ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 17/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مرحلة جديدة للمشروع الصهيوني

السفير

16-2-2010

الياس سحاب

سواء وردت في أحد النصوص الاستراتيجية للحركة الصهيونية، قبل قيام دولة إسرائيل أو بعد قيامها، عبارة صريحة تشير الى المنطقة الواقعة بين نهري الفرات والنيل، كموقع لأرض إسرائيل التوراتية، أو لنفوذ إسرائيل السياسي، سواء وردت هذه العبارة في وثيقة صهيونية استراتيجية ام لم ترد، فإن واقع الممارسة الاستراتيجية والتكتيكية للكيان الصهيوني في مطلع العقد الثاني من القرن الجديد، يشير الى دخول هذا الكيان مرحلة جديدة من نفوذه السياسي في المنطقة العربية، أطلقها في حرب حزيران من العام 1967، ولم تتوقف مفاعيلها حتى اليوم، بل دخلت على العكس من ذلك مرحلة قطف الثمار السياسية والاستراتيجية الناضجة لتلك الحرب، وهي مرحلة يمكن أن نطلق عليها عبارة «نفوذك يا إسرائيل، من الفرات الى النيل».

إن المؤشرات الأولى لهذه المرحلة تتجاوز برأيي ما أسماه وزير الخارجية السورية «الزعرنة الدبلوماسية». إن اللهجة السياسية التي بدأ يتحدث فيها منذ مدة رئيس وزراء اسرائيل (نتنياهو)، ووزير خارجيته (ليبرمان) ونائب وزير خارجيته (أيالون)، تتجاوز «الزعرنة» أو «الوقاحة» الى ما هو أخطر، وأكثر جدية، الى ما يمكن وصفه بعبارة «خذوا أسرارهم من متطرفيهم»، وليس من صغارهم.

فعندما يؤكد رئيس وزراء الكيان الصهيوني «أننا باقون في المستعمرات، كما في القدس، الى الأبد»، وعندما يعبر بصراحة عن عدم ارتياحه لوجود حزب سياسي معين في الحكومة اللبنانية، وعندما يهدد وزير خارجية الكيان الصهيوني سوريا بهزيمة ساحقة تسقط النظام فيها، وعندما يتصرف نائب وزير خارجية الكيان الصهيوني باستعلاء مع سفير تركيا (الدولة الإقليمية الكبرى في المنطقة)، ويحرج مسؤولا سعوديا حتى يضطره لمصافحة علنية، عندما تتراكم هذه التصرفات والتصريحات واحدا اثر الآخر، فإنها تتكامل لتقدم لنا مشهدا استراتيجيا جديدا.

فإذا استكملنا هذا المشهد الإسرائيلي، بمشهد آخر، على المقلب العربي للصراع، فإننا نشاهد انسحابا كاملا للأنظمة العربية من الصراع، منذ اتفاقيات كامب دافيد بين مصر وإسرائيل، حتى يومنا هذا، في مقابل استفحال الخطط الصهيونية العملية للاستيلاء على القدس، وعلى ما تبقى من فلسطين، ونشاهد حصارا مصريا رسميا لقطاع غزة، في مقابل الحصار الاسرائيلي الخانق لها. ونسمع أحد أبرز الناطقين باسم النظام المصري، يصرح علنا بأنه أصبح من المفهوم ضمنا، أنه لا يمكن أن يترشح لرئاسة مصر، سياسي لا يحوز الموافقة الأميركية والرضى الاسرائيلي، ولا يرتفع أي صوت مصري رسمي يعدل أو يصحح أو ينفي أو يعترض. وعندما تكشف لنا أخبار العراق يوما بعد يوم، ومنذ فترة طويلة، عن استفحال وجود الموساد الإسرائيلي في مفاصل الحياة السياسية العراقية، ووجود المستثمرين الإسرائيليين في مفاصل الاقتصاد العراقي. وعندما يكرر رئيس السلطة الفلسطينية بمناسبة وبغير مناسبة، أنه أسقط من يده كل أوراق القوة الفلسطينية، ولم يعد يعتمد على غير التفاوض المجرد من أي ورقة قوة. عندما تتكامل هذه الصورة في المشهد العربي، المواجه للمشهد الاسرائيلي، تصبح أمامنا مؤشرات عديدة، شديدة الوضوح، وعميقة الجدية والخطر، تشير الى انه ليس بالضرورة لاكتمال المشروع الصهيوني الاستعماري أن تكون «أرضك يا إسرائيل، من الفرات الى النيل»، يكفي، بدلا عن ذلك، تثبيت سيطرة اسرائيل على فلسطين التاريخية بكاملها (سواء منحت ما تبقى من شعب فلسطين في تلك الارض، وضعا إداريا، ام لم تمنحه)، وتمد من هناك، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والتعاون معها، نفوذا استراتيجيا، لا يشمل فقط المنطقة الواقعة بين الفرات والنيل، بل يتجاوز ذلك بما يتيح تعاملا استعلائيا مع قوى إقليمية كبرى، مثل تركيا وإيران.

إننا بلا شك أمام مرحلة جديدة تماما في عمر المشروع الصهيوني الاستعماري، لم يعد يفاجئنا فيها تكرار المصافحات بين هذا المسؤول العربي، وذاك المسؤول الاسرائيلي، ولا زيارة هذا الوزير الاسرائيلي لدولة عربية يفترض أنها لم تعلن بعد اعترافا رسميا بدولة إسرائيل، بحجة أن الامر يتم في إطار مؤتمر دولي، علينا ان نتصرف فيه كعرب، كما تتصرف الأمم المتحضرة، ولو بالتنازل عن الحقوق، وعن الكرامة الوطنية والقومية.

إنها مرحلة جديدة تماما، لم يعد يفيد فيها التنديد بهذا التصرف العربي أو ذاك، وبهذا التصريح العربي أو ذاك. إنها مرحلة مستمرة، على ما يبدو، حتى ظهور مشروع عربي جاد، بين المحيط والخليج، يقف على قدميه معبراً عن هوية المنطقة وعمقها التاريخي، وعن كامل حقوقها وطموحها الى المستقبل، في مواجهة مطامع المشروع الصهيوني الاستعماري، الذي لم يعد حريصا على تغطية أي من مطامعه، حتى بورقة التوت.

============================

قفص التنين!

المستقبل - الثلاثاء 16 شباط 2010

العدد 3569 - رأي و فكر - صفحة 19

نظام مارديني

يصرّ الرئيس الأميركي باراك أوباما على اللعب داخل قفص التنين، فهو مستمر في صب المزيد من الزيت على نار العلاقات المتوترة أصلاً بين واشنطن وبكين. وهاهو يستعد لعقد اللقاء مع الدلاي لاما الزعيم الروحي للتبت منتصف الشهر الجاري، وإذا ما حصل هذا اللقاء فسيكون بمثابة "الهدية الملغومة" التي تقدمها الإدارة الأميركية للصين في غمرة احتفالاتها بعام النمر وفق التقويم القمري الصيني.

وللتذكير فإن أوباما كان قد أحجم عن لقاء الدلاي لاما في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لتجنب إزعاج الصين قبيل زيارته لبكين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مما عرض الرئيس الأميركي لحملة انتقادات لاذعة داخل الولايات المتحدة اتهمته بالرضوخ لمطالب الصين على حساب "قضايا إنسانية وأخلاقية أميركية".

وليس من المصادفة ان الشعب الصيني عبّر عن تشاؤمه من هذا العام، ويتوقعون أن يحمل معه الكثير من التوترات على صعيد العلاقات الصينية الخارجية وخصوصاً مع الأميركيين، حيث ستكون التاء المكعب (تايوان تبت تجارة) عناوينها الرئيسية.

وكما يبدو فإن إدارة أوباما لا تكترث للتهديدات الصينية التي حذرت من أن الدخول في قفص التنين ليس كالخروج منه، لذلك سيشكل عقد اللقاء بين الدالاي لاما وأوباما ضرراً بالغاً في العلاقات بين البلدين، وهو الأمر الذي أكده جو وي تشون نائب رئيس جبهة العمل الوطني الموحد بالحزب الشيوعي الصيني، (الجهة المعنية بإدارة شؤون الأقليات القومية)، أن مثل هذا اللقاء سيضر بالتعاون والثقة بين الجانبين. وقد لمح المسؤول الصيني بتساؤل لا يخلو من تهديد مبطن: "كيف سيساعد ذلك الولايات المتحدة في الخروج من تبعات الأزمة المالية؟". وفي ذلك إشارة إلى أن بكين لم تحدد من جانبها الإجراءات التي قد تتخذها في ذلك الحين، وقد تركت الباب موارباً أمام المزيد من التكهنات في ضوء إقدامها على خطوات غير مسبوقة كتلويحها بفرض عقوبات على شركات أميركية رداً على صفقة الأسلحة الضخمة التي تنوي واشنطن بيعها لتايوان.

بطبيعة الحال قد لا تكتفي الصين بإلغاء بعض الزيارات واللقاءات المقررة لمسؤولي البلدين بما في ذلك الزيارة المزمعة للرئيس الصيني هو جينتاو إلى واشنطن في أبريل/نيسان القادم. إلا أنها تبعث برسائل من خلال القول إن اللقاءات التي تجريها شخصيات دولية مع الدلاي لاما تعد تدخلاً فظًّاً في الشؤون الداخلية الصينية لكون بكين لا ترى في الدلاي لاما شخصية دينية وروحية فقط بل تعتبره ناشطاً سياسياً يسعى إلى الانفصال وتجزئة الوطن.

إن تشديد بكين لموقفها الرافض لمثل هذه اللقاءات كرسته في أعقاب أحداث العنف التي شهدها إقليم التبت عام 2008، حيث قامت بإلغاء قمة صينية أوروبية احتجاجًا على لقاء بين الدلاي لاما والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عندما كانت بلاده ترأس الاتحاد الأوروبي. غير ان هذا الضغط تجاه تعامل الغرب مع الدالاي لاما لم يمنع الصين من فتح حوار مباشر مع ممثلين شخصيين عن زعيم التبت بلغت تسع جولات منذ عام 2002 كان آخرها الأسبوع الماضي بعد توقف دام أكثر من عام.

وما يقلق الحكومة الصينية هو إصرار الدلاي لاما على الحصول على ما يسميه حكماً ذاتياً حقيقياً لإقليم "التبت الكبير" الذي يشمل إلى جانب التبت أيضاً إقليم تشينغ خاي وجنوب إقليم غانغسو وغرب إقليم ستشوان وشمال غرب إقليم يونان، حيث تعيش أقليات تبتية على مساحة تشكل ربع مساحة الصين تقريبا وهو الأمر الذي ترفضه بكين رفضاً قاطعاً. بل ولا تسمح حتى التفكير به.

لا شك أن طبيعة الرد الصيني وقوته ستحدده طبيعة اللقاء نفسه وما إذا كان الرئيس الأميركي سيلجأ إلى حل وسط يرضي أوساطًا أميركية نافذة ولا يزعج الصين كثيراً وهو أن يكون اللقاء بعيداً عن كاميرات وسائل الإعلام. لكن مراقبين آخرين يرون أن المعارضة الصينية هذه المرة هي معارضة مبدئية بغض النظر عن شكل اللقاء، فالصين ترى نفسها قوة إقليمية صاعدة تمتلك الكثير من أوراق القوة والضغط مما يؤهلها لفرض تحول إستراتيجي وفرض أسس جديدة في علاقتها بواشنطن تقوم على الندية الكاملة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

============================

الجوكر ونار القش

حياة الحويك عطية

الدستور

16-2-2010

هل ما تزال الولايات المتحدة وفرنسا بحاجة الى المحكمة الدولية بشأن لبنان؟ هذا السؤال تطرحه جريدة لوموند الفرنسية ، مضيفة ان تحسن العلاقات بين فرنسا وسوريا من جهة ، وتطورها نحو التحسن بين الولايات المتحدة وسوريا ، قد يجعل من موضوع المحكمة الدولية جزءا من الماضي. غير ان مجموعة حل الازمات الدولية (كريزس غروب) ترى ان هذا التطور لا يلغي الحاجة الى المحكمة ، بل ان الدولتين الغربيتين ستبقيانها ورقة جوكر على كل طاولة لعب تجمعهما مع سوريا. في حين يرى بعض الخبراء في هذه المجموعة ان المسالة خرجت عن دائرة القرار السياسي ، وتحولت الى السياق القضائي.

 

واذا كان القاضي الكندي يعتصم بحبل السرية الكاملة في تحقيقاته ، فان الكثيرين يتوقعون الا يتمكن من التوصل الى شيء مهم ، لاسباب عديدة منها عدم توفر الادلة ، ومنها انه يمارس وسائل تحقيق كندية على ارض مختلفة وهو لا يملك السلطة عليها ، ومنها ان المحكمة نفسها اصيبت بالضعف نتيجة الاستقالات المتتالية في صفوف قضاتها ومحققيها.

 

فهل هناك من لا يريد للمحكمة ان تؤدي الى نتيجة ، كي يبقى الجوكر على الطاولة؟ واذا كان التوظيف السياسي هو الاساس في هذه القضية ، فهل ان الهجمة التي استهدفت سوريا في السنوات الاربع الاولى ، غيرت وجهتها الان ، وتحديدا منذ خبر دير شبيغل ، لتستهدف حزب الله؟ بل ان الضغوط التي ستمارس على سوريا ، ستضع في اول قائمتها مسالة سلاح المقاومة في لبنان. ولا يحتاج الامر الى الكثير من التحليل لادراك ذلك ، اذ تكفي متابعة الصحافة اللبنانية وخطب السياسيين المعروفين بهواهم الاميركي الغربي ، لنرى ان كلمة سلاح المقاومة قد علقت الان بالسنتهم وازاحت كل مطلب اخر ، في تناغم عجيب يبدو معه وكان سلكا كهربائيا قد مس الجميع معا. وقد عبر الوزير الماروني بطرس حرب بعد يومين من زيارة السفيرة الاميريكية لمنزله ، عن ذلك بصراحة قائلا على شاشة نيوتي في: هدفنا الان هو سلاح حزب الله وسنظل نناضل حتى ازالته.

 

وفي حين يتبرع اقطاب 14 اذار لتبرير تحول الرئيس سعد الحريري نحو دمشق بتركيزهم جميعا على نقطة واحدة مشتركة: ان سوريا قد تغيرت ، ولذلك تغيرنا. فان هذا التبرير هو ابعد من مجرد تبرير التحول ، بل انه يتجاوزه الى اصدار صك براءة بشان سوريا ، ووضعها خارج دائرة الخصومة ، في عملية عزل مبرمجة لحزب الله.

 

بالمقابل يعتمد الحزب سياسة التهدئة ، خاصة وان تحسن علاقته مع الرئيس الحريري تعيد الامل بتنسيق اشبه بذلك الذي كان قائما بين حسن نصرالله وبين الحريري الاب.

 

غير ان سببا اخر يكمن وراء التهدئة ، هو حالة الترقب التي يعيشها الجميع ، محليا واقليميا ازاء تطورات العلاقة الايرانية السعودية ، فاذا اتجهت نحو الهدوء ، كما حصل بين السعودية وسوريا ، وضعت الخطابات المتشنجة في الدرج وعدنا الى ايام الحريري الاب ، واذا توترت اكثر تصاعدت الحدة. غير ان المخيف في الامر ان العلاقة الايرانية السعودية تخضع بدورها للعلاقة الاميركية الايرانية ، وهذا ما لا يمكن التنبؤ بتحولاته ، على الاقل حتى ما بعد الانتخابات العراقية ، وتطورات افغانستان ، وبالطبع تطورات النووي الايراني ، الذي يشكل الى جانب قضية المقاومة على الارض العربية اول هواجس اسرائيل التي لم يضعف نفوذ لوبيهاتها في الغرب.

 

واذا كانت السياسة الاميركية الديمقراطية لا تتجه نحو ارسال الجيوش الى اي بقعة جديدة في العالم العربي ، فالبديل قد يكون بتكليف اسرائيل بهذا الدور ، او - وذاك هو الارجح - بالعمل على اثارة فتن داخلية واقتتال لا يحتاج لاكثر من عود ثقاب في اكوام القش التي تجففها وتضخمها خطابات الشحن.

============================

رهانات أميركية على إيران

الثلاثاء, 16 فبراير 2010

مصطفى زين

الحياة

عندما تأكدت الولايات المتحدة عام 1978 من أن نظام الشاه محمد رضا لن يصمد أمام ملايين المتظاهرين، يحركهم الخميني من منفاه الفرنسي، ومن أن حليفها الأهم، بعد إسرائيل، في الشرق الأوسط، اصبح عالة عليها، لا تستطيع إنقاذه لا سلماً ولا حرباً، لم يبق أمامها سوى المراهنة على بعض الثوار يؤسسون نظاماً جديداً يتخذ الإسلام شعاراً، ويشكل حلقة في سلسلة الدول الإسلامية المناهضة للاتحاد السوفياتي، خصوصاً بعدما استطاع حلفاء موسكو الأفغان السيطرة على الحكم في كابول.

كان رهان واشنطن منطلقاً من عجز عن التأثير في مجرى الحدث أولاً، وغباء في قراءة الإسلام السياسي، ثانياً. وأملت بأن يسيطر التيار الأشد شوفينية قومياً، والأقرب إلى ما عهدته في الأنظمة المتحالفة معها ليكون مادة للتصدير إلى الدول الإسلامية السوفياتية المجاورة.

لكن الفوضى التي أعقبت الثورة أسفرت عن انتصار التيار الأكثر راديكالية والمؤمن بتطبيق نظرية الخميني في ولاية الفقيه، وفي الانفتاح على الدول العربية و"تثويرها" من خلال مساندة الشعب الفلسطيني، والعداء لإسرائيل.

فشل رهان واشنطن في تحويل الثورة سلماً إلى نظام إسلامي حليف، فلجأت إلى خيار آخر: دعمت نظام الرئيس الراحل صدام حسين لتغيير المعادلة، مستغلة خوفه وخوف غيره من شعار "تصدير الثورة" الذي رفعه الحكم الجديد في طهران. حكم لم تمنعه الأيديولوجيا الدينية المعتمدة على الغيب من التعامل مع الواقع وتغييره أيضاً. عرف أنه ورث قوة إقليمية عظمى، كانت شرطي الخليج، فحاول ويحاول الحفاظ على هذا الموقع، مع تغيير في التوجهات السياسية.

بعد 31 سنة على الثورة، وبعد محاولات أميركية لا تحصى لتغيير توجهاته، يبدو النظام الإيراني أكثر راديكالية، لكن التحولات داخل المجتمع تنحو منحى آخر. منحى يعبر عنه متظاهرون، بعضهم كان من أعمدة النظام، وبعضهم من الجيل الجديد المتطلع إلى حياة بعيدة من الشعارات والتعبئة الدائمة ضد الغرب. لكنه لم يجد بعد برنامجاً متكاملاً يعبر عن تطلعاته. أما قادته ورموز تحركه، مثل محمد خاتمي وحسين الموسوي ومهدي كروبي، فكل ما يستطيعون تقديمه إليه شعارات إصلاحية لا ترمي إلى إرساء نظام مختلف كثيراً عن النظام القائم، إلا إذا تطورت الحركة وجاهرت بالتقرب من الولايات المتحدة وهنا ستكون نهايتها، إذ أن القمع سيصبح مبرراً اكثر، وستفقد القدرة على تحريك الشارع الذي ما زالت توجهاته مضادة للغرب عموماً، ولواشنطن خصوصاً.

والواقع أن التظاهرات والاحتجاجات والمطالبة بالإصلاحات أعطت أميركا وحلفاءها فرصة ثمينة، فبعدما كانت مضطرة إلى شن حرب من الخارج أو توجيه ضربات مدمرة إلى المفاعلات النووية أملاً بإحداث فوضى تؤدي إلى تغيير النظام، بدأت مرحلة انتظار والتلويح بعقوبات قاسية تؤثر في حياة الناس العاديين كي يزيدوا الضغط على الحكم. والتغيير المطلوب والمرغوب أن يبقى الحكم إسلامياً، متصالحاً معها، حامياً لمصالحها، حتى لو كان أكثر استبداداً من النظام الحالي.

============================

عن هذا المحيط الثقافيّ ونقده الدارج

الثلاثاء, 16 فبراير 2010

حازم صاغيّة

الحياة

تشي الانتقادات التي وُجّهت إلى أمين الجميّل وفؤاد السنيورة، وخصوصاً إلى سمير جعجع، بمعانٍ كثيرة تتجاوز موضوعات النقد ذاته أو أشخاص النقّاد أنفسهم. وهي تتجاوزهم إلى منظومة ثقافيّة كاملة ليس لبنان سوى مسرح صغير، وإن كان معبّراً، من مسارحها.

فخطباء ذكرى اغتيال رفيق الحريري هؤلاء يمكن توجيه ألف نقد إليهم إلا هذا الذي أُجمع على نشره وتعميمه: أنّهم «خرقوا» الإجماع و «فاجأوا» وقالوا ما لا يجوز قوله. لقد قُدّموا كما يُقدّم الفضائحيّون ممّن يخالفون الأخلاق السائدة والأعراف الشائعة.

ومعنى ذلك أنّ المطلوب من المذكورين أعلاه، وعلى ما تروي نكتة شهيرة، أن يقولوا: لقد قضى الرجل بضربة شمس أو بلسعة كهرباء، وكلّنا في النهاية إخوان. فهذه هي الترجمة الإنشائيّة الوحيدة، الممكنة والمقبولة، لواقع «حكومة الوحدة الوطنيّة» ولمحاولة استعادة «الإجماع على المقاومة»، وربّما في غدٍ على «تلازم المسارين» و «الشعب الواحد في دولتين». وممكنٌ أيضاً، بل مطلوب ومرحّب به، تشديد الحملة على الولايات المتّحدة وطبعاً على إسرائيل.

على هذا النحو تُفتَح «الصفحة الجديدة»، من دون أن نعرف ما هي بالضبط الصفحة القديمة التي طُويت. وعندها لا يعود مستبعَداً تطويب سمير جعجع المطران كبّوجي الزمنيّ، أو رسم فؤاد السنيورة حفيداً أصيلاً لجمال عبدالناصر. ذاك أنّ كلّ تحديد مرفوض وكلّ تعيين مدان وكلّ تسمية من عمل الشيطان.

ما لا شكّ فيه أنّ «ثقافة سياسيّة» كهذه لا تنتج إلا الكذب والكذّابين، والنفاق والمنافقين، والانتهازيّين الذين يُظهرون عكس ما يضمرون. وهذا عليه اليوم، في لبنان وفي غيره، طلب كثير.

في محيط ثقافيّ كهذا، عماده الإجماع الكاذب، يمكن أن نفهم الشجاعة الاستثنائيّة والخارقة لأشخاص كالحبيب بو رقيبة حين رأى، منذ أواسط الستينات، أنْ لا بدّ من العودة إلى قرار تقسيم فلسطين، أو كأنور السادات الذي اكتشف، في أواخر السبعينات، عقم استئناف الحروب وأهميّة اتّباع نهج مغاير لكلّ ما عهدناه وألفناه. إلا أنّ أمثال هؤلاء نادرون في مجتمعاتنا.

فالثقافة التي نحن في صددها لا تحتمل شيئاً يتعدّى الاستماع إلى صدى صوتها. وهذا الصدى قد يكون عروبيّاً أو إسلاميّاً، بعثيّاً أو يساريّاً، فهذه حدود الاختلاف الممكن. غير أنّ الخلاصات ستكون واحدة في آخر المطاف، بحيث تضيف تنويعات إلى المعادلة إيّاها: نحن الحقّ وهم العدوّ. بل تُطلق هذه الثقافة السياسيّة الملوّثة، ردّاً منها على التعيين والتحديد والتسمية، حركة تنافس وضيع بين انتهازيّين صغار، تنافسٍ يتّخذ شكل المزايدة في «مطاردة الساحرات». فثقافة «كونوا مجمعين ولو كنتم تكذبون» هي التي تحكمنا اليوم.

ما يحصل في محيط كهذا أنّ الكلام الفعليّ ينسحب إلى الغرف المغلقة فتضاف جدران جديدة إلى ذاك العازل التاريخيّ بين ما يُظنّ وما يقال، وبين ما يقال وما يُفعل. أمّا اليد التي «لا تقدر عليها، فقبّلها وادعُ عليها بالكسر»، على ما تقول حكمة شرقيّة لم يكن المستشرقون من نسبها إلينا.

واستتباعاً، تنعدم إمكانيّة السياسة أصلاً، لا بسبب السلطات المستبدّة، بل، قبل ذلك، على أيدي المجتمعات المذعنة لمألوفها ولما هي دارجة عليه. أمّا تحمّل الاختلاف والانشقاق، دع الديموقراطيّة جانباً، فيبقى إلى أضغاث الأحلام أقرب.

وهذا، والحقّ يقال، ما لا يشجّع أيّ طرف في العالم على حمل كلامنا على محمل الجدّ، واستطراداً، على حملنا، نحن أنفسنا، على ذاك المحمل. لكنّه يشجّع أيّ طرف خارجيّ على ادّعاء «إنقاذنا» ممّا نحن فيه وممّا لا نجرؤ على قوله، ناهيك عن مواجهته. وأمّا المحكومون بالصمت واليائسون من مقاومة إجماعه الكاذب، فلا يُترك لهم إلا البناء على يأسهم والذهاب معه إلى حيث يقود خطاهم. وتبقى الهاوية في انتظار الجميع!

============================

الإصلاح في تركيا ممكن بالرافعة الأوروبية

آخر تحديث:الثلاثاء ,16/02/2010

محمد نور الدين

الخليج

أصدر البرلمان الأوروبي يوم العاشر من فبراير/ شباط الجاري تقريره الدوري عن تركيا ومدى التقدم في الإصلاح المطلوب منها في مرحلة المفاوضات للعضوية الكاملة .

 

وتركيا منذ بدء مفاوضات العضوية معنية بل ملزمة بمتابعة التقارير التي تصدرها الهيئات المختلفة التابعة للاتحاد الأوروبي . إذ إن عليها الالتزام بها وفقاً لما تعهدت به في مراحل سابقة .

 

ومع أن التقارير الأوروبية عن تركيا تخضع أحياناً لمزاج واضع التقرير الذي يكلف كتابته ومن ثم عرضه على الهيئة العامة للبرلمان الأوروبي فإن مصادقة البرلمان الأوروبي عليه في النهاية تجعله تقريراً رسمياً .

 

التقرير الجديد للبرلمان الأوروبي كان قوياً خلاف العادة لجهة وضع الأصبع على جرح مكامن الثغرات في الإصلاح كما في لهجته الحادة غير المسبوقة من وجود القوات التركية في القسم الشمالي من جزيرة قبرص . وليس غريباً على المتابعين والمتطلعين إلى تركيا ديمقراطية أن يجدوا في التقرير ما يتوجب فعله للوصول إلى هذا الهدف .

 

لم يجد التقرير حرجاً في اعتبار محاكمات المتورطين في قضية “ارغينيكون” فرصة لتعزيز الثقة في علوية القانون والمؤسسات الديمقراطية .

 

وعندما نتحدث عن “ارغينيكون” فإنما نتحدث عن دور الجيش في السياسة، وهو ما تطرق إليه التقرير بشجاعة عندما ذكر أنه أمر يثير القلق استمرار تدخل الجيش في الشأن السياسي الداخلي . وقال التقرير إنه “في بلد ديمقراطي يجب أن يكون الجيش تحت إشراف السلطة السياسية بالكامل” . ويذكر التقرير كعلامة سيئة على هذا التدخل الكشف عن خطط متعددة لانقلابات عسكرية ضد الحكومة المنتخبة بصورة شرعية .

 

وعلى صلة بهذا الموضوع يعرب التقرير عن قلقه أيضاً من إلغاء المحكمة الدستورية قانون محاكمة العسكر أمام محاكم مدنية .

 

ووصف التقرير السعي لإلغاء بروتوكول يسمح للجيش بالتدخل ويعرف باسم “اماسيا” بأنه نقطة تحول في علاقة الجيش بالسلطة السياسية، ويقول التقرير إنه على القضاء أن يخضع ومن دون تضييع للوقت لإصلاح شامل .

 

ويتوقف التقرير عند التضييق على الحريات السياسية، حيث أغلقت المحكمة الدستورية حزب المجتمع الديمقراطي الكردي . ودعا التقرير إلى إصلاح قانون الأحزاب السياسية وفقاً لما أعدته لجنة البندقية في المجلس الأوروبي .

 

وإذ كال التقرير المديح لخطوات الحكومة في الانفتاح على الأكراد والعلويين فقد وجه نداء إلى كل الأطراف وإلى المعارضة لدعم العملية السياسية ولتجاوز الحساسيات المتبادلة .

 

والنقطة الأكثر جرأة في التقرير تتمثل في الدعوة إلى إعداد دستور جديد وشامل، وأوصى الحكومة بإعادة إحياء مسودة الدستور الجديد الذي علقته بعد انتخابات 2007 النيابية . وطلب التقرير من المعارضة والمجتمع المدني وكل الأقليات المشاركة في وضع الدستور الجديد بما يكفل تعزيز الحريات والحقوق الأساسية .

 

وتحدث واضع التقرير الهولندي الديمقراطي المسيحي ريا أومن رويجتن، داعياً إلى إلغاء الدستور الحالي فوراً وهو الذي يعيق الإصلاحات الحقيقية على طريق تحديث تركيا .

 

ووجه التقرير نداء نادراً إلى حزب العمال الكردستاني للتجاوب مع خطة الحكومة الانفتاح على الأكراد وإلقاء السلاح . وفي الموضوع القبرصي الذي لا يزال عقبة أمام فتح باب المفاوضات حول ثمانية فصول فقد كان التقرير حاداً تجاه تركيا بقوله إن على الجيش التركي أن ينسحب من الجزيرة . وأن تعيد تركيا منطقة مراش إلى أصحابها الأصليين أي القبارصة اليونانيين . ولم يوجه التقرير أي انتقاد للقبارصة اليونانيين . ووجه التقرير نداء إلى كل الأطراف بمن فيهم تركيا لدعم جهود الأمم المتحدة لحل المشكلة .

 

ويتوقع مراقبون أن تكون الانتخابات الجديدة للبرلمان الأوروبي في يونيو/ حزيران المقبل نقطة تحول نحو الأسوأ بالنسبة لتركيا .

 

يرسم التقرير الأوروبي صورة قاتمة نسبياً عن مستقبل الإصلاح في تركيا ويصعد لهجته في قبرص .

 

ومع أن البعض في تركيا ومن بينهم فئات في حزب العدالة والتنمية قد يتلقفون التقرير من أجل القول إن أوروبا لا تريد تركيا في الاتحاد، فإن من الواضح أن التقرير يحض تركيا على استكمال الإصلاح الذي بفضله فقط أمكن التقدم لتقليص نفوذ العسكر وتعزيز الحريات . لكن ما تحقق غير كاف وهناك الكثير الذي يتوجب فعله . وبدلاً من أن ينظر إليه على أنه سلبي يجب على الحكومة التركية أن تستأنف الإصلاح وبوتيرة أسرع بكثير، لأن التباطؤ أتاح للقوى المناوئة للديمقراطية أن تطل برأسها من جديد وتدخل البلاد في دوامة نقاشات حول موضوعات لا تسبب سوى هدر الوقت والجهود .

فقط بالرافعة الأوروبية أمكن التقدم، وبها فقط يمكن استكماله . هذا هو الدرس الأساسي الذي يجب أن يستخلصه “حزب العدالة والتنمية”، لأن البديل سيكون عودة تركيا إلى المربع الأول من الوصاية العسكرية وإلى الاستبداد والفساد وإلى الدور التابع في السياسة الخارجية .

============================

حقائق الشرق الأوسط الصعبة

آخر تحديث:الثلاثاء ,16/02/2010

روجر كوهين

الخليج

منذ قرن من الزمان وحتى الآن، عجز العرب والصهاينة عن إيجاد تسوية مناسبة للصراع في الأرض المقدسة .

 

القوميتان حاولتا ملء الفراغ الذي نجم عن انهيار إمبراطورية، وتُرِكت المهمة للولايات المتحدة التي هي عبارة عن شبه إمبراطورية كي تحاول مداهنة الطرفين لكي يتوصلا لصيغة تعايش سلمي ولكن المهمة باءت بالفشل .

 

ومنذ أكثر من عام وصل الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض وهو يعد بتفكير جديد، وتقارب أكثر مع العالم الإسلامي، وتركيز عميق على الصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني، بيد أن خطبه المنمقة لم تؤد إلا لطريق مسدود، وقال لي البعض إن التفاهم معدوم بين أوباما ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو .

 

والمعروف أن السياسات المحلية الأمريكية تعوق التفكير الإبداعي - وتحجر حتى على النقاش المفتوح في عملية البحث عن السلام بلا نهاية . وكما قال آرون ديفيد ميلر الذي عمل لمدة طويلة في خنادق عملية السلام: “الولايات المتحدة تعمل كمحام ل”إسرائيل” بدلاً من أن تعمل كوسيط نزيه” . والكلام بإيجابية عن فلسطين بالنسبة لعضو الكونجرس الأمريكي، لا وجود له .

 

وأنا لا أرى تحولاً في هذه المعوقات بيد أن الحاجة إلى أن يحترم أوباما ويفي بوعوده الانتخابية تزداد . فالصراع ينخر في الأمن الأمريكي، ويقضي على الفرص النائية المتبقية من احتمال حل الدولتين، ويلف مستقبل “إسرائيل” بالغيوم الملبدة، ويشتت الفلسطينيين ويحطم أية محاولة لتجسير الهوة بين الإسلام والغرب .

 

والاضطهاد الذي يدعي اليهود أنه حدث لهم، لا يمكن أن يكون مسوغاً لاستبعاد وقهر شعب آخر، كما أن التزام الولايات المتحدة بالوقوف مع “إسرائيل” لا يمكن أن يتحوّل إلى شيك على بياض، للدولة اليهودية عندما تعمل سياساتها على تقويض الأهداف الأمريكية المعلنة . ويتجسد أحد أمثلة السياسة “الإسرائيلية” في التوطين المستمر الذي لا هوادة فيه في الضفة الغربية . وقبل عقدين قال جيمس بيكر ل”إسرائيل” وكان حينذاك وزيراً للخارجية الأمريكية: “انبذوا الضم، أوقفوا النشاط الاستيطاني”، وبعد مرور عشرين عاماً قال باراك أوباما في القاهرة: “الولايات المتحدة لا تقبل شرعية استمرار الاستيطان “الإسرائيلي”” .

 

وفي الفترة ما بين التصريحين تضاعف عدد المستوطنين حوالي ثلاث مرات، فقد كانوا 78000 في العام ،1990 وأصبحوا 300000 العام الفائت .

 

ومنذ أن أدلى أوباما بتصريحاته في القاهرة، ظل نتنياهو يعد بتجميد الاستيطان، وفي ذات الوقت يشتل المستوطنات ويعلن أنها ستبقى جزءاً من “إسرائيل” “للأبد” .

 

وأعتقد أنه يجب أن تكون هناك عواقب على تحدي “إسرائيل” لأمريكا، بالرغم من أن مثل هذه العواقب لا وجود لها، في العلاقة الخاصة التي تربط بينهما .

 

وهدف الولايات المتحدة يتمثّل في حل الدولتين، ولكن يوماً بعد يوم، ومتراً بعد متر، يتلاشى مكان الدولة الثانية، فلسطين .

 

والآن لم يتبق من هذه الدولة، سوى علبة السردين المسماة غزة، وجيوب متنافرة تدعى الضفة الغربية، فهل يمكننا أن نسمي هذا الحطام بأي اسم آخر عدا دولة وهمية؟

 

الحقيقة هي أن الولايات المتحدة سمحت لعملية السلام بأن تصبح قابلة للتدمير، وتتدهور للدرجة التي لا يمكن عندها أن تعود لوضعها الطبيعي . وفي الواقع، موّلت الولايات المتحدة عملية هدم السلام . فالمستوطنات وجدار الفصل - التي تعتبر هي نفسها آليات توسع - يدخل الدعم الأمريكي ل”إسرائيل” في تمويل تشييدها .

 

ووفقاً لتقرير صادر من إدارة أبحاث الكونجرس، بلغ حجم المساعدة الأمريكية ل”إسرائيل” في العقد الفائت 28،9 مليار دولار، وهذا مبلغ يقزم أي مساعدة لأي دولة أخرى، ويعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لهايتي .

 

وأعتقد أن ضمان أمن “إسرائيل”، أمر منطقي بالنسبة لأمريكا . ولكن ليس منطقياً أن تموّل أمريكا السياسات “الإسرائيلية” التي تقوّض الأهداف الاستراتيجية الأمريكية .

 

كما أن الادعاء بوجود خطر يهدد وجود “إسرائيل”، ادعاء مفرط في المبالغة . فالمسألة ليست قصة “ديفيد” الضعيف الذي يواجه “غولياث” العرب العملاق . ف”إسرائيل” هي أقوى دولة في المنطقة ومدججة بمصدات وموانع الأسلحة النووية، ولذلك توجد فرصة يمكن من خلالها أن تعود أمريكا لاستئناف عملية السلام والضغط على “إسرائيل” من دون المساومة على أمنها .

 

وأوباما بحاجة إلى بذل جهد كبير لتجاوز الانقسام الفلسطيني، وهذا يعتبر شرطاً أساسياً للسلام، وميثاق حماس رديء، بيد أن تفاهمات أوسلو التي حققت اختراقاً تم التفاوض عليها في ،1993 أي قبل ثلاثة أعوام من إلغاء منظمة التحرير الفلسطينية لفقرات إبادة “إسرائيل” من ميثاقها .

 

وعندما تصافح عرفات ورابين في حديقة البيت الأبيض، كانت الفقرة التي تتحدث عن تدمير “إسرائيل” في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية - كما هي . فالأمور تتغيّر عبر التفاوض، وليس بطرق أخرى .

صحافي بريطاني وكاتب مقالات في صحيفة “نويورك تايمز”

============================

هل ثمة تعارض بين الأمن والديمقراطية؟

الرأي الاردنية

16-2-2010

إعداد: د. حسن البراري

ما زال العديد من الباحثين الأميركيين مشغولين في إيجاد حل لما يبدو وكأنه تعارض بين متطلبات الأمن والديمقراطية في الشرق الأوسط، وبالفعل يرى العديد منهم أن مصالح الولايات المتحدة على المدى القصير تستلزم أن لا تركز الولايات المتحدة على دمقرطة الشرق الاوسط لأن من شأن ذلك أن يلحق أذى كبيرا بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في حين يرى الكثيرون أن مصالح أميركا على المدى المتوسط والبعيد تتطلب أن تتم عملية التحول الديمقراطي في الشرق الاوسط بشكل كامل.

فهل تتعارض متطلبات الأمن مع الديمقراطية والإصلاح السياسي؟ هذا ما يحاول أن يجيب عليه عدد من باحثي المعهد الاميركي للسلام في تقرير صدر مؤخرا في واشنطن. والتقرير، الذي جاء نتاج لجهد جماعي من قبل فريق بقيادة البرفسور دانيال برومبرج القائم بأعمال مدير مبادرة العالم الإسلامي، يقدم عددا من النتائج الهامة وعددا من التوصيات لمساعدة إدارة الرئس باراك أوباما في سعيها لمواجهة تصاعد التحديات الأمنية في وقت تقوم به بتقديم الدعم اللازم على المستوى الدبلوماسي والمؤسسي والاقتصادي لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط. ويرى أعضاء الفريق أن هناك حاجة ماسة لمعالجة التهديدات القادمة من تنظيم القاعدة وما يتبعه من تنظيمات راديكالية وكذلك التهديدات الناتجة عن استمرار النزاعات الإقليمية في الشرق الاوسط وجنوب آسيا، كما ويرى التقرير أن هذه المعالجة يجب أن تحتل مكانا متقدما على سلم أولويات الرئيس أوباما.

لكن، وكما يظهر التقرير في صفحاته بعد دراسة حالة اليمن ولبنان والأردن ومصر، فأن الاستقرار السياسي على المدى البعيد والتنمية السياسية والأمن تتطلب التزام أميركي متوازن ومستدام في الأقوال والأفعال لتشجيع التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان والحكم الفعال. فالترتيبات الأمنية وصنع السلام يجب أن يصاحبه تركيز جديد على الإصلاحات الديمقراطية. وفي حال غياب مثل هذه المساعي، فإن توسعا اضافيا سيطرأ على الفجوة السياسية والاجتماعية والأيدولوجية بين الدول والمجتمعات، وهو أمر سيضعف من قدرة الأنظمة على مواجهة هزات محلية أو حتى خارجية. وبالتالي فإن التحدي يتمحور حول قدرة من عدم قدرة التصدي للمهمة الرئيسية المتمثلة بالاصلاحات الديمقراطية في الأنظمة وفي المعارضة في العالم العربي وفي جنوب آسيا وذلك لايجاد خريطة طريق للخروج من الوضع الراهن.

ويرى الفريق الذي أعد التقرير أنه ينبغي على إدارة الرئيس أوباما أن تساعد في مثل هذا المسعى، فدعم الديمقراطية من قبل أعلى مستويات القرار في واشنطن هو في مصلحة الولايات المتحدة، وهو لن يكتفي فقط بتعزيز مصالح اميركا الأمنية، بل سيعمل على دفع رؤية الرئيس أوباما المتعلقة بالعلاقة الجديدة بين الولايات المتحدة وبين الدول ذات الأغلبية المسلمة، وهي رؤية قام الرئيس وبكل جرأة بتحديد ملامحها في خطاب القاهرة الشهير الذي ألقاه الرئيس في القاهرة في الرابع من حزيران من العام الفائت.

يقدم التقرير مقاربة طويلة المدى تستند على تشجيع الإدارة الأميركية على صياغة استراتيجية تربط بين متطلبات الأمن وضرورة التغيير الديمقراطي. وهذه الاستراتيجية هي أفضل من خياري الارتهان للوضع القائم أو المحاولة السريعة لتقويض الوضع القائم بالاعتماد على تغيير الأنظمة. ففي كثير من الدول العربية يعبر الوضع القائم عن نظام تديره الدولة ويحتوي على لبرلة سياسية تكتيكية مصممة لاحباط عملية الدمقرطة بدلا من تعزيزها. وينتهي التقرير بنتائج وتوصيات تشير إلى أنه من الممكن أن تظهر الدول ذات الصبغة الشبه أتوقراطية وكأنها تعمل على تعزيز الإستقرار الداخلي لكنها وعلى المدى البعيد فإنها تشجع على حصول دائرة محبطة من اللبرلة السياسية وما يترتب على ذلك من تراجع عن مشروع الإصلاحات. الخطورة أن مثل هذه الانفتاحات الديمقراطية وإغلاقها فيما بعد توثر سلبا على ما تبقى للنظام الحاكم من شرعية. وكما يبدو في النتيجة رقم 16 في التقرير، فإن اللبرلة التي تديرها الدولة يمكن لها أن تساهم في بقاء النظام السياسي لكن مع تكلفة أن تجعل من النظام هشا للنزاعات الاجتماعية الداخلية وصراعات خلافة السلطة والنزاعات في الإقليم.

والتحدي الرئيسي أمام مؤيدي الاصلاحات الحقيقية والجدية في غالبية الدول المسلمة هو ايجاد طريقة للذهاب إلى ما هو أبعد من الاصلاح الذي تديره الدولة لكن دون أن يكون ذلك مدعاة للسماح للنزاعات الداخلية الأيدولوجية والاجتماعية والصراعات المتعلقة بالهوية لأن تلعب دورا وهي نزاعات تمنح النظام السياسي الحاكم سببا جيدا لاغلاق الباب على أجندات الإصلاح. وبالتالي جاءت التوصيات من 13 إلى 16 في التقرير لوضع عناصر عملية ثنائية «لبرلة سياسية استراتيجية» و «تحول ديمقراطي تدريجي». وكلا الدينكاميكاتان تتطلبان أن تتحرك أميركا أبعد من نظام مساعدات التنمية الديمقراطية والتي اعتمدت بشكل كبير على «قدرة جماعات المجتمع الدولي لطلب الاصلاحات إلى نظام يمنح الدول والكوادر الحاكمة فيه دورا رئيسيا في تقديم العرض للتغيرات الديمقراطية».

ولكي يحدث هذا، يجب على قادة الولايات المتحدة وصناع القرار أن يقوموا بما يلي: ينبغي أن تقوم الولايات المتحدة بتوظيف خليطا من الدبلوماسية العامة على مستوى عال وبشكل خاص لتشجيع النخب الحاكمة بأن تستبدل الاصلاحات التكتيكية قصيرة المدى ببرامج بعيدة المدى لبناء بنى تحتية مؤسسية وقانونية للتمثيل الديمقراطي. وبنيغي أيضا تشجيع هذه الأنظمة على إلغاء العديد من القوانين الإستثنائية والممارسات التي تعيق حرية التعبير والتجمع. وهذه العملية يجب أن تتم بشكل مواز مع دعم أميركي لمنظمات المجتمع المدني التي لها القدرة على تقوية المؤسسات الديمقراطية الأساسية. كما أن عليها دعم وتأييد المنظمات التي تراقب الإنتخابات وجماعات حقوق الإنسان ومنظمات ناشطة والتي تشجع المساءلة البرلمانية. بمعنى أن الدعم يجب أن يقتصر على بعض منظمات ومؤسسات المجتمع المدني التي يمكن لها أن ترتبط مع بعضها البعض (تشبيك) لتعزيز قدرة المجتمع السياسي وبهذا يمكن تعزيز وتقديم الانتقال من اللبرلة السياسية التي تديرها الدولة إلى عملية تحول ديمقراطي.

وفي المحصلة النهائية يمكن للدعم الأميركي لعملية اللبرلة الإستراتيجية أن يخلق ملعبا سياسيا متوازنا. فلن تكتفي القيود والحوافز التي تنتج عن التنافس السياسي الحقيقي بتشجيع الأحزاب الإسلامية الرئيسية تبني مواقف سياسية معتدلة لكنها ايضا يجب أن تقلل من المخاطر لكل اللاعبين في النظام وفي المعارضة، وهذا ما سيحدث أفاق للانفتاح لعملية تحول ديمقراطي مستدامة. وهذه الديناميكية تتطلب أيضا الدعم الاميركي لسياسة الاشتباك السياسي. وكما ورد في التوصيات رقم 14 و15 هناك حاجة لعقد سلسلة من الاجتماعات الصريحة والحوارات لكل من الأنظمة والمعارضات، وهنا يشير التقرير إلى أن الدبلوماسيين الأميركيين هم في وضع ممتاز للحث على عملية التكيف السياسي والتوصل إلى اتفاقات يمكن لها من تضييق الفجوة بين الدول والمجتمعات.

غير أن البعض يجادل بأن علمية التكيف السياسي يمكن لها أن تعيق من قدرة وامكانية الأنظمة على التعاون مع الولايات المتحدة في المسائل الإستراتيجية، وعلى أية حال يرى معدو التقرير أن الحالات التي درست في التقرير تشير إلى العكس من ذلك. فدراسة حالات اليمن ومصر وباكستان تشير إلى أن السياسات القمعية لهذه الأنظمة عندما ترتبط بالسياسات الأميركية، فإن هذه الأنظمة الأتوقراطية تقوم بخلق مشاعر معادية للولايات المتحدة. وعلى العكس من ذلك، عندما تكون هذه السياسات حقيقية وتضم كل القوى السياسية التي تنبذ استخدام العنف فإن تكيف المعارضة يعمل على زيادة شرعية هذه الأنظمة، وهو ما يقوي من فرصة وقدرة عمل هذه الدول المسلمة مع الولايات المتحدة لمواجهة التحديات الأمنية الإقليمية والداخلية.

لهذه الأسباب كلها يرى معدو التقرير بأنه ينبغي على إدارة الرئيس أوباما أن تبعث باشارات لحلفائها بأن الولايات المتحدة سوف تتحرك على مسارات متعددة بتركيزها على الاصلاحات الديمقراطية كما أنها تدعم المفاوضات لانهاء النزاعات الإقليمية. ويعترف التقرير أن صنع السلام يجب أن يحتوي على عملية اشتباك مع دول وأنظمة أتوقراطية، غير أنه يقترح على الإدارة من أن توضح لمن تتصل وتشتبك معهم أن الإشتباك لا يعني النكوص عن الدفاع عن المبادئ العالمية. وبالتالي يجب على واشنطن أن تعلن عن التزامها بحقوق الإنسان كجزء من استراتيجية الأمن الشاملة.

ما من شك أن السنة المالية 2010 للولايات المتحدة لدعم الديمقراطية وبرامج مساعدة الحكم يمكن لها أن تلعب دورا كبيرا في دفع العديد من المقترحات التي وردت في هذا التقرير. ويناشد معدو التقرير إدارة الرئيس أوباما لتخصيص مبلغ مليار وأربعمائة مليون دولار لمثل هذه البرامج، أي ضعف المبالغ التي خصصت في موازنة عام 2009. غير أن التقرير يحذر من حقيقة أن ما يقارب من 86% من هذه الأموال تذهب لأفغانستان والعراق وباكستان، وهو أمر يمكن أن يبعث برسالة تفيد أن التزام الولايات المتحدة في العالم العربي هي أقل. ويشير التقرير في النهاية إلى أن الدعم المالي لهذه المشاريع لا يرافقه دعما أميركيا على مستوى الخطابة، وهو ما يعني أن هذه الاموال قد لا تحقق أهدافها أن لم تظهر الولايات المتحدة والرئيس ووزيرة الخارجية في خطاباتهم الدعم الكامل لهذه السياسات التي تشجع الأنظمة والمعارضة لتلتقي على طاولة المفاوضات.

التقرير على أهميته وتماسكه المعرفي يقفز عن واقع وهو أن الولايات المتحدة أدخلت نفسها في سلسلة من التحالفات في الإقليم وبخاصة مع الدول التي لم يعرف لها تاريخ أو سجل في الديمقراطية، وبالتالي باتت واشنطن تعتمد في تحقيق مصالحها في الأقليم على دول غير ديمقراطية بحيث اصبحت مصالح أميركا الاستراتيجة قصيرة المدى تكمن في التحالف مع أنظمة غير ديمقراطية.

============================

لأن لبنان يعيش مرحلة انتقالية وليس مرحلة تأسيسية

حكومات التوافق المصطنع هي وليدة تسويات سلبية

اميل خوري

النهار

16-2-2010

هل يمكن القول ان حكومة "الوحدة الوطنية" التي استغرق تأليفها خمسة أشهر، كونها وحدة مصطنعة، سوف تكون تجربة غير ناجحة كالحكومة السابقة لانها لم تتوصل حتى الآن الى بت موضوع الانتخابات البلدية والتعيينات والموازنات، فكيف عندما تواجه موضوع الاصلاحات الادارية والسياسية والمالية، ام انه من المبكر الحكم على اعمالها ولم يمض على مباشرتها العمل سوى شهرين؟

تقول اوساط سياسية ونيابية ان لبنان عاش زمن الوصاية السورية وضعا شاذا، لانه لم يكن في استطاعته ان يحكم نفسه بنفسه، وهو يعيش الآن مرحلة انتقالية بدأت مع اتفاق الدوحة وهو اتفاق تسوية موقتة لظرف استثنائي ووضع استثنائي قضى بتشكيل الحكومات على نحو مخالف للنظام الديموقراطي ولاحكام الدستور، حكومات لا تتألف من اكثرية تحكم وأقلية تعارض، بل تتألف من اكثرية وأقلية لا تلتقيان على برنامج عمل واحد ولا على مبادئ سياسية واحدة، ومن الطبيعي ألا تكون مثل هذه الحكومات منسجمة ومتجانسة لتكون منتجة، بحيث يمكن وصفها بحكومات حوارات اكثر منها حكومات قرارات، فما يصير الاتفاق عليه يتم اقراره وما لا يتم الاتفاق عليه يؤجل الى ان يتحقق هذا الاتفاق.

لقد اطلق الزعيم الوطني حميد فرنجيه، رحمه الله، معادلة تقول: "شرّ نتفق عليه افضل من خير نختلف عليه"، وكان الوضع السياسي في البلاد يومذاك شبيها بالوضع اليوم لكن مع فارق في الحس الوطني بين زعماء الامس وبعض زعماء اليوم...

هذه المعادلة يفضل الرئيس ميشال سليمان اعتمادها مع حكومة ما يسمى "وحدة وطنية"، ويرى في الاتفاق حتى على ما هو سيئ افضل من الخلاف على ما هو جيد، فاستمرار الحوار حول المواضيع المهمة مع المحافظة على الاستقرار والسلم الاهلي، يظل افضل من اتخاذ قرارات ترضي فئة ولا ترضي فئة اخرى وتهدد تاليا الاستقرار والسلم الاهلي، وان الابقاء على الوضع الاداري الحالي ولو سيئا يظل افضل من تغيير هذا الوضع باجراء تعيينات أسوأ.

وبما ان لبنان يعيش مرحلة انتقالية وليس مرحلة تأسيسية بعدما عاش مرحلة وضع شاذ زمن الوصاية السورية، فإن ما يمكن قوله هو ان الحكومات المسماة "وحدة وطنية" تطبيقا لبدعة النظام "الديموقراطي التوافقي" هي حكومات فاشلة لا تصلح الا لتقطيع الوقت مع الحرص على استمرار الهدوء والاستقرار في البلاد ولئلا يهتز اذا ما اتخذت قرارات بموافقة اكثرية وزارية ورفض اقلية، فالظرف الاستثنائي يفرض التوافق عليها والا أدى الخلاف الحاد في شأنها الى تعكير صفو الامن ومواجهة خطر فتنة داخلية، وهو ما حصل في الماضي غير مرة وكانت احداث 7 ايار اخطرها على الوحدة الداخلية والعيش المشترك.

لذلك، فان الديموقراطية التوافقية تصلح لظروف استثنائية تنبثق منها حكومات تجمع الاضداد حتى اذا ما حصلت خلافات داخلها، فانها تظل اسلم من خلافات تنتقل الى الشارع.

الواقع لو ان لبنان كان في وضع طبيعي، لكانت الحكومات تشكل على اساس نظام ديموقراطي تحكم بموجبه الاكثرية والاقلية تعارض. ولو ان الحكومة الحالية المسماة حكومة "وحدة وطنية" مؤلفة من الاكثرية، لكانت توصلت الى بت موضوع الانتخابات البلدية والاختيارية في جلسة واحدة ولما احتاجت الى جلسات بسبب تعدد الآراء واختلافها بين اكثرية لها رأي واقلية لها رأي آخر وليس في الامكان حسم ذلك باللجوء الى التصويت وفقا لما نص عليه الدستور، لئلا يستقيل الوزراء المعترضون وباستقالتهم تطير الحكومة برمتها وقد يصبح من الصعب تأليف حكومة جديدة، فتدخل البلاد عندئذ في المجهول. ولو ان الحكومة كانت حكومة اكثرية لما كانت التعيينات الادارية والديبلوماسية والامنية تتعثر ويحتاج اقرارها الى آليات هي ايضا موضوع خلاف، بل كان كل وزير يقترح اسماء المديرين في وزارته لملء المراكز الشاغرة فيها، فإما يصير توافق عليها في مجلس الوزراء فتصدر القرارات، واما يتعذر هذا التوافق فيتم تأجيل اقرارها لمزيد من الدرس، او يصير بتها بالتصويت وفقا للمادة 65 من الدستور وعلى الوزير المعترض اما ان يرضخ لقرار الاكثرية او يستقيل. لكن بما ان لبنان يعيش مرحلة انتقالية وظرفا استثنائيا فليس في استطاعته تطبيق النظام الديموقراطي ولا حتى أحكام الدستور، بل اعتماد التسويات الموقتة كحلول تجنبه شر الخلافات وتداعيات الانقسامات.

والسؤال الذي يطرحه الناس هو: الى متى يظل لبنان ينتقل من وضع شاذ الى مرحلة انتقالية تحمكها التسويات، والى توازن رعب او توازنات سلبية وليس الى مرحلة تأسيسية تعيد تكوين السلطة وتقوم فيها الدولة القوية التي لا دولة سواها ويكون الحكم فيها للنظام والدستور والقانون؟

ان بلوغ هذه المرحلة في رأي المراقبين يتوقف على التطورات والتحولات في المنطقة، كون لبنان هو جزء منها وما يحصل فيها ينعكس سلبا او ايجابا عليه.

لذا، فان لبنان سوف يظل يعيش في ظل مرحلة انتقالية الى ان تتغير الاوضاع في المنطقة كي يستطيع الانتقال عندئذ الى المرحلة التأسيسية.

وفي انتظار ذلك، فان المحافظة على الهدوء والاستقرار وعلى السلم الاهلي تبقى من الاولويات.

============================

صواريخ أميركا هل تخيف روسيا؟

بقلم : د. إينا ميخائيلوفنا

البيان

16-2-2010

أكد مندوب روسيا الدائم لدى الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيجوف، أنه لا أساس في الوقت الحالي للادعاءات التي تشير إلى أن عناصر الدرع الصاروخية الأميركية المزمع نشرها في رومانيا، ستكون موجهة ضد الخطر الإيراني المحتمل، لأن إيران لا تملك حالياً صواريخ يصل مداها حتى بولندا ورومانيا، ومن المستبعد أن تحصل عليها في المستقبل القريب.

 

لقد بات قرار الولايات المتحدة بنشر عناصر من منظومتها المضادة للصواريخ في رومانيا في الأسابيع الأخيرة، في مركز صدارة اهتمام الرأي العام. وكان رد الفعل الروسي متوقعا تماما، فقد طالبت واشنطن بأن توضح ماهية تلك البنى التحتية التي تنوي نشرها في رومانيا.

 

وفي الوقت نفسه يجب ألا يفوتنا أن رد الفعل الروسي، كان في هذه الحال أقل شدة بكثير من رد موسكو على المخطط الأميركي الرامي إلى نشر صواريخ اعتراض في بولندا ومحطة رادار في تشيكيا، في وقت سابق. ولكن هذا الموقف الأخف يسهل شرحه، لأن الصواريخ المزمع نشرها في رومانيا لن تشكل تهديداً للقوات النووية الروسية.

 

ومن حيث الواقع ستخصص القاعدة المراد نشرها بحلول عام 2015 في رومانيا، لحماية دول شرق أوروبا ووسطها من الغارات الصاروخية الإيرانية المحتملة، حيث إن هذه الصواريخ تستطيع اعتراض الصواريخ الإيرانية المتوسطة المدى (مثل «شهاب 4» و«شهاب 5» الجاري تطويرهما بمدى عملهما 2800 و4300 كلم على التوالي)، إما في وسط خط سيرها أو في نهايته، في حين أن هذه الصواريخ الأميركية عاجزة تماماً عن إبداء مقاومة فعالة للصواريخ البالستية الروسية العابرة للقارات، سواء أكانت الصواريخ مرابطة في المواقع الأرضية في رومانيا (أو بولندا، مثلا) أو على متن السفن في البحر الأسود أو بحر البلطيق.

 

إذن، ما هو السبب الكامن وراء قلق روسيا إزاء المبادرة الأميركية الجديدة؟

 

يعود هذا السبب، أولا، إلى أن الولايات المتحدة اتخذت قرارها الجديد الذي سيؤثر، حتماً، في توزيع ميزان القوى في أوروبا بدون أي مشاورات مع روسيا، وثانياً، إلى الغموض الذي لا يزال يكتنف شكل التركيبة العامة للمنظومة الأميركية للدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا، والذي لم يتم «تجميده» حتى بعد إعلان الرئيس أوباما التخلي عن نشر الصواريخ في بولندا والرادار في تشيكيا.

 

وفي الوقت نفسه، لا تمانع روسيا في نزوح مواقع المنظومة الأميركية للدفاع المضاد للصواريخ في اتجاه جنوب أوروبا وتركيا، الأمر الذي أشار إليه في عام 2007 رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية آنذاك الجنرال يوري بالويفسكي.

 

ومن جانب آخر، ليس ثمة وضوح كامل في ما يخص التغيرات القادمة التي قد تعيشها المنظومة الأميركية للدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا، مما يحمل في طياته خطر حدوث تعقيدات جديدة في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. وما دامت مسألة اختيار الشكل النهائي للمنظومة معلقة، يبقى هناك احتمالان لنشرها في أوروبا.

 

يتمثل الاحتمال الأول (المضاد لإيران) في توجيه النظام الصاروخي ضد إيران، وحينئذ ستنشر كل القواعد والرادارات في جنوب أوروبا وفي تركيا، مع التركيز على الصواريخ المخصصة لاعتراض الصواريخ المتوسطة المدى.أما في ظل الاحتمال الثاني (المضاد لروسيا) فسينتقل مركز ثقل المنظومة إلى بولندا، حيث قد تنشر الصواريخ القادرة على اعتراض الصواريخ البالستية.

 

يفصل بين الاحتمالين فرق ضخم، ولكن لا يجوز لنا أن نستبعد كلياً ظهور الاحتمال الثالث، ألا وهو أن الولايات المتحدة قد تغير من جديد مخططاتها، وتختار مواقع أخرى في أوروبا لنشر صواريخها بشكل لا يكون موجهاً ضد أحد سوى روسيا، عندئذ ستبرز إلى مركز الصدارة قضية توقيع معاهدة جديدة حول تقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية (ستارت 2)، وسوف تصر روسيا على إدراج البنود التي من شأنها وضع قيود على نشر منظومات للدفاع المضاد للصواريخ، في نص المعاهدة.

 

فإذا تم التوصل إلى اتفاق على ذلك، فسيكون من الممكن القول إن الولايات المتحدة مستعدة لقبول حل وسط لمسألة الحفاظ على ميزان القوى الاستراتيجي القائم مع روسيا. وفي الحالة المعاكسة، سيتعين على روسيا أن تعد نفسها لمواجهة حدوث تغييرات جذرية من جديد، في المخططات الأميركية.

============================

واقع دبلوماسي أقرب إلى السخرية

بقلم :حسن عزالدين

16-2-2010

تمنع تقاليد العملين السياسي والدبلوماسي على أي مسؤول، إطلاق تصريحات فريدة وغريبة في جوهرها، لا سيما إذا ارتبطت بملفات حساسة، مثل الصراع بين إسرائيل والدول العربية، والدور الذي يمكن لبلاده أن تلعبه فيه.

 

وبرغم اقتناعنا بحق ذلك المسؤول في أن يستغل منصبه لممارسة العلاقات العامة، والتي يهدف من خلالها لتثبيت موقع بلاده على الساحة السياسية الدولية، إلا أن المنطق يفرض في بعض الأحيان واجب التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وتسمية الأمور بمسمّياتها.

 

أما الهدف من ذلك التدخل فليس السخرية لا سمح الله، بل إبراز الوقائع والشوائب القائمة، ودعوة المسؤول المذكور لإعادة حساباته جيّداً، كي يتمكن فعليا من ممارسة أي دور وسطي يرغب في لعبه ضمن سياق الصراع المذكور.

 

لماذا الحديث عن هذا الأمر؟

 

قبل أيام احتفلت تشيكيا وإسرائيل بالذكرى العشرين لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، ضمن سلسلة من الفعاليات كان أهمها تلك التي شارك فيها عن الجانب الإسرائيلي وزير خارجيتها الأسبق موشي أرينز، وعن الجانب التشيكي رئيس وزرائها شخصياً يان فيشر وعدد آخر من الشخصيات المختلفة. وقد أبرزت هذه الفعالية سلسلة من المعطيات التي تكشف جوانب مهمة من العلاقات الثنائية الممتازة بين البلدين، منذ إطلاق نشاطات الحركة الصهيونية العالمية حتى اليوم، لكنها أعادت أيضا إلى الأذهان مجموعة من الشوائب الخطيرة القائمة بين تشيكيا والدول العربية.

 

وقد كان من الممكن لهذه الفعالية أن تمر كغيرها من النشاطات الدبلوماسية الروتينية، لولا الكلام المنمّق الذي صدر عن رئيس الوزراء فيشر، بخصوص استعداد بلاده للمساهمة في التواسط من أجل إطلاق محادثات السلام في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعتقد أن بلاده تقيم علاقات جيدة مع كل من إسرائيل والدول العربية، كما قال حرفياً.

 

إضافة إلى ذلك، فإن ما جعل هذا الحدث فريدا من نوعه، هو سلسلة من المواقف التي ترافقت معه، والتي أعادت إلى الأذهان الدور «المميز» الذي لعبته تشيكوسلوفاكيا السابقة، لرفد الجهود الصهيونية ببناء الوطن الموعود ليهود العالم، وكرّست «تميّزها» الواضح حالياً في رفد الجهد الإسرائيلي على أكثر من صعيد، وفي أكثر من جبهة.

 

في الواقع، إن ما أثار انتباهي وتحفّزي، لم يكن التعبير المذكور الخاص بلعب دور الوسيط بين العرب والإسرائيليين، والذي يدخل عادة في سياق التصريحات الدبلوماسية الروتينية الصادرة بشكل يومي عن معظم قادة العالم، بل ما استطرده رئيس الوزراء التشيكي مباشرة من أن براغ «تسعى لإقناع الاتحاد الأوروبي بتبنّي موقف مشترك حيال الدولة العبرية».

 

والمقصود بذلك، كما فُهم لاحقاً، هو إقناع بروكسل بتغيير دبلوماسيّتها الموضوعية غير المنحازة في الغالب لأي من أطراف النزاع الشرق أوسطي، ونسخ الأداء الأميركي بشكل كامل، لأنه يتوافق وتطلعات الشعب الإسرائيلي كما قال أرينز نفسه.

 

وهذا يختصر بشكل واضح تلك الشوائب القائمة في سياق الممارسة الدبلوماسية التشيكية، المنحازة في الجوهر كلّياً إلى جانب إسرائيل، برغم السعي الرسمي الدائم لطبع تلك الممارسة بأداء يوصف بالموضوعي، أو بالتعاطف المتوازن المزعوم مع طرفي الصراع!

 

وهذا ليس تجنّياً على هذه الدولة التي أجل وأحترم، فقد أثبتت ذلك بالأدلة والبراهين القاطعة، من خلال المواقف الكثيرة المسجّلة إبّان الأزمات الكثيرة التي ميّزت الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك من خلال مواقف مسؤوليها الرسميين الذين يتحدثون عن هذا الأمر عادة كمصدر للفخر والاعتزاز.

 

إن من رافق عملية تطور الإدراك الوطني التشيكوسلوفاكي، ولاحقاً التشيكي، خلال العشرين عاما الماضية، يمكنه أن يستشعر بوضوح معالم المراهقة الدبلوماسية التي ميّزت الأداء الرسمي، في ما يخص الصراع العربي الإسرائيلي تحديدا.

 

وهذا الأداء قد أثار، ولا يزال، القلق في نفوس كثير من الدبلوماسيين العرب، الذين عملوا في هذه المنطقة من العالم. لقد تبيّن ذلك بوضوح من خلال المواقف الرسمية غير الواضحة التي كانت تصدر إبان الأزمات المختلفة، والتي افتقرت للموضوعية في ملامسة واقع الحال القائم في منطقة الشرق الأوسط، بل إنها كانت في بعض الأحيان تتجرأ على الانحياز كلّياً إلى الجانب الإسرائيلي عندما يشعر الأخير بأنه محاصر.

 

في جميع الأحوال، فإن ما يهمّنا في كل ذلك، ليس حيثيات المواقف الرسمية التي تتبنّاها تشيكيا أو غيرها من الدول، والتي تبقى حقاً سيادياً لها يجب أن نحترمه. ما نريد أن نتمسّك به حتماً، هو حقّنا في الإصرار على ألا يتم استغباؤنا من قبل أي كان، تحت شعارات كثيرة بعضها دبلوماسي الملمس وآخر وقح إلى أقصى درجة ممكنة.

 

ولا يمكن بالطبع أن تستمر الدول في بناء علاقاتها الاستراتيجية مع الدول الأخرى، من خلال تغليف رغبتها الحقيقية الرامية أولاً وأخيراً لتحقيق تجارة مربحة مع تلك الدول، بمشاعر الصداقة المزيّفة والخالية من أي حميمية صادقة.

 

لقد تجرّأ مؤخراً ييرجي باروبيك رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي التشيكي، وأشار إلى بعض مكامن الخلل القائمة في العلاقة بين تشيكيا والدول العربية، عندما كتب أنه في حال استلم حزبه السلطة بعد الانتخابات المرتقبة في يونيو المقبل، فإنه سيسعى لإنهاء «عصر التقليل من أهمية الدول العربية، وفي بعض الأحيان إهانتها مثلما كانت تفعل حكومة ميريك توبولانيك...»، وأنه «في حال كانت هناك رغبة من قبل الأطراف المعنية، فإن حكومته ستسعى لتقديم العون من أجل تقريب وجهات النظر بينهم...».

 

إنها كلمات مسؤول استشعر عن حق طبيعة العلاقات التي كانت قائمة، والتي كانت تحتوي على كل شيء إلا على الموضوعية المطلوبة والاحترام الحقيقي المتبادل. يبقى أن ننتظر كيف سيواجه هذا الكلام من قبل حلفاء إسرائيل المراهقين، والذين بدأوا فعلياً بشن الهجوم تلو الآخر.  

============================

تراجع أوباما عن الساحة العالمية

جاكسون ديهل

الشرق الاوسط

16-2-2010

هل ينسحب أوباما الجريح من الساحة العالمية؟

ربما يُلتمس العذر للأوروبيين إن حسبوا ذلك يقع، فقد أعلن البيت الأبيض مؤخرا أن الرئيس الأميركي لن يحضر قمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المخطط لعقدها في مدريد خلال شهر مايو (أيار)، وهو ما يدفع إلى إلغائها. كما لم يتمكن المضيف، رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، من الاجتماع بأوباما أو نائب الرئيس بايدن خلال زيارة استغرقت يومين إلى واشنطن.

وزعم ثاباتيرو أنه «لا مشكلة» بالنسبة إليه في الرفض، ولكن لم يكن ذلك رد الفعل داخل بلده. وقالت صحيفة «الباييس» الإسبانية: «أوباما يدير ظهره إلى أوروبا»، وعلقت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية قائلة: «عدم ظهور أوباما يخيب آمال الأوروبيين».

ولدى الإسرائيليين والفلسطينيين من الأسباب ما يدفعهم إلى التعجب، فخلال خطاب حالة الاتحاد الذي أدلى به أوباما أمام الكونغرس على مدار 70 دقيقة لم يذكر إسرائيل أو عملية السلام في الشرق الأوسط. وقبيل إلقائه الخطاب، ذكر أوباما لشخص أجرى معه مقابلة أنه بالغ في تقديره لقدرة إدارته على استئناف المفاوضات بين الإسرائيليين المعاندين والفلسطينيين.

وبعد ذلك، هناك القادة داخل العراق. وقد قام اثنان منهم، الرئيس الإقليمي الكردي مسعود بارزاني، ونائب الرئيس طارق الهاشمي، وهو شخصية بارزة بين الأقلية السنية، بزيارة واشنطن أخيرا، وقال الاثنان لي إنهما يشعران بالقلق الشديد بشأن ما إن كانت إدارة أوباما ستظل ملتزمة بتحقيق الاستقرار والديمقراطية داخل العراق. ويعود ذلك في جزء منه إلى أن الكلام العلني لأوباما ركز على انسحاب القوات الأميركية بدلا من أن يتناول أي رؤى تتعلق بمستقبل البلاد. وقال الهاشمي: «أفهم أنكم تركزون كلية في الوقت الحالي على انسحاب القوات بحلول 2011»، «ولكن، ماذا سوف يحدث بعد ذلك؟»

وعليه، هل كل هؤلاء الأشخاص على حق في الشعور بالقلق؟ وهل يتعامل أوباما مع المشكلات السياسية في الداخل بتحويل ظهره عن الشؤون الخارجية؟

يمكن أن يقول البيت الأبيض إنه لا يفعل ذلك. وعلى الرغم من أنه لم يتطرق كثيرا إلى السياسة الخارجية في خطاب حالة الاتحاد، وركز بصورة واضحة على الشؤون الداخلية منذ انتخاب سكوت براون لمجلس الشيوخ، فلا يزال المنحى الدبلوماسي لأوباما غامضا نوعا ما. ومبعوثوه مشغولون حاليا في السعي من أجل تجميع الأصوات من أجل قرار يصدره مجلس الأمن لفرض المزيد من العقوبات على إيران. وأمام أوباما زيارة إلى أستراليا وإندونيسيا خلال الشهر المقبل، ويجري التحضير لقمة بخصوص نزع السلاح تعقد داخل واشنطن في أبريل (نيسان). وتقترب معاهدة أسلحة استراتيجية جديدة مع روسيا من الإتمام.

وداخل الشرق الأوسط، يعمل المبعوث جورج ميتشل بجد على إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالحديث بعضهم مع بعض.

وبالنسبة للعراق، كان بايدن هناك قبل أسبوعين، حيث كان يعمل من أجل تجنب أزمة ربما تقوض من الانتخابات المقبلة، وكانت هذه هي الزيارة الثانية له في الأشهر الثلاثة الماضية.

ليس من الخطأ إعادة النظر في إجراء رئاسي، ويكون ذلك مقنعا بصورة جزئية، كما فعل على الصعيد الداخلي، وقد ركز أوباما كثيرا على سياسته الخارجية خلال العام الأول. ولا توجد فرص جيدة لانعقاد سلام مبكر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولذا فإن الرئيس على حق في أن يترك مبعوثا يتولى ذلك. وقام أوباما بزيارة أوروبا ست مرات خلال عام 2009، وكان ذلك في الأغلب من أجل اجتماعات كانت محصلتها نتائج قليلة. ويحاول مستشاروه استخدام وقت سفره بحكمة أفضل، خلال العام الحالي.

ولكن، ثمة سمة مقلقة في تراجع أوباما. فليس ثاباتيرو فقط الوحيد الذي تراجعت العلاقة معه في ظل الإدارة الحالية، فعلى عكس معظم السابقين، لم يكوِّن أوباما علاقات قوية مع أي من القادة الأوروبيين. وبدلا من ذلك أحس رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل بالازدراء من جانب أوباما. وهناك توتر في العلاقات بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على أفضل الأحوال. واعتاد الرئيس السابق جورج دبليو بوش أن يعقد لقاءات عبر الفيديو كونفرانس بصورة دورية مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس الأفغاني حميد كرزاي، وفي المقابل تحدث أوباما معهم في عدد قليل من المناسبات.

لا تزال شعبية أوباما الشخصية داخل مناطق كثيرة في الكرة الأرضية قوية، وقد قال ثاباتيرو لمحرر «واشنطن بوست» إنه «داخل إسبانيا كانت انتخابات (أوباما) ينظر إليها كانتخابات داخل بلدنا». ولكن خلال العام الأول من ولايته، لم يوجد الرئيس الجديد العلاقة نفسها مع قادة الدول الحليفة الرئيسية. وحاليا نجده يقلل من وقته معهم. وربما كما قال ثاباتيرو بطريقة دبلوماسية «لا مشكلة في ذلك». ولكنني أشك في أن ذلك حقا ما فكر فيه الإسباني.

=====================

إعادة بناء الثقة تبدأ بالثقة

بقلم ويندي تشيمبرلين

مصدر المقال: خدمات McClatchy Tribune

3 شباط/فبراير 2010

www.mcclatchy.com

واشنطن العاصمة – يُوفّر مشروع قانون كيري-لوغر من الحزبين، والمسمى باسم السناتور جون كيري والسناتور ريتشارد لوغر، برنامج معونة ضخم متعدد السنوات لشعب الباكستان. هذا هو التوجه الصحيح لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والباكستان. لا يثق غالبية الباكستانيين بالولايات المتحدة لأنهم يعتقدون أننا نفضّل الدكتاتوريين العسكريين على الديمقراطيين المدنيين، وأننا نُسرع بالتخلي عن برامج الإغاثة والمعونة الاقتصادية الموعودة بعد أن نحقق غاياتنا الأمنية.

 

يشكّل هذا التشريع هجمة أمامية مباشرة على العقبة الرئيسية التي تقف عائقاً أمام تحسين العلاقات الأمريكية الباكستانية، أو فجوة الثقة، من خلال تقديم المعونة طويلة الأمد الموجهة نحو المدنيين. صُدِمَت واشنطن، ربما لأن منطق مشروع قانون كيري-لوغر بدا ذاتي الإثبات إلى درجة كبيرة، عندما واجهت وبشكل فوري سيلاً من الانتقادات من مختلف نواحي الباكستان.

 

شعرت المؤسسة العسكرية الباكستانية بالإهانة من تركيز مشروع القانون على الحكومة المدنية التي تعتبرها غريمة لها في السلطة الوطنية. وشعرت النخب الحكومية أنها عوملت بتفاهة بسبب الاعتماد الكبير على المنظمات غير الربحية في توزيع المعونة، بعد أن يأخذ المسؤولون الحكوميون الفاسدون ومدراء المنظمات غير الحكومية "الذهبية" حصتهم منها.

 

سيتم توزيع أموال المعونة قريباً، ولكن إن لم نعد التفكير بالأسلوب الذي ننظم به هذا البرنامج الضخم، فإنه سوف يكون له نتائج عكسية في عملية بناء الثقة ومساعدة الشعب الباكستاني.

 

يتوجب على إعادة تنظيم برنامج المعونة الأمريكية أن تتعامل مع مجالات ضعف رئيسية ثلاثة:

 

أولها أن الباكستانيين بالغوا بتوقعاتهم من برنامج المعونة الجديد. قد يبدو المبلغ كبيراً جداً بالنسبة لفلاح باكستاني يبلغ دخله اليومي دولاراً واحداً، ولكن ملياراً ونصف المليار من الدولارات سنوياً ليست سوى نقطة في بحر إذا تم قياسها باحتياجات الباكستان التنموية. المؤسف أن العديد من الباكستانيين يتوقعون أن يتعامل برنامج المعونة الأمريكي مع جميع مجالات فشل القطاع الاجتماعي. تبدو خيبة الأمل الشعبية المرّة أمراً لا مناص منه.

 

ثانياً، لم يتغير توجهنا في الباكستان وأماكن غيرها من ناحية أساسية منذ إستراتيجيات الحرب الباردة التي تميزت ببرامج معونة على شكل صفقات تجارية، عندما حاولنا استباق السوفييت بسخاء المعونة. لقد علقنا في المفهوم الخاطئ القائل بأن بناء المدارس سوف يحقق لنا مشاعر مساندة لأمريكا. من غير المحتمل أن تنتج مشاريع المعونة في غياب فهم أعمق للأحوال الاجتماعية والثقافية تغييراً في مواقف الشعب الباكستاني.

 

وأخيراً فهم الكثيرون في الباكستان أن أسلوب "صُنِع في أمريكا" المتبع حالياً لتصميم وتطبيق ومراقبة برامج المعونة التي نقوم بها، على أنها تتمحور حول الولايات المتحدة، إضافة إلى كونها متغطرسة ومنحازة نحو النخب.

 

ربما يقدّم التوجه الجديد الذي تتبناه وزارة التعليم في إدارة الرئيس أوباما مع صندوق "السباق إلى القمة" نموذجاً مفيداً لتوزيع أموال مشروع قانون كيري-لوغر. يعرض وزير التعليم آرن دنكان 4,3 مليار دولار على شكل أموال تحفيزية لأية ولاية أمريكية أو قطاع مدرسي أو مجتمع محلي في مسابقات لأفكار ابتكارية لتحقيق أهداف البرامج، مثل تحسّن في إنجازات الطلبة. يقدم برنامج معونتنا السخّي فرصة لتحدي الباكستانيين لتصميم برامج تحقق قيماً تحترمها كل من الولايات المتحدة والباكستان.

 

لا يمكن أن يشكّل أي برنامج إغاثة أجنبي بديلاً عن الإجماع الوطني، ولكنه يمكن أن يساعد على دعم برنامج كهذا. يقدر كل من شعبينا حكم القانون وأمن المجتمع ونوعية تعليم متساوية مفيدة للجميع وأنظمة سوق حرة توفر فرص العمل. يجب ألا نفكر بأن نفرض على الباكستان كيفية تحقق هذه الأهداف، وإنما يتوجب علينا تشجيع هؤلاء الملتزمين بذلك من خلال الحوافز بدلاً من الشروط.

 

يجب أن تكون الخطوة الأولى لبرنامج معونة أُعيد تنظيمه إجراء حملة تواصل على مستوى الدولة لإشراك الجمهور الباكستاني في حوار حول أهداف مشروع كيري-لوغر ومحدداته ومتطلباته من أجل إجماع أفراد المجتمع والاستثمار العام حتى يتسنى ضمان النجاح.

 

الخطوة الثانية هي فتح العملية لشركاء جدد في التنفيذ من خلال طرح شبكة كبيرة للمقترحات. نريد أن نفتح العملية أمام أية مجموعة لها أفكار جيدة قادرة على تحقيق نتائج، بالذهاب إلى ما وراء الوزارات الفيدرالية التقليدية والمنظمات غير الحكومية الأكبر حجماً. يقوم مجلس من الخبراء الأمريكيين والباكستانيين بتقييم المشاريع والمقترحات المقدمة ويتم اختيارها بناءاً على احتمالات نجاحها مقابل أهداف وغايات موضوعة.

 

ومن الأمور المهمة أن إشراك شعب الباكستان في برامج الإغاثة سوف يحقق نتائج تحقق النوايا الأصلية لمشروع قانون كيري-لوغر. سوف يتم التعرّف على قادة جدد من خلال فتح العملية وراء الدائرة المحدودة للنخب المثقفة. سوف نشجّع، من خلال السماح لباكستانيين يعرفون وضعهم وثقافتهم أفضل منا بالمشاركة في هذه العملية، على إيجاد حلول مناسبة أكثر من الناحية الثقافية. سوف تضمن عملية أكثر انفتاحاً مشاركة المجتمع واستثماره بها. وهي أخيراً تملك فرصة أفضل بتحقيق نية مشروع قانون كيري-لوغر الأصلية بتوليد الثقة من خلال إشراك الناس في عملية هامة جداً لازدهارهم.

يرتكز هذا التوجه على الفرضية المغامِرة بأن بناء الثقة يبدأ أولاً بالثقة بالجمهور الباكستاني بشكل كافٍ بحيث يسمح له بتصميم وتطبيق برنامج هو في مصلحتهم.

ــــــــ

* ويندي تشيمبرلين هي رئيسة معهد الشرق الأوسط وقد عملت سفيرة للولايات المتحدة في الباكستان في السنوات 2001 – 2002. الآراء والتأكيدات المذكورة في هذا التعليق هي آراء وتعليقات الكاتبة فقط ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر معهد الشرق الأوسط، الذي لا يتخذ مواقف حول سياسة الشرق الأوسط . تقوم خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية بتوزيع هذا المقال بإذن من معهد الشرق الأوسط.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

=========================

إعادة بناء البلد (حلقة ثالثة):

حين يتفكك المجتمع إلى أفراد

لا يكون مدنياً ولا قومياً ويفقد هويته

د. عادل سمارة

كنعان 14/2/2010

لا أعتقد قطُّ بان الفرد مركز التاريخ رغم تميُّزات الكثيرين كأفراد. ولا اعتقد أن بوسع مجتمع أن يتقدم طالما تفكك إلى مجرد أفراد لكل فرد منهم كفرد/ذات كيانيته الخاصة المنفصلة والمنفلتة عن المجموع، لا سيما في علاقته بالحق العام، بالقضايا العامة، بالوطن والمصير مهما كان الفرد مميَّزاً. حتى هؤلاء المميزون ليسوا سوى نتاجاً لشرط تاريخي لسياق تطور المجتمع/ات البشرية في بحثها عن التعالي باتجاه التقرب من المطلق. هذا التعالي الذي بنى هيجل عليه بنائه الفلسفي/السياسي في الدولة القومية. وهو نفسه البناء الذي سمح لهيجل، وهو فرد متميز بالطبع، أن يرى التطور والمصير الأفضل لألمانيا عبر الدولة (كمؤسسة كليانية) وليس تميزات الأفراد. كان مفهومه للمجتمع قد تجسد في نظرياته الكليانية للمجتمع والثقافة بان عمل الانسان له معنى فقط ضمن الكل، وهو مفهوم يعارض بوضوح الفردية الذرية (من ذرة، مثلا فرد). كما رأى هيجل ان الدولة كمؤسسة هي والبيروقراطية يخلقان التماسك الاجتماعي. من هنا أُتهم بأنه صاحب نظرية سلطوية، إلا أن ما يشفع له أنه يرى ان الدولة الدستورية البرجوازية هي نهاية التطور التاريخي.

 

المجتمع المدني ينتج الفرد وليس العكس

حين يصل التطور التاريخي لمجتمع ما إلى تشكيل وترسيخ واستيعاب وتمثل علاقات معينة بين السلطة السياسية (المجتمع السياسي) وبين المؤسسات المجتمعية التي تتوسط بين المجتمع والسلطة، يمكن تسمية ذلك المجتمع بأنه مجتمع مدني. وهذا بالطبع ما يُسعف هيجل من اتهامه بالشمولية لأنه ربما الأول الذي صاغ اسساً نظرية للمجتمع المدني. في حالة المجتمع المدني الذي يتحدث عنه الجميع في بلادنا اليوم، تكون أفكار وثقافة و/أو إيديولوجيا السلطة الحاكمة وتحالفاتها هي السائدة والمقبولة مجتمعيا من الطبقات التي ليست شريكة في السلطة، ولا طبعاً في الثروة. وهذا يعني بالضرورة والقطع أن هناك مشروع هيمنة للأطراف أو الطبقات المجتمعية الأخرى، لكنها عاجزة عن الإطاحة بهيمنة السلطة المهيمنة فهذه الأطراف أو الطبقات إما:

أن تتماهى مع إيديولوجيا السلطة وتستدخلها

أو تحاول الخروج عليها.

 

والحقيقة، أن ما يحدث هما الحالتان في علاقة تناقضية جدلية متزامنة.

والمغزى من إثارة هذه النقطة هو التوضيح بأن إطلاق وصف مجتمع مدني، حتى بحصول إجماع على إيديولوجيا معينة، (وهو إجماع المسيطر والمسيطَر عليه)، على مجتمع معين، يشترط وجود مؤسسات وسيطة بين المجتمعين السياسي والمدني لها دور في امتصاص التناقض. وهذه حالة موجودة في الديمقراطيات الغربية، وليست حقا موجودة في العالم الثالث وخاصة في الوطن العربي، ولا في الأرض المحتلة.

 

في حالة المجتمع المدني يكون للفرد دوره، ولكن لا يكون الفرد هو الدور والمقرِّر. يكون الفرد نتاج شرط تاريخي، ولا يكون الفرد متعالياعلى المرحلة والمجتمع. إذن، ورغم النقد الجذري على المجتمع المدني في الغرب وهو الذي تهيمن عليه إيديولوجيا طبقة معينة، فإن الفرد في التحليل الأخير محكوم تصرفه بجماعة ما، وليس كوكباً يطوف الفضاء على رسله. فالفرد جزء من جماعة، من طبقة من إثنية، من طائفة...الخ. لأن للمجتمعات والطبقات أطرها وتجمعاتها، أما الفرد فله نفسه.

 

متى تنقلب الصورة؟

في غياب المجتمع المدني، بل في حالة المجتمع المدني المتخيَّل وليس الحقيقي، كما هو حالنا، يمكن للفرد أن يُنيب نفسه عن المجموع دون تخويل، مثلا: كأن اقول أنا لي الحق أن أطلب من الشعب الفلسطيني إسقاط حق العودة. أو أن لي الحق في بيع ارضي في يافا، أو لي الحق في شجب الكفاح المسلَّح ضد الاحتلال، وخاصة العمليات الاستشهادية! وفي المستوى الثقافي يمكن لفرد أن يقول: أنا أطالب بإسقاط حق العودة، وأطالب بممارسة التطبيع الأكاديمي مع إسرائيل لأنني أنا كفرد مثقف أعي أكثر مما يعي الناس، أرى ما لا يرون وأن لا حاجة كي أشرح لهم ما أرى، فهم قد لا يرتقوا إلى الفهم المركَّب والمعقَّد الذي وصلت أنا إليه. أنا افكر لهم!

 

في هذا السياق يحل الفرد محل مؤسسات المجتمع المدني. وفي مثل هذه الحالة يكون المجتمع في مأزق الانفصال/الفُصام بين الفرد وبين المجتمع، ويصبح المجال مفتوحاً لكل فرد بأن يرى نفسه عبر ذاته، ويصبح الحق العام، المصير العام مفتتاً بين الرؤى الذاتية للأفراد.

لقد عايشنا قيادات سياسية حزبية تكتفي بأن يكون الزعيم وحده المؤهل فكرياً، وما على البقية إلا أن يستمعوا لما يقول، وأن ينفذوا ما يطلب حتى لو لم يفهموا ما يقول. وهذه مثابة ملوك في الأحزاب. وحيث تدهورت الحزبية إلى حد كبير، أصبح بوسع مثقف دون حزب، أن يقول ما يريد، وأن يتحدث باسم المجتمع حتى في اكثر القضايا مصيرية، وفي أحسن الأحوال تكون إجابته إن سُئل: أنا حر!

من يقرأ حال الفلسطينيين في هذه المرحلة، يمكن أن يخرج بمثل هذا الانطباع، سواء قيام فرد أو أفراد بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الإشكنازي، أو تسويق بضائعه في السوق المحلي مما يطرد مؤسسات الإنتاج المحلية من السوق، أو يؤدي إلى توقف الفلاحين عن الزراعة وبالتالي إهمال الأرض، أو قيام البعض ببيع ارض للاحتلال بحجة أن هذا سوق، أو ترويج يساري لعلاقة له مع يساري إسرائيلي باعتبار الأخير اقرب إليه من إسلامي فلسطيني، أو قيام مؤسسة محلية بتأجير مبناها لفرقة فنية تطبيعية صهيونية أيدت العدوان على غزة، أو قيام فرد أو مجموعة بالمتاجرة مع الاحتلال معللة ذلك بأن الأعمال يجب أن لا تنتظر حتى يتفق رجال السياسة...الخ.

لعل أول ما يبرز إلى الذهن بناء على الأمثلة أعلاه هو: هل هذا المجتمع مجتمع مدني؟ هذا المصطلح الذي يكرره ربما كل من يكتب من الفلسطينيين؟ ليس هذا المقال عن المجتمع المدني، ولكن، لا يمكن في المجتمع المدني أن يكون الفرد منفلتاً إلى هذا الحد، لأن المجتمع المدني، اي نوع من المجتمع المدني يقوم على وجود مؤسسات مجتمعية تنظم العلاقة بين الدولة الوطنية وبين المواطنين من جهة، وهي عملية انتظام تحول دون ضرب القيم والمكونات الأساسية للمجتمع.

 

ولكن، هل كان وضع الفلسطينيين هكذا في الماضي القريب؟ بالطبع لا.

فالانتفاضة الأولى قدمت مثالاً صارخاً على التماسك الاجتماعي الوطني عبر مقاطعة العمل والاستهلاك من الاحتلال. وكان الذي طُرد من السوق هي منتجات الاحتلال، لم تدر النساء العاديات والأولاد البسطاء، أنهم يقومون بعمل وطني اجتماعي اصبح نموذجاً تنموياً يُحتذى، هو التنمية بحماية الشعب، "التنمية بالحماية الشعبية". وكان هذا الإجماع العفوي ولكن الرصين والأصيل ديمقراطي وحر تماماً قام فيه الناس كل الناس بأدوارهم دون ضغط أو قمع. آنذاك كان المجتمع أعلى من مجتمع مدني. مارس الشعب آنذاك ديمقراطية شعبية داخلية لم تتمكن من قمعها أداة القمع الاحتلالي.

 

وحتى قبيل اشتعال الانتفاضة الأولى، أي ما بين حزيران وآب 1987، قال أحد كبار الأدباء الفلسطينيين لجريدة يديعوت أحرونوت الصهيونية، إن الشعب الفلسطيني جاهز للتفاوض مع إسرائيل والاعتراف بها. ودار حوار صحفي ساخن إثر ذلك، وبرز مثقفون وطنيون وقوميون واشتراكيون لمواجهة هذا التوجه الذي كانت له لا شك ارتباطات سياسية، وانتشر الحوار ليصل إلى عدة كتاب عرب، وفي النهاية كان اغتيال ناجي العلي. والدرس المستفاد من هذا، أن روح المقاومة حتى لسلوك الفرد والقلة كانت عالية. لم يكن للاغتيال أن يحصل لولا ان هناك تناقضا بين طرفين لكل موقفه الحدِّي.

 

فهل ما زال الوضع الفلسطيني اليوم على ما كان عليه آنذاك؟

يمكن التعامل مع هذا السؤال من مدخل قراءة المناخات التي تفكك مجتمع ما، و/أو تركِّب ذلك المجتمع أو تعيد تركيبه هي نفسها بعد تفكيكه على يدها او يد غيرها.

 

تفيد قراءة الأمثلة السابقة أن المجتمع الفلسطيني في الأرض المحتلة لم يعد بكل ذلك التماسك. فالتطبيع بمختلف الوانه الثقافية والسياسية والفنية والاقتصادية يتواجد وينتشر في مختلف بنى المجتمع. بل وصلت ممارسة التطبيع إلى قيام أفراد بذلك دون أخذ بالحسبان موقف ومصلحة المجتمع. بكلمة أخرى، صار بوسع فرد أن يغرق سوق مدينة بالمنتجات الإسرائيلية. وبوسع فرد أن يقف في مواجهة حملة رفض التطبيع الأكاديمي في البلد ليقوم بالتطبيع الأكاديمي مع الاحتلال، ويضع الجامعات الأجنبية المتضامنة مع الفلسطينيين في حرج. وصار بوسع فرد أن يعتبر العمل في مؤسسات غربية رسمية ميزة شخصية له اختير من قِبَل هؤلاء السادة لأنه "متميزاً" مهما كان نوع التميز، لا يَهُم! وبوسع نقابي أن يرفض مقاطعة نقابات الاحتلال، ويُحرج بالتالي الحركة النقابية بل العمالية المحلية والعالمية المتضامنة معنا.

لا شك أن هذا تعبير ظاهري وشكلي عن شعور الفرد أن بوسعه أن يكون "حراً". فليس اسهل على مطبع فرد أن يقول لك: "أنا حر". ولكن جوهر هذا السلوك الفردي المعلن والمتحدي يرتد في الحقيقة إلى تهالك، بل غياب، البُنى الجماعية التي تشكل المجتمع المدني، تهالك الحركات السياسية، والنقابات والجمعيات واتحادات الطلبة والعمال والمرأة، والمؤسسات الثقافية وحتى الدينية.

قد يقول البعض، لولا تهالك هذه البُنى لما كان للفرد/الأفراد أن يصلوا إلى هذا الحد. وهذا إلى درجة ما صحيح. ولكن، هل يحق للفرد عالماً أو بسيطاً أن يتجاوز على الحق العام؟ أن لا يرتبط بقيم عامة؟ هذا يذكرنا مرة أخرى بموقف هيجل أعلاه. وكيف لنا أن نقول ان هذا مجتمعاً إذن، فما بالك بمزاعم البعض انه مجتمع مدني! وهل تكوين مؤسسات مجتمعية يأتي من السماء، أم ياتي به افراد وجماعات؟ فلماذا لا يتم ذلك من جديد على يد أفراد جدد؟ لماذا لا يشعر كل منا بواجبه في إعادة بناء المجتمع. ولماذا يكتفي الكثيرون بالرقابة في أفضل الأحوال وبالتشكي والصراخ الممرور في أعلى الأحوال؟ لماذا ينفلت الأفراد من أواصر العمل الجماعي من علاقات الفريق، ويتحولون إلى كيانات سلبية وحنى ضارة؟ ولماذا تعجز المؤسسات والفرق والجماعات عن الاحتفاظ بهم؟ لماذا يصل بعض الأفراد إلى حالة من التعالي الصوفي (بالسالب طبعاً) بحيث يشعر انه مميز. ولماذا حين يتبين له انه ليس مميزاً كما يتخيل، يتحول إلى الشعور باللاقيمة، إلى عدواني وعبثي بدل أن يكون ذلك درساً تربويا له؟ أليس كل إنسان منا معلِّماً في مستوى وتلميذاً في مستويات لا تُحصى؟

 

لحظة مقارنة

لم نعش مع الاحتلال منذ عام 1967، بل أُرغمنا على ذلك، ولم يعش أهلنا في الاحتلال الأول 1948 مع الاحتلال بل أرغموا على ذلك. وهذا يطرح السؤال التالي:

هل الكيان الصهيوني الإشكنازي مؤسسة جماعية كليانية أم مجاميع مفككة، بل افراداً؟ أم هي هذا وذاك. وإذا كانت هذا وذاك معاً، فأية صفة هي الأساسية؟

قد يجيب البعض ان المؤسسة الصهيونية محكومة بإيديولوجيا صهيونية عنصرية تجمعية إدماجية في داخلها وإقصائية استثنائية في علاقتها بالآخر...الخ. وقد يكون هذا صحيحاً، بل هو صحيح. ولكن لماذا لم يولد هذا عندنا إيديولوجيا جماعية غير عنصرية لكنها قادرة على خلق تماسك اجتماعي. لماذا لا نتعلم من آلية العمل وليس من عنصرية الخطاب؟ قد تكون الإجابة الفضلى هنا هي تهالك المشروع الوطني وتحوله إلى عدة مشاريع وطنية حيث تعددت الرؤى لكل حزب أو حركة أو طبقة أو مؤسسة وحتى لكل فرد. هذا صحيح بالفعل، ولكن لهذا نقاش آخر.

 

إنما، ونحن نتحدث عن الفرد، أسوق هنا واقعة:

كنت وأسرتي في لندن عام 1985، وذهبنا ذات يوم إلى حديقة الحيوانات. دخلت ابنتي سمر وكانت أقل من عشر سنوات إلى حانوت صغير فيه رجل عجوز لشراء شيىء ما للأكل. سألها الرجل من اين انتم؟ قالت من فلسطين. فقال لها، هذه إسرائيل، أعطني عنوان أبيك. بعد شهر جائتني من الرجل العجوز رسالة يقول لي فيها: أنتم تعلمون اولادكم أكاذيب، هذه أرض إسرائيل. لم يكن خلف الرجل العجوز مخفر شرطة يراقب ضعف انتمائه! بل فعل ذلك، لأن الشرطة لا تحيط بعقله وجسده. بالمقابل، ما الذي يجبر فلسطيني على الإصرار على التطبيع، وهو يرى الاحتلال يأكل حتى موتانا!

 

مناخات انفلات الفردية

 

ما هي مناخات التفكيك المجتمعي والانفلات الفردي؟ ما الذي يجمع الأفراد وما الذي يفكك المجتمع إلى أفراد، وأفراد فقط؟

تُجمع القراءات النقدية للمجتمعات البشرية، ولا سيما في العصر الحالي على أن من يمسك بالسلطة السياسية يمكنه تغيير كل شيء. وهذا يعيدنا لبداية هذه الُعجالة، بأن من يسود، اي من يهمين، يركِّز القرار بيده ويغير ما لا يتوافق مع نظرته، مصالحه، إيديولوجيته...الخ.

 

وهذا يفتح على سلطة الحكم الذاتي على مستويين:

الأول: هل هي سلطة حقيقية بالمعنى السيادي؟ والإجابة لا.

والثاني: إذا لم تكن السلطة سيادية، فهل هناك سلطة بديلة، اي سلطة المقاومة؟ والإجابة لا أيضا.

فسلطة الحكم الذاتي تمثل حالة انسداد مقصود. فهي تقطع الطريق على الدور القيادي السري والفاعل للمقاومة، ولا تمارس هي سيادة، على الأقل لسببين:

الأول: أنها ليست سلطة مقاومة، بمعنى أنها تتبنى شعار "الحياة مفاوضات"!

والثاني: لأنها مقيدة باتفاقات التسوية.

إلى جانب ضعف العامل السياسي في إعادة بناء البلد، بل دوره في التفكيك والإحباط، هناك العامل الثقافي، وهو العامل الذي يفتح ربما اكثر من غيره مناخات للفردية. فالسياسي حتى لو ديكتاتوراً محكوم بعلاقة ما أو مرجعية ما بقطاعات من المجتمع لأن الديكتاتور، حتى الديكتاتور لا يحكم كفرد فقط، بينما "يتمتع" المثقف بفرصة التفرد الذاتي، أو فرص الانفلات. ولكن السؤال هنا ليس المثقف كفرد، أو المثقفين كمجموعة من الأفراد. بل المشكلة في تأثير روح استدخال الهزيمة على الثقافة الوطنية مما قاد إلى تراجع التقيد والإيمان بالقيم الوطنية والقومية ببساطتها وعموميتها، وتراجع الالتزام بالقيم الفكرية والثقافية للمجتمع مما جعل من السهولة بمكان على الفرد/المثقف خرق القيم والانفلات في التطبيع، وعدم المقاطعة، والدعوى للاعتراف بالكيان الصهيوني الإشكنازي...الخ.

 

ولكن، كيف يتم هذا؟ هل هناك حالة من الفراغ وانعدام الوزن بين المثقف والثقافة؟ كيف يمارس المثقف الفرد/الفردي عملية خرق الموقف الثقافي وتجاوزه؟ ما هو الجسم المادي الذي يتوسط بين المثقف والثقافة، فيعززها أو يهزها وينقضها أو يبهِّتها؟

هنا يحضرنا الوجود المادي الموضوعي للقوى الاجتماعية السياسية والمؤسسات الاجتماعية. قد يحلو للبعض تسميتها بقوى ومؤسسات المجتمع المدني، وقد لا يطيب للبعض ذلك. إنما المهم أن غياب هذه القوى والمؤسسات، هو الذي يخلق حالة الفراغ التي يتم ملؤها بالنُتف والتفتتات الفردية. وبدون هذا المعيار، اي وجود القوى والمؤسسات الاجتماعية بين الفرد والثقافة، لا يمكننا قياس خطيئة الفرد وانحرافه. فهو كفرد لا يعيش بدون الناس.

والإتيان على ذكر العامل الثقافي لا يعني أسبقيته على العامل الاقتصادي/المادي من أجل الدقة. بل تم ذلك لأن قدرة المجتمع، وخاصة قواه التي نتحدث عنها على المواجهة الثقافية يجب أن تكون اقوى من قدرته على المواجهة الاقتصادية/الإنتاجية. هذا رغم أن المستوى الثقافي والسياسي يتأثر وقد يكون انعكاساً خلاقا للاقتصادي الاجتماعي. أنما المقصود بوضوح، أن بوسع الثقافي المقاومة أكثر من الاقتصادي لأن استقلالية الثقافي في بلدنا تحت الاحتلال هي أعلى من الاقتصادي. ولكن...

ولكن، ضعف الثقافي أتٍ هذه المرة من ضعف السياسي وقراره عدم المقاومة، وهذا ما نسميه الديالكتيك المرتد والسالب لكل من الثقافي والسياسي، بما هما الخاصرتان الأضعف للمجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال.

لقد فتك الاحتلال باكراً بالعامل الاقتصادي الإنتاجي في الأرض المحتلة وألحق بنيتها التحتية باقتصاده، وهو ما ترتب عليه إلحاقا قسريا للبنية الطبقية المجتمعية باقتصاد الاحتلال. فحين تُفرغ السوق من البضاعة، تقوم فئة مجتمعية بالشراء من سوق الاحتلال، ببساطة لأن الاحتلال قطع كافة منافذ التصدير والاستيراد وأخضعها لمصالحه وقراره، ومن يريد الاستزادة فليقرأ اتفاق باريس الاقتصادي. وحين تغيب المواد الخام تقوم فئة أو شريحة أصحاب المعامل بشراء هذه المواد من سوق الاحتلال...وهكذا.

 

ولأن العلاقة بالاحتلال هي علاقة صراع وتناقض تناحري، فإن هدف الاحتلال هو تفكيك مختلف المواقع والبُنى المحلية التي تخلق تكتلات جماعية. تفكيك المصنع، مصادرة الأرض، أي تفكيك مختلف مواقع الإنتاج. وهذا الأمر بالتحديد هو الذي دفع بقوة العمل المحلية للتدفق غلى مواقع اقتصاد الاحتلال لتصل في فترات متعددة إلى أكثر من 40 بالمئة من قوة العمل المحلية. كانت تذهب هذه القوة إلى هناك كأفراد لا كطبقة أو شريحة/شرائح.

بين سياسة الاحتلال في تقويض البنية الإنتاجية، وتشجيع الاستهلاكية، وتوفير فرص التموُّل من الأجنبي والتعيُّش عليه، وبين ضعف الخاصرتين الثقافية والسياسية في الأرض المحتلة وخاصة لدى السلطة الفلسطينية، تحولت الشرائح والطبقات، من حيث حدود وضرورة تماسكها الداخلي، إلى أفراد مبعثرة بدل ان تكون قوة جمعية متماسكة. لذا لم نعد نرى حركة عمالية او طلابية أو نسوية...الخ. وإن وجدت فهي ليست في وضع من يقود الأكثرية العمالية او الطلابية او النسوية...الخ. وربما لهذه الأسباب يجوز للبعض الجدال: هل هناك طبقات في الأرض المحتلة؟ سؤال أكبر من هذه الأسطر.

 

الجهوية وتفكيك الهويات

كما سبق، ليس هذا بحثا في الهوية. والهوية مسألة أقرب إلى التخيُّل منها إلى التجسيد المادي، وقد تكمن تخيُّليتها في كونها تقسم على فرد واحد، له هويته، أو على أمة باكملها، أو على الأممية. أليست الهوية الإنسانية أممية؟ ولكن، رغم ذلك للهوية سحرها ولها حضورها ولها معناها. بل الأخطر أن لها معانيها. وربما بسبب هذه المعاني المركَّبة والمعقَّدة للهوية فإنها توفر مناخاً للفردية التي هي شاغل هذا المقال.

 

من سحر الهوية، أن الناس، المجتمعات، تستدعيها حين الأزمات. بدورها تعرضت الهوية العربية الفلسطينية هنا ولا تزال لهجمة منهجية من الاحتلال من جهة ومن قوى سياسية محلية من جهة ثانية. فيما يخص الاحتلال، أُلقي على وعي القارىء/ة العبارة التالية للتفكير فيها: "إن التسوية مع الاحتلال، هي من وجهة نظره طبعة أخرى من الحرب على الوجود والهوية العربية الفلسطينية". وبغض النظر عن مقاصد كل طرف، كان الهدف من هذه الحرب والهجمات أو الضربات تفكيك كل ما هو مشترك لإيصال المجتمع لكل ما هو فردي ومضيَّع. لقد بدأت الهجمة ضد المشترك القومي سواء من الاحتلال أو من قوى القطرية والإقليمية. وبعد أن جرى شبه فك للهوية الفلسطينية عن العمق الثقافي العربي بمكونية الإسلامي والمسيحي، وطبقا لما يجري الآن من فك الهوية الفلسطينية عن ارتباطها الثقافي الإسلامي، يتم الآن تفكيك الهوية الفلسطينية من داخلها إلى هويات حزبية وإلى هويات مناطقية وإلى هويات عقائدية ويمكن لهذا الانشطار المتسلسل تنازليا أن يوصلنا إلى تحول كل فرد إلى هوية قائمة بذاتها!

والحقيقة أن هناك تعدد في الهويات، فكل منا مثابة هوية مركَّبة. فأنت عربي وفلسطيني، وقومي...الخ. ولكن، في مناخ معين وفي فترة معينة وأمام تحديات معينة، لا بد ان تطغى الهوية الجمعية على الهويات الأخرى الجانبية المتمفصلة معها لكي تقوم هناك حالة تماسك اجتماعي وطني قومي للحفاظ على الوجود الجمعي. هذا ما يؤكد لدائنية الهوية. ولكن، طالما نخلق نحن الهويات، فبوسعنا إذن توجيهها، وبوسعنا الحيلولة دون اختزال هوية المجتمع في نزوات الأفراد.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ