ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 26/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قصة مخطوطات البحر الميت

المستقبل - الاثنين 25 كانون الثاني 2010

العدد 3548 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

فجأة وجدت كندا نفسها في دوامة أزمة ديبلوماسية غير متوقعة بينها وبين كل من الأردن واسرائيل. سبب الأزمة مخطوطات عمرها أكثر من الفي عام كانت محفوظة في المتحف الوطني في القدس، عندما كانت المدينة تحت الادارة السياسية الاردنية. ولكن في عام 1967 عندما احتلت اسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس، استولت على محتويات المتحف بما فيها مجموعة المخطوطات الدينية.

فما هي قصة هذه المخطوطات؟ وما هي أهميتها؟.

كان محمد الذيب يرعى قطيعا من الماعز في السفوح المطلة على البحر الميت عندما افتقد احدى عنزاته. أخذ يبحث عنها طويلا الى ان اكتشف انها وقعت في كهف منخفض، فرشقها بالحجارة حتى تعود الى القطيع. لم يصب الحجر العنزة. ولكنه اصاب موقعا آخر فكسره. سمح محمد الذيب صوت اواني تتكسر من جراء رمي العنزة بالحجارة، فتوجه نحو مصدر الصوت فوجد مجموعة من الجرار معظمها محطم، وكانت كل جرة تحتوي على لفائف من القماش.

حمل محمد الذيب بعض الملفات من الجرار بمساعدة راع آخر الى امام مسجد صغير في سوق بيت لحم. كان ذلك في فبراير 1947. اطّلع الإمام على الكتابات فقال انها ليست عربية، ولكنه اكد انها لا بد ان تكون قديمة جدا، ونصح للراعيين بعرضها على احد تجار القطع الأثرية في المدينة ويدعى خليل اسكندر شاهين الملقب بكندو وهو من السريان. حمل كندو خمس لفائف من الجرار الى تاجر سرياني آخر اسمه جورج شعيا الذي نقلها هو ايضا الى دير مار مرقس السرياني في مدينة القدس.

في الدير اكتشف المطران اثناسيوس ان الكتابة ليست سريانية بل آرامية. وطلب شراءها. حمل الراعيان اللفائف الى الدير، ولكن احد الكهنة اعترضهما ورفض السماح لهما بدخول الدير بحُجة ان اللفائف مُتهرّئة وان لا قيمة لها فعادا أدراجهما. ولما علم المطران بالأمر سارع الى الاتصال بإمام المسجد بحثا عن الراعيين اللذين اختفت آثارهما.

بعد مرور اسبوعين فوجئ " كندو " بالراعيين يسألان عنه لاسترجاع الملفات الخمسة التي سبق ان تركاها عنده. فسألهما عن الملفات الاخرى التي احتفظا بها، فأبلغاه انهما باعاها الى شخص اجنبي (هو الدكتور سكنيك استاذ الاثار في الجامعة العبرية). نقل تاجر الآثاريات الراعيين الى المطرانية حيث استجوبهما المطران لمعرفة المكان الذي وجدا فيه الجرار، ودفع لهما ثمن اللفائف الخمس، بعد ان تبين له ان ثلاثا منها كانت تشكل سفر أشعيا مكتوباً باللغة الآرامية.

حمل المطران المخطوطات سرا الى سورية وأطلع عليها البطريرك وكان في مقره في مدينة حمص. وبالاتفاق مع البطريرك اوفد رسولا خاصا الى بيروت لاستشارة الدكتور انيس فريحة الاستاذ في الجامعة الاميركية، والخبير في الدراسات الشرقية. ويروي الاستاذ فريحة ما حدث فيقول: " نظرت في المخطوطات واذ بي امام كتابة عبرية وقد تبينت كلمات مقتطعة هنا وهناك ولكني لم استطع ان أقرأ فقرات طويلة. فاللغة عبرية وقد تكون مخطوطة سفر من اسفار العهد القديم ".

وهكذا بدأت قصة مخطوطات البحر الميت. فقد قامت بعد ذلك فرق من الاختصاصيين للبحث في مغاور خربة قمران حيث عثرت على عشرات الجرار الفخارية التي تضم مجموعات كبيرة منها احتُفظ بها كلها في متحف القدس الذي سقط تحت الاحتلال الاسرائيلي في عام 1967، ومذذاك انقطعت الصلة بين المراجع العربية والمخطوطات التي احتفظت بها اسرائيل وأبقت بعضها سرا مكتوما حجبته نحو نصف قرن عن العالم.

في عام 1986حاول علماء اختصاصيون في اوروبة والولايات المتحدة الاطلاع على المخطوطات لترجمة محتوياتها. الا ان اسرائيل رفضت، ولم تسمح بذلك الا بعد خمس سنوات من الجهود الديبلوماسية والاكاديمية والإعلامية التي بذلتها عدة مراجع دولية. فقد صورت اسرائيل المخطوطات وارسلت نسخا من الصور بواسطة الفاكس الى الولايات المتحدة. قام العالمان روبرت ايزمان وم. وايز بوضع كتاب حول هذا الموضوع صدر في نهاية العام 1992 بعنوان:" الكشف عن مخطوطات البحر الميت". يؤكد الكتاب ان المعلومات التي استخرجها المؤلفان من المخطوطات ليست مهمة فقط ولكنها مذهلة بالنسبة لمؤرخي الحقبة المسيحية الأولى. فعلى الرغم من صعوبة تحديد تاريخ محدد لهذه المخطوطات فان العلماء يعتقدون انها كتبت خلال المئة سنة على الاكثر قبل أو بعد ولادة السيد المسيح. وان مجتمع قمران حيث عثر عليها كان مجتمعا يهوديا متطرفا ومسلحا ؛ هو مجتمع الماكابيين الذين كانوا متمردين على الامبراطور الروماني هيرودوس وعلى الفريسيين.

لقد صدر حتى الان اكثر من اربعة آلاف كتاب حول مخطوطات البحر الميت. الا ان جزءا كبيرا من هذه المخطوطات بقي خارج التداول العلمي بقرار اسرائيلي. ومن المؤكد ان اسرائيل لم ترسل الى الولايات المتحدة صورا عن كل المخطوطات المكتوبة باللغة الآرامية، ولا هي عرضتها كلها في متحف أوتاوا بكندا.

فماذا في هذه المخطوطات؟.

تتحدث المخطوطتان الرقم 534 والرقم536 اللتان عثر عليهما في الكهف الرابع في قمران، عن نوح عليه السلام. ويصف المخطوط نوحا بانه الصدّيق الاول، وانه ولد كاملا حتى ان الحاخامين اليهود يقولون انه "ولد مطهراً". ويصف النص نوحا بالحكمة وبأنه كان يعرف كل الأسرار ومنها تحديدا سر الصعود الى السماء وملائكة السماوات العلى.

وتقول المخطوطة ان تعاليم نوح عليه السلام كانت تحرم شرب الدم وتقديم القرابين للتماثيل المؤلهة (الوثنية)، كما كانت تحرم الزنى وأكل الحيوانات المخنوقة او النطيحة. ويستشهد العالِمان ايزمان ووايز في كتابهما (ص 34) بالآية القرانية:(إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فإن الله غفور رحيم). ويلاحظ الكتاب ان تشريعات نوح هذه تلزم كل بني الانسان من الصديقين، وانها ترد ثلاث مرات في انجيل يوحنا وفي النصوص اليهودية، كما تعتبر بمثابة " تنظيم غذائي " قرآني.

وفي المخطوط الرقم 251 (قمران الكهف الرابع) نقرأ ما يلي:

السطر الثاني: على الرجل ان لا يتزوج من شقيقته، او من شقيقة والده او من شقيقة والدته.

السطر الثالث: على الرجل ان لا يتزوج من شقيقة اخيه او من شقيقة اخته.

السطر الرابع: عليه ان لا يكشف عن عري شقيقة والده او شقيقة والدته.

السطر الخامس: ويجب ان لا تعطى امرأة الى شقيق والدها، او الى شقيق امها لتكون زوجة له.

هذه التحريمات لا يلتزم اليهود اليوم بمعظمها. فالمرأة تتزوج خالها او عمها الخ. خلافا لما نصت عليه التعاليم اليهودية كما تؤكدها هذه المخطوطة. وقد جاء القرآن الكريم ليؤكد هذه التحريمات بوضوح تام في سورة النساء (الآية 22-23).

وفي اشارة الى الشيطان ورد في المخطوط الرقم 471/ (قمران الكهف الرابع): ان الشيطان يوسوس للناس ويتخفى كملاك من نور ساخراً من اتباعه. الا ان الله سيقضي بين الناس بالعدل على قاعدة من أحسن عملا فلنفسه. ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد.

ولعل من اكثر الامور المثيرة التي وردت في المخطوطات قصة البقرة التي أمر الله بني اسرائيل بذبحها. من المعروف ان السورة الثانية من القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة هي سورة البقرة. وفي المخطوطتين الرقم 276-277 (قمران - الكهف الرابع) تروى القصة بما يتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم.

ومن الأمور المثيرة ايضا ما ورد في المخطوطة الرقم 297 (قمران الكهف الرابع) حول " ابناء الفجر "، وهم من المتبتلين الذين يقضون الليل في الصلاة والتعبد " في محاولة منهم لفهم " حدث الخلود "و "التفكير في الماضي"، كما ورد في السطرين التاسع والعاشر من المخطوطة. وقد ورد ذكر هذه المجموعة في "وثيقة دمشق" من المخطوطات. ووردت اشارة بيّنة عنهم في القرآن الكريم حتى ان السورة 89 من القرآن الكريم سميت "سورة الفجر". ويلاحظ الكتاب (ص 163) اهمية هذه الاشارة القرآنية. وفي الواقع فإن هذه السورة تقدم عبراً من الماضي (قوم عاد وثمود وفرعون الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد. كما تقدم صورة عن الخلود يوم تدك الأرض دكا وترجع النفس المطمئنة الى ربها راضية مرضية. وهناك اشارة قرآنية اخرى لها دلاتها. فالقرآن الكريم يقول:(أقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر كان مشهودا). وتطلق المخطوطة عليهم اسم ابناء الحق، او ابناء الصدق. وهم يتبعون - نظام "الماسكيل" - وهو نظام احترام التشريع والالتزام به حتى قيام المسيح ويعقوب في آخر الزمان وتفقده للأرض. وهذا النظام يعلم " ابناء النور " (أو ابناء الفجر) طريق النور وكيف يمكن ان يحشروا مع الصالحين.

ومن الأمور المثيرة كذلك موضوع " شجرة الشر " - طعام أهل النار - الذي ورد في المخطوطة الرقم 458 (قمران - الكهف الرابع). وفي هذه المخطوطة اشارة الى الملائكة الذين يعملون لتنفيذ العقوبات في جهنم بحق المذنبين. ويلاحظ الكتاب(ص 47) كيف ان صور الحريق وألسنة النار وعذاب الحريق ترد في القرآن الكريم بشكل مماثل، وفي عدة مواضع.

ويشير المخطوط الرقم 529 (قمران - الكهف الرابع) في السطر الرابع الى الملاك جبريل، وتعتبر هذه الاشارة مهمة جدا في حد ذاتها لأمرين اساسيين: الاول ان جبريل هو الذي لقن الرسول محمد عليه السلام نصوص القرآن الكريم. الأمر الثاني هو ان الاشارة الى الملاك جبريل في المخطوط 529 تقع في اطار مهمة تلقين تعليمات الله ووصاياه.

يذكر الكتاب (ص 73) ان التقاليد المسيحية تشير الى جبريل على انه "روح القدس"، ويذكر القرآن الكريم في الآية 87 من سورة البقرة: (وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس).

تدلّ هذه الاشارات المختصرة الى أهمية هذه المخطوطات، ليس فقط من حيث انها ثروة تاريخية كبرى، ولكن من حيث انها فوق ذلك ثروة معرفية تؤكد "وحدة الدين وتعدد الشرائع".

من أجل ذلك تحتفظ اسرائيل بسرية مضمون بعض المخطوطات.. التي قد تكشف عن زيف الانحرافات وعن التوظيف السياسي للدين.. لذلك لم توافق اسرائيل على الكشف الا عن بعضها، وهي في الأساس لا تملك لا حق الكشف ولا حق المنع، لأنها لا تملك حق مصادرة هذه المخطوطات التي هي جزء من ثروة القدس العربية المحتلة.

===========================

زمن الحرب

الافتتاحية

الاثنين 25-1-2010م

الثورة

بقلم رئيس التحرير : أسعد عبود

ثمة حديث في العالم عن سلام الشرق الأوسط،

وثمة ساعون إليه.. نيات طيبة وجهود «متواضعة» مع تقديرنا لأعباء السيناتور ميتشل.. إلا في إسرائيل.. هناك الحديث عن الحرب! بل عن موعدها!‏

هل هناك أبلغ من هذا الرد المباشر على مهمة ميتشل وجهوده.‏

من يستطيع أن يدافع عن موقف إسرائيل من قضية السلام؟!‏

من..؟!‏

الولايات المتحدة.. الأمم المتحدة.. الاتحاد الأوروبي.. روسيا.. الصين.. الرئيس أوباما.. السيدة كلينتون.. السيناتور ميتشل..؟! من..؟!‏

أعني عندما يرتدي العقل قناعته وينطق اللسان بما يجب أن يقال كي يكون الصدق.. من يستطيع أن يدافع عن موقف إسرائيل من السلام؟!‏

أن ترفض الدول الكبرى القادرة، محاولة ليّ الذراع الإسرائيلية لفرض السلام، ذلك شأن.. أما أن تحاول ليّ ذراع السلام كي تغطي موقف إسرائيل المشوه من المسألة فذلك شأن آخر.‏

لا صوت للسلام في إسرائيل.‏

الصوت للحرب..‏

هذا يؤكد.. وهذا يحدد مواعيد.. والآخر ينفي بخفة..‏

والحديث عن الحرب..‏

هذه الفترة.. وميتشل في المنطقة.. يسعى ويحاول.. لا أتصور أنهم أفقدوه الأمل وحسب.. بل افتقدوا أمامه اللباقة، يعني.. على الأقل ألا تشغلهم سيرة الحرب وأمامهم مبعوث السلام.‏

السيناتور ميتشل أكثر من يعرف اليوم الحقيقة.. لكنه سيسكت عنها كي يضطلع بمهمته.. ولا أظن أن إشارة الرئيس أوباما إلى حقيقة الصعوبات التي يواجهها مشروع السلام في المنطقة، وخطأ تقديره السابق للواقع باستسهاله، إلا مبيناً مجموعة من المعطيات بينها التقارير التي تصله من ميتشل عن مهمته.‏

لم يعد سراً – حتى إسرائيل لا تخفيه – أنه إذا كان السلام يعني الانسحاب من الأراضي المحتلة وتطبيق القرارات الدولية وإعادة الحقوق لأصحابها.. فهي ترفضه!! هذا ما تعترف به إسرائيل ولا يحتاج إلى بحث.. وما تخفيه أنها لا تقبل السلام أبداً إلا استسلاماً.. وحتى الاستسلام، قد ترفضه.. لأنها تريد أرضاً بلا شعب، ولو كانوا مستسلمين؟!‏

المهم الآن.. أن النغمة في إسرائيل نغمة حرب لا سلام.. وهي نغمة يجب أن تُسمع جيداً.. وسيكون خطأ كبيراً سد الآذان عنها..‏

كل ما في إسرائيل يوحي بالحرب.‏

وضعها بعد حربي تموز وغزة.. حكومتها.. موقفها من السلام والاحتلال والاستيطان.. و...‏

الموقف الدولي.. قد يكون من صحيح القول أن الموقف الدولي الراهن لا يشجع على حرب.. لكنه صحيح أيضاً إن الموقف الدولي فيه من التردد والتقاعس والإهمال.. ما يكفي حتى لا يبالي به مجرم كي يقدم على جريمته.‏

هذه غزة أمامهم.. جرح نازف.. وموقع يسكنه الجوع والألم والموت.. فماذا فعلوا لإسرائيل.. أو بالأحرى ماذا فعلوا لغزة اللهم ما عدا مزيداً من الضغوط والاكراه والجدران والأسوار؟!‏

لسنا نحن الذين نقول:‏

هي إسرائيل التي تقول:‏

هذا ليس زمن السلام.. هذا زمن الحرب..‏

ومازلنا نؤمن بالسلام وننتظره.. لكن..!!‏

a-abboud@scs-net.org

===========================

استنزاف أوباما

الإثنين, 25 يناير 2010

غسان شربل

الحياة

وكان باراك أوباما يستعد لخطاب «حال الاتحاد» هذا الأسبوع. يعرف أن الصورة ليست وردية على الإطلاق. وأن شعبيته سجلت انحساراً مريعاً. وأن ارقام البطالة لم تتراجع. وأن ذيول الأزمة المالية شديدة الوطأة. وأن الناخبين عاقبوه في ماساتشوستس. وأعطوا الجمهوريين فرصة دائمة لابتزازه. وأن معركة الضمان الصحي ازدادت تعقيداً. وأن المعركة مع المصارف العملاقة ليست نزهة.

يدرك باراك أوباما أن السنة المنصرمة من ولايته لم تثمر نتائج ملموسة على الصعيد الخارجي. سجلت صورة اميركا تحسناً. ولقيت خطبه استحساناً. ورحب كثيرون بخيار اليد الممدودة والحوار. لكن الملفات المعقدة العالقة بقيت عالقة. وثمة مؤشرات الى أن كثيرين ممن راهنوا على أول رئيس من جذور أفريقية يتجهون اليوم إلى التعب من بائع الأحلام. خاطب جورج بوش العالم بلهجة المحارب والجنرال فتعب العالم منه. خاطبه أوباما كمروج آمال وها هو يسأله عن النتائج.

كان باراك أوباما لحظة انتخابه رجلاً شديد الخطورة على أعداء أميركا. يريد الخروج من العراق. وآليات تعاون مع الدول الكبرى. وحوارات حول الملفات الملتهبة. لا يريد تقسيم العالم فسطاطين. ولا يريد مواجهة مع «محور الشر». ولا يريد تكليف الدبابات الأميركية مهمة زرع الديموقراطية عنوة في هذا البلد أو ذاك. أربكت هذه المقاربة الجديدة خصوم أميركا.

كان أوباما يستعد لإلقاء خطابه حين أطل أسامة بن لادن. الرسالة بسيطة. تبنى زعيم «القاعدة» محاولة تفجير الطائرة الأميركية المتجهة الى ديترويت. أدرجها في باب الرسائل مذكراً بهجمات 11 ايلول(سبتمبر) ووعد بالمزيد منها. عاد الى الاتكاء على الظلم اللاحق بالفلسطينيين. قال إن الأميركيين لن ينعموا بالعيش الهانئ ما دام أهل غزة في أنكد عيش.

لا جديد عملياً في كلام اسامة اذا استثنيا التبني الصريح لمحاولة تفجير طائرة الركاب. الاتكاء على الموضوع الفلسطيني ليس جديداً. لعل الأهم هو ما يتعلق بتوقيت توجيه الرسالة التي تجدد الحرب المفتوحة وإصرار «القاعدة» على السير في برنامج الانقلاب الكبير. برنامج يقوم على إبقاء المواجهة مع أميركا والغرب مشتعلة. والإفادة من نار المواجهة لاجتذاب مزيد من المؤيدين والمحاربين. وتوظيف ردود الفعل الأميركية لتعميق الشرخ بين أميركا والعالم الإسلامي. استنزاف أميركا وإرغامها على إخلاء مواقع في العالم الإسلامي للاستفراد بالدول التي تسعفها المساعدات الأميركية الاقتصادية والعسكرية والأمنية على الوقوف في وجه رياح زعزعة الاستقرار.

جاءت رسالة بن لادن في وقت يتزايد فيه الاعتقاد لدى الجنرالات الأميركيين والأطلسيين باستحالة حسم الحرب في أفغانستان بالوسائل العسكرية خصوصاً في ضوء الاضطراب الذي تعيشه باكستان. وصعوبة تكرار تجربة الصحوات التي جرت في العراق. كما جاءت في وقت نجح فيه بنيامين نتانياهو في استنزاف اندفاعة اوباما وهيبة إدارته. اوباما نفسه اعترف بخطأ في التقدير في هذا الملف. رحلات جورج ميتشل المكوكية لم تعد تحتل الصدارة في نشرات الأخبار. هذا علاوة على عدم ظهور ما يوحي بأن إيران مهتمة فعلاً بالتقاط اليد الأميركية الممدودة.

يمكن القول إن اوباما أضاع في السنة الأولى فرصة القيام بانقلاب كبير على خصوم أميركا في الشرق الأوسط. لا يستطيع ان يكون قوياً تجاه اسامة بن لادن اذا كان ضعيفاً امام نتانياهو. والأمر نفسه بالنسبة الى محمود احمدي نجاد. ببساطة يمكن القول إن الصورة كانت مختلفة بالتأكيد لو أن اوباما استدعى نتانياهو باكراً وأرغمه على سلوك طريق سلام مقنع. انطلاق المفاوضات على كل المسارات ووفقاً للقرارات الدولية لضمان السلام وقيام دولة فلسطينية مستقلة كان يمكن أن يشكل انقلاباً كبيراً في الشرق الأوسط ينزع الورقة الفلسطينية من يد من يتكئون عليها لتمرير برامجهم.

لم تأتِ الطعنة لأوباما من أسامة بن لادن. جاءته من بنيامين نتانياهو. لقد نجح هذا المحارب الأعمى في إحباط انطلاقة أوباما وفي استنزاف الكثير من رصيده.

===========================

قنابل موقوتة في وجه التنمية

آخر تحديث:الاثنين ,25/01/2010

الخليج

عبدالله السويجي

تتعاطى معظم التقارير الصادرة عن منظمات عالمية وإقليمية بشأن التنمية في الوطن العربي، تعاطياً ناقصاً تتجاهل فيه نقاطاً جوهرية للتنمية، ويحدث هذا التعاطي نتيجة تطبيق معايير عامة على كل الشعوب والمناطق، بينما في الواقع، هنالك خصوصية لكل منطقة جغرافية، وخصوصية أخرى لكل أمة . وتلجأ التقارير إلى تجاهل هذه الخصوصية ظناً منها أنها تتدخل في أمور بالغة الحساسية والتعقيد، أو إن تجاهلها يتم بشكل متعمّد، ينتج عنه اصطدام التنمية الحتمي بعراقيل ومطبات رئيسية، تعوق مسيرة التنمية وتفسدها . ولعل هذه النقاط هي السبب الرئيسي الذي يبقي الوطن العربي منذ عقود طويلة، في دائرة من الصراع المستمر، مخفياً أو متخفيّاً، ولكنه الآن، واضحاً ويحدث جهاراً، وما يزيد من خطورته أنه يقسم الأمة إلى أطراف متناقضة، ويخلق بينها قطيعة رأت الأطراف أن حلها لا يمكن أن يتم إلا بالسلاح، وهو أشد الأخطار والمخاطر . ومن بين هذه النقاط ما هو محلي قطري، أو قومي وأممي، ومنها نقاط مشتركة بين القطري والقومي، وفي المجمل، فإن هذه النقاط تشكل قنابل موقوتة، بعضها انفجر وشظاياه واضحة للعيان، وبعضها نكاد نسمع أصوات عقاربه وهي تقترب من لحظة الانفجار، وبعضها موقوت إلى حين توفر واستكمال الظروف المطلوبة، والغريب العجيب أن هذه النقاط بادية للعيان، العامة والخاصة، المثقف والعادي، من دون اتخاذ أي إجراء يذكر، حتى لو كان كلامياً، وسنذكر في السطور التالية بعض النقاط المحلية القطرية أو القطرية والقومية، من دون أن يكتسب ترتيبها أهمية معينة ومن بينها:

 

أولاً: تعاني جميع الدول العربية من ضعف وتخلّف في النظام التعليمي العام والجامعي، وما يزيد الأمر سوءاً استمرار التجارب والتغييرات في الأنظمة التعليمية، ووضع خطط جديدة بين فترة وأخرى، تتبعها استراتيجيات جديدة، تجعل المتابع للشأن التعليمي في حيرة من أمره، وهي حيرة تصيب عدواها المشكلة الجديدة القديمة المتمثلة في الفجوة الكبيرة بين النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل، ما يؤثر في عدد العاطلين عن العمل، وبالتالي في النسيج الاجتماعي والاقتصادي .

 

ثانياً: البطالة المقنعة التي تعيشها معظم الدول العربية، ولها صلة بالإنتاجية ونوعيتها، وحين تجتمع البطالة المقنعة مع مجتمع مستهلك غير منتج لضروريات حياته واستمراريتها، فإن النتيجة ستكون عجزاً في الموازنات وفشلا في مراحل التنمية الحقيقية .

 

ثالثاً: الخلل في التركيبة السكانية، ولاسيّما في دول مثل دول مجلس التعاون الخليجي، وتتجلى آثار هذا الخلل في الثقافة العامة، والشخصية الوطنية، والبيئة الإنسانية والطبيعية . ومع تنامي تطبيق القوانين العالمية الخاصة بالعمال والهجرة والإقامة، فإن المستقبل سيحمل معه ما هو أبعد من الخلل الثقافي، باتجاه الخلل السياسي والسيادي، وتجارب دول مثل سنغافورة تستحق أن تُدرس بشكل معمّق، فهي شبيهة بدول مجلس التعاون إلى حد كبير . وفي الواقع، فإن هذا الخلل لا يقتصر على دول مجلس التعاون وإنما تعاني منه دول أخرى، من حيث زيادة العمالة الأجنبية غير العربية، دون أن تقرع جرس الإنذار .

 

رابعاً: الموقف من العدو الصهيوني وأتباعه، وهي قضية تم تجاهلها منذ أكثر من قرن تقريباً تجاهلاً يطرح ألف علامة استفهام ، وقد مر هذا الموقف بمراحل كثيرة ارتبطت بشخصيات محددة ولم ترتبط بسياسات قومية، وحتى يومنا هذا، لا تزال المواقف ضبابية، وهو ما يعوق التواصل الصريح والقوي والاستراتيجي بين أصحاب القرار في الوطن الكبير، بل إن أسوأ ما في الأمر، هو تجييش الطبقة المثقفة والشعوب بشأن الموقف من هذا العدو، إلى درجة خلق خصامات شعبية وثقافية بين أبناء الوطن الواحد، ولا أحد يشك لحظة واحدة، في أن وضوح الموقف من الكيان الصهيوني، له علاقة مباشرة بقضية التنمية المستدامة، والاستقرار القطري والقومي .

 

خامسا: الصراع المذهبي الذي خرج على السطح بوجهه القبيح، وتباين وجهات النظر بين أبناء المذهب الواحد في أمور جوهرية، انعكست على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الأفراد والشعوب والحكومات، فالصراع السني الشيعي الآخذ في الازدياد والتأزم، والذي بدأ يأخذ أشكالا من الصدامات المسلحة، تغذيها القوى الخارجية التي تطمح أن يكون الوطن العربي في حالة دائمة من عدم الاستقرار، حتى يكون عالماً غير منتج، ويتكل اتكالاً كاملاً على المصانع الأجنبية، إلا أن الأمر يعود في الأساس إلى المنتمين إلى هذين المذهبين بشكل عام، وإلى قادتهما، الذين لم يحاولوا أبداً الجلوس إلى طاولة الحوار، كما يفعل البعض عندما يطرح موضوع حوار الأديان، إذ أليس من الأولى أن ينطلق حوار بين المذهبين بشكل رئيسي، وبين مذاهب المذهبين بشكل فرعي، حتى تتوحد القوانين والسياسات والتوجهات، ويتم الانتهاء من هذا الصراع المستمر الذي يترك ضحايا مرئيين وغير مرئيين، مباشرين وغير مباشرين في الوطن العربي والإسلامي، وهذا الاختلاف ليس له علاقة لا من قريب أو بعيد، برحمة الأمة، أو الاجتهاد الإيجابي، وتركه عرضة للتأزم سيعوق التنمية الإنسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وسيبقى يشكل عامل تفرقة بين ابناء العقيدة الواحدة واللغة الواحدة والتاريخ الواحد .

 

سادسا: إصرار السياسيين واصحاب القرار على الإبقاء على التركيبة الطائفية للمجتمعات والحكومات، وكأنهم يكرسون المذهبية والطائفية في الشعوب، أو كأنهم يصرّون على عدم البدء في التنمية (لأن ما يتحقق من إنجازات ليس له علاقة بالتنمية الجوهرية المستدامة المبنية على الوئام الاجتماعي . .)، ويسعون إلى تشكيل حكومات تتمثل فيها الطوائف والمذاهب والطرق والأحزاب وغيرها، بينما الدين لله والوطن للجميع .

 

سابعا: النظام السياسي في الوطن العربي بشكله الحالي يعوق التنمية من بابها الواسع، لأنها، أي التنمية، تتم من وجهة نظر أفراد ينتهجون سياسات واحدة ضمن رؤية واحدة على مدى سنوات طويلة، وما يعرف بالجمهوريات الملكية خير دليل على رتابة النظام السياسي، الذي أنتج تنمية بوجه واحد، بينما حققت الدول المتطورة في أوروبا وأمريكا تنميتها نتيجة تحسين وإصلاح النظام السياسي، حيث نرى المجالس الرئاسية، وتداول السلطة ضمن قوانين محددة، ونرى الدماء الجديدة تضخ في عصب الدولة بين فترة حكم وأخرى .

 

ثامنا: الشفافية والمحاسبة، وهما عنصران غائبان عن المؤسسة العربية الرسمية، وهذا الغياب يشكل عائقاً رئيسياً في وجه التنمية .

 

إن كل تلك النقاط تشكل قنابل موقوتة في جسد الوطن العربي وفي كل دولة على حدة، وتركها من دون حل جذري سيبقي الحال على ما هو عليه، من دون تقدم أو تنمية حقيقية تذكر، وإن رأينا بعض مظاهر التنمية المادية هنا وهناك، بينما التنمية الإنسانية، ذات الصلة بالعقل والإدراك، لا تزال على حالها منذ عقود كثيرة، وغض الطرف عنها لا يحمي العيون من الشظايا القادمة .

===========================

الثقافة وصناعة الجمال

بقلم :علي حرب

البيان

25-1-2010

يسألني صاحبي ماذا تفعل لو تسلمت وزارة الثقافة؟ وأسرع للإجابة بأنني لا أصلح لمهام السياسة والإدارة، فكيف بالوزارة! ثم أعود فاستدرك بالقول؛ لو كنت وزيراً للثقافة، أو على الأقل لو استشرت في هذا الشأن، لاقترحت تغييراً في استراتيجية العمل الثقافي، غير ما هو جارٍ في أغلب وزارات الثقافة أو المجالس الثقافية العليا التي تهتم بدعم أهل القطاع الثقافي، من أدباء وفنانين وعلماء ومفكرين، عبر حفلات التكريم وجوائز التقدير الرمزية والمادية، أو عبر رعاية وتشجيع الأنشطة الثقافية المختلفة، من مسارح ومعارض وندوات ومؤتمرات..

 

هذا جانب يستحق الاهتمام، وخاصةً قضية القراءة التي هي ذات مستوى متدنٍ في البلدان العربية، قياساً على مستواها، ليس فقط في البلدان الغربية أو في اليابان، بل في بلدان أخرى كانت تعتبر متخلفة، فإذا بها تحرز تقدماً في هذا المجال.

 

ولكن هناك جانبا آخر يستحق الاهتمام من وزراء الثقافة، يتعلق بالثقافة بمعناها الأصلي، بما هي مشاع لكل الناس، لأنه لا أحد إلا وله حظ من الثقافة أكانت شفهية أم كتابية، أو هو ثمرة لثقافة معينة بأنساقها ورموزها ومعاييرها. من هنا فإن استخدام عبارة «مثقف» لتصنيف العاملين في الإنتاج الفكري والرمزي، تنطوي على إجحاف بحق الناس عموماً. إنها قسمة جائرة، خاصةً اليوم حيث تردم الهوّة بين أهل العمل الفكري والعمل اليدوي، بعد أن أصبح العمل يعتمد على المعرفة قبل العضلة، ولأنه لم يعد يوجد أشخاص لا يملكون حظاً من المعرفة في عصر المعلومة.

 

أياً يكن، ما من أحد يعرى من ثقافة يصنع بها حياته على نحوٍ من الأنحاء. وهذا شأن الاجتماع البشري. إنه ليس مجرد معطى طبيعي، وإنما هو يصنع ويبنى ويجري تشكيله وتحويله بالثقافة. ولذا فالحياة بين الناس، ليست مجرد خضوع لمنطق الطبيعة وآلياتها الحتمية. إنها عمل على الطبيعة بالتفكر والتخيل، بالجهد والمراس، بالعمل والتدخل، بالابتكار والإبداع، على سبيل التركيب والتجاوز والتحويل، أو على سبيل التهذيب والتحسين والتجميل.

 

لهذا لا أقصد بالثقافة هنا النتاج العلمي والتقني، على الرغم من أهميته الفائقة على حياة البشر ومصائر المجتمعات، إيجاباً أو سلباً، نفعاً أو ضرراً. وإنما أقصد بالثقافة، بنوع خاص، معانيها الأخرى المتصلة بالأبعاد الجمالية والجوانب الذوقية، كما يعيشها المرء في وجوده اليومي، المحسوس، وكما تتجلى في سكنه وعمله وأمكنة تواجده. على هذا الصعيد، ما نفتقر إليه هو الجمال والذوق والرهافة والحسّ المدني، ذلك أن آفات التشوه ومظاهر البشاعة هي الطاغية، سواء في الفضاء العمومي أو في المشهد المديني.

 

وأول هذه التشوهات أننا بتنا نعيش في مدن تفتقر الى النظافة، وتصفع النظر فيها أكوام النفايات في الشوارع. ثمة تراجع في هذا الخصوص عما كان عليه الأمر قبل عقود، إذ كانت النفايات تجمع من البيوت قبل شروق الشمس، أما اليوم فإنها تجمع من الشوارع في أوقات النهار.

 

يضاف إلى ذلك أن الناس تهتم بنظافة بيوتها، ولكنها لا تكترث بنظافة الشارع والأمكنة العامة، بل هي حيث تحل تخلف نفاياتها، على شاطئ البحر، أو على ضفاف النهر، أو في الغابات في أعلى الجبال. ناهيك عن مشاريع الاستثمار التي تفتك بالطبيعة وتشوه جمالها، أو تعمل على تصحيرها بتقليص المساحات الخضراء، لكي نعيش في مدن هي كُتل إسمنتية من غير حدائق أو جنائن. فكيف بالذين لا يتورعون عن رمي نفايات المعامل الضارة أو السامة في مجاري الأنهار! وكل ذلك يحدث بعكس الشعار القائل: النظافة من الإيمان، سيما بعد أن تحول الإيمان إلى عصاب وإرهاب وجنون.

 

والوجه الآخر لهذه الآفة هو التلوث بمعناه الرمزي، حيث الصور والرموز والاعلانات والشعارات تملأ الجدران والساحات. هنا أيضاً ثمة ما يصفع النظر إلى حد يكاد يعمي البصر.

 

من الآفات أيضاً الضجيج والضوضاء عبر مكبرات الصوت، سواء لنقل خطب الدعاة والوعاظ، أو لبث خطب الزعماء والقادة، أو بإطلاق الرصاص في المناسبات، أكانت عرساً أم حجاً أم استشهاداً أم نيلاً لشهادة...

 

وأنا أتساءل أحياناً ما الحاجة إلى أن يعلو صوت الخطيب إلى خارج المسجد لكي يصل الى حد الصياح أو الصراخ بلغة التهديد والوعيد؟! ما الحاجة إلى أن تلعلع مكبرات الصوت في الأجواء، بما يشبه القصف العشوائي للآذان؟! إن الأرقى هو أن يدعو المرء أو أن يجادل بالتي هي أحسن، فيخفض صوته لكي تعلو حجته. فكيف إذا كان الواحد لا يمتلك مفاتيح الحقيقة!

 

هذا القصف بالصوت ومكبراته، لا يقتصر على المساجد والمحافل، وإنما يمارس أحياناً ببث خطب الرؤساء والقادة، في سيارات تتجول في الشوارع والأحياء. وهذا ليس دليل قوة، بل هو دليل ضعف في الرأي، فضلاً عن أن مخاطبة الناس على هذا النحو وبهذه الوسيلة، تشكل اعتداء رمزياً على الفضاء العمومي.

 

وقد ظن صاحبي أنني أعارض بعض الساسة على شعاراتهم التي قد تكون العدالة أو السيادة أو الشراكة، أو حتى المقاومة، فقلت له بأنني أعارضهم في أمرٍ آخر قد يجده البعض نافلاً، ولكنه في نظري مهم جداً، أعني أن أتباعهم يبثون خطبهم عبر مكبرات الصوت في شوارع المدينة، وهذا نقيض السلوك المدني والحضاري. ومن هذا القبيل ما يقوم به أولئك الشبان الذين يسمعون الأغاني في سياراتهم بأصواتٍ عالية، أو عبر مكبراتٍ تُحدث أصواتاً تشبه دوي المدافع.

 

ما أعرضه من آفات وتشوهات تنغص العيش وتؤذي الذوق وتجرح الحواس، لا تسأل عنه وزارة الثقافة وحدها، وإنما تشاركها في المسؤولية وزارات التربية والبيئة والسياحة والداخلية. ومع ذلك فإن لوزارة الثقافة دورها، فالجمال لا يقتصر على الإنتاج الفني والأدبي، وإنما يتجلى في سلوك أو أسلوب أو نمط العيش. قد يبدع الواحد عملاً فنياً أو أدبياً لكي يمارس نجوميته أو أحاديته، وربما همجيته، من هنا يمكن لوزارة الثقافة أن ترعى ندوات تهتم بثقافة الجمال وصناعة الحياة الجميلة.

 

وأنا أتساءل دوما: ما نفع كل الشعارات المرفوعة، سواء تعلق الأمر بالحرية والديمقراطية أو الإسلام والعروبة أو مجتمع المعرفة، إذا كانت لا تساعدنا على أن نعيش في مدينة نظيفة، هادئة، آمنة، جميلة؟!

كاتب ومفكر لبناني

===========================

ذلك الفتى الذي طرده أبوه من البيت

نوال السباعي - مدريد

الرابطة الأهلية لنساء سورية – أمهات بلا حدود

الأحد, 24 يناير 2010

ذلك الفتى الغرير بسنواته السبعة عشر وجسده النحيل وقامته القصيرة ، ذلك الفتى بتقصيره في دراسته وتركه صلاته وإضاعته عشرات الآلاف في فواتير الهواتف الجوالة ، ذلك الفتى الذي بدأ بالخروج مع إحدى بنات جيرانه متحديا إرادة أبيه وأوامر أمه ، وقع في غرام الصبية وهو ذاهب آيب أمام نافذتها ، يرقبها بعينيه الطفلتين قبل أن تكتشفا أن في الحياة شيء يدعى العشق والهيام ، ذلك الفتى الكذّاب بامتياز ، يكذب على أمه و على أبيه و على اخوته ، هذا الفتى الذي أصبح يدخن في اليوم علبتي سجائر يسرق ثمنها من درج أمه ، ويتسلل بعد منتصف الليل من البيت ليخرج مع رفاق السوء إلى حيث لايعلم أحد ، وعنما يعود بعد الفجر يدّعي أنه كان في صلاة الصبح جماعة في المسجد! ، هذا الفتى لايسمع كلاما ولايمتثل لنصيحة ولايفهم موعظة ، المتعب الذي يرتدي مايستعيره من أصحابه من السراويل العريضة "الفظيعة" والتي لايمكن لمخلوق عاقل على وجه الأرض أن يفهم لماذا يقوم أصحابها بكشف مؤخراتهم وهم يرتدونها !! ، ويرفع شعره بتلك المادة اللاصقة المريعة وبأشكال يندى لها الجبين ، ذلك الفتى يلبس السلسة في يده ورقبته وكان يريد - لولا ألطاف الله- أن يخرق أذنه كالبنات ليضع فيها قرطا !!.

المارق المنحرف  ،لادين ولاخلق ، هذا الفتى قام والده بطرده الليلة الماضية من البيت ، حيث كان يتكلم معه فاشتم رائحة الدخان من فمه ، فضربه ضربا مبرحا ، ورفسه رفسا شبه قاتل ، ولم يسمح له ولاحتى أن يأخذ معطفه ليتدثر به ، ولم يكتف الوالد بطرده من البيت فحسب بل لقد أقسم بالطلاق على أمه أن لاتكلمه ولاتراه ولاتحاول الاتصال به ، وهدد بقية الأبناء والبنات والكنة والصهر والأحفاد كذلك ، بأن من يكلم ذلك الفتى أو يحاول الاتصال أو العودة به الى البيت فلينتظر أن يطرد مثله وإلى غير رجعة، ليس من البيت فحسب بل من رحمة الأب ورزقه والحياة في ظله فهو لاظل إلا ظله – كما يعلم القاصي والداني-!! .

الأسرة كلها في غاية الامتثال للوالد لم تبحث عن الفتى ، الأسرة كلها خوفا من الوالد لم تسأل عن الفتى ، الأسرة كلها رجالا ونساء كبارا وصغارا بما فيها الوالدة تدعو على ذلك الفتى العاصي ، الأسرة كلها تكيل له الشتائم والسباب وقد فضحهم وأساء إلى سمعتهم وجعلهم أحاديث بين الناس !!،  و...............هل انتهت الحكاية ؟؟! بالطبع لا!! .

الأب يصيح مزمجرا متوعدا مهددا الأم بالطلاق والويل والثبور لأنها لم تحسن تربية ابنها ، وليست أهلا للثقة وقد خرج "ابنها" بهذا الشكل المنحرف المختلف عن بقية "أبنائه " السبعة ، الذين كانوا مابين طبيب ومهندس ومختص في التاريخ، الأعمام أعلنوا أنهم قطعا لن يتدخلوا لأن الأب يعرف ماذا يفعل مع أولاده !، وهذا شأن داخلي لاعلاقة لهم فيه ألبتة ، الجد طاعن في السن ولايستطيع أن يفعل شيئا ، والجدة والدة الأم مقصاة عن البيت والأولاد منذ قرون ، فهي امرأة سوء تعلم ابنتها على النشوز لتخرج عن طاعة زوجها ، والأخوال الثلاثة لايريدون التدخل لأن هذا ليس من شأنهم ،فأولاد الأخت "شيء" بعيد وغريب لاعلاقة لنا بهم ، وليسوا كأولاد الأخ ! ، ثم إن أختهم نفسها طلبت إليهم عدم التدخل لكي لايتسبب ذلك في طلاقها ، وذلك على الرغم من أحدهم قال لها أن هذا الولد ابننا ولايجب أن يترك خارج البيت !، وكان يدور بسيارته في الشوارع والساحات والمستشفيات بحثا عن الولد ، ولكن أخته –وهي تنتحب – طلبت إليه أن يترك الموضوع لأن هذا تدخل من أهلها في سياسة زوجها مع أولاده! ، أما نساء العائلة فلايمكن لأي منهن أن تنبس ببنت شفة ، فهن نساء! ، حتى أن احداهن صادف ورأت الفتى في الشارع ولكنها لم تتجرأ على الاقتراب منه ولاالسلام عليه ، فضلا عن الحديث معه ، فهذا عيب وعار وليس من شأنها أصلا!.

هل انتهت الحكاية ؟؟ بالطبع لا !! بقيت جزئية سقطت ""سهوا"" من هذا السرد !! ، أن والد هذا الفتى نفسه هو مدخن بامتياز ،  وأنه قضى كل شبابه في السهر خارج بيته حتى ساعة الفجر ، وأنه كان يترك زوجه العروس والدة الفتى وحدها طوال الوقت ليقضي أوقات فراغه في لقاآته مع أصحابه وخلانه يدخنون "النرجيلة" و يأكلون ويشربون ويلعبون "الورق" و" النرد" ، وأحيانا يدخلون الملاهي لرؤية الراقصات والاستماع إلى بعض المطربات !! ، ويجب أن نعترف بالحق فإن هذا الأب  وعلى الرغم من ذلك  ماكان يعود إلى بيته إلا بعد أن يؤدي الصلاة حاضرا في المسجد جماعة يوميا !! ، هذا حق يجب على الجميع الاعتراف به ! ، أيضا سقط من الحكاية أن الأب ..هذا الأب الذي طرد ولده من البيت ليلة البارحة ، كان يخرج مع أكثر من خمسة عشر فتاة وامرأة منذ كان في سن الثانية عشرة وحتى مابعد زواجه بخمسة عشرة عاما ، تزوج منهن ثلاثة .

هذا الأب كان يضرب زوجته ضربا مبرحا كلما سألته أين يقضي لياليه ، وكان يهجرها الأيام والأسابيع والأشهر قبل هذه الهجرة "التربوية" الأخيرة قبل خمسة أعوام منذ تزوج بزوجته الثالثة ، وكان يمنع زوجته -الاولى فقط-  من الخروج من البيت أحيانا لمدة تمتد أشهرا ، ويمنعها من زيارة أهلها ، ومايفتأ يقرعهم ويهينهم وينزل بهم جميع أنواع سخطه بسبب أنهم لم يحسنوا تربية ابنتهم هذه التي تزوج بها ولما تتم السابعة عشرة من عمرها ، وعلى الرغم من أنها قضت في "كنفه" أربعين عاما فهو مازال يسب أباها المتوفي منذ عشرين عاما ، ويسب أمها المقعدة لأنها هي وأهلها سبب كل مصائبه وكوارثه وانحراف حياته ودمارها! ، والدليل على ذلك أن حياته مع زوجته الثالثة التي منعها من إنجاب الأولاد كانت رائعة مستقرة سعيدة هانئة!خاصة أنها مهندسة محترمة ، تجاوزت الخامسة والثلاثين من عمرها ، تدير له شؤون أمواله وأملاكه في صمت واستكانة، بعدما أعياها البحث عن زوج صالح ، حتى ساقت إليها أقدارها هذا الرجل المثالي المتدين ، والذي لاعيب لديه إلا أنه كان قد تزوج باثنتين من قبلها ولم يوفق معهما بسبب سوء أخلاقهما وأخلاق أهلهما!، أما الثانية فقد كانت "عاصية سافلة متكبرة" بسبب أنها كانت خريجة كلية الشريعة!! ، وتدعي أنها تفهم في الدين والحقوق والواجبات، لكنها لم تطعه كما كان يظن ولم تسجد بين يديه كما أراد ، نشزت عنه ، وحاولت التدخل في طريقة معاملته أولاده وزوجته الاولى ، ومافتئت تقرعه طوال الوقت بأن هذا يجوز وهذا لايجوز ، فطلقها وطرها من بيته بعد أن اضطرها إلى التنازل عن مهرها وحليها وكل ماكان قدمه إليها وإلى أهلها أثناء الخطبة ،وبعد أن أعادت له بيتا كان قد سجله باسمها لدى الزواج ، بل لقد اضطرها إلى توقيع أوراق تلزمها أن لاتتحدث عنه بكلمة ولاتؤذيه بعد الزواج ،

ولاتتدخل لنصرة زوجته الأولى ولا أولاده ! ، ولولا ذلك لتركها معلقة مائة عام دون أن يرضى بطلاقها!.

هذا الأب لم يطرف له جفن قط وهو يمد يده ورجله بعد لسانه على جميع أولاده وبناته ، فقد نقلت إلى المستشفى ابنته التي تدرس الطب عدة مرات بسبب الضرب المبرح ، ذلك أن هذه بنت شاذة ومارقة لأنها كانت تقف حائلا بينه وبين أن يضرب أمها ، هذه العاصية الحقيرة "المنحطة" التي تمنع أباها حقه الشرعي في تأديب أمها!.

هذا الأب الذي قطع كل علاقة ممكنة بين أولاده وأهل زوجته ، بدعوى أنهم "أهل المرأة" ، وهم غرباء عن أولاده ، وحرمها من أي حق في الحياة والتعلم والنمو والمعرفة ، حتى أنه ماكان يسمح لها أن تجلس معه لرؤية مسلسلاته التافهة التي كان يتابعها بحجة أن لديها عملا في المطبخ دائما كان يجب أن تؤديه !!، و كان يصفع ابنه المهندس ذو الثلاثين عاما على مراى ومسمع من الأسرة ، ذلك لأنه أزعجه بعرض مشكلاته عليه وهو يقرأ ورده اليومي وتسبيحاته وتهليلاته، فالرجل والحق يقال متدين ، السبحة تجري بين أصابعه دون توقف معظم ساعات النهار وقطعا من الليل ، وهو يحج في كل عام مرة – على الأقل!!- ، ويتمسك بأستار الكعبة داعيا الله أن يغفر له ويتولى أمره .

هذا الرجل لديه أسرة قديمة سجينة قهره واستبداده وأهوائه ، لاينطق واحد منهم عن الهوى ، دون وحي منه واذن وايماءة ، وأسرة جديدة يروح عن نفسه معها ويخرج الى المنتزهات والسياحة ، ويعلم كل من هب ودب وأكل الحب أنه مثال الرجل المتألق مع زوجته الجديدة ، وقد أثبت للجميع – حتى أهل الزوجة القديمة - وبما لايقبل الشك أن السبب في كل مصائبه هي زوجته تلك التي لايستطيع ولاحتى طلاقها لأنها متمسكة بأبنائها "بنت الحرام" تمسك الروح بالجسد !!. وبين الأسرة القديمة الأولى ، وهذه الثالثة الجديدة برزخ من الأحقاد والآلام والمظالم والظلمات.

 

هل انتهت الحكاية ؟ بالطبع لا !! لأنه مامن إنسان على وجه هذه الأرض إلا ويعرف يقينا ماالذي حدث بعد أن طرد ذلك الوالد ابنه "الفاجر" من البيت ليلة الأمس ، ليلة رأس السنة الميلادية ، تلك الليلة التي تؤكد كل الدراسات والإحصائيات في العالم أجمع أنها الليلة التي يكون فيها التّماس الأول للشباب والشابات مع الكحول والمخدرات والعلاقات غير المشروعة ، الليلة الباردة شديدة البرودة التي لم يتعلم فيها كثير منا كيف يقدم دفئا للآخرين ومأوى في قلبه وفي تلافيف دعاواه الايمانية العريضة ، كما لم نتعلم أن ينظر الواحد منا إلى نفسه ولو مرة واحدة في المرآة ليتّهمها، ويعرف مسؤوليته الحقيقية عما يجري لفلذات أكبادنا الضائعين المضيعين الذين لانحسن إلا تقريعهم ولومهم وطردهم من بيوتنا وضمائرنا ، والتخلي عن مسؤولياتنا تجاههم ، نحن ..الذين نأكل الحصرم باستمرار دون أن نلقي بالا إلى حجم الظلم والظلمات والآلام التي نزرعها علقما في حياتنا وحياة الآخرين ، والتي لن تمر قط دون عقاب عاجلا أم آجلا .

========================

بين لندن ونيويورك

بقلم :إيان بريمر

البيان

25-1-2010

كل هذا التخوف من هروب «التمويل» من نيويورك ولندن، بسبب الأعباء الناجمة عن القيود والضوابط، أو النمو خارج العالم المتقدم، هو تخوف في غير موضعه. فالمصرفيون يحبون الشكوى من الضوابط، والتهديد بالانتقال إلى مكان آخر، أما تنفيذ ذلك فهو أمر أصعب كثيراً.

 

وإيقاع التغيير البطيء ينطبق بصفة خاصة على الموقع العضوي للأسواق المالية الكبرى، والحقيقة القائلة إن سنغافورة تقوم بعمليات تأمين على السندات في عام بعينه، أكبر من تلك التي تقوم بها لندن، لا تعني أنها ستتجاوز عاصمة الضباب عما قريب.

 

ومنذ عام 1600 كانت هناك ثلاثة مراكز مالية كبرى، هي أمستردام ولندن ونيويورك، مع محاولة من باريس للدخول في هذا الإطار في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والانتقالات السريعة والهائلة في طريقة القيام بالوساطة المالية تعد غير واقعية.

 

ورأس المال يمكن توليده في أي مكان، على سبيل المثال في مصانع الصين وعبر نفط الشرق الأوسط، ولكن الوساطة في ما يتعلق برأس المال، تحتاج إلى مجموعة من الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة لتزدهر فيها.

 

وعلى صعيد هيكلي، فإن رؤوس الأموال التي تستخدم في التمويل بنجاح، تقتضي نظماً قانونية مستقرة ونظماً سياسية راسخة، وضبطاً فعالاً وغير مسيس للفساد، ومستويات منخفضة من القلاقل الاجتماعية والصراع العنيف، وقوى عمل كبيرة محيت أميتها إلى حد كبير، وقاعدة اقتصادية كبيرة لاستدامة الأنشطة المالية، وتوجهاً سياسياً ليبرالياً يرحب بتدفقات الناس والسلع ورأس المال عبر الحدود.

 

وباستثناء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وسويسرا، فإن طوكيو وحدها هي التي تلبي هذه المقتضيات كلها. ولكن اليابان تتسم بعناصر من اقتصاد مغلق يفتقر إلى توجه دولي، على نحو ما نجد في مستوى متواضع من التميز في التعامل باللغة الإنجليزية.

 

وإذا تصدعت الصناعة المالية في المملكة المتحدة بصورة حقيقية، هو أمر وارد، فإن جانباً منها سوف ينتقل إلى مناطق أخرى، حيث ستحظى نيويورك بالجانب الأكبر من الفائدة في مثل هذه الحالة. وإذا قررت الولايات المتحدة فرض ضوابط صارمة فيما لم تقرر أوروبا ذلك، وهو أمر أقل احتمالاً بكثير، فسوف نشهد تفرقاً أوسع نطاقاً، حيث ستختار الدول الأصغر الأنشطة الأكثر فائدة والأعلى في المخاطر، ومنها صناديق التحوط. ولكن في الجانب الأعظم، فإن المؤسسات المالية الكبرى ستبقى على ما هي عليه، وتتذمر، وتحاول التملص من القيود التي ستثقلها بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

 

وفي غضون ذلك، فإن الولايات المتحدة ستواصل المضي بعجز كبير مع عوائد ضرائب خفضتها الأزمة، ومستويات عالية من الإنفاق وخطوات محدودة لزيادة العائد مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي. وبينما لدى إدارة أوباما خطط كبيرة للمسؤولية المالية، فإن جانباً كبيراً منها يصعب تمريره في الكونغرس، بينما أجزاء أخرى هي بمثابة خفة يد سياسية تقليدية. ومع ذهاب الصينيين إلى القول إن العالم يحتاج إلى عملة احتياطي جديدة، وقيام الهنود بشراء الذهب، هل يؤمن أحد بالدولار؟

 

نعم، ولكن من المهم البدء بإدراك أن القيمة النسبية للدولار ووضعية عملة الاحتياطي، أمران مترابطان، ولكنهما قابلان للانفصال. والدولار الأضعف يمكن أن يظل عملة الاحتياطي الأولى، كما شهدنا على امتداد العقود الستة الماضية. ومكانة الدولار باعتباره عملة الاحتياطي العالمية، أقوى بكثير من التعليقات التي تدور حول هذا الموضوع. وإذا أردنا التنويع على مقولة شهيرة لتشرشل، لذهبنا إلى القول إن وضعية الدولار هي الأسوأ من بين العملات المتقدمة على امتداد العالم.. باستثناء كل العملات الأخرى.

 

وفي الوقت الحالي، إذا كان هناك ضعف في الدولار، فإن ذلك يرجع في جانب منه إلى أن الولايات المتحدة تريد دولاراً ضعيفاً لتحقيق ازدهار صادراتها، حيث إن الاستهلاك الداخلي سيظل ضعيفاً لبعض الوقت. وفي المدى البعيد، فإن النمو السكاني الأميركي، والجذب من جانب التعليم العالي، والميل إلى التجديد، والصدارة العسكرية المتواصلة، والاستقرار السياسي الكامن والحجم الكبير ذاته، كل ذلك سيكفل استمرار الدولار باعتباره عملة الاحتياطي العالمية الأكثر بروزاً.

 

هذا لا يعني القول إنه ليس هناك ضعف هيكلي، فبمضي الوقت إذا أفلحت الصين في تدبر أمر التحديات التي تواجهها بنجاح، فإن اليوان سيعلو شأنه في القيمة وفي الاستخدام. ولكن في المستقبل المنظور، حتى إذا انخفضت القيمة النسبية للدولار، فإن دوره كعملة احتياطية سيظل على حاله في العقد المقبل، وربما بعد ذلك بوقت طويل أيضاً.

رئيس مجموعة يوراشيا للاستشارات السياسية

===========================

معاييرنا في مواجهة الإرهاب

بقلم :وليام فاف‏

تريبيون ميديا سرفس

ترجمة

الأثنين 25-1-2010

ترجمة: حكمت فاكه

الثورة

يقول أعداء الرئيس الأميركي أوباما في الكونغرس ومن الصحافيين الذين يعملون في واشنطن أنه يعاني من مأزق سياسي وأنه ورطنا معه في الحرب المتصاعدة ضد «طالبان».

فخلال حملته الانتخابية نجح مستشارو أوباما، ومنظمو حملته الانتخابية بإقناعه بالدمج بين وعده بالانسحاب من العراق، وهذا شيء كان الناخبون يريدون سماعه منه وهذا ما كان يريد فعله حقيقة، مع وعد آخر بتصعيد «الحرب الحقيقية» في أفغانستان ضد - القاعدة وطالبان حتى يظهر أنه صارم وشديد.‏

وهذا ما فعله أوباما، وما تركه أمام وعد لم ينجح بالوفاء به حتى الآن، ما جعله يقع في قبضة جنرالين طموحين هما - ديفيد بترايوس وستانلي ماريستال - اللذين لم يسبق لهما أن كسبا حرباً من أي نوع ومع هذا، فإن هذين الجنرالين يتجاهلان ضمناً حقيقة ساطعة أنه لم يسبق لأي قوة أخرى أوروبية- أميركية الانتصار على - مقاومة أو تمرد فعلي - خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كالانتفاضة الشيوعية التي دامت لمدة عقد في الملايو بعد الحرب العالمية الثانية، إلا بثمن باهظ التكلفة تمثل بإعادة توطين حوالي نصف مليون صيني كانوا يشكلون الأقلية في إقليم الملايو التي خرج منها الثوار الشيوعيون الصينيون الذين شنوا حرباً ضارية مستلهمين نصائح الزعيم الصيني ماوتسي تونغ.‏

وفي مكان آخر أجبر الهولنديون على الخروج من جزر الهند الشرقية، كما خرج الفرنسيون والأميركيون من جزر الهند الغربية في الصراع الذي بدأ عام 1946 وانتهى عام 1975، والذي دام 29 سنة كاملة. وكان البريطانيون قد أُجبروا هم الآخرون على منح الهند الحكم الذاتي عام 1946، بصرف النظر عن الصراع بين الهنود أنفسهم والذي أدى إلى مصرع حوالي نصف مليون شخص وتشريد مليون آخرين في المعارك التي صاحبت عملية التقسيم عام 1947، وانتهت بقيام باكستان ولا تزال الهند والباكستان تخوضان الحروب بخصوص كشمير.‏

والسؤال القائم الآن هو: هل يعرف الجنرالان -بترايوس وماكريستال- أن حربهما ضد (طالبان) ليست سوى عرض جانبي، من منظور الجنوب الآسيوي، للعرض الرئيسي المتمثل في الصراع الدائم منذ 60 عاماً بين الباكستان والهند، ومن جانب الأفغان ضد الدولتين معاً وضد الجيش الأميركي؟ وقد خرجت بقايا جيوش الاسكندر الأكبر وهي تلعق جراحها من هذه المنطقة منذ حوالي 2500 عام. وكان الشعب الأفغاني هو المنتصر دائماً في أي حرب يخوضها ضد غزاته ومحتليه.‏

هذا يعني أن الرئيس أوباما وجنرالاته سيواجهون صعاباً جمة، إذا ما حاولوا جميعاً الظهور بمظهر القسوة والشدة والخشونة في أفغانستان، وهي صعوبة ومشقة قد تتجاوز كثيراً تلك التي واجهها الاسكندر الأكبر نفسه.‏

إن هدفي من تقديم هذه اللحمة التاريخية هو معرفة ما إذا كان للأميركيين العاديين أدنى فكرة عما ورطت بلادهم نفسها فيه في آسيا، قبل أن تنتهي من مواجهة تداعيات الصراع الذي مضى عليه عقد من الزمن في العراق؟، فأميركا موجودة في أفغانستان للعثور على القاعدة. لكن القاعدة على ما يبدو ليست موجودة هناك. بل هي موجودة في اليمن أو الصومال أو في أي مكان آخر. وبما أن الأميركيين لم يعثروا على القاعدة في أفغانستان فإنهم لم يجدوا أمامهم سوى مطاردة -طالبان- التي كانت تأوي القاعدة وتهتم لأمرها.‏

ولزيادة المعرفة فإن -طالبان- لا تمثل سوى جزء من قبائل البشتون في أفغانستان الذين يشكلون 42 بالمئة من إجمالي عدد السكان، و40 بالمئة من الجيش وجزءاً كبيراً من الحكومة، ويتوقع لهم أن يقوموا بذلك مرة أخرى.‏

وبعد الحادي عشر من أيلول تعاونت القاذفات الأميركية وتحالف الشمال بشن هجوم قام به الطاجيك لطرد البشتون من مناطقهم بهدف إلقاء القبض على بن لادن الذي نجا هارباً.‏

وبعد هروب بن لادن من جورج بوش قام أحد المتطوعين المعجبين به بركوب طائرة ليلة أعياد الميلاد عام 2009 وقد وضع متفجرات في بنطلونه، لكنها لم تنفجر ومن هنا نجد أن أوباما له مشكلاته مع الخشونة والقسوة والشدة. وفي هذا الإطار قدم - ديفيد روثكويف - المسؤول السابق في عهد إدارة كلينتون التقييم التالي: «إذا أصبحت رئيساً للولايات المتحدة الأميركية فيتعين عليك أن تكون صارماً في التعامل مع الإرهاب».‏

وبما أننا نتحدث عن المظهر وليس عن الفعل نستطيع القول: إن الرئيس السابق جورج بوش قد استوفى معايير الصرامة التي وضعتها أميركا من خلال غزوها للعراق وأفغانستان، ثم غادر بعيداً تاركاً الحربين اللتين أشعل نارهما.‏

قد يستطيع أوباما حل هذه المشكلات من خلال مواجهة ما يحصل في اليمن. ولكنه وخلال ثلاثة أو سبعة أعوام من الآن قد يغادر هو الآخر بعيداً تاركاً جميع الحروب تزداد اشتعالاً ولهيباً.‏

===========================

صراع خفي لحقبة ما بعد النفط

راكان المجالي

السفير

25-1-2010

هل حقاً بدأت حقبة ما بعد النفط؟ بحسب ما يقول الصحافي الفرنسي «سيرج اندرلان»، المختص بالطاقة واستراتيجياتها، في كتابه الاخير «بدأت مرحلة ما بعد البترول».

ما بين العلم المجرد والسياسة وشراهة العولمة تضيع الاجابة. وهو ضياع مقصود، سمح بانتشار واسع لفرضية أو مقولة أصبحت أشبه باليقين، مؤداها أن «الذهب الأسود» قد اقترب من مسيرة انحداره، بسبب وصوله الوشيك الى ذروة إنتاجه القصوى. الأمر الذي أفرز موقفين متناقضين تماماً: أولهما يقول «ان العقود الثلاثة المقبلة سوف تشهد انخفاض احتياطيات البترول العالمية انخفاضا ملحوظا»، وثانيهما، يقول بعكس ذلك كلياً، وانه «لا يزال هناك الكثير من النفط، في جوف الارض، وان تقنيات استخراجه تتحسن باستمرار».

لا شك بأن أي خطر يتهدد مصير البترول سيعكس أجواء من القلق، في عالمنا كله، وبمستوياته المتعددة، فمجرد تصور احتمال الخروج من عصر النفط هو أمر خارج حدود الخيال البشري، على الاقل في هذه اللحظة من تاريخ العالم. اذ كيف يمكن تصور مرافق الحياة اليومية، التي يكون النفط عماد تشغيلها؟ وما هو شكل الحياة، بمناحيها المختلفة، التي يمكن أن تعاش بالاستغناء عن النفط، ومن دون بدائل كافية، ومرنة في تحولاتها، تحل مكانه؟ وهل هناك إمكانيات متوافرة حالياً، في قطاع الطاقة، تمكن البشر من المحافظة على نمط وأساليب حياتهم السائدة الآن؟ وهل هناك فعلاً أشكال للطاقة يمكن أن تسيّر العالم في المستقبل؟

في سياق حالة الإرباك، التي تسود العالم بشأن مصير النفط، برز في السنوات الاخيرة اهتمام لافت بما يسمى «المحيط الاركتيكي»، الواقع في القطب الشمالي للكرة الارضية، من قبل الدول المجاورة له. فأصبحت المنطقة محل تنافس حقيقي، بين الدول المطلة على ذلك المحيط، وهي: الولايات المتحدة، روسيا، الدنمارك، النرويج، وكندا، ووصل بعض أشكال هذه المنافسة الى ما أسماه «اندرلان» حدود «حروب أهلية جديدة». فقبل ثلاثة أعوام، رفعت روسيا علمها على منطقة واسعة جداً من المحيط الاركتيكي، لتحقيق حضورها هناك، وكذلك فعلت كندا، واعتبرت المنطقة «جزءاً لا يتجزأ من الاراضي الوطنية» الكندية، وأقامت فيها مراكز مراقبة وسفناً لتكثيف الدوريات. وهو ايضاً ما قامت به الدنمارك في منطقة «غرنلاند» المتجمدة، واعتبرتها امتداداً لأراضيها الوطنية تحت البحار. كما سعت الولايات المتحدة لتثبيت وجودها، بواسطة الحصول على قواعد، في منطقة القطب المتجمد الشمالي، كل ذلك بحثاً عن مصادر جديدة للطاقة، وعلى رأسها النفط.

وفي موازاة ذلك، تنشط الصين في توسيع استراتيجية التنقيب والبحث عن البترول، ومصادر الطاقة المتجددة، في كل أنحاء المعمورة، وهو ما عرف باستراتيجية «الفتوحات البترولية»، فأنشأت لذلك مجموعة بترولية عملاقة تسمى «بتروشاينا». كما أن كندا ايضاً أصبحت واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط، وذلك بعد اكتشاف حقول بترولية ضخمة في منطقة «ألبيرتا»، ما أثار اهتماماً أميركياً لافتاً، وتحديداً من قبل المجموعات البترولية الاميركية الكبرى، لأن تلك الحقول تمثل مصدر طاقة مجاورا وآمنا، وأقل مخاطر استثمارية، وذلك بعد ان زادت مغامرة الرئيس الاميركي السابق، في العراق، مخاطر عدم الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، بما يختزنه جوفها من احتياطات نفطية.

ولعل الأهم هنا، وهو ما أكدته اجتماعات مؤتمر «دافوس» في سويسرا، أن أصحاب القرار الاقتصادي في «الكارتلات» الكبرى، يعلمون علم اليقين ان الخطر على النفط لا يكمن في «الارهاب»، كما روّجت في السنوات الاخيرة، الولايات المتحدة وحلفاؤها، بل في «الخوف الجيولوجي، الخاص بمعرفة كمية الاحتياطي النفطي الحقيقي، الذي يحتوي عليه جوف الأرض».

وهنا، يتقدم «الوقود الحيوي» كبديل، أو ما يسمى «الثروة الخضراء»، عبر تصنيع «الايثانول» من قصب السكر والذرة، في كل من البرازيل والولايات المتحدة على التوالي، ومن نخيل الزيوت في كل من كولومبيا واندونيسيا. وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام مشكلات واضطرابات اجتماعية، بسبب النقص الفادح الذي سيحدثه ذلك، في المياه اولاً، وفي إنتاج الأغذية الزراعية ثانياً.

والى جانب ذلك، تأتي «الطاقة النووية»، كواحد من الخيارات التي تشكل مصدراً بديلاً للطاقة. وهل حقا بدأت حقبة ما بعد البترول، ام ان الأمر لا يعدو كونه صراعا خفيا، يتم إدخال العلوم الجيولوجية فيه كشاهد زور، كما حدث مؤخرا في قمة المناخ، في «كوبنهاغن»؟

نقيب صحافة سابق في الأردن

===========================

لا حل من دون مسودة "تسوية" أميركية

سركيس نعوم

النهار

25-1-2010

عن السوريين وأميركا تحدث المتعاطي المباشر مع عملية السلام نفسه في احدى أبرز الدوائر نفسها داخل الادارة الاميركية قال: "يهتم السوريون باقامة علاقة جيدة مع اميركا. اسرائيل هي وسيلة لذلك. لا نشعر في دمشق ان هناك اهتماماً جدياً بالتفاوض مع اسرائيل. يريدون فقط العلاقة مع اميركا. وقد نقل البعض عن الموفد الرئاسي الاميركي جورج ميتشل قوله: يبدو ان اهتمام السوريين يتركز فقط على العلاقة الثنائية معنا (أميركا). المشكلة ان العلاقة الجيدة بين اميركا وسوريا تمر حكماً بالصراع الفلسطيني – الاسرائيلي. اذاً ليست القضية فقط ما يجري في العراق ودور سوريا فيه. هناك ايضاً الارهاب ومكافحته. وهناك منظمات مصنفة ارهابية من اميركا مثل "حماس" و"الجهاد" و"حزب الله". وهناك ايران طبعاً. كيف يمكن حل كل هذه المشكلات والعقبات من دون سلام بين اسرائيل والعرب او على الاقل بين سوريا واسرائيل؟ في احد الاجتماعات التي ضمت الموفد الرئاسي الاميركي ميتشل وفريقه مع القيادة السياسية السورية العليا سأل الأول اذا كانت سوريا تعتزم استئناف المفاوضات مع اسرائيل. فكان ردها: لا يوجد شريك اسرائيلي كي نتفاوض معه". الهاجس عند السوريين قد يكون (وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور) ليبرمان مع ان لا وزن فعلياً له في موضوع عملية السلام والسياسة الخارجية. المفروض ان يقوم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك باعلان التزامهما استئناف المفاوضات والتوصل الى تسوية مع الفلسطينيين على اساس الانسحاب من الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. اثناء المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل والتي قامت بها تركيا اصر السوريون على "وديعة رابين" المعروفة. وارسلوا الى الاسرائيليين خريطة بعلامات مساحة للجولان المحتل (Bench marks) لمعرفة رأيهم فيها. لم يوافق الاسرائيليون على بعضها. كان في امكانهم ان يقولوا انها قابلة للبحث. لكن ذلك لم يحصل. الأفضل ان يكون كل شيء سرياً في المفاوضات. ويُفترض ان تقدم اميركا مسودة تسوية سلمية الى الطرفين المتعاديين، مثلاً اسرائيل والفلسطينيين أو سوريا واسرائيل، وان تطلب منهما البحث فيها وان تساعدهما على جسر خلافاتهما حول عدد من بنودها. من دون ذلك لا حل. ويُفترض ان يرافق ذلك ايضاً بحث في تنفيذها. كأن يقال مثلاً ان هذا التنفيذ قد يستغرق سنتين وان يحدد ماذا تفعل اسرائيل خلالهما وكذلك سوريا. وكأن يبحث في ما الذي يمكن ان يُعمل اذا وصلت اسلحة الى "حزب الله" اثناء التنفيذ. الا ان السؤال الذي يبقى عالقاً هو ماذا يفعل "حزب الله" بسلاحه الاستراتيجي أي بالصواريخ؟ ويرافق ذلك سؤال آخر هو: ماذا تفعل سوريا بذلك وكيف تتصرف؟" من هنا دور سوريا اللبناني. علّقت. ردّ بكلام عن سوريا ولبنان وايران وبسؤال عن العماد ميشال عون وبكلام ايجابي عن السفيرة الاميركية ميشيل سيسون وعن الدكتور سمير جعجع باعتباره الوحيد بين القادة المسيحيين الذي يملك رؤية وأفكاراً وربما خطة. علَّقت ان احدى ابرز مشكلات لبنان هي اتفاق سوريا وايران في لبنان واختلافهما فيه وعليه. انتقل المتعاطي الاميركي المباشر مع عملية السلام الى ايران، قال: "عندي شعور ورغم عدم اطلاعي على التفاصيل ان ما تقوله الصحف الأميركية وغيرها عن رفض ايران عرض مجموعة ال5+1 المتعلق بتخصيب مخزونها من الاورانيوم في الخارج واعادته اليها لاستعماله سلمياً (انتاج طاقة كهربائية) رغم ان الذي قدمه اساساً أو اقترحه هو الرئيس محمود احمدي نجاد - عندي شعور ان ذلك صحيح. وذلك يعني ان الايرانيين لا يريدون تسوية للملف النووي الآن". علّقت: لم تكن ايران جدية في تفاوضها مع مجموعة ال5+1. أرادت منه تجنب ضربة عسكرية من خلال بدء حوار مع المجموعة. وهو حوار يطول ويمكن خلاله ان توظف ايران خلافات اصحاب المصالح المختلفة من اعضاء المجموعة (روسيا والصين) لتلافي، الى الضربة العسكرية، العقوبات. ردّ: "قد تنجح مجموعة ال5+1 في الاتفاق على عقوبات. لكنها لن تكون فاعلة".

ماذا في جعبة متعاط آخر مع عملية السلام في احدى ابرز "الدوائر" نفسها داخل الادارة الاميركية؟ تحدث عن اجتماع عقد في البيت الابيض (في كانون الأول الماضي) حضره مسؤولون كبار وجرى خلاله البحث في امرين: "الأول، البحث في خطتنا (اميركا اوباما) للسلام على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي ورؤية ما اذا كانت في حاجة الى تعديل او تبديل والبحث ايضاً في ما اذا كان تحركنا على هذا المسار ضرورياً وممكناً ومفيداً. وقد تم التفاهم نتيجة البحث على عدم ادخال اي تعديل على الخطة الاميركية أو المبادرة الاميركية والتمسك بها. واعتبر المجتمعون ان دعوة الطرفين (الاسرائيلي والفلسطيني) الى التفاوض هدف مهم، وسيبقى كذلك. طبعاً تطرق البحث الى محمود عباس رئيس السلطة الوطنية والى مواقفه الاخيرة الرافضة والى قراره الاستقالة من رئاسة السلطة وما الى ذلك. وكان هناك رأي اثناء البحث بضرورة ثنيه بالطرق المناسبة عن فكرة الاستقالة. وربما أُرسل موفد غير رسمي الى عباس للبحث معه في هذه المسألة واقناعه بطيها لأنها تعرض الجهود السلمية للخطر. كان هناك رأي ثانٍ بضرورة العمل لإقناعه، الى البقاء في موقعه الرئاسي، بالعمل على خطة تواجه ما يمكن ان يحصل في حال استقالته. وكانت حجة اصحاب هذا الرأي ان عباس رجل كبير في السن ومريض مثل اي رجل في سنه وقد يموت في أي لحظة. ولذلك لا بد من خطة بديلة او ما يسمى عندنا (Plan B) وقد تم الاتفاق على الرأيين". ماذا كان الأمر الثاني الذي بحث فيه اركان الادارة اثناء اجتماعهم المذكور اعلاه في البيت الابيض؟

===========================

ما هي الحكمة من مشروع قرار الكونغرس الامريكي بمحاربة الفضائيات العربية؟!

عبدالله محمد القاق

الدستور

25-1-2010

 مطالبة الولايات المتحدة الدول العربية عبر مشروع اعده الكونغرس الامريكي مؤخرا لمعاقبة الفضائيات العربية التي تبث من خلالها برامج تنتقد دور الولايات المتحدة في مقاومة الاحتلال الامريكية في العراق وافغانستان او مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين ينبغي رفضه من قبل وزراء الاعلام العرب لانه يتناقض مع حرية التعبير والرأي الذي اقرته كل القوانين والشرائع.. خاصة وان هذا المشروع يهدف الى الصمت عن فضائح الولايات المتحدة في العديد من دول العالم لسياستها المنحازة لاسرائيل والاستمرار في دعمها المنحاز للقوى الباغية في مختلف الاصقاع.

 

واذا كان الاردن كما قال جلالة الملك عبدالله الثاني يؤمن بان حرية الاعلام والصحافة سقفها السماء ، وان الاردن بفضل توجيهات جلالته يهدف الى تسليط الضوء على الاختلالات في عمليات الاصلاح والسعي لتطوير الاجهزة المختلفة ، فان مثل هذا المشروع الامريكي ينبغي رفضه ليس فقط من قبل المواطن العربي ، بل لأي مواطن يعيش في الدول الاوروبية وامريكا يؤمن بحرية الرأي والتعبير وحقوق الانسان ، لأن امريكا التي تدعي دفاعها عن الحريات العامة والديمقراطية تكون باعدادها لهذا المشروع قد عرّت نفسها نهائيا وسقطت كدولة تدعي الديمقراطية والحريات الاعلامية ، لانها كما قال وزير الاعلام السوري الأسبق الدكتور عدنان عمران «تعيش ازمة اخلاقية اليوم.. وانه لمن المؤسف ان تسعى امريكا الى قمح الحريات» بل ينبغي على العالم العربي معاملتها بالمثل ، وان تتخذ قرارا عربيا مناهضا ومناوئا لهذه الاعمال التي تستهدف قنوات عربية وطنية كالجزيرة والزوراء والمنار والعالم وغيرها بل تطالب المحطات الفضائية في الدول الاخرى بعدم نشر او اذاعة اية موضوعات تتعلق بالعنف.. او مواجهة الاحتلال او سياسات القمع التي تنتهجها اسرائيل وغيرها في دول العالم ، الامر الذي يعتبر سياسة امريكية جديدة تقترح حكومة الرئيس الامريكية انتهاجها لقمع الحرية الاعلامية في دول العالم الثالث فيما هذه المحطات الاجنبية تواصل الاساءة للاسلام والمسلمين وتحرض على سياسة العنف ضد الفلسطينيين ومكافحة ابسط الحقوق التي يقوم بها ابناء الشعب الفلسطيني لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي والذي اسهمت المحطات الفضائية العربية في فضح العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة مؤخرا وكذلك الضفة الغربية ، بالاضافة الى انها سلطت الضوء على الاحتلال الامريكي للعراق ، وكذلك في افغانستان.

 

فهذا المشروع المقترح الذي ترفضه كل الدول العربية ، لكونه يعارض ابسط قواعد حرية الرأي يجيء في ضوء البيئة الاعلامية العربية التي شهدت في الآونة الاخيرة تغيرات نوعية ، نتيجة لما فرضته متطلبات العمل الاعلامي في ظل فضاء مفتوح يزخر بفيض هائل من الاخبار والبيانات في كل لحظة ومن كل بقعة دون اي اعتبار للحواجز الجغرافية والحدود الوطنية ، وهذا يدل بصراحة على انه مهما حاول البعض من وزراء الاعلام العرب وقف التعاون مع هذه القنوات وعدم توفير الاقمار الصناعية لها لنقل هذه البرامج وغيرها ، فانها لا تستطيع الاخفاء للحقائق الثابتة والموضوعية للاحتلال الغاشم بالرغم من ان كل ما تم حتى الآن والتي تحاول امريكا كبح جماحة لا يحقق الطموحات الاعلامية الامر الذي يتطلب ادخال تغييرات سياسية في بنية الاعلام العربي وتحريره من تدخل السلطة في هذا الوطن الكبير واصلاح التشريعات والسياسات الاعلامية واطلاق حرية الرأي والتعبير وترسيخ ثقافة النقد والحوار واحترام الرأي الاخر في وسائل الاعلام وتحسين اكتساب هذه الوسائل للقدرات المهنية والامكانات التقنية المتاحة.

 

لقد تابعت الندوة الالكترونية التي اقامها مركز الدراسات العربي الاردني ومقره باريس حول مشروع الكونغرس الامريكي ، حيث اكد المشاركون رفضهم لهذا المشروع واعتبروه بانه يهدف الى قمع الاعلام ، خاصة وان لدى الولايات المتحدة وغيرها وسائل اعلامية لم تكف لحظة عن دعم اسرائيل وتأييد سياستها الرامية الى مزيد من الاستيطان في الاراضي الفلسطينية والقمع ورفض منح الشعب الفلسطيني حقوقه او عودة اللاجئين الفلسطينيين او احترام حقوق الانسان في الارض المحتلة.

 

وهذا المشروع الامريكي الجديد هو بمثابة سياسة جديدة للتعامل مع الفضائيات بشكل انتقائي والتي اثبتت دورها في الكشف عن الدور الامريكي الممثل بالهيمنة على الدول العربية ، والذي تستخدمه امريكا في ضوء ثورة الاتصالات والمعلومات.

 

ان المرحلة الحالية تتطلب من وزراء الاعلام الذين يعقدون اجتماعا في القاهرة حاليا رفض هذا المشروع كما تم رفض مشروع الشرق الاوسط الكبير وسياسة الاصلاح الامريكية لانه يهدف الى السعي لتراجع حرية الحوارات الثقافية ، لان الكونغرس يريد من خلال هذا المشروع استمرار بسط النفوذ الامريكي الاعلامي والتدخل حول الحرية الفكرية والحد من تعاطي الاعلام العربي للقضايا الوطنية كما تفعل قناة «الجزيرة الفضائية» والتي تعالج قضايا وموضوعات متعددة ومختلفة بأصالة وعقلانية كما تفعل غيرها من القنوات العربية لتخليص المجتمعات من الشوائب او الانحرافات لتكون الدول العربية وشعوبها مركزا رئيسا للاصلاح والتغيير خاصة وان نصف سكان العالم العربي البالغ 350 مليون نسمة تقريبا تقع اعمالهم في سن العشرين وهم عماد المستقبل وفرسان التغيير ، وهذا يوجب علينا ايصال الحقيقة لهؤلاء الشباب عبر برامج توعوية تتصل بقضايا امتنا للوصول الى ضمائر الناس وعقولهم.

 

واذا كان هذا المشروع سبق وان تدارس وزراء الاعلام العرب مشروعا مماثلا له منذ بضع سنوات ، ورفضته الدول العربية باعتباره يكمم الافواه وتمت مناقشته في الجامعة العربية فان مثل هذا المشروع الامريكي الجديد ، يُعد نسخة مطورة ومعدلة للمشروع العربي السابق الذي يهدف ايضا الى الحد من تعاطي القنوات الفضائية في معالجة قضايا الامة على المستويين العربي والدولي بكل جرأة ومسؤولية وسد النواقص والثغرات لاعلامنا في ظل ثورة المعلومات وحرية الصحافة والرأى والتعبير ليتفاعل اعلامنا مع الحاضر والمستقبل.

 

فالمشروع الامريكي المقترح مرفوض.. كونه يحث الدول العربية على الحد من حرية الاعلام والاستقلالية والصدقية ، ويسهم في تراجع اعلامنا العربي ، وفقا لما قاله نائب الرئيس الامريكي السابق ديك تشيني تعقيبا على احتلال امريكا للعراق «انني لا ارى في الصحافة شيئا نافعا او مفيدا.. بل انني اعتبرها مشكلة تنبغي معالجتها».

فهي تم تحقيق ما رمى اليه تشيني من خلال هذا المشروع الامريكي الجديد؟

سؤال.. برسم اجابة وزارة الاعلام العرب..

===========================

الدخول التركي على القضايا العربية المصيرية حدود وآفاق

مطاع صفدي

25/01/2010

القدس العربي

عودة الترك إلى مشرقهم العربي قد يكون واحداً من أهم منعطفات النهضة في مطلع الألفية الثالثة لكلا الأمتين الصانعتين للحضور العربي الإسلامي، حوالي عشرة قرون، على المستويين الحضاري الذاتي لكليهما، ومستوى تفاعل المدنيات الإنسانية المعروفة بمؤثراتها الكونية الاستراتيجة حتى اليوم.

السؤال المركزي هو حول الحقيقة في هذه العودة الموصوفة بالفجائية في سياق سياسة دولية وإقليمية بالغة التعقيد والحساسية كحالها دائماً. فلسنا لنطرح التساؤل من وجهة التحليل السياسي اليومي. إنه الاستفهام الفلسفي الباحث عن الحقيقة، كما هو تقليده الكوني إزاء مسرحة الحدث، بطريقة المفاهيم المختفية وراء الوقائع، والصانعة لها أحياناً. فالتحول التركي لا يمكنه الاندراج والانحباس في سياق الضرورات السياسية ومناوراتها. ذلك أنه ليس ثمة براغماتية آمرة بالتغيير الأيديولوجي الكبير الذي ينطوي عليه حراك حكومي لا سابقة له في تاريخ (تركيا الحديثة). هذه الدولة الجديدة كلياً التي قام تأسُيسها الأول انطلاقاً من تجذير قطيعة بنيوية شاملة مع تاريخها السابق، بدءاً من إلغاء صورة معينة وثابتة عن شخصيتها المفهومية طيلة تواجدها الألفي في سياق من التداخل العضوي، مع كل ما كانت تعنيه الحضارة العربية الإسلامية.

القطيعة الأتاتوركية مع العرب لم تكن قراراً سياسياً، ولا حتى أيديولوجياً فحسب، كانت شرطاً تكوينياً محورياً لقيام الأمة التركية الخالصة المتصوّرة بحسب نزعة قوموية استوردها حزب (الاتحاد والترقي) منذ أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، من عصر القوميات الإمبراطورية الصاعدة في أوروبا الغربية. بينما كانت الإمبراطورية العثمانية تعاني مرحلة أفولها في مختلف نواحيها كدولة قروسطية، ومجتمع خليط من قوميات أخرى متنافرة وساعية إلى استقلالها عن السلطنة. كانت حركة التتريك التي قادها الضباط الشباب من قادة ذلك الحزب، تأتي من جهةٍ، كعامل تحريض لشعوب السلطنة، وكرد فعل في آن على تحركاتها الاستقلالية، وفي سياق هذا التفكك المتنامي في جسد الرجل المريض، وهو اللقب الأوروبي لحال تخلف السلطنة آنذاك، كان العرب، وهم القومية الثانية المشاركة للأتراك في بناء الإمبراطورية العثمانية، يعيشون عصر نهضتهم القومية من مدخلها الثقافي والأيديولوجي، ما جعل القادة النهضويين العرب يعتبرون أن حركة التتريك موجهة أساساً ضد الشريك العربي.

كان غلوُّ الاتحاديين بالغاً أوج الإثارة العنصرية في هيكلة الدولة السلطانية، لدرجة حتى أنهم حمَّلوا العنصر العربي مسؤولية التخلف المتفشي في أنحاء كيانهم الإمبراطوري. فحين قامت الثورة العربية الأولى الصاعدة من أرض الحجاز مع بوادر انهزام اسطنبول عسكرياً خلال الحرب العالمية الأولى، لم تكن في نية القيادات العربية آنذاك تدمير الإمبراطورية، لكنهم شعروا أن جماعة الاتحاديين المحيطين بالسلطنة آنذاك، قد فصموا شراكة الأمتين العربية والتركية في بناء الإمبراطورية. كانت نزعة التتريك تهدف إلى قلب الكيان المفهومي المؤسسي للدولة المعولمة طيلة القرون الأربعة السابقة. فالعنصر العربي كان شريكاً أصيلاً في صناعة السلطنة وتاريخها، كان تواجده البشري أساسياً في مختلف مستويات الدولة إدارياً وعسكرياً وثقافياً. كانت الإمبراطورية تمثل في عيون شعوبها المتعددة، المنضوية تحت لوائها، الحلقة الأخيرة من مسيرة الفتوحات الإسلامية. هكذا كانت هذه الشعوب، الاسلامية منها، تسوّغُ تنازلها عن هوياتها العنصرية، بانضوائها تحت قبة الخلاقة الإسلامية، والعرب كان لهم الدور المحوري في شرعنة الخلامة وذلك ليس كأمر واقع فحسب، بل كخيار ضروري، يصبُّ في صميم مشروع العولمة الإسلامية، الذي أبدعوه وخرجوا به من صحرائهم إلى مدنيات العالم القديم المتخلفة، أملاً في صناعة كونية جديدة من العدالة والمساواة أمام الحق.

المهم في هذا الموضوع هو أن إيديولوجيا الكمالية لم تعد وحدها المسيطرة على عقول الأتراك المعاصرين اليوم، سواء على مستوى النخب السياسية والثقافية، أو على مستوى الجمهور الواسع. والعودة إلى الإسلام قد تكون حراكاً استبدالياً لكمالية استنفذت أهدافها، وكان لها نجاحها التاريخي في إنهاض تركيا، جمهوريةً حداثيةً، على أنقاض خلافة تيوقراطية متهالكة إلى سلطنة قروسطية زائلة بسبب أعطالها البنيوية ذاتياً، قبل أن تطيح بها هزيمة الحرب العالمية الأولى التي أجهزت عليها. لكنها أخذت معها كذلك، النسخة الأخيرة عن نموذج الحكم (الأممي) الديني، أو الخلافة الإسلامية للعصور القديمة.

هذه الخلفية التاريخية لا يمكن للذاكرة العربية أن تتجاهلها، بل تفرض نفسها في هذه اللحظة من الانعطافة التركية الأهم في قصة الانتماء المشترك الفعال لكلا الأمتين العربية والتركية في الأقنوم المفهومي والحدثي للحضارة الإسلامية. فمن الصعب أن ينتظر أحد من طرفي هذه الشراكة إلى الانعطافة من زاوية كونها مجرد استجابة لمصالح سياسوية اقتصادوية فحسب. ذلك أن رفيقيْ الدرب الواحد الطويل افتقدا هذه الرفقة، خلال معظم القرن العشرين، وها هما يلتقيان فجأة ومجدداً على ذات الدرب الواحد؛ كأنه لم يفرقهما إلا ليجمعهما ثانية. لكن لن يتعارفا ثانية بحسب المنظار الماضي البعيد، بقدر ما يقرَّان بحجم الاختلافات المكتسبة والطارئة بالنسبة لكل منهما، طيلة الغيبة المديدة عن بعضهما. هذا مع التيقن انه ليس هناك ثمة خلافة دينية عظمى، ولا إمبراطورية عسكرية معولمة، ينتظرها أحدهما من عودتهما إلى بعضهما.

لكنهما معاً يعانيان من لحظة ازدحام زمن العالم بمقاربات الأفول والظهور لإمبراطوريات هرمة متداعية وأخرى شابة صاعدة، في حين تبقى ، وحدَها قارة العرب والإسلام، مبعثرة الأركان والهويات، فاقدة في معظمها، لحس العصر، ولوقتها أو لمكانها من خارطته الغاصّة بكل الآخرين وإنتاجاتهم، ماعدا الذات وخوائها المستديم.

تركيا المحكومة سابقاً بنظام العسكريتاريا الانقلابي، كانت أسيرة لبوصلة التوجه الكلي إلى شمالها الأوروبي. كانت ترى في الالتحاق الذيلي بمولود أوروبا الكبير، باتحادها، المستقبل الضامن لحداثتها، ولاغترابها الكياني والنهائي عن هويتها التراثية. وكان اغتراباً مفروضاً بسلطة الدستور المتشبث بعلمانية مغلوطة، ليست في حقيقتها سوى قناع ثقافوي لقوموية العسكريتاريا القابضة على قمة السلطة والممسكة بمفاتيحها النفعية سياسياً اقتصادياً معاً. فهي المستفيدة من تركة الإنجاز الأتاتوركي، بما حققه بدءاً من إنقاذ تركيا من مصيرها المقرر غربياً، في تقسيمها وتوزيعها استعمارياً، على أثر الهزيمة الحربية؛ كما كان هو مصير بقية المشرق العربي. فقد فاز جيش كمال أتاتورك، المتبقي عن جيوش الإمبراطورية العثمانية المنهارة، بجغرافية الأناضول وساحليه الشمالي والغربي، كوطن لأمة تركية جديدة، خالصة عرقياً، حسب تصور مؤسسها، وإن شاركتها في هذا الوطن شعوب أخرى عديدة، ومتجذرة في ترابها منذ ما قبل قدوم قبائل الجد المغولي القديم (أرطغرل) للأتراك من أقاصي آسيا.

تركيا (أردوغان) ليست نقيضة تركيا أتاتورك. لكنها قد تأتي تصحيحاً لعلمانيتها المبدئية، فلا تتدخل الدولة سلباً أو إيجاباً في خيارات العقائد لدى مكونات مجتعها، بشرط ألاّ تنسحب حيادية السلطة هذه، على خيارات استراتيجيتها، وذلك انطلاقاً من كونها مرآة عاكسة لشخصية أمتها في ماضيها وحاضرها. ولعل ذلك هو الدليل الأيديولوجي الذي صار يقود السياسة الخارجية لتركيا راهنياً، نحو الانفتاحات المتتابعة على قضية العرب الرئيسية، فلسطين. فالحزب (الإسلامي) الحاكم في أنقرة يريد أن يبرهن على أن العلمانية لا تتناقض مع هوية الأمة. وبالتالي لا يمكن للسلطة الحاكمة أن تقف مكتوفة الأيدي إلى الأبد تجاه تعاطف شعبها مع مآسي الشعب الفلسطيني، واتخاذ المواقف الإنسانية، على الأقل، المنتظرة، مع المظلوم ضد الظالم المتجبر الذي هو العدوان الإسرائيلي المستمر والمتصاعد ضد أبسط متطلبات الأمن الفلسطيني وتطلعاته نحو كيانه الحر المستقل.

بالمقابل يستنتج الفكر الاستراتيجي التركي أن المشروع الإسرائيلي ليس له حدود يقف عندها في مساحة المشرق العربي وجواره الإسلامي معاً. فلماذا لا تقوم لهذا المشرق ثمة سياسة متضامنة عربياً إسلامياً ضد المطامع الإسرائيلية المتمادية.

تلك هي بعض بدهيات الواقع الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط بمعناه الأوسع، وكما يجب أن تفهمه شعوبه أولاً، وليس كما تفرضه إرادة أمريكا من ما وراء البحار، أو كما تحلم به إسرائيل الدخيلة على المنطقة، مهما طالت رحلة السرقة الدموية الوقحة لبعض أوطان الآخرين، ولبعض الوعي الدولي المسلوب الإرادة وقوة الحسم معاً.

لا شك أن هذا الدخول التركي العقلاني والحاسم على قضايا منطقته العربية، من محورها المركزي الفلسطيني، سوف يُغير تدريجياً وفي العمق، من قواعد اللعبة الأمريكية الصهيونية المستبدة حتى اليوم بالمنطقة كلياً، والممسكة بتوازناتها الجيوسياسية الراكدة لصالحها، مع ملاحظة أن توقيت هذه اليقظة التركية، والانفتاح المتنامي على قارتها العربية والإسلامية من حولها، وبدءاً من جوارها المشرقي المباشر، ومن الموقع المحوري لسورية بالذات، إنما يجيء في اللحظة التطورية المناسبة لبروز الممانعة العربية، عبر جولات متتابعة من إحباط الارتدادات الأمبريالية الصهيونية على المواقع الصامدة في أنحاء المنطقة.

العرب يتطلعون حقاً إلى ما تعنيه إضافة الحراك التركي إلى مجموع قواههم المشتتة، على أن يكون هذا الحراك نفسه جديراً بالآمال المعقودة على تطوراته الكبيرة المنتظرة. و في كل الأحوال لن يكون مستقبل المنطقة بعد هذا الحراك كما كان كلُّ ماضي المشرق المعذب قبله. فليس التفاؤل المفرط ليستبق الحقبة القادمة بما تحمله من فجائيات السلب والإيجاب، لكنها هي المتغيرات الموضوعية وحدها التي لها حسابها المجدي. لعلّ التحول التركي قد يجاري أمانيه العربية، مع العلم أنه لن يكون في منأى عن الترددات والنكسات. وقد يتوقف الأمر في أساسه على مدى تجذير التحول التركي في أرضه الذاتية، مع النظر إلى كونه خطاً نضالياً معيناً، سيظل سابحاً في خضم تناقضات الداخل التركي وصراعاته الظاهرة والخافية، والثانية هذه قد تكون هي الأدهى.. ربما!

' مفكر عربي مقيم في باريس

===========================

الفارق بين غزة وهاييتي

يوم طوف ساميا

25/01/2010

القدس العربي

في أعقاب الهزة الارضية في هاييتي طرح الزعم بان اسرائيل تسارع الى ارسال المساعدات الى متضرري الكوارث في اماكن بعيدة، بينما تتجاهل معاناة من هم قريبون منها أكثر بكثير الفلسطينيون في غزة والتي هي مسؤولة ايضا عن وضعهم.

بالفعل، المسافة بين غزة وتل ابيب هي ساعة سفر، وبين غزة وسديروت خمس دقائق. بينما المسافة بين اسرائيل وهاييتي هي 14 ساعة طيران. ولكن، المذنب الاساسي في وضع الغزيين هي حماس، والتي بسلوكها الشرير تضحي بسلامة سكان القطاع ورفاههم في صالح حربها ضد اسرائيل. لهذا السبب فان ليس للبعد الجغرافي صلة بمدى العدل الذي في المساعدة.

بداية، ها كم بضع حقائق يجب استيعابها قبل توجيه الانتقاد الى المساعدات للمتضررين في هاييتي. دولة اسرائيل وجيش اسرائيل منحا الغزيين امكانية لاقامة مستشفى ميداني في معبر ايرز (حتى اثناء حملة 'رصاص مصبوب' وبعدها ايضا)، ومن منع ذلك؟ صحيح، حماس الجيش الاسرائيلي نقل مئات الاف الاطنان من الادوية والاغذية الاساسية الى غزة، حتى اثناء اطلاق صواريخ القسام وصواريخ جراد على المدارس والمستشفيات في عسقلان وحماس سلبتها. والسبب في أنه يتم في الانفاق من مصر تهريب صواريخ ومواد متفجرة اكثر من الغذاء الاساسي والادوية هو مرة اخرى حماس. كما أن ادخال مواد البناء لغرض اعادة بناء البنى التحتية في القطاع تمنعه حماس بحجج مختلفة من سلم الاولويات؛ كل ذلك من أجل تخليد الخرائب ولانها تفضل الاستثمار في التسلح اكثر مما في البنى التحتية المدنية.

رغم كل هذا ينبغي لدولة اسرائيل أن تواصل مساعدة سكان غزة بالغذاء وبالادوية، وبالتوازي استخدام قوتها العسكرية في محاولة لمواصلة حماية سكان دولة اسرائيل بكل وسيلة ضد نار حماس والمس بها وبكل عدو آخر دون رحمة.

بالنسبة للمساعدات في العالم هناك على الاقل ثلاثة اسباب من أجلها من الصحيح تقديم المساعدة في كل مكان لمتضرر الكوارث الطبيعية وجرائم المنظمات الوحشية: الاول هذا ما يميزنا عن شعوب كثيرة اخرى الثقافة والتقاليد اليهودية، التي تأمرنا برعاية الناس وليس فقط في اسرائيل. الثاني، نحن بقايا شعب على مدى الفي سنة عانى وطورد بينما العالم صامت. الثالث، وضع اسرائيل في الرأي العام في العالم ليس لامعا وافعال من هذا القبيل يمكنها أن تحسنه. مساعدة متضرري الكوارث في ارجاء العالم تعرض اسرائيل مختلفة عن تلك التي تعرض في وسائل الاعلام، بشكل مغرض، كمن تقمع الشعوب وتقتل المدنيين الابرياء. المساعدة التي تصل من اسرائيل الصغيرة تعزز الطوائف اليهودية في العالم. وجود علم، ضابط، جندي، طبيب من اسرائيل الصغيرة يبث الى الامم الاخرى رسالة باننا اذا كنا نحن نستطيع فانتم ايضا تستطيعون. في اعقاب انهيار الجهاز الاعلامي الاسرائيلي، فان اعمالا كهذه من المساعدات الانسانية في مناطق الكوارث تبقى تقريبا الوسيلة الوحيدة لتحسين مكانة اسرائيل في الرأي العام العالمي.

اولئك الذين يواصلون الانتقاد لعدم استعداد اسرائيل المزعوم لمساعدة سكان غزة يجب أن يأخذوا بالحسبان ان يحتمل ان يكونوا بذلك يعززون الاتهامات العابثة لحماس وطريقها طريق النار على المدارس، المستشفيات، تجويع السكان الفلسطينيين واستخدام المستشفيات كغرف حربية. هذا بالطبع ليس استنتاجا بحثيا بل مجرد مادة للتفكير.

هآرتس 24/1/2010

==========================

هايتي – غزة

بثينة شعبان

الشرق الاوسط

25-1-2010

كتب أكيفا ألدار في جريدة «هاآرتس» الإسرائيلية (18 يناير/ كانون الثاني 2010) مقالا بعنوان «تعاطف إسرائيل مع هايتي لا يخبئ وجهنا القبيح في غزة»، شرح فيه التناقض بين حملة العلاقات العامة التي يقوم بها حكام إسرائيل الحاليون المتورطون في جريمة الإبادة، المتمثلة بالحصار على غزة، في معالجة وإنقاذ المتضررين من كارثة الزلزال في هايتي، وبين اللامبالاة التي يعبّر عنها هؤلاء حيال المعاناة اللإنسانية المستمرة لأهالي غزة الذين يموت منهم يوميا أطفال ونساء وشيوخ، بسبب نقص الدواء والعلاج في المستشفيات المدمرة، وبسبب المجاعة التي يسببها الحصار وضرب الأنفاق وبناء الحواجز والجدران المانعة لوصول الغذاء والدواء للمدنيين العزل في غزة. وكتب لاري دير فنر في «الجيروزاليم بوست» (20 يناير/ كانون الثاني 2010) عن المساعدات التي يسارع حكام إسرائيل إلى إيصالها إلى المناطق المنكوبة بالكوارث الطبيعية والبشرية من هايتي حاليا إلى رواندا قبل سنين وبكفاءة عالية، بينما يشعر الإسرائيليون بالعار حيال ما يجري في غزة على أيدي حكومتهم، وتساءل عن أسباب هذا التناقض بين كفاءة حكومة إسرائيل في الإنقاذ والمعالجة في أي نقطة تقع بها كارثة في العالم، وتجاهلها للكوارث المشينة التي يسبّبها حكام إسرائيل المتعاقبون للمدنيين الفلسطينيين. وكتبت كاترين فيليب في جريدة «الصنداي تايمز» (21 يناير/ كانون الثاني 2010) تحليلا توضح فيه أن حكومة إسرائيل استغلت الكارثة في هايتي لشن حملة علاقات عامة تغطي بها على جرائم الحرب المشينة التي وردت في تقرير غولدستون بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، وخلصت إلى القول إن الزلزال كان حدثا كارثيا من صنع الطبيعة، لا الإنسان، بينما انهيار النظام الصحي في غزة، ومعاناة أهل غزة من الجوع والدمار، نتيجة الحصار الذي تفرضه إسرائيل وحلفاؤها على المدنيين في غزة.

لقد أصبحت حياة المدنيين الفلسطينيين العزل في غزة وباقي أجزاء فلسطين، سلعة للعلاقات العامة، إذ إن حياة الفلسطينيين لا قيمة لها في نظر الإسرائيليين إلا بقدر ما تلحق الضرر بمصالحهم وصورتهم في الغرب، ولذلك فهم يمنعون الإعلام والسياسيين والدبلوماسيين وناشطي حقوق الإنسان من الوصول إلى غزة، كي لا يساهموا في إلقاء الضوء على الواقع المشين للحصار في نظر الرأي العالم العالمي، كي يتمكنوا من ترويج أكاذيبهم عن حرصهم على إنقاذ حياة البشر في مكان ما، التي لا ينافسها سوى قدرتهم على تدمير حياة، ومستقبل، وحرية، وكرامة الملايين من البشر في فلسطين فقط لأنهم ليسوا يهودا.

لقد أصبحت مساعدة المنكوبين بالكوارث اليوم، مناسبة لشنّ حملات للعلاقات العامة، أو لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية مبيّتة، وبقي الإنسان الذي يقع ضحية الزلازل والكوارث والاحتلال والقمع والإرهاب، ضحية، مرة أخرى، لحملات تستخدم مأساته لتحقيق مآرب أخرى لا علاقة لها بقيمة الإنسان وأهميته وقدسية حياته وكرامته وعزة نفسه. فبعد أن كتب الصحافي السويدي بوستروم عن قتل جيش إسرائيل شبانا فلسطينيين عن قصد من أجل سرقة أعضائهم، تسرّبت أنباء أخرى عن سرقة إسرائيليين لأطفال من أوكرانيا من أجل سرقة أعضائهم، وها هي التقارير ترد مرة أخرى من هايتي وتشير إلى حصول سرقة أعضاء هناك على أيدٍ إسرائيلية، بعد أن نشرت أخبار موثّقة ومصوّرة لهذه العملية، دون أن تتحرك العدالة الدولية لوضع حدّ لهذه الممارسات المجرمة بحق أناس أبرياء، لا حول لهم ولا قوّة. كما استغلت الولايات المتحدة الأميركية الفوضى العارمة في هايتي لإحكام سيطرتها على الجزيرة، والتحكّم بما يدور فيها، كي لا تفلت من قبضتها في المستقبل، وهكذا نرى أن الكارثة التي أحلّت بأهالي هايتي مثلت فرصة لأطراف أخرى للتحرك على مستوى العلاقات العامة، أو على المستوى السياسي والعسكري، لقلب الحقائق، وإبراز صورة جميلة لمسبّبات معاناة البشر في بقع مختلفة من العالم. وفي هذا الصدد أيضا لا بد من أن نلحظ تقصير الدول العربية في هذا المجال، ليس في المساعدة والإنقاذ فقط، بل في اتخاذ المبادرات التي تضع الأمور في نصابها الصحيح، وتحبط محاولات الأعداء الذين لا يألون جهدا في دفن آلام شعب فلسطين ومعاناته، بعيدا عن الإعلام، وعن الرأي العام العالمي، وعن الضمير الدولي، بل يستخدمون نكبة هايتي من أجل التغطية على جرائمهم والتخفيف من عواقب تقرير غولدستون، ومن بداية الحملة الدولية من أجل نصرة شعب وأهل فلسطين.

إن التناقض في الموقف الرسمي الإسرائيلي من منكوبي هايتي، مع منكوبي حصار غزة، والحرب على فلسطين المتواصلة منذ أكثر من ستين عاما، هو تناقض يجب الإشارة إليه وشرحه وتوضيحه، خاصة أن إسرائيل تسرع إلى أي منطقة منكوبة في العالم، من رواندا إلى هايتي، للتغطية على النكبة الكبرى التي سبّبتها لشعب آمن في أرضه ودياره. فمعاناة أهل هايتي ناجمة عن عمل الطبيعة، بينما معاناة أهل غزة نتيجة مباشرة لقصف حاقد وعنصري، وإلقاء قنابل فسفورية، وتدمير المدارس والمشافي والمنازل، كما أن معاناة أهل حي سلوان وحي الجراح في القدس، هي نتيجة مخطط عنصري استيطاني، لا يرى من البشر غير اليهود، تخططه وتنفذه قوى إسرائيلية حاقدة تؤمن بالتفوق العرقي وبالتعصب الديني، وتمارس أبشع أنواع العنصرية ضد الملايين من شعب فلسطين، حيث تفرض عليهم عقوبات جماعية غير مسبوقة في التاريخ، وتمنع وسائل الإعلام وأصحاب الضمائر الحرّة من الوصول إليهم، للوقوف على معاناتهم وإيصال آلامهم إلى ضمير العالم، أملا في التجاوب والمساندة وتقديم الحلول، بالإضافة إلى الجرائم الإسرائيلية اليومية، التي تتمثل في القتل، والاعتقال، والتعذيب، وقلع الأشجار، ومصادرة الأراضي، وتدمير المنازل، وتهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم. هناك لغة يستخدمها كل من يتغاضى عن هذه الجرائم ولا يعترف بآلام ضحاياها، وكأنهم ليسوا من طينة البشر، هذه اللغة التي تدمج القاتل بالمقتول، والجلاّد بالضحيّة، بحيث لا نسمع من قادة العالم «المتحضرين»، ومن المعنيين بإطلاق عملية سلام، خصوصا في المنطقة، سوى الحديث عن «الإسرائيليين والفلسطينيين»، و«واجبهما» تجاه إطلاق عملية السلام في مساواة واضحة بين الضحية والجلاد، الأمر الذي يخفف من ردود الفعل ضد المعتدي، ويغيّب حقيقة المشكلة، التي هي احتلال وعدوان، وإجرام إسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني برمّته.

وإلى حدّ الآن، لم تصل لغة قادرة على توصيف هذا الصراع إلى ضمائر البشر وقلوبهم في كلّ مكان، بل أصبح التعامل مع أقدس حق من حقوق الإنسان، وهو حقه في الحياة والعيش الكريم، وحقه في الحرية، سلعة لحملات العلاقات العامة، وعرضة للتشويه والمصادرة. إن دل هذا على شيء فإنما يدل على انحدار مستوى الشعور بالمسؤولية والتشويه الذي لحق بالعمليات السياسية في السنوات الأخيرة. لا شك أن ما يحتاجه العالم اليوم هو جرأة في الطرح وحرص حقيقي على سلامة الإنسان وكرامته حيثما كان هذا الإنسان. أما أن تصبح الزلازل وإغاثة المنكوبين فرصة للتغطية على جرائم حرب وعلى أساليب قتل واضطهاد، فهذا أمر غير مسبوق في السياسة الدولية التي تتسم اليوم بخلق عالم مستقل في الإعلام عما يجري على أرض الواقع. من هنا يزداد حجم المأساة ويطول أمد المعاناة، وذلك لصعوبة إيصال الصورة الحقيقية لما يجري إلى ضمائر البشر. حتى السماح للمهتمين بالاطلاع يصبح عرضة للمساومة، وذلك بسبب الحسابات الدقيقة للأهداف السياسية لما يتم القيام به. من هنا فإن الإعلام يتحدث عن واجب الفلسطينيين والإسرائيليين تجاه عملية السلام متناسين أن الفلسطينيين هم أسرى احتلال عنصري يمارس عليهم العقوبات الجماعية وطرق الإبادة الجماعية، بينما ينشغل الآخرون بحملات دعاية وإعلان لمنع إحقاق العدالة وتحقيق الطموحات المشروعة لشعب أعزل يبغي العيش بحرية وكرامة.

=============================

برامج عمل الأحزاب والمنظمات ومسألة التنمية الأهلية

بقلم : د . عبد اللطيف عمران

البعث

25-1-2010

تحظى مسألة التنمية باهتمام بالغ في عمل الأحزاب والمنظمات والحكومات. والمتغيرات المتسارعة في عالم اليوم، ولاسيما في منطقتنا، تتطلب حضوراً أساسياً لأسئلة التنمية والاستقرار والتطوير، فالحيوية المجتمعية المعاصرة تفرض حيوية سياسية، وهمّاً وطنياً تشاركياً لمجابهة التحديات المتنوعة، وقد ركّز تقرير المعرفة العربية لعام 2009 على ضرورة التلاحم بين العناصر المكوّنة لثلاثية: المعرفة والتنمية والحرية، وكذلك تشير تقارير التنمية الانسانية إلى بؤس الواقع التنموي العربي باتجاهاته كافة، وإلى تداعيات هذا ومنعكساته على مستقبل المجتمع والوطن والأمة.

وفي هذا المجال تبرز أهمية منطلقات الأمانة السورية للتنمية التي تأسست عام 2007 بمبادرة من السيدة أسماء الأسد، وعقدت مؤتمرها الأول أمس تحت عنوان: دور المجتمع الأهلي في التنمية، وهو أول مؤتمر يقوم به، ويحضره ممثلو المجتمع الأهلي في سورية، انطلاقاً من فكرة الحاجة الى انضواء الجميع في عملية التنمية، على أساس من التكامل والتشاركية، وانخراط كل قطاع في مجال لا يمكن للقطاع الآخر أن ينهض به، بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وإيماناً بأن وجود جمعيات خيرية وتنموية هو رديف للمبادرات الحزبية والحكومية والنقابية، ومكمّل لتوجهاتها الوطنية.

ومن أهم أهداف الأمانة السورية للتنمية، ومؤتمرها الأول، إثارة وعي المجتمع السوري بالمجتمع الأهلي، وقدرته على التكامل مع القطاعات الأخرى التي لكل منها طريقه الخاص إلى التنمية، دون وجود قوالب جاهزة أو ايديولوجية مقرّة سلفاً تقدّم دليل عمل لأي طرف من الأطراف، فالعمل الناجح في القطاع الأهلي مقترن بالقدرة على استشفاف مشاكل المجتمع عن قرب، ومن الداخل، وبالانفتاح على خصائص الحياة الداخلية، وصدق الإحساس بها، وبالحاجة إلى مستويات تقنية وإدارية متطورة، وإلى التعاون المستقبلي في الجمعيات والقطاعات المماثلة في المنطقة والعالم.

فقضايا التنمية متداخلة عالمياً، وهي بحاجة الى قاعدة واسعة من العمل المشترك، فلا أحد يتمكّن من معالجة مشاكله بمعزل عن الآخرين، ولهذا تصير الدعوة المفتوحة لجميع العاملين في مجال التنمية في القطاعات العامة والخاصة والأهلية دعماً لسياسات التنمية الوطنية، لأن تحديات التنمية في سورية أكبر من أن تقوم بها جهة واحدة.

وسورية بأحزابها الوطنية التقدمية، وبمنظماتها الشعبية ونقاباتها المهنية، تحمل مشروعاً واضحاً بأبعاده الوطنية والقومية والإنسانية، وتجابه تحديات عديدة معروفة، ولها تقاليدها الحيّة والفاعلة التي منحت مجتمعنا الحصانة، وحققت قفزات نوعية في تصديها للأحداث -كما ورد في كلمة السيدة أسماء الأسد في افتتاح المؤتمر، وأهمية الكلمة تتطلب إعادة قراءة ومراجعة- هي اليوم أكثر إدراكاً وجدّية لضرورة العمل على دعم وتمكين القطاعات كافة للنهوض بمسألة التنمية التي هي أساس الاستقرار والقوة والمنعة لدولة منيعة ومجتمع وطني فاعل وقوي.

ومنذ مطلع السبعينيات اهتمت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي بالتعددية الحزبية والاقتصادية، وسجّلت منعطفاً جديداً في الانفتاح على كافة مكونات الحياة العامة، ووسّعت مساحات العيش المشترك والتكافل والتضامن الاجتماعي، ورسّخت الوحدة الوطنية، وحققت الأحزاب والمنظمات والنقابات إنجازاً ملموساً في استقرار البلاد وتطويرها ومنعتها، ولايزال هذا مقترناً بمسيرة البناء والصمود والتطوير التي يقودها السيد الرئيس بشار الأسد، حيث تمكّنت البلاد من التغلب على آثار المنعكسات السلبية لظروف صعبة جداً عاشتها وتعيشها منطقتنا، وهو مقترن أيضاً بالثقة بالشعب وبأطياف المجتمع الوطني العروبي الأصيل.

وهذا يوضح أهمية رؤية الدولة وتوجهاتها نحو أهمية المشاركة المجتمعية الواسعة لتوفير الاستثمار الأمثل لكافة الموارد البشرية والمادية، وعلى أساس من التعاون والتكامل.

ومن الجدير بالذكر أن الجمعيات المشاركة في هذا المؤتمر أنجزت دراسة واقعها وأهدافها ومتطلبات نجاح عملها بوضوح، وبعضها يمتلك أسباب النجاح بكوادره المؤهلة، وبقدرته على التواصل والانفتاح، وإذا كان أغلبها الآن خيرياً ينطلق من البر والإحسان «10٪ من الجمعيات صحية، 3٪ علمية، 2٪ بيئية، 5٪ صداقة..» فإن هناك الآن توجّهاً لتغليب طابع التنمية المستدامة على الطابع الخيري، ولترسيخ نظام اعتمادية موثوق يبيّن قدرة هذه الجمعيات على النهوض بأهدافها،.. ويبقى المهم في عملها إمكانية الانتقال من الصبغة الأهلية الى «الصبغة المدنية» هذه الصبغة التي يجب أن تستقر وبوضوح.

إن أحزابنا الوطنية والمنظمات والنقابات التي نهضت بواقع الحياة العامة في سورية أمام رديف جديد اليوم يملك دينامية وطاقات متنوعة، وأمام سؤال مشروع يرصد الحاجات والتحديات والتطلعات. وسيتمكن الحزب القائد للدولة والمجتمع، ولاسيما في مؤتمره القادم، أن يواكب هذا الواقع وينهض به، وأن يطوّر في ضوئه منطلقاته الفكرية، وأساليب عمله وتنظيمه، ولاشك في أن هذا لن يغيب عن جدول أعمال المؤتمرات العامة القادمة للمنظمات والنقابات أيضاً.

البعث

===============================

هل سورية مستعدة للتعامل مع المنظمات غير الحكومية؟

لينا سنجاب

بي بي سي دمشق

25-1-2010

يعتبر (المجتمع المدني) مفهوما حديثا نسبيا في سورية

أرسلت سورية أشارة قوية بأنها مستعدة للتعامل مه المنظمات غير الحكومية والمنظمات المعنية بالتنمية من أجل ترقية مجتمع مدني أكثر فعالية.

في نهاية الاسبوع الماضي دعت أسماء الاسد زوجة الرئيس السوري، خلال مؤتمر في دمشق شهدته العديد من الوفود الدولية، المواطنين السوريين لأن يكونوا أكثر مشاركة في معالجة تحديات البلاد الاجتماعية والاقتصادية.

وقالت أسماء الأسد لبي بي سي "تتشارك الحكومة مع تلك المنظمات (غير الحكومية) لتطوير أفضل استراتيجية تنموية للبلاد، وهذا جزء من منهج أكثر شمولا للتنمية يعتمد بوضوح على فكرة أن حزبا واحدا لا يستطيع فعل ذلك بمفرده".

ويعتبر مصطلح المجتمع المدني مفهوما حديثا نسبيا في سورية، حيث مارست الحكومة لفترة طويلة رقابة محكمة على مشاركة المنظمات غير الحكومية.

1500 منظمة

وتنشط في سورية مجموعة محدودة من المنظمات مقارنة بالدول المجاورة؛ حيث توجد في البلاد حوالي 1500 منظمة مقارنة ب5000 منظمة في لبنان.

لكن عدد تلك المنظمات آخذ في تزايد حسب احصائيات السلطات السورية.

وترى أسماء الأسد أن هذه الزيادة "تعبر عن إرادة سياسية، وإلا لما كان لها أن تزيد".

ويقول اللورد مارك براون المتحدث الرئيسي في المؤتمر -وهو مستشار في المنتدى الاقتصادي العالمي- إن المنطقة بكاملها تواجه "عاصفة متجمعة" من المشكلات المجتمعية بالإضافة إلى النمو الاقتصادي الضعيف، ومعدلات العطالة العالية، ومستويات التعليم المتواضعة.

ويضيف براون "يجب أن يكون المجتمع المدني شريكا للدولة وجزءا لا غنى عنه في عملية التنمية".

تشكيك

وترى أسماء الأسد أن مثل هذه المنظمات تلعب دورا هاما في بعض المجالات التي كان يعتقد من قبل أنها حكر على دور الدولة فقط.

وتضيف قائلة "الشىء الأكثر أهمية هو الدور الذي تلعبه هذه المنظمات والتأثير الذي يصنعونه على الأرض".

لكن البعض يشككون في أن الحكومة السورية ستسمح بالفعل لمنظمات مستقلة بتطوير دورها داخل البلاد.

ويرى رامي خوري مدير أحد المعاهد العاملة في مجال السياسة العامة ببيروت أن المؤتمر يمثل إشارة مهمة، لكن الزمن وحده هو الذي سيحدد إمكانية حدوث تغير فعلي.

ويضيف "هذه لحظة يجب فيها على المجتمع المدني والقطاع الخاص أن يتحدوا بصورة ايجابية ليروا إلى أي مدى ترغب الحكومة في فتح المجال".

قبل ثلاث سنوات

كما ترى بعض المنظمات المحلية أنه لا يزال من الصعب العمل داخل سورية.

وترى مايا رحابي إحدى مؤسسات جمعية تعنى بالدفاع عن المرأة أنه لا يوجد مجتمع مدني حقيقي في سورية.

وتقول رحابي "لقد تقدمنا بطلب للتسجيل قبل ثلاث سنوات ولم نتلق أية إجابة إلى الآن".

لكن الحكومة السورية تقول إنها تعمل على إصدار تشريع جديد سيجعل عمل أشخاص مثل مايا أكثر سهولة في المستقبل.

من جانبها تأمل مايا في أن يسمح هذا القانون الجديد وهذا المؤتمر للمنظمات غير الحكومية بالعمل بحرية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ