ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 07/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


سياسة أوباما تجاه العراق .. التركيز على ما هو أكثر من الإنسحاب

هنري كسينجر - «واشنطن بوست»

الدستور

7-2-2010

في خطاب حالة الاتحاد الذي استمر احدى وسبعين دقيقة ، لم يستخدم الرئيس أوباما أكثر من مائة كلمة وكلمة للحديث عن العراق ، وكانت كلها تتسم بأنها لامبالية. وخلال فترة توليها السلطة ، ابتعدت الإدارة عن منافشة أهمية العراق الجيواستراتيجية وبشكل خاص علاقة أميركا بها.

 

مع ذلك ، في الوقت الذي تم فيه استبعاد العراق في مناقشاتنا ، ظل الواقع يثب ليقتحم علينا وعينا. فانسحاب جنود الولايات المتحدة لن يغير من الأهمية الجيواستراتيجية للبلد ، حتى لو كان يغير من ذلك المضمون.

 

كانت بلاد ما بين النهرين النقطة المركزية الاستراتيجية في المنطقة في الألفية الماضية. وكانت ثرواتها تؤثر في الدول البعيدة. الخط الفاصل بين العالمين السني والشيعي يسير من خلال مركزها - في الواقع ، عبر عاصمتها. مقاطعات العراق الكردية تقع بصورة مثيرة للقلق بين تركيا وإيران والأعداء الذين يظهرون من داخل العراق. ولن يكون من مصلحة أميركا ترك المنطقة في حالة فراغ.

 

كما أنه ليس ممكنا فصل العراق عن الصراع مع الجهاد الثوري. وحصيلة ما سيحدث في العراق سوف يكون لها أثرها على التوازن النفسي في الحرب ضد الإسلام المتطرف ، وخصوصا إذا ما اصبح هناك فهم للانسحاب الجاري في الوقت الراهن في العراق باعتباره تراجعا من المنطقة ، أو طريقة أكثر فاعلية لتعزيزه.

 

لكن العراق اختفى إلى حد كبير من مناقشات السياسة في واشنطن. هناك مبعوث خاص في كل دولة خطرة في المنطقة باستثناء العراق ، الدولة التي سيساعد تقيمها في تحديد مدى عمق الصلة الأميركية في الحكم على تيارات المنطقة. يجب على إدارة أوباما أن تصبح على استعداد لتعترف بأن العراق ما زال يلعب دورا مهما في الاستراتيجية الأميركية. الزيارات القصيرة التي يقوم بها مسئولون كبار مفيدة كونها رمز لذلك الدور. لكن لأجل ماذا؟ استمرار العمليات أمر ضروري في المفهوم الاستراتيجي لمنطقة يلوح فيها شبح إيران بصورة متزايدة.

 

قبل الحرب ، كان التوازن بين العراق وإيران حقيقة جيوسياسية أساسية داخل المنطقة. في ذلك الوقت ، كانت قيادة الحكومة في بغداد دكتاتورية سنية. الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة ، والتي لها بنية ديمقراطية جزئيا وبرزت من الحرب ، لم تؤسس حتى الآن التوازن الملائم بين العناصر الرئيسية فيها وهم السنة والشيعة والأكراد. كما لم تستقر علاقتها مع إيران على المدى الطويل. وإذا ساد المتطرفون في الجزء الشيعي ، وقام الجزء الشيعي بالسيطرة على المناطق السنية والكردية ، وإذا وقفت بعد ذلك إلى جانب طهران ، فسوف نشهد - ونكون قد ساهمنا بذلك جزئيا - تغييرا جوهريا في توازن المنطقة.

 

حصيلة ما سيحدث في العراق ستكون له عواقب عميقة جدا ، أولا وقبل كل شيء ، في المملكة العربية السعودية ، الدولة الرئيسية في الخليج العربي ، بالإضافة إلى دول الخليج الأخرى وفي لبنان ، حيث حزب الله ، الذي تموله إيران ، والذي هو أصلا دولة شيعية داخل الدولة. تبعا لذلك ، فإن الولايات المتحدة ، أمام رهان هام لإجراء تقييم معتدل لسياسات العراق المحلية والخارجية.

 

إدارة أوباما واقعة في مأزق المفاوضات مع إيران حول احتواء تكاثر أسلحتها النووية. سواء تم حل القضية النووية بالدبلوماسية أو بالمناورات الحربية ، فإن استقرار المنطقة سوف يتأثر بصورة حاسمة بمدى القدرة على إحلال التوازن بين إيران والعراق. بدون مثل هذه الترتيبات ، فإن المنطقة عرضة لخطر أن تعيش إلى ما لا نهاية فوق كومة من الانفجارات قبل معرفة فتيل الانفجار الذي يجب أن ننزعه.

 

التعابير الرسمية لسياسة الإدارة المتعلقة بالعراق تتعلق بصورة أساسية بمعدل الانسحاب. حتى إشارة الرئيس أوباما إلى العراق في خطاب الاتحاد الأخير الذي ألقاه كان ضمن هذا السياق إلى حد كبير. خمسة من القادة العراقيين رفيعي المستوى تمت دعوتهم إلى واشنطن وكان استقبالهم متحفظا. أميركا بحاجة أن تظل لاعبا دبلوماسيا فاعلا. يجب أن يكون إدراك أن حضورها له هدف يتجاوز الانسحاب. هناك حاجة لتعابير الالتزام السياسي بالمنطقة. خلال تنفيذنا للانسحاب الاستراتيجي ، علينا أن نكون متأكدين بأن الاستراتيجية يجب أن تظل على صلة بالخروج.

==========================

السوريون شخّصوا ضعفاً إسرائيلياً

المستقبل - السبت 6 شباط 2010

العدد 3560 - رأي و فكر - صفحة 19

رون بن يشاي

("يديعوت أحرونوت" 5/2/2010)

السهام السامة التي أطلقها اليوم وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان باتجاه دمشق، خرجت من دون أدنى شك عن الخط الرسمي للحكومات الإسرائيلية في العقد الأخير. لكن في خضم النيران المتقاطعة التي تخترق في الأيام الأخيرة محور القدس  دمشق، يبدو أن تركيز الأمور فقط على كلام ليبرمان، يفضي بالتحديد إلى عدم إصابة الهدف. في الواقع، المثير أكثر للاهتمام هو محاولة تحليل الدافع الذي حرك سيل التصريحات الحربية التي أُطلقت الواحدة تلو الأُخرى من الحدود الشمالية  الشرقية ( أي من سوريا)، بدءاً من تصريح الرئيس السوري بشار الأسد، مروراً بوزير الخارجية وليد المعلم وانتهاءً برئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان السوري سليمان حداد، والتي سارع في أعقابها كل من نتنياهو وليبرمان لنشر توضيح تصالحي.

خلافاً لتشتت الرسائل الصادرة من القدس، تحدث الجميع في دمشق بروح واحدة، وكانت رسالتهم شبه موحدة: اشتعال الوضع في الشمال، سواء حصل مع لبنان أو مع سوريا، سيتحول إلى حرب شاملة بين سوريا وحزب الله وبين إسرائيل، والتي ستتلقى فيها الجبهة الداخلية الإسرائيلية رشقات صاروخية مؤلمة جداً ستُلحق بها دماراً فادحاً. إضافة إلى ذلك، يقول السوريون إنه بعد الحرب الشاملة التي سيُلحقون خلالها بإسرائيل ضرراً فادحاً، لن تجلس سوريا إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل.

وثمة تحليل آخر للأصوات الصادرة من دمشق، وهذا التحليل ينص على أن السوريين ببساطة لم يفهموا بصورة صحيحة كلام وزير الدفاع باراك، الذي أدلى به مطلع الاسبوع، والذي يفيد أنه "من دون تسوية، يمكن الوصول إلى حرب شاملة مع سوريا، سنجلس بعدها للمفاوضات". مجرد حقيقة أن باراك استخدم مصطلح "حرب شاملة" في كلمته التي ألقاها أمام السلك القيادي الكبير للجيش الإسرائيلي، يبدو في دمشق كنيّة إسرائيلية لمهاجمة حزب الله وسوريا. ويجد السوريون تعزيزاً لهذا التصور في التصريح الذي أطلقه الوزير يوسي بيلد، قبل اسبوعين، والذي قال فيه "نحن ذاهبون إلى جولة أُخرى في الشمال، لكني لا أعرف متى؟". هذه الكلمات حظيت ايضاً بأصداء ملموسة في العالم العربي.

لكن ثمة احتمال ثالث أيضا، وهو المفضل اليوم من قبل خبراء مختلفين بالشأن السوري. بحسب هذا التقدير، السوريون لا يخافون كثيراً، بل يشعرون تحديداً أن الحظ ابتسم لهم، ويريدون استغلال تصريح باراك، والتلويح به للضغط على إسرائيل. وبحسب هذا التفسير، الذي يتمتع بعناصر تأييد إضافية مستمدة من المعلومات الآتية من سوريا، ترى القيادة السورية في كلام باراك الذي يقول فيه "نحن نخاطر بحرب شاملة"، شهادة على الضعف والخشية لدى إسرائيل من قوة المنظومة الصاروخية التي لدى حزب الله وسوريا. هذا الضعف يحاول زعماء سوريا التلويح به الآن، ولذلك يُصعدون تهديداتهم. هكذا، على سبيل المثال، ورد في كلام وزير الخارجية السوري المعلم، أن الحرب القادمة "ستصل إلى مدن إسرائيل"، وكذلك التهديدات بأن لبنان وسوريا هما جبهة واحدة بحيث أن مهاجمة أي منهما سيؤدي إلى رد من قبلهما معاً. وكذلك قول حداد إنه "بعد الحرب لن تكون هناك مفاوضات للسلام"  كل هذه التصريحات هي محاولة لإطلاق التهديدات تجاه إسرائيل، انطلاقاً من الإدراك أن كلام باراك يعكس خشية وضعفاً.

في هذا السياق، يقول خبراء في الشأن السوري إن باراك أخطأ عندما سمح بنشر كلامه، الأمر الذي أدى إلى تقويض قدرة الردع الإسرائيلية. وعلى الرغم من ذلك، فإن كلام السياسيين السوريين لا يبرر العربدة غير الديبلوماسية من جانب وزير الخارجية ليبرمان. ذلك أن كلامه الذي قاله اليوم يعزز صورة "الضعيف المُعتدي" التي تحاول سوريا إلصاقها بإسرائيل.

==========================

كلام الأسد يؤكد تقويم صفير!

علي حماده

النهار

7-2-2010

التحولات التي أصابت العلاقات اللبنانية – السورية ولا سيما بعد قيام دمشق بعدد من الخطوات التي صنفت ايجابية، ومن بينها الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق وقيل انها اذنت بحلول مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين وخصوصا بين التيار الشعبي الاعرض في لبنان عنينا التيار الاستقلالي والجار الاقرب، هذه التحولات ارست مناخات مشجعة مع الحكم السوري، فأتت تصريحات الرئيس بشار الاسد قبل يومين لمجلة "نيويوركر" الاميركية لتبدد كل ايجابية، ولتعيد التأكيد بأن شيئا لم يتغير في ذهنية الحكم هناك حيث قال: "ان الحرب الاهلية في لبنان قد تبدأ في ايام ولا تحتاج الى اسابيع واشهر". قد تبدأ هكذا فقط. لا يمكن الشعور بالاطمئنان حيال اي شيء في لبنان إلا اذا غيروا النظام بكامله"! والحال ان ما قيل انه وصف قدمه الرئيس السوري للواقع اللبناني ما كان ليعزز الشكوك لولا ان القائل هو نفسه الذي ينتظر منه لبنان خطوات حقيقية تعيد القليل من الثقة المفقودة، ولولا كل ما قيل عن صفحة جديدة في العلاقات تقوم على تراجع دمشق عن التدخل في الشأن اللبناني لمصلحة قيام علاقات بين المؤسسات الرسمية للبلدين.

بداية، يمثل كلام الرئيس الاسد خروجا على الاعراف الديبلوماسية بين الدول. وهو ما يستدعي من نظيره اللبناني موقفا كنا نتمنى ان يدلي به حتى لو كلفه الامر مواجهة مع بعض الداخل المتحالف مع الحكم السوري، لان رئيس لبنان لا يمكنه السكوت عن كلام من هذا النوع يعكس موقفا معاديا للنظام اللبناني واستدراجا لوظيفة "الاطفائي المهووس" الذي يشعل النار ثم يقدم نفسه اطفائيا قادراً على اطفائها. ثم هناك هذه اللهجة الاستعلائية التي ما تغيّرت حتى اليوم، وهذا ما يؤسف له. فمن يزعم انه يريد قلب الصفحة السوداء مع لبنان، لا يدلي بما ادلى به الى مجلة "نيويوركر". اضعف الايمان ان يتحلى رئيس دولة بقدر معقول من التحفظ عندما يتناول بلدا آخر. ومن نافل القول ان كلاما كالذي نحن في صدده يزيد مخاوف الاستقلاليين الذين يتابعون بقلق المناورات القائمة على مستوى طرح تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية المقدمة من رئيس مجلس النواب. والاستقلاليون قلقون اكثر من استمرار تنامي قدرات الدويلة المسلحة القائمة في رحم الدولة وعلى حسابها. ولا يقلل قلقهم هذا التغلغل المخيف للحالة الميليشيوية في مؤسسات الدولة بعدما جرى فرض الثلث المعطل في الحكومة فتعطّلت، وبعدما جرى تجويف نتائج الانتخابات النيابية فضربت اسس النظام الديموقراطي في البلد.

قد يكون الرئيس الاسد محقا في كلامه على النظام اللبناني. وقد يكون محقا في موضوع الحرب الاهلية في لبنان. ولكن "توصيفه" ناقص ما لم يرفده بالقول ان النظام اللبناني على علاته يبقى أقل النظم العربية ظلما للشعب واضطهادا للانسان، وقمعا للحريات. كما ان احتمالات نشوب الحرب الاهلية كانت لتكون معدومة لولا تمركز سلاح في يد فئة من خارج الدولة والشرعية، ولولا انخراطها في اجندات خارجية لم تأخذ مرة واحدة في اعتباراتها مصالح لبنان واللبنانيين. وكان توصيف الرئيس ليكون اكثر دقة لو انه أتبعه بالاعتراف الصريح بأن لحكمه تاريخاً وباعاً طويلين في اذكاء نار الخلافات بين ابناء الشعب الواحد في لبنان.

في الوقت الذي كنا ننتظر كلاما يعكس سياسة جديدة تجاه لبنان، اتانا كلام فأكد صحة مواقف البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الذي تساءل في حديثه الاخير الى مجلة "المسيرة" عما تغير لكي يزور دمشق! فهل يحوّل بعضنا مساره الانبطاحي؟

==========================

حكومة الحريري حاجة للبنان وسوريا !

سركيس نعوم

النهار

7-2-2010

بقي اللبنانيون خمسة اشهر من دون حكومة ومع رئيس مكلَّف هو زعيم "تيار المستقبل" و"قائد" 14 آذار النائب سعد الحريري. ذلك ان الأخير فشل في التأليف بعدما كلَّفه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في شهر حزيران الماضي القيام به فاعتذر عن متابعة المهمة. لكنه عاد فقبلها مرة ثانية عندما اعاد سليمان تكليفه بعد ذلك اي في شهر ايلول. وفي التاسع من شهر تشرين الثاني اي بعد قرابة شهرين على التكليف الثاني نجح الرئيس المكلَّف في انجاز مهمته فكانت حكومة التوافق الوطني او الوحدة الوطنية او حكومة الديموقراطية التوافقية التي "اقتنع" بها قادة لبنان وزعماؤه وان بعد لأي.

الا ان اللبنانيين كلهم يعرفون ومعهم العالم اجمع ان هذا النجاح ما كان ليتحقق لولا المصالحة التي انهت قطيعة طويلة او بالأحرى توتراً طويلاً بين المملكة العربية السعودية وعاهلها عبدالله بن عبد العزيز وسوريا ورئيسها بشار الاسد. ويعرفون ايضاً ان نجاح الحكومة الجديدة ورئيسها سعد الحريري في القيام بمهماتها او بغالبية هذه المهمات لن يتحقق الا اذا استمرت المصالحة المذكورة او بالأحرى الا اذا ادت الى تفاهم عميق ومفصّل بين الدولتين الشقيقتين على كل القضايا الخلافية ولا سيما منها التي ينكرون وجودها علناً رغم انها قد تكون الاسباب الابرز للخلاف الذي نشب قبل سنوات وللبرودة التي سبقته. ويعرفون ثالثاً ان النجاح نفسه للحكومة الجديدة يرتبط بقدرة رئيسها سعد الحريري والقيادة السياسية السورية العليا وتحديداً الرئيس بشار الاسد على ايجاد لغة مشتركة بينهما رغم كل مرارات الماضي والشكوك المحيطة به وعلى اقامة تواصل حقيقي صادق ومنتج باعتبار ان الشكليات على هذا الصعيد مفعولها قصير الأمد ولا تفيد احداً لا في لبنان ولا في سوريا. ويعرفون رابعاً ان النجاح اياه للحكومة يرتبط في الوقت نفسه باستمرار العلاقة الوثيقة جداً جداً بين الرئيس الحريري والمملكة العربية السعودية. ذلك انها كانت عرّاب تفاهمه مع سوريا المبدئي على الأقل وعرّابه بل حاميته امام سوريا وضامنته عندها. كما هي الحليف الابرز لفريق 14 آذار الذي يقود وتحديدا "لشعبه" وخصوصاً في ضوء الحساسيات والاشكالات بل الخلافات والصراعات المذهبية بين المسلمين ومرارات الحروب بين المسلمين والمسيحيين وبين المسيحيين انفسهم.

هل يعني كل ذلك ان نجاح حكومة الرئيس سعد الحريري مضمون او شبه مضمون؟

المعلومات المتوافرة عند عدد من الذين تابعوا ومن قرب المشاورات السعودية – السورية بعد "مصالحة الكويت" وبعد بدء مسيرة تأليف الحكومة اللبنانية الاولى لسعد الحريري والاولى بعد الانتخابات النيابية الاخيرة تدفعهم الى الاعتقاد ان النجاح قد لا يكون بعيداً من الحكومة الجديدة ورئيسها. وتفيد هذه المعلومات انه عندما تعقّد موضوع تأليف الحكومة بعد الاخبار التي نشرت في وسائل الاعلام ولم تكن كلها "خاطئة" عن تفاهم الرياض ودمشق على زيارة الرئيس المكلّف سعد الحريري سوريا وعن رفض الاخير ذلك للأسباب الكثيرة المعروفة ومنها انه مستعد للقيام بهذه الزيارة كرئيس لحكومة لبنان وليس بصفة اخرى شخصية او غير رسمية، تفيد المعلومات ان القيادة السعودية "زعلت" من الرئيس المكلّف لأنه وهو "الحليف" لها رفض مخرجاً لمشكلة هي وضعته او ساهمت في وضعه او قبلته. وعبّرت عن زعلها بأكثر من طريقة. وتفيد المعلومات نفسها ان الحريري ما كان في إمكانه تبنّي هذا المخرج بسبب "الملف الثقيل" في العلاقة بينه وبين عائلته والنظام السوري وبسبب التطورات المعروفة في الوضع اللبناني.

وعندما وصلت الامور الى هذه المرحلة، تُلْفِتْ المعلومات اياها، ابلغت السعودية الى سوريا انها لا تمانع في نشوء وضع لبناني يعيد النظر في عملية التكليف بحيث ترشح غالبية اعضاء مجلس النواب شخصاً آخر لتأليف الحكومة. وتردد في حينه ان الرئيس نجيب ميقاتي كان الأوفر حظاً. والمفاجأة هنا اتت من سوريا وتحديداً من الرئيس بشار الاسد الذي شكر السعودية على ايجابيتها ولكنه هو الذي تمسك بالحريري رئيساً للحكومة الاولى بعد الانتخابات النيابية مؤكداً انه وسوريا يريدانه في هذا الموقع وانهما سيكرمانه ويقدمان له كل الدعم اللازم. واعطى الرئيس السوري اسباباً كثيرة لهذا الموقف الايجابي كان ابرزها ان في لبنان عدداً كبيراً من المراكز والقواعد لتنظيم "القاعدة" الارهابي التكفيري، وخطره كما خطر كل الذين على شاكلته يطال العرب كلهم ويؤثر سلباً على قضاياهم القومية والوطنية. وعدم التعاون للقضاء على هذا الخطر سيكون مهلكاً للجميع. وفي لبنان فان التعاون مع الحريري وتيار "المستقبل" والطائفة السنّية التي يتزعم غالبيتها من شأنه انجاح مكافحة "القاعدة" وارهابها. فضلاً عن ان للحريري وتياره بل لتيار الاعتدال السنّي كله مصلحة في التعاون مع سوريا للتخلص من تنظيم "القاعدة" والذين على شاكلته لأن تمدده سيكون على حسابهما اذ سيرثهما بالكامل كما سيكون على حساب لبنان الذي قد يوقعه ذلك في حرب اهلية من جديد يختلط فيها الديني والطائفي بالمذهبي وخصوصاً في اوساط المسلمين.

هل الاعتقاد المبني على المعلومات المنشورة اعلاه بنجاح الحكومة بسبب التعاون السوري معها في محله؟

متابعو العلاقات اللبنانية – السورية وتطوراتها من زمان انفسهم يرجحون ان يكون كذلك. لكنهم يشددون على ان ضمان نجاح حكومة الحريري يقتضي، الى استمرار رعاية السعودية للبنان وتعاونها الوثيق مع سوريا والى تحلّي رئيس الحكومة الشاب سعد الحريري بالجدية والموضوعية والحكمة والصبر على المكاره تماماً مثلما فعل "حليفه" رغم انفصاله عن 14 آذار الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط، يشددون على ان ضمان نجاح الحكومة يلزمه الى كل ذلك قراراً سورياً بالتعامل مع لبنان كدولة وبالتخلي عن مطالبها فيه وبالتوقف عن استعماله ساحة خلفية لها ومدى حيوياً لسياساتها والطموحات. كما يلزمه قرار لبناني رسمي باحترام الاحجام والمصالح والامن لكل من البلدين الشقيقين وقرار اخر شعبي باحترام الذات. والقراران اللبناني والسوري لا يزالان غائبين.

==========================

أوباما اختار أن يبقى رئيساً

 بقلم :فلاديمير سادافوي

البيان

7-2-2010

جاءت الأزمة المالية العالمية لتضرب الاقتصاد الأميركي في العمق وتهدد بانهياره، وبدا واضحاً في تصريحات الرئيس أوباما العدول عن سياسات الحروب والحملات العسكرية ذات التكاليف الباهظة، التي تقدر بمئات المليارات، والتي لا يتصور أن تتحملها الخزانة الأميركية ولا دافعو الضرائب الأميركيون في ظل ظروف الأزمة.

 

وقد لاحظنا جميعاً أن هناك حملات انتقاد شديدة للرئيس أوباما من أركان اليمين المحافظ الأميركي، من الجمهوريين وغيرهم، يتهمونه بالتعامل بتهاون مع الأمن القومي الأميركي، بسبب تخليه عن الحملة على الإرهاب ووعوده بسحب القوات من العراق، والحوار مع إيران، وضغوطه على إسرائيل.

 

ولكن لم يمض عام من عمر إدارة أوباما حتى بدت مؤشرات التغيير في سياسة الإدارة الأميركية بالحديث عن إرسال الآلاف من الجنود لأفغانستان، وطلب أوباما من الكونغرس اعتماد أكثر من ستين مليار دولار لدعم الحرب في أفغانستان، وعاد الحديث من جديد عن الإرهاب والقاعدة.

 

ومع اندلاع الأحداث في اليمن زادت نبرة حديث الإدارة الأميركية، بما في ذلك أوباما نفسه، عن الإرهاب وتهديداته، كما بدا أن أوباما ينوي نفض يده من النزاع في الشرق الأوسط باعترافه الصريح بالفشل هناك، وأخيرا تحذيراته للسودان، وفي نفس الوقت لاحظنا تراجعاً ملحوظاً في حملة اليمين المحافظ الأميركي على الرئيس أوباما، وتراجع حدة الانتقادات الموجهة له.

 

الآن نلاحظ بوضوح أن الإدارة الأميركية لم تعد تتحدث عن الأزمة المالية، بقدر ما تتحدث عن الإرهاب وتهديداته، خاصة بعد عملية التفجير الفاشلة، التي قيل إن النيجيري عبد المطلب حاول تنفيذها على متن طائرة متجهة من أمستردام إلى ديترويت.

 

ورغم أن العملية كانت محكومةً بالفشلِ سلفاً، لأن المادة التي أخفاها الشاب النيجيري في سروالهِ الداخلي لم تكن مزودة بصاعق، وبالتالي كان من المستحيل أن تنفجر.

 

ولو كان عبد المطلب أراد فعلاً تفجير الطائرة لحمل كيلوغراماً من الديناميت ولنجح في ذلك، بما أنه وصل إلى داخل الطائرة، وعلمنا بعد ذلك أن شركةً يمتلكها مواطنان إسرائيليان كانت تشرف على أمن مطار أمستردام، وأن هذه الشركةَ هي نفسها التي كانت تشرف على أمن المطارات الأميركية التي انطلق منها منفذو عمليات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

 

حادثة الشاب النيجيري وفرت للسلطات الأميركية الدعم الشعبي اللازم، لتصعيد العمليات العسكرية في أفغانستان وفتح جبهة جديدة في اليمن، بعد أن أعلنت السلطات الأميركية أن عبد المطلب تلقى تدريبه في معسكرات القاعدة في اليمن، علماً بأن هذه المعسكرات لا وجود لها.

 

والآن يستعد الأميركان للتوجه إلى اليمن لفتح جبهة جديدة لا نعتقد أنها ستكون الأخيرة، بل هناك جبهة أخرى أكبر مساحة وأكثر خطورة، بدت مؤشرات افتتاحها واضحة، وهي الجبهة الهندية الباكستانية، وقد سمعنا تصريحاً لوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس منذ أيام، عبر فيه عن تخوف بلاده من نشوب حرب بين الهند وباكستان، وقال إن «القاعدة» تحاول إشعال فتيلِ النزاعِ بين الجارين.

 

واشنطن تكثر الحديث عن منظمات إرهابية في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية، وتحاول بشتى الوسائل إقناع الأميركيين والعالم بضرورة الاستعداد لشن حرب طويلة الأمد ضد الإرهاب.

 

وعلى ما يبدو أن الماكينة العسكرية الأميركية التي عبرت الأطلسي شرقا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لن تعود لأراضيها قريباً، فأمامها مهام واسعة النطاق في أماكن مختلفة من العالم.

 

وليعلم أوباما أن بلوغ المنال ليس بالأماني ولا بالنوايا الحسنة، وليفهم أيضاً معنى اللغز الذي قاله أحد الحكماء بعد اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كنيدي عام 1963، حين قال «سيد البيت الأبيض إما أن يحكم وإما أن يبقى فقط رئيساً».

 

ومن المعروف أن كنيدي أراد أن يحكم وأن يكون صاحب القرار ففقد الرئاسة والحياة معا، وكل من يأتي من بعده يستوعب هذا الدرس جيدا، وأوباما ليس استثناء.

كاتب ومحلل سياسي أوكراني

==========================

محنة الكتاب العربي

بقلم :حسين العودات

البيان

7-2-2010

افتتحت القاهرة معارض الكتاب العربي التي ستتوالى مواعيدها في المدن العربية طوال أشهر العام، إذ تقيم البلدان العربية ثلاثة عشر معرض كتاب سنوياً على الأقل. وقد اتفق الباحثون في الشؤون الثقافية على أن انتشار قراءة الكتب هي من حيث المبدأ، المؤشر الجدي والرئيس على ارتفاع المستوى الثقافي لأفراد المجتمع، ذلك أن القراءة تلعب دوراً فعالاً في تشكيل وعي الفرد ورفع مستواه الثقافي، وقدرته على المحاكمة والإبداع والخيال.

 

كما تساهم الكتب المتخصصة في تطوير قدراته المهنية وإمكانياته في كل مجال، وتؤهله للحوار والنقد ومعرفة حقوقه وواجباته وهي جوهر المواطنة، إضافة إلى مهمات أخرى عديدة تؤديها مطالعة الكتب، ولا تنوب عنها في هذه المهمة، لا وسائل الإعلام ولا معظم وسائل الاتصال الأخرى، سواء منها الصحف والمجلات والأقنية التلفزيونية والإذاعية، أو الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) أو غيرها.

 

والأسباب عديدة، تتعلق بطرق عمل هذه الوسائل وأساليب تداولها من قبل المتلقي، وطبيعة مرحلة التطور التي تمر بها شعوب العالم اليوم، والمفاهيم والقوى المؤثرة فيها، خاصة العولمة وهيمنة الاحتكارات وثقافة ما بعد الحداثة، التي من أهدافها الرئيسة الحرص على سيادة نمط الحياة الاستهلاكي، وإشاعة مفاهيم اللذة والعنف وقيمهما وسلوكهما، وتشويه الهوية الثقافية.

 

وتعميق مشاعر الدونية تجاه الثقافة والقيم والتقاليد الغربية، واجتثاث الفرد من ثقافته، وغرسه في ثقافة الاستهلاك والصفقات والربح السريع، وقتل الروح الوطنية، والسخرية من التعاون والتعاضد والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

 

وعلى أي حال، ومهما كان مضمون الكتب، فإنها أكثر جدية في المساهمة في تشكيل الوعي، وأكثر جدوى من وسائل الإعلام الأخرى. ورغم تفجر الاتصال وتعدد وسائله وتنوعها وتطورها واستفادتها من علوم المعلوماتية وتطبيقاتها، فإن تراجع الكتاب لم يكن يتطابق عكساً بالسرعة والدرجة نفسها مع هذا التطور والتنوع، وبقي صامداً في وجه سطوة هذه الوسائل وهيمنتها في معظم بلدان العالم.

 

وخاصة في تلك البلدان المتقدمة التي كانت القراءة فيها تلاقي انتشاراً واسعاً، أعني الدول الأوروبية ودول أميركا الشمالية. فلم يتدهور الكتاب أمام تفجر الاتصال والإعلام والمعلوماتية وتعدد وسائلها، أو أمام انتشار «الإنترنت» أي الشابكة (كما سماها مجمع اللغة العربية)، أو الهواتف والحواسيب المحمولة أو غيرها، على عكس ما كان يعتقد الباحثون في الشأن الثقافي في بدء توسع انتشارها.

 

لقد أكد تطور وسائل الثقافة والإعلام عدم استطاعة أي وسيلة إلغاء الوسيلة أو الوسائل القائمة أو التي سبقتها، مع أنه يحصل بعض الإرباك لدى الوسيلة القديمة ومساحة انتشارها والاهتمام بها أول الأمر، لكن سرعان ما يعود التوازن بعد صدمة «الاندهاش» الأولى أمام الوسيلة الجديدة.

 

فعند اخترع السينما في نهاية القرن التاسع عشر مثلاً، ساد الاعتقاد أن توسع انتشارها سيؤثر سلباً على الكتب والصحف والمجلات ودورها الثقافي وأهميتها وفعاليتها في تشكيل الوعي، ولكن هذا لم يحصل.

 

والأمر نفسه تكرر بعد اختراع الإذاعة في مطلع القرن العشرين، ثم اختراع التلفزيون وتحوله إلى وسيلة إعلام جماهيرية في منتصف ذلك القرن. فقد كان الدارسون والمهتمون بالشؤون الثقافية في ذلك الوقت، يرون أن تحول التلفزيون إلى وسيلة إعلام جماهيرية سوف يؤدي إلى موت السينما، لكن ذلك لم يحصل أيضاً، والأمر نفسه تكرر في العقد الأخير من القرن الماضي، بعد انتشار «الإنترنت» والحواسيب وغيرها، فقرأ كثيرون الفاتحة على روح الصحافة والكتاب، إلا أنه.

 

رغم التأثير السلبي الجزئي على هذه الوسائل، عاد إليها التوازن إلى حد بعيد بعد حين واستعادت أنفاسها، وبقيت الحاجة إليها واضحة لا جدال فيها، وقد شهدنا ذلك بوضوح في البلدان المتقدمة التي كان انتشار وسائل الاتصال القديمة فيها واسعاً.

 

أما في البلدان المتخلفة (والتي يجاملها الدارسون بتسميتها نامية) فإن انخفاض نسبة انتشار الصحافة والكتاب التي كانت متحققة قبل تفجر الاتصال إزداد سوءاً بعده، لأسباب موضوعية تتعلق بمرحلة التطور التي تمر بها هذه المجتمعات، وارتفاع نسبة الأمية، وتدني الدخل، وضعف تقاليد القراءة أو انعدامها، وتجاهل خطط التنمية الثقافية وعدم الاهتمام بها، وغيرها من الأسباب.

 

نشرت صحيفة «الصباح» التونسية الأسبوع الماضي دراسة أعدتها اللجنة الوطنية للاستشارة حول الكتاب والمطالعة في تونس (وهي لجنة رسمية)، أن ربع التونسيين لم يقرأوا كتاباً واحداً في حياتهم، وأن ثلاثة أرباع التونسيين لم تطأ أقدامهم مكتبة عامة، رغم وجود حوالي ثلاثمئة مكتبة عامة في تونس وثلاثين مكتبة متجولة تغطي حوالي ألفي تجمع ريفي.

 

ولعل هذه الأرقام تدل على الحال الكارثي الذي وصلت إليه المطالعة في تونس، وعندما نتذكر أن هذا البلد العربي هو من أوائل البلدان العربية التي تهتم مجتمعاتها بالكتاب والمطالعة، ندرك الحال الثقافي البائس الذي وصلت إليه مجتمعاتنا العربية.

 

وتشير إحصائيات منظمة اليونسكو (وجميعها مأخوذة من الإحصاءات العربية الرسمية) إلى أن متوسط ما يكرسه الفرد العربي للمطالعة لا يتجاوز بضع دقائق سنوياً، وأن بلداً أوروبياً واحداً من بلدان الصف الثاني (كإسبانيا مثلاً)، يطبع ويترجم من الكتب بقدر ما يطبع ويترجم العرب في جميع بلدانهم، وليست الصحافة بأحسن حالاً من الكتاب، فنسبة أعداد الصحف المطبوعة إلى عدد السكان في البلدان العربية، تضع هذه البلدان في ذيل قائمة دول العالم، ولا يأتي بعدها إلا بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.

 

لعل هذا الواقع الثقافي المتردي هو الذي يجعل المجتمعات العربية، بسبب هشاشة ثقافتها وبؤس إنتاجها الثقافي وضعف اهتمام مجتمعاتها بالثقافة، جاذباً للاختراق الثقافي، وتتقاذفها رياح العولمة الثقافية، وتهدد هويتها وكيانها.

كاتب سوري

==========================

الحرب كما المفاوضات محتملة في جميع الساحات

آخر تحديث:السبت ,06/02/2010

عصام نعمان

الخليج

انطباعات متفاوتة حول وجهة التطورات يأخذها المراقب من تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين و”الإسرائيليين” . بعضها يوحي بأن المنطقة متجهة إلى الحرب، عاجلاً أو آجلاً . بعضها الآخر يوحي بالعكس، أي بأن الاطراف المتصارعين يتجهون إلى مفاوضات قريبة حول المشكلات العالقة .

 

أكثر المسؤولين إثارةً للحيرة هم المسؤولون الصهاينة، سياسيين وعسكريين . لعل الأبرز بين هؤلاء، في هذا المجال، وزير الحرب إيهود باراك . ففي التصريح الواحد يقع المرء على مواقف له متفاوتة، إن لم تكن متناقضة، من العدو الواحد أو من الموضوع الواحد . يتحدث، مثلاً، عن الوضع في الشمال، أي حول لبنان وحزب الله، فيقول إنه هادئ بفضل قوة الردع” الإسرائيلية” . غير أنه لا يتوانى بعد ذلك عن القول إن إيران تدفع حزب الله كما حركة “حماس” في غزة إلى شن الحرب على إسرائيل . يلتقي، في الترويج لهذه الفكرة، مع مستشار الامن القومي الأمريكي الجنرال جيمس جونز الذي يدّعي “أن التاريخ يظهر انه عندما تشعر الانظمة بالضغط، كما هي الحال في إيران الآن داخلياً وخارجياً، فإنها عادةً ما تضرب من خلال اتباعها” .

 

المسؤولون الإيرانيون يعطون المراقب أيضاً واحياناً انطباعاً بالحيرة حول ما تتجه إليه التطورات فعلاً: هل إلى الحرب أم إلى المفاوضات . الأكثر، بين هؤلاء، إثارةً للحيرة هو الرئيس محمود أحمدي نجاد . مواقفه من الولايات المتحدة وإسرائيل وتصريحاته بالتعليق على مواقفهما من إيران وحلفائها في المنطقة تتسم غالباً بالقوة والتهديد برد الصاع صاعين . غير أن موقفه الأخير في مقابلة مع التلفزيون الحكومي الإيراني من مسألة تخصيب اليورانيوم انطوى على إيجابية لافتة . فقد أكد الرئيس الإيراني المعروف بتصلبه ان بلاده باتت مستعدة لإرسال بعض مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى الخارج من اجل معالجته للحصول على وقود نووي عالي التخصيب .

 

اللافت في حديث نجاد أنه جاء عقب قيام الولايات المتحدة بتوسيع نطاق “انظمة دفاعها الصاروخية” في البحر والبر والجو في منطقة الخليج وما حولها التي تشمل نشر سفن حربية تحمل انظمة اعتراض، ونصب منصات اطلاق لنظام “باتريوت” للدفاع الصاروخي على البر في أربع دول عربية خليجية .

 

قيل في تفسير الموقف الجديد للرئيس الإيراني انه يرمي إلى تنفيس مفاعيل ثلاثة تحركات أمريكية و”إسرائيلية” . الأول، الحديث عن تصعيد العقوبات ضد إيران بسبب رفضها العرض الداعي إلى إرسال كميات اليورانيوم المنخفض التخصيب التي تمتلكها إلى روسيا وفرنسا لزيادة نسبة تخصيبها إلى نحو 20 في المائة . الثاني، المساعي المبذولة لمصالحة “طالبان” مع نظام قراضاي بدليل استئخار واشنطن نشر نحو 18 ألفاً من جنودها في أفغانستان . الثالث، حملة “إسرائيل” ضد إيران داخل الولايات المتحدة الرامية إلى إقناع إدارة أوباما بتوجيه ضربة مدمرة لمنشآت طهران النووية .

 

المفارقة ان ايران تميل إلى تخفيف حدة الصراع مع الولايات المتحدة في وقت يزداد التوتر حدةً بين هذه الأخيرة والصين عقب انكشاف صفقة الأسلحة الأمريكية المتطورة إلى تايوان . ذلك ان الصين لن تكون في وارد الموافقة على تصعيد العقوبات على إيران، لا سيما ما يتعلق منها بمنع وصول مادة البنزين إليها، فلماذا لا تغتنم طهران هذه الفرصة لدعم موقفها المتصلب ضد سياسة أمريكا وحلفائها في هذا السبيل؟

 

على الصعيد “الإسرائيلي”، يبدو الموقف أكثر مدعاةً للحيرة . فالمناورات العسكرية تجري على قدم وساق، وآخرها جرت في صحراء النقب لمحاكاة هجوم صاعق على سوريا، في وقت لا يتوانى بنيامين نتنياهو عن التصريح، في حضور رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، بأن “وجهة اسرائيل هي السلام مع جميع جيرانها ومع سوريا أيضاً من دون شروط مسبقة” .

 

الملاحظ أن كلام نتنياهو جاء متزامنا مع تصريحات أطلقها رئيس الأركان “الإسرائيلي” الجنرال غابي اشكنازي عقب مناورة صحراء النقب حذّر فيها من مغبة انفجار الأوضاع الأمنية والعسكرية على الحدود الشمالية والجنوبية ل”إسرائيل”، مؤكداً لجنود الاحتياط “ان هناك احتمالاً خلال فترة خدمتكم ان نشهد تدهوراً للاوضاع” .

 

إلى ذلك حذّر باراك في كلمة امام مؤتمر هرتسيليا للأمن من خطر آخر هو انه إذا لم تتوصل “إسرائيل” إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، فإنها ستتحول إما دولة ثنائية القومية وإما دولة غير ديمقراطية تعتمد نظام التمييز العنصري “ابارتايد” . وكان باراك قد دعا قبل يومين من تحذيره هذا إلى استئناف المفاوضات مع سوريا بغية “إخراجها من دائرة العداء”، في حين كان الجيش “الإسرائيلي” يقوم بمناورة في صحراء النقب لمحاكاة هجوم صاعق عليها!

 

كيف يمكن تفسير هذه المواقف المتفاوتة، وأحياناً المتناقضة، التي تصدر عن مسؤولين كبار في الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل؟

 

يجب ألاّ يغيب عن أذهاننا ان ثمة قاسماً مشتركاً بين جميع الصراعات والنزاعات الناشبة في المنطقة . إنها الولايات المتحدة بسياساتها وقواعدها العسكرية وحروبها المتواصلة في شتى الساحات الإقليمية . فواشنطن حاضرة في الكيان الصهيوني من خلال دعمها السياسي والمالي والعسكري له، وفي العراق باحتلالها له منذ ،2003 وفي افغانستان بحربها واحتلالها لها منذ ،2001 وفي باكستان بحلفها العسكري معها ومشاركتها في الحرب الحدودية ضد “طالبان باكستان” منذ أكثر من سنتين، وفي المحيط الهندي وبحار المتوسط والأحمر والخليج من خلال الأساطيل البحرية والجوية والقواعد الموزعة على المداخل والسواحل، وفي المؤتمرات والمفاوضات الرامية إلى اجتراح تسويات تحمي مصالحها ومصالح حلفائها الإقليميين .

 

هذا الواقع الشديد التشابك يؤدي غالباً إلى بروز ظاهرة لافتة هي ارجحية خوض الحروب كما المفاوضات بين الأطراف المتصارعين في جميع الساحات دفعةً واحدة أو في فترات متزامنة . ذلك أن ثمة ترابطاً وتواقفاً interdependence في حسم الصراع، حرباً أو سلماً، بين ساحة وأخرى أو بين دولة وأخرى، بمعنى ان التسوية المرتجاة في احدى الساحات أو الدول تتوقف، بقليل أو كثير، على التسوية المرتجاة في ساحة أو دولة أخرى .

في انتظار بزوغ التسوية المرتجاة، أو الصدام الذي لا يمكن تفاديه، ثمة مخاض طويل ومعاناة سياسية واقتصادية وامنية في جميع ساحات الصراع قبل بلوغ قرار الحسم .

المنطقة، حالياً، في ذروة الصراع وحمأة الانتظار معاً .

==========================

أوباما رئيس فاشل أم أن «الأوبامية» لم تختمر بعد؟

الجمعة, 05 فبراير 2010

راغدة درغام - نيويورك

الحياة

هناك انقسام بين صنّاع القرار في الولايات المتحدة في شأن مصير «تدهور» العلاقة الأميركية - الصينية وإذا كان ما يحدث بين البلدين العملاقين تدهوراً حقيقياً او انه عاصفة في فنجان. ايران تحتل موقعاً مميزاً في موازين العلاقة بين الولايات المتحدة و الصين، لكنها ليست وحدها ما يقلب كفة الميزان في اتجاه او آخر. فكما في ايران و السودان كذلك اليمن والعراق وافغانستان هناك مزيج من التنافس والتعاون الاستراتيجي بين البلدين. أجواء التوتر هذه الفترة سببتها الخلافات على تايوان و «غوغل» واتهامات «القرصنة» الصينية عبر الإنترنت لأجهزة شركات اميركية. انما هناك داخل المؤسسة السياسية - العسكرية الأميركية من يشير الى تعاون وثيق بين الولايات المتحدة والصين في «التحالف ضد القرصنة» في الممرات المائية الأساسية لمرور النفط من منطقة الخليج وغيرها، ويقول ان «لا توتر» هناك على الإطلاق بل ان السياسة الصينية «براغماتية» تركز على «المصالح المشتركة» وفي مطلعها حرية الملاحة وحراسة الممرات النفطية الرئيسة.

ما يحدث لتلك العلاقة ينعكس بالتأكيد على حلف ايران وما يتشعب عنه

لجهة طموحاتها النووية وعلاقاتها الإقليمية. قيام الولايات المتحدة بنشر أنظمة مضادة للصواريخ في دول مجلس التعاون الخليجي لا يشكل نقلة نوعية في العلاقة مع تلك الدول وانما يبعث رسالة ردع وطمأنة الى كلٍّ من إيران وإسرائيل.

على رغم ذلك، هناك كلام عن «تحول» في التكتيك والاستراتيجية للرئيس الأميركي باراك اوباما بعد مرور سنة صعبة على رئاسته، بعضه يتعلق بمنطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط ومعظمه يصب في التحدث بلغة المصالح الاستراتيجية الأميركية.

ليس واضحاً من سيكون على حق: أولئك الذين يقولون إن من المبكر إطلاق الأحكام على «الأوبامية» لأنها لم تختمر بعد ولأنها لا زالت في صدد شراء بعض الاستقرار في العلاقات الدولية... وأولئك الذين يقولون ان «الأوبامية» فشلت وان باراك اوباما لن يتمكن من الحصول على ولاية ثانية إذا لم يكفّ عن سياسة الإرخاء والاحتضان.

الذين يتحدثون عن «التحول» في سياسات الرئيس الأميركي التكتيكية والاستراتيجية يقولون إنه إما محاولة لإنقاذ الرئاسة او انه ملامح «نمو» باراك اوباما في البيت الأبيض وإدراكه ضرورة التحدث بلغة المصالح الأميركية العليا. هذا يعني صيانة موقع الدولة العظمى وحماية المواقع والممرات النفطية والتفكير استراتيجياً بلغة الواقعية السياسية - الجغرافية.

العراق، مثلاً، بدأ يعود الى الواجهة ليس من زاوية تنفيذ استراتيجية الخروج وإنما من ناحية ضرورة إعادة النظر في العراق من منظار قيمته الاستراتيجية والنفطية في الاعتبارات الضرورية للمصالح الأميركية.

هنري كيسنجر كتب في «واشنطن بوست» هذا الأسبوع محذراً من «عواقب» إهمال العراق وتجاهل مركزيته في التوازن الاستراتيجي مع إيران.

آخرون بدأوا يتحدثون بلغة الحاجة الى كف باراك اوباما عن اعتبار «استراتيجية الخروج» من العراق إنجازاً واستبدال ذلك باستراتيجية حماية المصالح الأميركية المباشرة بمعنى الشركات النفطية وغيرها، والمصالح القومية العليا بمعنى إدراك أهمية العراق الكبرى في تموضع الصين في مركز الدولة العظمى او في احتفاظ الولايات المتحدة بالاستفراد بهذا الموقع.

المؤسسة العسكرية - السياسية لا توافق بالضرورة على أن إدارة باراك اوباما تجاهلت العراق، وهي ترى ان الرئيس الجديد لم ينقلب على السياسات الأميركية بخطوطها العريضة، بل إنه سار إلى الأمام بما وصلت إليه السياسة في أواخر عهد جورج دبليو بوش. وهناك رأي يقول إنه ليس هناك من جديد مدهش في مختلف الملفات بل ان الأمور ليست بالضرورة سيئة.

في اليمن، مثلاً، ترى هذه الأوساط ان الهزيمة التي ألحقتها المملكة العربية السعودية زادت من عزم أقطاب «القاعدة» على استخدام اليمن نقطة تجمع وانطلاق للانتقام من المملكة ومن دول الخليج ككل. وترى ان جيران اليمن هم الذين سيتحملون عبء إنقاذ اليمن من أنياب «القاعدة» ومن الانزلاق وذلك من خلال الآتي: الإصرار على الحكومة اليمنية بأن عليها وقف النار مع الحوثيين والتفاهم مع الجنوبيين ومن خلال الأموال من أجل التمكن من وضع اليمن على مسار الاستقرار.

اما في ما يتعلق بالمساهمة الدولية في اليمن، فترى هذه الأوساط ان «التحالف البحري» الذي يتخذ من المنامة مقراً له وتشارك فيه سفن أميركية وأوروبية وروسية وصينية وكذلك باكستانية هو الذي يستحوذ على الأولوية.

فالمصالح المشتركة المتمثلة في حرية وحماية ملاحة السفن المحملة بالنفط أبرمت شراكات لن تتأثر بالخلافات مهما كانت عابرة او شرسة. فلقد تم إنشاء هذا التحالف قبل أكثر من سنة وهو تحالف بحري لا تشارك فيه دول عربية سوى قلة منها وبمشاركة ضئيلة. أما روسيا والصين واوروبا والولايات المتحدة، فهي في «خندق» واحد عندما يتعلق الأمر بحماية الممرات المائية.

الأوساط السياسية - العسكرية لا تتوقع مواجهة أميركية - صينية في شأن إيران على رغم احتداد لهجة الخلافات بسبب تايوان و «غوغل» وقرصنة الإنترنت وزيارة المرشد الروحي والسياسي ل «التيبت» الدالاي لاما المنتظرة الى الولايات المتحدة. فهي تتوقع نوعاً من «البناء» على المواقف الإيرانية الأخيرة التي عبر عنها الرئيس محمود احمدي نجاد في شأن تخصيب اليورانيوم خارج إيران وكذلك تلك المتعلقة بالإفراج عن الأميركيين المحتجزين في إيران. هذا يؤدي الى تأجيل طرح مشروع قرار تعزيز العقوبات على طهران، وبالتالي انه يؤدي الى تجنب اي مواجهة ديبلوماسية مع الصين او بين الدول الكبرى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تحرص على الإجماع في صفوفها إزاء حلف ايران النووي.

كل هذا يفيد ان ازدياد لغة التوتر والبلاغة في توقع مواجهات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط وبالذات في لبنان انما هي مفرطة بل قد لا يكون لها أساس في هذا المنعطف. فليست هناك مؤشرات واقعية على رغبة ايرانية في التصعيد العسكري عبر «حزب الله» في لبنان او عبر غيره، لأن طهران تحسن قراءة العلاقة الأميركية - الصينية وترى ان المصالح المشتركة اقوى من ان يهددها رفض ايران الإذعان للمطالب الدولية التي تلاقي الإجماع.

كذلك اسرائيل، انها بدورها تفهم لغة المصالح وتدرك ان الإجماع الدولي ليس في اتجاه السماح لها بضرب ايران او توريطها في لبنان. ولذلك، من المستبعد ان تتعمد استفزاز مواجهة عسكرية. فجزء من الأنظمة المضادة للصواريخ من نوع «باتريوت» في بعض دول مجلس التعاون الخليجي هدفه ردع اسرائيل عن ضرب ايران وردع ايران عن الانتقام بعمليات ضد دول مجلس التعاون او ضد المنشآت النفطية. جزء من الطمأنة أيضاً موجه الى ايران وإسرائيل معاً برسالة فحواها ان هناك تضامناً بين دول المنطقة ومع الولايات المتحدة على ان لا احد يريد لإيران استفزاز اسرائيل ولا احد يريد لإسرائيل ضرب ايران.

فأجهزة «باتريوت» دفاعية وليست هجومية وهي موجودة في منطقة الخليج منذ غزو الكويت. وبالتالي ان الجديد فيها هو الضجة التي رافقتها مع العلم أن التعاون العسكري بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون ادى الى إنفاق اكثر من تريليون دولار. إضافة الى ذلك لا روسيا ولا الصين اطلقت صفارات الإنذار من هذه الأجهزة بل ان هناك مؤشرات على تفهم وتفاهم عليها.

في أفغانستان أيضاً هناك تفاهم وتفهم حيث إن روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) يتعاونان جداً والصين تشارك في التعاون وان كان بدرجة اقل.

دول مجلس التعاون أيضاً دخلت الشراكة في ملف افغانستان حيث ترى ان مساهماتها مفيدة لها على المدى القريب والبعيد، مباشرة وكطرف في الشراكات الدولية.

رئيس أفغانستان حميد كارزاي طلب من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يلعب دوراً مباشراً في المساعدة في المصالحة الأفغانية اي بما في ذلك مع «طالبان». في ذلك الطرح محاولة لاستدراج المملكة العربية السعودية لتتحمل مسؤولية ليست في حاجة اليها. فهي جزء من شراكة دولية فيها مسؤولية مشتركة، ولا حاجة بها لتحمل مسؤولية انفرادية ان كان لفشل مصالحة وطنية او كان لنجاحها عبر تأهيل ل «طالبان» قد تلام عليه.

فالكل يعرف ان هذه مرحلة الشراكات على رغم المهاترات - الإقليمية منها او تلك التي بين العمالقة كالصين والولايات المتحدة. والجميع يتموضع.

==========================

عمرو موسى: رؤية سياسية شجاعة لكن غير مجدية

الجمعة, 05 فبراير 2010

باتريك سيل *

الحياة

يبدو عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية، البالغ من العمر 74 سنة، رجلاً حازماً ودمثاً وصريحاً. وليس مستغرباً القول إنه يمكن أن يكون سيِّئ المزاج أحياناً لا سيما أنّ الدول التي يمثّلها والتي تملك مصالح مشتركة في ما بينها تتصارع عادةً مع بعضها البعض وتتّبع مصالح وطنية محدودة من دون أن تأخذ الخير العام بالاعتبار أو تكون في معظم الأحيان غير فاعلة. فالعمل العربي المشترك أمر نادر، علماً أنه يكون عادة غير فاعل في حال حصوله.

بالتالي، لا يعتبر منصب أمين عام جامعة الدول العربية منصباً مريحاً. لقد تبوأه عمرو موسى في شهر أيار (مايو) 2001 بعد أن كان وزيراً للخارجية في مصر. وقد بذل كلّ ما في وسعه من جهود في أحلك الظروف غير أنه لم يلق في أغلب الأوقات آذاناً صاغية.

لقد بدا هذا الأمر جلياً في باريس يوم الاثنين الماضي حين ألقى خطاباً أمام جمهور كبير حضر إلى «الأكاديمية الديبلوماسية الدولية»، وهي منظمة فرنسية تعنى بالأبحاث ويرأسها الآغا خان. لم يُثر ما قاله موسى جدالاً كبيراً على رغم أن ملاحظاته تعارضت في معظم الوقت مع الوقائع المزعجة المرتبطة بالسياسة الدولية.

شكّل النزاع العربي - الإسرائيلي الطويل محطّ تركيز كبير في خطاب عمرو موسى الذي دعا إلى إعطاء الرئيس الأميركي باراك أوباما المزيد من الوقت حتى يتمكن من تطبيق رؤيته للسلام، محذّراً من أن الإخفاق بات «وشيكاً». وانتقد بشدة مفهوم «إدارة النزاع»، وهو الهدف المتواضع الذي وضعته الديبلوماسية الأميركية نصب عينيها في العقود الأخيرة. لكنه شدّد على أن الوقت قد حان «لحلّ النزاع».

وتركزت رسالته الأساسية على ضرورة مشاركة المجتمع الدولي بأسره في عملية البحث عن حلّ، معتبراً أنه يجب إحالة النزاع العربي - الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة حتى يقوم مجلس الأمن بمعالجته وذلك بموجب الفصل السابع الذي يخوّله أن يقرر «حدوث تهديد للسلام أو إخلال به أو وقوع عمل عدواني» ويقرّر ما يجب اتخاذه من إجراءات مناسبة «لإعادة السلام والأمن».

ولم يساور عمرو موسى الشك بأن حرب إسرائيل على قطاع غزة منذ سنة هي «عمل عدواني» وأنّ الاستمرار في توسيع الاستيطان يقضي على إمكانية التوصل إلى حلّ الدولتين. لكنه تساءل من الذي سيمارس الضغوط من أجل نقل هذا النزاع إلى مجلس الأمن؟ ومن الذي سيدير دفة هذا الموضوع؟ وأي دولة أو مجموعة من الدول ستقوم بهذه المبادرة؟ لقد التزم عمرو موسى الصمت حيال هذه المسائل الأساسية.

إلا أنه بدا حازماً في التأكيد أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس محق في رفضه استئناف المفاوضات مع إسرائيل كما كانت تحضُّه الولايات المتحدة وإسرائيل، طالما أن هذه الأخيرة تستمر في تغيير ديموغرافيا الأراضي المحتلة وجغرافيتها السياسية. وتساءل كيف يمكن للمرء أن يتفاوض عندما تتغير خريطة الأراضي في كل يوم؟ وأضاف «أنا أدعم حصول المفاوضات لكن ليس حين تستمر إسرائيل في إجراء التغييرات ميدانياً». (نُقل أن عباس يدرس اقتراحاً أميركياً يقضي بإجراء «محادثات على مستوى أقل من المفاوضات» مع إسرائيل في ظل وساطة أميركية).

أمل عمرو موسى في أن تتوصل حركتا «فتح» و«حماس» إلى اتفاق يتمّ بموجبه إجراء الانتخابات الفلسطينية في الصيف. وقد دعا الفصيلين إلى وضع حدّ لانقساماتهما التي تسيء إلى القضية الفلسطينية. كما أشار إلى «ضرورة حصول مصالحة فلسطينية» معتبراً أنّ هذا الأمر «ممكن». وأوضح أن بعض البلدان الأوروبية كانت تُجري اتصالات على حدة مع حركة «حماس»، إلا أنه ندّد بفشل الغرب في الإقرار بنتائج الانتخابات الفلسطينية عام 2006 والتي أسفرت عن وصول حركة «حماس» إلى السلطة في قطاع غزة.

كما أكد موسى أن مبادرة السلام العربية لا تزال حية لافتاً إلى أنها تقدّم إلى إسرائيل الاعتراف بها وتطبيع العلاقات وإنهاء النزاع معها. كما أعرب عن «استعدادنا لتطبيق الصفقة من جهتنا إلا أن إسرائيل لم تقدّم السلام يوماً».

وعندما سئل عمرو موسى عن رأيه في الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر تحت الأرض على حدودها مع قطاع غزة والذي يهدّد بتضييق الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، أجاب أنه «يجب فتح معبر رفح بين مصر وغزة دائماً وليس في الحالات الاستثنائية، ويجب السماح للفلسطينيين بالدخول والخروج منه». لكن لا شيء يدلّ على أنّ الحكومة المصرية تشاطر موسى هذا الرأي.

وفي معارضة واضحة للجهود الحالية التي تبذلها أميركا من أجل فرض عقوبات قاسية على إيران وتسليح حلفاء الولايات المتحدة في الخليج تحسباً لأي اعتداء إيراني، أعلن عمرو موسى عن مقاربة مختلفة كلياً تقضي بأن «يتحاور العرب مع إيران. يجب أن نعمل مع بعضنا البعض حتى نحلّ مشاكلنا» مشيراً إلى أن المطلوب هو إرساء بنية أمنية إقليمية تشارك فيها إيران.

وتابع بالقول إن إيران تملك أوراقاً سياسية قوية لا سيما أن لها حضارة قديمة تطالب بحقّ بأن تحظى بمكانها المناسب. وذكّر بأن العرب لا يرغبون بأن تحظى إيران بالقدرة النووية لكنهم يعارضون بالكامل فكرة شنّ إسرائيل أو الولايات المتحدة اعتداء عليها.

كما ندّد موسى ب «المعايير المزدوجة الواضحة» التي تعتمدها الولايات المتحدة وبعض حلفائها حيال المشكلة النووية الإيرانية، معتبراً أن عزل إيران وتجاهل ترسانة إسرائيل النووية هو خطأ فادح. فهو يرى أن العرب يريدون التوصل إلى شرق أوسط خال كلياً من الأسلحة النووية.

من جهة أخرى، أقرّ عمرو موسى بالخطر الحقيقي الذي يفرضه تنظيم «القاعدة» مذكّراً الحضور بصراحة ووضوح أن الغرب وحلفاءه المحليين مثل باكستان قاموا بتجنيد معظم الجهاديين وتسليحهم وتدريبهم حتى يحاربوا السوفيات في أفغانستان في الثمانينات، لافتاً إلى أن الظاهرة الإرهابية التي نشهدها اليوم هي نتيجة الحقبة الأخيرة من الحرب الباردة.

ورفض عمرو موسى الحديث عما إذا سيرشح نفسه للرئاسة المصرية كما أشيع في السنوات الأخيرة، مكتفياً عوضاً عن ذلك بالدفاع بشدة عن بلده ونافياً التقارير القائلة بأن مصر توشك على الخضوع للفوضى أو التوترات الاجتماعية. وأضاف أن مصر تحظى بتاريخ عمره خمسة آلاف سنة ولا بدّ أن تعيش آلاف السنين بعد. كما أثنى بشكل خاص على النقاش الحيوي الذي يدور حالياً في مصر حول مستقبل البلد.

ويبقى عمرو موسى على رغم شجاعته وصحة تفكيره ومقامه خارج المسار الذي تتجه اليه عملية صنع القرارات الدولية. ومن المؤسف أنه يترأس، بصفته أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، منظمة تبدو عاجزة عن التأثير ولو بشكل بسيط على مجرى الأحداث، على رغم القمم التي تعقدها والمداولات التي تجريها والتي تكرّس انقسامات العرب بدلاً من توحيدهم.

* كاتب بريطاني متخصص في قضايا الشرق الاوسط

==========================

كيف نصنع من عوائد النفط مستقبلاً زاهراً؟

السبت, 06 فبراير 2010

عيد بن مسعود الجهني *

الحياة

الأزمة الاقتصادية العالمية التي لا يزال العالم يترنح من آثارها وإن كان (الكبار) يقولون ان العالم في فترة (نقاهة) معها، هذه الأزمة لم تستثن دولاً من دون أخرى، فقد عم أثرها دول العالم شرقاً وغرباً منذ انطلاق شرارتها الكبرى والتي ضربت أول ما ضربت جسد الاقتصاد الأميركي أضخم اقتصادات العالم حيث تشكل نسبته أكثر من 28 في المئة من الاقتصاد العالمي. هذا الاقتصاد العملاق اذا أصاب مسيرته كساد او حتى ركود محدود فإن أثره يمتد الى اقتصادات أخرى عديدة فيتباطأ نموها، ويمتد الأثر الى معظم السلع وفي مقدمها النفط الذي انحدر سعره بسرعة الريح من 147.10 دولار للبرميل ليهوي الى 33 دولاراً قبل ان يبدأ مسيرته نحو الصعود مرة أخرى ليبلغ سعره اليوم بين 75-82 دولاراً للبرميل!

وسبب التدني السريع في سعر النفط هو ذلك الكساد العظيم الذي ضرب اقتصادات العالم فتدنى الطلب على النفط، واليوم تظهر تباشير نمو متواضع يشوبه الحذر على هذه السلعة السحرية. فالتقارير التي صدرت مؤخراً من اكبر ثلاث جهات تهتم بتحليل ماضي النفط وحاضره ومستقبله كلها تتوقع ان يشهد هذا العام تحسناً طفيفاً في الطلب على (نفط اوبك) وكذلك على نفط الدول المنتجة للبترول خارج المنظمة.

منظمة اوبك تتوقع ان يرتفع الطلب على النفط خلال هذا العام بحوالى 800 الف برميل يومياً، وعلى الجانب الآخر فإن المنظمة تذهب الى القول ان سقف انتاجها سيبقى عند 28.6 مليون برميل يومياً، أي أنه معدل انتاجها نفسه تقريباً للعام الماضي. واستبعد الأمين العام للمنظمة عبدالله البدري الثلثاء الماضي على هامش مؤتمر للطاقة في لندن ان يغير أعضاء المنظمة سياسة الإنتاج خلال اجتماعهم في آذار (مارس) القادم، أما وزارة الطاقة الأميركية (ادارة معلومات الطاقة) فإنها تتوقع ان يزيد الطلب على النفط بحوالى 1.1 مليون برميل يومياً في هذا العام، ليرتفع من 84.12 مليون برميل يومياً خلال العام الماضي الى 85.12 مليون برميل يومياً هذا العام!!

على الجانب الآخر فإن وكالة الطاقة الدولية المتصدرة للدفاع عن مصالح الدول الصناعية والتي تم تأسيسها أوائل السبعينات من القرن المنصرم للوقوف في وجه اوبك، تتوقع ان يرتفع الطلب على البترول بنحو 1.4 مليون برميل يومياً هذا العام ليبلغ 85.5 مليون برميل يومياً.

اذاً هذه الجهات المهتمة بشؤون النفط ترى مستقبلاً متفائلاً للطلب على النفط بل ان وكالة الطاقة الدولية ترى ان الأسعار ستأخذ طريقها للارتفاع، وأوبك والوكالة متفقتان على ان الصين والهند والدول الآسيوية الناشئة تعد حصان الرهان بالنسبة الى مستقبل نمو الطلب على النفط، بينما تذهب إدارة معلومات الطاقة الأميركية الى توقع ان نسبة كبيرة من الزيادة في الطلب ستكون من نصيب دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ولا شك في ان التوقعات التي يتفق معها بعض خبراء النفط، لها ما يبررها مع بدء مرحلة التعافي في اقتصادات بعض الدول، مثل اليابان، المانيا، فرنسا وبريطانيا وبالطبع دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول، الأمر الذي انعكس على أسعار النفط فسجلت خلال الأشهر الماضية ارتفاعات مستمرة خصوصاً بعد ان قررت اوبك في مؤتمرها الشهر قبل الماضي في انغولا عدم رفع سقف انتاجها والتزامها بخفوضاتها السابقة التي بلغت 42 مليون برميل يومياً.

وعلى رغم ان بعض اعضاء المنظمة لم يلتزموا سقف الإنتاج الذي حددوه لأنفسهم حتى تدنت نسبة التزامهم لتبلغ حوالى 56 في المئة فقط في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي طبقاً لبيانات (تريس دانا انترناشيونال)، وفي مقدمة هذه الدول ايران وفنزويلا وأنغولا والإمارات التي زاد انتاجها بحوالى 43.7 الف برميل يومياً، ونيجيريا بحوالى 42.8 الف برميل يومياً، على رغم هذا فإن الأسعار لا تزال متماسكة وتحوم حول 75 – 82 دولاراً للبرميل.

هذا يعني ان دول اوبك وفي مقدمها دول مجلس التعاون الخليجي ستزيد مداخيلها من عائدات النفط لهذا العام، هذه الإيرادات استمرت في الصعود منذ عام 2004 حيث بلغت في ذلك العام أكثر من 190 بليون دولار، وفي عام 2005 قاربت الرقم نفسه وفي العام التالي 2006 حافظت الإيرادات على مستواها وزادت في عام 2007 لتبلغ أكثر من 207 بلايين دولار وبعض المصادر ترفع هذا الرقم إلى أكثر من 300 بليون دولار لذلك العام.

وعلى رغم الأزمة المالية العالمية فإن العائدات لعام 2008 – 2009 كانت كبيرة واستطاعت دول المجلس الى حد كبير - على رغم ان صناديقها السيادية خسرت أكثر من 350 بليون دولار - ان تتصدى لأزمة الكساد الاقتصادي العظيم وأن تمتص اقتصاداتها آثار تلك الأزمة.

المهم ان أسعار النفط يسودها الاستقرار، وأن اوبك راضية عن سعر يتراوح مابين 75 و 85 دولاراً للبرميل، وأن نمو الطلب على النفط بدأ يأخذ مسيرته، وأن الدول الصناعية تتخوف من ارتفاع جديد للأسعار، وأوبك من جانبها دائماًُ تطمئن الدول الصناعية المستهلك الرئيس للنفط، لكن بعض اعضاء اوبك اخذوا على عاتقهم خرق تعهداتهم والاستمرار في ضخ نفط في السوق الدولية أكثر من حصصهم. هذا يخلق عدم الاستقرار لتلك السوق التي لا يزال وضعها هشاً بفعل بعض اعضاء المنظمة والدول خارجها التي تنتج كل برميل تستطيع انتاجه.

وعلى رغم تحسن أسعار النفط الذي توافرت بعض أسبابه فإن على منظمة اوبك اصلاح بيتها من الداخل لتضمن ارتفاعاً معقولاً في أسعار النفط على المدى القريب والبعيد، بل وزيادة معدل الطلب على النفط في عالم متعطش لكل قطرة من النفط في ظل زيادة عدد سكان العالم الذي تجاوز 6.5 بليون إنسان وزيادة عدد السيارات والشاحنات الذي بلغ 942 مليوناً ويتوقع ان يزيد عددها خلال هذا العام ليبلغ 1.124 بليون سيارة وشاحنة على ذمة مركز دراسات السيارات (بولك) في ألمانيا.

ويبقى على دول المجلس التي دخلت وستدخل خزانتها مبالغ فلكية ان تحسن إدارة هذه الثروة الهائلة لأجيالها الحاضرة والمستقبلة فهذه الثروة (الناضبة) ليست ثروة مستمرة كالصناعة والزراعة وبناء العنصر البشري، الذي تتطور الدول والشعوب من بوابته، ولذا أصبح ضرورة وليس ترفاً ان يستخدم الجزء الأكبر من هذه الإيرادات الضخمة في الاستثمار لبناء ثروة دائمة متجددة كما تفعل الدول الصناعية التي تقدمت من بوابة العلم، هذا لأن الاستثمار في ناطحات السحاب والمشاريع العمرانية الكبرى الزائدة عن الحاجة يعني في ما يعني ان الإيرادات النفطية يذهب جزء كبير منها في اسمنت وحديد وطوب لا تحتاجه الأجيال الحاضرة ولا أجيال المستقبل، بل ان تكلفة صيانتها تصبح أكثر بكثير من تكاليف تشييدها. ونحن بتوجهنا هذا نكون قد ابتعدنا عن الطريق الذي وصلت به دول مثل اليابان وألمانيا إلى مراقي الدول المتقدمة.

وعلى هذا فليس المهم كمية الأموال التي تحصل عليها دول الخليج من البترول، ولكن المهم هو كيف نصنع بهذه الأموال مستقبلاً زاهراً واقتصاداً متقدماً ثابت الأركان لا يعتمد على النفط الذي لا تعرف أسعاره الثبات، كما انه سلعة (ناضبة) لا شك وهنا تأتي أهمية مقولة ان (الثروة) عنصرها الأساسي الإدارة.

* رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية

==========================

يجب على إسرائيل أن تعتاد تركيا الجديدة

سوات كينيكليوغلو

الشرق الاوسط

7-2-2010

أصبحت تركيا وإسرائيل من جديد على طرفي نقيض، ولا ينبغي النظر إلى هذا الأمر باعتباره مفاجئة. وبّخ نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون مؤخرا السفير التركي في تل أبيب بشأن ما جاء في أحد العروض التلفزيونية. وقدمت إسرائيل الاعتذار بعد ذلك، لكن ذلك سيمثل تطورا مهما آخر في التوتر الحالي في العلاقات بين الدولتين.

وعلى الرغم من بعض الجهود الإسرائيلية والأميركية لصبغ اعتراضات تركيا على السياسات الإسرائيلية بصفة «معاداة السامية»، فالخبراء في عالم السياسة يتفهمون جيدا من أين تأتي تركيا، ويدركون جيدا أن الخلافات بين تركيا وإسرائيل من المحتمل أن تستمر إذا لم يحدث تغير ملموس في بعض القضايا، مثل: تحسين الوضع الإنساني في غزة، والتجميد الكامل والفوري للاستيطان، وموقف إسرائيل تجاه عملية السلام، إذا وُجِد أحد لا يزال يتحدث عن هذه العملية من الأساس.

وأذكر بوضوح الفترة التي انتقدت خلالها الولايات المتحدة تركيا لتعاونها مع سورية، في الوقت الذي كانت تحاول فيه واشنطن والدول الأوروبية عزلها. لكننا نرى في هذه الأيام انقلابا تاما في السياسات الأميركية والأوروبية، حيث يعترف الجانبان بأن التعاون مع سورية هو المسار الصحيح للعمل.

وعلاوة على ذلك، كانت وجهات نظر تركيا بشأن الشرق الأوسط منبوذة وجرى تجاهلها، وفي رأيي، يرجع ذلك في المقام الأول إلى العجز عن إحداث تحول فكري بشأن تركيا يتواءم مع وضعها الجديد. بدأ الأميركيون مراجعة موقفهم عام 2007، وأقروا بأن تركيا أصبحت قوة إقليمية ولم تعد دولة تابعة كما كانت خلال سنوات الحرب الباردة. وفهموا أيضا أن تركيا ينبغي التعامل معها على هذا النحو. يبدو أن الأمر يحتاج بعض الوقت والجهد لتسهيل هذا التحول الفكري، لكن الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تركيا كانت بمنزلة تأكيد على هذا التصور الجديد تجاه تركيا.

لكن لا يزال أمام الأوروبيين وقت صعب لإحداث هذا التحول الفكري بشأن تركيا، وهذا هو السبب في أن العلاقات بيننا لا تزال هشة. ويبدو أن إسرائيل تعاني المشكلة نفسها، فلا يبدو أن الإسرائيليين تقبلوا تماما أن تركيا قد تغيرت وأن إعادة اندماجها في بعض القضايا إلى منطقة الشرق الأوسط أصبح دائما.

ويبدو أن إسرائيل تتوق إلى الفترة الذهبية في تسعينات القرن الماضي، التي كانت نتاج وضع خاص للغاية في المنطقة. لقد ولت مثل هذه الأيام ومن غير المحتمل أن تعود حتى إذا لم يستمر حزب العدالة والتنمية التركي في الحكم.

ينبغي أن يكون التوحد والترابط الطبيعي في تركيا، بسبب ما فعله أيالون، حدثا يُفيق الذين يعتقدون أن كل شيء سيكون على ما يرام من غفلتهم، فقط إذا ترك حزب العدالة والتنمية الحكم. وحري بالأصدقاء والأعداء معاملة سفرائنا على نحو يضع هذه الحقيقة في الاعتبار. لا ينبغي مطلقا أن تكون الأفعال الحمقاء التي تهدف إلى إذلال السفير التركي جزءا من الحسابات السياسية الداخلية في إسرائيل. تسعى سياستنا في المنطقة إلى إعادة دمج تركيا في محيطها القريب، بما في ذلك الشرق الأوسط. أصبحت تركيا عضوا في مجموعة العشرين، وهي عضو حالي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتتفاوض مع الاتحاد الأوروبي ويزداد نفوذها في مناطق متعددة.

ستواصل تركيا تأييد نظام جديد شامل في المنطقة وستستخدم الوسائل الدبلوماسية لتعزيز هذه الأجندة. وكما تؤكد استطلاعات الرأي العام باستمرار، فإن شعبنا وحكومتنا يشعرون بحساسية كبيرة تجاه محنة الفلسطينيين. وإذا لم يكن هناك تغير ملموس يعالج الوضع الإنساني في غزة، وإذا لم يتم تبني موقف أكثر إيجابية فيما يتعلق بتحقيق السلام مع سورية، فمن غير المحتمل على الإطلاق أن تتحسن العلاقات الثنائية مع إسرائيل.

الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها في الاتجاه الصحيح هي الاعتراف بالوضع الإقليمي الجديد وبمصالح تركيا في المنطقة. ولتحقيق ذلك، من الضروري إحداث تحول فكري مهم بشأن تركيا.

*نائب رئيس الشؤون الخارجية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا

===================

الشريعة في صالح حقوق الأقليات في مصر

سارة خورشيد

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

5 شباط/فبراير 2010

www.commongroundnews.org

القاهرة – أثبتت استطلاعات عديدة خلال العقود الماضية أن غالبية المصريين يريدون أن تطبّق الشريعة الإسلامية في أجزاء من النظام القانوني في بلدهم. ويعكِس الدستور المصري ذلك، فالمادة الثانية منه تنص على أن الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع.

 

ورغم الدعم الشعبي الواسع للمادة الثانية في مصر، إلا أنها طالما كانت مصدراً لخلاف محتدم، إذ تعارض أصوات من الجالية القبطية الأرثوذكسية المسيحية في مصر، والتي تشكل 12% من مجمل السكان ما يرون أنه تمييز ضمني ضد الأقلية غير المسلمة في هذه المادة. ويُعرب الناشطون العلمانيون ودعاة حقوق الإنسان والديمقراطية عن وجهات نظر مماثلة، ويقولون أن تطبيق الشريعة الإسلامية لا يتماشى مع الديمقراطية، والتي لا يمكن أن تتواجد، حسب رأيهم إلا في دول علمانية.

 

وهم يشيرون على سبيل المثال إلى قضايا جدلية في المحاكم تتعلق بقانون الأسرة المصري، والذي تحكمه الشريعة الإسلامية بصورة جزئية، وكذلك القيود المفروضة على بناء الكنائس وما إذا كان يحق لقبطي أن يصبح رئيساً للجمهورية. وهم يرون هذه الأمثلة على أنها أسباب للحد من دور الشريعة الإسلامية في السياسة المحلية، وخاصة من حيث تطبيقها على الأقليات الدينية غير المسلمة.

 

ولكن من ناحية أخرى، وفي خضمّ الجدل العام الذي ينخرط فيه الناشطون العلمانيون والأقباط من ناحية، والجماعات السياسية الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى، هناك سبيل وسطي بديل، يمكن من خلاله لمفاهيم الشريعة والديمقراطية والعلمانية أن تتواجد جنباً إلى جنب كجزء من نظام سياسي موحّد، دون الإخلال بالمعتقدات الأساسية لأي من هذه المفاهيم.

 

ويؤمن أتباع هذا التوجه بحكم الشعب وسيادة القانون، ويشعرون أن صانعي السياسة يجب أن يتم اختيارهم من قبل الشعب. وهم ما زالوا يرون القانون الإسلامي كإطار مرجعي طالما أنه مقبول من جانب الغالبية من خلال عملية مدنية يكون فيها القول الفاصل للمسؤولين المنتَخبين. ويكون هذا التوجه مختلفاً عن التوجهات الأخرى كتوجه جماعة الإخوان المسلمين، التي تتطلب موافقة علماء الدين قبل إصدار القوانين.

 

يتوجب على مصر، بناء على ذلك أن تعمل على تأطير نموذج خاص بها حسب تاريخها وثقافتها وقبل كل شيء عزيمة الشعب. يتم تبني الديمقراطية والعلمانية بأساليب متنوعة في الدول المختلفة، فالنموذجان الفرنسي والتركي اللذان ينظمان الدين وبشكل حازم في الحياة العامة بهدف الحفاظ على الديمقراطية، يختلفان عن نظام الولايات المتحدة، حيث يوجد للدين تأثير نسبي على السياسة. وفي كل من هذه الأمثلة، تناسب العلاقة الفريدة بين الدين والنظام السياسي مع خصائص ذلك الشعب وميزاته.

 

يتوجب ضمن هذا الإطار أن يكون للأقلية المسيحية في مصر الحق في الحصول على جميع الحقوق المدنية التي تتمتع فيها الأقليات في الدول الديمقراطية، مثل الحق في التنافس في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والحق في تقديم مشاريع قوانين إلى البرلمان والحق بالمساواة أمام القانون. ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنهم سيحصلون على جميع مطالبهم، مثل إلغاء المادة الثانية من الدستور المصري، وهو مطلب سوف يشعل نار الغضب والاستياء من جانب الغالبية ويؤدي إلى خلافات طائفية.

 

ومن الأهمية بمكان ملاحظة أنه لم تتحقق جميع مطالب الأقلّيات في أي من الديمقراطيات. فعلى سبيل المثال يُعتبر منع ارتداء الحجاب في المدارس في فرنسا مخالف لرغبات الأقلية المسلمة في فرنسا، إلا أنه حصل على دعم صانعي القوانين المنتَخبين.

 

ومن القضايا الرمزية المتعلقة بالعلاقة بين حقوق الأقليات والقانون الإسلامي في مصر ما إذا كان يحق لقبطي الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية. إذا أراد قبطي الترشح لمنصب رئيس الجمهورية المصرية، يتوجب عليه (أو عليها) أن يقسم بأن يلتزم بالقوانين المصرية ورغبة الغالبية. سوف يعود الأمر بعد ذلك للشعب لينتخبوه أو لا ينتخبوه.

 

وبعكس ما قد يعتقده البعض، ليست الشريعة هي ما يقف حائلاً أمام ذلك، فهناك تفسيرات للشريعة ترى أن الرئاسة في عصرنا الحديث هي مركز مدني لا يعطي الرئيس الحق باتخاذ قرارات رئيسية ما لم تكن ملتزمة برغبة الشعب وقيم الدولة.

 

الوضع السياسي المصري القائم، وليس الشريعة هو الذي مَنَع أحد، باستثناء الرئيس حسين مبارك، مسلماً أكان أم مسيحياً، من تبوّئ منصب الرئيس خلال السنوات الثمانية والعشرين الماضية. لم تتجذّر الديمقراطية في مصر بعد.

 

يتوجّب على الأقباط أن يواصلوا النضال من أجل حقوقهم، ولكن دون التطاول على قيم الغالبية من خلال المناداة بإزالة المبادئ الإسلامية من السياسة بشكل كلّي. لا يفرض التطور الديمقراطي في مصر إزالة الشريعة، وهي عنصر أساسي في هوية الدولة، وإنما يتطلب إصلاحات في النظام القائم وتعزيز حقوق الأقليات في الدولة.

 

يتوجب على الأقباط والمسلمين أن يتّحدوا في مناشدتهم تحقيق الديمقراطية. فمعاً يستطيعون أن يقودوا مصر لتشكل نموذجاً يعمل لصالح الدولة وثقافتها ومجتمعها الفريدين، ويضمن الحرية للجميع.

ـــــــــــ

* سارة خورشيد صحفية مصرية تنشر مقالاتها عالمياً وتغطي مواضيع كالسياسة والثقافة والمجتمع في مصر والعالم العربي، إضافة إلى العلاقات بين المسلمين والغرب. هذا المقال جزء من سلسلة حول القانون الإسلامي والأقليات غير المسلمة. وقد كُتب لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ