ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 23/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


توازنات جديدة في المنطقة العربية

محمد صادق الحسيني

22/02/2010

القدس العربي

ان يقوم الرئيس احمدي نجاد بالاتصال بكل من الرئيس اللبناني ميشيل سليمان والامين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله ليؤكد لهما ما سبق ان اكده للرئيس السوري بشار الاسد في محادثته الهاتفية معه الاسبوع الذي سبق هاتين المكالمتين، الا وهو وقوف ايران بكل قوة وحزم الى جانب سورية ولبنان في حال اقدمت تل ابيب على اية حماقة حربية، بل ويذهب الى حد التلويح بانهاء الوجود الاسرائيلي 'الكياني' يعني ان ثمة توازنا جديا للرعب قد حصل بالفعل بين ما بات يعرف بالمحور السوري الايراني وبين المحور الامريكي الاسرائيلي في المنطقة والذي ما انفك يهدد ويزبد ويرعد ويدق طبول الحرب مرة ضد لبنان ومرة ضد سورية ومرة ضد ايران !

بمعنى آخر فان التحليل الاقرب للواقع هو القائل بان الحرب باتت بحكم المؤجلة ان لم تكن بحكم المستحيلة في المدى المنظور اللهمالا اذا قررت اسرائيل المقامرة بحرب انتحارية وجودية !

فالمعطيات التي باتت متاحة لدى العديد من المحللين والمتابعين والمراقبين هي ان ايران كما سورية كما لبنان لن يسمح اي طرف منها من الآن فصاعدا ان يتم استفراده في اية معركة اسرائيلية تحاول تل ابيب منذ مدة توريط الولايات المتحدة فيها، على الطريقة التقليدية القديمة، وهي طريقة 'اضرب واهرب' السريعة والخاطفة بعد ان استهوتها 'نجاحات' الحرب الاستخبارية التي بدأتها باغتيال القائد عماد مغنية ووصلت في آخر محطة لها باغتيال احد ابرز قيادات القسام محمود المبحوح .

لقد كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم واضحا في رده الحازم والجازم على تخرصات ليبرمان، وهي الانطلاقة في سلسلة المواقف الجديدة التي توجها الامين العام لحزب الله اللبناني الاسبوع الفائت عندما قال امرا في غاية الخطورة ربما مر عليه البعض مرور الكرام الا وهو ان ثأرنا للشهيد عماد مغنية لن يكون من اجل الثأر ولن يكون الا بمستوى حجم عماد مغنية واننا نحن من يختار زمان الرد ومكانه ونوعه !

واذا ما وضعنا هذا التصريح الى جانب ما كان سبق ان قاله بان دم عماد مغنية سيزيل اسرائيل من الوجود !

عندها سنكتشف ان ما يواجه اسرائيل من الآن فصاعدا هو ليست على الاطلاق حروب احتمالات الغالب والمغلوب، بل حروب من النوع الذي سيغير وجه المنطقة كما قال السيد نصر الله هو ايضا !

وتغيير وجه المنطقة لا يعني شيئا ما لم يشمل احد امرين اثنين لا ثالث لهما اما ان ينتهي الصراع العربي الاسرائيلي الذي اعتدنا على معاصرته منذ نحو ستين عاما الى 'سلام' عادل وشامل هو مستحيل بين كيان استعماري استيطاني استئصالي طارئ وغريب على هوية المنطقة ووجهها، واما الى ان ينتفي هذا الوجود بالشكل الذي فرض علينا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن !

وتوازن الرعب القائم حاليا بين المحورين الآنفي الذكر يرجح الاحتمال الثاني كثيرا، وهو ما اتى على ذكره الرئيس احمدي نجاد عمليا !

وهذا يعني فيما يعني لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة الامريكية التي باتت هي المتبني الرسمي وشبه الوحيد لدويلة الكيان الصهيوني بصورتها الفاشية والنازية والعنصرية المتجددة وسط حالة العزلة الاخلاقية التي تعيشها حكومة الليكود الارهابية، هو ان تفكر جديا من الآن فصاعدا برسم ملامح شرق اوسط جديد لطالما حلمت به ولكن هذه المرة من دون اسرائيل اي من دون نظام صهيوني بالتحديد، حتى لا يفكرن احد بان العرب او المسلمين يفكرون بحرب ابادة لليهود كيهود كما لعبت حكومات تل ابيب المتعاقبة على هذا الوتر عبر تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي.

بصراحة لم يعد العرب ولا المسلمون بكل اطيافهم وانتماءاتهم يتحملون استمرار هذا الوضع الاستثنائي المفروض عليهم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد آن الاوان بالنسبة لهم ان يتم حسم هذا الامر مرة والى الابد كما يقول نجاد وهو هنا يتحدث بلسان الاكثرية القاطعة والعظمى لهذه الامة!

فكل شيء بات شبه متوقف ومعلق ومؤجل الى ان تحسم هذه المعضلة الكبرى التي اسمها الحقيقي هو وجود هذه الغدة السرطانية التي اسمها اسرائيل والتي قام بزرعها ما يسمى بالمجتمع الدولي في جسم هذه الامة بالقوة والغصب والاكراه ورغم انف حقائق التاريخ!

الآن وقد توافرت للامة مقومات اجراء مثل هذه العملية الجراحية على يد ابنائها المخلصين، لم يبق امام الغرب وفي مقدمته واشنطن الا ان ان يختار بين امرين، ان يقوم هو بهذه العملية الجراحية بالليزر اذا اراد، اي من دون جراحات ما يعني تفكيك اجزاء هذا المعسكر الحربي او حاملة الطائرات الجاثمة فوق صدر البر العربي والاسلامي، او ان نضطر نحن العرب والمسلمين الى اجراء هذه العملية الجراحية بالطريقة التي نقدر عليها والمتاحة بين ايدينا، ذلك لان الامر لم يعد قابلا للتحمل مطلقا لا من قريب ولا من بعيد !

الامور تتسارع بقوة هائلة نحو المنحدر ومن يريد السلام والعدل الشامل فعلا والتغيير الذي يتغنى بشعاراته ويأخذ مشروعيته منه عليه هو ايضا ان يختار قبل فوات الاوان، وان لا يغرنه بان بعض العرب وبعض المسلمين وهم يهادنونه او حتى يغازلوه، فان ثمة اشياء عميقة للغاية تحصل في المنطقة تشير الى حتمية وضرورة القيام بهذه العملية الجراحية لانقاذ المريض الذي هو اغلى عندنا من كل الدنيا ولن يتجرأ احد من بين ابناء جلدتنا ان يساوم عليه او يبادله بالدنيا كلها بذهبها الاسود والاصفر ما لم يكن مختوما باسم فلسطين العربية الحرة المستقلة !

=============================

الوقائع المنسية: حرب كل يوم

آخر تحديث:الاثنين ,22/02/2010

حمود الريماوي

الخليج

إذا كانت الحرب الشاملة مستبعدة في هذه الآونة، دون أن تكون مستحيلة، فإن الحرب الموضعية المفتوحة ضد منظمات وحركات تحرر لا ضد دول، تظل هي الخيار “الإسرائيلي” المعتمد .

 

حتى عندما تغيب هذه، فإن ثمة حرباً أولية، قوامها المطاردات والاعتقالات والاغتيالات تظل حاضرة . اغتيال القائد في حماس محمود المبحوح في دبي، هو جزء من سلسلة إجراءات عسكرية لا تتوقف . هذه الحملات ذات الطابع العسكري، توفر لتل أبيب مكاسب خاصة، فهي لا تثير ردود فعل تذكر، حتى عندما تجري في الخارج . الاحتجاجات على اغتيال المبحوح انحصرت في احتجاج بُلدان على استخدام الفاعلين جوازات سفر “مزورة” . لا تتوقف تل أبيب عن ممارسة هذا النشاط الإجرامي، ولعلها قد نجحت في حمل العالم على تقبل هدا الأمر الواقع، فضلاً عن تحييده سياسياً، وفي حالات أخرى يجري تزيين هذه الممارسات على أنها جزء من الحملة على الإرهاب . تظهر أخبار عن اعتقال أعداد من أبناء الضفة الغربية كل بضعة أيام، ولا أحد يطالب تل أبيب بوضع تفسير لهذه الممارسات، أو الدعوة لإطلاق الموقوفين . وهناك من لاحظ أن حملة الاعتقالات الدورية والمنتظمة نشطت وتضاعفت بعد اختطاف الجندي شاليت، وذلك بهدف الإبقاء على عدد الأسرى على ما هو عليه، في حال تم الإفراج عن مئات من هؤلاء في أي صفقة تبادل .

 

يعجز الجانب الفلسطيني عن وضع هذه الممارسات المكشوفة في دائرة الضوء، والعمل على وقفها . وبعكس ذلك فقد توقفت المطالب بوقف هذه الممارسات . وهو لا شك إنجاز للطرف الآخر، الذي أصبح مطلق اليدين، في ممارسة كل أشكال التنكيل بما فيها الاغتيالات بدم بارد .

 

يكرر إيهود باراك أن لا حاجة لحرب جديدة، ويقصد بها حرباً شاملة، أما الحروب الموضعية والإجراءات العسكرية، فتمثل بالنسبة لهم نشاطاً أمنياً روتينياً حتى لو أدت إلى اعتقال وقتل وجرح العشرات بصورة دورية . وفي النتيجة توقف الجانب الفلسطيني والعربي عن التعامل مع هذه التطورات، وتلقى العالم رسالة ضمنية تفيد أن هذه الأنشطة تندرج ضمن الشؤون الداخلية للكيان الصهيوني .

 

وفرت هذه النشاطات الإجرامية، بيئة سياسية ونفسية انتصارية للعدو، وهو ما يفسر التقدم المطرد لليمين ونفوذه الكاسح على الجمهور، وكذلك التنصل من أية تسوية ذات معنى . والأهم من ذلك هو أن الخيار العسكري بمختلف أشكاله لا يسقط أبداً، وأن المبادرة تبقى بأيديهم في جميع الحالات، مع إنهاك المجتمع الفلسطيني ووضعه تحت ضغوط العقوبات الفردية والجماعية، المقصودة والعشوائية، علاوة على الحرب النفسية التي تفيد بأن الرازحين تحت الاحتلال يوفرون بيئة حاضنة للإرهاب .

 

بهذه الروحية الهجومية، ينجح العدو في إشاعة أجواء قوامها أن لا حلول ولا مخارج سياسية، إلا تلك التي يرتضيها هو، وسوى ذلك فإن الحلول تبقى معلقة، وسيف العسف لا يسقط عن الرقاب، وبهذا تنجح “إسرائيل” في إشاعة أجواء الهزيمة وتعميق هذه الأجواء، عبر حروب صغيرة شبه يومية تنال من المدنيين العزل ومن المرافق المدنية كما تستهدف الناشطين . ولا بأس خلال ذلك من تصوير الوضع على أن كل شيء هادئ فيه، وأن لا خطر من انفجاره .

 

في هذه الأجواء من الألفة المريضة والاعتياد السلبي، ينجح العدو في شن واحدة من أقذر حروبه، ويواظب على ازدراء بيانات المنظمات الدولية، معولاً على ما يكفي من سلبية وتواطؤ ضمني لدى الدول في الشرق والغرب، أما الهزيمة الفلسطينية والعربية فهي تبدأ من هنا حقاً من العجز عن إبداء الغضب، وعن تنظيم برنامج سياسي لمواجهة الفجور الاحتلالي المسلح، وفي النتيجة العجز عن تسخين الأجواء والتأشير إلى خطورته، وحمل العالم على التدخل، والتعامل مع تل أبيب كدولة محتلة ومارقة .

=============================

هل كانت الأزمة المالية حتمية؟( 1-2)

بقلم :د. جلال أمين

البيان

22-2-2010

قدم كتّاب كثيرون تفسيرات مختلفة للأزمة المالية والاقتصادية التي حلت بالعالم ابتداء من سبتمبر 2008، وهي تفسيرات قد يمس بعضها جزءاً من الحقيقة، ولكن بعضها يتعارض مع بعضها الآخر.

 

وسوف أغامر في هذا المقال (على جزءين) بتقديم التفسير الذي أرجحه، وهو تفسير يتسم بالنظر إلى الأزمة من منظور تاريخي، ويظهرها كما لو كانت شيئاً حتمياً.

 

فمنذ حدوث الثورة الصناعية في غرب أوروبا؛ أي منذ أكثر قليلًا من مئتي عام، شهد العالم الغربي تقدماً مستمراً في التكنولوجيا، ولكن هذا التقدم التكنولوجي لم يكن دائماً على وتيرة واحدة، بل شهد فترات من التقدم السريع جداً، ثم التباطؤ أو حتى الركود.

 

يحدث هذا في صورة دورات من الصعود والهبوط، طول كل دورة منها يتراوح بين أربعين وخمسين عاماً.كان من أوائل من اهتموا بشرح هذه الدورات اقتصادي سوفييتي، هو كوندراتييف، في نظرية قال بها في أوائل العشرينات، وهو ما حدث بالفعل في سنة 1929.

 

أريد الآن أن أضيف أنه في فترات التقدم التكنولوجي السريع، يبدو من الطبيعي أن يضغط الرأسماليون وأرباب الأعمال والمستثمرون من كل صنف، لإطلاق أيديهم في استغلال الفرص الجديدة المتاحة في الاستثمار المربح.

 

ويقاوموا بشدة أية محاولة من جانب الدولة لفرض قيود على تصرفاتهم وقراراتهم، إما بدافع تحقيق أغراض سياسية، أو تحقيق درجة أعلى من العدالة الاجتماعية (كرفع مستوى الأجور مثلاً).

 

وفي هذا المناخ من التقدم التكنولوجي السريع تكتسب حجج الرأسماليين والمستثمرين المحتملين وجاهة وجاذبية، إذ من الذي يجرؤ على حرمان المجتمع من ثمرات هذا التقدم التكنولوجي.

 

وهذه المخترعات الجديدة المذهلة؟ الدليل الذي يقدمه الرأسماليون على صحة حجتهم هو النمو السريع في الثروة، وفي سبيل ذلك يبدو رفع شعارات العدالة أو إعادة توزيع الثروة وكأنه خروج على الذوق السليم.

 

في مثل هذا المناخ مثلًا، ظهرت المدرسة التقليدية الإنجليزية، التي دعت إلى رفع يد الدولة عن التدخل، وتبنت شعار المدرسة الطبيعية الفرنسية «دعه يعمل، دعه يمر» (Laissez Faire, Laissez Passer)، وكسبت الرأي العام إلى صفها، وبدت حجج الاشتراكيين (الذين سموا بعد ذلك بالطوباويين ) واهية، لا تقنع أحداً.

 

بالعكس من ذلك، عندما يتباطأ نمو التكنولوجيا، وتتدهور بالتالي معدلات نمو الثروة، وترتفع معدلات البطالة، تبدو الفرصة سانحة لأن يرفع كارهو الرأسمالية رؤوسهم، وأن يطالب العمال ببعض العدالة، وتقوى الاتجاهات الاشتراكية ويقوى الميل إلى زيادة تدخل الدولة في الاقتصاد، وتنمو قوة نقابات العمال.

 

هكذا نلاحظ أنه في فترة تراخى معدلات النمو بين 1830 و1850، في أعقاب العقود الأولى للثورة الصناعية في بريطانيا وفرنسا، نمت الحركات الاشتراكية، وظهرت الكتابات الأولى في الماركسية.

 

وكذلك في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر (1870 1895)، حيث زادت قوة نقابات العمال، ثم خلال أزمة الثلاثينات من القرن العشرين، حيث ازدهرت الحركات الفاشية والنازية، وظهرت دعوة كينز إلى مزيد من تدخل الدول، بل وحدث ذلك بالفعل على يد روزفلت في الولايات المتحدة، ثم في أوروبا الغربية.

 

ولكن القصة لم تنته بالطبع بأزمة الثلاثينات، بل عاد العالم الرأسمالي إلى النمو السريع في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لفترة تقرب من 25 عاماً (1945-1970). وعلى الرغم من التقدم السريع الذي حققه الاتحاد السوفييتي في هذه الفترة، فقد كان التقدم المذهل الذي حققه العالم الرأسمالي (بما في ذلك اليابان).

 

كافياً لوضع حد لنمو الاتجاهات الاشتراكية، وللاكتفاء بما سمي «دولة الرفاهية» التي تراعى بعض اعتبارات العدالة الاجتماعية، دون أن تقيد حركة الرأسماليين.

 

كانت أواخر الستينات ثم السبعينات من القرن العشرين فترة صعبة في تاريخ الرأسمالية، إذ شهد الغرب ظاهرة جديدة عرفت باسم الركود التضخمي (َُّّفهنٌفُّيَُ)، فتراخت معدلات النمو، وزادت معدلات البطالة.

 

وزاد الأمر سوءاً ميل الشركات العملاقة أو متعدية الجنسيات (multinationals)، إلى الخروج خارج حدود الدولة الأم، بحثاً عن ربح أكبر وعمالة أرخص.

 

لا عجب أن زاد الهجوم على الرأسمالية من جديد في أواخر الستينات وطوال السبعينات. ففي عام 1968 قامت ثورة الشباب في فرنسا، ثم امتدت إلى سائر بلاد العالم الغربي، تندد بالمجتمع الاستهلاكي، وتنتقد القيم الرأسمالية.

 

ثم ظهرت أفكار غير مألوفة تقول إن النمو الاقتصادي له مضار تفوق منافعه، وتدعو إلى تخفيض معدلات النمو بدلًا من رفعها، وحققت كتب ماو تسي تونغ شعبية كبيرة، وكذلك شخصية تشي جيفارا.

 

كما حقق كتاب يحمل اسم «الأصغر هو الأجمل» (Small is Beautiful) نجاحاً غير مألوف، إذ انتقد الانسياق وراء شعارات الرأسمالية والمجتمع الاستهلاكي.

 

بل ورفعت منظمة دولية، هي منظمة العمل الدولية (ILO)، شعار إشباع الحاجات الأساسية كبديل لرفع معدلات نمو الناتج القومي، ونشر البنك الدولي كتاباً يعتبر خارجاً عن المألوف في الكتب الصادرة عنه، عنوانه «إعادة التوزيع مع التنمية» (Redistribution with Growth) وكأن البنك العتيد يحاول كسب ود الحركات الجديدة المنادية بمزيد من العدالة.

 

ولكن مع قرب انتهاء عقد السبعينات، ظهر أن ثورة تكنولوجية جديدة قادمة وواعدة بنمو اقتصادي سريع، وهي ما عرف باسم ثورة المعلومات والاتصالات. هذه الثورة التكنولوجية تعتبر أحياناً نتيجة مباشرة للحرب الباردة بين الولايات المتحدة وحلفائها، وبين الاتحاد السوفييتي والدول الدائرة في فلكه.

 

كما أن من الممكن رد كثير مما انطوت عليه من تقدم، إلى اكتشافات واختراعات حدثت داخل نشاط وزارة الدفاع الأميركية، وتقوم على استخدام الرقائق الصغيرة (micro chip) في إنتاج وتطوير الكثير من السلع والخدمات.

وللحديث بقية..

=============================

لا "نار" بين أميركا وإيران... بل في لبنان ؟

سركيس نعوم

النهار

22-2-2010

لا أحد من متابعي العلاقة أو بالأحرى اللاعلاقة بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية الايرانية يستطيع ان يقول ان الخلاف بينهما ليس عميقاً وليس جدياً وليس جذرياً وليس مزمناً. فهو بدأ منذ لحظة تأسيس الثانية بعودة آية الله الخميني من منفييه العراقي فالفرنسي الى طهران عام 1979، وتفاقم بعد احتلال "الثوار" الايرانيين السفارة الاميركية في عاصمتهم واحتجازهم ديبلوماسييها والموظفين ثم تحويلهم رهائن مدة طويلة. واستمر هذا الخلاف سالكاً طريق التصعيد أولاً بسبب النهج الذي سلكه النظام الاسلامي الجديد داخل البلاد وثانياً بسبب تصدير الثورة التي اعتمدها الى جيرانه أو اشقائه الاقربين والابعدين في آن واحد. وثالثاً، بسبب وضعه استراتيجيا طموحة تقضي بالتحول لاعباً اقليمياً كبيراً وعظيماً قادراً على فرض احترام مصالحه على المنطقة وكبارها كما على العالم كله وفي مقدمه الدولة الاعظم أي أميركا. وارتكزت هذه الاستراتيجيا على الانضمام الى ازمة الشرق الأوسط وتحديداً الى الفريق المعادي لاسرائيل فيها والتحول لاعباً أول فيها بعد انكفاء غالبية الدول العربية لاسباب متنوعة. والهدف من ذلك كله كان فرض ايران الاسلامية نفسها جزءاً من الحل على المجتمع الاقليمي وتالياً الدولي. ورابعاً، واخيراً وليس آخراً بسبب دخول ايران "مغامرة" او مشروع امتلاك التكنولوجيا النووية والحصول على المعرفة الضرورية لاستخدامها سواء في المجال السلمي أو في المجال العسكري. وهو دخول فرضه دافعان، الأول حاجة ايران ورغم وفرة الموارد الطبيعية عندها من نفط وغاز وماء الى مصدر طاقة مهم يساعدها في عملية تنمية جدية بعد تخلف اقتصادي وعمراني كان سائداً فيها قبل الثورة الاسلامية وبعد دمار كبير لحق بها بسبب "حرب" عراق صدام حسين عليها عام 1980. لكن لا أحد ايضاً من هؤلاء المتابعين يستطيع ان يقول ان الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية الايرانية سائرتان حتماً نحو المواجهة العسكرية أو الحربية ولا سيما بعد تصاعد مواجهتهما السياسية المباشرة والمواجهة العسكرية - الامنية غير المباشرة التي كانت العراق وافغانستان واحياناً باكستان وسوريا ولبنان وغيرها مسارح لها.

فالحوار بين الدولة الأعظم في العالم والدولة الساعية بجد واجتهاد للتحول دولة اقليمية عظمى أو كبرى وذات امكانات عسكرية ومدنية ضخمة لم يتوقف حتى في أصعب الظروف التي مرّت بها علاقتهما. وكون هذا الحوار غير مباشر لم يقلل يوماً من اهميته. وقد حقق في احيان كثيرة فوائد عدة للدولتين. ففي افغانستان "الطالبان" التي اجتاحتها قوات اميركية على رأس قوات حلف شمال الاطلسي في اعقاب ارهاب 11 ايلول 2001 الذي نفذته "القاعدة" داخل اميركا استفاد المجتاحون كثيراً من المساعدات الايرانية المتنوعة. وفي العراق استفادت القوات الاميركية التي اطاحت نظام صدام حسين في 2003 مع قوات متعددة الجنسية من مساعدات ايرانية كذلك. أما ايران فقد حققت بدورها مكسبين بالغي الاهمية: الأول، التخلص من نظام "طالبان" الاصولي السني التكفيري العنفي المكفر للشيعة ومن خطره الكبير عليها كونه على حدودها. والثاني، التخلص ليس فقط من نظام "البعث" وزعيمه صدام حسين بل من العراق القوي جداً أو العربي جداً الذي شكل عليها خطراً كبيراً في الماضي (حرب 1980-1988). والتخلص أيضاً من احتمال عودة هذا العراق خطراً جدياً على ايران الآن أو في المستقبل. ومن العوامل التي ساعدت في تحقيق ايران هدفها هذا التقاء مصالحها هي الشيعية مع مصالح الغالبية من العراقيين وهي شيعية أيضاً التي حرمها صدام ومن سبقه من ممارسة حقوقها في الحكم رغم كونها غالبية. ومن العوامل ايضاً التقاء مصالحها مع مصالح الأكراد الذين كانوا يقاتلون ومنذ عقود لاقامة وطن لهم في العراق. لكنهم اكتفوا بالحكم الذاتي موقتاً في اطار فيديرالي او ربما لاحقاً كونفيديرالي.

انطلاقاً من ذلك يشدد المتابعون للعلاقة أو بالأحرى للاعلاقة بين اميركا والجمهورية الاسلامية الايرانية ان لايران مصلحة في بقاء اميركا عسكرياً في العراق وافغانستان وان من شأن ذلك الافساح في المجال امامها وامام حلفائها لاقامة عراق مزدهر ومسالم وقوي ولكن غير مهدد لايران ولمتابعة محاربة الاصولية الارهابية "السنية" القاعدية والطالبانية التي تشكل خطراً على الجميع في المنطقة والعالم. ويشددون أيضاً على ان لاميركا مصلحة مماثلة لأنها لن تترك العراق او افغانستان لايران "عدوتها" او المحاربة ضدها رغم تلاقي المصالح معها الا بعد انتقال الحوار غير المباشر سواء عبر اصدقاء مشتركين أو حوار النار أو حوار الساحات الاخرى الى حوار مباشر يوصل الى نتائج نهائية.

في اختصار يستبعد هؤلاء حرباً او مواجهة عسكرية بين اميركا وايران. أما اسرائيل فموضوع آخر. علماً انهم لا يرجحون توجيهها ضربة عسكرية الى ايران. اولاً، لأن نجاحها غير مضمون. وثانياً، لأنها يمكن ان تستدرج اميركا الى التورط في القتال الأمر الذي يعرض وجودها العسكري البري والبحري والجوي في الخليج الى الخطر وهو كبير. وثالثاً، لأن اميركا لا يمكن ان تسمح لاسرائيل بضربة كهذه؟

هل يعني ذلك ان المنطقة كلها ستبقى هادئة في الحد الأدنى على الأقل؟

يجيب المتابعون انفسهم بالقول ان اميركا وايران يتحاوران بالسياسة والديبلوماسية والعسكر والأمن مباشرة ومداورة لتحقيق هدفين. الأول احترام ايران مصالح اميركا في المنطقة والمساعدة في المحافظة عليها. والثاني اعتبار اميركا ايران شريكاً لها وللمجتمع الدولي الذي هي زعيمته في المنطقة. ويقتضي الهدفان أولاً تحديد اميركا مصالحها في صورة نهائية. وثانياً تحديد ايران مفهومها للشراكة مع اميركا. وهذه عملية قد تستغرق وقتاً طويلاً أي سنوات كثيرة وكثيرة. ويتابعون ان وصولهما الى هذه المرحلة ربما يقتضي انضاجاً للحوار المتنوع. والانضاج يكون بالنار. والنار لا تستعمل الا في الساحة التي يفيد اشعالها في تحقيق الاهداف الكبرى الرسمية وغير الرسمية ولكن من دون ان يتسبب بحريق كبير غير قابل للضبط. وهذه الساحة هي لبنان الذي يعتقد المتابعون انفسهم ومعهم جهات ديبلوماسية متنوعة ان زناراً من النار قد يلفه في مستقبل غير بعيد. الا اذا حصلت تطورات اخرى غير محسوبة.

=============================

اغتيال المبحوح .. أسرار لم تكشف بعد

سمير الحجاوي

الدستور

22-2-2010

اغتيال محمود المبحوح أحد قادة الجناح العسكري لحركة حماس ، بدبي والذي يتهم الموساد الاسرائيلي بتنفيذه عملية ارهابية بكل ما في الكلمة من معنى ، وهي ليست المرة الاولى التي يرتكب فيها جهاز الموساد مثل هذه الجرائم فقد سبقتها عمليات عديدة نجح بعضها وفشل بعضها الاخر.

 

لكن هذه المرة تختلف عن سابقاتها فقد اثبت السلطات في دبي علو كعبها الامني واستطاعت خلال ساعات ان تكشف عن 11 من القتلة بالصور والاسماء والتحركات مما يعبر عن مهنية وحرفية عالية اوقعت الموساد الذي يصفه الاسرائيليون بانه "اعظم جهاز استخباراتي في العالم" في المصيدة ، وكشفت ان اعضاء فرقة القتل فيه والتي يطلق عليها "كيدون" اغبياء ، كما وصفهم ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي.

 

ولكن وعلى الرغم من غبائهم الا انهم استطاعوا ان يقتلوا المبحوح وان يغادروا دبي بعد ساعتين من الجريمة ، الامر الذي يوصف على انه نجاح تكتيكي في التخلص من "الهدف" كما يقال في لغة المخابرات. الا ان هذا النجاح التكتيكي ادى الى فشل استراتيجي ، فبدل ان تكون عملية سرية نظيفة تحولت الى ازمة علنية دبلوماسية واعلامية وربما قانونية في المستقبل لجهاز المخابرات الاسرائيلي والحكومة الاسرائيلية برمتها. فعصابة القتلة الاسرائيلية استخدمت جوازات سفر دول اوروبية "صحيحة" كما وصفها رئيس شرطة دبي ، وانتهكت سيادة دولة بهدف تنفيذ عملية قتل خارج القانون الامر الذي يعاقب عليه القانون الدولي.

 

اغتيال المبحوح الذي نفذه 17 قاتلا بينهم فلسطينيان ، يجعلنا نطرح عددا كبيرا من التساؤلات عن حقيقة ما يجري: فالسيناريو الذي قدمته شرطة دبي لتفاصيل الاعداد لارتكاب الجريمة البشعة يشير بوضوح الى ان الموساد الاسرائيلي كان يعرف بتفاصيل تحركات المبحوح "التي يفترض انها سرية" ، فهل يعني هذا ان هناك اختراقا ما مكن الموساد من معرفة تحركات المبحوح؟ وهل هذا يعني انه يعرف تحركات قادة اخرين من حماس وغيرها من الفصائل؟ مصادر متعددة على الانترنت اشارت الى ان المبحوح الذي زار دبي عدة مرات كان ينزل دائما في فندقين يتردد عليهما باستمرار ، واذا ما ثبت ان هذا الامر صحيح ، فهل يعقل هذا الامر من الناحية الامنية؟ ولماذا تحرك بدون حراسة وهو يعرف انه مستهدف؟ الجانب الاخر من عملية الاغتيال هي استخدام جوازات سفر اوروبية ، وهي جوازات سفر تمكن حامليها من دخول معظم الدول العربية بدون تاشيرات ، بل ان بعض الدول العربية تتعامل مع هذه الجوازات باحترام مبالغ فيه ، وهذا الامر ينبغي ان ينتهي ، فحسب بعض المصادر فان الموساد الاسرائيلي يستطيع ان يستخدم 350 الف جواز سفر اوروبي ، وهذا يتطلب التدقيق في هذه الجوازات ، للحيلولة دون حدوث اي اختراق او الحد منه على الاقل ، وفرض تاشيرات مسبقة على الاوروبيين على مبدأ المعاملة بالمثل والتدقيق بهوية القادمين من اوروبا كما يفعلون مع العرب ، فبعض السفارات الغربية لا تفتش جسد العربي فقط ، بل تفتش افكاره وراسه قبل ان يدخلها. ويكفي الاطلاع على الاسئلة في الاستمارات التي يطالب العربي بالاجابة عليها للحصول على التاشيره لتبيان ذلك بوضوح.

 

زاوية اخرى من الجريمة تتعلق برد الفعل العربي البارد ، بل والمعدوم حيال جريمة الاغتيال ، فالصمت هو سيد الموقف ، كأن ما جرى في كوكب اخر وليس على ارض عربية وكأن المغدور لا ينتمي الى هذه الامة ، وهذا صمت لا يجوز على الاطلاق ، لانه يشجع اسرائيل على المضي قدما في تنفيذ جرائمها على الارض العربية ، وتنفيذ مزيد من عمليات الاغتيال والتصفيات.

 

على الصعيد الغربي: فان الدول الاوروبية ومعها الولايات المتحدة التي تخوض جميعها حربها الكونية التي تطلق عليها "الحرب على الارهاب" ، مطالبة من جانبها بالكشف عن تفاصيل الجوازات التي تم استخدامها خاصة بريطانيا التي اشارت صحافتها ان اسرائيل ابلغتها بما تنوي فعله ، واذا ثبتت صحة هذه الاتهامات فانها تكون شريكة في الجريمة قانونيا واخلاقيا ، فهل تعتبر هذه الدول ان اغتيال المبحوح جزء من معركتها مع الارهاب؟ وهل تجيز تصفيته بهذه الطريقه وتعتبرها عملية مقبولة؟.

 

بقعة الضوء الوحيدة التي نستطيع ان نخلص اليها من الدروس الكبيرة والخطيرة لاغتيال المبحوح هي القدرات الامنية والتكنولوجية لدبي ، وهو ما يجب ان يشار اليه بشكل لا لبس فيه ، فهذه الامارة التي يعيش فيها اشخاص من 203 جنسيات اثبتت انها ليست صيدا سهلا وانها لن تكون ساحة للاغتيالات وتصفية الحسابات ، فقد استطاعت في اقل من 20 ساعة تركيب كل التفاصيل بالصور ، وهو ما اجزم انه كان مفاجأة حتى للاسرائيليين انفسهم ، لانهم ربما كانوا يعتقدون انهم قادمون الى صحراء يستطيعون ان يقتلوا فيها من يريدون ويخرجون بعد ذلك دون ان يلحظهم احد.

 

تجربة دبي يجب ان تدرس بعناية ، وان يستفاد من كل ايجابياتها وتفادي سلبياتها ، فهذا التجربة اعلان ان قواعد اللعبة الامنية والمخابراتية في المنطقة تغيرت وان الارض العربية لن "تكون سداح مداح" ومرتعا للموساد الاسرائيلي وغيره من الاجهزة الاخرى في العالم.

 

لا اخشى شيئا من الجانب التقني لكشف كل تفصيل اغتيال محمود المبحوح وأثق تماما ان دبي ستقدم كل الادلة التي تثبت تورط الموساد الاسرائيلي في هذه الجريمة الارهابية البشعة ، لكن ما اخشاه حقا هو الصفقات وتدخلات الدول والمساومات السياسية التي يمكن ان تحول دون نشر الادلة وملاحقة الموساد الاسرائيلي بتهم الارهاب والقتل وانتهاك القانون الانساني والدولي وطي القضية واخفاء الاسرار وتقييدها "ضد مجهول".

=============================

ما العمل مع إيران؟.. هذه ستكون لحظة تاريخية

ايتان هابر

(مدير مكتب رابين سابقا)

يديعوت الاسرائيلية

الرأي الاردنية

22-2-2010

ستكون هذه لحظة يحبس فيها وزراء الحكومة أنفاسهم. صحف، كتب وربما ايضا افلام سينما ستصفها، بعد سنين، بانها «لحظة تاريخية». «الملاحق» على طاولة الحكومة - رئيس الاركان، رئيس الموساد، رئيس الشاباك، المستشارين - سينظرون جيدا الى الوزراء، كل حسب اختياره. وبعد أسابيع، اشهر او سنين سيتذكر كل واحد من «الملاحق» الوجه، الشحب الذي اعتلاه، وزاوية الفم. كما أن الوزراء انفسهم لن ينسوا.

قبل ثوان معدودات من ذلك سيتوجه رئيس الوزراء الى رفاقه حول الطاولة. هو أيضا سيفقد في حينه لون وجهه.

سنوات من المداولات والاستعدادات ستصل عندها الى منتهاها. بنيامين نتنياهو، كابن مؤرخ وكخبير في روائع كتابة التاريخ، سيقول عندها عدة كلمات للبروتوكول انطلاقا من معرفة واضحة بانه بذلك يخلد نفسه، وبالتأكيد اقواله، في سجل التاريخ. بعدها يسود الصمت في غرفة جلسات الحكومة.

ما الذي سيقترح نتنياهو عمله او عدم عمله في موضوع القنبلة النووية الايرانية ، هذه التي في هذه اللحظات تبنى في أقبية نتناز؟ ما الذي يمكن عمله؟ الكثير، بل وربما الكثير جدا، منوط برجل واحد يجلس على الطاولة اياها، دون حق في التصويت. قبل رفع الايادي سيتوجه اليه رئيس الوزراء. وسيكون هو آخر المتحدثين قبل القيادة السياسية. «يا رئيس الاركان»، سيقول نتنياهو، «تفضل». نتنياهو يعرف جيدا موقف رئيس الاركان.

 ذاك الذي اطلق على مدى ايام وليال في مداولات لم تكن لها نهاية.

اما الان، قبل قرار بهذه المصيرية، سيطلب من رئيس الاركان ان يوضح حتى النهاية موقفه. نتنياهو يعرف اليوم ايضا بان بعضا، وربما بعضا كبيرا من الوزراء، سيصوتون حسب موقف رئيس الاركان غابي اشكنازي. اذا كان الموقع أدناه يعرف رئيس الاركان الحالي، وهو بالفعل يدعي بانه يعرفه، فان اشكنازي لن يعطي الحكومة شرف ومتعة القرار على كتفيه. فهو سيعرض المعطيات الاكثر دقة، المواقف «المؤيدة» و «المعارضة» وسيقول: «ايها السادة، القرار في ايديكم، هو قراركم». وبعد ذلك سيضيف: «نحن سننفذ ما تقررونه». في نظرة تاريخية الى الوراء، هذا هو، ربما، القرار الاكثر دراماتيكية التي ستضطر حكومة اسرائيل الى اتخاذه منذ قرار بن غوريون باقامة دولة اسرائيل.

ولكل قرار، مع، ضد، امتناع، سيكون هذه المرة معنى تاريخي: في المرة الثانية في التاريخ الحديث يقف الشعب اليهودي امام اختبار وجودي، إما ان يكون او لا يكون تقريبا. نتنياهو، حتى قبل أن ينتخب لمنصبه الحالي، آمن ويؤمن بان هذه مهمة جيلنا، وان دوره التاريخي كرئيس الوزراء هو تصفية التهديد علينا من هتلر الثاني.

السؤال هو كيف عمل ذلك، اذا كان ممكنا عمله على الاطلاق، وماذا ستكون الاثار التاريخية لكل فعل او انعدام فعل، تمزق هذه الايام القيادة السياسية، وكذا، كما ينبغي الاعتراف، القيادة الامنية والعسكرية. بعد القرار لا يوجد طريق للتراجع.

 وزراء الحكومة، كل حكومة، يخافون بشكل عام من مثل هذه اللحظة للقرار. صحيح، سعوا على مدى السنين للوصول الى هذه الطاولة، ولكن قرار وطني من هذا النوع، لا يكاد يكون هناك شيء في حياتهم أهلهم لاتخاذ قرار بمثل هذا الحجم. وعليه فانهم يريدون أن يتعلقوا باشجار عالية كي يتخذوا القرار، وفي هذه الحالة رئيس الاركان هو هدفهم.

العارفون والمثقفون بينهم يتذكرون ايضا بان لجان تحقيق (تالية، بالطبع) علقت دوما الذنب على القيادة العسكرية، إذن لماذا لا تفعل هذه المرة ايضا؟ كما أسلفنا، تخمين - مجرد تخمين! - هو الا يسهل رئيس الاركان اشكنازي الحياة على الوزراء. وعندها، في تلك اللحظات التاريخية حقا، سيبحثون عن «بديل» لرئيس الاركان، وسيعلقون انظارهم وآمالهم بشخصين يبدوان لهم، في هذه اللحظة، كثنائي لا ينفصل: بيبي نتنياهو وايهود باراك، اللذين يعتبران حتى في نظر خصومهما السياسيين الحاليين كمن يفهمان في الامر.

وخلافا لرئيس الاركان، الذي لعله عن حق كبير يترك القرار النهائي لهما، لا يمكن لنتنياهو وباراك ان ينظرا الى الخلف وان يبحثا عن احد ما يمكن أن يعلقان انظارهما به في القرار. شرا كان أم خيرا، انهما هما. فقط هما. ينبغي أن يكون هناك احد وشيء ما ليس من هذا العالم، كي يحسد هذا الثنائي.

=============================

بناء الهيكل

عبد الهادي راجي المجالي

hadimajali@hotmail.com 

الرأي الاردنية

22-2-2010

نشرت وسائل الإعلام أمس خبراً يقول: (الحكومة تتعهد ببناء الهيكل التنظيمي للقطاع العام).

قبل سنوات تعهد احد حاخامات اليهود أيضاً ببناء هيكل سليمان.. وقبله كان شارون يحلم بإعادة بناء الهيكل على انقاض المسجد الأقصى.

 

ان استعمالنا لجملة (بناء الهيكل) مرتبطة في الذهن العربي بمسألة مهمة وهي الحلم اليهودي بهدم المسجد الأقصى وإعادة انتاج تلك الجملة.. في الصحافة الأردنية وإلصاقها بمشروع محلي لا اجده مناسبا ابدا.

 

الاصل ان نقول السلم التنظيمي للقطاع العام او الخارطة التنظيمية ومن الممكن استعمال مصطلح (التراتب الوظيفي).. فاللغة العربية هي أوسع لغات العالم.. وأكثرها مرونة.

 

إذا وضعت كلمة بناء الهيكل على (الجوجل) في الشبكة العنكبوتية فسيظهر لك ما يقارب (20) ألف عنوان مرتبط بهذا التوصيف وكلها تحتوي على مقالات ومعلومات منشورة حول الحلم اليهودي بإعادة بناء الهيكل على انقاض المسجد الأقصى وسيظهر لك أيضاً تصريحات متعلقة بهذا الجانب ودراسات مهمة.

ما أودّ قوله إننا أحياناً نقع في أخطاء غير مقصودة.. أو أننا نحيي (جملاً) لها أثر سلبي في الذهن.

الحكومات الأردنية دورها بناء وترميم الاقصى وسنتعهد نحن الجيل الجديد الذي لم يعاصر النكبة بأن نُبقي حلم اسرائيل باعادة بناء الهيكل مجرد حُلم غير قابل للتحقيق.

=============================

إلى أين تمضي الخطا؟!

الافتتاحية

الاثنين 22-2-2010م

بقلم رئيس التحرير: أسعد عبود

الثورة

نظموا جريمة الاغتيال..

الإرهابي نتنياهو التقى القتلة وصدّق شخصياً على مهمتهم «جريمة الاغتيال».‏

زوّروا جوازات سفر تعود إلى مجموعة من كبرى الدول الأوروبية: بريطانيا- ألمانيا- فرنسا- إيرلندا.. الخ.‏

استخدموا جوازات سفر ديبلوماسية‏

انتهكوا حرمة بلد وقوانينه ودخلوه متنكرين مزيفين..‏

نفذوا جريمتهم النكراء بدم أكثر من بارد وعن سبق الإصرار والترصد الموصوفين.‏

كل الأدلة ظهرت بسرعة استثنائية ما يؤكد لا مبالاتهم وعدم اكتراثهم إلا بتنفيذ جريمتهم.‏

الأدلة والقرائن أصبحت كافية ليس للاتهام وحسب.. بل للإدانة..‏

ثم ماذا..؟!‏

نتحدى أن تكون هناك دولة واحدة في العالم يمكن أن تقدم على ذلك كله ثم تتراقص بميوعة أمام أصابع الاتهام ودون خوف سوى إسرائيل!!.‏

الذي يعتقد نفسه «نفد» من تقرير غولدستون لن يخاف فضيحة أخرى ليست بجديدة على سجله الأخلاقي المملوء بالقتل دون تردد، منذ الكونت «برنادوت».‏

عندما أثير أمام تسيبي ليفني أنها عميلة سابقة للموساد مارست القتل ضد الفلسطينيين، أجابت بكل وقاحة إنها فعلت..!! وليست بنادمة..!! وبالتالي هي تقر الأسلوب ويمكن أن تعود إليه ومن باب أولى أنها تغض النظر عن الجريمة.. والسؤال:‏

إذا كانت تسيبي ليفني كذلك فما بالكم بليبرمان؟!‏

كلاهما إرهابي.‏

عندما يكون مثل هؤلاء الأشخاص نتنياهو.. ليبرمان.. ليفني في موقع القيادة.. كيف يمكن أن نصدق أنشودة السلام؟!‏

أكثر من ذلك..‏

مازالوا كلما وجدوا ضرورة يدَّعون استعدادهم لمحادثات سلام.. لكن دون أن يوقفوا جرائمهم.. وأحياناً يقولون: سنبحث في السلام، عندما يتصالح الفلسطينيون.‏

هو ادعاء كاذب، لكنه يوصل إلى حقيقة.. عندما يتصالح الفلسطينيون على أساس المقاومة سيكون السلام فعلاً.‏

ولا خيار آخر..‏

لا خيار آخر..‏

أي موقف فلسطيني جديد، نصيبه من التوفيق والنجاح يتناسب ويتعادل تماماً مع نصيبه من الاعتماد على المقاومة فكراً ومنهجاً.. بدءاً من المصالحة وانتهاء بإعلان دولة من طرف واحد..‏

ويبقى السؤال:‏

ماذا سيفعل العالم لهؤلاء القتلة؟!‏

لماذا لا يشغلهم «يشغل العالم» كل ما تقترفه إسرائيل؟!‏

امتلاك السلاح النووي..‏

الاعتداء المستمر على الدول المجاورة.‏

الاعتداء على الآمنين في المخيمات والمدن الفلسطينية جنين نابلس.. ثم غزة.. ومراراً غزة؟! رفض تنفيذ الاتفاقات الدولية بشأن السكان والأرض تحت الاحتلال.‏

رفض السلام ومحاولات مستمرة لضم أراض محتلة.‏

تنظيم جرائم قتل إرهابية وتنفيذها خارج حدود كيانها، وكان آخرها جريمة دبي المخزية.‏

ماذا سيفعل العالم لهؤلاء القتلة؟.‏

حديث عن السلام.‏

حسن.. فليلزمهم بالسلام..!!‏

لا أعتقد أن فرداً أو هيئة أو دولة أو منظمة إقليمية ودولية تسعى للأمن والاستقرار في هذه المنطقة، لا تعلم حق العلم أن مفتاحه «الأمن والاستقرار» هو إلزام إسرائيل بالسلام وتطبيق قواعد القانون الدولي..‏

فإلى أين تسير الخطا..؟!‏

=============================

أهمية الشراكة المسيحية - الإسلامية في لبنان

خيرالله خيرالله

الرأي العام

22-2-2010

لم يكن نزول اللبنانيين بكثافة إلى «ساحة الحرية» يوم الرابع عشر من فبراير2010 تأكيداً لمدى وفائهم لرفيق الحريري ورفاقه، وجميع الشهداء الذين اغتيلوا في المرحلة التي تلت تفجير موكبه فقط. ما عكسه مشهد الأعلام اللبنانية التي تغطي وسط بيروت، والخطب التي القيت في المناسبة أيضاً وجود شراكة مسيحية - إسلامية حقيقية وعميقة في آن صنعها وكرّسها استشهاد رفيق الحريري، والمشروع السياسي والاقتصادي والانمائي الذي عمل الرجل الكبير من أجل تحقيقه. ربما يكمن الانجاز الأكبر والأهم لرفيق الحريري في أنه أسس لنواة صلبة يمكن أن تؤسس لوطن حقيقي للبنانيين. ظهرت هذه النواة في الرابع عشر من فبراير 2010 بما يدل على أن التركة السياسية لرفيق الحريري ليست تركة عادية، وأن اغتياله كان بالفعل زلزالاً، وأن ليس في الإمكان وصف الحدث وتفاعلاته بطريقة مختلفة. كان رفيق الحريري على حق عندما وصف النظام الذي يمكن أن يتخذ قراراً باغتياله بأنه «نظام مجنون».

بعد خمسة أعوام على غياب رفيق الحريري، يتبين يومياً أن مشروعه حي يرزق. إنه مشروع بناء دولة لبنانية حديثة ذات مؤسسات عصرية تتعاطى مع العالم من منطلق أن لبنان موجود وليس مجرد «ساحة». كان مطلوباً القضاء على المشروع، فإذا به يطل برأسه مجدداً مثبتاً أنه حاضر أكثر من أي وقت. يطل المشروع برأسه وروحه، ويثبت حضوره عبر مئات آلاف اللبنانيين الذين نزلوا إلى «ساحة الحرية» حاملين علم بلدهم أوّلاً، ورافعين صور سعد رفيق الحريري، رئيس مجلس الوزراء ورايات «المستقبل»، و«الكتائب»، و«القوات»، وحتى «التقدمي الاشتراكي». مجرد وجود سعد الحريري على رأس الحكومة اللبنانية يشير إلى أن لبنان صامد وأنه على استعداد للوقوف في وجه المحاولات اليومية الهادفة إلى تحويل شعبه وقوداً في معارك ذات طابع إقليمي لا علاقة له بها من قريب أو بعيد، معارك مرتبطة بالرغبة الإيرانية في تجميع أكبر عدد ممكن من الأوراق من أجل صفقة ما. تأمل طهران بعقد مثل هذه الصفقة يوماً مع «الشيطان الأكبر» الأميركي، أو «الشيطان الأصغر» الإسرائيلي... على حساب كل ما هو عربي في الشرق الأوسط.

في حال كان لابدّ من البحث عن رابط بين الخطب الأربعة التي القيت في «ساحة الحرية»، فإن هذا الربط يتمثل في ارتكاز خطب كل من الرئيس أمين الجميل، والرئيس فؤاد السنيورة، والدكتور سمير جعجع، والرئيس سعد الحريري، الذي كان آخر المتكلمين، على منطق الدولة. وهذا ما لم يستوعبه صغار الصغار من المسيحيين، أي اولئك الذين ليس في استطاعتهم أن يكونوا شيئاً آخر غير أدوات لدى الأدوات الإيرانية والسورية. بالمناسبة، هناك محطات كثيرة في مسيرة الجنرال ميشال عون لا تشبه سوى مسيرة المسؤول العسكري الفلسطيني «أبو موسى» الذي انتهى بوقاً للأجهزة السورية بعد انشقاقه عن «فتح» في العام 1983. هل هذه نهاية مسيحيي لبنان الذين صار عليهم أن يثبتوا أنهم «ليسوا بقايا الصليبيين» عبر البحث عن شهادة في الوطنية من النظام السوري؟

كانت الخطب الأربعة خطباً تأسيسية لمرحلة جديدة تقوم على فكرة الدولة. انها الدولة اللبنانية التي تسعى إلى أفضل العلاقات مع الدولة السورية، من الند إلى الند. صحيح أن كلمة «الندية» لا تعجب عدداً لا بأس به من المسؤولين السوريين وتثير حساسيتهم، إلاّ أن الصحيح أيضاً أن الوقت كفيل بإقناع هؤلاء بأن ما صدر عن الرؤساء الحريري، والجميل، والسنيورة، والدكتور سمير جعجع هو في مصلحة العلاقات بين البلدين، بل في مصلحة سورية أوّلاً في المدى القصير والمتوسط والبعيد.

ثمة من يقول ان سقف الخطب الأربعة التي القيت في الرابع عشر من فبراير 2010 في «ساحة الحرية» كان دون سقف تلك التي القيت في الأعوام الخمس الماضية، في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري. قد يكون ذلك صحيحاً شكلاً. لكن لدى التمعن في المضمون، يمكن الخروج باستنتاج مختلف. السقف كان أعلى. هناك للمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث أكثرية مسيحية - إسلامية متفقة على كيفية التعاطي مع سورية. لقد صنع استشهاد رفيق الحريري الشراكة المسيحية - الإسلامية. ولأنه صنع هذه الشراكة التي تنادي بالعلاقات الندّية مع سورية، ينصب الجهد السوري على إيجاد شرخ عميق بين المسيحيين. وهذا ما يفسر إلى حد كبير استدعاء مسيحيين معينين إلى براد، قرب حلب، للاحتفال بعيد مار مارون وكأن المطلوب افهام المسيحيين اللبنانيين أن النظام السوري هو وحده الذي يحميهم في حال كانوا لا يريدون ان يكون مصيرهم شبيهاً بمصير مسيحيي العراق وفلسطين.

كانت الخطب الأربعة للرؤساء الحريري، والجميل، والسنيورة، والدكتور جعجع أفضل رد على هذا الطرح السيئ المتميز بقصر النظر والذي ليس في مصلحة سورية أو لبنان في أي شكل. كانت الرسالة الرباعية في غاية الوضوح وفحواها أن الشراكة المسيحية - الإسلامية هي التي تحمي اللبنانيين. انها تحمي كل الطوائف والمذاهب، وتحمي كل اللبنانيين بغض النظر عن المنطقة، أو المذهب، أو الطائفة التي ينتمون اليها.

في الرابع عشر من فبراير 2010، كان رفيق الحريري حاضراً أكثر من أي وقت. بدا واضحاً أن مشروعه الحضاري هو الخيار الوحيد المتاح الذي يصب في مصلحة مستقبل لبنان، ومستقبل العلاقة بين سورية ولبنان، وبين اللبنانيين والسوريين. عاجلاً أم آجلاً، سيكتشف النظام السوري ان ليس أمامه سوى الاعتراف بأن «الندية» في العلاقات مع الدولة اللبنانية تصب في مصلحته. مثلما اكتشف قبل عشرة أعوام أن لديه مصلحة في علاقة طبيعية مع تركيا، فطرد عبدالله اوجلان من أراضيه. سيأتي اليوم الذي يكتشف فيه أن تركة رفيق الحريري لا يمكن الاستهانة بها، وأنه بغض النظر عن التحقيق الدولي والمحكمة الدولية، فإن المنادين بالحرية والسيادة والاستقلال في لبنان هم الذين يريدون بالفعل الخير للسوريين واللبنانيين.

لماذا لا يختصر النظام السوري الوقت ويستمع جيداً إلى كل كلمة صدرت عن الشراكة المسيحية - الإسلامية، عن سعد الحريري، وأمين الجميل، وفؤاد السنيورة، وسمير جعجع. هل لدى النظام السوري مشكلة في التعاطي مع اللبنانيين الذين يقولون له الحقيقة كما هي، وليس في استطاعته التعاطي إلاّ مع الأدوات، وأدوات الأدوات من الذين يخجل المرء من ذكر اسمائهم؟

كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

=============================

يحرّضون على حرب رابعة على إيران

الإثنين, 22 فبراير 2010

جميل مطر *

الحياة

تخفت بتدرج متسارع أصداء خطاب باراك أوباما الشهير في جامعة القاهرة. إذ أصبح أكثرنا في مختلف المواقع يعرف أن الرأي العام العربي والإسلامي مصدوم من لهجة الحرب التي تستخدمها إدارة أوباما مع قضيتين على الأقل من قضايا العالم الإسلامي. كما تعددت الإشارات إلى أن أوباما لم يف بوعوده، على الأقل وعود التغيير في السياسة الخارجية، وبخاصة في مجالين، بل انه في المجالين وقع تراجع وازدادت الأمور تدهوراً. ففي المجال الفلسطيني حققت إسرائيل زيادة في هيمنتها على جيرانها في الشرق الأوسط، وليس فقط في فلسطين، وضاعت أراض فلسطينية أكثر، ووقعت ضغوط أشد على المفاوضين الفلسطينيين حتى توقفت المفاوضات. وفي قضية إحلال الديبلوماسية محل الأساليب العسكرية في تسوية النزاعات الدولية، تحقق العكس، إذ علت نبرة العنف وانطلقت من جديد أصوات تدعو إلى شن حرب جديدة في المنطقة وتصعيد الحرب في أفغانستان واستدراج الصين نحو مساحة توتر جديد في العلاقات معها. حتى الديبلوماسية التي تعهد أوباما بأن تكون لها الأولوية في العمل الخارجي الأميركي صارت تستخدم لهجة الحرب كما فعلت السيدة هيلاري كلينتون وزملاؤها في الأيام الأخيرة.

كنا، قبل أقل من عام، ننتظر حلاً على أيدي أوباما، فإذا بإدارته تجمد كل الحلول وتنتهي بأن تضع مصير أميركا مرة أخرى في أيدي إسرائيل والمنظمات الصهيونية الأميركية. كان الظن أن أوباما لديه خطط شارك في رسمها كبار مستشاريه وخبراء في السياسة الخارجية الأميركية، وبعضهم لم يخف نيته أثناء الحملة الانتخابية العمل على «تحرير» عملية صنع القرار الأميركي من الهيمنة الصهيونية، ولا يخفى أن نفراً من هذا البعض اختفى من صدارة العمل السياسي بعد تولي أوباما السلطة. ومع ذلك عاد منذ أيام ليؤكد أمام مؤتمر الجمعيات الموالية لإسرائيل أنه لا يوجد تهديد لأمن إسرائيل أخطر وأشد من الخطر الإيراني. مرة أخرى تخضع واشنطن لطلب بدق طبول حرب جديدة تزهق فيها أرواح آلاف الجنود الأميركيين، وتندفع آلة العنف في السياسة الأميركية لتحشد طاقات العرب والمسلمين في الشرق الأوسط وراء الدعوة للحرب.

لم يكن من قبيل الصدفة أنه في كل مرة تحاول فيها قيادات أميركية تركيز الانتباه على إصلاح الداخل الأميركي والاستفادة من ظروف دولية مواتية، ترتفع الأصوات الصهيونية في الولايات المتحدة وخارجها داعية إلى شن حرب في الشرق الأوسط أو في آسيا، وإثارة أو تصعيد موجات عداء في الغرب ضد المسلمين . لفتت نظر بعض المعلقين التصريحات التي أدلى بها منذ أيام دانيال بايبس Daniel Pipes الكاتب الصهيوني والنجم المرموق في عالم المحافظين الجدد وجاء فيها أن الرئيس «أوباما في حاجة إلى لفتة درامية تغير صورته لدى الشعب الأميركي كشخص خفيف الوزن مفعم بالأيديولوجيا». وأضاف «ليته يفعل شيئاً كأن يرسل قاذفاته فوق طهران لتدمير قدرات إيران النووية، فالوقت مناسب والفرص كلها مواتية لتبدأ أميركا الحرب ضد إيران، علماً بأنها في هذه الحرب لن تضطر لإنزال جنود على الأرض»، ودعا أيضاً إلى إطلاق «مجاهدي خلق» من الدول العربية المجاورة لتخريب المنشآت وإثارة الفوضى في إيران. المستفيد في النهاية، يقول بايبس، هو باراك أوباما الرئيس الذي تراجعت شعبيته وضعفت قوته واهتزت مكانته في داخل أميركا وفي العالم.

يعتمد دانيال بايبس على عدة حقائق ليرفع صوته المشبوه أصلا في دعوة هكذا صريحة إلى شن حرب جديدة بينما جنود أميركا يموتون في العراق وأفغانستان. هذه الحقائق هي:

أولا: الثقة الكاملة في أن وهج أوباما - الذي كان دافقاً - خفت وأزمته السياسية متصاعدة وشعبيته هابطة. لذلك كان أمراً دافعاً للسخرية أن يصدر تصريح من يميني متطرف يدعو فيه أوباما الليبرالي الديموقراطي المتهم بميول اشتراكية إلى إنقاذ نفسه وشعبيته.

ثانيا: الثقة الكاملة في أن إسرائيل حققت ما أرادت، فقد أخضعت إدارة أوباما لإرادة الصهيونية الأميركية وعبأت الكونغرس وجندت عواصم متعددة وبخاصة باريس للضغط على أوباما وشحنت غضب تيارات نافذة في السلطة التشريعية وفي أجهزة الإعلام ضد الصين لإرغامها على التهيؤ لدعم خطط مقاطعة ايران وشن حرب علهيا، وحاولت عقد صفقة مع روسيا تقضي بتغيير سياسات موسكو تجاه تسليح إيران والموقف من تخصيب اليورانيوم مقابل مدها بمعلومات وأسرار عن الجماعات الناشطة في القوقاز. وعلى رغم جهود نتانياهو وإغراءات إسرائيل أصرت روسيا على أن تحتفظ بتطورات سباقها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في صدارة أولوياتها. بمعنى آخر استمرت إيران، بالنسبة الى أمن روسيا، تحتل مكانة الجدار الذي يحول دون اتساع نطاق هيمنة أميركا في وسط آسيا وجنوبها.

ثالثا: الثقة الكاملة في أن المنطقة العربية ممهدة بالكامل في انتظار حرب ضد إيران، ويجري بالطرق الممكنة تجهيز الرأي العام العربي للتعامل مع حالة لم تعد فريدة على كل حال، حالة «شبه التحالف» مع إسرائيل ضد عدو «مسلم».

اخترت دانيال بايبس نموذجاً لتجربة تتكرر، لأن الرجل لم يخف يوماً أهداف حملاته، سواء صدرت من داخل منتدى الشرق الأوسط الذي يقوده أو من داخل تحالفات مراكز البحث الصهيونية الأخرى والمواقع الشديدة التأثير لجماعات المحافظين الجدد، حتى قيل عنه إنه الوحيد بين الأكاديميين الأميركيين القادر على التنبؤ بأحداث في العلاقات الأميركية مع العرب والمسلمين قبل أن تقع فعلا. اللافت للنظر في تاريخ بايبس أنه بدأ معركة مع الإسلام والمسلمين عندما كان والده يتزعم تياراً يقود فكرياً وأكاديمياً الحرب الباردة ضد المعتدلين في الولايات المتحدة. ألف بايبس العديد من الكتب وحاضر في الكليات العسكرية الأميركية، وكان كل همه الحديث عن خطر الإسلام والمسلمين، وقاد حملة في الثمانينات تدعو إلى دعم صدام حسين لأنه «أكثر اعتدالا تجاه إسرائيل وطلب من حكومة ريغان التعاون مع بغداد»، واشترك مع كاتبة صهيونية أخرى تدعى ميلروا في الضغط على الحكومة الأميركية لتوثيق علاقات التعاون الاستخباري مع حكومة صدام فيما أطلق عليه «البديل البغدادي لوقف زحف الإسلام» من إيران. وفي عام 1990 رفع بايبس شعار «المسلمون قادمون .. المسلمون قادمون» لبث الرعب في شعوب أوروبا متهماً حكوماتها بأنها «غير جاهزة لاستقبال شعوب سمراء تأكل طعاماً غريباً ولا تراعي الأصول الصحية السائدة في دول الغرب». وعندما انقلب بايبس على صدام فور انتهاء الحرب الإيرانية - العراقية وصفه بأنه أخطر شيء متصور يمكن أن يؤذي إسرائيل ويجب وقفه على الفور وهو أمر بالغ السهولة «لأن الرجل من دون أيديولوجية وليست لديه كوادر مهمة ولن يجد من يدافع عنه أو يضحي من أجله ومع التخلص منه نبني عراقاً جديداً».

وكان بايبس أول من خرج على الناس بعد انفجار البرجين في نيويورك متهماً الإسلام والمسلمين بتدبير الهجوم، تماماً كما فعل في 1995 عندما انفجر المبنى الاتحادي في مدينة أوكلاهوما على أيدي إرهابي مسيحي أميركي. وفي سنة واحدة، أي بين أيلول (سبتمبر) 2002 إلى أيلول 2003 كان بايبس قد ظهر 110 مرات في برامج تلفزيونية و 450 مرة في برامج إذاعية في حملة مركزة ضد المسلمين الأميركيين. واشتهر بأنه كان الأكاديمي الأميركي الذي صاغ للمسلم الأميركي أربع خصائص ينفرد بها عن غيره من الأميركيين، وهي أنه 1- حريص على هويته 2- معاد لإسرائيل 3- شديد الانتقاد الدائم للمنظمات اليهودية الأميركية 4- خائن لأميركا. عام كامل قضاه بايبس يروج هذه الخصائص لينشر الكراهية في مختلف قطاعات الرأي العام الأميركي ضد المسلمين الأميركيين، وفي الوقت نفسه يحرض الرئيس بوش على شن حرب ضد العراق والقضاء على حكومة صدام حسين لتأييدها «الإرهاب الإسلامي» وخطرها على إسرائيل. وفي خطاب له في 8 نيسان (ابريل) 2003 انتقد بايبس الرئيس حسني مبارك الذي تنبأ «بنتائج فظيعة وزيادة هائلة في الإرهاب لو شنت أميركا الحرب على العراق»، ثم عاد بايبس بعد سنتين من الحرب لينتقد الأداء الأميركي في العراق ولكن بعد أن وقع خرابه. عندئذ عاد يركز على إيران، محطته التالية في الحرب ضد الإسلام والمسلمين، في حملة لا تقل هوادة عن حملته التي انتهت بتدمير العراق، وكانت آخر صرخة له دعوته أوباما إلى إنقاذ شعبيته ومكانته بشن حرب فورية ضد إيران.

سلسلة لم تنقطع حلقاتها في الدعوة إلى حروب متتالية ضد المسلمين، وشن حملة كراهية ضد الإسلام في الغرب بصفة عامة، وله في هذا عبارة رددها كثيراً ونصها «أنا كيهودي، منزعج جداً من وجود مسلمين في أميركا، ومن مكانتهم المتصاعدة ورخائهم ومشاركتهم في الحياة العامة. هؤلاء الذين يلعبون دور شمشون، جاؤوا الى المعبد (أي اميركا) ليدمروه فوق رؤوس الجميع». قال عنه الكاتب اليميني والبريطاني الأصل كريستوفر هيتيشسين «لديه أجندة متعصبة، ويخلط العمل الأكاديمي بالدعاية، وثأري من دون موضوعية». وكتبت عنه الكاتبة المعروفة كريستينا أونيل في مجلة The Nation، تقول إنه «شخص معاد للعرب، أقام سمعته على تشويه سمعة الآخرين» واعترض السيناتور هاركين على تعيين بوش له مديراً لمعهد السلام «بسبب كراهيته الشديدة للإسلام».

دانيال بايبس نموذج. نموذج فرد يلخص في نشاطه وأفكاره ومشاعره كراهية إسرائيل للعرب والمسلمين وبخاصة مسلمي أميركا والغرب، ومتخصص في التحريض على شن حروب متتالية ضد العالم الإسلامي، ومنشغل الآن في الإعداد لحرب جديدة تضاف إلى حرب ناشبة في العراق وحرب مستمرة في أفغانستان وحرب سرية في باكستان. يأمل أن يكون من نتائجها استعادة قوية وسريعة لحالة كراهية سادت بين قطاعات واسعة من المسلمين لأميركا خلال حكم بوش وكادت تتوارى بوصول أوباما ثم بخطابيه في أنقرة والقاهرة.

يعلم بايبس، ونحن أيضاً، أن عودة كراهية أميركا في صفوف الأمة العربية والإسلامية في هذه الظروف تعني توسيع فجوة عدم الثقة بين شعوب الأمة والطبقات الحاكمة فيها.

* كاتب مصري

=============================

التعددية والأمن الفكري

الإثنين, 22 فبراير 2010

عبدالله حميد الدين *

الحياة

منذ سنوات عدة تم إطلاق مفهوم الأمن الفكري، الذي يهدف إلى تعزيز المناعة الفكرية لدى شرائح المجتمع كافة، وعلى وجه الخصوص الشرائح العالية التأثير كأئمة المساجد والمدرسين والمدرسات، ويبدو أن الهدف من المشروع تغير. إذ بدأ وفي أكثر من دولة عربية كرد فعل على الأعمال الإرهابية التي تقع فيها، وبالتالي كان مضمونه الأساسي مواجهة الفكر الجهادي والتكفيري المنتشر بين شرائح واسعة من المتدينين، ثم اتسع اليوم ليصبح مضمونه تعزيز «الثقافة الأصلية» ومواجهة «الأفكار الوافدة والمشبوهة»، ولكن بطريقة «لا تمنع» الانفتاح على العالم، أي تحول من آليات محاربة الإرهاب إلى مشروع من مشاريع الصحوة الإسلامية التي غرضها مواجهة الغزو الثقافي، والحفاظ على النقاء الفكري لأبناء هذه الأمة. إذاً، يمكن القول إن للمشروع صيغتين، صيغة أصلية ضيقة تتعلق حصراً في الفكر الذي يؤدي إلى الإرهاب بأشكاله كافة من الإرهاب الدموي كعمليات القتل، إلى الإرهاب الاجتماعي كالاعتداء على خصوصيات الناس. وصيغة موسعة تتعلق بكل ما هو منافٍ للصحيح والقويم من الفكر والسلوك. والمفهوم بصيغته الأصلية والضيقة لا إشكال فيه، فمحاربة الأفكار التي تحفز على الإرهاب، أو على التكفير، أو على تضييق عيش الناس، أو التعدي على خصوصياتهم، قطعاً تؤدي إلى الأمن النفسي، وعلى وجه الخصوص لما يرافق حرب الأفكار هذه كفرض أنظمة من الدولة بحيث يتم ترجمة رفض الفكرة إلى رفض للعمل، وضمن هذا النطاق حقق المشروع نقلات نوعية يشعر بها الجميع وإن كان بدرجات مختلفة. ولكن المفهوم بصيغته الموسعة يثير بعض الإشكالات، فعندما يتوسع ليشمل الأفكار الدخيلة والوافدة والمشبوهة كافة فإنه هنا يصبح مشروعاً آخر تماماً، بل يمكن القول بأنه صار مشروعاً منافياً للمشروع الأول، فإذا كان المشروع بصيغته الأولى يتعلق بما يخيفني شخصياً وبما يزعزع أمني الذاتي، فإنه بالصيغة الموسعة صار يتعلق بما يخيف أو يزعج طرفاً ثالثاً لا علاقة له بي، وفي الغالب هذا الطرف هو تيار ديني معين له مصالحه الخاصة التي قد لا تتقاطع مع مصالحي. وعندما نقرأ تسويغات ومنطلقات وأهداف من يكتب في الأمن الفكري نرى أن الصيغة الموسعة هي التي سيتم العمل وفقها وليس الصيغة الأصلية التي كانت وما زالت تمثل ضرورة حيوية في المجتمع السعودي بل المسلم، ولكن انطلاق المشروع الأصلي من مواجهة الإرهاب أعطاه مشروعية ومباركة من أعلى المستويات، ولم يتم الالتفات كثيراً الى التوسع الذي يحصل فيه والذي يعد تراجعاً وخنقاً للمشروع في صيغته الأولى. فالصيغة الموسعة تحول الأمن الفكري من حال ذاتية إلى حال موضوعية، من شعور نابع من التهديد لحاجتي الشخصية إلى شعور نابع من التهديد الذي يشعر به طرف آخر. بعبارة أخرى، يجعل شعوري بالأمن مستلباً من طرف ثالث، وهذا الأمر هو ذاته الذي سمح للفكر الإرهابي في أن ينمو في المجتمع، أي قناعة أفراد المجتمع بأن أمنهم الفكري ينبع من تشخيص وتقويم طرف آخر بالخوف وليس من الخوف الشخصي من الفرد ذاته، وإذا كان الأمن الفكري هدفاً فلا بد من تحرير المجتمع من هذه الفكرة وإقناعه بأن لا أحد له الحق أن يشخص الفكرة التي تهدد الذات، بل على كل فرد أن يشخص الأفكار التي تهدده. بمعنى آخر، لي الحق أن أطمئن لفكرة مهما كان غيري يرى أنها خاطئة ومنحرفة، ولا يحق لأحد أن يملي علي الخوف من هذه الفكرة، وهذا بطبيعة الحال يرفضه كثر من القيادات الدينية في أي مجتمع، فهم يرون أن الناس غير قادرين على التشخيص الدقيق للفكر المنحرف وعلى التمييز بين الحق والشبهة، ولكن لن يتحقق لنا أمن فكري ما لم نتخلص من فكرة الوصاية الدينية على عقولنا وقلوبنا، ومهما بقيت تلك الوصاية فسنبقى خائفين من الأوصياء، فإذا كانوا اليوم يمثلون «اعتدالاً» من نوع ما، فإننا لا نعلم من سيكونون في الغد!

إذا كان لا بد من التوسيع، وإذا كان لا بد من محاربة الأفكار الدخيلة ومواجهة الغزو الفكري، كما يقول بعض من يكتب في الأمن الفكري، فلنسمِّ الأمور كما هي ولنقل «أمن فكري» في ما يشعر الناس أنه يؤمّنهم، وحرب فكرية في ما يشعر البعض أنه دخيل على مجتمعهم. والحرب الفكرية أو المواجهة الفكرية حق مشروع لكل صاحب فكرة، ولكل من يتأثر بالأفكار، خصوصاً تلك التي على التشريعات العامة وتقيد من حركتي أو تؤثر في حقوقي. ولكن إذا أردنا حرباً فكرية فلا بد من تحقيق شروطها بحيث نعطيها فرصة للنجاح، فإذا أردنا حرباً فكرية على الأفكار الوافدة والمشبوهة فعلينا السماح لها بالوجود، بل علينا تشجيع وجودها وحماية من يدعو لها، فلا يمكن محاربة أفكار غير موجودة في الساحة وأفكار لا يتبعها البعض، لأن الحرب بهذا ستكون مجردة ونظرية، في حين أن المطلوب إقناع الأطراف بصحة دعواي وبفساد دعوى الطرف الآخر، ومن مفارقات الحرب الفكرية ضرورة حمايتي للخصم الفكري، إذ لا يمكن حماية الناس من أي فكرة ما لم أسمح أولاً لهذه الفكرة بأن تعبر عن نفسها بوضوح وبصراحة وبغير خوف، أي إذا أردنا حرباً فكرية حقيقية وفاعلة وناجحة فلا بد من السماح بالتعددية الفكرية. والواقع أن التعددية الفكرية ليست فقط الضمان الأكبر لنجاح الأمن الفكري بالمعنى الواسع «حرب فكرية» وإنما أيضاً هي ضمان لنجاح الأمن الفكري بالمعنى الضيق. إن الفكر الإرهابي أو المتطرف كفكر «القاعدة» لا يستند إلى مجموعة من التصورات الدينية فحسب، وإنما إلى رفض للعالم كما هو اليوم ومشروع سياسي لتغييره أيضاً، بل إن التصورات الدينية تمثل الحلقة الأضعف في الفكر الإرهابي أو المتطرف في حين تمثل نظرتها للعالم وفكرها السياسي الاجتماعي الحلقة المركزية، والفكر المتطرف عموماً يستند إلى ثنائيات الصواب والخطأ والحق والباطل من دون أن يمتلك القدرة على النظر إلى ما بين الثنائيات من درجات وتنوعات وحالات. إنه يعيش في عقلية الأبيض والأسود ولا يستطيع النظر إلى الرمادي، وبالتالي فإن خير مواجهة للفكر المتطرف هو بتعريض المجتمع لألوان من الفكر الرافض للعالم وأشكال من طرق التغيير بحيث يتجاوز المجتمع الذهنية التبسيطية التي يستمد منها الفكر المتطرف وجوده، ويظهر للمجتمع وجود مساحة رمادية واسعة يمكن العيش فيها، بل لا يمكن العيش إلا فيها ومن خلالها، وبحيث يظهر أن ليس كل رفض للعالم يعني العنف، ولا كل رغبة في التغيير تعني التدمير.

التعددية تضمن الأمن الفكري بمعانيه كافة، لأنها تُعطي المواطن الثقة برسوخ المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية، والثقة هذه هي أكبر مصدر للأمن. كنت أستمع إلى محاضرة العام الماضي لبعض قيادات اليسار الغربيين. المحاضرون من جنسيات غربية مختلفة وكانوا يكررون بطرق مختلفة رغبتهم في إسقاط الأنظمة الحكومية وفي الثورة عليها، وكان جل حديثهم نقد الفكر الرأسمالي وتعرية الليبرالية الحديثة، أي إعلانهم رفض «دين» القوى السياسية والمالية في الغرب ونقد مقوماته الفكرية. بصرف النظر عن كل ما كان يقال، وعن صواب أو خطأ رأيهم، فإن في إيمان مجتمعهم بحق الآخر المختلف في الوجود وفي التعبير عن نفسه، وبحماية الدولة للأطراف كافة بمن فيهم من يدعو لإسقاطها، أكبر مصدر للأمن الفكري الذي يعيشه أولئك.

* كاتب سعودي

=============================

المعنى السياسي للتحقيق مع طوني بلير

المستقبل - الاثنين 22 شباط 2010

العدد 3575 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

ثلاثة أسئلة محورية طرحتها لجنة التحقيق البريطانية على رئيس الحكومة السابق طوني بلير. هذه الأسئلة هي :

أولاً : هل ان الحرب على العراق كانت مبررة قانونياً ؟.

ثانياً : هل ان المصالح العليا لبريطانيا كانت تستوجب المشاركة في الحرب ؟.

ثالثاً : هل ان المبررات التي أعلنها الرئيس بلير لتبرير المشاركة كانت صادقة ؟.

خسرت بريطانيا في الحرب على العراق 179 عسكرياً فقط. ولكنها خسرت فوق ذلك صدقيتها العالمية. فكانت لجنة التحقيق الخماسية محاولة لاستعادة هذه الصدقية اولاً أمام الرأي العام البريطاني ثم أمام الرأي العام الدولي.

الأسئلة التي طرحها أعضاء اللجنة على الرئيس بلير صيغت في معظمها بشكل اتهامي. لذلك وجد رئيس الحكومة السابق نفسه في حالة دفاع عن النفس من خلال محاولاته الاجابة على الاسئلة المركزية الثلاثة، والعشرات من الاسئلة الاخرى الملحقة بها.

لقد جرّ الرئيس طوني بلير بريطانيا الى الحرب رغم معارضة الأمم المتحدة، ورغم معارضة واسعة داخل الحكومة البريطانية ذاتها، وكذلك داخل مجلس العموم. فقرار مجلس الأمن الدولي 1441 لم يعطِ أبداً الصلاحية للولايات المتحدة، وتالياً لبريطانيا للقيام بعمل عسكري ضد العراق على خلفية اتهامه بامتلاك أسلحة دمار شامل، وهي التهمة التي ثبت في ما بعد انها لم تكن فقط غير صحيحة، ولكن ثبت انها كانت ملفقة عمداً.

وبانتظار قرار بيان لجنة التحقيق في وقت لاحق من هذا العام، فان المبادرة البريطانية بالتحقيق مع رئيس حكومة هو من أهم رؤساء الحكومات البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية (10 سنوات في الرئاسة بعد قيادة حزب العمال الى الفوز بثلاث دورات انتخابية عامة)، تشكل قاعدة لطرح علامة استفهام كبيرة حول ما اذا كانت الولايات المتحدة سوف تبادر هي الاخرى الى التحقيق مع الرئيس السابق جورج بوش حول اسباب (ونتائج) الحرب التي شنّها على العراق. فقد دفع الأميركيون اكثر من اربعة آلاف قتيل وأكثر من 10.5 مليارات دولار، أضافة الى انهيار تام في الصدقية أمام العالم كله. وفي التاريخ القريب جداً ما يشجع على ذلك. فقد سبق أن خضع الرئيس الأسبق بيل كلنتون الى التحقيق في قضية اتهامه باقامة علاقة جنسية مع موظفة في البيت الأبيض.

صحيح ان التهمة كانت مسيئة للرجل الرئيس ورب الأسرة، الا ان الأسوأ من خطيئة ممارسة الجنس مع موظفة، كانت خطيئة الكذب على الرأي العام الأميركي بإنكار الرئيس كلنتون أن يكون قد أقام معها أي علاقة جنسية. ولما ثبت عكس ذلك جرى التحقيق معه بتهمة لا تغتفر في أي دولة ديمقراطية، وهي الكذب على الرأي العام.

أما الرئيس بوش فانه برّر مراراً أمام الرأي العام الاميركي الحرب على العراق على أساس اتهام النظام العراقي السابق بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل، وانه على علاقة مع تنظيم القاعدة الذي ارتكب جريمة نيويورك وواشنطن في سبتمبر 2001، وان السلاح الذي يملكه قد يصل الى القاعدة مما يشكل خطراً على أمن الولايات المتحدة وأمن حلفائها. ولذلك كان القرار بالحرب لقطع الطريق أمام هذه المخاطر.. "والذهاب الى المجرمين قبل أن يصلوا الينا "، عل حدّ قول الرئيس بوش.

غير أن الرأي العام الأميركي اكتشف من مصادر أميركية رسمية، سياسية ومخابراتية، ان هذه الاتهامات كانت باطلة من حيث الشكل والأساس، وانها صُنعت من أجل تبرير الحرب ليس الا. بل تبين أكثر من ذلك، ان قرار الحرب على العراق كان قد أُعدّ حتى قبل وقوع جريمة سبتمبر 2001.

من هنا السؤال: هل يعقل أن يخضع الرئيس كلنتون للتحقيق لأنه كذب بشأن علاقته الجنسية بموظفة في البيت الأبيض، ولا يخضع الرئيس بوش للتحقيق لانه كذب على الأميركيين وعلى شعوب العالم جميعها بشأن مسؤوليته في اتخاذ قرار الحرب على العراق التي أودت بحياة مليون عراقي حتى الآن؟.

لقد شكلت لجنة التحقيق البريطانية سابقة سياسية تحتذى. ذلك ان من حسنات النظام الديمقراطي انه يصحح ذاته بذاته. وانه نظام مفتوح على قاعدتي المساءلة والمحاسبة بحيث لا يتمتع أي مسؤول بحصانة تحميه من انتهاك القانون العام، وفي مقدمة ذلك حق الرأي العام في ان لا يُكذب عليه.

ربما يكون من قبيل الترف السياسي دعوة دول عربية بصورة خاصة ودول من العالم الثالث بصورة عامة الى الاقتداء بالسابقة البريطانية. فبعض هذه الدول تشارك في حروب أو تخوض حروباً لحسابها. وبصرف النظر عن محصلات تلك الحروب، فإن أياً من القادة أصحاب القرار لا يُسأل عن مبررات قراره وعن أخلاقياته، أو يحاسب على نتائجه.

وعلى سبيل المثال، وفي ضوء أعمال لجنة التحقيق البريطانية حول الحرب على العراق، فإن الرئيس العراقي السابق صدام حسين لم يتعرّض للمساءلة حول الحرب مع ايران في الثمانينات من القرن الماضي والتي أدت الى الحاق دمار رهيب بالبلدين. ومن الواضح ان عدم مساءلته أو التحقيق معه كما يجري الآن في لندن مع الرئيس طوني بلير شجعه في ما بعد على اجتياح الكويت ليسجل سابقة مدمرة في التاريخ الحديث للعلاقات العربية العربية. ومن خلال الحربين على ايران وعلى الكويت جرت محاولات لتسويقه في الداخل العراقي بطلاً وطنياً بدلاً من التحقيق معه ومحاسبته.

وقبل ذلك لم يوجَّه سؤال الى الرئيس جمال عبد الناصر عن أسباب ارسال قواته الى اليمن، كذلك لم يسأل أحد الرئيس أنور السادات لماذا أوقف حرب 1973 رغم معارضة رئاسة الأركان المصرية، وذهب الى المفاوضات المباشرة مع اسرائيل على الكيلو 101 القاهرة السويس؟. أو لماذا تخلى عن تحالفه الستراتيجي مع الاتحاد السوفياتي السابق وطرد الخبراء العسكريين السوفيات مقدماً هبة مجانية للولايات المتحدة حتى قبل أن تبدأ المفاوضات السياسية مع وزير الخارجية الاميركية الأسبق الدكتور هنري كيسنجر؟.

وعلى سبيل المثال كذلك، لم يتعرض الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى المساءلة حول أحداث سبتمبر الأسود 1970 في الأردن، أو حول التورط في الحرب الأهلية في لبنان طوال الفترة من 1975 حتى 1982؟.

والأمثلة كثيرة وشائكة؛ فقد تكون هناك أسباب موجبة أملت اتخاذ هذه القرارات المصيرية التي أعادت صياغة مستقبل العالم العربي وأعادت تركيب علاقاته مع دول العالم، ولكن لم يجرِ أي تحقيق حول هذه الأسباب والدوافع، وبالتالي لم توفر عبراً ودروساً للمراحل التالية.. فقد جرى التعامل مع تلك القرارات كأمر واقع. علماً بأن التغطية على الخطأ خطأ، فهو يقفل الآفاق أمام امكانات التعلم من التجارب لتجنب الوقوع في الخطأ مرة اخرى. وعدم الاعتراف بالخطأ خطأ أيضاً لانه يؤدي الى الامعان في الخطأ، مما يؤدي الى استمرار الدوران في حلقة مفرغة من الأخطاء المتلاحقة.

اليوم تحاول بريطانيا من خلال لجنة التحقيق أن تبحث عن خطأ الرئيس بلير ليس للتشهير به انما لتوظيف اكتشاف الخطأ في عملية سياسية مستقبلية تستهدف عدم الوقوع في هذا الخطأ مرة ثانية. بمعنى محاولة استخلاص الدروس والعبر من الحرب على العراق لتوظيف ذلك في خدمة عملية اتخاذ القرار السياسي البريطاني في المراحل التالية.

وحدهم الأنبياء لا يخطئون عندما يتعاملون مع الوحي المنزل عليهم. ولكن لا السياسيون أنبياء، ولا قرار اتهام وحي يوحى!!.

=============================

افتضاح جديد للعقيدة الصهيونية

السفير

22-2-2010

كلوفيس مقصود

يجب ألا يكون انفضاح عملية الموساد التي أدت إلى اغتيال محمود المبحوح حدثاً استثنائيا، بل يندرج في إطار أن الموساد يشكل الدليل القاطع على أن الغايات العدوانية للمشروع الصهيوني تبرر أية وسائل لإنجاز الأهداف التي تجعل من إسرائيل بمنأى عن أية مساءلة، ناهيك عن أية معاقبة. لذا عندما تعفي إسرائيل نفسها من أية مسؤولية سياسية، معنوية أو أخلاقية، تجاه القوانين الدولية والإنسانية، تحاول استباق أي نقد، أو معارضة أو حتى انتقاد يجعل كل أوجه المساءلة وكأنها بوعي أو بلا وعي، وهو دليل حاسم على لا سامية بوجهيها المعلن والمبطن، وهذا الإرهاب الفكري والسياسي الذي تمارسه إسرائيل هو بمثابة تجل لقناعة سائدة بأنها دائماً على حق، وبالتالي كل تشكيك من شأنه أن يعرض أمنها لمزيد من الأخطار.

الحقيقة أن إسرائيل استخدمت كل وسيلة متاحة لإنجاز كل هدف لها، ما جعل بعض مواطنيها العاديين أنفسهم هم أيضا عرضة لاستهداف الأنتربول، كون عملاء الموساد في هذه العملية سرقوا جوازات من دول أوروبية، ما أدى إلى فضيحة قيل في إسرائيل «إنها أي العملية نجحت تكتيكيا وفشلت استراتيجيا»، مما صعد المطالبات بإقالة رئيس الموساد كما كتبت جريدة هآرتس، عن أن جريمة اغتيال المبحوح في دبي «حولت داغان رئيس الموساد بين ليلة وضحاها من بطل مجهول إلى قومي فاشل، ولم يعد فجأة العزيز على الأمة بل صار خزياً للدولة» إلا أن هآرتس نفسها لم تُشر إلى أن الإخفاقات من هذا النوع لا تجعل «النجاحات» في الاغتيالات التي حصلت مثلا لغسان كنفاني وكمال ناصر ومئات غيرهم التي قامت بها إسرائيل واعتبرتهم بمن قاموا بها بمثابة «أبطال» كما تم توصيفهم منذ قيام دولة إسرائيل.

هنا أيضا علينا أن ننفذ إلى ما تنطوي عليه معادلة «الغاية تبرر أية وسيلة» كونها تتذرع بأي سبب للقيام بأي عدوان، وبأي إجرام وبأي خرق لحرية الإنسان والإنسانية. عندئذ إذا جوبهت إسرائيل بكونها تكذب، أو تشوه، أو تعتدي، فتلجأ إلى حالة الإنكار ممزوجا بنزعة الاستنكار فتلجأ كما يفعل توني بلير وأمثاله من المحافظين الجدد عادة بالقول، إن الارتكاب الذي حصل، في دبي، هو «قرار!».

يستتبع أن أي مجابهة أو معارضة تأتي من الخارج، خاصة من الغرب، دليل على اللا سامية، فإن مجرد النقض يصبح بدوره مرشحا لمختلف أنواع القمع، كما حصل منذ أيام عندما زار وفد من الكونغرس الأميركي إسرائيل بدعوى من(جي ستريت).. «والتي هي منظمة يهودية تنافس منظمة إيباك المعتمدة من إسرائيل وخاصة من اليمين الحاكم الآن»، وجاءت هذه المجموعة فلم تُستقبل رسميا، إلا أن وزارة الخارجية في ما بعد، قبلت أن توفر اجتماعات لهم إذا جاؤوا بدون مرافقين من«جي ستريت». أعضاء الكونغرس الأميركي رفضوا وعقدوا مؤتمرا صحافيا، وقالوا إن سلوك حكومة إسرائيل «معيب»، وكما قالت جريدة هآرتس إن حكومة نتنياهو وليبرمان تعتبر أن مؤسسة جي ستريت معادية بالطريقة نفسها التي تندرج معها مجموعات يسارية ودعاة حقوق الإنسان التي تعتبر بنظر الحكومة «ضد إسرائيل». الجدير بالذكر أن سفير إسرائيل في واشنطن مايكل أورن قاطع مؤتمر «جي ستريت» الذي انعقد في العاصمة الأميركية منذ بضعة أشهر. كل ذلك برغم أن منظمة جي ستريت تعتبر نفسها مؤيدة لإسرائيل وللسلام، وأنها تشكل عنصرا جاذبا ليهود معتدلين، وتدعي أن لها علاقات وثيقة مع البيت الأبيض.

نشير إلى هذه الزيارة والى أن إسرائيل التي تعتمد منظمة إيباك تعتبر أن كل عضو في الكونغرس لا يلتزم بما تمليه إيباك عليه لا يعتبر حليفا يعتمد عليه. طبعا لا تستطيع إسرائيل قمع أي عضو من الكونغرس، ولكنّ هناك انطباعا سائدا بأنها قد تتمكن من عقاب سياسي يتمثل في تعبئة حشد ناخبين ضده. ولقد تم مثل هذا العقاب لكثير من أعضاء الكونغرس بأن نجحت حملة اللوبي الإسرائيلي عليهم أمثال السيناتور فولبرايت وبيرسي وفينلي وكثير غيرهم، مما أدى إلى فشلهم في انتخابات سابقة. لذلك فإن اللوبي الإسرائيلي لا يكتفي بتأييد ما تطلبه إسرائيل وتطالب به وتبنّيه من أعضاء الكونغرس، بل يحرص على ألا يكون هناك أي اقتراح بتعديلات.. مما دفعني مرة عندما كنت ممثل جامعة الدول العربية، ودعاني أحد أصدقائي في الكونغرس لمقابلة عدد منهم شيوخا ونوابا أن قلت لهم: «نحن نعرف درجة الاضطرار لتوقيعكم على الرسائل المتضمنة مطالبة بدعم مواقف إسرائيل، وطلبات المساعدة لها، لكن أرجو أن تعطونا الانطباع بأنكم تقرأون ما توقعون عليه».. كان هذا في أوائل الثمانينيات. الأهم أن الحملات التي تقوم بها المنظمات الصهيونية في تعميم مصطلحات في الغرب، والتي من خلالها تعمل إسرائيل وأنصارها على توظيف المحرقة، وكأن اللاسامية كامنة، وبالتالي فإنه لا مفر إلا أن تصبح إسرائيل لا «دولة يهودية» فحسب، كما تطالب إسرائيل السلطة الفلسطينية الراهنة الاعتراف بها، بل«دولة ليهود العالم». هذه العقيدة الصهيونية تعبر عن نفسها أحيانا بفظاظة فاقعة، كما هي حال وزير خارجية إسرائيل اليوم ليبرمان وبإخراج بالفظاظة نفسها وبمفردات ملتبسة كما يعبر عنها بنيامين نتنياهو، وبمصطلحات أقل استفزازا كما في أسلوب بيريز وباراك. هذه العقيدة الصهيونية هي التي بدورها تعتبر أن حقها في فلسطين غير قابل للنقاش. من هنا تتضح أن الغاية لترسيخ هذا الحق تبرر أية وسيلة لاستكمال صيرورته.

يستتبع ذلك أنه لم يعد جائزا الفصل بين إسرائيل والمشروع الصهيوني، بل بالعكس، يجب أن تكون للفلسطينيين والعرب وأنصار السلام والعدالة في العالم بديهية تشكل مناعة ضد محاولات اختراق المناعة الأخلاقية والسياسية لليهود، لأن حقوقهم في الانتماء إلى مختلف أوطانهم يجب أن تكون، كما يدعو الكثير من مفكريهم، وناشطي الحقوق المدنية داخل إسرائيل وفي العالم، بمثابة إثراء للتنوع في دول العالم ومجتمعاته.

من هذا المنظور نجد أن إسرائيل في مشروعها الصهيوني تعتبر الشعب الفلسطيني الراسخ في وطنه دخيلاً على ملكهم، والصهيونية لا تعتبر أن إسرائيل سلطة محتلة، وأن أي مقاومة مشروعة للاحتلال الإسرائيلي هي عملية تمرد على الدولة، وبالتالي مسموح قمعها رغم أن الإعلام الصهيوني يسوق هذا القمع كأنه متمم للإرهاب.. بمعنى آخر فإن التمرد يقنن «الاغتيال»، وهذا ما يفسر أنه ليس الموساد هو المسؤول، بل هو آلية تنفيذ لقرار سياسي من السلطة التنفيذية استكمالا للمشروع الذي تمليه العقيدة الصهيونية بتجلياتها اليمينية والعنصرية، ناهيك عن حرمانه حق العودة للاجئين الفلسطينيين من جهة، واستمرار التمدد الاستيطاني في الأراضي المحتلة، وعدم اعتبار أي حق في القدس أو أي جزء منها لغير إسرائيل. من ثم ترسيخ قانون العودة الذي هو بمثابة الطعن بالقيم الديموقراطية والتقدمية والشرعية، والتشكيك بنجاعتها ومصداقيتها عند ممارسي هذه القيم في أكثرية المجتمعات والدول التي ينتمي إليها مئات الآلاف والملايين من يهود العالم، وخاصة الأجيال الجديدة منهم الذين بحضورهم يعتبرون أن استمرار إسرائيل في الدعوة لحق العودة لهم وضرورة إنجازه هو سبب للقلق، وبالتالي هم حريصون على انتمائهم اليهودي حيث هم، وبقناعة يجب أن تسود بأن اللاسامية طفرة معيبة للحضارة. من هنا يشكل النزاع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي على وجه التخصيص، من خلال تحرير فلسطين وتأمين حقوقها في وطنها، إسهاما في تحرير ملايين من المواطنين اليهود في أنحاء العالم من أي قلق يساورهم.

لقد حان الوقت لأن نردع محاولات إسرائيل الدؤوبة للتحريض على العرب وتصويرهم كأنهم حاضنة لبؤر الإرهاب، وبالتالي تشويه الصورة وقمع الحقوق، من خلال ربط أي مقاومة بالإرهاب واستعمال وسائل الاغتيال منهاجًا سائداً.

(تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق في مصر )

=============================

إيران في مفترق طرق

عطاء الله مهاجراني

الشرق الاوسط

22-2-2010

بعد ثمانية أشهر من انتخابات الثاني عشر من يونيو (حزيران) يبدو أن إيران وصلت إلى مفترق طرق جديد، وأعني بذلك نطاقا جديدا. لكن كيف يمكن دراسة هذه الحالة؟ وما هي التفاصيل المتعلقة بها؟ وما هي وجهة النظر التي يمكن من خلالها تفسير الأزمة الحالية في إيران؟ من الواضح أن لكل منا وجهة نظره الخاصة. فموقف الحكومة الإيرانية، على سبيل المثال، يقف على طرف نقيض من الحركة الخضراء. وكما يقول الحق في القرآن: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» (الإسراء: 84).

ويقول الرومي: إن بقرة قدمت فجأة إلى بغداد ومرت من طرف المدينة إلى طرفها الآخر. من بين كل مصادر البهجة والسعادة التي رأتها لم ترَ سوى قشر البطيخ (ديوان المثنوي، الجزء الرابع، الأبيات 2377 - 2378).

تعتقد الحكومة أنه لا يوجد أي نوع من المشكلات في إيران، وأن ما بين أربعين إلى خمسين ألف شخص هم الذين يقومون بالتظاهر ضد النظام، وأن غالبيتهم من البهائيين والموالين للنظام الملكي السابق، ومنظمة مجاهدين خلق.

ويزعم نجاد أن الديمقراطية في أوجها في إيران وأن الدولة مترابطة، ويعتقد أن بإمكانه حل الأزمة المالية العالمية. وقال، مؤخرا، إن بعض القادة (لكنه لم يسمِّ أحدا منهم) طلبوا منه أن يلعب دورا رئيسيا في حل الأزمة المالية العالمية.

بيد أن تلك قصة أخرى، لكني سأحاول في هذا المقال أن أعمل على تشريح وجهات النظر المتعددة داخل الحركة الخضراء، التي تضم الكثير من التوجهات من مسلمين واشتراكيين وعلمانيين، بل وحتى المناصرين للنظام الملكي السابق، وجميعهم يعتقدون أنهم ينتمون إلى الحركة الخضراء. ويبدو لي أن بإمكاننا فصل كل تلك التوجهات في الحركة الخضراء إلى ثلاث فئات، لكل منها أهدافها ومطالبها. وبعبارة أخرى فإن مستقبل إيران يعتمد على وجهات النظر تلك.

أولا: هناك بعض المجموعات التي تضم بين صفوفها المناصرين للنظام الملكي السابق، خصوصا ابن الشاه ومنظمة مجاهدين خلق التي تتحدث عن جمهورية إيران. يعبرون عن رغبتهم في تغيير النظام الإسلامي إلى نظام وطني (جمهوري إيراني).

وقد بذلت تلك المجموعات قصارى جهدها لتغيير النظام في إيران منذ بداية الثورة وحتى الآن، يدعمهم في ذلك بعض الجماعات الماركسية، ويصرون في شعاراتهم على نقطتين: الجمهورية الإيرانية ولا لغزة ولا للبنان، لكن حياتي فداء لإيران. ويمكننا القول إنهم يروجون بصورة مباشرة لتغيير النظام في إيران. ويمثلون جناح التطرف في الحركة الخضراء. ومن ناحية أخرى يتطلعون إلى مساعدة الولايات المتحدة في ذلك، ولذا أعتقد أنهم أقرب إلى اللون الأحمر منهم إلى اللون الأخضر.

ثانيا: هناك التوجه الذي يمثله مير حسين موسوي كقائد للحركة الخضراء، تلاه في ذلك مهدي كروبي وخاتمي. وجميعهم يؤمنون بالدستور الإيراني ويقبلون بولاية الفقيه، لكنهم يؤمنون بالحركة الإصلاحية. فهم يعارضون استبداد الدولة الدينية، ويرغبون في إصلاح النظام. وأحيانا ما يقولون إن الدستور هو أقل المطالب الإيرانية. وقال موسوي إن القانون الدستوري ليس وحيا قرآنيا، بل قابل للتعديل ومن ثم يمكن إصلاحه.

من الواضح أن هؤلاء القادة الثلاثة - موسوي وكروبي وخاتمي - يرغبون في تنظيم مظاهرات داخل الإطار الحكومي. لكن الحكومة من جانبها لم تلقِ بالا لهم، فعلى سبيل المثال دائما ما تصفهم صحيفة «كياني» التابعة لخامنئي وصحيفة «جافان» التابعة للحرس الثوري بأنهم عملاء أميركا. ونشرت صحيفة «جافا» صورة كروبي وعلى يديه نجمة داوود، رمز الصهيونية.

ثالثا: هناك الكثير من التوجهات الأخرى ممن يؤمنون بالجمهورية الإسلامية في إيران ويحترمون القانون الدستوري، لكنهم يرفضون مبدأ ولاية الفقيه ويركزون في شعاراتهم على المذكرة الأولى للقانون الدستوري التي وافق عليها آية الله الخميني وآيات الله الكبرى في قم. بيد أنه في أعقاب اجتماع الخبراء في مجلس الخبراء أضافوا مبدأ ولاية الفقيه في عام 1980. وقد غير ذلك في صميم المذكرة. وتم تطوير المذكرة حول حق الجمهورية، وبات الآن مركز القانون الدستوري هو ولاية الفقيه، الذي يجمع كل الأمور في قبضته - الجيش والحرس الثوري والبرلمان والقضاء والتليفزيون والإذاعة الوطنية وكل الدعائم الرئيسية في الدولة - وللشيعة دعاء شهير يدعى كميل، علّمه الإمام علي لكميل، يقول فيه لله: «ولا يمكن الفرار من حكومتك».

ونتيجة لنظرية حكم الإمام وشخصية وسلوك المرشد الأعلى يعتقد الكثير من المفكرين والكتاب والسياسيين أنه لا يوجد سبيل لتحقيق ديمقراطية حقة في إيران طالما وجد الفقيه.

لا شك في أن الحكومة الإيرانية والحرس الثوري قد فشلا في قمع الحركة الخضراء، التي تضاعفت قوتها عما كانت عليه قبل ثمانية أشهر، ومن ثم لجأوا إلى فرض مناخ عسكري، لكنهم فشلوا في ذلك حتى الآن. إن لدينا مثلا يقول: «من المستحيل الجلوس على رأس الحربة».

=============================

اعرف عدوك.. ما هو جهاز "موساد".. وكيف يعمل؟ وما هي وحدة "كيدون" التي نفذت عملية اغتيال الشهيد المبحوح

المصدر : الحقيقة الدولية – المجد + سي ان ان 19.2.2010

مع ظهور اسم جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد،" مجددا في الإعلام، على خلفيه توجيه أصابع الاتهام له في اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح، يبرز السؤال عن عمل هذه الجهاز وظروف تأسيسه.

 

المؤسسة المركزية للاستخبارات والأمن "الموساد" هي اختصار لعبارة "موساد لعالياه بت" العبرية أي منظمة الهجرة غير الشرعية. وهي إحدى مؤسسات جهاز الاستخبارات الإسرائيلي والجهاز التقليدي للمكتب المركزي للاستخبارات والأمن. أنشئت عام 1937، بهدف القيام بعمليات تهجير اليهود. وكانت إحدى أجهزة المخابرات التابعة للهاغاناه.

 

وطوال نصف القرن الماضي تقريبا، حقق الموساد صيتا ذائعا في مختلف أنحاء العالم لدرجة أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وصفته في تقرير رسمي لها بأنه من أكثر أجهزة المخابرات تنظيما علي مستوى العالم.

 

ويضم مجتمع المخابرات الإسرائيلي ثلاثة أفرع رئيسية هي الموساد والمخابرات العسكرية المعروفة باسم أمان والشين بيت وهو جهاز الأمن الداخلي بالإضافة الي جهاز الجاسوسية المضادة الذي تنحصر مهمته في مكافحة أعمال التجسس ضد إسرائيل.

 

وخلال نصف القرن الماضي، فقد مجتمع المخابرات الاسرائيلي 360 عميلا قتلوا أو فقدوا حياتهم بسبب عمليات استخبارية لحساب (إسرائيل).

 

وكان أول جاسوس إسرائيلي فقد حياته بسبب خدمته في الموساد هو يعقوب بوكاي وهو يهودي من اصل سوري تم إعدامه في أغسطس 1949 بعد أن تم القبض عليه في الأردن متخفيا في زي لأجيء عربي.

 

لقد قامت دولة (إسرائيل) في الأساس نتيجة سلسلة من العمليات السرية والخفية.. وبمرور الوقت تحولت هذه الدولة إلى حكومة الجاسوسية والدليل علي ذلك أن الغالبية العظمى من زعماء إسرائيل عملوا خلال فترات مختلفة من حياتهم كعملاء وجواسيس للموساد من أمثال حاييم هيرتزوج رئيس الدولة السابق واسحق شامير رئيس الوزراء الأسبق ومناحم بيجين وشيمون بيريز واسحق رابين وحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهودا باراك.. وحتى جولدامائير كانت أيضا تعمل لحساب الموساد قبل أن تتولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية .

 

البداية

ويعتبر الكثيرون من الخبراء أن القرن العشرين كان هو البداية الحقيقية لظهور أجهزة المخابرات الحديثة أي بالشكل المتطور الذي تحددت لهذه الأجهزة فيه المهام التي ستقوم بها والذي جعلها إحدى الإدارات الحكومية الرسمية رغم السرية التي تحيط بها.

 

كانت بريطانية هي صاحبة المبادرة في هذا المجال حيث أقامت أول وكالة مخابرات حديثة تسيطر عليها الحكومة وتمولها بشكل مباشر.. أما مهمة هذه الوكالة فكانت في الأساس هي الحصول على أسرار الأجانب و حماية الأسرار الوطنية.

 

وفي عام 1913 ظهر للوجود جهاز المخابرات الألماني ثم المخابرات السوفيتية عام 1917 والمخابرات الفرنسية عام1935.

 

أما وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فقد أقيمت عام..1947 ولاشك أن كل هذه الاجهزة كانت لها جذور عميقة في عالم الجاسوسية قبل إعلان مولدها الرسمي ولكن المؤكد أيضا أن القرن العشرين شهد طفرة كبرى في جميع مجالات العمل السري والاستخبارات.

 

وبالنسبة ل(إسرائيل) فان قصة الموساد تكتسب أبعادا خاصة وشديدة التميز بالمقارنة مع أجهزة المخابرات الأخرى في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك إلي عدة أسباب من أهمها:

 

أن الشخصية اليهودية تتوافر فيها كل مقومات الجاسوس أو العميل السري ومن أهمها الخبث والدهاء بالإضافة

 

إلي تقديس المال وعدم وجود أي رادع أخلاقي يحول دون ارتكاب أكثر الجرائم وحشية وأشد العمليات قذارة.

 

إن انتشار اليهود في مختلف أنحاء العالم أناح لهم الحصول على معلومات خطيرة خاصة أن هؤلاء اليهود يتواجدون في مختلف المواقع الحكومية والعلمية والعسكرية والاقتصادية في هذه الدول وبالتالي لديهم حصيلة رهيبة من الأسرار التي وضعوها في خدمة الدولة اليهودية حتى قبل عشرات السنين من إعلان قيام دولة (إسرائيل)

 

وبمعني آخر فان الشخصية اليهودية بشكل عام تحظى بمواهب فطرية طبيعية في التجسس.. بجانب بعض الصفات

 

الإضافية المطلوبة في الجواسيس والعملاء مثل القسوة والاعتقاد بأن الغاية تبرر الوسيلة وعدم احترام أي حقوق للغير إذا كانت تتعارض مع إطماع اليهود وسياساتهم ومخططاتهم.

 

لهذه الأسباب حقق اليهود نجاحا كبيرا عندما عملوا كجواسيس لحساب القوات البريطانية في الحرب العالمية الثانية.

 

وكان من بين هؤلاء الجواسيس اليهود موشي ديان الذي أصبح بعد ذلك جنرالا إسرائيليا وتولي وزارة الدفاع في

 

(إسرائيل).. ومن أهم الأعمال التي قام بها هؤلاء اليهود تلك المهمة التي شارك فيها 32 جاسوسا يهوديا يعملون

 

لحساب المخابرات البريطانية 'أس. أي. أس' وقد تم إسقاطهم بالمظلات فوق أراضي المانيا.

 

عصابات إرهابية وقد شكل اليهود عصابات ارهابية إجرامية لترويع عرب فلسطين والاستيلاء علي أراضيهم وكانت أهم هذه العصابات هي 'الهاجانا' و'الارجون' و'شتيرن' التي كانت لديها أجهزة سرية تعمل في خدمتها.. وبعد إعلان قيام الدولة اليهودية أصبحت هذه الأجهزة السرية الإرهابية هي النواة الاولى لجهاز المخابرات الاسرائيلي.

 

صراع رهيب ويرجع انشاء جهاز الموساد إلى ما قبل الدولة اليهودية وبالتحديد إلي عام 1937 تنفيذا لفكرة احد عتاة الصهاينة المتطرفين وهو شاؤول افيكور.

 

وقد تم إنشاء الموساد في البداية كقوة سرية تابعة لمنظمة الهاجانا الإرهابية وكانت مهمة الموساد الأساسية في ذلك الحين هي تنظيم الهجرة غير الرسمية لفلسطين وتهريب الأسلحة للعصابات الإرهابية الصهيونية وفي عام 1942 بدأ تنظيم الموساد كجهاز مخابرات يأخذ شكله العلمي من خلال عمل دورات متخصصة للعملاء والجواسيس وكان عددهم في أول دورة 40 عميلا شكلوا نواة المخابرات الإسرائيلية حيث تعلموا كل شئون الجاسوسية مثل الشفرة وإطلاق النار وسبل التنكر والتخفي واللغات وأجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكي وغيرها.

 

وبعد اغتصاب فلسطين عام 1948 قام رئيس الوزراء الصهيوني ديفيد بن جوريون بإعادة تشكيل جهاز المخابرات

 

الإسرائيلي. وبعد ثلاث سنوات أي في عام 1951 جرت عملية إعادة تنظيم لأجهزة المخابرات الاسرائيلية.. ووفقا لهذه العملية أصبح 'الموساد' هو جهاز المخابرات الرئيسي في (إسرائيل) وتم تعيين راؤبين شلواح رئيسا له بينما تولي حاييم هيرتزوغ رئاسة المخابرات العسكرية الإسرائيلية.

 

إما رئيس جهاز الأمن الداخلي 'الشين بيت' فكان هو ايسير هارئيل.. وقد اندلع صراع رهيب بين التنظيمات الثلاثة

 

انتهي بتولي هارئيل رئاسة الموساد بجانب رئاسته بالشين بيت وكان ذلك في عام 1953 حيث شكلت لجنة للتنسيق تضم رؤساء إدارات المخابرات الإسرائيلية التي تم تقسيمها إلى خمسة أقسام هي الموساد الذي يخضع مباشرة لرئيس الوزراء والمخابرات العسكرية 'أمان' وهي فاضحة لوزير الدفاع ورئيس الأركان و'الشين بيت' وهو جهاز الأمن الداخلي ومكافحة التجسس وفرع المهام الخاصة بالشرطة وهو اقرب إلى مباحث أمن الدولة ويتبع وزير الداخلية ثم فرع الأبحاث بالخارجية الإسرائيلية وهو مسئول عن جمع وتحليل المعلومات الدبلوماسية الخارجية ويتبع وزير الخارجية.

 

قهوة الصباح!

وهناك تنسيق مستمر بين رؤساء أجهزة المخابرات الإسرائيلية المختلفة حيث يعقد اجتماع مرتين أسبوعيا بين رئيس الموساد وأمان ويطلق على هذا الاجتماع اسم 'قهوة الصباح' ويحضره مدير الأمن الداخلي.. شين بيت والمفتش العام للشرطة ورئيس مخابرات وزارة الخارجية بالإضافة إلى عدد من كبار المستشارين.

 

وهناك أيضا لجنة يطلق عليها اسم 'فعدات راش هاتشيروتيم' أي لجنة رؤساء الأجهزة مهمتها تنسيق جميع أنشطة الاستخبارات الإسرائيلية الميدانية سواء في الداخل أو الخارج.

 

ويعتبر رئيس جهاز 'الموساد' هو الأكثر أهمية بين رؤساء أفرع المخابرات الأخرى في (إسرائيل) ولذلك فهو يتولى اوتوماتيكيا رئاسة مثل هذه الاجتماعات التي تتم في أماكن مجهولة بعيدا عن المقار الرسمية لأجهزة المخابرات وتتخذ احتياطا أمنية مشددة للحفاظ علي سريتها والحيلولة دون تسرب مناقشاتها لأي أطراف معادية.

 

ورئيس الموساد يتم اختياره مباشرة بواسطة رئيس الحكومة الإسرائيلية.. وفترة عمله المعتادة في هذا المنصب خمس سنوات ولكنها يمكن أن تزيد أو تنقص في ضوء اعتبارات الكفاءة ومدى نجاح أو فشل العمليات التي ينفذها عملاء الموساد الذين يتم التعامل معهم وفقا لدرجات وظيفية باعتبارهم من موظفي الدولة.. ويتقاعد عميل الموساد عن العمل في سن الثانية والخمسين ويحصل علي معاش يعادل ثلاثة أرباع آخر مرتب تقاضاه قبل التقاعد.

 

أما الجواسيس الأجانب فيحصل الواحد منهم على راتب شهري قد يصل إلي خمسة آلاف دولار.. وفي حالة سقوطه أو القبض عليه يتم رصد مبلغ نصف مليون دولار للوفاء بأتعاب المحاماة والدفاع ورعايته داخل السجن بالإضافة إلى نفقات أخرى غير محددة يتم إنفاقها سعيا وراء اطلاق سراحه.

 

ويقول الكاتب البريطاني 'رونالد رايني' صاحب كتاب 'الموساد' اخطر أجهزة المخابرات السرية 'أن اختيار عملاء الموساد من الإسرائيليين يتم وفقا لمعايير محددة أهمها الذكاء والقدرة على الكتمان واللياقة البدنية.

 

ويفضل المسئولون في الموساد اختيار العملاء الجدد من بين الشباب اليهودي الذين تربوا في المزارع الجماعية أو الكيبوتزات نظرا لتطرفهم الديني والأيديولوجي وإيمانهم العميق بالصهيونية.

 

وبالإضافة إلى ذلك يتم اختيار الشباب الذين ابدوا مهارات خاصة خلال فترات التجنيد العسكري أو الدراسة الجامعية.

 

اختبارات قاسية

ويخضع كل مرشح للعمل في الموساد لسلسلة صعبة من الاختبارات النفسية بجانب عملية مراجعة دقيقة لتاريخ حياته وعلاقاته منذ لحظة مولده. وبعد ذلك، يبدأ عميل الموساد الجديد دورة تدريبية تستمر لمدة 12 شهرا ويشمل التدريب مجالات عديدة مثل اللغات والأسلحة والاتصالات حتى الاتيكيت وكيفية استخدام أدوات المائدة والماكياج.

 

وخلال مرحلة التدريب يتم التركيز على تقوية الذاكرة لدى عميل الموساد وذلك من خلال تمارين خاصة كما يتم تدريبه على قوة التحمل وسرعة البديهة وحسن التصرف في المواقف الصعبة.

 

وفي هذا السياق يحكي احد كبار رجال الموساد قصة عميل إسرائيلي تم إرساله في مهمة ببريطانيا ولم تكن لديه أي تعليمات أو أموال على أساس انه سيحصل على كل ذلك عن طريق وسيط سيقابله في لندن. ولسبب ما، لم تتم هذه المقابلة وأصبح يتعين على رجل الموساد أن يحل مشكلته بنفسه وان يعود الى (اسرائيل) بطريقته الخاصة.

 

وكان الحل الذي توصل إليه هو انه قام باقتحام احد محال السوبر ماركت في لندن وسرق خزينة المحل وهرب.. وفي اليوم التالي اشترى تذكرة طائرة إلى تل أبيب وعاد دون أي تدخل من جانب الموساد في ترتيب عودته..

 

وفي بعض الأحيان يقوم بعض رجال الموساد بالتنكر في هيئة عرب ويختطفون أحد عملاء الموساد ثم يقومون باستجوابه وتعذيبه لاختبار مدى قدرته على الكتمان وتحمل الظروف الصعبة.

 

ويعتبر الموساد هو جهاز المخابرات الوحيد في العالم الذي أقام نصبا تذكاريا لعملائه الذين قتلوا خلال عمليات تجسس في خدمة (إسرائيل).. وفوق هذا النصب الذي يوجد داخل مقر المخابرات الإسرائيلية تم نقش 360 اسما جميعهم من عملاء الموساد الذين قتلوا أثناء مهام تجسسية خارج (إسرائيل).

 

ويتميز الموساد عن غيره من أجهزة المخابرات العالمية ببراعته الفائقة في مجال العمليات القذرة. ويرجع السبب في ذلك إلى أن طبيعة وتدريب عميل الموساد تجعله لا يتوقف كثيرا عند أي اعتبارات أخلاقية مادام الهدف هو خدمة الصهيونية والدولة اليهودية.

 

وبعد أحداث دورة ميونيخ الاوليمبية التي تم خلالها اغتيال أفراد البعثة الإسرائيلية، شكل الموساد فرقة اغتيالات خاصة من عملائه أطلق عليها اسم 'الغضب الإلهي' وكانت مهمة هذه الفرقة هي قتل 12 فلسطينيا ثارت الشكوك حول تورطهم في عملية ميونيخ.. وقد تمكن أفراد هذه الفرقة من أداء مهمتهم وحصلوا على الأوسمة والنياشين رغم أن بعض الضحايا الذين اغتالوهم لم تكن لهم أي علاقة بحادث ميونيخ.

 

ويزعم قادة الموساد أنهم يرفضون اللجوء إلى وسائل الابتزاز والإرهاب لتجنيد العملاء والجواسيس.. ورغم ذلك فهناك حالات عديدة تؤكد أن هذه الضغوط قد استخدمت لإجبار الكثيرين، خاصة من غير الإسرائيليين على العمل في خدمة المخابرات الإسرائيلية.ومن أبرز الأمثلة على ذلك عرب الأراضي المحتلة الذين يضغط عليهم الموساد بشراسة للتحول إلي جواسيس وتقديم معلومات عن الدول العربية التي يزورونها.

 

ويعتبر الجاسوس اليهودي الأمريكي جوناثان بولارد أحد هذه النماذج التي تختلف تماما عن نوعية عميل المخابرات الإسرائيلية التي يروج لها الموساد.. فقد أشارت تقارير عديدة إلي أن بولارد الموجود حاليا في سجون أمريكا شخص مهتز ضعيف الشخصية لم يستطع مقاومة ضغوط الموساد فقدم لهم اخطر الأسرار الأمريكية.

 

وفي هذا السياق يقول وليام وبستر الرئيس السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي والمدير السابق للمخابرات الأمريكية إن حالة جوناثان بولارد لا تتفق على الإطلاق مع نمط المخابرات الإسرائيلية.

 

ويعتمد الموساد كثيرا على يهود الشتات في تكوين شبكات التجسس خارج (إسرائيل).. فهؤلاء اليهود لا يتعرضون لمأزق الولاء المزدوج كما يقول البعض وذلك لسبب بسيط هو أن [الولاء] لديهم (لإسرائيل) فقط وليس لأي مكان آخر حتى ولو كان هو الوطن الذي ولدوا على أرضه.

 

وهناك محطات تابعة للموساد في العديد من بلدان العالم الهامة مثل الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وأوروبا وآسيا وأفريقيا.. ودول البحر المتوسط.ولكل محطة من هذه المحطات رئيس وهيئة عاملين من الجواسيس والعملاء وهي تعمل 24 ساعة في اليوم ويكون هناك تنسيق مكثف بين رئيس محطة الموساد في دولة ما والسفير الإسرائيلي في هذه الدولة بل أن الكثيرين من الدبلوماسيين الإسرائيليين في بلدان العالم هم في واقع الأمر مجرد عملاء وجواسيس للموساد.

 

وفيما يلي عرض لبعض الفضائح الدولية السابقة التي تورط فيها الموساد ووكالات مخابرات إسرائيلية أخرى:

 

* 1954 - كشفت مصر خلية تابعة لمخابرات الجيش الإسرائيلي من اليهود المصريين. وكانت الخلية قد ألقت قنابل حارقة على مواقع يرتادها غربيون لإحراج القاهرة وإثنائها عن تأميم قناة السويس. وتم شنق اثنين من أفراد الخلية وانتحر آخر وسجن ستة آخرين. وقدم بينهاس لافون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك استقالته على الرغم من نفيه إجازة المخطط.

 

* 1963 - اعتقلت الشرطة السويسرية إسرائيليا ونمساويا بعدما اتهمتهما ابنة عالم ألماني بتهديدها في إطار حملة ترويع قام بها الموساد لألمان يشتبه بأنهم ساعدوا برنامجا مصريا للصواريخ. واستقال إيسار هاريل رئيس الموساد آنذاك. وتم إطلاق سراح المعتقلين بعد ذلك بشهور قليلة.

 

* 1967 - اعتقل شخصان في ألمانيا يشتبه بأنهما ضابطان في الموساد أثناء مداهمتهما منزلا يعتقد أنه ملك مسئول سابق في البوليس السري الألماني. وأفرج عن الضابطين في لفتة لحسن نوايا لإسرائيل بعد حرب عام 1967 في الشرق الأوسط.

 

* 1973 - قتل أفراد تابعون للموساد بالرصاص في النرويج نادلا مولودا في المغرب بعدما ظنوا أنه أحد الفلسطينيين الذين دبروا لهجوم قتل فيه 11 لاعبا إسرائيليا خلال دورة الألعاب الاولمبية في ميونيخ عام 1972 . وتمت محاكمة خمسة ضباط في الموساد لكن أفرج عنهم في نهاية المطاف. وعرضت إسرائيل دفع تعويض لأسرة النادل.

 

* 1985 - جوناثان بولارد المحلل في البحرية الأمريكية اعتقل لنقله معلومات مخابرات إلى لاكام وهي وكالة إسرائيلية متخصصة في التعاون العلمي. واعتذرت إسرائيل للولايات المتحدة وفككت لاكام. ويحكم على بولارد بالسجن مدى الحياة.

 

* 1987 - احتجت بريطانيا لدى إسرائيل على ما وصفته لندن بأنه إساءة استخدام "سلطات إسرائيلية" لجوازات سفر بريطانية مزيفة وقالت بريطانيا إنها تلقت تأكيدات من إسرائيل بعدم تكرار هذا الأمر.

 

* 1991 - اعتقل أربعة إسرائيليين خلال محاولة على ما يبدو لوضع أجهزة تنصت في سفارة إيران بقبرص. وأفرج عنهم لعدم كفاية الأدلة.

 

* 1997 - ألقت السلطات الأردنية القبض على اثنين من أفراد الموساد بعد محاولة فاشلة لاغتيال خالد مشعل القيادي الكبير في حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ويتم ترحيل الاثنين إلى إسرائيل بعدما أفرجت إسرائيل عن أحمد ياسين مؤسس حماس الذي كان مسجونا.

 

* 1998 - تم الكشف عن مجموعة من الإسرائيليين تحاول التصنت على هواتف شخص يشتبه بأنه من أعضاء حزب الله في سويسرا. وتصدر جلسة مغلقة لمحكمة قرارا بسجن إسرائيلي وصفته وسائل إعلام بأنه ضابط بالموساد مع وقف التنفيذ وإلزامه بدفع غرامة. وأفرج عن ثلاثة من زملائه.

 

- وفي قبرص اعتقل شخصان يشتبه بأنهما ضابطان في الموساد واتهما بالتجسس على منشآت عسكرية حساسة. ويطلق سراح الاثنين بعدما قضيا تسعة أشهر في السجن.

 

* 2004 - أصدرت محكمة في أوكلاند بنيوزيلندا قرارا بسجن إسرائيليين اثنين لمدة ستة شهور بعدما اعترفا بمحاولة الحصول على جواز سفر نيوزيلندي مزيف. واشتبهت ولنجتون بأن الإسرائيليين من الموساد فأوقفت علاقتها مع إسرائيل احتجاجا على هذا الأمر. وتعتذر إسرائيل لنيوزيلندا بعد ذلك بعام وتستأنف العلاقات بين البلدين.

 

* 2010 - قالت شرطة دولة الإمارات العربية المتحدة إنها أصدرت مذكرات اعتقال دولية بحق مشتبه بهم في مقتل المبحوح ومن بينهم أشخاص يحملون جوازات سفر ألمانية وبريطانية وفرنسية وأيرلندية. وتحتجز الإمارات أيضا فلسطينيين اثنين للاشتباه بتورطهما في الأمر.

 

من المهام الرئيسة التي يُكلف بها عملاء الموساد تنفيذ مهمات خاصة تتمثل في الخطف والإعدام والاغتيال، فقد خصص قادة الموساد وحدة خاصة تابعة له لغرض الاغتيال والقتل، حيث تقوم الوحدة بالتدريب مراراً على الهدف للوصول لعملية اغتيال ناجحة، حيث من أهم أهداف تأسيسها الردع والتخويف وإحباط النشاطات المعادية للكيان كهدف عام للموساد.

 

وحدة الاغتيالات في جهاز الموساد الصهيوني والمعروفة ب"كيدون".

 

فما طبيعة هذه الوحدة ؟

"كيدون" وتعني الخنجر الذي يغمد في البندقية أو (الحربة) وهي وحدة ضمن قسم العمليات الخاصة فى الموساد "ميتسادا" والمسئولة عن الاغتيالات في جهاز الموساد، وتعتبر "كيدون" الوحدة الوحيدة في العالم المجازة رسمياً من حيث تنفيذ الاغتيالات، تتكون من فرق كل فرقة تضم اثني عشر شخصا، وتسمى أيضاً "قيساريا".

 

عقيدة القتل لدى"كيدون":

يقوم الموساد بتدريب عناصر "كيدون "على كيفية التعامل مع السلاح وحماية الذات والاستهانة بالموت ، حيث يتم تدريب المرشحين على كيفية سحب المسدس أثناء الجلوس في مطعم إذا اقتضى الأمر، إما بالسقوط إلى الخلف على المقاعد أو إطلاق النار من تحت الطاولة ، أو بالسقوط إلى الخلف ورفس الطاولة في الوقت نفسه ثم إطلاق النار ، وكل ذلك في حركة واحدة ، ولقد تم التساؤل ما الذي يحدث لمشاهد برئ ؟ ( يقول أحد المتدربين ) : تعلمنا أنة لا يوجد مشاهد برئ في موضع يحدث فيه إطلاق النار ، فالمشاهد سيرى موتك وموت شخص آخر ، فإذا كان موتك ، فهل تهتم إذا أصيب بالجراح ؟ بالطبع لا ، إن الفكرة هي البقاء – بقاؤك أنت ، يجب أن تنسى كل ما كنت قد سمعته عن العدل ، ففي هذه المواقف إما أن تكون قاتلا أو مقتولا ، وواجبك أن تحمى ملك الموساد ، أي أن تحمى نفسك ، وبمجرد أن تفقد هذا تفقد عار الأنانية ،حتى أن الأنانية تبدو سلعة قيمة – شيئا يصعب عليك أن تنفضه عنك عندما تعود إلى بيتك في آخر النهار.

 

أشهر عمليات الاغتيال التي نفذتها:

امتلكت الوحدة أساليب مختلفة في عمليات القتل والاغتيال كلها تظهر حجم الحقد الذي يخفيه ويظهره قادة العدو الصهيوني ، حيث برزت أوسعها في الرد على عملية ميونخ التي نفذها الفلسطينيون ضد البعثة الرياضية الصهيونية أوائل السبعينيات:

 

1. في أكتوبر، 1972 م اغتيال الشهيد وائل زعيتر ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في ايطاليا كان بواسطة إطلاق اثني عشر رصاصة في أماكن مختلفة في جسده.

 

2. في يناير، 1973م اغتيال الشهيد حسين البشير ممثل فتح فى قبرص بشحنة ناسفه تحت سريره في الفندق الأوليمبي بنيقوسيا.

 

3. في إبريل، 1973م اغتيال الشهيد الدكتور ياسر القبوسى أستاذ القانون بالجامعة الأمريكية ببيروت الذى تم تصفيته ب12 رصاصة في باريس كما فى حالة زعيتر.

 

4. في ديسمبر ، 1977م اغتيال الشهيد محمد الهمشرى ممثل منظمة التحرير في فرنسا الذي يعتقد أنه رئيس أيلول الأسود في فرنسا ، كان الاغتيال بواسطة شحنة متفجرة زرعت تحت مكتبه. حيث رتب عميل الموساد الذي انتحل شخصية صحفي إجراء حديث صحفي تليفوني معه ليعطي إشارة لمفجر القنبلة بالتفجير حين وصول الهمشري مكتبه.

 

5. في مارس ،1990م قام الموساد باغتيال «جيرالد بول» العالم الكندي الذي قام بتطوير البرنامج العسكري الشهير (الأسلحة المدمرة) لصالح العراق وذلك بغرفته في مدينة بروكسل حيث كان لهذه العملية أكبر الأثر في وقف تطوير هذا البرنامج.

 

6. في اكتوبر، 1995م اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في مالطا، الذي تم تصفيته برصاصتين اخترقتا رأسه عن قرب من الجهة اليمنى .

 

العمليات الفاشلة:

1. في 1973م في "وليلهامر" في النرويج قتلت "كيدون" أحمد بوشيخى النادل المغربى الذى كان خارجا مع زوجته الحامل ذاهبا إلى بيته بعد أن ظنت انه حسن علي سلامة قائد عملية ميونخ الفدائية ، وتم اعتقال عملاء "كيدون" من قبل السلطات النرويجية والتي عرفت بفضيحة "ليلهامر"، وبعدها توقفت ملاحقة حسن علي سلامة فترة لتعود من جديد في عهد مناحيم بيجين فعادت فكرة التصفية وكلف مايك هراري للمهمة ، وقضى حسن علي سلامة بسيارة مفخخة بعد 5 محاولات فاشلة حيث أطلق عليه العدو لقب "الأمير الأحمر" لشدة تخفيه.

 

2. في أوائل التسعينيات قتل اثنان من الوحدة "كيدون" في العاصمة النمساوية "فينا" أثناء ملاحقتهما لنائب وزير الدفاع الإيراني مجيد عبسفور في انقلاب لدراجتهما وارتطامهما في سيارة مسرعة، ولا تزال الرقابة الصهيونية تمنع حتى هذه اللحظة نشر اسميهما رغم مرور 14 عاماً على موتهما ، وقد علقت صورهم في غرفة بجوار إيلي كوهين الجاسوس الصهيوني الذي اعدم في دمشق.

 

3. في 1997م كانت أول محاولة ل"كيدون" على أرض عربية هي محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس برش السم، حيث كانت عمليات الاغتيال تنفذ في الدول العربية بواسطة وحدات خاصة تابعة للجيش مثل "سرية الأركان" أو سيرت متكال والتي قتلت الشهيد أبو جهاد القائد الثاني في حركة فتح في تونس.

 

أشهر قادتها:

• حجاي هاداس مسئول طاقم المفاوضات في ملف شاليط ، وحسب تقارير أجنبية أنه كان يقود الوحدة عند اغتيال الشهيد الشقاقي 1995م.

 

• تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة وزعيمة حزب كاديما الصهيوني ، وفي تقرير فرنسي كشف أن تسيبي ليفني كانت ضمن الوحدة الخاصة التي دست السم لعالم نووي عراقي في باريس عام 1983م.

=============================

بين "الأمّة" و"الأزمة" حرف ..

أ.رابحة الزيرة

جمعية التجديد الثقافية - مملكة البحرين

"الزاي" حرف من الحروف الأبجدية إذا اقتحم لفظ ال"أمة" حوّلها إلى "أزمة" ..

استرعت هذه الملاحظة انتباهي، فتداعى إلى ذاكرتي قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً".

 

لفظ "أزّ" بحسب معاجم اللغة يعني: التهييج والإغراء، وهو قريب المعنى من "هزّ" التي تُستخدم لتعبّر عن التحريك المادّي للأشياء، و"حثّ" التي تعبّر عن الدفع والتحضيض المعنوي للأشخاص، إلاّ أن "أزّ" تعني "أن تحمل إنساناً على القيام بأمرٍ ما بحيلة ورفق حتى يفعله"، فهل من علاقة بين لفظ "أزّ" القرآنية وما يجري على الأمة من أحداث لكي تتحوّل العلاقات بين أبنائها إلى (أزمة)؟ وهل هي أزمة فعلية أو مفتعلة؟ ومن ذا الذي "يؤزّ" أبناء الأمة؟

 

(الأمة) .. كلمة بتنا نسمعها ونكرّرها كثيراً وإن اختلفنا في تقييدها أهي الأمة العربية، أو أمّة الإسلام، أو أمة الإنسانية؟ وفي الحقيقة لا فرق جوهري إن نظرنا إلى المشتركات التي تجمع بينها، فلفظ "أَمًَ" بالفتح يعني القصد، و(الأمة) تعني الجماعة التي لديها مقصد ومأمّ وهدف واحد تتجه لتحقيقه أو الوصول إليه، فإذا تبنّينا المعنى الأشمل، فإن الإنسانية تطمح لتحقيق مبادئ الخير والسلام في العالم بعيداً عن فوارق اللون والدين والقومية والجنس أو الجنسية وغيرها، وإذا انحدرنا إلى المعنى الأضيق تزداد المشتركات وتُختزل الاختلافات فبينما تختلف أمة الإنسانية في الديانة التي يعتنقها أفرادها: مسلمة، مسيحية، يهودية، بوذية، هندوسية.. وغيرها، فإن أمّة الإسلام تشترك في دين واحد وإن تنوّعت مذاهبها، وهكذا إلى أن نصل إلى الدائرة الأضيق لتجتمع الأمة العربية على مزيد من المشتركات تؤهّلها لمزيد من التوادّ والتلاحم، ولكن عجباً نرى أنّ الواقع يعكس صورة مناقضة لهذه الحقيقة.

 

في ذكرى مولد خير البرية (ص) لن ننكأ الجراح وكفانا تجرّعاً للغصص، ففي هذه المناسبة السعيدة نحن بحاجة لنعيش لحظات فرح وأمل ننفتح بها على سيرته (ص) لنستلهم منها ما يعيننا على إبطال مفعول "أزيز" شياطين الإنس الذين يوقعون بين أبناء الأمة بالنبش في الماضي البائد، وتثوير الخلافات التاريخية والنفخ فيها، وبفتاوى التكفير، وبطولات التفخيخ والتفجير والتقاتل بين الأخوة في الدين والعقيدة، فنقف وقفة تأمّل مع بعض بنود "صحيفة المدينة"، التي كانت بمثابة عقد اجتماعي موثّق بين شرائح مجتمع المدينة المتنوع من يهود ومسيحيين ومسلمين، ومهاجرين وأنصار.

 

"هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم؛ إنهم (أمة واحدة) من دون الناس .." إلى أن قال: ".. وأن اليهود يُنفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة (مع المؤمنين)، لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلاّ من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (يهلك) إلاّ نفسه وأهل بيته .." وفي موقع آخر من الصحيفة يقول: "يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة .. وإنّ بين جميع المتعاقدين النصح والنصيحة والبر دون الإثم ... وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصرة والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم، وإنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم ..".

 

فانظر كيف اعتبر رسول الله (ص) اليهود الموقّعين على هذه الوثيقة (أمة مع المؤمنين)!، وترك لهم خيار "حرية الاعتقاد"، هم ومواليهم، ثم جعل جوف يثرب (حرام) لأهل هذه الصحيفة! وغيرها الكثير من البنود التي وضعت أساساً للسلم الاجتماعي في دولة حديثة العهد ومحفوفة بالأعداء والمخاطر، فهل نطمح أن يخرج في هذه الأمة رجل رشيد ليقول بعلو صوته: "إن جوف بغداد، وسامراء، والنجف، وكربلاء حرام لكل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"؟ وهل نطمع أن يتعامل المسلمون من المذاهب المختلفة في العراق وباكستان والكويت ولبنان والبحرين مع بعضهم كتعامل الرسول مع يهود المدينة الذين وقّعوا هذه الوثيقة رغم ما هو معروف عن كثيرهم من نقض للعهود والمواثيق؟! أم أن المسلمين (الطائفيين) أكثر غيرة على الإسلام اليوم من غيرة رسول الله (ص) عليه آنذاك .. فسبحان الله .. وهل تعلو العين على الحاجب، فما أقبح ذلك!!

 

"خلّوا بيني وبين الناس .. ليسمعوا كلمة لا إله إلاّ الله" .. كان هذا مطلب رسول الله (ص) الوحيد من أعدائه قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة حيث كان يطالبهم بأن يتركوا للناس حرية الاستماع لكلمة (التوحيد) ليتاح لهم بعد ذلك حرية اختيار الإيمان بها والعمل بمقتضاها أو عدم الإيمان بها، وهذا المبدأ نفسه المعبَّر عنه كأحد أهم مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحت بند "حرية الاعتقاد" أو "حرية الضمير"، وسيبقى هذا هو مطلب كل مصلح وحقوقي يسعى للتأليف بين أبناء الأمة الإنسانية الواحدة، ويؤمن بأن من حقّ كل إنسان أن يختار مصيره بلا إكراه، لعلمنا جميعاً بأن الإكراه في الدين لا يخلق مؤمنين بل يخلق منافقين.

 

أسبوع الوحدة بين الثاني عشر من ربيع الأول والسابع عشر منه فرصة مواتية لنزع فتيل (الأزمة) بين أبناء (الأمة الواحدة) بأن تكفّ القيادات الدينية التي تستغلّ الدين لصالح مكاسبها السياسية عن "أزيز الشياطين" المتمثّل في التجييش الطائفي وبث الأحقاد المذهبية، وتخلّي بين الناس وفطرتهم ليمارسوا تعقّلهم ويعودوا "أمة " بلا "أزمة".

=============================

الإنسان الراشد.. والحكم الرشيد

الأحد, 21 فبراير 2010

نافذة - الرابطة الأهلية لنساء سورية

يقولون: الحرية هي الرشد. والإنسان الحرّ هو إنسان راشد بالتأكيد. وبالتالي فيجب احترام اختيار الإنسان الحرّ. نعتقد أنه كلام فيه الكثير من الغرور.

بين الحرية والرشد علاقة وثيقة. ولكننا نستطيع أن نزعم أن كل إنسان حر هو إنسان راشد، ولا أن كل إنسان راشد هو إنسان حر، بمعنى الحرية العام. للحرية ظروفها السياسية والمجتمعية الخارجية التي قد يتجاوزها الإنسان أو تتجاوزه. لا يقدر الإنسان دائما على صنع ظروف حريته الخارجية على الأقل، و فقدان هذه الحرية لا يلغي رشده. وكذلك فإن أحداً لا يستطيع أن يزعم أن الرشد هو مخرج من مخرجات الحرية. أو لازم من لوازمها.

حقائق الحياة ووقائعها تنفي التلازم بين الرشد والحرية على وجهيه الإيجابي والسلبي. وخيارات الإنسان الفردية والجماعية، النفسية والعملية، ليست معبرة دائماً عن الرشد أو عن مصالحه الذاتية على وجه خاص.

في القرآن الكريم (ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً).

التخلي عن المسئولية، والتهرب من معاناة اللحظة، أو الحرص على اقتناص مباهجها، أو إيثار عاجل المنفعة؛ كل أولئك هو جزء من الخيارات الإنسانية الحرّة أحيانا، يندفع إليها الإنسان: خوفاً أو طمعاً أو حرصاً، دون تقدير حقيقي لما ينفعه ولما يضره، ودون النظر في العواقب، والتبصر في المآلات. وأبواب التمثيل مفتوحة على كل ميادين الحياة.

بعض النضال الذي تخوضه الإنسانية اليوم بين قوى البقية الباقية من قيم الصلاح وبين دعاة أعط الطائر جناحيه واتركه يطير بعيداً عن السرب، وعن القواعد هو على هذا..

قبل أن يبلغ الشاب أو الصبية سن الثامنة عشرة يكون التعليم والإعلام قد هيأه وأخبره أنه في ذلك اليوم سيصبح ولا سلطان لأحد عليه. وأنه سيصبح من حقه أن (يفعل بنفسه) وجسده وعقله وماله ما يشاء. احترم دائرة الآخر، ودمّر حقلك على الطريقة التي تريد..!!

كثيراً ما نسمع الفتاة تهدد أمها التي تقترح عليها طريقة في اللبس أو في الكلام أو في الدخول أو في الخروج؛ أنها في اليوم الذي تبلغ فيه السن القانونية ستغادر مملكة التعليمات.

يقول لها أبوها: إن هذا الشاب أو هذا الزوج لا يصلح لك. تقول: إنها حياتي. ويؤيدها فيما تقول: النظام والقاضي والمحامون.

وما نقوله عن الصبايا نقوله عن الشباب. تقوله عن الرجل و عن المرأة، شعار: إنها حياتي. إنه جسدي. إنها أنا.. تصرخ أو يصرخ بها الشباب في وجه أبويه حتى وهو يوجهه إلى أن لفافة التبغ تضر بصحته. أو أنه من الضروري أن يلبس جرزة الصوف لأن اليوم بارد.

إن فلسفة الإشادة بفكرة الحرية المطلقة تقوم على حقيقة أن الحياة الإنسانية تفضل أن تقتات على حطام بعض البشر. والحرية المطلقة هي الطريقة الأقرب لترك بعض الناس يتطوعون بتحطيم أنفسهم وتدمير ذواتهم.

كل الخيارات السيئة أو التي يصنفها العقلاء سيئة حسب معايير الرشد العام هي بوصف ما مجرد خيارات ضرورية لدوران مسننات الحياة المتوازنة فيما يزعمون.

ولذا يسبقون أو يصرون على وقف تنميط أو تصنيف أشكال السلوك من خلال المدرسة والإعلام. ويكتفون بتمجيد الحرية فقط..

يقول صاحب السلعة نحن بحاجة إلى أجساد نساء تساعدنا على الترويج الاقتصادي. أجساد تلصق على سلع محددة بأوضاع محددة تدفع المستهلك إلى إخراج النقود. ويجب أن يتم ذلك بموافقة أصحاب العلاقة. تأمين احتياجات هذا التاجر هي جزء من مهمة من يسمون فلاسفة ومفكرين، والحرية هي المدخل المزخرف لكل عمل مشين. وعند هذا المثال نتوقف ونترك للمخيلة أن تذهب بعيداً في عالم الأخلاق وفي عالم الاقتصاد في عالم السياسة وفي عالم الثقافة..

الحرية كما يعبر هؤلاء هي الجسر الأساسي لإمداد المجتمع بحاجاته من كل النماذج الإنسانية التي يُطلب إليها أن تتوزع عن خيارعلى تأديه الأدوار..

ومقابل هذه النظرية. هناك نظرية تقول بأن الإنسان المخلوق من عجل هو دائماً بحاجة ليبقى تحت إشراف. وأن الحرية المطلقة ليست إلا حالة من الفوضى يمكن أن تنتهي إلى تمكين الإنسان من تدمير ذاته. والإنسان الراشد هو ذاك الإنسان الذي لا يسير وراء هوى نفسه..

الإنسان الذي يقف دائماً أمام المرآة الحقيقية. الإنسان الذي يخرج من رعاية الوالدين (الأسرة) ورعاية (المدرسة) ليدخل في رعاية عامة المجتمع. المسجد والصاحب (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)..

والحكم الرشيد في نظر هؤلاء، ليس هو الحكم الذي لا يتدخل إلا عندما ينهدم السور أو يُقتحم السياج. أو بمعنى آخر ليس هو النظام الذي يحمل العصا ليضرب بها عندما يتم الاختلال. وإنما هو الحكم الرفيق الرشيد الذي يضيف إلى وازع السلطان وازع القرآن، فيرشد ويعلم وينبه ويتعهد ويرفق ويشتد.. هو الحكم الذي يعرف أن له دوراً أكبر في حياة الناس. ليس السيطرة المباشرة على خياراتهم وإنما في رسم آفاقها وتحديد مجالاتها، وتقديم مدخلاتها ومراقبة مخرجاتها.

يقول ربنا تبارك وتعالى عن أبوينا وعن الشيطان: (وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ويقول (فدلاهما بغرور..).

هذا الغرور هو القياد الذي يقاد منه الإنسان المعاصر إلى حتفه حين يقال له أنت أنت..

=============================

مقتضيات الإيمان.. الصحوة الإيمانية والصحوة الإسلامية

د. الشيخ محمود عكام - موقعه الخاص

18/ 02/ 2010

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون:

أيها الأخ المؤمن المسلم، ها أنذا أقول لك:

أيها الأخ المسلم المؤمن، إذن ثمة إيمان وثمة إسلام، وعنوان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وعنوان الإيمان عليك أن تتعرف عليه، إذ الإيمان محله القلب، والإسلام منطلقه وعنوانه اللسان، فبمجرد أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فأنت مسلم، لكن ما الذي يمكنك أن تقوله لتكون مؤمناً ؟ وما الذي يجب عليك أن تفعله حتى تكون مؤمناً ؟ ربما ظن بعض الناس أنه بمجرد أن تقول آمنت بالله فقد غدوت مؤمناً، لا يا أخي، عندما تقول آمنت بالله فقد غدوتَ مسلماً، لأن قولك آمنتُ بالله يعني كأنك تقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، فالإسلام في الظاهر والإيمان في الداخل، ومن أجل أن تدلّ على إسلامك تقوم بالعبادات، مقتضيات الإسلام عبادات، من أجل أن تدلل على إسلامك تشهد أن لا إله إلا الله، وهذه للدخول في الإسلام، ومن أجل أن تثبت أنك مسلم تصلي وتصوم وتزكي وتحج، فقل لي بربك ما مقتضيات الإيمان، وكيف تثبت بينك وبين نفسك بأنك مؤمن ؟

هنا تكمن المشكلة، كلنا يقوم بما يقتضيه إسلامه من عبادات، لكن لا يفكر بالذي يقتضيه ويطلبه منه إيمانه، ما الذي يطلبه منك إيمانك، وما الذي يقتضيه منك إيمانك حتى تدلل بينك وبين الآخرين على إيمانك ؟ أنت مسلم لأني أراك تصلي وتصوم وتحج وتعتمر وتذهب لتشتري الشيء المشروع بطريقة مشروعة، حسناً أنت مسلم، ولكن إن سألتك هل أنت مؤمن ؟ ستقول نعم، دلِّل على هذا الذي تقول. ستقول لي وستخلط بين مقتضيات الإسلام ومقتضيات الإيمان، ستقول لي: أصلي وأصوم وأقرأ القرآن وأذهب إلى الحج والعمرة. أقول لك هذه دلائل الإسلام ومقتضيات الإسلام، هنالك مقتضيات للإيمان نحن في غيابٍ عنها ولا نفكر فيها على أنها مقتضيات الإيمان ودلائل الإيمان، أتريدون أن تعرفوها أيها الإخوة ؟ خذوا أنموذجاً عنها، اسمعوا ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الحديث الصحيح: (لا إيمان لمن لا أمانة له) أتريد أن تعرف فيما إذا كنت مؤمناً أم لا، أنظر أمانتك، هل أنت أمين ؟ إذا كنت أميناً فأنت مؤمن: (لا إيمان لمن لا أمانة له).

أتريد أنموذجاً آخر ؟ خذ هذا الحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وآله وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه) أي لا يأمن جاره ما يمكن أن يصدر عنه من أذى.

خذ نموذجاً ثالثاً: (والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم).

خذ مثالاً رابعاً: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحدَّث عن مقتضيات الإيمان: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

خذ مثالاً خامساً سادساً سابعاً: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) مقتضيات الإيمان أخلاق: ﴿إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون﴾ إذا كذبت فلست بمؤمن، وإذا صدقت فصدقك دليل إيمانك: ﴿إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون﴾ نحن نُعنى بمقتضيات الإسلام وأحكامها الشرعية المفضلة، يأتيني من يأتيني ويسألني ما حكم الصلاة إذا فعلت كذا أو تركت كذا أو عملت كذا أو قمت بكذا ؟ يجيبه المسؤول فيقول له هنا ارتكبت مكروهاً تحريمياً، فَسَدت صلاتك، صحَّت صلاتك، يلزمك سجود السهو، تحتاج إلى كذا... ماذا عليَّ لو وضعت قطرةً في عيني، هل أفطر ؟ أحكام مقتضيات الإسلام متقنة عندنا، وتُدَرَّسُ عبر التلفاز وفي المساجد والمكاتب، لكن مقتضيات الإيمان لا نتحدث عن أحكامٍ ينبغي أن نطبقها كما نطبق مقتضيات الإسلام شبراً بشبر وذراعاً بذراع. هل تعرف أحكام الصدق التفصيلية كما تعرف أحكام الصلاة ؟ كل الناس يشرع في تدريس الناس أحكام الصلاة وأحكام الزكاة وأحكام الجهاد وأحكام الحج والعمرة، وهذا جميلٌ وجيد، لكن الإيمان أهمّ من الإسلام، هنالك مسلمون غير مؤمنين لا قيمة لإسلامهم، والعبرة للإيمان وليست العبرة للإسلام، أعود لأقرر أمراً ينبغي أن نعرفه جميعاً: هنالك إسلام وإيمان، الأهم بين الأمرين هو الإيمان، مقتضيات الإسلام عبادات، وهي ضرورية، ولكننا في غيابٍ عن مقتضيات الإيمان، ومقتضيات الإيمان أخلاق، الصّدق من مقتضيات الإيمان، إن لم تكن صادقاً فلست بمؤمن، الأمانة من مقتضيات الإيمان، إن لم تكن أميناً فلست بمؤمن، قد تكون مسلماً ولكنك لست مؤمناً.

حسن الخلق من مقتضيات الإيمان، فهل عرفتم أو أردتم التعرف على تفاصيل أحكام الإيمان، وأحكام ما يقتضيه الإيمان ؟ إذن فأنت في طريق الإيمان وأنتم من يُطلَق عليكم وتستحقون لقب وصفة مؤمن، وإلا فلا، مُصَلٍّ ويكذب بغضّ النظر عن حجم الكذبة، صغيرة كانت أو كبيرة، المهم أنه خَدَشَ إيمانه كما تبطل الصلاة بقليلٍ من الأفعال المنافية للصلاة، فإن الإيمان يبطل وإن الصدق يبطل أيضاً بقليلٍ من الكذب، كما أن الماء ينجس بقليلٍ من النجاسة فإن الصدق يبطل بقليلٍ من الكذب، سأقول لكم قولاً وجدته للفضيل بن عياض: "لأن يصحبني فاسقٌ حسن الخلق أحبُّ إليَّ من أن يصحبني عابدٌ سيء الخلق". عابدٌ قام بمقتضيات الإسلام لكنه لم يقم بمقتضيات الإيمان، وذاك الفاسق لم يقم بمقتضيات الإسلام، لكنه قام بمقتضيات الإيمان، فإن الفُضيل يقول: لأن يصحبني هذا الذي قام بمقتضيات الإيمان أحب إليَّ، ونحن نطالب المسلم بكلا الأمرين، لكننا تكلمنا كثيراً عن مقتضيات الإسلام وأحكامها الفقهية ولم نتكلم إلا القليل القليلَ على سبيل القصة والخبر لا أكثر ولا أقل، عن مقتضيات الإيمان وأحكامها الشرعية التكليفية، أنت مأمورٌ بالصلاة، لكنك مأمورٌ بالصدق أكثر كما تشعر بفريضة الصلاة وعندما ترى إنساناً لا يصلي تقول عن هذا بأنه ترك ركناً من أركان الإسلام، فإذا ما رأيت إنساناً يكذب فقل عنه وعن نفسك إن كنت ذلك الشخص لقد ترك ركناً من أركان الإيمان، وإذا ما ترك الإنسان ركناً من أركان الإيمان انهارَ الإيمان وانهيار الإيمان أخطر عليك من انهيار الإسلام.

لذلك ذكرت لكم مرة حديثاً على هذا المنبر، جاء في مسند الإمام أحمد يقول فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعِفةٌ في طعمة) هذه مقتضيات الإيمان، انظر هل هذه الأربع فيك ؟

أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة: هل أنت ممن يحفظ الأمانة ؟ وهل أنت أمين على ما ائتُمنت عليه ؟ هل أنت أمينٌ على أولادك ؟ هل أنت أمينٌ على أبيك ؟ هل أنت أمينٌ على محافظتك أيها المحافظ ؟ هل أنت أمينٌ على دولتك أيها الرئيس ؟ هل أنت أمينٌ على دائرتك أيها المدير ؟ هل أنت أمينٌ على وزارتك أيها الوزير ؟ هل أنت أمينٌ على عيادتك أيها الطبيب ؟ هل أنت أمينٌ على طلابك أيها المدرّس ؟ هل أنت أمينٌ على ثكنتك أيها الجندي ؟ وهكذا دواليك... أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: (حفظ أمانة)، (لا إيمان لمن لا أمانة له) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح.

أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة وصدق حديث: يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (اصدُقوا إذا حدَّثتم) تأتي مساءً أنت لترى فيما إذا كنت قد صليت الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، أو صليت الأوقات كلها لكن هل تنظر فيما إذا كنت قد كذبت في يومك هذا في مرة أو مرتين أو ثلاث مرات ؟ نحن أمة تعيش أحياناً على الكذب، الصغير يكذب، والكبير يكذب، والوسط يكذب، وهذا يكذب، والرجل يكذب، والمرأة تكذب، والمدرس يكذب، والطالب يكذب، وهذا يتمارض، وهذا يتظاهر، وهذا يظهر أنه في حالة كذا وليس هو في حالة كذا: (اصدُقوا إذا حدّثتم) بلسانكم أو بحركتكم.

حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة: وقلت لكم وأكرر فيما يخص حسن الخليقة، أريد في حسن الخليقة أن تنظروا إلى أمورٍ هي التالي، وقد جاءت عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: (صِلْ مِن قطعك، واعفُ عمَّن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك) هذه هي جِماعُ حسن الخليقة، فهل أنت تصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتحسن إلى من أساء إليك حتى تكون مؤمناً ؟ هل تفعل هذا بالله عليك ؟ حدثت من معي وأنا في طريقي إليكم قلت: إننا نعيش اليوم تشاحناً على أبسط وأبخس الأشياء المادية، وبعد ذلك ونحن في هذه المعمعة التي توسم بالشحناء والبغضاء يُؤذّن للظهر فنقوم لنصلي، ونقول الله أكبر، ويقف أحدنا ليكون إماماً، نصلي ونحن مسلمون لكننا نفقد الإيمان لأننا لا نرعى مقتضياته في لقاءاتنا: (صِلْ من قطعك، واعفُ عمَّن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك).

حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفةٌ في طعمة: عفةٌ في طعمة، أتريد أن تكون مؤمناً وتدلل على أنك مؤمن ؟ انظر نظافة يدك، انظر طهارة اللقمة التي تضعها في فمك، اجتهد في أن تكون عفيفاً في طعمتك: (طوبى) كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الطبراني بسندٍ صحيح (طوبى لمن طابَ كسبُه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعَزَلَ عن الناس شره) هذه مقتضيات الإيمان، عايِروا أنفسكم على أساسها، حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفةٌ في طعمة، هذه الأمور التي قال عنها سيدي وسيدك وقائدي وقائدك وملهمي وملهمك ومولاي ومولاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفةٌ في طعمة) هذه أهم مقتضيات الأخلاق، أنت تصلي لأنك مسلم فلماذا تكذب ؟ ألأنك تريد ألا تكون مؤمناً ؟ أنت تصوم لأنك مسلم فلماذا لا تحفظ الأمانة ألأنك لا تريد أن توسم بالإيمان، وأنت الذي إذا قلت لك هل أنت مؤمن قلت بملء فيك نعم أنا مؤمن، لكني سأجيبك لا، لست مؤمناً، ليس الإيمان كلاماً، وليس الإيمان فكاهة، وليس الإيمان ادّعاءاً، وليس الإيمان حركة لسان، وليس الإيمان خطبة تلقيها على مَنْ أمامك. الإيمان سلوك يصدّقه العمل، والعمل في أعلى صوره خُلق، وحسبي هذه الآية أن تكرروها على مسامعكم: ﴿إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون﴾ المنافق مسلم بحسب الظاهر، ويُعامَل معاملة المسلم، لكنه أبداً ليس بمؤمن لأنه لم يقم بأهمّ مقتضيات الإيمان، وهو الصدق، المنافق كذاب: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) لم يقم بمقتضيات الإيمان، وبالتالي لا يمكن أن يكون مؤمناً قام بمقتضيات الإسلام، شهد أنه لا إله إلا الله، صام وصلى واعتمر وحج وزكى، لكنه لم يقم بمقتضيات الإيمان، ولننتبه لهذه النقطة الهامة جداً، ذهبت إلى دولةٍ فلم أجد مقتضيات الإسلام فيها، وهي دولة مسلمة، لم أجد الصلاة كما أجدها هنا، ولم أجد الازدحام على الصلاة كما أجده هنا، زرت مدينةً هناك تكاد تماثل حلب في عدد سكانها، وتكاد تماثل حلب في مساحتها، بيد أن المساجد التي فيها لا تتجاوز خمسة وثلاثين مسجداً، أتدرون كم عدد المساجد في حلب ؟ عدد المساجد في حلب تتجاوز الألف، مقتضيات الإسلام رائعة في حلب، لكنني وجدت في تلك البلدة مقتضيات الإيمان مُطبّقة، النظام سائد على الجميع، الهدوء، النظافة من الإيمان، وهذا ليس حديثاً لكنه مقوله معتبرة، انظروا شوارعكم هل شوارعنا يمكن أن تعبّر عن إيماننا ؟ هل مساجدنا يمكن أن تعبّر عن إيماننا ؟ وجدت مقتضيات الإيمان، الصدق، وجدت الناس يصدقون في تعاملهم، وجدت الأمانة فيما بينهم، وجدت العلاقات الطيبة، وجدت حسن الخليقة، وجدت حسن التعامل فيما بينهم، وهنا مظاهر الإسلام وتجلياته من أروع ما يكون، وها هو هذا الإنسان صديقي يقول لي ما شاء الله المساجد تمتلئ في حلب.

قلت لهؤلاء لإخوتنا في تلك الدولة في النهاية عندنا صحوة إسلامية وعندكم صحوة إيمانية، وأهم الصحوتين الصحوة الإيمانية، والصحوة الإسلامية من دون صحوة إيمانية كشجرة تضعها في أرضٍ رملية لن تستمر ولن تستقر ولن تثمر، وأما الصحوة الإيمانية فهو الجذر الصحيح القوي في التربة الخصبة. عندنا صحوة إسلامية ظاهرة، كلنا يقول ما شاء الله المساجد في رمضان عامرة، صلاة التراويح، كلكم يحافظ عليها عشرين ركعة، شيء جميل، ولكن حدثوني عن الصوم والصيام الذي عرّفناه، من منا يصوم صياماً ومن منا يصوم صوماً ؟ من يحافظ على أن يصوم صوماً فلا يكذب ولا يخون ولا يتكلم بكلام فاحش ولا يسب ولا يشتم: (فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يفسق فإن سابَّه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم).

صحوة إسلامية ظاهرية، لكننا نحتاج إلى صحوة إيمانية تتجلى في أسواقنا ومديرياتنا وشوارعنا وعلاقاتنا وفيما بين الإخوة وفيما بين الموظفين وفيما بين هذا وذاك، لن أعيد ما ذكرته لكم من هذه المظاهر التي نراها في بلادنا هنا.

الجريمة تستفحل يوماً بعد يوم، بالأمس أُعدم شخصٌ قتل عمته، وقبله أُعدم شخصٌ قتل جدته، وقبلها أُعدم رجلٌ قتل بائعاً يريد أن يسرقه، وهكذا الدعارة منتشرة، والمساجد منتشرة، هذه المساجد لم تقضِ على الدعارة لأن المساجد تحوي صحوة إسلامية ولا تحوي صحوة إيمانية، فهيا إلى الصحوة الإيمانية، هيا إلى الأخلاق، هيا إلى الجذر في القلوب، فقل ما قاله يوسف عليه السلام أيها الشاب: ﴿معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي﴾ هيا أيها التاجر لتكون مع النبيين من خلال صدقك ومن خلال وعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لك: (التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) هيا إلى الصدق والأمانة والعفة وحسن الخليقة وإنا لمنتظرون، وأسأل الله أن يوفقنا لنكون على مستوى صحوةٍ إيمانية، وعلى مستوى تفكر وتفكير جادّ بمقتضيات الإيمان، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ