ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 03/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التراث والحداثة والعالم العربي

المستقبل - الثلاثاء 2 شباط 2010

العدد 3556 - رأي و فكر - صفحة 19

جيروم شاهين

إن التشابه بين بعض الأوضاع التاريخية يجعلنا نفكّر بديهياً في حركة دائرية للتاريخ، أو، إذا شئنا، في حركة لولبية تسير باتجاه عمودي أو أفقي. وتظهر هذه الدائرة بوضوح في تاريخ العالم العربي أو العالم الإسلامي. ويبدو أنها تتلازم مع ظاهرة الدورة الثقافية أو الحضارية.

لقد نجح النبي محمد والخلفاء الأوائل في تكوين دولة عربية إسلامية بخصائص ثقافية وحضارية مميّزة. وما تختص به هذه الرؤية الجديدة للعالم وهي ذات طابع ديني واجتماعي وسياسي واقتصادي هو ديناميّتها في التوسّع، وبما سمّي الفتوحات.

لقد نجحت روما في تكوين امبراطورية تاريخية من ألمع الامبراطوريات، لأنها اعترفت بتفوّق ثقافة الشعب اليوناني المقهور وعرفت كيف تتأثر بها. كذلك، وعلى رغم الفوارق البارزة، فقد نجح الإسلام بدوره في تكوين امبراطورية تاريخية من ألمع الامبراطوريات، نتيجة صفات كالإنفتاح والدينامية الداخلية، هذه الصفات التي بها تكون الدورة الثقافية والحضارية.

لقد أفاد الإسلام بفعل انفتاحه، منذ ما استقرّ في المناطق الشرقية المفتوحة، من الثقافة الفارسية، وخصوصاً من الثقافة اليونانية، على رغم معارضة الذين يعتقدون أن الشريعة الإلهية وحدها تكفي. وقد استوعب الإسلام الفلسفة والعلوم اليونانية التي نُقلت أولاً عن الترجمات السريانية، ومن ثم نُقلت مباشرة عن اليونانية. وشكّلت هذه المستعارات، بعد تمثّلها، نقطة إنطلاق للتطور الثقافي والسعي إلى التجديد. فليس الفكر والعلم العربيان مجرّد انعكاس للفكر والعلم اليونانيَّين. وقد توصّل بعض المستشرقين المعروفين إلى التخلّص من هذا الحكم المسبق، حتى أنهم اعترفوا بأن التراث الثقافي العربي الإسلامي أوسع من التراث اليوناني، وأن التراث العربي قد أغنى التراث اليوناني أكثر مما يعتقد بعضهم.

ليست الثقافة اليونانية معجزة إلاّ للذين يريدون أن يتناسوا أن هذه الثقافة تكوّنت بفضل ما استعارته من الثقافات الشرقية القديمة. وليست المعجزة اليونانية فريدة إلاّ في رأي بعض قصيري النظر الذين لا يستطيعون أن يروا المعجزات الأخرى التي ظهرت خلال التاريخ. ومن المفهوم أن كل معجزة تحمل في طياتها خصائصها التي تجعل منها هذه المعجزة الفريدة.

إن الثقافة العربية الإسلامية برزت بسرعة وتطورت وفرضت نفسها، على مدى قرابة خمسة قرون، باعتبار أنها قمّة الثقافة والحضارة. واستغلّت أوروبا، بعد العهد الروماني، هذه الثقافة والحضارة، وحفظتها واستوعبتها واعتبرتها مصدراً لكل ثقافة. وقد نُقل التراث الفلسفي والعلمي العربي، انطلاقاً من الأندلس، إلى اللاتينية، ودرّس في جامعات البلاد التي تدعى اليوم اسبانيا وفرنسا وايطاليا وانكلترا. وكما أن أوائل المفكرين والعلماء العرب لم يتوصلوا إلى فهم النصوص اليونانية إلاّ من خلال المترجمين والمفسّرين السريان، قبل أن يستطيعوا الوصول إلى الفكر اليوناني مباشرة من خلال ترجمته العربية، كذلك، فإن المفكرين والعلماء الأوروبيين لم يستطيعوا أن يفهموا أرسطو، مثلاً، إلاّ بفضل التفسيرات العربية التي وضعها ابن رشد، قبل أن يمتنع الفلاسفة والعلماء الأوروبيون عن الإعتراف بما هم مدينون به للمؤلفين العرب، وذلك منذ نهضتهم في القرن السادس عشر، أو بالأحرى منذ العصور الوسطى، وقبل السعي إلى الإتصال مباشرة بالتراث الثقافي اليوناني والتراث اللاتيني القديم، دونما مرور بواسطة الفكر العربي ولا بواسطة الفكر الأوروبي في القرون الوسطى.

وكما أن المؤلفين العرب طوّروا وأغنوا ما استعاروه واستوعبوه، مكوّنين بذلك ثقافتهم العربية الخالصة، كذلك فإن المؤلفين الأوروبيين، بعدما استوعبوا الثقافة العربية، أغنوا هذا التراث بجهدهم الإبداعي، وكوّنوا بذلك ثقافتهم الخاصة، أي الثقافة الأوروبية الخالصة. وهذ التطور النموذجي، الذي يُزعم أنه استوحي مباشرة من الذهنية اليونانية، بدا يتحقق في الوقت الذي أخذت الثقافة العربية بالتقهقر لكونها توقفت عن الحركة.

هنا تبرز ظاهرة تاريخية جديرة بالملاحظة: يبدو أن كل ثقافة تملك نسبة معيّنة من الأمل في الحياة. فما إن تتولّد عنها ثقافة جديدة حتى يعتريها التعب وتكتفي، في أفضل الحالات، بالعمل على البقاء. وقد يحدث، كما هو الوضع في العالم العربي، أن ترتدّ الثقافة وهي هنا الثقافة الأوروبية نحو الشعوب التي كانت مصدراً لها، فتظهر لهم كينبوع يستقون منه، أو كثقافة يتوجب عليهم اكتسابها كي يتمكّنوا من العيش في الزمن التاريخي الذي يحدّد هذه الثقافة. وهكذا تكتمل الحلقة. فإن ما استعاره العرب من اليونان، وطوروه وأغنوه ونقلوه إلى الأوروبيين، أعاده هؤلاء الأوروبيون أو الغربيون، الذين يقولون إنهم أبناء اليونان وورثتهم، إلى العرب، بعدما استوعبوه وأغنوه وأعطوه الشكل المميّز الذي يمكن أن نسميه الحداثة.

هكذا يجد العالم العربي الحالي نفسه، من جديد، تجاه الهلّينية، ولكن هذه المرّة، بشكل حديث هو، في جوهره، الشكل العلمي والتقني: هذه هي الدائرية التاريخية والدورة الثقافية. وهكذا تُطرح من جديد مسألة العالم العربي القديمة: التراث أو الحداثة، المحافظة على الذات أو التقدّم. إنها مسألة تاريخية تعكس، على ما يبدو، المسألة الفلسفية: مسألة العلاقة الجدلية بين الذات والآخر.

==================================

مكافحة للتعصب أم نبذ للتدين؟

فهمي هويدي

االسفير

2-2-2010

السجال الدائر في مصر بعد مقتل الأقباط في نجع حمادي تبنى في البداية دعوة لمكافحة التعصب، وأطلق في النهاية حملة لمكافحة التدين.

(1)

الفكرة ليست جديدة تماماً، فالخطاب الذي يخلط بين التعصب والتطرف من ناحية وبين التدين من ناحية ثانية ليس وليد هذه الأيام، بل تردد بشكل مقتضب وغير مباشر خلال العقدين الماضيين على الأقل، فالنظام التونسي تبناه بصورة غير مباشرة حين رفع شعار «تجفيف الينابيع»، الذي انطلق من الادعاء بأن التدين هو البيئة الحاضنة للتطرف والتربية المنتجة له. وادعى أن التصدي للأصل كفيل بالخلاص من مختلف الشرور التي تفرعت عنه، هكذا في خلط ساذج أو خبيث بين التديُن الصحيح الذي يرسي أساس النهوض بالمجتمع، والتدين المغلوط والمغشوش الذي يخاصم المجتمع ويعلن الحرب عليه.

هذه الفكرة عبر عنها ذات مرة تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية الذي تصدره مؤسسة الأهرام، ثم ترددت بعد ذلك في كتابات عدة، أشرت إلى بعضها في الأسبوع الماضي، خصوصا من قال إن ظاهرة التدين في مصر تصاعدت وبلغت مرحلة الخطر، واعتبر أن ذلك يعزز ثقافة التخلف. ومثله من صوبوا سهامهم نحو الهدف نفسه بدعوى الاستسلام لغيبوبة الماضي، والغرق في محيط الخرافة، والتصدي للظلامية الزاحفة... إلخ، إلى غير ذلك من الإشارات المبطنة والعبارات الغامضة. أما الجديد هذه المرة فهو الجرأة على طرح الفكرة، والتخلي عن الأقنعة التي تم التخفي وراءها، ومن ثم الجهر بالدعوة من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

إن أخطر ما في هذه الدعوة أنها لا تستهدف فقط إقصاء الدين وعزله عن المجال العام، بل انها تضرب في مقتل هوية المجتمع الذي قام تاريخيا على الاعتزاز بالإسلام والعروبة. وإزاء الذي أصاب العروبة من تشوهات وتصدعات، فإن توجيه السهام إلى الانتماء الإسلامي يصبح في حقيقة الأمر دعوة إلى الانتحار الحضاري والتخلي عن آخر حصون الهوية، إلى جانب كونه مفاصلة مع العالم الإسلامي وتفريطاً في محيط الأمة الاستراتيجي.

إن دفاعنا الحقيقي هو عن القيمة والهوية، وليس عن أي ممارسات تصدر عن أتباع الدين، خصوصا إساءات المتعصبين أو حماقات الجاهلين أو أفعال المتطرفين والإرهابيين. ورغم أن تلك ملاحظة تبدو بديهية عند ذوي العقول الراجحة والحس السليم، إلا أنها غير ذلك تماما عند أولئك النفر من المتصيدين والمتحاملين. ذلك أنهم يعمدون إلى التقاط بعض تلك الممارسات ويتكئون عليها في دعاواهم. وبدلا من المطالبة بتصويبها ووقفها أو محاسبة المسؤولين عنها فإنهم يحاكمون التدين ذاته، ويدعون إلى نبذه وحصاره وطمس مظاهره في المجتمع.

بقيت عندي ملاحظة أكررها في هذا التمهيد، وهي أن الذين يشنون تلك الحملة يمثلون قشرة معزولة ومحدودة ظهرت على سطح المجتمع، في مناخ سلبي دأب على أن يستخلص من الناس أسوأ ما فيهم. ولولا المواقع التي مكنوا منها والتطور الحاصل في وسائل الاتصال الذي أتاح لكل من هب ودب أن يصل إلى أسماع الناس، لظلوا مجرد أصوات نشاز لا حضور لها ولا صدى.

(2)

أشرت في الأسبوع الماضي إلى مقترحات إلغاء تدريس الدين في المدارس، ومنع الصلاة في أماكن العمل ومنع أي نشاط اجتماعي أو خيري تقوم به المؤسسات الدينية وحظر نشر فتاوى الفقهاء في وسائل الإعلام الرسمية، إلى غير ذلك من مقترحات محو الدين وحصاره. وأضيف هذه المرة نصين يصوران مدى الحساسية التي تولدت لدى البعض من مجرد ذكر الدين أو الالتزام ببعض مظاهره.

النص الأول نشره «الأهرام» في 26/1 تحت عنوان «كرة القدم والدين: خلطة الكابتن شحاتة». وهو بمثابة تعليق احتجاجي على تصريح نقل على لسان مدرب المنتخب المصري لكرة القدم قال فيه إنه يسعى دائما لأن يكون اللاعبون الذين يرتدون «فانلة» مصر على علاقة طيبة بربهم، وهو كلام يمكن أن ينطبق على المسلمين وغير المسلمين، لأن الطرفين يمكن أن يكونا على علاقة طيبة بربهم. وحين وقعت عليه لأول مرة فهمت أن المقصود به حرصه على تحلى اللاعبين بالاستقامة وتحليهم بالأخلاق الطيبة وبعدهم عن الرذائل. إلا أن الكاتب استفزه كلام الكابتن شحاتة، ولم تعجبه الدعوة التي اعتبرها خلطاً خطراً بين الدين والرياضة. (كاتب آخر ذكر في تعليق له أن الفكرة أصابته بالفزع!) وبنى صاحبنا احتجاجه الغاضب على أساس توهمه أن الكابتن شحاتة قدم المعايير الدينية على المعايير الفنية الموضوعية، كأن الرجل شكل فريقه من مجموعة الدراويش، واعتبر ذلك «طامة كبرى» ودعوة إلى فتنة الشباب، لظنه أنه «يوجه إليهم رسالة خاطئة وخطيرة تفيد بأن بإمكانهم الاستغناء بالطقوس الدينية الشكلية عن المقومات الحقيقية التي ينبغي أن يتحلوا بها في حياتهم العلمية». وبعدما قلبت المسألة على هذا النحو قال الكاتب إن الرجل «ربما لا يقدر حجم الأذى الذي يمكن أن يترتب على خلط الرياضة بالدين، والاستهانة بالمعايير الفنية والموضوعية في لحظة يتوقف فيها مستقبل أمتنا على استيفاء هذه المعايير في كل مجال».!

في اليوم التالي مباشرة (27/1) نشر الأهرام تعليقا مدهشا لأحد محرريه تحت عنوان البي. بي. سي ترتدي الحجاب، وجاء النص تعقيبا على ظهور إحدى المذيعات المسلمات بالحجاب على شاشة تلفزيون ال«بي. بي. سي» الذي يبث باللغة العربية. وهو ما استفز الكاتب الذي عبر عن غضبه واحتجاجه في قوله «لما كانت بريطانيا دولة مدنية علمانية ينص دستورها على حرية العقيدة والكلمة، فإن التوجه الجديد لا يتفق مع العلمانية. والأهم من ذلك أن ارتداء الفتاة للحجاب ليس انحيازا للإسلام ولا احتراما للمسلمين بل انحيازا لقوى التطرف والتشدد والإرهاب».

وفي موضع آخر قال إن «القناة ارتدت الحجاب لتشارك في الصراع بجانب القوى المتشددة والإرهابية». وختم التعليق بقوله إن النص القرآني لا يفرض الحجاب على المسلمات. مضيفا أن هذا الفهم عبر عنه بوضوح الشيخ محمد عبده في فتاواه المتعلقة بالحجاب. النصان من نماذج الكلام الغريب الذي يلوث الإدراك في مصر هذه الأيام، من حيث إنه مسكون بالنفور من حضور التدين أو مظاهره. والنص الأخير تفوق في بؤسه ليس فقط على مستوى الموقف بل على المستوى المعرفي أيضا، فصاحبنا لم يحتمل ظهور مذيعة واحدة بالحجاب واعتبر أن القناة كلها تحجبت، واتهمها بمساندة التشدد والإرهاب، هكذا مرة واحدة، وذكر أن الدستور البريطاني ينص على كذا وكذا، وهو لا يعلم أن بريطانيا ليس لها دستور مكتوب، وادعى أن الإمام محمد عبده له فتوى بخصوص الحجاب تدعم رأيه، وهذه كذبة أخرى، لأن كلام الإمام حجة عليه ينحاز إلى الرأي القائل بأن الوجه والكفين ليسوا عورة، بما يعني أن كلامه انصب على النقاب لا الحجاب.

(3)

إذا استطعت أن«تبلع» الكلام السابق، وجاز لنا أن ننتقل إلى الكلام الأكثر جدية فسوف نجد أن حملة إقصاء الدين ركزت على «تنقية» هوية الدولة والمجتمع في مصر في آثاره من خلال أمرين أساسيين هما: فك الارتباط بين الدين والدولة وإقامة الدولة المدنية. وفي الوقت ذاته إلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع.

ولي عليها عدة ملاحظات ألخصها في ما يلي:

[ إن هذا التفكيك لهوية الدولة المصرية يتزامن مع السجال الحاصل في فرنسا، وإن مضى في اتجاه معاكس له. فمصر يتراجع دورها عربيا، ويعبأ الرأي العام فيها ضد الانتماء العربي، وفي الوقت ذاته يجري فك الارتباط بينهما وبين الإسلام، بحيث تنفك عراها واحدة تلو الأخرى. أما في فرنسا فالسعي حثيث لتثبيت أقدام الجمهورية والعلمانية والتقاليد الفرنسية، والتخلص مع كل ما يظن أنه يعترض هذا الطريق، بمعنى أننا ننخلع من مقومات الانتماء في حين أنهم يعززونه ويثبتونه بمختلف السبل.

[ إن المشكلة الحقيقية التي نواجهها ليست في تدخل الدين في شؤون الدولة، ولكنها في هيمنة الدولة على شؤون الدين، واستخدام منابره وآلياته لخدمة سياساتها وتبريرها. ومن ثم فالمطلب الدقيق هو رفع يد الدولة عن الدين لا العكس. وسجل الدولة مع المؤسسة الدينية معروف (فتوى تأييد إقامة الجدار العازل ليست بعيدة عن الأذهان) ثم إن تدخل الدولة في تقييد الأوقاف حرم المجتمع من باب واسع للتنمية أسهم في نهضة تركيا الحديثة.

[ ثمة سؤالان كبيران تطرحهما هذه الدعوة هما: ما هي الخطوات النهضوية أو الإنجازات السياسية والمجتمعية التي شرعت فيها السلطة المصرية وعطلتها المادة الثانية من الدستور؟ ثم هل هذه المادة هي التي تحول دون إقامة المجتمع المدني، وهل من شأن حذفها أن يستعيد المجتمع حيويته؟

[ ليس هناك صلة بين الأحداث الطائفية التي حدثت في نجع حمادي وهوية الدولة أو المادة الثانية للدستور. ومخطئ من يظن أن الاحتقان سيزول تلقائيا بعد التأكيد في الدستور على مدنية الدولة، وإلغاء المادة الثانية، والحاصل في نيجيريا الآن خير دليل على ذلك. إذ إن سقوط مئات القتلى من المسلمين في الصراعات الطائفية الدائرة هناك، وهي فتنة أكبر، ليس لها علاقة لا بالدولة المدنية ولا بأي مادة في الدستور.

[ إن وجود المادة الثانية في الدستور يضمن الإسناد الشرعي الإسلامي لجميع الحقوق والمبادئ الواردة فيها، خصوصا ما تعلق منها بالمواطنة والمساواة. وهو المعنى الذي أكدته دراسة المستشار طارق البشري حول الموضوع، علماً بأن النص على دين الدولة في الدستور كان موضع إجماع النخبة المصرية الممثلة لمختلف فئات المجتمع التي وضعت مشروع الدستور في العام 1922، في حين أن ثمة شكوكا قوية في شرعية ودوافع الذين يتبنون دوافع إلغاء المادة الآن.

[ إن اعتبار إقصاء الهوية الدينية شرطاً لإقامة الدولة المدنية يعد خطأ معرفياً وسياسياً في الوقت نفسه. فالتنمية في المجتمع الإسلامي على مدار تاريخه حمل عبأَها الناس. وكانت الأوقاف هي الركيزة الأولى لها. واعتماد المرجعية الإسلامية لا يؤسس بالضرورة دولة دينية بالمفهوم السائد في التجربة الغربية، ونفوذ المرشد في إيران التي يقال إنها دولة دينية لا يقارن بنفوذ أي «بابا» في تجربة الكنيسة الغربية، ومعارضوه أقوى وأكثر ثباتا من أي معارضين آخرين في أي دولة «مدنية» في العالم العربي.

(4)

إن تثبيت الهوية الدينية لأي مجتمع لا يقدح في مدنيته، وهو ليس بدعة في زماننا. فملكة إنكلترا رئيسة للكنيسة، والمادة الأولى من دستور اليونان تنص على أن المذهب الرسمي للأمة اليونانية هو مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، وفي الدنمارك والسويد يشترط في الملك أن يكون من أتباع المذهب الإنجيلي وملك إسبانيا يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الكاثوليكية. والكاثوليكية في أميركا اللاتينية والبوذية في الشرق الأقصى، ديانتان معتمدتان لدول عدة، لكن ما هو حلال للآخرين حرام في بلد كمصر عاش فيه الإسلام خمسة عشر قرنا، حتى أصبح يمثل جوهر ثقافته، وديانة 94٪ من سكانه.

إن التعايش الآمن بين مكونات المجتمع له شروطه، التي باستيفائها يسود السلم الأهلي ويتحقق الأمن الوطني، و تلك الدعوات غير المسؤولة من جانب البعض ليست سوى ألغام يبثونها في طريق السلم والأمن المنشودين لمصر كلها، وليس لفئة دون اخرى.

==================================

عندما كذب رئيس الوزراء

الثلاثاء, 02 فبراير 2010

مصطفى زين

الحياة

الرجل القوي الواثق بنفسه. الخطيب البارع. صاحب مشروع الطريق الثالث بين الاشتراكية والرأسمالية. المتحول من البروتستانتية إلى الكاثوليكية. رئيس اللجنة الرباعية لإيجاد حل للمسألة الفلسطينية. المحاضر في الدين. صديق بوش الحميم. وريث «الوسب» (الأبيض الأنغلوسكسوني البروتستانتي) بطل حرب العراق وقع في الكذب مرة أخرى، لكنه خرج من المواجهة أكثر ثقة بنفسه.

مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أمام لجنة التحقيق في الحرب على العراق. كان يعلم أنه ليس أمام محكمة، وأن صلاحيات اللجنة محدودة في استخلاص العبر والدروس من «أجل التاريخ». كان عليه ان يجيب على أسئلة تمرس في التهرب منها طوال السنوات الست الماضية. لم تطرح عليه اللجنة أي سؤال خارج ما اعتاد سماعه. لم تواجهه بأي وثيقة لم يطلع عليها. لم تحاول استدراجه إلى توضيح علاقته بالرئيس جورج بوش. كانت الجلسة أشبه بجلسات مجلس العموم: أسئلة محضرة مسبقاً وأجوبتها محضرة. الفرق الوحيد أن النواب يضفون على جلسات الاستجواب جواً من الحيوية لا يخلو من روح الفكاهة والحماسة، في حين أن جلسة التحقيق اتخذت طابعاً جدياً في جو من الوقار يشبه أجواء المحاكم، خصوصاً أن بعض أهالي القتلى من الجنود كان موجوداً في القاعة.

الأسئلة والأجواء كلها كانت مهيأة ليكرر بلير أقوالاً سمعناها منه في البرلمان وفي لقاءاته الصحافية. جدد قوله إنه قرر المشاركة في الحرب عن إيمان بعدالتها. أنكر أن يكون «وقع بالدم مع بوش» على غزو العراق. قصة أسلحة الدمار الشامل ومشروعية الحرب من دون موافقة الأمم المتحدة لم تختلف عما عهدناه في تصريحاته. الإجابة عن الهدف من احتلال العراق هي ذاتها. مرة كان لتخليص العالم من أسلحة الدمار. ومرة، في جلسة التحقيق ذاتها، لإطاحة نظام يشكل خطراً على السلام العالمي.

فشلت لجنة التحقيق البريطانية في توضيح أسباب قرار بلير المشاركة في الحرب. وفشلت في استنتاج، مجرد استنتاج، أسباب دفع هذا الثمن الباهظ لحرب لم ينتج عنها سوى المزيد من الدمار وتهديد السلم العالمي وإطلاق الإرهاب. وإتاحة الفرصة أمام إيران لمد نفوذها إلى كل الخليج، فيما ادعت بريطانيا وأميركا أن الحرب لمحاصرة «الدولة المارقة، أحد أضلع محور الشر».

أعطت لجنة التحقيق فرصة جديدة لبلير ليعتلي خشبة المسرح ويؤدي دور البريء الحريص على السلام. وثقت أقواله. تركت مراوغته لحكم التاريخ. بدت كأنها متواطئة معه.

لكن خارج قاعة التحقيق كان الوضع مختلفاً. أصدر البريطانيون حكمهم على رئيس وزرائهم السابق. ثمانية من كل عشرة مواطنين قالوا إنه كذب في تبرير الحرب على العراق، وما زال يكذب. لكن حكم الشعب لن يترتب عليه أي عقاب. وسيعود بلير إلى ممارسة عمله في رئاسة الرباعية الدولية. لا البريطانيين قادرون على محاسبته ولا العرب مستعدون للمطالبة بإقالته. وهو يرفل سعيداً بما اقترف.

بدا التحقيق في لندن كأنه يجري في العالم الثالث، حيث لا تأثير للرأي العام، وحيث العدالة دائماً لمصلحة المتنفذين.

==================================

جسور التواصل وثقافة الاختلاف

الثلاثاء, 02 فبراير 2010

مصطفى الفقي *

الحياة

إن أكثر ما يواجهنا كعرب ويصيب وحدتنا في مقتل ويؤدي إلى حالة التشرذم والتباعد وتحولنا إلى جزر منعزلة يعود إلى غياب ثقافة الاختلاف المتحضر ولغة الحوار الراقي والتعبير الواضح عن المصلحة القطرية بلا مواربة أو التواء. كذلك فإن عملية الخلط الدائم بين المواقف السياسية والعلاقات الثنائية هي أمر خطير لأنها تنقل الخلاف مباشرة من أروقة السياسة والقنوات الديبلوماسية إلى ساحات الإعلام والتراشق اللفظي وتبادل الاتهامات التي تدور حول التجريم والتخوين والضرب تحت الحزام. ليس فينا من يقدر ظروف الغير أو من يتفهم طبيعة الضغوط على شقيقه أو نوعية الالتزام الذي يكبله، ولكننا نمضي دائماً بلا وعي وراء سراب لا يؤدي في النهاية إلى عائد إيجابي على الأمة وشعوبها. فإذا كنا منقسمين تجاه الأسلوب الفلسطيني الأمثل لمواجهة سياسات إسرائيل العدوانية التوسعية، فإننا نعترف في الوقت ذاته بأننا فشلنا في توظيف ذلك الانقسام لخدمة مبدأ «توزيع الأدوار»، فلدينا من يرى أن «المقاومة» هي السلاح الوحيد لهذه المواجهة، وهناك آخرون لا يزالون يعلقون أملاً على التسوية السلمية من خلال المفاوضات في ظل وعود أميركية وتسويفات إسرائيلية. وليس من شك في أن إخفاق العالم العربي في تنويع المواقف وتعزيز ثقافة الاختلاف بين أقطاره هو واحد من أخطر المشكلات وأكبر العقبات أمام المسيرة نحو المستقبل، وهنا يكون من الضروري أن نفسر عملية ذلك التصور النظري حتى لا نحلق في آفاق فلسفية مبتعدين عن أوضاع مؤسسية. وتتركز قراءتنا هذا الموضوع في المحاور الآتية:

أولاً: إنني لا زلت أتذكر من سنوات عملي الديبلوماسي في العاصمة الهندية واندلاع الحرب بين الهند وباكستان على خلفية الصراع حول مشكلة كشمير، كيف كنت أندهش كثيراً عندما أرى أنه في غمار العمليات العسكرية والاشتباك المسلح بين الدولتين، كان السفيران الباكستاني في الهند والهندي في باكستان يلزمان موقعيهما من دون أية مشكلات أو حساسيات! بل إن كلاً منهما كان يعطى تسهيلات خاصة تتجاوز دوره في الأحوال العادية حتى يكون قادراً على القيام بمهامه بصورة كاملة. وتذكرت وقتها أحوالنا في العالم العربي عندما تسوء العلاقات بين بلدين شقيقين فتضعف البعثة الديبلوماسية في عاصمة كلٍ منهما وتتحول الأمور إلى تراشق إعلامي وسباب سياسي وتخوين قومي. عندئذٍ أدركت لماذا لم يتحقق لنا ما وصل إليه الآخرون!

ثانياً: لقد حضرت محاضرة للسياسي الإسرائيلي المخضرم أبا إيبان، وزير خارجية الدولة العبرية الأسبق، وكانت تحت عنوان «الصراع العربي الإسرائيلي، قضية الفرص الضائعة» ويومها تحدث ذلك الصهيوني المخضرم عن محطاتٍ معينة في تاريخ العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بدءاً من قرار التقسيم وصولاً إلى الحروب المتتالية مع العرب، مشيراً إلى أن الطرفين معاً قد أضاعا فرصاً متتالية كانت كفيلة بإحداث «اختراق» في ذلك الصراع الدامي، وقد جرت مناقشة بعد المحاضرة التي كانت في «النادي الديبلوماسي المصري» بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» وحمل الحاضرون بشدة على أفكار أبا إيبان وألقوا باللائمة على إسرائيل وسياساتها العدوانية ومخططاتها التوسعية، وقد تميز ذلك اللقاء بدرجة اختلافٍ عالية بين المحاضر الإسرائيلي والحضور المصري، ولكن حرص الطرفان يومها على تأكيد أهمية ثقافة الاختلاف في إطار مفهوم «الفرص الضائعة».

ثالثاً: لقد شهدت الخمسينات والستينات من القرن الماضي حالة واضحة من الانقسام العربي نتيجة الاختلاف مع سياسات عبدالناصر الذي كان يحرِّك الشارع العربي ضد النظم التي لا يرضى عنها، وظهر معسكران مختلفان على الساحة العربية حيث أسهمت «حرب اليمن» في رفع درجة العداء بين الدولتين الكبيرتين مصر «الجمهورية العربية المتحدة» حينئذٍ والمملكة العربية السعودية، وجرت محاولة استقطابٍ ملحوظ غاب معها التواصل وتهدمت جسور الاتصال وقنوات التهدئة، وبرزت حربٌ إعلامية شديدة نالت من وحدة العالم العربي وتضامنه وكأنها كانت تمهيداً طبيعياً لهزيمة 1967 والنكسة العسكرية والسياسية التي لا زالت آثارها باقية فوق الأرض العربية.

رابعاً: سوف تبقى زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس عام 1977 بمثابة علامةٍ فارقة في طبيعة العلاقات المصرية - العربية بل والعلاقات العربية - العربية برمتها، إذ إننا كعرب لم نتمكن من توظيف مبادرة السادات وزيارته لخدمة القضية الفلسطينية والجانب العربي عموماً في الصراع مع إسرائيل، بل إننا مضينا وراء ما يخالف ذلك فازدادت حدة الصراع السياسي والانقسام العربي والتشرذم القومي على نحوٍ غير مسبوق، فيه اتهاماتٌ بالخيانة والعمالة وبيع للقضية العربية الكبرى! وكان الأجدى بالعرب أن يقوموا بعملية ذكية لتوزيع الأدوار، فإذا كان الرئيس الراحل السادات قد غرد خارج السرب فإنه كان يمكن استخدام تغريده في تحقيق بعض المكاسب العربية الجماعية من دون المساس بالثوابت، ولكن ذلك لم يحدث وسجلنا فرصةً ضائعةَ جديدة بسبب عدم قدرتنا على فهم الحقائق وقصورنا في توظيف المواقف وتوزيع الأدوار.

خامساً: إن مستقبل الأمة العربية ونظمها المختلفة في أقطارها المتعددة مرتهنٌ بقدرتها على استيعاب روح العصر وفهم ظروفه المختلفة لأن الدنيا تغيرت والعالم تحوَّل وسقطت أفكار القرن التاسع عشر وتوارت أفكار القرن العشرين وأصبحنا أبناء القرن الحادي والعشرين الذي تستخدم فيه القوى العظمى مفرداتٍ جديدة مثل «العولمة» و «صراع الحضارات» و «الحرب على الإرهاب»، وهي كلها مؤشراتٌ لأطروحاتٍ جديدة لعصر مختلف يحتاج من العرب إقامة «جسور التواصل» وفتح «قنوات الاتصال» والنظر بجدية إلى المدرسة السياسية التي تحترم لعبة «توزيع الأدوار» بل وتبرع فيها، إذ لا يمكن أن نستمر على سياسة الجمود والتعصب للفكر القديم والتمسك بالآراء البالية، بل لا بد للعرب من اقتحام القضايا المعاصرة والدخول مباشرة إلى المشكلات القائمة من خلال رؤية براغماتية تدرس الواقع ولا تكتفي بالتنظير والشعارات.

سادساً: إننا عندما نتحدث عن «جسور التواصل» و «ثقافة الاختلاف» فإننا نتطلع إلى إرساء رؤية جديدة لا تقف عند حدود الاختلاف والتمسك به ولكنها تتجاوز ذلك إلى تفكيرٍ عميق وفهم دقيق لروح العصر ومفرداته، فأنا ألاحظ صراحةً أن ثقافتنا السياسية لا تزال عاجزةً عن التعامل مع الأساليب الحديثة التي تؤمن بأن الاختلاف بل والصراع أيضاً لا يمنعان قدرة الدول على اقتحام أوضاعٍ معينة والتعامل معها بشكل مباشر من دون مخالفاتٍ تذكر أو تجاوزاتٍ تسجل. إننا أمام عصرٍ سقطت فيه الحواجز والحدود ودخلت الأفكار الجديدة في مناحي الحياة كافة حيث لا مجال للجمود أو العزلة أو الانكفاء! وإذا طبقنا ذلك على الواقع العربي الحالي فسوف نكتشف أن هناك مجالاتٍ للحركة لم نطرقها بعد وتركناها فراغاً للآخرين وهو ما أدى بنا إلى الحالة التي نحن عليها الآن.

سابعاً: إن الانقسام الفلسطيني على سبيل المثال بين حركتي «فتح» و «حماس» هو مؤشرٌ خطير لأنه يعني أن درجة النضوج ما زالت محدودة وأننا نتجه بحنينٍ نحو الماضي ولا نتطلع تجاه المستقبل، فلو استطاعت حركتا «فتح» و «حماس» أن تقبل كل منهما الأخرى على ما هي عليه من أجل المصلحة الفلسطينية العليا بدلاً من الحرب الكلامية والمبارزات الإعلامية ومحاولة كل منهما تشويه صورة الأخرى، لو أن الأمر اختلف عن ذلك لاستعادت القضية الفلسطينية عافيتها المفقودة وفرصها الضائعة. إنني ألح عليهما بقبول منطق «توزيع الأدوار» في إطار المصلحة الفلسطينية حتى نرفع أزمة الثقة المتبادلة ونعزز الثقة المطلوبة ونرتفع إلى مستوى العصر الذي نعيشه. وبالمناسبة فإن «توزيع الأدوار» هو أسلوب راقٍ في التعامل بين الإخوة والأصدقاء، فالمفاوضات يمكن أن تمضي متوازية مع المقاومة المسلحة وليست إحداهما بديلة للأخرى بل على العكس فإن استمرار المقاومة يعزز دور المفاوض ويدفع نحو تحقيق الأماني القومية للشعب الفلسطيني.

هذه قراءة سريعة للمشهد العربي الراهن وأسلوب التعامل معه والذي نخسر كثيراً بعدم قدرتنا على تحقيقه، رغم أننا خير أمة أخرجت للناس وكان المنتظر أن نكون شيئاً مختلفاً تماماً بحيث تتحول مؤسسات الحكومة وهيئات المجتمع المدني إلى شبكة للتواصل مع الآخر واحترام ثقافة الاختلاف مؤمنين بالمقولة الخالدة للإمام الشافعي التي يقول فيها: «إن رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، كما نتذكر أيضاً مقولة فولتير الشهيرة: «إنني مستعدٌ أن أدفع حياتي ثمناً للدفاع عن رأي أختلف معه». عندئذٍ نتحدث بثقة عن جسور تواصل ممتدة وثقافة اختلاف قائمة.

* كاتب مصري

==================================

سلام الغرب وحروبه

آخر تحديث:الثلاثاء ,02/02/2010

الحسين الزاوي

الخليج

حينما يتعامل الغرب مع العالمين العربي والإسلامي فإنه يصاب، في العادة، بالعمى الحضاري وتختلط لديه ألوان السلام برائحة الموت والدمار والحروب، التي يعمل على فتح جبهاتها المتعددة عبر امتداد جغرافيا دولنا المليئة بالخيرات والغنية بتراثها وموقعها الاستراتيجي الذي يربط بين كل نقاط المعمورة. لذلك فإن الغرب لم يعمل حتى الآن على إنجاح أي مشروع سلام في منطقتنا منذ نهاية فترة تواجده الاستعماري، حيث إنه وبمجرد حصول أغلب الدول العربية على استقلالها السياسي بعد نهاية الحرب الكونية الثانية، سارعت بريطانيا زعيمة الأطروحات الثقافية الغربية المعاصرة، إلى تأسيس كيان صهيوني مفتعل داخل الجسم العربي والإسلامي.وقد سعى هذا الكيان من جهته، إلى التحرش بجيرانه وإلى تهديد أمنهم من خلال العدوان المتواصل على كل مظاهر الحياة والطبيعة من البشر إلى الحجر. واستطاع الغرب، عبر هذه البوابة “الإسرائيلية”، أن يرهن كل مستقبل المنطقة، كما تمكن من حرمان الشعوب العربية والإسلامية من خوض تجارب تنموية هادئة وناجحة يعيدا عن قعقعة السلاح وضغط الإيديولوجيات المتناحرة التي تُولَد وتتغذى من رحم الهجمة الغربية على دول المنطقة.

 

فالغرب الذي ما فتئ يُعلن حربه ويفرض سلمه المشبوه المتخفي وراء شعارات الاستقرار الدولي، يعمل على بذل جهود جبارة من أجل إشعال فتيل التوترات داخل منطقة الشرق الأوسط، وفي مجمل الفضاء الاستراتيجي للدول العربية والإسلامية، ويسارع في كل مناسبة إلى ذرف دموع التماسيح على ضياع فرص سلام تكاد لا تختلف في جوهرها عن أبشع سيناريوهات الاستسلام التي يحجم عن القبول بها حتى من استمرأوا الذل وباعوا قيمهم وتخلوا عن شرفهم وكرامتهم. ولن يُذيع أحد منا سراً، حينما يؤكد أن مشاريع السلام الغربية أصبحت تُمثل قنابل موقوتة لحروب شرسة وضارية، سرعان ما يتم إشعال فتيلها عن بعد من أجل تطوير وترويج تجارة الأسلحة في فترات الأزمات الاقتصادية المتفاقمة. وهكذا فبعد أن دشنت الولايات المتحدة مسلسلاً جديداً من الحروب المعلنة على “القاعدة”، لتغطي على ما يمكن أن تقوم به “إسرائيل” من خطوات عدوانية على جوارها الإقليمي، نلاحظ أن أحد القادة الأمريكيين ينبري دون استحياء، إلى الحديث عن احتمال تحريك إيران “لأذرعها” في المنطقة لمهاجمة “إسرائيل” من أجل تجنب ما يصفه بالضغط الدولي عليها بشأن برنامجها النووي، وكأنه يؤكد بذلك القول المأثور “رمتني بدائها وانسلَّت”. في الوقت الذي يفصح تاريخ الصراع العربي الصهيوني، أن “إسرائيل” كانت هي السباقة دائما إلى العدوان على الدول العربية.

 

ونتساءل في هذه العجالة عن أسرار ودواعي حديث بعض القيادات “الإسرائيلية” عن إمكانية تفجر حرب جديدة على الجبهة الشمالية مع لبنان، كما نطرح كذلك وبكل غباوة سؤالا نعرف جميعا وبشكل حاسم فحوى الإجابة الغربية المرصودة له، وهو سؤال يتعلق بالأسباب التي جعلت كل الدول الغربية وفي مقدمها فرنسا ومعها روسيا، تُحجم عن بيع صواريخ مضادة للطائرات للجيش اللبناني النظامي من أجل الدفاع عن الأجواء الإقليمية للدولة اللبنانية، بضغط صريح ومفضوح من الجيش “الإسرائيلي”؛ أولم يسبق للغرب أن تحدث في أكثر من مناسبة عن ضرورة وجود جيش لبناني قوي قادر على الحفاظ على الوحدة الترابية للبلد، وقادر بالتالي على الوقوف في وجه الميلشيات المسلحة؟

 

كما نسمح لأنفسنا أن نتساءل في اللحظة نفسها، عن طبيعة الصعوبات الوهمية التي أشار إليها الرئيس أوباما بشأن عملية السلام والتي أكد بشأنها، أنه لم يكن يتوقع أنها تتسم بمثل هذا التعقيد، لنقول له أيضا، ولكن بغباوة مركبة هذه المرة، ما طبيعة هذه الصعوبة التي يراها، في أن تقوم دولة عضو في الأمم المتحدة وسبق أن أُنشئت بموجب قرار أممي بتطبيق لوائح ومقررات الأمم المتحدة الداعية إلى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967 والسماح بعودة اللاجئين ؟ لا شك أن أوباما أحجم عن الاعتراف بأن ما يمكن أن يُفرض على الآخرين بالقوة الجبرية لا يمكن أن يطبق على “إسرائيل”، لأن الأمم المتحدة وكل الكرنفال المحيط بها من ترسانات قانونية مرقونة بحبر حالك السواد، وُجدت أساساً من أجل حماية المصالح الغربية التي تمثل المصالح الصهيونية بالنسبة إليها ما يمثله القلب بالنسبة للجسد.

 

وعليه فإن الحقيقة الوحيدة التي يؤمن بها الغرب في ما يخص علاقاته بالعالمين العربي والإسلامي، تُمثل تجسيداً للمعادلة التي تفيد أن الأشياء بضدها تتضح، وأن الحديث عن السلام في هذه المنطقة من العالم لا يكون إلا من خلال التحضير الجدي والمحموم للحرب، لأن الاستقرار في هذه البقعة من العالم، التي تمثل بؤرة الحضارة الإنسانية، يؤشر إلى بداية تراجع غير مقبول في مساحة الهيمنة الغربية. وقد عبر بعض الإعلاميين الغربيين عن هذه الصورة التي تصل إلى حد المفارقة بقوله، إن الواقع في الشرق الأوسط لا ينسجم البتة مع ما يتم الترويج له من تصريحات، كما أنه لا يتماشى مع التصورات التي يتم الإعلان عنها على مستوى الدوائر الرسمية في الغرب، لذلك فهو يدعونا إلى إعادة اكتشاف جانب الظل المختفي من هذا الواقع، خلف شلال المعلومات المضللة القادمة من هذه المنطقة التي تشبه إلى حد كبير برميلا من البارود. لكن الذي يصنع، في زعمنا هذا التضليل ويحرص من ثمة على الإبقاء عليه، هو الغرب الذي لا يتقدم خطوة نحو السلام إلا من أجل التراجع خطوتين إلى الوراء باتجاه مزيد من الحروب والدم والدموع.

==================================

تسليح العالم وحديث السلام

الافتتاحية

الثلاثاء 2-2-2010

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

وهم السلام العالمي يبدده سباق التسلح الذي تبدو صورته الأولى بنشر القوة الأميركية على أرجاء المعمورة، ومايتجاوزها.

سياسة السلاح والتسليح هي أهم عناصر السياسة الاميركية، التي تعطي التعبير الأدق عن السياسة الامبريالية. بدءاً من روسيا ومروراً بالصين وليس انتهاء بالخليج العربي، هو السلاح، السفير الأميركي الأهم.. الذي يعبر دون أن ينطق.‏

روسيا أحست بالخطر.. وأكدت عودتها إلى تنشيط إنتاج نشر الأسلحة الاستراتيجية.‏

الصين رفعت درجة حذرها من الشرك الذي ينصب لها في تايوان.. وقد رفضته، وأكدت أنها لن تسمح بمروره.‏

وفي الخليج تعمل الولايات المتحدة على ترسنة هذه المنطقة بأسلحتها.. في الوقت الذي تقوم فيه ولاتقعد المؤسسات الاميركية والغربية عموماً قبل أن تسلم أي صفقة أسلحة من أي نوع كان، وبأي ثمن لإحدى دول المنطقة.‏

ونذكّر هنا بردة فعل الكونغرس على صفقة الأسلحة للعربية السعودية بقيمة «20» مليار دولار .. والذي اضطر الإدارة الأميركية من أجل تمرير الصفقة، أن تؤكد أن هذه الأسلحة لن تستخدم ضد إسرائيل..‏

إذاً لمن السلاح..؟! ولماذا.؟!‏

لا نعتقد أن عاقلاً في المنطقة، ولا في الغرب أيضاً، إلا ويدرك أن تكلفة السلام أقل بكثير من تكلفة الحروب، وطريقه أسهل..!!‏

بل نحن نجزم أن مابين إيران ودول الخليج هو حديث سلام دائماً يشوبه أمران:‏

- المسعى الغربي للعب دور مشعل الفتن والتشكيك بين دول المنطقة.. لتصوير أن العداء بينها وليس بينها وبين الغازين لها.‏

- حماية إسرائيل..‏

الأسلحة الأميركية في كل مواقعها في الشرق الأوسط هي لحماية إسرائيل ومساعدتها أولاً وقبل كل شيء..هل ثمة خلاف على ذلك؟!.. اذا اختلف أحد معنا حول ذلك.. نسأل أصحاب السلاح ومصدّريه، عن كل مواقفهم في المنطقة وضمنها موقفهم من إيران.. أليس أمن اسرائيل وحمايتها أولى مهماتهم..؟!‏

أدبياتهم.. بياناتهم.. خطاباتهم.. وسلوكهم وكل قواتهم في كل المواقع .. هل ثمة هدف لذلك كله إلا أمن إسرائيل وحمايتها..؟‏

عندما يكون الأمر كذلك، أين يقف السلام؟!.‏

لماذا الحرب إذا كانت فرصة السلام متاحة..؟!.‏

نحن لم نقل الحرب بالضرورة.. قلنا التسليح.. ونشر الأسلحة.. وليست الأولوية دائماً لفرضية الحرب.‏

بل.. الرعب.. الهيمنة.. السيطرة.. والتجارة.. في تايوان فائض اقتصادي يجعلها قادرة على دفع قيمة السلاح، وبالتالي هناك فرصة لتسليح بما قيمته 6 مليارات دولار كجزء من صفقة ب 13 مليار دولار كانت وقعت أيام الإدارة الاميركية السابقة.‏

في الخليج العربي فائض اقتصادي أيضاً، وبالتالي هناك فرصة لأسلحة وصفقات.. حديث لاينقطع وعشرات مليارات الدولارات.. ولاحديث عن حقيقة وماهية وشروط تسليم هذه الأسلحة.‏

طبعاً الهدف السياسي هو الهيمنة أولاً..‏

لكن.. ليس بعيداً منه، ولا ينفصل عنه الهدف الاقتصادي التجاري.. حيث أنشط وأكثر أنواع التجارة رواجاً والتي لم تستطع أن تخفف منها أوهام السلام.‏

ولشركات صناعة وإنتاج الأسلحة في الولايات المتحدة دور كبير في تنصيب إدارتها.. والرضا مطلوب..‏

هذا وذاك وغيره ترك الصوت الأعلى.. لقرقعة السلاح.‏

a-abboud@scs-net.org

==================================

مفتاح الحرب والسلم في أيدي إيران وإسرائيل

هل تكون 2010 سنة الانتظار والترقّب ؟

اميل خوري

النهار

2-2-2-2010

هل تكون 2010 سنة حرب ام سلام، ام يستمر "الستاتيكو" على حاله فلا حرب ولا سلام؟

يقول ديبلوماسي لبناني يتابع التطورات والمستجدات عن كثب انه لا يرى ان الطريق الى السلام في المنطقة سالكة ما دامت ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما عاجزة حتى الآن عن تحقيق حل الدولتين، خصوصا ان السلطة الفلسطينية هي سلطتان وحكومة بنيامين نتنياهو ترفض اي حل ما لم تضمن امن حدودها قبل ان توقع اتفاقات سلام، وهذا الامن لا يمكن تحقيقه مع وجود مقاومة في لبنان وفي فلسطين المحتلة، ومع وجود الدولة الايرانية التي تهدد بمحو اسرائيل من خريطة المنطقة.

لذلك لا بد من التوصل الى اتفاق على البرنامج النووي الايراني باعتباره مفتاح الحل الكامل لمشكلات المنطقة وتحديدا في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق وافغانستان واليمن، ومن دون التوصل الى هذا الاتفاق – المفتاح فان سوريا قد لا تستطيع عقد اتفاق مع اسرائيل حول الجولان بمعزل عن ايران لان هذا معناه زوال مبرر وجود السلاح في يد "حزب الله" وكذلك في يد حركة "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، ولا السلطة الفلسطينية تستطيع التوصل الى اتفاق مع اسرائيل وهي على خلاف مع السلطة الفلسطينية الاخرى في غزة وإن لم تكن تعترف بشرعيتها، ولا لبنان مستعد لان يعقد سلاما مع اسرائيل من دون الاتفاق مع سوريا.

وفي رأي الديبلوماسي نفسه ان لا سلام في المدى المنظور في المنطقة في ظل هذا الوضع المعقد الا اذا تم التوصل الى اتفاق حول البرنامج النووي الايراني الذي يشكل مفتاح حل المشكلات في المنطقة بحيث يمكن القول عندئذ ان ايران هي مفتاح الحرب والسلام في الشرق الاوسط.

اما السؤال عن احتمال نشوب حرب قد تفرض نتائجها تسوية سلمية شاملة في المنطقة، فالديبلوماسي اللبناني لا يرى احتمال نشوبها لان من يستطيع اشعال الحرب هما اسرائيل وايران. فالدولة العبرية لا تستطيع شن حرب من دون ضوء اخضر اميركي، وخصوصا انها حرب قد تشعل كل المنطقة ولا تبقى مقتصرة على لبنان او على ايران كما في تموز 2006، ناهيك بان احدا لا يمكنه ان يضمن الانتصار فيها اذا ما استخدمت اسلحة الدمار، وعندها يخرج الجميع منها خاسرا. واذا كان هدف اسرائيل من الحرب هو القضاء على سلاح "حزب الله" كي تصبح حدودها الشمالية آمنة مع لبنان وتعقد معه التسوية التي تناسبها، فان حرب تموز اثبتت ان ليس في مقدور اسرائيل ولا في مقدور اي جيش نظامي تحقيق ذلك بدليل ما حصل في فيتنام وما يحصل في العراق وافغانستان والصومال عندما يكون السلاح في ايدي تنظيمات ومجموعات عديدة، وان كل ما تستطيعه اسرائيل في حرب جديدة على لبنان هو تدمير بنيته التحتية، وهو تدمير لا يحقق لها الامن والسلام مع بقاء سلاح المقاومة، وتاليا هي حرب قد لا تستطيع سوريا وايران الوقوف منها موقف المتفرج، ولا ان يتفرج عليها اصدقاء لبنان مثل فرنسا وتركيا، اذ انهم قد يتدخلون لوقف حرب لن تحقق اهدافها. واذا كانت حروب اسرائيل مع مصر والاردن حققت السلام فانه لا يزال حتى الآن سلاما خجولا وباردا، في حين انها لم تحقق حتى هذا السلام مع فلسطين ولبنان وسوريا.

يبقى ان مواجهة البرنامج النووي الايراني تكون بفرض عقوبات على ايران، وهي عقوبات قد لا تجمع الدول الكبرى على اتخاذها اذا كانت شديدة وقاسية لانها تتعارض ومصالحها الاقتصادية القائمة مع ايران كما هي الحال مع روسيا والصين، وقد يصعب اتخاذ قرار في شأنها في مجلس الامن لئلا تستخدم الصين "الفيتو" كونها الآن في ازمة مع الولايات المتحدة الاميركية بسبب تزويد تايوان اسلحة متطورة تعتبرها الصين مهددة لأمنها القومي.

وهكذا تبقى العقوبات رهنا بموافقة كل دولة من الدول المعنية بموضوع البرنامج النووي الايراني، وهي عقوبات في نظر الديبلوماسي نفسه قد لا يكون لها تأثير قوي وتستطيع ايران تحمّل نتائجها لانها عقوبات جزئية ولا تطبقها كل الدول كي يصير لها تأثير ومفعول.

وهذا الوضع يشير الى ان 2010 قد تكون سنة "الستاتيكو" اي لا حرب ولا سلم في المنطقة. اما اذا اقدمت اسرائيل على الحرب بحجة ان السلاح النووي الايراني يهدد امنها لا بل وجودها في المنطقة، فانها تكون حرب موت او حياة لا احد يمكنه التكهن بنتائجها، وهل تكون حربا خاطفة مثل حرب الايام الستة ضد مصر، وهذا النوع من الحروب بات صعبا، وهل تكون هي السبيل الى دخول ابواب السلام فتكون عندئذ حربا من اجل السلام عندما يتعذر تحقيق السلام لتلافي الحرب.

اما اذا اقدمت ايران على الحرب تحت تأثير الاذى من العقوبات القاسية اذا ما تم التوصل الى اتفاق على فرضها، وكانت هذه الحرب بمثابة الهروب الى الامام، فانها تكون حربا شاملة في المنطقة تضطر الدول الكبرى ومجلس الامن الى التدخل لوقفها اذ انها قد تهدد خطوط امداد دول اوروبا بالنفط، وتتحول الحرب العسكرية حربا اقتصادية خطرة على الجميع.

وهذا يطرح سؤالا: من هي الدولة التي تغامر بحرب قد تعجز عن تحقيق اهدافها حتى لو اعطيت ذرائع لها؟

فالولايات المتحدة الاميركية لديها من الحروب ما يكفيها في المنطقة وهي لا تعرف حتى الآن كيف تخرج منها، حتى بسياسة الحوار التي اعتمدتها ادارة اوباما، واسرائيل التي عجزت في حرب تموز 2006 عن تحقيق اهدافها وهي ضرب البنية العسكرية ل"حزب الله" قد لا تحقق اهدافها ايضا في حرب جديدة، خصوصا انها قد تفتح ضدها كل الجبهات العربية المحيطة بها ليس بحرب جيوش نظامية فقط، بل بحروب مقاومات قد تخترق الاراضي الاسرائيلية للمرة الاولى في تاريخ حروب اسرائيل، وهو ما لا يتحمله الشعب اليهودي، وايران التي تبقي ابواب البحث مفتوحة حول برنامجها النووي، لن تكون البادئة بشن حرب لئلا تتحمل عندئذ المسؤولية الكبرى، لذا فهي مستعدة لان تتحمل عواقب الحصار والعقوبات التي تفرض عليها لانها تظل اقل ضررا بكثير من عواقب الحزب وويلاتها.

لهذه الاسباب وغيرها يرى الديبلوماسي اللبناني ان لا حرب ولا سلم في المدى المنظور.

==================================

المشكلة الصين أم ايران؟

امين قمورية

النهار

2-2-2010

قبل ان يتفكك الاتحاد السوفياتي ويختفي عن الخريطة الكونية كقطب ثان قوي، بدأت انظار الاستراتيجيين الاميركيين تتحول الى الصين كخصم قوي للولايات المتحدة على الساحة الدولية.

وعلى رغم تظهير واشنطن اعداء جددا في فترة ما بعد الحرب الباردة كي تبرر هيمنتها، مثل الارهاب والاصولية الاسلامية و"محور الشر" والخطر الصربي، ظلت العين الاميركية مركزة على بيجينغ كخليفة محتملة لموسكو في لعبة الصراع الدولي، ذلك ان لدى الصين كل المقومات اللازمة لمشاركة واشنطن في التربع على قمة النظام العالمي او لمنافستها عليها: طاقة بشرية هائلة، نمو اقتصادي مذهل، برنامج اصلاحي ناجح، عملة رخيصة ويد عاملة فنية ماهرة ارخص، بنيان تنظيمي وانضباط حديديين، تطور صناعي وزراعي استثنائي، واحتياط مالي وفير، وعلاقات دولية نشيطة ومتغلغلة.

 وفعلا، وبعد مرور عقدين على سقوط القطبية الثنائية، حدث ما توقعه بعض المنظرين الاميركيين: الصين تحل محل اليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم لتبدأ مزاحمة الولايات المتحدة على المرتبة الاولى، وتحافظ على نمو اقتصادي يبلغ أكثر من عشرة في المئة غير آبهة بالأزمة الاقتصادية العالمية، ويزداد طلبها على النفط بوتيرة متسارعة لتشغل بال العالم وخصوصا اميركا التي باتت تخاف على امنها النفطي وخصوصا اذا ما وقع "الشر المستطير" بالنسبة الى واشنطن والمتمثل بالتواطؤ الصيني - الايراني الذي قد يغير المعادلات في منابع الطاقة بين اسيا الوسطى والسودان مرورا بالخليج.

خلال عقدين كانت الازمة محتدمة، في العلن، بين واشنطن وايران على مسائل كثيرة في مقدمها الملف النووي. اما في السر، فكانت الصفعات الاميركية القوية توجه الى بيجينغ وليس الى طهران: احتلال افغانستان ( ايران استفادت من ازاحة طالبان في حين حط الجيش الاميركي على الحدود الغربية للصين)، فتح ملف حقوق الانسان، منظمة التجارة العالمية، ارتفاع اسعار النفط، تأجيج قضية التيبت، اثارة عصبية تايوان. وكانت الصين ترد بطريقتها "الناعمة" اصرارا منها على الحفاظ على سعر مخفوض ل"اليوان" والاقتحام "الحريري" للاسواق الجديدة في افريقيا واسيا واميركا اللاتينية وسحب البساط من تحت ارجل النفوذ الاميركي في القارات الثلاث.

 وعلى رغم محاولة اوباما فتح صفحة جديدة مع الصين التي لم تكن متحمسة لعودة الديموقراطيين الى البيت الابيض كرها بهم لا حبا بالجمهوريين، فان زيارته التاريخية لها في الصيف الماضي وخطبه ودها في الامم المتحدة، لم يغيرا في حقيقة ان بين واشنطن وبيجينغ "ما صنع الحداد".

وهكذا، مع اشتداد الازمة مجددا مع طهران ومحاولات فرض عقوبات عليها بالاجماع في مجلس الامن، كان يفترض في واشنطن ان تراعي مصالح بيجينغ الوطنية لكسب ودها في المسألة الايرانية، واذ بها تفعل العكس حين اثارت غضبها بابرامها صفقة اسلحة متطورة مع تايوان لا تخل بموازين القوى في المضيق فحسب بل تمس بالكرامة الوطنية الصينية وتخدشها. اكثر من ذلك لوحت واشنطن بورقة ثانية لا تقل استفزازا عن الاولى هي اعتزامها عقد لقاء بين الرئيس أوباما وزعيم التيبت الدلاي لاما، في موضوع داخلي شديد الحساسية بالنسبة الى الصين.

كان يمكن تفسير ما جرى، بأنه محاولة من واشنطن للضغط على بيجينغ لانتزاع تعاون "قسري" منها لامرار العقوبات ضد ايران في مجلس الامن بعدما عجزت عن انتزاع تعاون "طوعي" منها في هذا الشان. لكن هذا التفسير سرعان ما تبخر عندما كشفت هيلاري كلينتون في دافوس حقيقة النيات الاميركية بتحذيرها الصين من أنها بمعارضتها فرض عقوبات على إيران تهدد بحرمان نفسها إمدادات النفط من الخليج. وعلى رغم تعدد التفسيرات التي ألحقت بهذا التصريح، إلا أنها المرة الأولى التي تتحدث فيها واشنطن صراحة عن إمكان وقف واردات الصين النفطية إذا لم تماشها في موضوع العقوبات على إيران.

ومن يدري، ربما تكون واشنطن تفاوض طهران ايضا من تحت الطاولة على "تسهيلات اميركية" في ملفها النووي والاقليمي في مقابل "تعقيدات ايرانية" في امداد الصين بالنفط. وهكذا تكون اميركا قد حققت مكسبين في ان واحد: استمالة ايران، وابعاد الصين عن المنازلة الاقتصادية الكبرى بتعطيشها نفطيا.

==================================

حرب الخليج الرابعة!!

خيري منصور

الدستور

 2-2-2010

للحرب رائحة لا يخطئها انف مزكوم بها لثلاث مرات على الاقل في الخليج العربي ، وما يقال الان عن الحراك العسكري في تلك المنطقة يراوح بين توقعات متحفظة لحرب قد تكون وشيكة وبين قراءة اخرى تتلخص في تجارة الاسلحة وبيع المزيد منها بالمليارات.

 

وغالبا ما تشتبك قرائن الحرب الفعلية مع تلك القرائن التي تصاحب بورصة الاسلحة ، اذ لا بد من تسويق هذه البضاعة السوداء من اثارة التوتر بل الهلع لدى اطراف مرشحة لان يزج بها في حرب ليست هي حربها بالتأكيد.

 

وما نشرته النيويورك تايمز والواشنطن بوست حول احتمالات حرب بين الولايات المتحدة وايران ينتهي الى حقيقة واحدة هي طمأنة اسرائيل ، والنيابة عنها في حرب طالما هددت بها ايران لاسباب نووية وحكاية اسباب الحروب او ذرائعها سواء تعلق الامر بواشنطن او تل ابيب ليست هي المعلن او ما يجري تسويقه اعلاميا فوراء الاكمة ثمة شيء اخر ، وما يقال على المسرح ليس ما يدور وراء الكواليس ان ما يرجح كفة التوقعات لحرب هي ما سمي مرارا الخيار العسكري غير المستبعد هو تلك السوابق التي تجرعت المنطقة مرارتها تباعا ، فالملدوغ من الافعى يصاب بفوبيا العصا كما يقال ، وقد تصبح الحبال كلها بالنسبة اليه ثعابين.

 

ولدى المراقب لما يجري الان في منطقة الخليج وقبالة السواحل الايرانية ما يكفي من الاسباب لاستبعاد الحرب ، بقدر ما لديه من الاسباب ما يكفي لتوقعها ، لان الولايات المتحدة منذ دشنت حقبة الحروب الاستباقية او حروب ما بعد الحداثة كما يسميها بعض الامريكيين على سبيل السخرية لم تعد بحاجة الى اسباب منطقية للمجازفة بحروب ، ولم تعد المقدمات وحدها كافية للاستنتاج ، لان فلسفة النظام الجديد رفعت شعارا هو ان الواحد بالمئة قد يتغلب على تسعة وتسعين بالمئة قدر تعلق المعادلة باستراتيجيات تشبه جبال الجليد التي لا يظهر منها في المحيط سوى القمة.

 

ان عبارة طمأنة اسرائيل تكررت خلال العقدين الماضيين عدة مرات ، وكان اصرار الرئيس بوش الاب على عدم مشاركة اسرائيل في حرب الخليج الثانية هو بمثابة ما يسمى الحرب بالوكالة او الانابة ، واستهداف المواقع النووية الايرانية كان منذ البدء اسرائيليا وبالحاح دفع البعض الى التأكيد من ان مغامرة عسكرية اسرائيلية لقصف تلك المواقع ليست مستبعدة على الاطلاق ، وما صرح به لارجاني في اعقاب زيارة الى الكويت وهو مطالبته دول الخليج العربي بعدم استخدام اراضيها واجوائها في الحرب المحتملة على ايران وكان لا بد للارجاني ان يضيف جملة اخرى هي ان بلاده لا تريد الحاق الاذى بتلك الدول ، لكن حربا ساحتها الخليج كله ومساحة مسرحها غير قابلة للتحديد لن تكون موضعية ، وقد تكون لها تداعيات تشمل المنطقة كلها ، فمن يشعل النيران ليس دائما هو القادر على اطفائها .

 

حراك عسكري به قدر من الغموض يضاعف من بث الرعب في المنطقة والعالم الذي لم يخرج بعد من ازمة اقتصادية خانقة وتتحالف عليه زلازل الطبيعة مع زلازل السياسة واساطيل الامبراطورية العمياء قد لا يحتمل حربا من هذا الطراز ، لكن من اخذتهم العزة بالاثم واخترعوا ذرائع للحروب بعد انتهائها وبأثر رجعي قد يكررون الاخطاء بحيث تصبح خطايا،،

==================================

التقنية والسياسة!

ميشيل كيلو

02/02/2010

القدس العربي

إذا كان صحيحا، على وجه التقريب، أن الصراع مع الدول الرأسمالية والمتقدمة هو شكل من 'الثورة' عليها، فإن ما سمي 'الإرهاب' يستحق أن يعد، بشيء من التساهل، جزءا من هذه الثورة، ليس لأنه موجه ضد بلدان رأسمالية وحسب، بل لأنه جهد عنيف يقوم به فقراء عالم إسلامي يطلب العدالة ويعد بإحيائها لدى شعوب كثيرا ما تاقت إليها وتمنتها، ويعلن أنه يقاتل ضد الظلم والتفاوت، وخاصة منه التفاوت بين مواطني الدول المتقدمة وبقية مواطني العالم. كما يعد بإحلال نظام محل آخر، ويتمسك بطوبى تأتي صورتها المثالية من ماض ذهبي، يعمل لإعادة إنتاجه في الحاضر والمستقبل، ويتعهد أن لا يعقد صفقات حولها مع أي جهة، وأن يحارب تحت راية أيديولوجيته الطهرانية / الزهدية فساد وخطايا الدنيا. أخيرا، إنه فعل خلاص يريد رد الإنسان إلى قيم ومثل يعني تبنيها نهاية ذنوبه ومشكلاته، فليس بإمكانه التخلي عنه، وإلا خان نفسه ومبادئه.

الإرهاب جزء من الثورة: هذا ما قاله الثوريون باعتزاز بين أواسط القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين، حتى إن ثوريا من طراز تروتسكي وضع كتابا جعل عنوانه 'الإرهاب والثورة '، بينما لم تتخذ العقول الثورية الكبيرة موقفا مضادا للإرهاب، بل رأته بمنظار واسع جعله جزءا من العمل الثوري وأسلوبا من أساليبه، يكتسب شرعيته من الظرف الذي تجتازه الثورة، فإن حقق لها النجاح بالوسائل القانونية كان من الضروري قبوله، وإلا وجب البحث عن أساليب أخرى، لا ضير إن كان هو، الإرهاب، واحدا منها، شريطة أن يخدم العملية الثورية.

خلال هذه الفترة الطويلة، لم يكن للإرهاب معناه الراهن الواسع، ولم يكن مذهبيا أو دينيا بل كان أيديولوجيا. ولم يكن خط العمل الثوري الرئيس، بل كان خطا فرعيا أو مساعدا، تابعا وخاضعا لغيره فلا يحدد ما عداه، مثلما هو شأنه اليوم. إلى هذا، كانت ممارسته محصورة وضيقة، فغدا اليوم نشاطا يغطي الكرة الأرضية، تنخرط فيه قوى وحركات وتيارات دينية / سياسية تخوض حربا شاملة ضد مراكز الرأسمالية المتقدمة، وخاصة منها أمريكا التي ترد عليه بحرب عالمية لا ترحم، قد تكون أكثر الحروب التي عرفها العالم صعوبة وتعقيدا، ومن المؤكد أنها تستغرق وقتا أطول مما استغرقته الحروب العالمية السابقة.

كان الإرهاب جزءا من الثورة، فصار ثورة قائمة بذاتها، قد تستخدم أساليب ونهج، وتتبع آليات، الثورات السابقة، لكنها لا تتطابق معها. وبغض النظر عن تصنيفاتنا، فإن الأمريكيين وبقية المتقدمين يرون في الإرهاب حربا سرية / تحت أرضية، يكاد يكون مستحيلا كشفها بالوسائل التقليدية، التي أفلحت في محاربة الثورات السابقة، لاتصالها بعالم غامض يصعب اختراقه يعيش فيه بشر تقوقعوا على أنفسهم، تركبهم الريبة في كل ما هو غريب أو أجنبي، يعيشون على هامش التقدم ويعتبرون الفقر في وقت واحد ظلما وأمرا طبيعيا، وامتحانا إلهيا يختبر صدق إيمانهم، فهم يعيشون على هوامش سلطة تعجز عن التغلغل فيهم، ومعرفة مكنوناتهم الحقيقية، مع أن ما يتعرضون له من إفقار وإذلال يتكفل بتعبئتهم وبجعلهم خارجين فعليا على القانون والنظام، فلا تنضبط علاقتهم معهما بأي عرف أو قاعدة، ولا يقرون بشرعية الأمر السياسي القائم ومؤسساته الرسمية.

بسبب طابعه الخفي، وقدرته على اجتذاب الناس، وتوطنه في مناطق بعيدة عن السلطة، وتغلغله داخل أوساط ومجالات ليس للدولة فيها حضور هيكلي / بنيوي قوي. وبسبب رسوخ مطالبه ورهاناته في الوعي الشائع لعوام المواطنين، توطد الإرهاب وشكل تحديا يتطلع إلى إلغاء أسس النظام الرأسمالي، بينما كانت ثورة القرنين التاسع عشر والعشرين تريد إلغاء النظام وحده والحفاظ على أسسه، التي رأت فيها حامل نظام بديل هو النظام الاشتراكي.

بسبب طابعه الخفي، يعتقد العسكر الأمريكي أن كسب الحرب يتوقف على إخراج الإرهاب من سريته ومكامنه تحت الأرض، وكشفه بوسائل التقنية فائقة الحداثة، التي تطور وتطبق في كل ميدان، وتقوم على تكنولوجيا 'النينو': الأحجام فائقة الصغر، اللامتناهية في الصغر، التي تستخدم لإعادة إنتاج الواقع ومنتجات البشر وموجودات الطبيعة، ولتوسيع سيطرة الإنسان على عالمه توسيعا من شأنه إحداث تبدل جذري في الوجود، حتى ليصعب تخيل ما سيؤول إليه العالم خلال العقود القليلة المقبلة، وإن وجد إجماع بين العلماء يؤكد أنه سيتغير بطريقة ستؤسس لطور جديد من الحياة.

لنأخذ الآن جانبا واحدا من هذه التقنية، نسمع يوميا عنه في نشرات الأخبار، هو الطائرة بلا طيار: وهي آلة صغيرة مزودة بتجهيزات عالية التقدم تمكنها من الاستماع، والكشف، والتدخل والضرب في وقت واحد. هذه الآلة يمكنها مواكبة الأحدث لحظة بلحظة، والتدخل فيها دون خسائر بشرية على جانب من يسيرونها. كان الإرهاب خفيا لا تراه العين، فأخذ ينكشف أكثر فأكثر بفضلها، وسينكشف مستقبلا إلى درجة الافتضاح، حين ستستخدم أدوات تنصت وقتل طائرة متناهية الصغر، بوسعها التسلل من مدخنة منزل أو ثقب في جدار، والاختباء تحت وسادة أو كرسي، لأن حجمها لا يتعدى حجم دبور أو نحلة كبيرة.

لكل حرب وسائلها. في الحرب الحالية، الدائرة بين التنظيمات الأصولية والغرب، بدأت التقنية تحارب نيابة عن البشر. وهناك تجارب تجرى لجعل كائنات الكترونية شبيهة بمخلوقات لعبة 'النين تندو' تقاتل وتقتل، دون أن تصاب أو تموت. لقد هزم الغرب السوفييت بفارق التقدم وهوة التقنية، وهو يضع اليوم آماله في تحقيق قدر من التقدم يعمق تعميقا غير مسبوق الفارق الذي يفصله عن العوالم الأخرى. لنتصور بعد سنوات قليلة أن هناك حاكما أو زعيما قررت أمربكا تصفيته والقضاء على أعوانه: بالطائرات أو الدبابير. هل سيفيده الاختباء في قصره، وأين سيعمل هو وحاشيته؟ وماذا سيفعلون كي يحموا أنفسهم ونظامهم؟ وكيف سيدير وأعوانه الدولة والسلطة ويتحكمون بالمجتمع، وكيف يضمنون سطوتهم وسيطرتهم عليه، إن كانوا سريين ومختبئين لا تراهم أعين مواطنيهم أو تسمع أقوالهم وتطيعها؟ ومن الذي سينجح منهم في حماية نفسه، وإلى متى؟ ألن تحول التقنية هذا الحاكم وبطانته إلى تنظيم سري مطارد يجهل إن كان مراقبا، ومتى يتلقى لسعة دبور قاتلة؟.

لم يعد بوسع الإرهاب البقاء خفيا، إنه ينكشف. أما سريته، التي لطالما حمت مناصريه وحجبتهم عن الأعين، فإنها تفقد أكثر فأكثر وظيفتها كوسيلة حماية ناجعة. من الآن فصاعدا، لن يعود هناك غير العلنية طريقة في العمل العام والسياسي، في الداخل وحتى ضد الخارج. ولن يكون هناك جدوى من أي طريقة في العمل لا توسع العلنية وتوطدها بصور شرعية: بالحوار الحر والمفتوح والسلمي والمتسامح، وهي أساليب لا يملك الغرب ولن يملك ردا عليه، بالتقنية أو بغيرها، لأنه لا ولن يستطيع استبعاد أي شعب من العمل العام أو حرمانه من ثماره، إذا ما اعتمدته الكتل البشرية الكبرى في العالمين الإسلامي والعربي. إن مراقبة ما يحدث على الحدود بين باكستان وأفغانستان من مجازر ترتكبها أمريكا بالتقنية، ومن يتأمل كيف تصفى خصومها عن بعد، يجد نفسه مكرها على التفكير في السنوات المقبلة، لتخيل حجم الكارثة التي ستحل بسلطة حاكمة أو بحركة مقاومة، إذا ما تسلطت عليها الدبابير والطائرات بلا طيار، وسكنت أجواء أوطانها، وشرعت تعرضها لهلاك ليس لديها من رد عليه غير رد جزئي وفاشل هو لامركزية القيادة والتخفيف من ربط مصير الدولة بحاكم فرد، ورد جدي وفاعل هو مشاركة الشعب الواسعة والحرة في الشأن العام، التي ستبدل معطيات السياسة وستفضي إلى تعزيز النزوع إلى الديموقراطية ليس فقط كطريقة حكم، وإنما أيضا كوسيلة إنقاذ!.

لا رد على تقنية القتل الانتقائي والشامل غير فتح عملية تجديد وتوسيع النخب، الحاكمة والمثقفة والمالكة، وديموقراطية القيادة والاحتماء بالشعب، لتوحيد قدرات وعقول المواطنين وجعلها درعا يحمي الأوطان وحكوماتها الشعبية وتاليا الشرعية. أما الاختباء والتخندق والاختفاء في القصور وتحت الأرض، والتسلط على البشر بالكبت والقهر، فإنها ستكون أكثر فأكثر طريق الهلاك الأكيد.

لا أهوّل على ممارسي الأعمال السرية من حكام وثوار. إنني أبين لهم نتائج ما يحدث عندما أجزم أن التقنية تتحول إلى عدو لن يقدروا على مجابهته إن ظلوا على ما هم عليه، وإنه لا خيار آخر لهم غير الرضوخ الذليل لأميركا حفاظا على حياتهم، أو الاحتماء بشعوبهم. والحكيم من اتعظ بغيره، وباكستان درس لمن يريد أن يفهم. فهلا اتعظتم، يا أولي الألباب!.

' كاتب وسياسي من سورية

==================================

ارزة نتنياهو!

الياس خوري

02/02/2010

القدس العربي

تأملت طويلا في الصورة التي نشرتها جريدة 'نيويورك تايمز'، (25-1-2010)، لرئيس الوزراء الاسرائيلي وهو يزرع شجيرة في مستعمرة ارييل، معلنا: 'نزرع هنا، وسوف نبقى هنا ونبني هنا. هذا المكان سوف يكون جزءا لا يمكن فصله عن دولة اسرائيل الى الأبد'.

لم اتوقف عند كلام نتنياهو وخصوصا عند هذا الاصرار الاسرائيلي على زج الأبد في كلّ شيء! وهي مسألة تدلّ على ان الخطاب الاسرائيلي فقد صلته بالتاريخ، واستسلم للخرافة.

تأملت الصورة لأنني لم استطع تحديد الشجرة التي زرعها نتنياهو في ارييل، معلناً مرة اخرى ان اسرائيل صارت اسيرة خطابها الخرافي عن الأبد، الذي يعطّل جميع احتمالات التسوية السياسية.

الشجرة اهم من الخطاب، قلت، لأنها تحمل رسالة رمزية. والاسرائيليون، منذ تأسيس دولتهم على انقاض فلسطين وشعبها، يحرصون على الجانب الرمزي في ادائهم السياسي. كأن السياسة الاسرائيلية تتعامل مع التاريخ في وصفه مسرحاً يمزج هلوسات الماضي بالأدب الحديث.

يبدو نتنياهو في الصورة المنشورة في 'نيويورك تايمز'، مقرفصاً وهو يزرع الشجيرة في المستعمرة الاسرائيلية في الضفة الغربية. صورة الشجيرة غير واضحة، اعتقدت في البداية انها شجيرة 'سرو'، وتساءلت لماذا يزرع الاسرائيليون السرو؟ هنا عادت بي الذاكرة الى حقول الزيتون المنتشرة في خراج قرية عين حوض، قرب حيفا، التي حوّلتها اسرائيل الى قرية للفنانين الاسرائيليين، واطلقت عليها اسم عين هود، بعد قيام الجيش الاسرائيلي بطرد سكانها منها.

جزء من السكان التجأ الى حقول الزيتون، حيث اسس قرية عين حوض الجديدة. لكن العبقرية الاسرائيلية، قررت ان تزرع وسط حقول الزيتون اشجار السرو، لأن جذور السرو تستطيع ان تقتل جذور الزيتون.

قلت في نفسي انه الحقد على الشجرة المباركة، التي صارت رمزاً للصمود الفلسطيني. فالإسرائيليون لا يتوقفون عن تجريف الزيتون الفلسطيني، بعدما اكتشفوا ان الزيتون لا الصبّار هو علامة هذه الأرض.

في البداية، قرر الاسرائيليون الاستيلاء على الصبار، باعتباره تين الصحراء، واطلقوا على الجيل الذي ولد في فلسطين اسم 'الصابرا'، كي يقولوا انهم تغلبوا على الصحراء. كما ان رجال البالماح، لبسوا الكوفية الفلسطينية، في المراحل الأولى من حرب النكبة الفلسطينية عام 1948، لكنهم سرعان ما تخلّوا عنها، لأنها لا تلائم شعورهم بأنهم اوروبيون متفوقون.

غير ان الحقد على الزيتون استمر وتطور، ليصير احد الثوابت في التعامل الاسرائيلي مع الفلسطينيين.

بدت الشجيرة اشبه بالسرو، لكنها لم تكن واضحة في الصورة، كما ان مراسل الجريدة الامريكية لم يكلّف نفسه عناء البحث عن اسم النبتة التي زرعها السيد نتنياهو.

اول من امس، وانا اتصفح الطبعة الانكليزية من صحيفة 'هآرتس'، عثرت على مقال ساخر عن الشجيرة كتبه يوسي ساريد، وفيه يؤكد الزعيم السابق لحزب 'ميريتس' اليساري، ان الشجيرة ليست سروا ولا زيتونا ولا رمانا ولا كينا، انها شجرة ارز!!!

لا ادري كيف تفتقت العبقرية الاسرائيلية على ضرورة اللجوء الى رمز الأرز؟ يبدو ان الاسرائيليين بعدما انتهوا او اعتقدوا انهم انتهوا من افتراس الرموز الفلسطينية، قرروا الالتفات الى الرموز اللبنانية. في الأمس القريب اقاموا حفلة من اجل صناعة اكبر صحن حمص في العالم، معلنين تفوقهم على اللبنانيين، واليوم قرروا الاستيلاء على شجرة الأرز!

لا شك ان السيد نتنياهو يعلم ان الطقس في الضفة الغربية لا يلائم الأرز. الاسطورة التوراتية تقول ان الملك سليمان جلب خشب الأرز من لبنان كي يبني الهيكل. كما ان ملحمة جلجامش البابلية تشير الى غابة الأرز التي اقتحمها جلجامش وانكيدو، وفي الاشارة ما يكفي من العناصر التي تؤكد ان الغابة كانت بعيدة عن العراق، واغلب الظن انها كانت في جبال لبنان.

يوسي ساريد، في مقاله الذي اشرنا اليه سابقاً، وضع احتمالات شتى لهذا الخيار، وقامت سخريته على الحذف: الزيتون غير ممكن لأن المستوطنين لا يتوقفون عن اقتلاعه، كما ان البلح والتين غير ملائمين... لكنه لم يتوقف عند علاقة صواريخ حزب الله بالقرار الاسرائيلي.

كأن رئيس الحكومة الاسرائيلية اراد توجيه رسالة الى حزب الله والى لبنان، مفادها انه سينقل غابة الأرز الى يهودا والسامرة، بحسب الاسم التوراتي الذي يطلقه الاسرائيليون على الضفة الغربية المحتلة. نحن اذا امام رسالة رمزية مشفّرة علينا ان لا نقرأها في علم النبات، بل في علم لاهوت الاحتلال.

الطريف، انه بينما كان رئيس الحكومة الاسرائيلية غارقاً في خرافات الاحتلال، ومعلناً الرفض الكامل للإنسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة، ومصراً على تهويد القدس، كانت الضحية الفلسطينية تعلن تفوقها الاخلاقي الواضح على الجلاد الاسرائيلي.

محمد بركة، زعيم الجبهة الديموقراطية للسلام، وعضو الكنيست، يشارك في الوفد الذي ذهب للاحتفال بسقوط معسكر اوشفيتز النازي واغلاقه، واحمد الطيبي يلقي في الكنيست الاسرائيلي خطاباً عن المحرقة النازية، معلنا ان على ضحية الضحية ان تعلّم الجلاد الاسرائيلي معنى العدالة.

اما شجرة الأرز، فلا تبالي بهذا الهراء الاسرائيلي. تقف منذ ثلاثة آلاف سنة في مكانها في غابة ارز الرب في شمالي لبنان، وتنحني على زيتونة فلسطينية كي يضيئا معا عتمة هذا الليل العربي الطويل.

==================================

السقوط الكبير القادم

غوردن تشانغ

الشرق الاوسط

2-2-2010

هل تعافى الاقتصاد العالمي؟! يتوقع المحللون حدوث نمو خلال العام الحالي تكون نسبته 2.4 في المائة، ولكنهم ينسون شيئا مهما، إذ يمكن أن تتعثر الصين في وقت قريب. وحال حدوث ذلك، فإن الدولة الأكبر من حيث عدد السكان ستجر معها باقي الدول إلى الأسفل.

خلال الوقت الحالي، يبدو أن وقوع أزمة صينية هو آخر شيء يجب أن نقلق بشأنه. فقد تجاوزت الصين خلال العام الماضي أميركا، لتصبح أكبر سوق للسيارات، وسبقت ألمانيا، لتصبح أكبر دولة مصدرة. وأعلنت بكين أخيرا أن نسبة النمو خلال الربع الأخير من عام 2009 بلغت 10.7 في المائة، فيما كان إجمالي نسبة النمو خلال العام ذاته 8.7 في المائة. ويقول بعض المحللين إن الأرقام كانت قوية لدرجة أن الدولة الصينية تجاوزت سريعا اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم. والواضح أن كل شيء ينمو سريعا داخل الصين.

وفي يوم من الأيام، كانت إمارة دبي تشهد نموا سريعا أيضا. ولذا، أُصيبت الاقتصاديات العالمية برجفة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) عندما نقلت الأخبار أن شركة «دبي العالمية»، وهي شركة استثمار حكومية داخل إمارة دبي وأكبر كيان مؤسسي دائن، طلبت تمديد أجل التزامات ديون قيمتها 59 مليار دولار. وقد كانت المشكلات داخل الإمارة واضحة للعيان في بعض الأحيان. ومع ذلك، واصل مستثمرو الأسهم عملهم بلا اكتراث، وحسبوا أنه لن يقع تعثر.

وواضح أنهم كانوا مخطئين في ذلك. وقد تجاوزت الأسواق العالمية، للوقت الحالي، الصدمة. ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن هذه إمارة صغيرة. ولكن، الصين ليست كذلك. ويقول جيمس تشانوز، الذي تنبأ بتعثر «إنرون» و«تيكو»، إن الصين «تفوق إمارة دبي بألف مرة، أو أسوأ من ذلك».

وكما حدث مع إمارة دبي في بداية العام الماضي، تصل الصين حاليا إلى قمة الفقاعة. وللوهلة الأولى، لا توجد أشياء كثيرة تربط بين هذه الإمارة الصغيرة وتلك الدولة الضخمة المهولة. ولكن، كلاهما يعاني من توسع مبالغ فيه. وقد أدى النموذج الاقتصادي الذي يعتمد على التصدير إلى تحقيق نمو كبير في الصين خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة التي سيطرت عليها، فيما يبدو، عولمة لا نهاية لها ونمو اقتصادي. ومع ذلك، فإن التجارة العالمية تعاني من الركود في الوقت الحالي بعد أن تراجعت بصورة كبيرة خلال العام الماضي. ونتيجة لمشكلات داخل دول أخرى، تراجعت الصادرات الصينية بنسبة 16.1 في المائة خلال 2009. ولا توجد سوى احتمالية ضئيلة لحدوث تعاف مستمر خلال العام الحالي.

وتجاهلت بكين نصائح قدمتها واشنطن وعواصم أخرى، ولم تسع خلال أوقات النمو الاقتصادي إلى إعادة هيكلة اقتصادها لتشجيع الاستهلاك. وبدلا من ذلك، سعت الحكومة الصينية إلى تحقيق أقصى فائدة من الطلب الأجنبي المتنامي حينها. ولذا، تراجع دور الاستهلاك من متوسط 60 في المائة من الاقتصاد إلى 30 في المائة خلال العام الماضي. وهذا أقل معدل داخل أي دولة.

ولتعويض التراجع في الطلب من الدول الأخرى والإنفاق الأقل من جانب المستهلكين في الداخل، أعلن مجلس الدولة الصيني، وهو المجلس الوزاري الحكومي المركزي، عن خطة تحفيز اقتصادي في نوفمبر 2008. وقالت بكين إنها سوف تنفق 586 مليار دولار خلال 2010. وخلال العام الأول من البرنامج قامت بتوزيع 1.1 تريليون دولار في صورة خطة تحفيز اقتصادي، سواء بصورة مباشرة أو من خلال البنوك الحكومية.

وتخلق الخطة، وهذا غير مفاجئ، ناتجا محليا إجماليا، ولكن يكون هذا النمو مصطنعا. ويرجع السبب إلى أن ما أنفقته بكين على التحفيز الاقتصادي خلال العام الماضي بلغ ربع إجمالي الاقتصاد. وفي الوقت الحالي، ربما يعود ما يبلغ نسبته 95 في المائة من النمو الاقتصادي داخل الصين إلى استثمارات حكومية، وهذا ما أشار إليه محلل صيني أخيرا.

وعلى الرغم من الإنفاق الحكومي الهائل، فإن اقتصاد البلاد غير قوي على نحو بارز. وتظهر إحصائيات القوة الاستهلاكية، وهي مؤشر مهم على النشاط الاقتصادي، أن التوسع الاقتصادي يبلغ ثلثي النسبة المعلنة فقط. وعلاوة على ذلك، فإن أسعار المستهلكين الثابتة خلال العام الماضي تكذب التقارير الرسمية حول مبيعات التجزئة المتسارعة. وكذا الحال مع تراجع الواردات خلال العام ذاته، الذي بلغت نسبته 11.2 في المائة، وهي إشارة أخرى على تراجع الطلب المحلي. والسؤال: لماذا تصر بكين على المضي قدما في خطة التحفيز الاقتصادي الخاصة بها لو كان الاقتصاد ينمو حقا بنسبة مكونة من رقمين؟

وعلى الرغم من النمو السريع للاقتصاد، فإننا نجد أن سياسات الصين غير مستدامة.

أولا: ستكون هناك ضغوط على الحكومة المركزية من أجل الحصول على أموال لاستكمال النفقات الضخمة. وسيرتفع العجز داخل الميزانيات بصورة متسارعة، ويمثل ذلك قيدا على عمليات الإنفاق الإضافية. والأكثر أهمية هو أن المنظمين داخل بكين يشعرون بالقلق من أن المصارف الحكومية، وهي المصدر الرئيس لأموال خطة التحفيز الاقتصادي، تضع التزامات كبيرة على نفسها وستتراكم لديها القروض السيئة.

ولكن، يعتقد توماس فريدمان، الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن هذه الأشياء لن تمثل مشكلة. ويقول إن الصين ليست مثل «إنرون»، وينصح تشانوز قائلا: «لا تستهن بدولة لديها تريليونا دولار في صورة احتياطي نقد أجنبي».

ومع ذلك، فإن الاحتياطي القياسي لدى بكين، والذي يبلغ حاليا 2.4 تريليون دولار، لا يستخدم بالأساس لهذا الغرض. والسبب هو أن القادة الصينيين في حاجة إلى عملة محلية، وهي الرنمينبي، من أجل التعامل مع الاحتياجات المحلية. وإذا قاموا بتحويل الاحتياطي الذي لديهم إلى رنمينبي، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة وإنهاء قطاع التصدير المهم. ويكون للاحتياطي الأجنبي استخدامات محدودة خلال الأزمات المحلية.

ثانيا: تأخذ خطة التحفز الاقتصادي الحكومية البلاد إلى الاتجاه الخاطئ، فهي تحابي المؤسسات التجارية الحكومية الكبرى وتفضلها على الشركات الخاصة الصغيرة والمتوسطة الحجم. وتحول المؤسسات المالية الحكومة الائتمان إلى بنية تحتية ترعاها الدولة. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، توسع اقتصاد الصين بمعدل سنوي متوسطه 9.9 في المائة بسبب القطاع الخاص، ولكن تقوم بكين في الوقت الحالي بإعادة تأميم الاقتصاد باستخدام أموال حكومية.

ثالثا: إغراق بكين الشركات الحكومية بأموال حكومية سيقوض من قدرتها التنافسية، مثلما ألحق تدفق أموال مشابه ضررا كبيرا بالمؤسسات اليابانية خلال أعوام الازدهار الاقتصادي. واكتشف مديرون يابانيون أنه يمكنهم جني المزيد من الأموال من خلال إدارة الأموال أفضل من أي شيء آخر، ولذا تجاهلوا أنشطتهم التجارية المتضمنة. ويحدث نفس الشيء داخل الصين، حيث ذهب خمس القروض المصرفية الحكومية إلى أسواق الأسهم المتصاعدة داخل البلاد. ويقوم جزء كبير آخر بتعزيز فقاعات سوق العقارات. وأسوأ من ذلك، شهدت كازينوهات ماكاو أخيرا إقبالا كبيرا، إذ تجذب الكوادر الصينية المقامرة الذين يتراهنون على أموال التحفيز الاقتصادي المحولة.

وفي النهاية، فإنه بمرور الوقت، سيصبح الإنفاق على التحفيز الاقتصادي ذا قدرة أقل على إحداث نمو. وتوجد في الصين مدينة جديدة غير آهلة بالسكان، وهي مدينة أوردوس في إننر مونغوليا، بالإضافة إلى الآلاف من المنشآت الشاغرة، ولا سيما المراكز التجارية. كما لم تعمل مصانع جديدة بكامل طاقاتها.

وبسبب المسالب المتعددة، نجد أن برنامج الإنفاق التابع لمجلس الدولة الصيني ليس هو الشيء الذي يخلق نموا في هذه اللحظة. ولسوء حظ الحكومة، فإن خطتها تؤدي أيضا إلى خلق حالات من عدم الاتزان والاضطراب، وسيكون من الصعب التعامل معها خلال العام الحالي.

في الماضي، كانت أمام المسؤولين الصينيين فرصة لإرجاء المشملات. ومع ذلك، فقد تنامت التحديات التي يواجهونها بمرور الوقت، بينما كانوا يسعون لتطبيق سياسات تهدف لتحقيق النمو بدلا من إجراء تغير هيكلي. وهذا ما سيجعل الصين شبيهة لإمارة دبي عندما يخبو بريق سياسات النمو الاقتصادي الخاصة بها، وهو ما سيحدث قريبا. ستكون الصين مثل إمارة دبي، ولكنها أكبر كثيرا.

*مؤلف كتاب «انهيار الصين المقبل» (2001) وكتاب «مواجهة نووية: كوريا الشمالية تحارب العالم» (2006)

==================

افتراضات لم تخطر ببال الفقهاء

د. محمد موسى الشريف

مدراك – إسلام أونلاين- 21/1/2010

قد كان من عادة بعض فقهائنا الأوائل - رحمهم الله تعالى - عند مناقشتهم مسائل فقه العبادات والمعاملات أن يتحدثوا عن مسائل لم تقع فيفرضون وقوعها، ومن ثم يضعون لها أحكاماً، وغالب هذه المسائل من البعد عن الواقع بمكان، ولقد نظرت في جملة من هذه المسائل وكنت أتعجب من هذه السعة في التناول لما لم يقع، وليس له نظير في زمانهم، وعجبت من هذا التعرض لما لم يقع وكنت أعده ترفاً فكرياً وتشعباً لا داعي له.

وعندما ننظر في أحوال زماننا هذا وتشابك وقائعه وما يستجد فيه من أحداث نعلم يقيناً أن فقهائنا الأوائل لم يكن يدور في أذهانهم أن هذا يمكن أن يقع، فلذلك لم يفرضوه في كتبهم ولم يرد في مخيلتهم وتصوراتهم على كثرة ما ورد فيها وأثبتوه في كتبهم، كما أسلفت.

ولقد نظرت في أحداث زماننا هذا فخرجت بطائفة منها لم ترد أحكام أمثالها في كتب فقهائنا الأوائل -فيما أعلم- فإليكموها :

1. لم يفرض فقيه -فيما أعلم- أنه سيأتي وقت على المسلمين يُحكمون فيه بغير كتاب الله تعالى وسنة رسوله "صلى الله عليه وسلم" ويستبدل بهما القوانين الإنجليزية والفرنسية وغيرها عن رضا وتسليم من حكام أكثر الدول العربية والإسلامية، وغاية ما صنع الفقهاء أنهم تحدثوا عن شريعة الياسق الذي فرضها المغول بحد السيف على المسلمين، لكن أن يرضى الحكام المسلمون بتحكيم غير كتاب الله طواعية وتنحيته هو والسنة المطهرة عن الحكم فهذا لم يخطر ببالهم فلم يفرضوه في كتبهم.

2. لم يَفْرض فقيه - فيما أعلم- أنه سيأتي يوم على المسلمين لا يستطيعون فيه الحفاظ على أحكام دينهم في كثير من البلاد العربية والإسلامية، وأنه مَن يكثر من المسلمين التردد على المساجد يصبح محل شبهة، وإذا أطلق أحدهم لحيته حُورب وإذا أراد المحافظة على دينه صار يوصف بالتشدد والتطرف.

3. لم يفرض فقيه -فيما أعلم- أن النساء المسلمات إذا أردن تعلم العلم النافع ولو كان شرعياً في الجامعات فإنهن لا يستطعن لبس حجابهن، وأنهن إذا أردن الجمع بين العلم والحجاب فلابد لهن من السفر خارج بلادهن، ولم يخطر ببال فقيه قط أن يكون مقصدهن بلاد الغرب الكافرة ليلبسن حجابهن فيها!!

4. لم يخطر ببال فقيه أنه يؤتى بالمرأة المسلمة الحامل وهي في الطَلْق على باب المستشفى فتخير بين دخول المستشفى بغير حجاب أو أنها تطرد عنها فلا تدخلها إذا أصرت على حجابها!! وهذا يحدث اليوم في تونس مثوى عقبة بن نافع فاتح أفريقيا!! وتمنع فيها النسوة المحجبات من الوظائف الحكومية ويضيق عليهن تضييقاً لم يحصل عشر معشاره في بلاد الكافرين!!!

5. لم يخطر ببال فقيه أن يطلب مسلم من كافر قصف بلاد المسلمين وقتل مَن فيها لأن حكاماً صالحين يحكمون ذلك البلد، وهذا حدث عندما طلب محمود عباس ومعه زمرة من أتباعه من اليهود مواصلة قصف قطاع غزة وعدم التوقف حتى تسقط حكومة حماس، وغاية ما سمعنا في التاريخ أن بعض حكام الأندلس كان يتفق مع بعض النصارى على تسليم البلاد والحصون خيانة، لكن لا يتفق معهم على قتل المسلمين وهدم ديارهم والتحريض على علمائهم ورموزهم كما يحصل الآن!!!

6. لم يخطر ببال فقيه أن تقوم حكومة مسلمة بحصار شعب مسلم نيابة عن عدوه، وأن تشدد عليه الحصار ببناء جدار فولاذي يسد عليه جميع المنافذ، فهذا ما لم نسمعه في سيرة الحكام الأوائل، فكيف يفرضه فقيه في كتابه؟!

وغاية ما سمعنا أن بعض خونة الحكام كانوا يسكتون عن حصار الصليبيين في الأندلس للمسلمين، لا أن يشاركوا بهذا الحصار ويجهدوا في ضبطه وتشديده وسد كل المنافذ البحرية والجوية والبرية على إخوانهم المسلمين!!

7. لم يفرض فقيه قط -فيما أعلم- أن كثيراً من الحكومات الإسلامية تتبّع موظفيها وعمالها فمن كان منهم صالحاً داعياً إلى الخير تقصيه وتبعده وتطرده من وظيفته، ومن كان منهم سارقاً فاسداً مرتشياً خرب الذمة فإنها تقربه وتُعلي من شأنه، وهذا قد حصل فقد أبعدت دول إسلامية المدرسين الصالحين من المدارس والجامعات وأماكن التوجيه، واجتهدت في تضييق الخناق على الجيش فطردت منه الرجال الصالحين ولو لم يُظهروا من صلاحهم إلا صلاة اقتنصوها في غفلة عن الرقيب في ظنهم!! وطاردت وأقصت كل من رأت فيه خطراً على أمنها القومي!!

8. لم يخطر في بال فقيه قط -فيما أعلم- أن حاكماً مسلماً يمنع بناء المساجد أو يهدمها!! أو أنه يمنع توزيع الكتب الإسلامية، أو أنه يحارب الدعاة العاملين فيمنع أرزاقهم أو يحظر عليهم التحدث في وسائل الإعلام، كل هذا قد وقع بدرجات مختلفة الحدة في كثير من بلاد الإسلام.

9. لم يخطر في بال فقيه قط أن الزنى يصير مرعياً من قبل الدولة ومحمياً، وأن الزانية تدفع الضرائب، وتخضع للفحص الطبي الدوري حتى يُتأكد من سلامتها من الأمراض وصلاحيتها للزنا، كل هذا بتشريعات وقوانين!! وهذا يجري اليوم في بعض بلاد الإسلام... وإنا لله وإنا إليه راجعون.

10. ولم يخطر ببال فقيه فيفرضه في كتابه أن أكثر دول الإسلام ستحل الربا بتشريعات وتقنينات، وتقيم له المصارف، وتربط به اقتصادها، وهذا قد حصل في ديار الإسلام؛ كما هو مشاهد معلوم.

11. ولم يخطر ببال فقيه فيفرضه في كتابه أنه سيأتي يوم على المسلمين يصبح فيه الجهاد مسترذلاً مكروهاً محارباً مستوياً -في حكمه والتعامل معه- مع التشدد والغلو "الإرهاب المذموم" ويصبح الجهاد وأهله موضع الريبة وظن السوء، بعد أن كان المجاهدون شامة في الناس وموضع تكريم وإعزاز.

12. ولم يخطر في بال فقيه فيفرضه في كتابه أنه سيأتي يوم على المسلمين تتعرى فيه نساؤهم من أكثر اللباس، وأنهم يُعرض عليهم في وسائل الإعلام الرسمية في البلاد الإسلامية دقائق ما يجري من الحب والعشق، بل في أحيان كثيرة ما يجري في غرف النوم من مقدمات الجماع، وعهدهم أن هذا لا يكون إلا في ستر وعزلة وغفلة عن أعين الناس، لكنه صار واقعاً مشاهداً في بلاد الإسلام طولاً وعرضاً حتى قَلّ من ينكره!!!

13. وهذه الخمر صارت مرخصة بقانون، ولها مصانع تصنعها في أكثر بلاد الإسلام، وهي أم الخبائث -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- وصرنا ننافس الكفار في صنعها والدعاية لها والإقبال على شربها، وهذا -قطعاً- لم يخطر ببال فقيه حتى يفرض له صورة فيبني عليها حكماً!!

14. ولم يرَ أو يسمع فقيه من فقهاء الإسلام في زمن العز والكرامة فقيهاً يصافح أعداء الله وأعداء رسوله بحرارة وإقبال وبكلتا يديه!! ولم يروا أو يسمعوا بفقيه يجلس مع عدو الله وعدو رسوله على منصة واحدة لحضور مؤتمر دولي، ولم يسمعوا بفقيه يحلل ما يقوم به أعداء الإسلام ضد المسلمين من تضييق على الحجاب والنقاب، ولم يسمعوا قط بفقيه يحارب النقاب ويراه عادة مرذولة!! ولم يسمعوا بفقيه يرى جواز حصار المسلمين وإذلالهم وتجويعهم، ولم يسمعوا بفقيه استغيث به لئلا يهدم المسجد الأقصى فقال: "وأنا مالي!!".

15. ولم يخطر ببال فقيه أن قصص المجون والإلحاد والفحش تنشر بتشجيع من أكثر الدول الإسلامية ويُثاب عليها أصحابها بجوائز الدولة!!

16. ولم يخطر ببال فقيه أنه سيأتي على المسلمين زمان يُسب فيه الله تعالى فلا يغضب أكثر الحكام ولا يتكلمون، فإذا سُب حاكم قامت الدنيا ولم تقعد!!

17. ولم يخطر ببال فقيه أنه ستكون في ديار الإسلام مجلات وجرائد فيها صور النساء الكاسيات العاريات والدعوة إلى الإباحية والمجون والرذيلة، والدعوة إلى اللادينية (العلمانية) والدعوة إلى محاربة الصالحين بتهمة التطرف والتشدد ، والدعوة إلى الاختلاط بين الرجال والنساء بلا ضوابط شرعية ولا تقاليد حميدة مَرْعِيّة.

18. ولم يخطر ببال فقيه أن يصدر بيان عن مشيخة الأزهر في محرم الحرام سنة 1431 ينص فيه أنهم يؤمنون بالديانة المسيحية!!! وأنهم يحترمون الدين المسيحي!! وهذا صدر تعليقاً على سحب كتاب د.عمارة من الأسواق وهو قد صدر مع مجلة الأزهر ملحقاً يقرر فيه بعض الحقائق عن النصرانية، ثم إن عامة علماء الأزهر وموظفيه في مصر لم نسمع لهم صوتاً يرد هذا الكفر البواح ويرفضه إلا أصواتاً ضعيفة من هاهنا وهنالك.

19. ولم يخطر ببال فقيه أن يُؤذن في أكثر بلاد الإسلام للكفرة والملحدين من شتى أنحاء العالم في الدخول إلى البلد بتسهيلات كثيرة ويمنع من الدخول أكثر المسلمين إلا بتأشيرات أكثرها لا يصدر إلا بعد طول معاناة وعذاب، وهنالك طوائف من المسلمين تعلم سلفاً أنها ممنوعة من الدخول ولا سبيل لها إلا الرضا والتسليم.

20. ولم يخطر ببال فقيه أن يكون لأعداء الإسلام -من اليهود وغيرهم- في بعض عواصم الإسلام سفرات وممثليات وعقود تجارية وعهود مرعية، هذا وهم محتلون لبلاد الإسلام، ويقتلون المسلمين في كل آن ويحاصرونهم ويضيقون عليهم، فإذا جاؤوا إلى بعض بلاد الإسلام استقبلوا استقبالاً رسمياً، وعزفت لهم الموسيقى، وتُلقوا بالبشر والترحاب، بل يُتفق معهم ضد المسلمين في مؤامرات كيدية أصبحت لكثرتها معروفة بل منشورة!!

21. ثم من من الفقهاء يخطر بباله أن بعض الكفار يدافع عن المسلمين، ويُسير إليهم قوافل الإغاثة، ويجادل المسلمين فيهم ويتعرض للضرب والذل والهوان من أجلهم، ويبيت في الصحراء في البرد القارس والحر اللاهب من أجلهم ويفترش الطريق ويقطعه من أجل إيصال المعونات إلى المسلمين المحاصرين، بينما أكثر المسلمين عن ذلك بمعزل وكأن الأمر لا يعنيهم!!

تلك كانت أمثلة لما لم يكن يخطر في ذهن الفقهاء، وقوعه، ولم يكن يدور بخلدهم، ولم يكونوا يتصورونه أبداً، لكن كل ذلك وقع، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ويجب على فقهاء العصر أن يكونوا شجعاناً في تناول تلك المسائل ومثيلاتها ومن ثم الحكم عليها بما يناسب كلاً منها فقد طال غيابهم، وعظم انعزالهم، وجمهور المسلمين صار مثل الغنم في الليلة المظلمة الشاتية بلا راع، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولم أورد ذلك لبث التشاؤم في العقول والضيق في الصدور، لا، إنما أوردته ليظهر عِظَم ما نحن فيه من مصائب فيتحرك الدعاة فلا يفترون ولا يضعفون، وليقوم العلماء بما يجب عليهم القيام به، وليشارك عامة المسلمين - فيما يقدرون عليه من المشاركة- في سد الثغرات وإقالة العثرات، والذب عن أمه الإسلام، وعسى أن يصل كلامي هذا إلى من كان في قلبه مرض من الحكام والمحكومين فيرتدع عن غيه وضلاله، ويفيء إلى الحق والخير.

ويا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك، واجعلنا من جندك فإن جندك هم الغالبون المنصورون.

=====================

صرخات المعتقلين في سوريا تملأ الفضاء . و لا أحد يسمع

حسن عبد الله

نيوز ويك أرابك- الثلاثاء 9/2/2010

  تبدو حكاية الناشط الحقوقي السوري هيثم المالح مأساوية. فالرجل الذي يعرف كل شيء عن طرق التعذيب التي تمارس في السجون السورية، ويعمل على فضحها، سواء من خلال عمله كمحام عن المعتقلين السياسيين، أو من خلال خبرته العملية حيث اعتقل من عام 1980 حتى عام 1986، أو بأنشطته في مجال حقوق الإنسان، يقبع الآن في سجن عدرا الرهيب باتهامات مثل نشر أنباء كاذبة وتحقير الرئيس وذم القضاء، وربما يتعرض للتعذيب أيضا.

  يقول المالح أن الأمن هو الذي يحكم سوريا وليس بشار الأسد أو حزب البعث، وأن ثمة شخصيات سرية تدير البلد من خلف الأبواب ولا يعرفهم أحد، وأنه لن يتوقف عن فضحهم حتى لو دفع حياته ثمنا لذلك.

  ليس المالح وحده الذي يعاني محنة الاعتقال بسبب آرائه ومواقفه، فهناك نحو 3 آلاف معتقل سياسي، أخذوا بتهم منصوص عليها في قانون العقوبات السوري، مثل سب الرئيس وإضعاف الشعور القومي أو النيل من هيبة الدولة...أوضاع حقوق الإنسان مستمرة في التدهور، ومازال الاعتقال والتعذيب يمارسان بشكل ممنهج وعشوائي في سوريا في ظل القوانين الاستثنائية التي لم يتم إلغاء حرف منها. وبحسب المالح، فإن نحو 20 وسيلة تعذيب جسدية تمارس في السجون السورية الآن، منها ما يسمي بالكرسي الألماني والصعق بالكهرباء والضرب بالكابلات والتعذيب بالمياه والفسخ والمثقب الكهربائي والشبح والأفعال المنافية للآداب والطعام الكريه وغيرها..

  حسب ناشطين سوريين فإنه منذ إعلان حالة الطوارئ في سوريا عام 1963، فإن نائب الحاكم العرفي يستبيح القوانين، ويخرق الدستور ويصادر الممتلكات ويزج بالمعارضين في السجون ويسوقهم جماعات ليحاكموا أمام محاكم عسكرية لا يتوفر فيها الحد الأدنى من حق الدفاع عن النفس. وباسم هذه المحاكم تم إعدام العشرات بل المئات من الناس. وحتى من أفرج عنه ويملك الحق في إعادة اعتباره بنص القانون، فلا توافق المحاكم على تسلم طلبات لإعادة الاعتبار.

  ارتفعت وتيرة الاعتقالات في سوريا خلال العامين الماضيين بشكل يحتاج إلى تأمل. فعلى الرغم من انفتاح النظام السوري على الخارج من خلال تحسن علاقاته العربية والإقليمية والدولية، ونجاحه في الدخول في حوار مع أوروبا وأمريكا، فإن ذلك لم يستتبعه حوار أو انفتاح في الداخل. يقول الأمين العام للاتحاد الاشتراكي والناطق باسم التجمع الوطني الديموقراطي الذي يمثل القوة الرئيسية في المعارضة السورية، حسن عبد العظيم لــ"نيوزويك": "قالت السلطة إن الحصار ومحاولات عزل سوريا تجعل الأولوية للأمن، واستتبع ذلك إجراءات أمنية مشددة منها الاعتقالات والمحاكمات العسكرية ومنع سفر القيادات السياسية والناشطين الحقوقيين. ولما انتهت عزلة سوريا أداروا ظهورهم لنا".

  يؤكد عبد العظيم أن المعارضة لا تريد إسقاط النظام ولا إزالة الحزب الحاكم، وإنما تسعى إلى إحداث تحول وطني ديموقراطي سلمي، بأن يكون حزب البعث حزبا في السلطة وليس حزب السلطة، وأن تكون هناك انتخابات ديموقراطية...

  تتحكم أجهزة أمنية عدة في مفاصل الحياة في سوريا، ويتفرع عن كل جهاز عدد من الأفرع تصل إلى 15 فرعا، وفق معلومات من مصادر سورية نافذة. وتتداخل أعمال هذه الأفرع مع بعضها بحيث أن كل فرع يستطيع أن يمارس صلاحيات أمنية متعددة، بل وله مكان التوقيف الخاص به. وجميع مراكز التوقيف الخاصة بالأفرع هي خارج صلاحيات القضاء، ولا تخضع لرقابة النيابة العامة، ولا سلطان عليها من أي جهة كانت. كذلك لا يوجد أي تنسيق بين الأجهزة الأمنية بحيث إذا اعتقل أحد الأجهزة شخصا فإنك مضطر للبحث عنه في كل فروع الأمن الـ15.

  بحسب اعترافات منشورة لرفعت الأسد، الذي كان المسؤول الأول عن الأجهزة الأمنية والمخابرات ثم هرب إثر خلاف على السلطة مع شقيقه الراحل حافظ الأسد، وأكدتها تقارير لجمعية حقوق الإنسان السورية، فإن أجهزة الأمن قتلت عشوائيا ما بين 15 إلى 20 ألف معتقل سياسي في سجني تدمر والمزة، ودفنتهم في مقابر جماعية في الفترة ما بين عامي 1980 و1990. وهناك نحو 60 إلى 70 ألف شخص فقدوا في السجون وأثناء المعارك والمذابح التي تعرض لها المعارضون على يد السلطات، ولم تتم تسوية أوضاعهم، ومازالوا، وفق الأوراق الرسمية، أحياء حتى الآن. أما المهجرون، وفق التقارير السابقة نفسها، فهناك أكثر من ربع مليون سوري تم نفيهم أو تهجيرهم قسريا في الفترة نفسها، وليسوا كلهم من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين التي دخلت في مواجهات دموية مع النظام في ثمانينات القرن الماضي، وجميعهم بلا أوراق ثبوتية أو جوازات سفر. ويعيش في الأردن منهم نحو 25 ألف شخص ولا تزال السلطات السورية ماضية في إنكار حقوق هؤلاء المهجرين في العودة الآمنة لوطنهم، وفي الاعتراف بشخصياتهم القانونية وحقوقهم المدنية ورفع الحجر عن ممتلكاتهم المحجوزة في البلاد..

  كان على النظام السوري أن يذعن للأصوات الوطنية المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، التي تصب في النهاية لمصلحة بقائه واستمراره، والسلام والوئام الاجتماعيين. لكنه ـ كما يبدو ـ مصرّ على الاستمرار في نهجه...

  "الواضح بعد تسع سنوات مضت، أن هناك اتجاهين يحكمان الوضع الداخلي السوري، الأول هو بنية النظام السياسي المغلقة والمضادة للإصلاح، والثاني أن السلطة لا تملك برنامجا للإصلاح، وطرحها الإصلاح بالأسلوب الحالي ليس إلا من باب الحفاظ على امتيازات قائمة يتعارض استمرارها مع أي إصلاح من أي نوع أو مستوى".

  الإصلاح، وفق رؤية المالح، يستلزم توفر إرادة حقيقية لدى السلطة، وطي ملف الاعتقال السياسي نهائيا، وكف أيدي الأجهزة الأمنية عن ممارسة الترهيب والاعتقال والتدخل في الحياة السياسية والمدنية، والإقرار بالتعددية السياسية والثقافية. فهل يستمع أهل الحكم في سوريا إلى نصيحة، المالح، القاضي السابق والحقوقي النزيه القابع في السجن الآن بتهم أقل ما يقال عنها إنها سخيفة ومجحفة؟!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ