض التقارير بأن البيت الأبيض يعمل حاليا مع سيناتور جمهوري على صياغة تشريع يجيز «الاعتقال الممدد بدون توجيه التهم للمعتقلين أو محاكمتهم»- وهي معاملة طالما استعملتها إسرائيل وانتقدتها الولاياتُ المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان باعتبارها خرقا للقانون الدولي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا لم تتم إضافة أي سجناء جدد إلى جوانتانامو خلال الآونة الأخيرة، فذلك لأن سجن باجرام في أفغانستان بات يقوم مقام جوانتانامو حيث يتم نقل السجناء الذين يُعتقلون في بلدان أخرى إليه من أجل استنطاقهم واعتقالهم.

والحق أن حظر التعذيب قد ترسخ، لكن خطايا الماضي مازالت تطارد جهود إدارة أوباما.

 فثمة المشاكل المرتبطة بمحاكمة السجناء الذين تعرضوا للتعذيب؛ حيث سيُنظر إلى الأدلة ضدهم والتي انتُزعت منهم في الاستنطاقات، باعتبارها أدلة معيبة وغير مقبولة قانونيا، إضافة إلى إمكانية أن تؤدي المحاكمات إلى إلقاء الضوء على تقنيات التعذيب المستعمَلة.

وعندما أفرج وزير العدل إيريك هولدر عن «مذكرات التعذيب» التي كتبها محامو إدارة بوش لإيجاد «تبرير قانوني» لقائمة من «تقنيات الاستنطاق المطوَّرة» البشعة، لم يتوان الجمهوريون، وفي مقدمتهم نائب الرئيس السابق، عن شن هجوم شرس على إدارة أوباما. وحرصا منه على ألا يصرف هذا النقاش عن أجندته التشريعية الأوسع، تراجع الرئيس قائلاً إنه يريد «النظر إلى الأمام، وليس إلى الخلف»، مشيراً إلى أنه ستكون ثمة شفافية، لكن بدون محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت سابقاً. والحال أن ذلك لم يؤد إلا إلى تقوية الجمهوريين، حيث اعترف نائب الرئيس السابق مفتخراً بأنه أيد استعمال تقنية «الإيهام بالغرق» ضد السجناء.

وفي هذه الأثناء، مازال المزيد من المعلومات حول التعذيب وحالات أخرى من سوء معاملة السجناء في جوانتانامو وباجرام و»المواقع السوداء» يظهر في الصحف والمجلات الأميركية، مما يصعب على أوباما القول بأن الموضوع قد «طُوي وأُغلق».

ويبدو أن هذه المشاكل العويصة التي ورثها أوباما ليست أقل صعوبة من تركات أخرى تعود إلى عهد بوش: حربان متواصلتان، وعملية سلام متجمدة، واقتصاد متعثر، وعدد من التحديات الداخلية الأخرى. وعندما تضاف البئر المسمومة التي أفرزها الانقسام الحزبي إلى الصورة القاتمة، فإن الطريق إلى الأمام تبدو شاقة ووعرة.

 لذلك، فلئن كانت الإشادة بنوايا الرئيس الحسنة واجبة، فقد بات من الواضح الآن أن إصلاح أضرار السنوات الثماني الماضية يتطلب أكثر مما هو متوفر حالياً.

(مؤسس ورئيس المعهد العربي – الأميركي بواشنطن)

الاتحاد الاماراتية

==============================

ماذا قال شيمون بيريز عبر فضائية ال بي بي سي؟

يوسف عبدالله محمود

الدستور

23-2-2010

من يزرع الشرَ يحصد في عواقبه  ندامة ولحصد الشر ابانُ

شاعر قديم

قبل ايام بثت فضائية ال "بي بي سي" البريطانية حوارا مطولا مع رئيس دولة اسرائيل شيمعون بيريز اسمتعت الى الحوار حتى نهايته ، ما لفت انتباهي ان بيرز بدا وكأنه "حمامة سلام" يدعو الى اقامة سلام عادل في منطقة الشرق الاوسط. تحدث عن طرد الفلسطينيين عام 1948 بعد ما سمته اسرائيل بحرب "الاستقلال" فزعم ان العرب والفلسطينيين لو قبلوا "التقسيم" عام 1947 لما كانت هناك حرب ولحصلوا -اي الفلسطينيين - على معظم الارض ولانتهى كل شيء ، ولكنهم رفضوا مشروع "التقسيم" و"شنوا الحرب علينا" فما كان منا -والكلام لبيريز - الا ان دافعنا عن انفسنا وكان ما كان. بداية اود ان اؤكد ان الفلسطينيين لو قبلوا التقسيم فان اسرائيل كانت سترفضه ، وهي كانت واثقة انهم -اي الفلسطينيين - سيرفضون هذا التقسيم لان البلاد بلادهم منذ آلاف السنين. من هنا انتظروا حتى يرفض الفلسطينيون ومن ثم وبالتعاون مع المستعمر البريطاني الذي سهل لهم المهمة آنذاك ومن ثم الامبريالية الامريكية افرغوا الارض بالقوة الهمجية من سكانها الاصليين وأقاموا دولتهم العنصرية.

 

وحين سُئل بيريز: هل ستقبلون في حال نجاح المفاوضات مع الفلسطينيين بعودة "اللاجئين" الى ديارهم؟ اجاب: كلا ، سيعودون الى الضفة الغربية وغزة،

 

واضاف قائلا: الماضي لن يعود ثانية. كيف تعيد من هاجموك وشنوا الحرب عليك،، بيريز -هنا - ينفي الاصرار الاسرائيلي المسبق على طرد الفلسطينيين واحتلال ارضهم كلها ، وهو ما اكدته الوثائق الرسمية التي أُفرج عنها في السنين الاخيرة والتي تدل على النوايا الاسرائيلية المبيتة لاحتلال فلسطين.

 

يقول أليشع افرات استاذ الجغرافيا في جامعة تل ابيب ما يلي:

 

".. وبناء عليه فقد اصبح واضحا ان التطور الاجتماعي التاريخي لم يمنح اليهود مزايا وتفوقا كبيرا وبقي وزنهم في ميزان القوى متدنيا منذ البداية دون اي امل في ذلك الوقت في التغلب على القطاع العربي المحكم الذي نشأ بمرور السنين" من دراسة لأليشع افرات بعنوان:"جغرافية الاستيطان في اسرائيل حتى عام "2000 الكيان الصهيوني عام 2000 - وكالة المنار - قبرص.

 

الا يدل كلامه عى انهم كانوا عازمين على تدمير "القطاع العربي المحكم" وصولا الى "التفوق"، اعود الى ما قاله بيريز على فضائية ال "بي بي سي" فأقول انه بدا -كما اشرت - انسانا وديعا لا يحب الحروب ، وحين فاجأه محاوره حسن معوّض: لكن الم تكن انت مسؤولا عن مذبحة "قانا" في جنوب لبنان؟ اجاب: انني اشعر "بالندم" ولكنني احمّل "حماس" المسؤولية ، فهي التي اجبرتنا على الرد. وهنا اسأل بيريز: وماذا عن مذبحة غزة وهو كان عندها وما زال رئيس دولة لا رئيس وزراء؟ الم يبارك هذه المذبحة اتي استنكرتها شعوب العالم كلها ما عدا الامبريالية العالمية؟

 

وما لفت انتباهي ايضا هو تهرب بيريز من الاعتراف بامتلاك اسرائيل للعديد من الرؤوس النووية حيث زعم ان اسرائيل لم تصدّر اي سلاح نووي للشرق الاوسط وهنا ذكر ان عمرو موسى امين عام الجامعة العربية (قد وصفه بالصديق) طلب اليه ذات مرة ان يأخذه لزيارة مفاعل "ديمونه" فقال له بالحرف - وكما ورد في المقابلة - ممازحا: "هل جننت" كيف آخذك لزيارة هذا الموقع؟ اننا نحتفظ فيه بسر،.

 

اما بخصوص "المستوطنات" في الضفة الغربية والقدس بصورة خاصة فزعم بيريز ان حكومة نتنياهو استجابت لأوباما فجمّدت الاستيطان وما تقوم به حاليا -كما زعم - هو اقامة منبى او اكثر في حدود ارضها وان للفلسطينيين الحق في البناء في القدس القديمة كما لهم الحق في البناء في الاحياء العربية في القدس الغربية،

 

كلام غريب ورد على لسان بيريز الذي تهدم حكومته مئات المنازل اليوم في شعفاط وسلوان والبلدة القديمة وتترك سكانها في العراء.

 

كان بيريز "مراوغا" ماهرا في اجاباته يتخلص من "المأزق" بدهاء ومكر.

 

فاذا كان يشكك في امتلاك اسرائيل لرؤوس نووية فلماذا لا تسمح دولته بتفتيش منطقة "ديمونه"؟ اما ما يثير "السخرية" فقول بيريز في دراسة نشرها الكتاب السابق الذكر "اكيان الصهيوني عام "2000 وهي بقلم بيريز نفسه وعنوانها "بين استقراء المستقبل ورؤية المولود" يقول فيها: ".. في الماضي كانت التكنولوجيا النووية محدودة وكانت سرا محصورا في القلائل اما اليوم فهي رائجة في السوق ولا اعرف ماذا سيكون شعور الناس في البلاد عندما ينتشر هذا الامر في منطقتنا". المرجع السابق ص 20 .

 

هنا ارد على بيريز قائلا: كم تضحكون على الناس يا سيد بيريز.. لقد امتلكم وباعتراف مسؤولين اسرائيليين واكاديميين بارزين في جامعاتكم السلاح النووي منذ عقود طويلة فلماذا المراوغة؟ بصدق اقول: ما كرره بيريز على فضائية ال "بي بي سي" البريطانية قبل ايام كان مجافيا لما تفعله دولته على ارض الواقع. دولته تقتل بدم بارد الفلسطينيين زاعمة ان من تقتلهم "ارهابيون" ما ذنب النساء والاطفال الذين شوههم السلاح الفسفوري المحرم دوليا؟ "مَن الارهابيون" نحن اصحاب الارض ام هم الغزاة؟ كم في الدنيا من مفارقات؟ ما هو مستغرب ومثير للسخرية ان تطلق الصهيونية على "الفلسطينيين" اسم "الغزاة" بينما الاسرائيليون هم اهل البلاد عادوا ايلها بعد طول اغتراب. ما هو مُستغرب ان يغدو "الكذب" في عصرنا بضاعة رائجة يشارك في ترويجها "الامبرياليون" الذين يغمضون عيونهم عن الايادي الملطخة بدماء الابرياء في العالم.

يبقى ان اقول ان العقل الصهيوني والامبريالي وعلى حد قول المفكر الراحل المسّيري قد تفوق في تدعيم تقاليد الارهاب وتطويرها.

================================

انكشفت أزمة السياسة في مصر

السفير

23-2-2010

فهمي هويدي

إذا جاز لنا أن نصف المشهد السياسي في مصر الآن فقد نلخصه في نقطتين، الأولى أن قطاعات لا يستهان بها من النخب ومن الأجيال الجديدة يئست من المراهنة على إمكانية الإصلاح في ظل الوضع القائم، والثانية أنها باتت تتلهف على رؤية «المخلص» الذي يرد لها الأمل والثقة في المستقبل.

 1

هذه اللهفة بدت واضحة في خطاب أغلب الصحف المستقلة وقنوات التلفزيون الخاصة في مصر، الذي عبر عن حفاوة غير عادية بوصول الدكتور محمد البرادعي يوم الجمعة «19/2»، الأمر الذي يكاد يعيد إلى الأذهان الأصداء التي شهدتها مصر حين عاد إليها زعيم الأمة سعد باشا زغلول من باريس في عام 1921 حين كتب الأستاذ العقاد أن سعد «ملك ناصية الموقف من ساعة وصوله (بالباخرة) إلى شاطئ الإسكندرية، وثبت في عالم العيان لمن كان في شك من الأمر أن هذا الرجل أقوى قوة في سياسة مصر القومية». وتساءل الدكتور محمد حسين هيكل قائلا: «أقدر للإسكندر الأكبر أو لتيمور لنك أو لخالد بن الوليد أو لنابليون بونابرت أن يرى مشهدا أجل وأروع من هذا المشهد؟». وهي ذات الفكرة التي سجلها شفيق باشا في «حولياته» حين قال: «لقد روى لنا التاريخ كثيرا من روايات القواد والملوك الذين يعودون إلى بلادهم ظافرين، فيحتفل القوم احتفالا باهرا باستقبالهم. ولكن لم يرد لنا التاريخ أن أمة بأسرها تحتفل برجل منها احتفالا جمع بين العظمة غير المحدودة والجلال المتناهي لم يفترق فيه كبير عن صغير، احتفالا لا تقوى على إقامته بهذا النظام أكبر قوى الأرض، لولا أن الأمة المصرية أرادت أن تأتي العالم بمعجزة لم يعرف لها التاريخ مثيلا».

صحيح أن كتابات الحفاوة التي صدرت هذه الأيام لم تذهب إلى هذا المدى في الترحيب بالدكتور البرادعي والإشادة به، إلا أنها اختلفت عنها في الدرجة وليس في النوع. وهو ما يغرينا بالمقارنة بين الحدثين لأن ثمة تبايناً بينهما من أكثر من وجه. ذلك أن سعد باشا كان زعيماً حقيقياً انتخبته الأمة وأجمعت عليه ووكلته عنها في تمثيلها في مقاومة سلطة الاحتلال البريطاني والتفاوض معها، وكان الرجل على مستوى الأمل الذي انعقد عليه، حيث لم يهدأ في نضاله ضد الإنكليز وتحديه لهم، الأمر الذي أدى إلى تفجير الثورة ضدهم عام 1919، ما دفعهم إلى إلقاء القبض عليه ونفيه مع عدد من رفاقه إلى مالطة، بما يعني أن سعد زغلول كان قد اختير وأثبت جدارته بسجله النضالي الذي أثبته على الأرض، كما كان قد دفع ثمن مواقفه، لذلك فإن حيثيات الإجماع عليه كان مسلّماً بها من جانب القوى السياسية المختلفة في مصر.

الوضع في حالة الدكتور محمد البرادعي اختلف. فهو مرشح افتراضي لرئاسة الجمهورية من جانب أغلب نخب الجماعة الوطنية المصرية، غير المنخرطة في الأحزاب المعتمدة، وهي النخب التي ضاقت بممارسات النظام، ولم تعلق أملا على الأحزاب التي صنعها النظام على يديه وأجازها.

أما الدكتور البرادعي ذاته فإنه يتمتع بخلفية وظيفية مشرفة ومرموقة، ومستقبله السياسي في مصر أمامه، بخلاف سعد زغلول الذي كان في قلب السياسة، واحتل موقعه استنادا إلى خلفيته النضالية.

في الوقت ذاته، لا وجه للمقارنة بين قوة السياسة في زمن سعد زغلول، وموتها في زماننا، وإن ظل الرفض قاسماً مشتركاً في الحالتين. أعني رفض الاحتلال البريطاني آنذاك، ورفض نظام الطوارئ المحتكر للسلطة في هذا الزمان.

2

السؤال الذي يستحق أن نفكر فيه هو: لماذا تلك الحفاوة الشديدة باستقبال رجل مثل الدكتور البرادعي وترشيحه رغم زعامته المفترضة لا الحقيقية، وخلفيته الوظيفية المقدرة لا النضالية؟

أرجو ألا يخطر على بال أي أحد أنني أستكثر على الرجل أن يحتفى به في بلده، وأسجل في الوقت ذاته شعوري بالنفور والقرف إزاء حملة التجريح المسف التي استهدفته، وقادتها بعض الأبواق المحسوبة على النظام في مصر. وإذ أقر بأن الحفاوة به واجبة، إلا أن تساؤلي منصب على دلالة المبالغة في تلك الحفاوة، إلى الحد الذي يكاد يضع الرجل في مقام «المخلِّص» المنتظر للوطن، في تفسير ذلك هناك عدة احتمالات، أحدها أن البعض انحاز إليه وتعلق به لا لأنه البرادعي، بل لأنه ليس مبارك الأب أو الابن. تماما كما أن كثيرين أعطوا أصواتهم لباراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ليس إعجابا بالشخصية، بل لأنه ليس جورج بوش. هناك احتمال آخر أن يكون بعض مؤيديه، ليست لديهم تحفظات على النظام القائم ولكنهم أدركوا أنه لم يعد لديه ما يعطيه بعد مضي نحو 30 سنة على استمراره، ومن ثم فإنهم أصبحوا يتوقون إلى تغييره بأي بديل آخر، وجدوه في البرادعي من حيث إنه شخصية دولية مرموقة. ثم إنني لا أشك في أن هناك فريقا من الناس استشعروا مهانة حين وجدوا أن فكرة توريث الحكم في بلد بحجم مصر وقيمتها أصبحت متداولة بغير حرج، ولذلك فإنهم ما إن وجدوا بديلا محترما مطروحا في الأفق، حتى تعلقوا به وخرجوا يهتفون باسمه.

من تلك الاحتمالات كذلك أن يكون البعض قد وجدوا أن النظام القائم في مصر حرص على التلويح طول الوقت بأنه لا بديل منه، وأن البديل الذي يمكن أن يحل محله هو الإخوان المسلمون، الذين أصبح اسمهم بمثابة «فزاعة» تخيف فئات عدة في الداخل والخارج، وحين وجد هؤلاء أن هناك رمزا لا هو من الحزب الوطني ولا من الإخوان، سارعوا إلى الاصطفاف وراءه ومبايعته.

من الاحتمالات كذلك أن يكون آخرون قد أدركوا أن ثمة فراغا سياسيا في مصر، وأن النظام القائم حريص على الإبقاء على ذلك الفراغ عن طريق مصادرة أو «حرق» أي بدائل متاحة، لكي يصبح الحزب الوطني ومرشحه هو الخيار الوحيد الباقي. وإزاء حصار البدائل الممكنة واستمرار إجهاض الحياة السياسية، فإن هؤلاء ما إن وجدوا أن رمزاً مصرياً أتيح له أن يبرز في خارج البلد ويتمتع بقامة ومكانة رفيعتين بعيدا عن نفوذ النظام وتأثيراته، حتى اعتبروه فرصة لا تعوض، ومرشحاً مناسباً لقيادة السفينة الموشكة على الغرق.

ولا أستبعد أن تكون حماسة البعض للدكتور البرادعي راجعة إلى اقتناعهم بأن طول إقامته في الخارج أكسبه تمثلا لقيم الليبرالية المفتقدة عندنا، الأمر الذي يجعله مرشحا مقبولا في العواصم الغربية، فضلا عن أن وجوده بالخارج جنّبه مزالق التصنيف ضمن مراكز القوى وشبكات المصالح الموجودة في مصر، وهو بذلك يجمع بين «الحسنيين»: رضى الخارج عليه وثقة الداخل فيه، بمعنى التطهر من مثالب النخبة الحاكمة في البلد.

3

إذا كانت المقارنة بين رصيد الدكتور البرادعي، وأرصدة الذين يديرون البلد في الوقت الراهن، فإن كفة الأول ستكون أرجح لا ريب، ولكن النتيجة قد تختلف إذا ما حوّلنا البصر عن السلطة ومددناها نحو المجتمع، إذ سنجد في هذه الحالة نظائر أخرى له، ربما كان لبعضها رؤى أعمق وأكثر ثراء في قراءة الواقع المصري وتحليل مشكلاته، وهو ما خلصت إليه حين جمعت الحوارات والتصريحات التي صدرت عن الدكتور البرادعي وقارنت مضمونها بتحليلات بعض المثقفين المصريين من أمثال المستشار طارق البشري في كتابه «مصر بين التفكك والعصيان»، والدكتور جلال أمين في كتابه «ما الذي جرى للمصريين»، والدكتور إبراهيم شحاتة في مؤلفه «وصيتي لبلادي» وتلك مجرد أمثلة فقط، لأنني لا أشك في أن هناك آخرين لهم إسهاماتهم المقدرة في المضمار ذاته، وإذا جاز لي أن أستطرد في هذه النقطة، فلعلي أضيف أن ما سمعناه أيضا من الدكتور أحمد زويل عن العلم والتعليم لم يضف شيئا إلى ما دعا إليه العلماء المصريون طوال السنوات التي خلت، أذكر منهم على سبيل المثال فقط الدكتور محمد غنيم والدكتور إبراهيم بدران والدكتور مصطفى طلبة والدكتور محمد القصاص والدكتور حامد عمار وغيرهم وغيرهم.

لا أريد أن أقلل من شأن الرجلين. فلكل منهما مقامه الرفيع في اختصاصه، وحين حصلا على جائزة «نوبل» فتلك شهادة حفظت لهما ذلك المقام وحصنته، لكن هناك فرقا بين تقدير النموذج وإحاطته بما يستحق من احترام، وبين تحويله إلى «مخلِّص» تعلق عليه آمال إخراج البلاد من الظلمات إلى النور. في الوقت ذاته، لا استبعد أن تكون تلك القيمة المقدرة لكل منهما قد انضافت إليها هالة خاصة اتسمت بالإبهار في نظر كثيرين، حين احتل كل واحد مكانته المرموقة خارج مصر، وهو أمر قد يفهم عند أهل الاختصاص. لكن تقييمه يمكن أن يختلف حين يتعلق الأمر بالعمل العام الوثيق الصلة بمصير الوطن وحلمه.

في ما خص الدكتور البرادعي فإنني مع الحفاوة به وأرحب بشدة بانضمامه إلى الصف الأول في كتيبة دعاة التغيير والإصلاح في مصر، رغم أنني أشك في جدوى مطالبته بأولوية تعديل الدستور في ظل الأوضاع الراهنة، فتجربتنا أثبتت أن كلاً من المناخ السائد والأيدي التي تتولى التعديل لا يبعثان على الثقة أو الاطمئنان في تحقيق الإصلاح المنشود من ذلك الباب.

4

لا مفر من الاعتراف بأن حملة تأييد الدكتور البرادعي وترشيحه جاءت كاشفة لأزمة النظام في مصر ومدى الخواء السياسي الذي أنتجته، ذلك أنه بعد مضي نحو ثلاثين عاما في سدة الحكم، وفي وجود 24 حزبا شرعيا، على هامشها نحو عشر مجموعات للناشطين تشكلت للدفاع عن الديموقراطية والحقوق السياسية، إضافة إلى العشرات من منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. رغم توافر هذه الكيانات كلها في بلد يضم 83 مليون نسمة، فإن المناخ المخيم لم يسمح بإفراز قيادة سياسية من الداخل يمكن أن تكون محل إجماع من الجماعة الوطنية المصرية فتعلق نفر منهم بأول مخلص لاح في الفضاء.

في الولايات المتحدة يقولون إنه إذا تكرر رسوب التلاميذ في أحد الفصول المدرسية، فإن المعلم هو من ينبغي محاسبته، لأن ذلك يعني أنه فشل في أن يستخلص من التلاميذ أفضل ما فيهم. ذلك ينطبق أيضا على عالم السياسة لأن الجدب الظاهر الذي نعانيه الآن في مصر، يعد شهادة على فشل إدارة المجتمع ودليلا على إصرار تلك الإدارة على تعمد إخصائه وإصابته بالعقم لحرق البدائل وتسويغ احتكار السلطة.

من هذه الزاوية فإن استدعاء شخصية مصرية نزيهة ومحترمة من خارج المعترك السياسي لا يبدو مخرجاً من المأزق الذي نحن بصدده، وإذ لا أشك في أن الرجل أفضل من الموجود، لكنه يظل في وضعه الراهن دون المرجو والمنشود إلا إذا خاض المعترك وقطع أشواطا على دربه.

إذا سألتني ما العمل إذاً؟.. فردي أنه لا بديل من احتشاد للجماعة الوطنية يقيم حوارا حقيقيا حول تشخيص الأزمة الراهنة، وأولويات التعامل مع عناوينها، وهل تحتل الأولوية مسألة تعديل الدستور أم قضية إطلاق الحريات العامة وإلغاء الطوارئ، التي توفر مناخا مؤاتيا لتعديل الدستور بحيث يصبح ركيزة حقيقية للديموقراطية، وليس قناعا لممارسة التسلط والدكتاتورية.

إن علاج التشوهات وعمليات التفكيك والإعاقة التي تعرض لها المجتمع المصري خلال العقود التي خلت مما لا يحتمل التبسيط أو حرق المراحل. ذلك أن الأمل في التغيير يمثل رحلة طويلة وشاقة، علماً بأن المتمترسين وراء الأوضاع الراهنة يعتبرون استمرارها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم. لذا لزم التنويه، ووجب التريث والتحذير.

===========================

التميز وصناعة المستقبل

بقلم :د. خالد الخاجة

المتتبع لمسيرة هذا الوطن الغالي، يجد أنه ابتداء جسد بذاته أروع الأمثلة للتميز، حيث استطاع الآباء المؤسسون مواجهة تحديات يشيب لها الولدان، ليقيموا اتحادا كان متميزا في تكوينه، واستمر كذلك بعد قيامه، ليعلن عن مرحلة جديدة في تاريخ وطننا، حيث خلا دستورها من كلمة مستحيل.

 

فذاك المستحيل في مخيلة الكثيرين، قد أضحى واقعا نلامسه ونرى صفحات الفخر تكتمل سطرا بعد سطر، بعد أن أحال الاتحاد الإمارات من الشتات إلى الوحدة، ومن الشقاء إلى خير ونماء لم يكن أكثر المراقبين تفاؤلا يصدقون إمكانية تحققه إلى هذا الحد!

 

كان عنوان تلك المرحلة «إذا لم تكن عوامل النهضة متاحة فلنصنعها بأنفسنا»، ليضربوا لنا المثل والقدوة في الاحتكام إلى الشجاعة في اتخاذ القرارات التي تؤثر في مصائر الشعوب وتغير وجهة تاريخها، وليتركوا لنا أثراً بليغاً في فن التعامل مع الحياة.

 

فالفشل والنجاح ليس لهما معايير مطلقة، لكن الفشل يأتي لمن استسلم لواقعه ورضي الدنية في دنياه، والنجاح يأتي لمن همتهم كالجبال الرواسي، الذين يصممون على تغيير واقعهم مهما كلفهم ذلك وأيا كانت الصعاب التي تواجههم، بل إن تلك الصعاب كانت بمثابة محفزات ووقود لا ينطفئ ويدفعهم لتحقيق ذاك الحلم.

 

ولأن العرق دساس، فقد تولى زمام القيادة خلف قبضوا على ميراث الوعي والهمة العالية والتصميم والرؤية الثاقبة، فساروا على درب السلف لتستمر هذه الشجرة المباركة تؤتي أكلا طيبا.

 

فارتفعت دولتنا إلى مصاف الدول العصرية بما أنجزته من تطور في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتبوأت موقع الصدارة، سواء في محيطها العربي أو الإقليمي، وصارت نموذجا يحتذى به.

 

وذلك لم يكن ليتحقق، لولا رايات رفعتها قيادتنا الرشيدة، أولاها وليس أخراها، «أن العدل أساس الملك» وإرساء مبدأ العدالة، والتأكيد على أن الإمارات دولة الحق والمساواة، وأنه بالعدل تصان الحقوق، بصرف النظر عن العرق واللون والمكانة الاجتماعية، فدولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

 

الراية الثانية؛ الإيمان بنهج الشورى كأصل من أصول الحكم والتواصل مع المواطنين دون حاجب أو حاجز، لملامسة أوضاعهم المعيشية وتلمس طموحاتهم وأمانيهم، مما بنى جسرا من الثقة بين القيادة وبين الناس، مواد هذا الجسر حكم الشعب بمحبته، لا بتخويفه وإرهابه.

 

الراية الثالثة؛ إعلاء قيمة الإنسان كونه إنساناً، والتأكيد على أهميته القصوى، فهو صانع التنمية وهدفها في وقت معا، وأن الوطن دون مواطن لا قيمة له ولا نفع منه، مهما ضمت أرضه من ثروات وموارد.

 

ولعل إصدار الوثيقة الوطنية وما تحويه، خير شاهد على حرص القيادة السياسية على مستقبل الإنسان الإماراتي، وتذليل الصعاب التي تواجهه، والسعي لتوفير الحياة الكريمة لأبناء الوطن، بل هي بمثابة طموحات أمة تتطلع إلى السير قدما، نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والتي ينعم بخيرها الجميع.

 

الراية الرابعة؛ الانفتاح على العالم شرقه وغربه، فالإمارات تمثل نموذجا في التعايش الإنساني، واحترام قيم وعقائد الآخرين وثقافاتهم، مع الاعتزاز بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا الوطنية، وأن أي مساس بالهوية هو مساس بالوطن وانتهاك لحرماته.

 

هنا أجد لزاما علي أن أستنهض همة بني جلدتي من أبناء وطني، لنستلهم من هذه المسيرة الظافرة خارطة طريق لنا أيضا، يكون التميز عنوانها والانتماء لتراب هذا الوطن وقودا يدفعنا إلى أن نكون على قدر المسؤولية.

 

كل في مكانه، وأن نعتمد على منهج علمي مخطط له بدقة لرسم أهدافنا، ونشد العزائم لتنفيذها. فالشعوب التي تعرف كيف تخطط وكيف تنفذ، هي التي تصنع الأمجاد.

 

خارطة طريق تجعلنا نجود ونعتني بالبدايات مهما كانت صغيرة، فالبدايات الصغيرة هي التي تحقق النجاحات المذهلة، وما علينا إلا بذل المزيد والمزيد لنضع بجانب الواحد صفراً ليكون عشرة، ثم صفراً ليكون مائة، فمعظم النار من مستصغر الشرر.. عندئذ تنسجم طموحات القيادة مع قدرات شعبها وإرادته في الحياة.

عميد كلية المعلومات والإعلام جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا

==========================

دبي في عين العاصفة

بقلم :حسن عزالدين

البيان

23-2-2010

عملية الموساد الأخيرة في دبي، كرّست مجددا شرعية وضرورة الحديث المستمر عن أهمية العمل الدبلوماسي، بمفهومه الاستراتيجي الواسع، وضرورة الاستفادة الكاملة من ذلك في مواجهة العمل الاستخباراتي، الذي تمارسه دول كثيرة حول العالم.

 

فهذه الحادثة المؤلمة والاستثنائية، قد توفر فرصة ثمينة لمن يرغب من الدبلوماسيين العرب في الاستفادة من الأداء الإسرائيلي، الذي يتجلّى عادة في الظروف الصعبة، واكتساب العبر منه بشكل دقيق.

 

وليس في ذلك عيب على الإطلاق، لأن ظروف المعركة القائمة في أوجهها المختلفة تتطلب من الجميع، أعداء كانوا أم أصدقاء، أن يتعلّموا من بعضهم بعضا ظروف الانتصارات والانكسارات، لكي يتمكنوا من استشراف الخطوات المقبلة.

 

إن المهم في حيثيات الجريمة الأخيرة التي ارتكبها عملاء الموساد في دبي، لا يكمن في طبيعة العملية المنفّذة، ولا الشخص المستهدف. فالحرب الأمنية وغيرها مندلعة بين إسرائيل وأعدائها منذ زمن بعيد، واحتمالاتها مفتوحة على خيارات عدة، كما أن الاغتيالات المماثلة يزخر بها التاريخ، إن كان في الداخل الفلسطيني أم في الشتات.

 

ما يميّز هذه العملية عن غيرها، هو سلسلة من المعطيات التي أراها بشكل ذاتي، وأختصرها على الشكل التالي:

 

* فهي العملية الأولى، إن لم أكن مخطئا، التي تقرر أجهزة الأمن الرسمية في البلد العربي المستهدف مواجهتها بحزم وثبات، انطلاقا من مفاهيم القانون الدولي.

 

وحسنا فعلت الأجهزة الأمنية الإماراتية بالتشديد على ذلك البعد القانوني، إن كان من خلال كشف الجُرم المرتكب، وتبيان الحقائق بشكل دامغ، ولاحقا الإصرار على ملاحقة مرتكبيه من خلال المؤسسات الأمنية الدولية.

 

* وهي ربما العملية الأبرز في سياق الصراع المخابراتي العربي الإسرائيلي، التي ستكون لها تبعات دولية سلبية متفرقة ضد الدولة العبرية، انطلاقا من الحق القانوني الذي ذكرته سابقا.

 

ولأنها ساهمت في حرق الأشخاص المتورطين. لكن أيضا، وهذا هو الأهم، لأنّها عرّت المؤسسة الرسمية التي تظلّلهم، والتي لم تتردد في استغلال علاقاتها الدولية بأبشع الأساليب الممكنة، من خلال تزوير الوثائق الرسمية لحلفائها وممارسة القرصنة وغيرها، ولاحقا الاعتماد على كل ذلك لتنفيذ أعمال قتل متعمّد في دولة ثالثة.

 

إن ما قد يكون مطلوبا في خضم ما يجري على هذا الصعيد، هو مراقبة الأداء الدبلوماسي الإسرائيلي الخفي، وليس ذلك الذي نشاهده من خلال عدسات الكاميرات التلفزيونية كاستدعاء للسفير أو ما شابهه.

 

حيث إن التجارب السابقة الكثيرة أثبتت أن إسرائيل قادرة على الاعتماد على حلفائها في أوقات الشدّة، وبالتالي قادرة على التملّص من التهم الموجهة إليها، بالاعتماد على حجج مختلفة ستبرز مع الوقت.

 

ولا تغرّنكم التصريحات الدبلوماسية المنمّقة، التي قد تصدر عن المسؤولين الأوروبيين في ما يخص مسألة جوازات السفر لدولهم، والتي أسيء استخدامها من قبل عملاء الموساد، فهؤلاء سيرضخون في النهاية للتبريرات الإسرائيلية التي تربط ما جرى بعمليات «مكافحة الإرهاب».

 

أو «السعي لفرض الاستقرار السلمي في المنطقة»، خصوصا وأن حركة حماس وغيرها من الحركات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي والمشروع الأميركي، تتحمل حسب المفهوم الذي تؤمن به إسرائيل وبعض دول أوروبا، مسؤولية التوتر في الشرق الأوسط.

 

وهنا تكمن خطورة ما قد يحدث على ساحة العمل الدبلوماسي. فإذا تمكّنت إسرائيل من ترسيخ هذه النظرية لدى حلفائها الكبار الذين تورّطوا في العملية الأخيرة من خلال جوازات سفر مواطنيهم، فإن ذلك سيعني إقرارا من المجتمع الرسمي الأوروبي بسلامة المواجهة، عبر عمليات الاغتيال التي تنفذها إسرائيل بشكل مستمر ضد أعدائها.

 

وإذا لم تنجح الدبلوماسية الإسرائيلية في تسويق هذه الفكرة، فإنها ستلجأ على الأرجح إلى حث مسؤوليها على اعتماد تلك النبرة الحزينة، التي طالما تسلّح بها الإسرائيليون أثناء كل أزمة جدّية.

 

والتي يحاولون من خلالها إقناع العالم بأنهم حملان بريئة لا حول لها ولا قوة، وأن مواجهة «الإرهاب» تتطلب مثل تلك العمليات غير المقبولة لبعض الوعي الأوروبي.

 

في جميع الأحوال، لا يسعنا إلا أن نأمل في أن تكون المواجهة الدبلوماسية العربية مماثلة ومتناغمة في صلابتها وحزمها، مع أداء أجهزة الأمن في دولة الإمارات العربية المتحدة، أو على الأقل مخلصة لجهود أعضائها الذين أعادوا إلى هيبة الأمة العربية كثيرا من الاعتبار المفقود.

 

وهذا أضعف الإيمان في ما قد يطلبه أي مواطن عربي، من السلك الذي من المفترض أن يكون واجهته المأمولة في الخارج، لكن أيضا اليد المساعدة للأجهزة الأمنية في البلد الأم، الساهرة على أمن البلاد وسيادتها.

 

لقد علّمتنا التجارب الكثيرة أن مكمن القوة في العمل المخابراتي الإسرائيلي (وغيره)، هو قدرته على الاعتماد على التخفي ضمن هويات وجنسيات وقوميات متعددة، بسبب طبيعة الشعب الإسرائيلي القادم من خلفيات عرقية مختلفة، والذي لم يتخلّ عن هويته الأصلية لاعتبارات عديدة.

 

وهنا في الواقع جوهر المشكلة التي قد تعاني منها الدول العربية، بصفتها العدو الأساسي لإسرائيل و«شريكها» في المواجهة متعددة الأوجه.فهذا التنوع الانتمائي لا يستخدم من قبل إسرائيل في العمل المخابراتي لوحده.

 

بل يتعدّاه لأكثر من ذلك بكثير، مثل السعي للتغلغل في المؤسسات الرسمية لبعض الدول الأوروبية والأميركية وغيرها، والاستعانة بها لاحقا في صياغة الأهداف الاستراتيجية المختلفة التي تلعب في المحصّلة النهائية لصالحها.

 

وهذا ليس منطقا معاديا للسامية كما قد يحلو لبعض الإسرائيليين والمتعاطفين معهم وصفه، بل يجسد حقيقة واقعة نراها بأم العين وبشكل يومي في الممارسات الدبلوماسية والأمنية.

 

ما يؤسف هو أنه مقابل كل هذه الامكانيات، لا نرى ما يبشر على الصعيد الدبلوماسي العربي، بسبب معاناته من نواقص كثيرة سبق أن تناولناها. أما على الصعيد الأمني، فقد أعاد لنا رجال الأمن الإماراتيون بعضا من الثقة بالنفس.. فهنيئا لشعبهم بهم.

كاتب لبناني

===========================

الصين والتخطيط الصحيح

الثلاثاء, 23 فبراير 2010

علي بن طلال الجهني *

الحياة

لم تفشل الدول الشيوعية والاشتراكية، التي اعتمدت على التخطيط المركزي في تحقيق مستوى معيشة يصل أو حتى يُقارب المستوى نفسه الذي حققته الدول الغربية الرأسمالية لغالبية مواطنيها، بسبب غياب التخطيط أو سوئه.

إن مصدر نجاح الدول الرأسمالية في رفع كفاءة الإنتاج، وبالتالي رفع مستوى المعيشة، هو الاعتماد على الدوافع الذاتية الفردية، أي ما سماه مؤسس علم الاقتصاد آدم سميث «الأيدي الخفية»، وهذا هو سر نجاح «التخطيط المركزي» في الصين.

فمنذ تولى دنغ هسياو بينغ قيادة الصين عام 1979، تم تدريجاً تحجيم التخطيط المركزي على مستوى الوحدات الإنتاجية، وحصره على مستوى محاور البنية الاقتصادية الأساسية، كقطاع الطرق والموانئ الجوية والبحرية والجافة والنقل بكل أنواعه ومصادر الطاقة والتعليم والتدريب على كل مستوياته، وتقديم الحد الأدنى من الخدمات الصحية، وهلمّ جرا.

وبما أن ما لا يقل عن 90 في المئة من سكان الصين في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي، حينما تولى دنغ مقاليد السلطة، كانوا يعملون في الزراعة، فقد بدأ «إصلاحه» الاقتصادي من القاعدة الشعبية العريضة، وليقلل من مخاوف من يخشون التغيير، ولمعرفته بناءً على تجربته الطويلة في حروب توحيد الصين، وتدرجه في سلّم القيادة في الحزب والحكومة، فإن دنغ كان يدرك جيداً أن عامة الناس يقاومون أي تغيير، فقد وعد بأن يكون الإصلاح الزراعي ابتداءً على أساس «تجريبي»، وإن نجحت التجربة في زيادة الإنتاج، فسيسهل تطبيقها على مستوى أوسع وأشمل يتعدى القطاع الزراعي.

فقبل 1978 كان الإنتاج الزراعي يرتكز على التخطيط المركزي كما كان عليه الحال في الاتحاد السوفياتي. فالدولة تملك الأرض وتقسمها إلى إقطاعات كبيرة يعمل فيها عدد كبير من الناس وفقاً للخطة المركزية التي يشرف على تنفيذها ممثل للحزب الشيوعي في كل إقليم، ولهذا الممثل ممثلون في كل مزرعة أو حظيرة، وهلمّ جرا.

وجوهر الموضوع أنه لا يوجد دافع ذاتي لكل عامل زراعي لبذل جهد أفضل، لأن كل فرد يحصل على الأجر نفسه، سواء جد واجتهد أم اكتفى بالحد الأدنى.

ثم بدأ الإصلاح باقتطاع كل عامل زراعي قطعة صغيرة من الأرض، يزرع فيها ويبيع في سوق بلدته ما يزيد من إنتاجه عن الحد الأدنى الذي لا بد من تسليمه الى الحكومة. وما هي إلا بضعة عشر شهراً حتى زاد إجمالي الإنتاج الزراعي بنسب كبيرة ومتسارعة، وتحسنت أحوال المزارعين، وصار لديهم دخل إضافي تحكم مستواه قدرتهم على إنتاج أكثر، وبيعه بأفضل سعر يستطيعون الحصول عليه.

بدأ تطعيم القطاع الزراعي بوقود «الدوافع الذاتية» كتجربة للإصلاح. ولما ثبت للجميع أن فوائد الاعتماد على «الدوافع الذاتية» صارت ممكنة، بدأ تعميم أدوات «الأسواق الحرة» على بقية القطاعات، حتى صارت الصين اليوم مركزاً ضخماً لتصنيع «ماركات» عالمية معروفة تحمل أسماء شركات عابرة للقارات من شمال أميركا وغرب أوروبا واليابان. ويصنع هذه المنتجات ويدير الجزء الأكبر من نشاطها القطاع الخاص في الصين وفقاً لقوانين الأسواق الحرة حتى وإن تعهد أصحاب المصانع الصينية بالتنفيذ الدقيق لمواصفات الشركات الأجنبية التي تطلب منهم التصنيع.

وليس المراد مما تقدم انه لا توجد أي درجة من درجات التخطيط الحكومي في الصين حالياً. فالتخطيط موجود، ولكنه ليس «التخطيط المركزي» البيروقراطي المتخشب الشامل. فالسياسة النقدية والمالية والتجارة الدولية، وقطاع الطاقة، والنقل البري، والتعليم العام والجامعي والتدريب، وقمة كل القطاعات الاقتصادية تسترشد بخطوط تخطيطية عريضة، إما على مستوى الوحدات الإنتاجية، أو وحدات التجزئة، فوقودها الذي يرفع كفاءتها الإنتاجية هو «الدوافع الذاتية»، تماماً كما هو الحال في الدول الرأسمالية.

إن هذا المزج بين ما قد يبدو أحياناً انه فوضى الأسواق الحرة مخلوطاً بآليات التخطيط والرقابة ووضع الضوابط هو ما يفسر النجاح الاقتصادي الهائل الذي حققته الصين في العقود الثلاثة الماضية. فهذا النوع من التخطيط يُمكّنْ الصين من تحاشي دورات النمو والتراجع التي عادة ما تصيب الأنظمة الرأسمالية الغربية، وفي الوقت ذاته، فإن إطلاق قيود «الدوافع الذاتية» رفع الكفاءة الانتاجية للمواطنين الصينيين.

والله من وراء القصد.

* أكاديمي سعودي.

==============================

بين التوقعات والسياسات في الشرق الأوسط

الثلاثاء, 23 فبراير 2010

ماجد كيالي *

الحياة

ثمة بون شاسع بين التوقعات والسياسات في الشرق الأوسط، حيث من الصعب التكهّن، في هكذا منطقة، بطبيعة الأحداث أو التحولات التي تتحكم بصوغ مستقبلها.

مثلاً، ما كان لأحد أن يتوقّع إطالة عملية التسوية، التي بدأت عام 1991، إلى هذا القدر، ولا إمكان عودة منظمة التحرير بزعامة ياسر عرفات إلى الأراضي المحتلة، ولا مقتل إسحاق رابين برصاص إيغال عامير. ثم من كان يتوقع سقوط نظام صدام حسين، ومصرع الرئيس رفيق الحريري، وانقسام الكيان الفلسطيني، وفشل الترتيبات الأميركية في العراق، واندلاع حرب داخلية عنيفة في اليمن (مع «الحوثيين»)، بجوار خطوط النفط، وحصول أزمة داخلية في إيران، والتصدع في العلاقات التركية الإسرائيلية؟

القصد من كل ذلك التنبيه إلى أن ثمة منطقاً خاصاً (وربما استثنائياً)، للأحداث والتحولات في الشرق الأوسط، ليست له علاقة مباشرة بالمعطيات السياسية المنظورة، بقدر ما له علاقة بواقع تشظّي واضطراب النظم السياسية والاجتماعية في هذه المنطقة، والتدخلات الدولية والإقليمية المتضاربة فيها.

ومن ذلك، يمكن الاستنتاج بأن الاحتمالات، أو السيناريوات السياسية، في منطقة الشرق الأوسط، مفتوحة على مصراعيها، بحيث لا يمكن استبعاد أي منها. هكذا، مثلاً، يمكن توقع حرب إسرائيلية جديدة، على هذه الجبهة أو تلك، أو على أكثر من جبهة. ويمكن توقع ضربة أميركية و/أو إسرائيلية لإيران، لتحجيم نفوذها الإقليمي، وتقويض سعيها لامتلاك الطاقة النووية، كما يمكن توقع انهيار عملية التسوية، أو تعويمها مجدداً، بصيغة كيان فلسطيني، يتعايش مع الاحتلال، و/أو بالارتباط مع جواره الإقليمي (الأردن).

الآن، تشهد منطقة الشرق الأوسط حراكاً كبيراً، في البر والبحر، وضمن ذلك ثمة حراك سياسي وديبلوماسي نشط، يتركز حول محورين، أولهما مواجهة الملف النووي الإيراني، وثانيهما تسيير عجلة عملية التسوية.

في المحور الأول، ثمة نشاط أميركي محموم لخلق جبهة عربية ودولية لتصعيد العقوبات على إيران (عبر مجلس الأمن الدولي). وعلى رغم أن الحديث يدور عن استبعاد الخيار العسكري، بالنظر لتكلفته الباهظة (من كل النواحي)، إلا أن حركة البوارج الحربية، خصوصاً الأميركية والإسرائيلية، في المياه الدولية المقابلة لمنطقة الخليج (بالقرب من إيران)، توحي بعكس ذلك.

أيضاً، لا يمكن عزل مسعى الإدارة الأميركية لتمرير العملية الانتخابية في العراق، والهجوم الذي تشنّه القوات الأميركية على مناطق «طالبان» في أفغانستان (بعد هجوم الجيش الباكستاني على معاقل «طالبان باكستان»)، عن المساعي الأميركية الرامية لتحجيم نفوذ إيران. وفي هذا الإطار يمكن فهم تصريح الأميرال مايكل مولن (رئيس أركان الجيش الأميركي)، الذي قال فيه إن بلاده «لن تسلم بإيران نووية»، باعتباره مؤشّراً على تصعيد أميركي ضد إيران، خصوصاً أنه أدلى بهذا التصريح إبان زيارته إسرائيل. وكان مولن، في هذا التصريح، اعتبر أن إيران «تضعضع الاستقرار في كل المنطقة، مع تأثيرها في حماس وحزب الله، وفي العراق واليمن وأفغانستان... نحن لا نشطب أي خيار... واضح أنه في نقطة ما توجد حدود، ولكننا لسنا هناك بعد... من المهم استنفاد كل الاتصالات الديبلوماسية». («هآرتس» - 14/2/10)

وبهذا الخصوص كانت لافتة للانتباه التسريبات الصحافية الإسرائيلية التي كشفت أخيراً عن أن منظومة «القبة الحديدية»، التي شرعت إسرائيل ببنائها منذ سنوات، ليست مخصصة لغزة، وإنما لنشرها قرب الحدود مع لبنان، للتصدي للهجمات الصاروخية التي قد يشنها «حزب الله»، في حالة اندلاع صراع مع إيران.

أما في المحور الثاني، أي محور عملية التسوية، فقد أثمرت الجهود الدولية، ولا سيما الأميركية، عن تليين مواقف السلطة باستئناف المفاوضات مع إسرائيل (بصورة غير مباشرة). على رغم ذلك فإن هذه الجهود لا تترافق مع ضغوط مناسبة على إسرائيل لحملها على الوفاء بالتزاماتها، حتى وفق اتفاقات أوسلو، وخطة «خريطة الطريق» ومقررات «انابوليس». وتفسير ذلك، ربما، أن ثمة ترقباً دولياً وإقليمياً لما يمكن أن يحدث على صعيد مواجهة الملف الإيراني، ما يعني أن عملية التسوية دخلت مجدداً، في دوامة، أو انها مجمدة، إلى حين تغير المعطيات الإقليمية والدولية.

المشكلة أن الفلسطينيين لا يستطيعون الانتظار طويلاً، فالمستوطنات تفتت ما تبقى من أرضهم، وهم في كل يوم يرون أنفسهم أكثر بعداً عن هدفهم المتمثل بإقامة دولة لهم في الأراضي المحتلة عام 1967، بحكم إجراءات الاستيطان والتهويد الإسرائيلية، وبحكم الضعف المتزايد الذي يلحق بالسلطة ومؤسساتها وهيبتها، مع التضييقات الإسرائيلية، ومع موجات الخلاف والانقسام التي باتت تحيق بها.

ومعلوم أن الفلسطينيين ليس فقط لا يملكون وقت الانتظار، وإنما هم أيضاً لايستطيعون شيئاً في مواجهة هذا الواقع المزري المحيط بهم، بعد النزيف الذي لحق بهم خلال الأعوام العشرة الماضية، وبسبب الفوضى والانقسام والفساد في صفوفهم.

لكن الأنكى مما تقدم أن ثمة سيناريوات تطرح نفسها بقوة لتجاوز عملية التسوية، من قبل أطراف إسرائيلية ودولية، ضمنها، مثلاً، طي عملية التسوية وفق حل الدولتين والعودة إلى الوضع السابق، بحيث تؤول غزة إلى سيطرة مصر، والضفة إلى السيطرة الأردنية الإسرائيلية، وفق كيان فيدرالي مع الأردن أو من دون ذلك. وثمة وجهة نظر، يتبناها ثالث أكبر حزب في إسرائيل («إسرائيل بيتنا») تتضمن تبادل أراضٍ وسكان، بحيث تضم إسرائيل الكتل الاستيطانية إليها، مقابل ضم منطقة المثلث (في مناطق 48)، حيث ثمة غالبية عربية، إلى الكيان الفلسطيني. وبحسب داني ايالون (نائب وزير خارجية إسرائيل) «إذا كان الفلسطينيون يريدون أن نقبل بحقهم في تقرير المصير، فعليهم أن يقبلوا بحقنا في تقرير المصير كدولة يهودية...». («هآرتس» - 14/2/10). وفي السياق ذاته يقول غاي باخور «أسدت إسرائيل جميلاً للأردن... حين قطعته عن مشاكل الفلسطينيين في الضفة... مثلما أسدت جميلاً لمصر حين قطعتها عن غزة». («يديعوت أحرونوت»، 4/2/10).

هكذا، فإن أفول حل الدولتين لا يعني أن الطريق بات مفتوحاً، بداهة، أمام حل الدولة الواحدة، أو أمام أي سيناريو أو رؤية تؤدي إليه، على ما يلمح بعض قادة الفلسطينيين، فيما هم لا يقصدون هذا الأمر، ولا يفعلون شيئاً إزاءه.

ما معنى ذلك على صعيد الملفين المذكورين؟ معناه أن الأمور لا تسير في هذه المنطقة وفق سيناريوات، أو برامج أو اتفاقات مكتوبة. على العكس من ذلك، فإن التجارب والمخاضات التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط تفيد بأن القوى الفاعلة والمتحكمة بأدوات السيطرة، والتي لديها الوقت للانتظار، يمكنها، أيضاً، خلق قواعد وسيناريوات جديدة لمختلف الملفات، على عكس رغباتنا، وعلى عكس توقعاتنا أيضاً.

* كاتب فلسطيني

==============================

إسرائيل و«حزب الله»

الثلاثاء, 23 فبراير 2010

سيريل تاونسند *

الحياة

ضمّ سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني ونجل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي تمّ اغتياله، صوته إلى التكهنات المتنامية في الصحف في لبنان كما في إسرائيل، والقائلة باحتمال حصول جولة ثانية من القتال بين إسرائيل و «حزب الله»، قد تشارك فيها سورية أيضاً.

وقال سعد الحريري منذ أيام ما يأي: «لا يخفى على أحد أن إسرائيل تملك نوايا سيئة تجاه لبنان لأن إسرائيل هي العدو»، مضيفاً أن الوحدة الوطنية هي «أقوى سلاح بين أيدينا في مواجهة التهديدات الإسرائيلية».

ويسهل فهم أسباب تصاعد حدّة هذا التوتر. فقد وجهت إسرائيل مرات عدة في الآونة الأخيرة تهديدات إلى لبنان بالردّ فوراً على أي اعتداء قد يشنّه «حزب الله» ضدها. فهذا الأخير هو حالياً حزب سياسي بارز في لبنان ويتمثل في حكومة الحريري بوزيرين.

كما لفت نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بيني غانتز في 31 كانون الثاني (يناير) الماضي إلى أن الحكومة الإسرائيلية ستحمّل الحكومة اللبنانية مسؤولية أي عمل يمكن أن يقدم عليه «حزب الله». وفي خرق واضح لوقف إطلاق النار الذي أنهى حرب عام 2006 التي أودت بحياة 1200 لبناني معظمهم من المدنيين وأدت إلى مقتل 157 إسرائيلياً معظمهم من الجنود، تحلّق الطائرات الحربية الإسرائيلية يومياًً في الأجواء اللبنانية. وقد عمدت بعض الفصائل الفلسطينية في مناسبات عدة منذ عام 2006 إلى إطلاق صواريخ قصيرة المدى من لبنان باتجاه شمال إسرائيل.

لا تحبذ إسرائيل فكرة وجود خصمين مجاورين لها على ناحيتين مختلفتين من حدودها. ف «حزب الله» موجود على حدودها الشمالية فيما حركة «حماس» على حدودها الجنوبية، علماً أن الجبهتين المحتملتين مرتبطتان ببعضهما بعضاً لأن كليهما يحصل على صواريخه ويتلقى تدريباته من إيران. وفي بداية السنة، اضطرت إسرائيل إلى نشر بعض جنودها على الحدود الشمالية لردع أي خطوة قد يقدم عليها «حزب الله» بهدف دعم مقاتلي حركة «حماس» في قطاع غزة.

وفي العام 2006، غيّر «حزب الله» طبيعة القتال في الصراع العربي - الإسرائيلي، بعدما أطلق أربعة آلاف صاروخ باتجاه إسرائيل ووصل بعضها إلى مدينة حيفا. وبدا حينها نظام «باتريوت» المضاد للصواريخ غير فاعل. فرحل مئات الآلاف من الإسرائيليين عن هذه المدينة أو نزلوا إلى الملاجئ.

وعمدت حركة «حماس» من جهتها على مرّ السنوات إلى تهريب مئات الصواريخ عبر اكثر من مئة نفق وعبر البحر إلى قطاع غزة. ويصل مدى صواريخ الكاتيوشا من نوع «غراد» التي تمتلكها «حماس» إلى 20 كيلومتراً وهي تحلّ مكان صواريخ القسام المحلية الصنع. كما تمكنت حركة «حماس» التي تشكل خطراً كبيراً على الإسرائيليين من الحصول على صواريخ «فجر 3» التي يصل مداها إلى 40 كيلومتراً. وبالتالي، يعيش حوالى نصف مليون إسرائيلي ضمن مدى صواريخ حركة «حماس» ومدافعها. وكانت سديروت هي المدينة التي عانت اكثر من سواها من هذه الصواريخ، الا ان مدينتي عسقلان وبئر السبع تعرضتا لهجمات كذلك، علماً أنهما تبعدان 40 كيلومتراً من قطاع غزة.

من الواضح أن هذه الصواريخ الإيرانية الصنع في تحسن مستمر. وباتت تصل إلى أماكن أبعد وأصبحت أكثر سرعة ودقة. وفي معرض الرد على ذلك، أعلنت إسرائيل منذ حوالى شهر أنها أتمت بنجاح اختبار نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ. ويزعم خبراء الدفاع الإسرائيليون أن هذا النظام «سيغير المعادلة»، لأنه قادر على اعتراض صواريخ يتراوح مداها بين 4 و72 كيلومتراً. ومن المفترض أن يكون هذا النظام قادراً على تحديد مكان وقوع الصاروخ واعتراض الصواريخ التي تتجه نحو مناطق مكتظة بالسكان. والجدير ذكره أن هذا النظام سيبدأ العمل في الصيف. لكن من الواضح أنه لا يؤمّن حماية كاملة وقد يكلّف اعتراض الصاروخ عشرات الآلاف من الدولارات.

أشك في أنّ «حزب الله» يتوق إلى بدء جولة جديدة من القتال مع إسرائيل، على رغم أن المقاتلين التابعين للسيد حسن نصرالله صمدوا عام 2006 في وجه قوات الجيش الإسرائيلي القوية على مدى أسابيع ولفترة أطول من فترة صمود كلّ الجيوش العربية مجتمعة عام 1967. وكانت تلك الأزمة اندلعت بعدما أرسل «حزب الله» دورية تابعة له إلى الأراضي الإسرائيلية وأسرت جنديين إسرائيليين. وقد اعتذر نصرالله من الشعب اللبناني بالقول إنه لم يكن يتوقع أن يأتي الرد الإسرائيلي على هذا النحو العنيف. فقد تمّ تدمير معاقل «حزب الله» في جنوبي بيروت وفي جنوب لبنان بالكامل.

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن الحرب ليست قريبة. لكن نظراً للتحضيرات التي يقوم بها الطرفان تحسباً لحدوث نزاع بينهما، قد يتسبب عمل يقوم به قائد محلي متحمس جداً، بحرب جديدة ذات أبعاد هائلة. ودعت المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي إلى التعامل بحزم مع التهديدات الإسرائيلية الموجهة ضد لبنان وسورية، ومعالجة مسألة معاملة إسرائيل القاسية للفلسطينيين، لا سيما في قطاع غزة الذي يعاني سكانه منذ أشهر نقصاً في الطعام.

هل نحن مصابون بعمى كبير إلى حدّ يمنعنا من توقّع وقوع قتلى وحصول دمار في حال اندلاع حرب أخرى بين إسرائيل و «حزب الله»؟ يجب السيطرة على الرغبة في الانجراف إلى الحرب وإحياء الأمل لدى كل شعوب المنطقة.

* سياسي بريطاني ونائب سابق

==============================

مساومات الملف النووي الإيراني

آخر تحديث:الثلاثاء ,23/02/2010

الخليج

علي الغفلي

أعلنت طهران أنها بدأت مؤخراً في تخصيب اليورانيوم إلى نسبة عشرين في المائة، وتزعم أنها قادرة على رفع مستوى التخصيب إلى نسبة ثمانين في المائة، وهي درجة تقترب كثيراً من نسبة التسعين في المائة التي يقول التقنيون المختصون أنها تلزم من أجل تصنيع السلاح النووي . في مواجهة هذا التصرف، أبدت حكومات الدول الغربية الكبرى قدراً كبيراً من الغضب تجاه السلوك النووي الإيراني، واعتبرته تصعيداً جديداً في الملف النووي الذي تحاول هذه الدول معالجته بالكيفية التي يمكن أن تضمن حرمان طهران من امتلاك التكنولوجيا التي تنذر بأن تنضم إيران إلى “نادي القوى النووية” رغما عن إرادة “الأعضاء المؤسسين” .

 

تتدارك طهران فيما بعد فتدعي أنها ليست بحاجة للمضي إلى أبعد من نسبة العشرين في المائة التي شرعت بها، وذلك نسبة إلى أن احتياجاتها التقنية لا تتطلب الذهاب إلى أبعد من ذلك، وتعود الدول الكبرى لتنقسم في ما بينها ويعبّر البعض منها عن تشككها في القدرات التقنية الإيرانية الفعلية في رفع نسبة التخصيب في منشآتها النووية عن المستويات المنخفضة الحالية التي تقدر بأقل من خمسة في المائة . هذه مجرد حلقة أخرى من سلسلة المساومات التي يزخر بها الملف النووي الإيراني .

 

لا تجلس الحكومة الإيرانية إلى طاولة المفاوضات مع خصومها من الدول النووية الممانعة لبرنامجها النووي بالقدر الكافي الذي تتطلبه المعالجة الدبلوماسية لهذا الملف الخطير، ولكن طهران تجيد تماماً المساومة بخصوص هذا البرنامج الذي يبدو أنه يمثل بالفعل هدفاً استراتيجياً يتمسك به الجميع في الجمهورية الإيرانية . وفي ظل خلفية العلاقات المتوترة أصلاً بين طهران وأغلب خصومها النوويين الغربيين (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا)، وفي ظل ارتباط القوتين النوويتين الأخريين (روسيا والصين) بمصالح استراتيجية وعملية مع الجمهورية الإيرانية، فإن مجرد طرح فكرة تفاوض هذه الأخيرة مع القوى الكبرى يبدو أمراً مثيراً للشفقة، وذلك لأن خصوم البرنامج النووي الإيراني يفتقدون التصور الموحد بخصوص معظم الجوانب المتعلقة بهذا البرنامج، بدءاً من مستوى القدرات النووية المتوفرة لدى إيران حالياً، ومروراً بجدوى محاولة احتواء الطموح النووي لدى طهران، وربما ليس انتهاء بكيفية التأقلم مع إمكانية أن تتحول هذه الدولة إلى قوة عسكرية نووية في المستقبل الذي لا يمكن تحديد أمده الزمني بأي درجة من الثقة . في ظل الغياب شبه الكامل للمفاوضات، فإن البديل المتوفر هو المساومات، وهو تماما البديل الذي تفضله طهران وتجيد استخدامه .

 

لقد طال الحديث عن المعالجة العسكرية للتحدي الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني، وذلك في صورة هجوم على المنشآت النووية في الإقليم الإيراني، تشنه “إسرائيل”، أو الولايات المتحدة، أو أي جهد عسكري مشترك بين الطرفين . لقد امتد التهديد بمثل هذا العمل العسكري لسنوات طويلة، وظل مطروحاً بصفته مجرد تهديد متاح وليس بديلاً محتملاً في ظل إدارتين أمريكيتين وأكثر من حكومة “إسرائيلية” وبريطانية وفرنسية، ولم يتحول في يوم ما إلى خيار عقلاني حتى عندما كانت تسيطر على واشنطن وتل أبيب ولندن وباريس أكثر القيادات نزعة إلى العنف العسكري . لقد استمرت طهران تساوم وتناور بخصوص برنامجها النووي بالكفاءة التي مكنتها المضي قدما في مخططاتها النووية، وذلك في الوقت الذي تمكنت فيه أيضا من أن تفلت من الوقوع في شباك العقوبات الاقتصادية الدولية المؤثرة التي كان يمكن أن تفرض عليها، وأن تنجو كذلك بمنشآتها النووية من أي هجوم عسكري من شأنه أن يعطل مسارها النووي .

 

يمكننا أن نوضح بعضا من ملامح نهج طهران في إدارة مساوماتها مع خصوم برنامجها النووي . يبدو أن طهران قد نجحت بالفعل في صنع القناعة الواضحة لدى خصومها بأن ليس في مقدورهم إيذاءها اقتصادياً بهدف التأثير على سلوكها النووي، وذلك من خلال التهديد باستخدام ثروتها الضخمة من مصادر الطاقة الاحفورية كسلاح ضد هؤلاء الخصوم، ولا تزال هذه القناعة تسهم في تعطيل خيار العقوبات الاقتصادية ضد إيران . ومن شبه المؤكد أيضا أن طهران قد نجحت في شل الخيار العسكري ضدها، وذلك من خلال سلسلة من الإشارات التي أرسلتها إلى كافة دول العالم، تتعلق بقدراتها التي تتطور باستمرار في تصنيع كافة أنواع الأسلحة، وإجراء المناورات العسكرية التي تعتقد طهران أن من شأنها أن تساعد الخصوم والأعداء في تشكيل تصورات دقيقة بخصوص خطورة قدرات العنف العسكري الإيراني بالنسبة إلى دول الخليج على أقل تقدير، إن لم يكن قدرة القوة العسكرية الإيرانية في هزيمة الدول المهاجمة . ويبدو كذلك أن إيران مستمرة في تحقيق نجاح معقول في تحييد أية مؤاخذات جادة ضدها من قبل الأنظمة والقوانين الدولية، وذلك من خلال قبول التعاطي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأيضاً امتناع طهران، إلى الآن، عن تصعيد استفزازها للعالم من خلال الإعلان صراحة عن الأهداف العسكرية من وراء برنامجها النووي، وذلك على الرغم من أن الأداء الخارجي الإيراني يزخر بأمثلة عديدة من مواقف التصعيد الاستفزازي، السلوكي واللفظي، سواء في الملف النووي أو غيره من المسائل الأخرى .

 

إن نجاح إيران في إدارة مساوماتها النووية اقتصاديا وعسكرياً وقانونياً واضح، ولكنه نجاح غير محمود، إذ إنه يؤدي إلى نتيجة غير مرغوبة على الإطلاق، وهي زيادة عدد الدول التي تمتلك السلاح النووي، الأمر الذي يزيد من فرص استخدامه الفعلي في ظل غياب غير مستبعد للعقلانية . إن الجوهر الحقيقي للأمر الذي من شأنه أن يحدد في ما إذا كانت إيران ستتمكن من تصنيع وامتلاك السلاح النووي يتمثل في طبيعة وحجم الثمن الذي يمكن أن يفرضه المجتمع الدولي على طهران في حال صممت هذه الأخيرة على تحقيق هدف القوة النووية من جهة، ومدى استعداد طهران لدفع ذلك الثمن من جهة أخرى، سواء تمثل الثمن في تحمل تبعات العقوبات الاقتصادية، أو الدخول في مواجهات عسكرية، أو التعرض للإدانات القانونية . إن استمرار إيران في تحقيق النجاحات النووية في إطار الإنجازات التقنية على الصعيد العلمي وإطار مواجهات المساومة مع الخصوم الدوليين يجعلنا نقترب أكثر فأكثر من اللحظة التي سوف تقر فيها طهران صراحة أن هناك تطبيقات عسكرية لبرنامجها النووي، وستكون تلك اللحظة تتويجاً مرعباً لحصيلة أداء المساومات الإيرانية، وبداية للتعامل بموازين مختلفة تماماً مع ملفات الترتيبات الاستراتيجية في منطقتي الخليج والشرق الأوسط .

رئيس قسم العلوم السياسية، جامعة الإمارات

==============================

دبي - بيروت: مقارنة في الأمن السياسي هذه المرة

جهاد الزين

النهار

23-2-2010

نحتاج الى فهم سياسي للاحداث الامنية في دبي. لا اعني فقط عملية الاغتيال التي تعرض لها قائد مهم في حركة "حماس". فعلى الاهمية الاستثنائية لهذه العملية البالغة الخطورة والبالغة الوقاحة الاسرائيلية إذا ثبت دور "الموساد" فيها، انما ايضا ما بدا في العام المنصرم انه ظهور أشكال يمكن تسميتها ب"التشوش" الامني في امارة، بل في مدينة كانت لاكثر من عقدين من الزمن، وبالذات في مسار صعودها الباهر، مكانا هادئا امنيا يكاد يكون حتى "صافيا". واذا بالسنة الاخيرة تشهد حتى نوعا غير مألوف من الجرائم العادية كجريمة اغتيال الفنانة سوزان تميم، ناهيك بعدد من الاشتباهات التي ادت الى ابعاد عناصر عاملة عديدة من المقيمين في دبي وبعض الامارات الاخرى من خارج سكانها الاصليين.

ماذا يحدث، او ماذا بدأ يحدث اذن في هذه الامارة؟

قبل طرح الاسئلة السياسية، وليس لدينا سوى الاسئلة السياسية، ينبغي التوقف عند الاسلوب الخاص ذي الطابع الحازم الذي اظهرته الاجهزة الامنية في دبي والذي يشبه بطريقته السريعة في كشف حيثيات بعض الجرائم، السياسية كما العادية، اسلوب دول ذات سلطات امنية قوية كمصر وسوريا والاردن.

هذه المقدرة التي ظهرت عبر ردود فعل الاجهزة الامنية في دبي، تدفع بسرعة الى تمييزها عن التاريخ الامني الرسمي لبيروت قبل العام 1975 عندما لم يكن ممكنا، ولم يحصل اصلا، ان تمكنت "الدولة اللبنانية" من تحمل مسؤولية كشف حيثيات ومسؤوليات الذين كانوا يرتكبون الجرائم ذات الطابع السياسي.

لا شك في ان هذا الفارق بين حاضر دبي وماضي بيروت قبل 1975 وبين 2004 و2008 هو لمصلحة مستقبل دبي... رغم الأخطار الاخرى التي سنتناولها في الاسئلة حول دبي التي لعبت ماليا واقتصاديا منذ تسعينات القرن العشرين الى العقد الاول من القرن الحادي والعشرين، دور بيروت في الستينات والسبعينات، بل والخمسينات من ذلك القرن المنصرم. لكن ذلك التفكك الامني الذي جعل بيروت مسرحا لجرائم سياسية كبيرة في الصراع الاقليمي والدولي الناشب على موقع لبنان وحوله تبين انه كان الخط الموازي الذي وصل بها، على ضوء زلزال العام 1967 الى الانهيار الكامل للدولة والمجتمع اللبنانيين عام 1975.

الآن نبدأ الاسئلة:

اذاً، على الرغم من الحزم الاكيد للاجهزة الامنية في دبي، فلا شك في ان امارة بمواصفات هذه الامارة المشعة على شطآن الخليج – كما الامارات عموما وتحديدا ابو ظبي – فان امن دبي في العمق وفي الاساس هو "امن سياسي" بل لا يمكن ان يكون الا امنا سياسيا مبنيا على توافق اقليمي ودولي، دولا ومنظمات سياسية غير دولتية: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، اسرائيل، السعودية، سوريا، ايران، الهند، باكستان، "القاعدة"، "حماس"، "طالبان"، "حزب الله"...

1 – هل هناك خلل ما في هذا التوافق السياسي او في بعض مكوناته؟

2 – اذا كان هناك خلل سياسي خطير، جزئيا او كليا، في هذا التوافق السياسي على امن الامارات، فلماذا ظهر الآن بعد الازمة المالية العالمية التي طالت انعكاساتها دبي؟

بصيغة اخرى للسؤال: هل من علاقة بين الازمة المالية وهذا "الخلل التوافقي"؟

3 – لماذا لعبت المخابرات الاسرائيلية بهذه الطريقة الفجة في استخدام ساحة دبي لتصفية القيادي "الحماسي" بشكل لا شك في انه اثار غضب قادة الامارة والخليج، لا سيما ان الامارة تحملت مجازفة السماح ببعض الحضور الاسرائيلي السياسي والاعلامي في بعض المناسبات مما حرك عليها انتقادات بعض الاوساط العربية ولكنها استوعبتها برصيديها العربي والايراني؟

4 – الصراع الدائر بين الولايات المتحدة الاميركية ومنظمة "القاعدة"، الذي كان ولا يزال حتى الآن يعبر الامارة دون ان ينفجر فيها، هل يتعرض بدوره الى خلل ما، وما هي اسبابه في هذه الحالة التي يجب التفتيش عليها خارج دبي...؟

جميعنا في المنطقة، اعني ابناء المنطقة الباحثين في بيروت والقاهرة ودمشق واسطنبول وعمان وطهران، عن التنمية وفرص العمل الجماعية والفردية اصحاب المصلحة في استمرار ازدهار هذه الامارة وسلامها الذي تأسس طويلا رغم وجودها على مفترق طرق من البراكين: السياسية والعسكرية والايديولوجية والنفطية والمناخية... هذه الامارة التي اظهرت، رغم ازمتها الاخيرة، ان بالامكان في قلب منطقة الثروة النفطية، انتاج ثروات من وسائل غير نفطية. بل هي "المدينة – الدولة" كما يسمونها في الصحافة الغربية، التي لم تتحول فقط الى مدينة ذات دور اقتصادي عالمي، بل نشأت فيها "جماعة" عالمية في الانتاج والاستهلاك الخدماتي والثقافي، "شعب عالمي صغير" لا مجرد مقيمين. لم تكن يوما دبي في العقود الاخيرة مجرد "مدينة ملح" على غرار تسمية عبد الرحمن منيف لمدن الثروة النفطية، بل تجاوزت ذلك اجتماعيا وامكانياتٍ لتصبح مفترق طرق مرتبطاً بالدوائر الاكثر حيوية للنشاط المالي والتجاري في العالم من الصين الى الهند... انتهاء بوول ستريت.

سنشهد في السنوات المقبلة اختبارا سقطت فيه بيروت سابقا هو اختبار هل هناك امكانية لممارسة امنية حازمة وصارمة لمدينة مهمة اقليميا ودوليا ان تحميها من بعض وجوه تفكك الوفاق السياسي حولها؟ وبالتالي من الخطر المصيري عليها؟

==============================

انهيار الديمقراطية في العراق

ستروان ستيفنسون

الشرق الاوسط

23-2-2010

افتتحت حملة الانتخابات العراقية مؤخرا على خلفية من الحيل القذرة والقتل والفساد والابتزاز والتخويف. وبينما يبتهج الساسة المبتسمون من عشرات الملصقات المعلقة في بغداد ومدن أخرى رئيسية، وهو ما يجب أن يكون سببا للاحتفال، كعراقيين موعودين ببدء عهد جديد من الحرية والديمقراطية، انحدر العراق في الحقيقة إلى عنف وفوضى.. إن الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة في السابع من مارس (آذار) ليس إلا وهما.

بدلا من السعي وراء دعم الناخبين العاديين لأحزابهم السياسية أو سياساتهم، تبدو النخبة العراقية الحاكمة مصممة على تدمير خصومها، بدلا من العمل على هزيمتهم. وبينما يتحتم على الغرب أن يملك شيئا من الصبر مع دولة ما زالت تعيد استكشاف الديمقراطية بعد خمسين عاما من الديكتاتورية والحكم المطلق، فإن الوضع الحالي يعد مقيتا ويلقي بظلال قاتمة على شرعية عملية الانتخابات برمتها.

لقد تنبه السياسيون من طرفي الأطلسي عندما أعلنت هيئة المساءلة والعدالة المهجنة في بغداد طرد 511 سياسيا علمانيا بارزا من الانتخابات. السبب المطروح هو أنه كان لدى الهيئة دليل جديد أن كل ال511 شخصا كانوا إما مجرمين أو لديهم ارتباطات قديمة مع حزب صدام حسين البعثي المحظور، ولم يتم عرض أي دليل.

وتدار هيئة المساءلة والعدالة من قبل أحمد جلبي وعلي اللامي أحد أصدقائه الحميمين. وكلاهما له صلة وثيقة منذ أمد بعيد بطهران، وكلاهما أيضا مرشح للانتخابات في السابع من مارس، ولهما أيضا خلفيات سيئة. لم يكن مفاجئا إذن أن ال511 شخصا المدرجين على قائمة الاستبعاد من عملية الانتخابات، كان معظمهم معارضين صاخبين للتدخل الإيراني في العراق والمنافسين السياسيين النشطاء للجلبي واللامي.

أحد الشخصيات الرئيسية المذكورة في القائمة السوداء كان القائد السياسي السني والعلماني الدكتور صالح المطلك، وهو عضو في البرلمان العراقي للسنوات الأربع الماضية. وكان قد اختير مرتين من قبل للترشح للانتخابات، كما كان أحد المؤلفين للدستور العراقي الجديد. وكان شريكا قياديا في تحالف يقوده إياد علاوي، وهو علماني، والمرشح الموالي للغرب للعمل في العراق مع رئيس الوزراء القادم. ولكن الدكتور المطلك قد كان ناقدا مستمرا لإيران، وكان طرده وطرد غيره من قبل الجلبي واللامي مثيرا للشك على نطاق واسع أنه طلب مباشر من طهران.

لا شك أن نظام الحكم الإيراني يستخدم كل قواه ونفوذه في العراق، ويجرد أهلية أي شخص في العراق من العملية الانتخابية ممن يعتقد أنهم خصوم. وبتوجيه ملاحظاته للولايات المتحدة في خطابه يوم الخميس 11فبراير (شباط) بمناسبة الذكرى السنوية للثورة الإيرانية، قال رئيس إيران أحمدي نجاد: «إن الشعب العراقي والحكومة العراقية تحت ضغط كبير، لإعادة البعثيين إلى السلطة.. لماذا تريدون فرض البعثيين على الشعب المقموع في العراق؟ لن تنجحوا إن شاء الله». لذا، فإن التجريد من البعثية يعد مجرد عذر. لهذا السبب تجريد، المرشحين من الأهلية ليس محصورا في السنيين فقط، ولكنه يتضمن أيضا بعض الوطنيين الشيعة البارزين ممن هم أعضاء في التحالف السياسي «أحرار» الذي يقوده إياد جمال الدين، وهو رجل دين ومفكر شيعي عراقي بارز. ويؤكد السيد جمال الدين وأعضاء من قائمته المطروحة للمرشحين للانتخابات أن المشكلة الأهم التي تواجه العراق اليوم هي تدخل نظام الحكم الإيراني في البلاد.

كان مثل هذا القلق حول الأثر المحتمل لزعزعة الاستقرار على العملية الانتخابية هو ما دعا نائب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن إلى السفر إلى بغداد في أواخر يناير (كانون الثاني) في محاولة لحل هذه القضية القابلة للانفجار. وفي الوقت الذي بدت فيه جهوده جنبا إلى جنب مع احتجاجات قوية من البرلمان الأوروبي سارية المفعول، أعلنت محكمة الاستئناف العراقية أنها ألغت الحظر من قبل هيئة المساءلة والعدالة، وأن كل ال511 مرشحا يمكنهم الآن الترشح للانتخابات.

هذا الحكم أغضب الملالي في طهران وحلفاءهم الموالين لإيران في بغداد. لقد جرى كثير من الحديث عن حكم محكمة الاستئناف عندما أعلن مساعدون كبار لرئيس الوزراء العراقي أنه كان حكما «غير قانوني وغير دستوري»، وأن الحكومة قد قررت أن تسيطر على أحكامها الخاصة.

لذا، فإن الانحدار إلى حالة الفوضى ما زال مستمرا. لقد أصبح القتل والتفجير جزءا اعتياديا من مشهد الانتخابات. فقط في الأسبوع الماضي، قُتلت مرشحة من حزب إياد علاوي في الشارع في شمال مدينة الموصل، وهي سها عبد جار الله، وكان عمرها 36 عاما.

بعد تصفية ميدان جميع المعارضين السياسيين، فإن القيادة الحالية تبدو مصممة على تشكيل حكومة شيعية السيطرة، موالية لإيران بعد انتخابات السابع من مارس، وبذلك تمهد الطريق للقبول النهائي لبغداد وصية طهران.

بالتأكيد إنه ليس من اهتمامات الدول الأخرى في الخليج أن ترى هذا يحدث، أو أن ترى نظام حكم الملا الفاشي في إيران يظهر كسلطة قيادية في المنطقة. ولكن بينما يستمر الغرب في صب أموال دافعي الضرائب للمساعدة في المهمة الهائلة المتمثلة في إعادة الإعمار، فإن الأسس الديمقراطية المهتزة تنهار وتبشر بمستقبل قاتم.

* عضو البرلمان الأوروبي، ورئيس الوفد البرلماني الأوروبي للعلاقات مع العراق

==============================

درس في الواقعية السياسية

مايكل غيرسون

الشرق الاوسط

23-2-2010

لليسار الأميركي مصلحة سياسية في إبراز مظاهر التطابق بين الانتقادات الواسعة لاقتراح توسيع الحكومة وأسوأ العناصر المكونة لحركة حفل الشاي، الذين يشككون في أهلية الرئيس أوباما للرئاسة، وجمعية جون بيرش اليمينية التي تؤيد الحكومة المحدودة، وحركة الميليشيات، والحركات المناهضة للهجرة، والعنصريين، وواضعي نظريات المؤامرة، ومساعدي رون بول وتوم تانكريدو وليندون لاروش.

وهو ما يتواءم مع ميل بعض أعضاء اليسار لنبذ قطاع واسع من المواطنين باعتبارهم سذّجا وخطرين. ولكنه لا يناسب ال 60 في المائة من المستقلين في نيوجيرسي ولا ال 66 في المائة من المستقلين في فيرجينيا ولا ال 73 في المائة من المستقلين في ماساتشوستس، الذين صوتوا لصالح الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة. ولا يناسب أيضا سارة بالين التي تسبح في تيار المحافظين رغم شعبيتها. بل إنه لا يناسب كذلك نتائج استطلاعات آراء الناشطين والمتعاطفين مع احتجاجات حفلات الشاي، الذين يمثلون إلى حد كبير نطاقا نموذجيا من الآراء المحافظة. وبصفة عامة، تبدو حركة حفلات الشاي وكأنها تكثيف للحراك المحافظ، وليس انتصارا للبارانويا السياسية. لكن الذين يشككون في أهلية الرئيس أوباما للرئاسة وأنصار الحكومة المحدودة (من جمعية جون بيرش)، والميليشيات والمناهضين للهجرة، والعنصريين وواضعي نظريات المؤامرة، موجودون بالفعل. يأمل البعض، الذين انتظروا لعقود في حالة من ظلمة يستحقونها، أن يلتصقوا بأي حركة شعبية مثل سمك الريمورا. لكنّ هناك آخرين، مستجدين على المشاركة السياسية، اكتشفوا أن البارانويا والغضب يسببان الإثارة. فهم يشاهدون غضب غلين بيك من تهديد سول ألينسكي المنتشر في كل مكان، ويقرأون الإغراق في الذاتية، واحتقار الضعفاء في روايات أين راند، وينصتون إلى هجوم رون بول على المتآمرين بالاحتياطي الفيدرالي، وعلى نحو مفاجئ ينتظم استياؤهم في نظرية. ومثل تلك النظريات في السياسة يمكن أن تصبح مثل المخدرات، تسبب الإدمان والنشوة والغياب عن الواقع. وفي وقت يسود فيه التيه الاجتماعي، تجد نظريات المؤامرة صداها، حيث تقدم تلك النظريات سردا لعالم يبدو عشوائيا، وتعد بأن مفتاحا واحدا فقط يستطيع فتح جميع الأبواب.

وفي النهاية، يجب نبذ تلك النظريات أو أنها ستفسد كافة الحركات السياسية، حيث إنها سوف تفعل كما يفعل مقدار صغير من الصبغة الحمراء، عندما يحول وعاء كامل من المياه إلى اللون الوردي. وهذا بالضبط ما فعله ويليام إف بوكلي في خمسينات وستينات القرن الماضي، حيث رفض قبول راند وروبرت ويلش من جمعية جون بيرش، مما خلق حركة محافظة شرعية يمكنها اختيار مرشحين مثل رونالد ريغان.

مما لا شك فيه أن إصلاح الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية ضرورة مالية، وإلغاء الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية نوع من القسوة. كما أن المهاجرين ليسوا بكتيريا تسبب المرض، بل إنهم مصدر للقيم والحيوية. وإن لم يكونوا مصدرا للأصوات للجمهوريين في المستقبل، فسيصبح مصير الجمهوريين غامضا بلا شك.

تواجه كل حركة سياسية تهديدا من جانب الأشخاص غير الصبورين وغير المسؤولين. فقد كان وليام لويد غاريسون يدعو لانفصال الشمال لتجنب تفشي وباء العبودية، فيما عمل لينكولن على حماية البلاد. ووجد مالكوم إكس في البداية أن التقليد الأميركي فاسد من الأساس، فيما وجد القس مارتن لوثر كينغ الابن موارد كبرى للإصلاح من داخل ذلك التقليد. إن أبطال أميركا هم أبطال الوحدة.

لقد صمم نظامنا السياسي كي يحتمل التباينات الشديدة، وهو ليس مصمما للشعور بالازدراء الذي يستحيل معالجته. حيث إن ذلك الازدراء يفسد روابط المواطنة ويقوض فكرة الوطنية. كان رونالد ريغان قد قال متسائلا: «كيف يمكننا أن نحب بلادنا ولا نحب أبناءها؟»

*خدمة «واشنطن بوست»

==============================

في خطاب "توازن الردع" المقاوم...

عالم يتغير، ومنطقة حبلى، ومعطيات استراتيجية جديدة!

عبداللطيف مهنا

كنعان - 22 شباط (فبراير) 2010

كل يوم يمر يأتي معه بارهاصات تؤكد بأن المنطقة سوف تشهد بروزاً لمعطيات استراتيجية جديدة ومختلفة. معطيات سوف يكون من شأنها أن تعجل في زوال السائد المعهود وتبشر بمستجد تحولات لها ما بعدها. تحولات لا يمكن عزلها عن أخرى كونية أشمل بدأت تلوح وتلمس لمس اليد. هذا العالم يتغير والمنطقة حبلى بما يمور تحت سطحها الراكد الآسن الخانق. في مقال سابق تحدثنا عن التوتر الصيني الأمريكي. صفقة أسلحة تايوان الأمريكية ورد فعل الصين عليها وعلى استقبال واشنطن للدلاي لاما، الرد القاسي وغير المألوف صينياً، أو الغاضب الحازم المتوعد. وقلنا إنما هو بعض مما يقع لا محالة في سياق تحول قوى كوني قادم ولا راد له، وإن فيه ما هو المتوقع حكماً وقوعه بين مارد صاعد حاذق وعملاق هابط هائج مرتبك. وكنا قد عددنا بعضاً من سمات تآكل أحادية القطبية الأمريكية وبداية إنحدار الإمبراطورية الغائصة في رمال استباقياتها المتحركة، وأشرنا بالمقابل على تحول التنين الأصفر الفتي إلى قوة اقتصادية هي حتى الآن الثانية كونياً وتتجه إلى الأمام، الأمر الذي لزاماً سوف يدفع صاحبها لأن يلتمس بالضرورة دوراً كونياً قيادياً له يوازيها، وأن يسعى لأن يتبوأ مكانة لائقة بمنزلتها المحققة تُحجز له بجدارة بين المتربعين في قمرة إدارة هذا العالم، هذه التي لم تعد في المدى المنظور حكراً على الأمريكي المتسلط عليها والمتغطرس المنفرد بها.

 

وفي مقال سبقه، تعرضنا لما لاح حينها من أن إسرائيل قد بدأت تدق طبول الحرب، وقلنا أن ذاك الزمان الذي كانت تنعم فيه بالقدرة على شن حرب سريعة ماحقة مؤكدة النتائج ومضمونة الانتصار، أو تتلائم مع تفوقها العسكري واختلال موازينه الخرافية لصالحها، بالإضافة إلى مضمون تدثرها الدائم بغطاء دولي يعصمها من المسائلة ويرفعها فوق كل القوانين والشرائع والضوابط الإنسانية، قد ولى... وولت من ثم معه وإلى غير رجعة قدرتها على ابتلاع المزيد من الأراضي العربية، أو احتلالها مع البقاء فيها. وحيث وصلت قوتها وبالتالي قدرتها على التوسع إلى أقصى حدودها، فقد خلصنا إلى أنها لزاماً سوف تعد إلى العشرة قبل مجرد التفكير الجدي في الإقدام على شن حرب جديدة، لاسيما وهي تعيش كوابيس تجربتي حربيها في 2006 على لبنان و2008 على غزة... قلنا حينها أن إسرائيل لم ولن تشعل حرباً من حروبها إلا بعد حصولها على ضوء أخضر أمريكي، وأن أمريكا الراهن لا تحتمل حرباً مضافةً إلى حروبها الخاسرة في المنطقة... ورجحنا أنها إنما هي بعضاً من عربدة موظفة في حرب نفسية درجوا على شن مثيلاتها، من المتضح أن لها وظيفتها راهناً في سياق جاري الضغوط الغربية على قوى المقاومة ودول الممانعة في المنطقة، وجاري ما يتعلق بمعالجة مسألة البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً بعد أن تخلت الإدارة الأوبامية عن ما دعتها سياسة "الإنخراط" حيال إيران وقفلت عائدةً إلى سابق سياسة "الإحتواء" التي درجت عليها سالفاتها الأمريكيات. ودللنا على ما ذهبنا إليه، بخفوت دبيب طبول الحرب الإسرائيلية، وتراجع داقيها عن عنتريات تصريحاتهم المهددة فور سماعهم رداً سورياً جاءهم حازماً ومباشراً، أنكم إن أشعلتم فتيل حرب فلا يمكنكم حصر ساحاتها ولن تنجو منها تجمعاتكم مدناً ومستعمرات.

 

في هذا المقال، لا مناص لنا من الإشارة إلى ما تقدم، حيث نحن نجد أنفسنا لا زلنا في ذات السياق ونحن نتعرض إلى الراهن الجاري، أو في تتبعنا لتلكم الإرهاصات التي تحمل لنا بشائر تلكم المتغيرات المشار إليها. هنا سنتعرض فحسب إلى اثنتين: الأولى آخر الصولات الأطلسية في بلاد الأفغان أو ماعرف بعملية "مشترك"، أو الحملة العسكرية الأطلسية وملحقها الأفغاني واسعة النطاق على المقاومة الأفغانية، أو معركة مرجة في إقليم هلمند. والثانية، هو ما نعت بحق بخطاب "توازن الردع"، الذي رسم فيه الأمين العام لحزب الله، قائد المقاومة اللبنانية، السيد حسن نصر الله، خطوطاً حمراً جديدة في الصراع، سوف يتوقف الإسرائيليون أمامها ملياً، فهم الذين يأخذون عادةً ما يقوله نصر الله على أكثر من محمل الجد. بدا مثل هذا واضحاً، من هذا الصمت الثقيل الذي ران عليهم على غير عادة، والتزامهم كبت ردود الأفعال الرسمية من جانبهم حتى الآن، بل والمسارعة إلى فرض التعتيم الإعلامي التام على الخطاب وإغفال ما جاء فيه، وطلب الرقابة العسكرية صاحبة القول الفصل عادة من مراسليهم ومحلليهم "ضبط النفس"، متعللة بأن جزءاً أساسياً من هذا الخطاب هو موجه إلى الداخل الإسرائيلي، وبالتالي ففيه ما يثير الخشية من زيادة حالة "الإحباط والإرباك" في هذا الداخل القلق!

 

قال لهم: من الآن فصاعداً، سندمر أبنية في تل أبيب مقابل بناء واحد تدمرونه في ضاحية بيروت الجنوبية. وسنضرب مطار بن غوريون إن ضربتم مطار الحريري... واستطرد: ميناء مقابل ميناء، ومصفاة مقابل مصفاة، ومحطة كهرباء مقابل محطة كهرباء، ومصنعاً مقابل مصنع... باختصار، بناكم التحتية مقابل بنانا... هل يمكن عزل هذه الثانية عن سابقتها الأولى... بل وسابقاتها؟!

 

لقد سبق خطاب "توازن الردع" هذا، كما أسلفنا، الرد السوري الحاسم على طبول الحرب الإسرائيلية التي لم تلبث بعيده أن سكنت، وتصريح الرئيس الإيراني، الذي توقع فيه أن الإسرائيليين يعدون العدة لحرب جديدة هذا الربيع أو الصيف الذي يليه، حيث توعدهم بأن المقاومات ومعها الدول الممانعة سوف "تسحقهم"... بعد ساعات لا أكثر، صرح نتنياهو رئيس الوزراء: إننا "لا نخطط لأي حرب"... وتتالت من ثم التصريحات المتراجعة... قال باراك، وزير الحرب، أنه يرى أن "لا حاجة لحرب أخرى" مع سوريا، وتلاه الداهية الأشر بيريز مهدئاً، أنه "لا يوجد أي نزاع بين إسرائيل ولبنان"! وكان الجنرال الأمريكي مولين قد صرح بعد زيارة لتل أبيب بأن إسرائيل تعهدت بأن لا تهاجم إيران "وحدها"... وكانت جولة أمريكية عمادها وزيرة الخارجية وبعض الجنرالات طاف أصحابها في المنطقة يحرضون ويستحثون فيها أصدقائهم للاحتشاد وراء سياساتهم الإحتوائية للمقاومين والممانعين على السواء... إذاً، لا يمكن فصل هذه عن تلك... ولدينا معطيات إستراتيجية جديدة تعلن عن نفسها، ولدينا ما يخبرنا بأنه ليس من حرب جديدة قد تنشب لن تكون شاملة، بمعنى أنه لم يعد سالف الاستفراد بجبهة واحدة متوفراً للإسرائيليين، والشرارة تطلق نيراناً إن اندلعت فلن يقو أحد على حصر ألسنة لهيبها. ومن الجلي اليوم أن المقاومات والممانعات على السواء قد أفادت من دروس حربي 2006، 2008 أيما إفادة. كما وأن الإسرائيليين والأمريكان أيضاً، قد أخذوا ثمين العبر من دروسها... لكنما نعود فنقول، أنما هم نتاج غزو وتكوين عدوان ولا يعيشون بلا حرب، وحروبهم علينا مستمرة استمرار وجودهم في بلادنا، وإن صمتت مدافعهم إلى حين، فلديهم بدائلها الموازية... مؤامرات لا تنقطع، واغتيالات لا تتوقف، والأخيرة لن يكون آخرها ما جرى في دبي، وحروب نفسية تدار على مدار الساعة وإثارة فتن لا تخمد... بالمناسبة، لم يكن رد الفعل الأوروبي الرسمي، لاسيما البريطاني، على إقدام الإسرائيليين على امتهان حرماتهم وسياداتهم باستخدام جوازات سفرهم لارتكاب جريمة اغتيال الشهيد القائد المبحوح بهذه الميوعة والارتباك إلا لاحتمال تواطئهم في تسهيل ارتكابها. وإلا ما سر لامبالاة الإسرائيليين وعدم خشيتهم البادية من تصاعد ردود فعلهم وتأكيدهم بأنها لن تكون أكثر كثيراً مما هي عليه الآن؟!

...والآن، ماذا عن أخبار موقعة مرجة الأفغانية التي دخلت أسبوعها الثاني وتقترب من الثالث ويقولون الآن أنها قد تحتاج شهراً؟!

 

يكفي أن نشير إلى أن الرئيس باراك أوباما قد عقد مجلساً حربياً قيل أنه لدراسة وتقييم آثار معركة مرجة، وحتى الآن لم يقل لنا أحد بعد ما الذي حققته حملتها العرمرمية الصاخبة؟! أو ما الذي أنجزوه سوى أن طالبان الآن لا زالت تذرع الجبال متنقلة بين ولاية وأخرى وتنفذ غاراتها وفق تكتيكاتها، وهم جل ما حققوه أنهم يجولون ويصولون بين أطلال بعض القرى المهدمة التي فتكوا بأطفالها ونسائها؟!

 

إن كل ما سمعناه حتى الآن، هو اعتراف قائد القوات البريطانية ب"قدر من المقاومة الشرسة...ولدينا في وسائل الإعلام الدولية أكداس من التحليلات وتوقعات الخبراء، بل وما يجزمون به، بأن خسارة أمريكا وأطلسييها للحرب في أفغانستان، التي تسيطر طالبان على عشرين محافظة من محافظاتها الأربعة والثلاثين، قد غدت من تحصيل الحاصل... أما في العراق، فتصوروا أنهم إذا ما غادروه، وسيغادروه، ما الذي سوف يتبقى لهم بين إطلاله من كل هذا الذي جلبوا أدواته معهم ورتبوه لينوب عنهم في حماية مصالحهم خلال الثمانية أعوام الدموية البشعة التي تلت الغزو؟... لم يعد السؤال هل سيتركون أفغانستان لأهلها، بل كيف سيغادرونها ومتى؟ وهل هذا الخروج سوف يختلف عن مثيله الذي كان في الفيتنام أو الصومال... أو بيروت؟ هل هو المختلف عن خروج السوفييت من هناك؟! قلنا ذات مرة إن استراتيجية أوباما الأفغانية التي أعلنها إنما هي لا تعدو استراتيجية هروب، واليوم نقول، لقد بدأ في تطبيقها... كيف؟!

 

في الفيتنام سبق أن كانت ذات الإستراتيجية التي نفذت بذات السيناريو... طلب المزيد من القوات... والمزيد... حتى هربوا!

 

إنها التحولات الكونية، والمعطيات الإستراتيجية الجديدة التي تلوح في منطقتنا، هذه الحبلى بما يمور تحت بادي سطحها المتكلس... التحولات المعجلة في زوال سائدها، هذا الذي بلغ انحطاطاً مريعاً لم يشهده تاريخها المتأخر على الأقل... تلك التحولات التي تبشر بجديد... جديد مهره ليس أكثر من رسم خطوطنا الحمر، والإنطلاق منها في مسير انبعاث إرادة مواجهة ستؤدي حتماً إلى انتصار لابد آت!

=============================

هل هو سجال شخصي بين الرداوي والدردري أم بين نهجين؟!

عارف سليمان

(كلنا شركاء) 20/2/2010

على خلفية إقالة تيسير الرداوي أثر محاضرة له في ندوة الثلاثاء الاقتصادية في 5 كانون الثاني 2010

الخبر قديم ولكن دلالاته راهنة، فقد صدر المرسوم رقم 19 القاضي بإنهاء العمل بالمرسوم رقم 104تاريخ11-3-2007 المتضمن تعيين الدكتور تيسير سليمان الرداوي رئيسا لهيئة تخطيط الدولة في سورية.

رغم أنني لا أرى أن عبدالله الدردري، رغم إعجابه وحبه للسياسة الاقتصادية النيوليبرالية، أنه صانع السياسة الاقتصادية السورية، كما يظن البعض. فهو ليس أكثر من مروج متحمس لها. وسبب حماسه هو معرفته بأن هذا التوجه مدفوع بقوة مصالح الفئات الرأسمالية الصاعدة التي يصبح نفوذها طاغياً ومتحكماً في القرار الاقتصادي بسبب اندماج رأسمالية السوق مع رأسمالية الدولة (البيروقراطية) في بوتقة مصالح واحدة. ورغم أنني لا أرى أن تيسير الرداوي يمثل اتجاهاً اقتصادياً واضحاً يعارض التوجة النيوليبرالي السائد في سورية، فإن هذه الإقالة التي جاءت على خلفية صراع، ورغم طابعها الشخصي فلها دلالتها. ولننظر في التفاصيل.

نقول لها طابعها الشخصي لأن الرداوي حل محل الدردري في رئاسة هيئة تخطيط الدولة عام 2007 بعد أن شغل الدردري هذا المنصب منذ نهاية 2003. وبعد أن تم تسمية الدردري عام 2007 كنائب لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، فأصبح الدردري يشغل المنصبين مما خلق احتجاجاً لدى الوزراء الآخرين الذين لا يكنون الود للدردري، فطالبوا بتخلي الدردري عن أحد المنصبين، فتخلى عن منصب رئيس الهيئة لأن نائب رئيس الوزراء يبقيه قريباً من منصب رئاسة الوزارة الذي يطمح إليه ويروج لنفسه له، وهذا ما يثير حفيظة رئيس الوزراء ناجي العطري الذي يرحب بكل تكسير أو إضعاف للدردري. وقد كان العطري "الحلبي" هو من اختار الرداوي "الديري" بطباعه الحادة ليحل محل الدردري "الدمشقي" بطباعة الباردة كي يقف في وجهه.

ولم يمض زمن حتى أصطدم الرجلان، فبعيد التحاق الرداوي بمنصبه بدأ بحكم عمله يقوم بمراجعة لوضع الهيئة وعملها، ونجم عن ذلك بعض الانتقادات لما فعله سلفه الدردري من الجانبين الفني والإداري. ثم وبعد فترة قصيرة أكملت الهيئة إعداد تقييم منتصف الخطة الخمسية العاشرة التي أعدها وتفاخر بها الدردري وأعلن نجاحاتها على مدى ثلاث سنوات ليأتي تقييم الخطة سلبياً وأنها لم تحقق أهدافها. ورغم أن كادر الهيئة هم من أعدوا التقييم وليس الرداوي، فقد غضب الدردري وغضب رئيس الوزراء معه هذه المرة، كون النقد موجها أيضاً لعمل الحكومة ككل. لذلك تم حفظ التقييم وعدم إذاعته. واستمر التوتر بين الرجلين، الرداوي بطبعه الديري الحار الميال لقول ما يريد بصوت عال، والدردري بطبعه الدمشقي الذي يجيد المراوغة وإخفاء نواياه وتزويق الكلام.

أخطأ الرداوي حين تكلم بصراحة في ندوة الثلاثاء الاقتصادية، وهي ندوة عامة مفتوحة، فاصطاده الدردري الذي كان يتحين هذه الفرصة. لقد تجاوز الرداوي ما تعتبره السلطة السورية خطوطاً حمراء، فمن غير المسموح لمسؤول وهو على رأس منصبه أن يوجه أي نقد للحكومة والدولة، وأن يبرز أن له رأيا خاصا مهما كان بسيطاً في اختلافه عما هو معلن. كما تجاوز الرداوي الخطوط الحمراء خاصة عندما قال بأن أكثر السكان في سوريا لم يتحسَّن دخلهم، وأن العائدات تمركزت في أيدي فئاتٍ قليلة، وأن الثروة تنتج في الجزء الشرقي من سورية بينما تنفق في الجزء الغربي منها وأن موارد الحكومة من الضرائب متدنية. ومثل هذه الأقوال على لسان وزير هي بمثابة كفر بقاموس السلطة السورية. لذلك كان إعفاؤه بمثابة درس لكل من يريد أن يتميز، فالإدارة السورية لا تحب التميز، لأن التميز يجتذب البريق وقد يغري المتميز بالطموح، وطموح الآخرين غير مسموح. إنها إدارة الشخصيات الصغيرة.

ولكن من المفيد استعراض ما قاله الرداوي في محاضرته، فهو سيظهر الفارق بين ما قاله الرجل ودعا إليه وبين السياسة الاقتصادية السائدة. فهو سواء قصد أم لم يقصد إنما عارض السياسة الاقتصادية السورية الحالية بشكل كامل، وهو رئيس الهيئة التي تقوم الآن بوضع الخطة الخمسية الحادية عشر التي تحدد النهج الاقتصادي للبلاد. وخشي الدردري، ومن وراءه مصالح قطاع الأعمال الخاص الريعي، من أن تلعب الخطة الخمسية 11 بقيادة الرداوي نفس الدور الذي لعبته الخطة الخمسية العاشرة بقيادة الدردري حين وجهت الخطة العاشرة نهج سورية الاقتصادي نحو اقتصاد السوق بالنموذج النيوليبرالي، فتقوم الخطة 11 بقلب هذا الاتجاه نحو اتجاه اقتصاد السوق الاجتماعي ودور الدولة التنموية كما توحي مداخلة الرداوي في الندوة.

هذا الاستنتاج الأخير خرجت به عندما تأملت ما قاله الرداوي وقارنته مع السياسة الاقتصادية الحالية، وما يقوله الدردري ويقوله محمد الحسين وزير المالية الذي يسميه البعض ب "وزير مالية رجال الأعمال". وسأقدم بعض الأمثلة.

قال الرداوي بأن الهدف في البداية هو وضع رؤية لسورية 2025، وستتم مناقشة هذه الرؤية بين جميع مكونات الشعب السوري ولا بد من الإجماع عليها لأنها تتعلق بمستقبلنا جميعاً. بينما قام الدردري بإعداد الخطة الخمسية العاشرة من وراء ظهر المجتمع ومؤسسات الدولة ثم وضعها جاهزة أمام القيادة القطرية ومجلس الشعب في جلسات شكلية مرتبة لإقرارها عام 2006. ومن بعدها قام الدردري بوقف مشروع سورية 2025 الذي عمل فيه 264 خبيراً سورياً على مدى سنتين وضعوا تصورات لسيناريوهات تطور سورية حتى العام 2025. غير أن هذه السيناريوهات كانت علمية وموضوعية تطرح القضايا بصراحة لا تتفق وطريقة الدردري الدعائية، فتم منع مناقشة وثائق هذا المشروع المميز في تاريخ سورية الحديث.

عاب الرداوي على الخطة العاشرة أنها جعلت محرك الاقتصاد السوري هو الاستهلاك وليس الاستثمار مما أدى إلى تقليص معدل البطالة".إذ أن النمو الذي يحركه الاستهلاك، بحسب الرداوي، يكون في الأغلب من أنواع النمو غير المحابي للعمالة. وهذا عيب كبير في الخطة العاشرة. كما عاب على الخطة أن سياسة التنمية غير متوازنة مما أدى لهجرة داخلية واسعة. وأن فترات النمو السابقة في سورية "تميزت بعدم الاستدامة لأن قطاعات كبيرة من السكان لم تشارك في العمل وبالتالي لم يتحسن دخلها ويزداد طلبها على السلع والخدمات مما يساهم في زيادة الإنتاج". والخلاصة فإن الرداوي ينتقد ضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد السوري الذي أهملته الخطة العاشرة.

وقد كان من أكثر القضايا سخونة التي مسها الرداوي قوله بأن: أكثر سكان سورية لم يتحسن دخلهم، وأن عائدات النمو تمركزت في أيدي فئات قليلة من السكان كان لها ممارسات استهلاكية وبذخية وادخارية أعاقت عملية النمو ووجهت الطلب على سلع وخدمات خارجية ووجهت الادخار إلى الخارج أو إلى قطاعات ليست إنتاجية". لذلك فالعرض نما خلال السنوات الماضية بشكل مضبوط ولم ينم بشكل كبير، وبلغ نموه نحو 12% بينما نما الطلب نحو 20%.وهذا يتناقض مع التصريحات المزوقة والتقارير الحكومية المليئة "بالإنجازات الخالية من طرح أية مشكلات.

لذلك أكد الرداوي بأن الخطة الخمسية 11 لن تحابي الطبقات الغنية بل ستشرك جميع فئات المجتمع في التنمية الحقيقية أي في قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية". وأنها بحاجة إلى تحقيق نمو محابٍ للطبقات الفقيرة بزيادة الإنفاق على التعليم وتوجيه السياسات التعليمية وفق متطلبات سوق العمل وضمان تحسين السياسات الضريبية والتشريعية والقانونية الملائمة للعمل ..... وستهدف إلى إعادة توزيع الدخل بحيث تزداد حصة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي من 36% إلى 44%، وتقليص مساحة الفقر وتقليل التفاوت بين المواطنين. ولا شك أن مثل هذا التوجه يناقض السياسة الاقتصادية الحالية وهو يخيف الرأسمالية الريعية بينما تستقبله الرأسمالية المنتجه بسرور.

وحول الإستثمار العام والخاص قال الرداوي أنه لا يزال متواضعا إذ لايتجاوز 25 % من الناتج الإجمالي خلال السنوات 2006 – 2008 ويؤكد انها نسبة غير كافية اذا ما قورنت بنسب الاستثمار في البلدان المشابهة. يعود ذلك النقص في حجم الاستثمار إلى صغر حجم الاستثمار العام بسبب قلة واردات الخزينة. ودعا لتعزيز دور استثمارات القطاع العام في كل مجالات إنتاج السلع والخدمات العامة. وإعطاء أولوية عالية للاستثمار في الزراعة والصناعة من أجل رفع نسبة مساهمتهما في الناتج المحلي الإجمالي حتى يتم إصلاح التشوه القطاعي. ودعوة الرداوي تتعارض مع توجه سياسة الاستثمار النيوليبرالية التي يصرح بها الدردري، التي تريد انسحاب الدولة كلياً من الاستثمار تحت شعار التشاركية التي تعني أن القطاع الخاص يستثمر.

وحول موازنة الدولة: انتقد الرداوي انخفاض نسبة موازنة الدولة بسبب قلة الإيرادات الحكومية، إذ لا تتجاوز 28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة قليلة مقارنة مع الدول الأخرى. ويعيد الرداوي السبب إلى تدني إيرادات ضرائب الدخل. وفي مجال الإنفاق على التعليم، بيّن الرداوي أن نسبة الإنفاق السنوي كانت أقل من المتوسط العالمي وبلغت في سورية نحو 18% من مجمل الإنفاق الحكومي، وفي قطاع الصحة رأى أن الوضع لم يكن مناسباً أيضاً، حيث بينت السنوات الثلاث الماضية أن الإنفاق على الصحة لم يتجاوز 2% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة قليلة قياساً إلى متوسط النسبة العالمية. وكذلك شهدت السنوات الثلاث الماضية قصوراً في توزيع الخدمات الصحية بشكل متوازن بين المناطق. ودعا لزيادة الإنفاق على التعليم والصحة وتوجيه السياسات التعليمية وفق متطلبات سوق العمل وجعل أولويات الإنفاق الحكومي متلائمة مع أولويات خطة التنمية، وتكييف توجهات الإنفاق العام وفق معايير مفهوم التنمية المتوازنة والنمو المحابي للفقراء». وأظن أن أصحاب السياسة الليبرالية الذين تنتج سياستهم الفقر يومياً، يتابطون شراً عندما يسمعون كلمات "توجه محابٍ للفقراء"،.

ويمس الرداوي إحدى "تابوات" السياسة الاقتصادية النيوليبرالية فهو ينتقد السياسة الضريبية بمجملها وربط ضعف نسبة الاستثمار بضآلة موارد الحكومة بسبب تدني عائدات الضرائب وينتقد انخفاض العبء الضريبي الذي يبلغ حوالي 14 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة منخفضة قياساً بلدان العالم. كما أن الضرائب غير المباشرة تشكل أكثر من 50 في المائة منها. ورأى الرداوي أن الوضع السابق يتطلب زيادة حصيلة الضرائب حتى تصبح 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن الضرائب المباشرة في الخطة 11 ستزداد بينما ستبقى الضرائب غير المباشرة كما هي. ويعلن توجهه لتحسين السياسة الضريبية والتشريعية والقانونية الملائمة للعمل والتركيز على الضرائب المباشرة وخاصة ضرائب الدخل بحيث يمكن المساهمة في تحقيق توزيع عادل للدخل. والرداوي هنا يقلب المعادلة رأساً على عقب. فنحن نسمع كلاماً مغايراً لكلام وزير المالية (البعثي محمد الحسين) عن ارتفاع الحصيلة الضريبية. ومعارض لتوجه محمد الحسين الذي عمل لتخفيض ضرائب الأرباح إلى مستويات متدنية جداً حتى مقارنة بالدول الرأسمالية النيوليبرالية، بينما ضاعف وسيضاعف ضرائب المبيعات التي هي ضرائب معادية للفقراء تأخذ من الضعيف وتعفي الغني القادر. كما أن توجه الرداوي يستنفر جبهة قطاع الأعمال ضده، وليس الحكومة وحسب.

ينتقد الرداوي تدني واردات القطاع العام الاقتصادي الذي يتطلب سياسة فعالة لإصلاحه، مشدداً على ضرورة إزالة المعوقات التي تقف أمام هذا القطاع سواء كانت معوقات بيروقراطية تتعلق بالسياسات والإجراءات التي لا تساعد على نموه أو معوقات بعدم كفاية البنية التحتية وبقاء المخاطر التي تحيط به ويدعو لإصلاح القطاع العام. وهذا التوجه هو توجه معارض للسياسة السائدة اليوم التي تتوجه لتصفية القطاع العام دون أن تستخدم كلمة "خصخصة" وذلك عبر الإصرار على عدم إصلاحه وعدم حل مشكلاته كي تكون تصفيته هي المآل الوحيد أمام الجميع ولو كره البعض. وقد بدؤوا فعلاً.

وتطال انتقادات الرداوي القطاع المالي والنقد، وهو القطاع الذي يقدمه الدردري ووزير المالية على أنه قصة نجاح الإصلاح، فهو يقول بصراحة بعدم تمكن القطاع المالي من لعب دور الوسيط بين المدخرين والمستثمرين. وينتقد السياسة الاقتصادية في سورية بأنها تهدف فقط إلى استقرار الأسعار بغض النظر عن الهدفين الآخرين للسياسة النقدية التي تهدف بالأساس إلى مساندة السياسة الاقتصادية وتحقيق توازن الاقتصادي الكلي، وهما تحقيق أعلى معدل نمو ممكن وتحقيق التوظيف الكامل للعمالة. بينما يولي الدردري الاهتمام بالاستقرار النقدي عملاً بنصائح صندوق النقد الدولي. بينما يقول الرداوي بأن استراتيجية السياسة النقدية يجب أن تكون تحفيز النشاط الاقتصادي من أجل معالجة مشكلة الركود والبطالة. وهو هنا أقرب إلى السياسة الكينزية.

ويوجه الرداوي نقده للتشويه القطاعي بالنسبة إلى حصة قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي، حيث لم تتجاوز نسبة مساهمة هذين القطاعين مجتمعين في السنوات الماضية 30-35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما بلغت نسبة مساهمة القطاع الزراعي مثلي مساهمة قطاع الصناعة التحويلية. في حين أن مساهمة قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية تزيد عن 50 في المائة في الدول الصاعدة، إضافة إلى أن مساهمة الصناعة التحويلية تزيد عن نسبة مساهمة الزراعة. وهذا التوجه الذي يدعو له الرداوي يتعارض مع السياسة النيوليبرالية التي ركزت جهودها على قطاعات النقد والمال والتجارة.

ولعل النقد الذي أزعج أركان الحكومة السورية قول الرداوي بأنه "عندما حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية- لا أستطيع أن أقول: لم نعرف ماذا نفعل- ولكن كانت السياسات أقل مما يجب، وكانت السياسات المالية والنقدية غير مستخدمة." وهو نقد يصيب الحكومة السورية والإدارة السورية المترهلة في الصميم. وفعلاً لم تعرف الحكومة ماذا تفعل ولم تضع أية خطة سوى طلبها بعض التقارير من الوزارات التي أعدت على عجل ولم تكن تملك أية قيمة عملية وبقيت محفوظة في الأدراج.

لكل ما سبق نستنتج أن إقالة الرداوي ليست فقط بسبب خطأ إعلامي بأنه وجه نقداً علني لسياسة الحكومة السورية، بل الأسباب هي الخوف من توجهاته التي ذكرناها أعلاه.

لعل من أبلغ الدلالات على ما يجري في سورية هو أن التوجهات التنموية للخطة الخمسية الحادية عشر قادت لإقالة الرداوي من رئاسة هيئة تخطيط الدولة بعد محاضرته بأسبوع واحد فقط، بينما التوجهات النيوليبرالية الريعية للخطة الخمسية العاشرة قادت الدردري ليكون نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية.

العنوان الاصلي : هل هو سجال بين شخصين أم بين نهجين؟

===========================

أوروبا: المفتاح المفقود للسلام في الشرق الأوسط

غسان ميشيل ربيز

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

22 شباط/فبراير 2010

www.commongroundnews.org

بالم بيتش غاردنز، فلوريدا

جرى إطلاق آخر مبادرة أمريكية للسلام في الشرق الأوسط في غياب تغيير في مواقف الأطراف المتناحرة أو في الخارطة السياسية. هل تقوم أمريكا بجولة جديدة من دبلوماسية الطريق المسدود من خلال وضع شراب قديم في زجاجات جديدة؟

 

إن الولايات المتحدة بحاجة ماسة لأن تتسّلم أوروبا مسؤولية إضافية لحل النزاع إذا أرادت كسر الجمود في مفاوضات السلام. وبالطبع، قد تحتاج إسرائيل لأن تعيد تقييم دور أوروبا من أجل مستقبلها.

 

تكمن المشكلة في أن البيت الأبيض يعمل بفرضيات خاطئة. لا ينبع الجمود الحالي من نزاع حول ترتيب المواضيع في التفاوض، مثل موقع تجميد الاستيطان مقارنة بمواضيع خلافية أخرى، وإنما في مزاج الأطراف وأصحاب المصالح في النزاع: علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر وثاقة من أن تستطيع أن تلوي ذراع شريكتها والمخاطرة من أجل السلام. إسرائيل مرتاحة بالاحتلال والفلسطينيون منقسمون على أنفسهم. إضافة إلى ذلك، لا يعطي الزعماء العرب شعوراً بالمصداقية.

 

هناك حاجة لضغوطات دولية قوية لكسر الجمود. ولكن واشنطن وحدها تفقد العضلات السياسية. يمكن لتنسيق عن كثب بين الولايات المتحدة وأوروبا أن يعطي قوة للوساطة وأن يوفر أمناً دولياً لغرض تطبيق اتفاقية سلام.

 

وحتى يتسنى فهم مؤهلات أوروبا في دفع عملية السلام، خذ بالاعتبار بعض الحقائق التاريخية: لعبت أوروبا دوراً رئيسياً في إنشاء دولة إسرائيل. وافقت الحكومة البريطانية على إنشاء "وطن قومي لليهود". كانت مأساة المحرقة الرهيبة، التي تشكل عنصراً مركزياً في الترويج للدولة اليهودية، عملية نازية ألمانية. وبالطبع، شكّل اليهود الذين فرّوا من أوروبا هيكلاً أساسياً لدولة إسرائيل في بدايتها. وقد تمت أول مهمة لتحقيق السلام في المنطقة بعد احتلال عام 1967 من قبل أوروبي هو غونار يارنغ، المبعوث السويدي للأمم المتحدة.

 

تراجع دور أوروبا كوسيط عبر السنوات، تاركاً المجال لدور أمريكي متزايد في المنطقة. ولكن في العقود الأخيرة، حققت الدول الأوروبية التميز في الرقابة على السلام في العديد من الأماكن: في الشرق الأوسط والبلقان وإفريقيا الغربية وغيرها. وتستطيع أوروبا لو أعطيت الفرصة أن تقدم للإسرائيليين والفلسطينيين الأمن اللازم والحاسم لتطبيق حل الدولتين.

 

يعتبر هذا الأمن العالمي ضرورياً، حيث يشعر معظم الفلسطينيين بقوة أن فلسطين المستقبل سوف تتطلب جيشاً وطنياً (وإن يكن رمزياً). يجب أن تكون الأجواء والحدود الفلسطينية حرّة. إلا أن إسرائيل تعتبر دولة فلسطينية مسلّحة مستقلة، بما في ذلك حركات مسلّحة مثل حماس داخلها، تهديداً لأمنها الحالي والمستقبلي.

 

يوفّر وضع قوات حفظ سلام دولية على الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المتوقّعة بدعم من أوروبا الفلسطينيين الاستقلال الذي يحتاجونه والإسرائيليين الأمن الذي يرنون إليه.

 

هناك نموذج لحفظ السلام، رغم محدوديته، على الأرض في المنطقة على صورة قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، وهي مكونة إلى درجة كبيرة من الدول الأوروبية وتخضع لقيادتها. يمكن تعديل هذه القوة ودعمها وتوسيعها لتغطي الضفة الغربية وغزة بل وحتى حدود الجولان السورية. ولدى الاتحاد الأوروبي حالياً قوة شرطية هي EUBAM على الحدود مع مصر، وهي رغم صفتها الرقابية تستطيع المساهمة بشكل إضافي من خلال التوسع إلى حدود عام 1967. ومن المؤكد أن الفلسطينيين سيكونون على الأرجح أكثر تحمّلاً لقوة أوروبية إذا أخذنا بالاعتبار التوازن الذي تتمتع به أوروبا في علاقاتها مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

 

تستطيع أوروبا، أو بالأحرى الاتحاد الأوروبي أن تساهم بشكل إضافي في اتفاقية مستقبلية كحافز لإسرائيل وفلسطين المستقبلية، وهو "وضع خاص" يماثل عرض الاتحاد الأوروبي الأخير للمغرب. إضافة إلى ذلك تحث أوروبا طرفي النزاع في قبرص على التوصل إلى السلام حتى يتأهلان كدولة موحّدة لعضوية الاتحاد الأوروبي. لماذا إذن لا نربط حل النزاع العربي الإسرائيلي باحتمالات توفير الأمن لإسرائيل وإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة ضمن إطار حماية إقليمي مناسب؟ إذا كانت قبرص مرشحة لدخول الاتحاد الأوروبي فلماذا لا تكون إسرائيل وفلسطين كذلك؟

 

يمكن لمستقبل إسرائيل على المدى البعيد أن يعتمد على أوروبا أكثر منه على الولايات المتحدة. ونأمل أنه في يوم من الأيام، إذا قررت إسرائيل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 قد تكتشف أن أوروبا هي جسرها الوحيد إلى العالم العربي.

ـــــــــ

* الدكتور غسان ربيز (grubeiz@comcast.net) معلّق عربي أمريكي حول شؤون التنمية والسلام والعدالة. وهو الأمين العام السابق للشرق الأوسط لاتحاد الكنائس العالمي ومركزه جنيف. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ