ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 24/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


دلالات ما قاله اوباما لمجلة تايم

Sami.z@alrai.com

سامي الزبيدي

الرأي الاردنية

23-1-2010

«هذه مشكلة كلما سعيت لحلها تزداد صعوبة» هذه ليست جملة عابرة قالها رجل عابر بل هي جملة قالها باراك اوباما لمجلة تايم الخميس الفائت في سياق اعتذاره عن رفعه سقف التوقع بشأن ايجاد حل سلمي في الشرق الاوسط.

اذا ماذا يعني ان يعترف الرئيس الاميركي بفشله في ايجاد حل لمشكلة كبرى؟ ان ذلك يعني ان شيئا ما ينبغي ان يحدث على الارض كي تتغير الوقائع الصعبة التي تقف حائلا امام السلام، والخشية ان تغيير الوقائع لا يتأتى الا بالعنف أي اخشى ان تكون كلمات اوباما مقدمة او دعوة لجولة جديدة من المواجهة.

 

قد يقول ساذح ان كلام اوباما القانط يندرج في سياق الضغوط على الطرف الاسرائيلي وهو استنتاج قد نسمعه قريبا في سياق الاندلاق الى أي طاولة مفرودة للسلام بيد ان حديث الرئيس ليس اكثر من عملية تبديل للاولويات في البيت الابيض واعطاء القوى الفاعلة في الاقليم فرصة اعادة حساباتها بما يؤهلها لاعادة الكرة بحثا عن سلام وقد يكون خيار الحرب واردا.

منذ وستفاليا 1648 وحتى اليوم لم يصنع السلام الا في ذيل حرب دامية لذلك فان سلاما لا ينهي حرباً ليس بسلام لانه ليس ضرورة والسلام الذي يبحث عنه ميتشل ليس سلاما لانه لن يعيد انتشار قوات ولن يفصل اشتباكا وبالتالي فان طرفا على الاقل لا يشعر بضرورته.

مع بداية كل عقد تشهد منطقتنا حربا شاملة تتوسطها حروبا صغيرة ولا يمكن اعتبار حربي اسرائيل على حزب الله 2006 وعلى حماس 2009 سوى جولات في سياق مواجهات بالنيابة مع قوى اساسية في المنطقة وهي معارك اظهرت حدود قوة اسرائيل دون ان تنهي خطر الخصوم أي انها لم تغير في الميزان الاستراتيجي سوى اظهار حدود قوة اسرائيل.

نعود الى ما قاله أوباما لمجلة تايم فالرئيس الاميركي رئيس الدولة الوحيدة القادرة على ممارسة الضغط على الطرف المحتل ،أي اسرائيل، وحين يقول: « اعتقد أنه من الانصاف أن أقول أن كل جهودنا للتعامل المبكر لم تكن حيث أردت لها أن تكون ... ولو كنا توقعنا قدرا من هذه المشكلات السياسية لدى الجانبين في وقت سابق ربما كنا لم نثر توقعات كبيرة هكذا.» علينا ان نرقب ما يجري على الارض فمراقبة الشفاه انتهت تماما مع اخر كلمة قالها اوباما في مقابلته مع مجلة تايم.

=======================

السلام... بين الحقيقة والخيال

السبت, 23 يناير 2010

عيد بن مسعود الجهني *

الحياة

مر على مفاوضات السلام مع إسرائيل في أوسلو ومدريد 18 سنة، وطوال تلك الفترة لم تحرز القضية الفلسطينية أي تقدم بل ظلت (محلك سر)، وخلال فترة الانتخابات الأميركية أسرف أوباما في وعوده الطيبة عن السلام والعدل، وقد تفاءل العرب خيراً وانتظروا ثمار تلك الوعود وعندما جاء الرجل إلى سدة الحكم استمر في وعوده فأعلن في خطابه في جامعة القاهرة الذي وجّهه إلى العرب والمسلمين أن بلاده لم تقبل بسياسة الاستيطان الإسرائيلية وان القدس هي موطن لكل الديانات، وبعث ممثله إلى الشرق الأوسط ميتشيل لحل معضلة الصراع العربي - الإسرائيلي.

واليوم وبعد مرور أكثر من عام على تولي الرئيس الأميركي مقاليد الحكم في بلاده، كانت النتيجة (صفراً) وسيبقى هذا (الصفر) مصاحباً للعرب في قضيتهم الأولى كما يدّعون، إذاً، لِمَ ينهضوا ويشمروا عن سواعدهم إذا كانت لهم سواعد للدفع بقوتهم الناعمة على الأقل لبناء قوة ديبلوماسية تنبع من وحدة هذه الأمة التي اعتراها الضعف حتى أصيبت بالشلل، لتؤكد دورها الفاعل في العلاقات الدولية للضغط على موجهي القرارات الدولية، وفي مقدمهم ماما أميركا والدول الخمس صاحبة (الفيتو) والاتحاد الأوروبي.

هذا إذا أراد العرب والمسلمون الوقوف في وجه الكيان الصهيوني الذي زرعه أعداء الأمتين العربية والإسلامية في جسد الأمن القومي العربي ليصبح مصدراً رئيساً للألغام المدفونة التي تتفجر من حين إلى آخر منذ قرار التقسيم عام 1947، ثم تأسيس الدولة العبرية عام 1948 بقرار من الأمم المتحدة رغم أنف العرب، لتقام دولة اسرائيل على ارض لا تملك فيها ذرة رمل واحدة، وهي منذ قيامها حتى اليوم تضرب بقرارات المنظمة التي وافقت على تأسيسها ومجلس أمنها عرض الحائط.

إسرائيل التي أصبحت دولة نووية تحتل المركز الخامس بين الدول النووية خلال فترة وجيزة من الزمن، بينما العرب لا يزالون يعتمدون على استيراد السلاح من الشرق والغرب، وانطلاقاً من الشعور بالقوة شن الكيان الصهيوني حروباً عدة على العرب منها حرب 1956 (العدوان الثلاثي) على مصر ثم حرب الأيام الستة عام 1967 وحرب 1973 والحرب على لبنان عام 1982، ثم عام 1996 و 2006 وكانت آخر تلك الحروب الجائرة ولن تكون الأخيرة محرقة غزة لتلحق بمجازر صبرا وشاتيلا ودير ياسين وجنين وقانا وغيرها من المخازي الإسرائيلية، فإسرائيل التي تملك القوة تضرب ضرباتها الموجعة بينما العرب لا حيلة لهم ولا قوة ولا يملكون سوى الصراخ وانتظار فجر السلام الذي طال انتظاره وسيبقى حلماً يراود العرب يتكسر على صخرة القوة والصلف الإسرائيلي.

ولا يزال العرب أهل الكرم والشهامة والنخوة والشجاعة يبحثون عن السلام شرقاً وغرباً، لكنهم لا يحصدون الا سراباً ومن يهرول وراء السراب سوف يحصد الندم. إن العرب يتوهمون أن السلام المنشود سيخرج يوماً من رحم قرارات الأمم المتحدة ومجلسها السيئ الصيت فكم أصدر المجلس من القرارات، ولكننا نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً، ومن تلك القرارات القرار رقم 242 الذي أصدره مجلس الأمن بتاريخ 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 بعد النكسة والقرار رقم 252 لعام 1968، والقرار 271 تاريخ 15 أيلول (سبتمبر) 1969 الصادر عن المجلس إثر محاولة اسرائيل إحراق المسجد الأقصى والقرار رقم 267 تاريخ 3 تموز (يوليو) 1969.

ليست تلك هي القرارات الوحيدة التي صدرت ضد اسرائيل فما صدر عن المنظمة (الضعيفة) ومجلس الأمن يملأ الرفوف وكلها تدين اسرائيل، لكن كان مصيرها كلها مزبلة التاريخ.

إن القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس أمنها تعكس القانون الدولي والشرعية الدولية والعرف الدولي، وميثاق المنظمة القائم على دعم السلم والعدل الدوليين، لكن صدور القرارات شيء والتنفيذ شيء آخر، ومن يدقق في تلك القرارات حول القضية الفلسطينية والقدس الشريف يجد انها تدين بقوة احتلال إسرائيل أراضيَ العرب. فالقرار 242 الذي صدر بالإجماع دان إسرائيل لحربها العدوانية على مصر والأردن وسورية، والقرار 271 وصف ما قامت به الدولة العبرية ضد القدس بأنه عمل مشين، وقرار المنظمة 2253 تاريخ 4/7/ 1967 أكد أن ما قامت به اسرائيل لتغيير الوضع في القدس الشرقية يعتبر عملاً باطلاً لا يعتد به، والقرار الذي طلبت فيه الجمعية من إسرائيل التنفيذ الفوري لقرارها السابق 2254 تاريخ 14/7/ 1967، ونحن نجد ان القرارات الصادرة عن المجلس تبدو عادلة فمنها الذي دعا اسرائيل الى الغاء كل ما اتخذته من تغيير في وضع القدس من طريق القوة وعدم تغيير معالمها، ومنها عدم الاعتراف بضم القدس واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل، وطالب المجلس الدول الأعضاء بالمنظمة بسحب بعثاتها الديبلوماسية من القدس باعتبار ان القدس ارض محتلة بالقوة.

لكن ما هو مصير كل هذه القرارات وغيرها التي صدرت عن المنظمة ومجلس الأمن؟ لقد كان مصيرها الإهمال التام بل الازدراء من إسرائيل فهي لم تنفذ قراراً واحداً ابتداء من القرار الصادر في تشرين الثاني 1947 الخاص بالموافقة على مشروع تقسيم فلسطين والقرارات الخاصة باللاجئين الفلسطينيين والقدس الشريف والقرارات اللاحقة، وستبقى اسرائيل في ظل ضعف العرب وتشتتهم ودعم الإدارات الأميركية المتعاقبة والدول الكبرى، إسرائيلَ دولة متجبرة متكبرة معتدية تدوس على حقوق الفلسطينيين والقرارات الدولية بالحذاء القديم وستبقى قضية فلسطين والقدس من دون حل، بل ستنفذ ما تريده في القدس السليب تحت سمع العرب وأبصارهم ولا عزاء للضعفاء!

وستبقى إسرائيل تمارس أفعالها الاستعمارية والاستيطانية في الأراضي المحتلة، وسيستمر عدوانها على القدس وإجراء الحفريات تحته وحوله ومن كل جانب وتهجير أهله وإحلال اليهود المتطرفين مكانهم، ولن يكون قرار المجرم نتانياهو لتشييد 900 وحدة سكنية استيطانية عنصرية جديدة في القدس الشرقية الأخير فستتلوه إجراءات وإجراءات قد تؤدي إلى هدم بيت المقدس نفسه، ومع هذا تتحدث إسرائيل بخبثها الصهيوني عن السلام معتمدة على دعم بلاد العم سام المستعدة دوماً لنقض أي قرار يصدر عن مجلس الأمن كلما تعلق الأمر بالفلسطينيين والقدس.

وتشارك أميركا إسرائيل في الأكاذيب وذر الرماد في العيون من اجل (تنويم) القضية، ومن ذلك ان بوش الصغير غير المأسوف عليه كان قد أعلن انه عقد العزم على اعلان الدولة الفلسطينية وانصرف الرجل بعد ان صفق له كثيرون ولم يفعل سوى دعمه الصارخ لشارون الجزار ومن جاء بعده، وإذا كان السيد اوباما أكد ما أعلنه سلفه فإن السلام يبقى بين الحقيقة والخيال في الشرق الأوسط في غمار الأحداث والصراعات والتفاعلات التي تحولت فيها المنطقة إلى منطقة ملتهبة تحتدم فيها المشكلات وتشدنا معها ومنها احتلال العراق الذي قدمه بوش هدية إلى اسرائيل وايران.

وفي خضم هذا الجور والظلم كان المتوقع ان يتحد أبناء فلسطين، ولكن ما حدث كان محيراً لأصحاب العقول والألباب اذ استعرت الحرب بين «حماس» و «فتح» وأخذتا تتناطحان على سلطة وهمية حتى تكسرت (القرون) وسالت الدماء فانقض عليهم العدو ليحدث محرقة غزة الكبرى.

لا شكّ ان الصورة قاتمة وتصيب النفس بالإحباط واليأس، فالمجتمع الدولي الظالم يدعم إسرائيل على طول الخط وضد العرب (الضعفاء) على طول الخط، والفلسطينيون يشتد بينهم العداء ويكيد بعضهم بعضاً ويضرب بعضهم بعضاً والعرب نال منهم التمزق والتشتت، واسرائيل القوة النووية الضاربة تمزق كل اتفاق سلام يقدمه العرب، وخريطة الطريق ضلت الطريق وميتشيل قضى حوالى عاماً ولم يسجل نقطة واحدة في مرمى السلام، وإسرائيل (القوة) تصر على كل مطالبها وترفض مطالب الآخرين (العرب) الضعفاء.

إسرائيل تريد ان تجمع الأرض والسلام والأمن وشرعية البقاء، لأنها قوة كبرى في الشرق الأوسط ولأنها تدرك أن لا احد يستطيع ان يمنعها، فالمجتمع العالمي منحاز انحيازاً سافراً لها، والعرب لا يملكون (القوة) ومن لا يملك (القوة) عليه قبول ما تفرضه إرادة المعتدي، ومع هذا الثالوث قوة إسرائيل، وانحياز العالم، وضعف العرب.

يبقى السلام واستعادة الحق السليب مجرد أمنيات وأضغاث أحلام، وجرياً وراء السراب وما سمعنا أن أحداً أدرك السراب يوماً.

* رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية.

=======================

المؤسسة الأمنية في سورية ... تصنع الخوف لا الأمن

زين الشامي

الرأي العام

23-1-2010

أخبرني أحد الأطباء السوريين الذين يعملون في فرنسا خلال صدفة جمعتني به منذ أيام في مقهى دمشقي، وهو بالمناسبة يعد أحد أبرز وأمهر الأطباء هناك، أنه يتابع كل ما يُكتب في الشؤون الثقافية والسياسية العربية، خصوصاً ما يتعلق في الشأن السوري، ويقرأ ويتابع حتى «التفاصيل التافهة» التي لها علاقة بسورية، لأنه لم يستطع أن ينسى، ولو ليوم واحد، بلده رغم الأعوام كلها التي قضاها في فرنسا، ورغم النجاح كله الذي حققه. لكن وجه هذا الطبيب يكتسي لوناً وتعابير جديدة حين يتحدث عن سفره كل عام أو عامين إلى سورية.

أخبرني متأثراً: «أشعر بالخوف والقلق في كل مرة أسافر إلى الشام. أخاف أن أذهب وألا أعود، وحين أصل إلى مطار دمشق يزداد خوفي وقلقي. أشعر أن الدقائق أصبحت ساعات طوال، وأشعر في ارتفاع فجائي بضغط الدم، مما يضطرني، لأن أبتلع حبة مهدئة قبل النزول من الطائرة».

وعندما سألته فيما لو كان هناك أي «وضع أمني» له عند الأجهزة الأمنية هو ما يجعله يشعر بالخوف؟ أجابني بالنفي قائلاً: «ما يخيفني هو نظرات الشرطة وعناصر المخابرات المليئة بالشراسة والتشكيك والحقد، وطريقة معاملتهم مع المواطنين القادمين من بلاد غربية، أو حتى بلاد عربية، أو الذين يقيمون في دول بعيدة وحصلوا على جنسية تلك البلد، ثم التدقيق المبالغ به والأسئلة الغريبة العجيبة. إن ذلك كله يثير الخوف ويبدد الحنين الهائل للشام والأهل والأقارب. أحس أنني مثل خروف صغير وسط قطيع من الذئاب الجائعة والشرسة، وقبل أن تنتهي إجازتي القصيرة، أفكر مرة أخرى في المطار وهل سأجتاز المحنة وأطير عائداً الى عيادتي في فرنسا أم أن كل شيء سينتهي، وحين تقلع الطائرة من مطار دمشق ونصبح في السماء، وأتأكد أنني بت بعيداً عن أعين عناصر الأمن، أتنفس الصعداء وأشعر أنني خرجت من زنزانة كبيرة إلى قمة جبل عال... إن ما ينغص عليّ حبي وشوقي لبلدي وأهلي هو هذه الهواجس والكوابيس الفظيعة، ولك أن تتخيل كم هي سعادتي حين أصل إلى مطار شارل ديغول أشعر بسعادة وأمان لا يوصفان حين أرى عناصر الأمن والموظفين الفرنسيين في المطار الذين يقابلون الجميع بالابتسامات».

هذا اللقاء مع هذا الطبيب وما باح به من شجون جعل أسئلة كثيرة تقفز إلى ذهني، مثل، لماذا يخاف الإنسان من وطنه، ولماذا يتحول الوطن إلى مرادف للخوف، وهل سيستمر هذا الخوف وإلى متى؟

هذه الأسئلة عن الخوف أحالتني إلى أسئلة عن مفهوم الأمن في بلادنا، لدرجة أن بعض المفكرين اعتبر أن أكبر المخاطر التي تهدد بلداً ما هو مفهوم نظامها السياسي عن «الأمن»، وكان يقصد مركب الأجهزة والوظائف الأمنية المكلفة بتحديد الأخطار والتغلب عليها أو تفاديها.

ففي الحال السورية وطوال الربع قرن على الأقل كانت الأجهزة الأمنية في خدمة النظام الذي رعاها ودللها وكبرها إلى درجة أنها تريد اليوم أن يكون النظام السياسي والمجتمع ذاته في خدمتها...

لقد دفع الشعب السوري منذ العام 1958 وإلى اليوم كلفة باهظة ثمناً لهذا الوحش «الأمن»، وثمناً مادياً، وثمناً بشرياً، لا بل ان المفهوم القاصر عن الأمن والسلامة الوطنية كاد أن يفتك بالدولة ذاتها منذ أعوام قليلة نتيجة ما حصل في دولة عربية.

إن أخطر ما في ذلك هو غياب مفهوم الأمن الوطني السوري. نقصد أننا نملك أجهزة متضخمة للأمن من دون أن نملك مفهوماً فكرياً أخلاقياً عاماً للأمن الوطني يضع سورية - الدولة وحدودها وسلامة المجتمع لا النظام والأشخاص في مقدمة أولوياته.

في الواقع القائم الحالي هناك نظرية ومفهوم واحد للأمن تطابق بين أمن سورية وأمن النظام، لذلك فإن خصم النظام والمختلف معه هو خصم سورية كلها ومهدد لأمنها، من هنا تم تجريم المعارضة وتم وضع المواطنين دوماً في دائرة الشبهة...

ولهذا السبب كان ذلك الطبيب السوري يشعر بالانقباض لدى وصوله إلى مطار دمشق أو ساعة انتظاره في القاعة إلى حين أن يغادر...

كاتب سوري

=======================

بين الاستقبالات ل"أبو موسى" والتساؤلات عن الدور السوري

عدم تنفيذ قرارات حظيت بالإجماع يطرح جدوى الحوار

روزانا بومنصف

النهار

23-1-2010

يحرج الحكومة اللبنانية في رأي مصادر سياسية ان يستقبل الامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله امين سر "فتح – الانتفاضة" سعيد موسى (ابو موسى) وصدور بيان يتحدث عن ضرورة الحوار اللبناني الفلسطيني في شأن الملفات المتعلقة بالوجود الفلسطيني في لبنان وبينها معالجة قضية السلاح خارج المخيمات. وهذا الاحراج يعود الى علامات استفهام كبيرة ارتسمت حول دوافع زيارة "ابو موسى" وتوقيتها والتصريحات التي اطلقها وكذلك حول الجهة التي تقف وراءه، وهي سوريا او ايران، فضلا عن ان الحزب الذي هو فريق اساسي من افرقاء طاولة الحوار التي اتخذت قراراً بازالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات يفتح الباب مجددا امام حوار بين الجانبين اللبناني والفلسطيني في حين ان الامر لا ينبغي ان يكون كذلك، وإلا فهم على انه التفاف على قرارات السلطة اللبنانية عبر ابواب ثانوية تكون بمثابة "قوطبة" عليها او تفريغا لها من مضمونها، فالبعثات الديبلوماسية الغربية تراقب عن كثب تطورات موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وهي استغربت استقبال رئيس بلدية صيدا ل"ابو موسى" بادئ ذي بدء ورسمت علامات استفهام اكبر حين استقبله الامين العام ل"حزب الله".

ويساهم ذلك في زيادة الارتباك لدى الحكومة اللبنانية التي انتظرت ان تتضح خلفيات زيارة "ابو موسى" واكتفت بموقف مبدئي لم يعكس الزخم القوي لا لانطلاق الرئاسة الاولى بعد تأليف الحكومة، ولا أيضاً الزخم القوي للرئاسة الثالثة في انطلاقتها ايضا. ومن يرى ان المسألة هي بمثابة رمي للكرة في ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فإنما يعزوها الى انه الراعي الاساسي لطاولة الحوار والقيِّم على القرارات المتخذة، علما ان هذا القرار سابق لترؤس الرئيس سليمان الطاولة وكانت لا تزال في مجلس النواب. وهناك من جهة اخرى الاتصالات الشخصية التي أجراها الرئيس سليمان مع نظيره السوري بشار الاسد، كون دمشق هي مرجعية السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والتي قال الاسد انه مستعد للتعاون في كل ما يتفق عليه اللبنانيون وفق ما اكد ذلك الرئيس سليمان في حديثه اخيرا الى "النهار". ولذلك فان هؤلاء يتساءلون اذا كان استقبال الامين العام ل"حزب الله" ل"أبو موسى" والبيان عن حوار فلسطيني سوري حول السلاح خارج المخيمات خرقا للاجماع اللبناني في هذه النقطة، بما يحيي الاسلوب السوري في التعاطي مع كل ما يطلبه لبنان، اي عدم امكان المساعدة ما دام الاجماع غائبا او ان الثمن سيكون مرتفعا للتدخل السوري وبيع ذلك من لبنان اولاً، كما من الدول الغربية ومن الولايات المتحدة التي تطالب سوريا بذلك عبر ترسيم الحدود وانهاء الوضع الشاذ للسلاح الفلسطيني على الحدود اللبنانية السورية وخارج المخيمات في لبنان، وان المؤشر لذلك هو الموقف الفلسطيني الذي عبر عنه "ابو موسى" والذي ستمون عليه سوريا عندئذ اذا كان هذا هو الاحتمال. وهذه التفسيرات تجد صدى لها لدى الاوساط السياسية نتيجة التداول لإعادة سوريا ارساء المعالم السابقة لتعاطيها مع لبنان حتى من خلال المسؤولين انفسهم الذين كان وجودهم وممارساتهم في لبنان مثار استياء قبل انسحاب سوريا من لبنان على نحو يوحي بالعودة الى الانماط القديمة من دون تغيير او سعي الى استيعاب المرحلة السابقة.

النقطة الاخرى المحرجة للحكومة اللبنانية وللرئيس سليمان هي جعل القرار الذي سيتخذه حول استئناف طاولة الحوار صعباً جداً. والمنطلق لذلك انه مع تسليط "ابو موسى" الضوء على السلاح خارج المخيمات ورفضه التزام القرارات اللبنانية في هذا الشأن، هل يمكن الدولة ان تعطي الجيش اللبناني الاوامر لتنفيذ أوامر السلطة اللبنانية ام ان الأمر سيكون مستحيلاً في ضوء الغطاء السياسي الذي امنه الحزب؟ ثم ماذا ستكون الجدوى من طاولة الحوار مجددا اذا كانت السلطة اللبنانية عاجزة عن تنفيذ قرارات بالاجماع اتخذت على هذه الطاولة، وتالياً ما هي صدقيتها في الداخل والخارج في موضوع البحث في مصير سلاح "حزب الله"، والذي يطمئن لبنان المجتمع الدولي الى انه على طاولة الحوار في الوقت الذي يوحي العجز في بت مسألة متخذة بالاجماع على طاولة الحوار عقم استكمال اللجوء الى طاولة الحوار مرة اخرى ولو ان كثرا يرون في دعم "حزب الله" المنطق الذي تحدث به "ابو موسى" الرغبة في عدم مناقشة سلاح الحزب وان الامر يمكن ان يأخذ سنوات.

اضافة الى ذلك فان الاحراج يطاول السلطة اللبنانية بشخص رئيس الجمهورية والحكومة المطالبين بدعم المؤسسات العسكرية في لبنان من اجل توفير القدرة لديها على التحرك والحسم، في حين ان افتقاد القرار السياسي والقدرة على تنفيذه او الحصول من سوريا على تعاون في هذا الاطار على رغم كل الكلام المعسول عن عودة العلاقات الثنائية، يفقد هذه المطالبات اي قوة. ولذلك فان زيارة "ابو موسى" ومطالعته عن السلاح خارج المخيمات طرحتا تحديا خطيرا على السلطة اللبنانية، بحيث ان التعاطي معه في المستقبل القريب يضع هذه السلطة امام اكتساب القدرة على نقل لبنان الى موقع آخر ولو وفق خطوات بطيئة او البقاء على الستاتيكو الحالي.

=======================

واشنطن تعيد انتاج مشروع التسوية المنحاز للكيان الصهيوني

عليان عليان

23/01/2010

القدس العربي

جاءت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون إثر لقائها مع دبلوماسيين عرب مؤخراً، لتضع النقاط على حروف المشروع الامريكي بطبعته الجديدة.

ذلك المشروع الذي سبق وأن كشفت عناوينه الرئيسية، صحيفة معاريف الصهيونية، ونقل رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو، تفاصيله للرئيس مبارك عندما التقاه مؤخراً في القاهرة ، بما يعني أن المشروع في صورته الأولية، هو محصلة مفاوضات بين حكومة العدو وبين ادارة أوباما، التي رضخت عملياً للمطالب الاسرائيلية جراء ضغط اللوبي الصهيوني عليها.

عناوين المشروع الجديد، كما أفصحت عنه كلينتون، تتضمن استئناف المفاوضات، بدون قيد او شرط ، هذا( اولاً) ، (وثانياً) بحث موضوع الحدود، بما يؤدي الى تسوية موضوع المستوطنات، على قاعدة تبادل الأراضي،( وثالثاً) بحث موضوع القدس واللاجئين لاحقاً

ورابعاً: الهدف من المفاوضات، هو وضع حد للنزاع، عبر تحقيق الهدف الفلسطيني، بدولة مستقلة قابلة للحياة، مع تبادل الأراضي بصورة ودية، وتحقيق الهدف الاسرائيلي ممثلاً" بالاعتراف بيهودية الدولة" وحقها بحدود معترف بها وتضمن أمنها.

 

إن القراءة الأولية لهذا المشروع، تؤكد أنه مجرد اعادة صياغة لمشاريع التسوية الامريكية السابقة، واعادة صياغة للخطاب السياسي المنحاز للكيان الصهيوني، على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وبهذا الصدد نشير إلى ما يلي :

أولاً: أن الإدارة الامريكية ترفض شرط وقف الاستيطان الذي يطالب به الرئيس عباس لاستئناف المفاوضات، متجاهلة عن عمد، أن وقف الاستيطان في خطة خارطة، هو التزام مثبت في خطة خارطة الطريق يتوجب على اسرائيل التقيد به، يقابله التزام السلطة الفلسطينية بوقف المقاومة" العنف"، ففي حين التزمت السلطة بانهاء المقاومة، كثفت حكومات العدو عمليات الاستيطان، في القدس وعموم الضفة الغربية.

ثانياً: في ظل اسمرار المفاوضات وفقاً للخطة الامريكية دون شروط مسبقة،او مرجعيات محددة، ستواصل حكومةالعدو الصهيوني عمليات الاستيطان، في الضفة والقدس، بحيث أنه في نهاية الفترة المحددة للمفاوضات، تكون اسرائيل خلقت حقائق أمر واقع جديدة،على الارض في القدس والضفة الغربية، يستحيل تجاوزها في التسوية المرتقبة.

ثالثاً: وبالتالي يصبح حديث كلينتون، عن مسألة الحدود، بأنها ستحل قضيتي المستوطنات والقدس، مجرد خداع استراتيجي للمفاوض الفلسطيني الذي سيصطدم لاحقاً بحقائق الامر الواقع الجديد.

رابعاً: لقد بات واضحا، ان ما تتضمنه الخطة الامريكية، بشان تبادل الاراضي، يقصد منه ضم الكتل الاستيطانية الكبرى والأحواض المائية في الضفة الغربية للكيان الصهيوني، كما أن تأجيل موضوعي القدس واللاجئين، الى الفصل النهائي من هذه المفاوضات، دون اسنادهما بالقرارات الدولية ذات الصلة يعني التسليم الضمني بوعد بوش لشارون عام 2004 القاضي بعدم العودة الى حدود عام 1967، وبشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

خامساً: كما ان تحديد سقف زمني للمفاوضات بمدى عامين، يمنح حكومة العدو الزمن الكافي،لفرض حقائق الامر الواقع على الأرض، دونما ضغوط وانتقادات دولية، ناهيك أن حكومات العدو، أكدت وتؤكد دائماً أن المواعيد غير مقدسة، بما يعني ان تبدأ المفاوضات، وتستمر كغطاء لعمليات الاستيطان والتهويد.

 

سادسا: أما بالنسبة لخطاب الضمانات الامريكي المزعوم، الذي يتحدث عن التعهد للجانب الفلسطيني بدولة قابلة للحياة على أساس حدود 1967 ، وعن التعهد للجانب الاسرائيلي بضمان" يهودية فهو الدولة" يتوجب الاشارة الى ما يلي:

ا- انها – ومن واقع التجربة- ضمانات أكيدة لصالح الكيان الصهيوني، وكاذبة وتفتقر الى الحد الأدنى من المصداقية بالنسبة للجانب الفلسطيني، وفي الذاكرة خطاب الضمانات الأمريكي، في عهد الرئيس بوش الأب، عشية مؤتمر مدريد 1991، الذي نقله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، الى الجانب الفلسطيني ، واذا كانت ادارة أوباما لم تستطع ان تفرض على( اسرائيل) تجميد جزئي، ولوقت محدود للإستيطان، فكيف لها أن تضمن اقامة دولة فلسطينية، قابلة للحياة ومكتملة السيادة.

ب- ثم أن النص على" ضمان يهودية الدولة" يعني المصادرة المسبقة، على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة ، وبالتالي ما قيمة ان يبحث موضوع اللاجئين في نهاية فترة العامين المحددة للمفاوضات، طالما أن الادارة الامريكية تقر" بيهودية الدولة"، ذلك الإقرار الذي يشكل خطراً على العرب في مناطق 1948، ويفسح المجال امام مشاريع الترانسفير الصهيونية.

ج- كما ان الحديث عن الانسحاب على أساس حدود 1967، يعني ان موضوع الحدود قابل للمساومة، ويصب- كما أسلفت- في في الوعد الذي قطعه بوش لشارون، عام 2004، بعدم العودة الى تلك الحدود في أي تسوية قادمة.

د- ان خطاب الضمانات المزعوم، ما هو إلا خطوة تكتيكية، وشكلية طالبت بها دبلوماسية لجنة المتابعة العربية، لإعادة رئيس السلطة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات، بعدما اشترط لاستئنافها، وقف الاستيطان، وتحديد مرجعية للمفاوضات، واستئنافها من النقطة التي وصلت اليها في عهد أولمرت، الذي استثمر المفاوضات بعد مؤتمرأنابوليس لمضاعفة عمليات الاستيطان.

ه- ثم أن الادارات الأمريكية، اعتادت أن تستخدم تكتيك" خطاب الضمانات"، بهدف تجاوز وإهمال قرارات الشرعية الدولية، كمرجعية للتسوية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، القرارات التي سبق وأن صوتت أمريكا لصالحها، في مجلس الأمن، في زمن الحرب الباردة، ومن ضمنها القرار478 الذي يعتبر الاستيطان باطلاً وغير قانوني، والقرار 252 الذي يرفض ضم القدس، للكيان الصهيوني ويعتبره باطلاً وغير شرعي، والقرار 1397 الذي يؤكد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، والقرارين 242 ، 338 اللذان يدعوان الى انسحاب" اسرائيل" من كافة الأراضي العربية المحتلة عام 1967 .

وبالإضافة الى ما تقدم، فان تاجيل بحث موضوع القدس، الى المرحلة النهائية، من مدة العامين المحددين للمفاوضات، يصب في مصلحة الكيان الصهيوني، لان حكومة العدو تواصل تهويد القدس، ببناء أحياء استيطانية جديدة في كل يوم وفي كل ساعة، وحيث نفى مكتب نتنياهو ما ذكره وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط ، بان نتنياهوأبدى نوايا حسنة حيال موضوع القدس وغيره.

وأخيراً لا بد من الاشارة الى ان هذا المشروع المنحاز للكيان الصهيوني، لن يصار الى تطبيقه، لان هذا الكيان- وفي التحليل النهائي- يرفض اقامة دولة فلسطينية، رغم ان نتنياهو طور شكلياً فكرة "السلام الاقتصادي" الى دولة فاقدة للسيادة بجانب دولة"اسرائيل".

ومن واقع التجربة فان الادارة الامريكية، تستهدف من هذا المشروع الحصول على تغطية من النظام العربي، لتحركاتها القادمة المتعلقة باليمن وايران وغيرهما، على النحو الذي حصل عشية احتلال العراق، عندما أوهمت اطراف عربية، بانها ستقدم حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية، مقابل توفير غطاء سياسي للعدوان على العراق.

elayyan_e@yahoo.com

كاتب فلسطيني

=======================

"وديعة رابين" تعرقل مفاوضات سوريا وإسرائيل

33 –

سركيس نعوم

النهار

23-1-2010

عن لبنان و"حزب الله" تحدث المسؤول نفسه المعني بأوضاع لبنان ودول عربية أخرى والمتابع لها في احدى ابرز "الدوائر" داخل الادارة الاميركية، قال: "اريد أن اسأل: هل قطع الاسلحة الايرانية عن "حزب الله" أو منع وصولها اليه يضعفه؟" اجبت: لدى "حزب الله" ما يكفيه من اسلحة وما يحتاج اليه منها. علَّق: "اقصد الاسلحة الثقيلة اي الصواريخ؟". رددت: يستطيع ان يحصل على السلاح الخفيف من مصادر كثيرة وعبر مرافق شرعية وأخرى غير شرعية. لا احد يحتج أو يستطيع أن يمنع ذلك. اما السلاح الثقيل اي الصواريخ بحسب تسميتك فان الموجود منه كافٍ لإنجاز المهمة التي من اجل القيام بها أُعطي للحزب. ما رأيك في الاوضاع اللبنانية راهناً في ضوء استكمال المؤسسات الدستورية اي رئيس جمهورية منتخب وحكومة برئاسة سعد الحريري، ودعني ابدأ بالقول ان وجود حكومة في لبنان افضل من عدم وجودها. اجاب: "رئيس الجمهورية ميشال سليمان انسان عاقل يحترمه الجميع. يحاول ان يكون متوازناً. اما الحريري فاننا نراقبه اي نراقب تحركه بعدما ألّف الحكومة وذلك لنعرف كيف سيتصرف واذا كان رجل دولة أم لا. سنرى اذا كانت الحكومة ستنفذ اصلاحات وما الى ذلك. المهم الاصلاحات. والمهم ايضا تماسك فريق 14 آذار". علّقت: في اعتقادي اصلاحات "ما في" على الاقل الجذرية منها. باريس 3 "ما في" تنفيذ له. وهذا موقف سابق وقديم. تماسك 14 آذار قد يكون صعباً او بالاحرى مستحيلاً. جنبلاط صار في الخط الآخر او على الاقل على تخومه. يحاول ان يبقى في الوسط، لكنه لن يعود الى 14 آذار. في اعتقادي ان النافذين في لبنان اليوم من محليين واقليميين لن يمكّنوه من ممارسة دوره السابق الذي ورثه عن والده الزعيم الراحل كمال جنبلاط اي التحكّم باللعبة السياسية والتحول بيضة القبان فيها. انه يُواجَه في هذه المرحلة من الآخرين على تناقضهم: انت اما معنا او ضدنا. علّق: "مشكلة "حزب الله" وسلاحه لا تنتهي الا عند توصل اميركا وايران الى تسوية وسوريا واسرائيل الى تسوية سلمية. الفارق بين سوريا واميركا ان في الاولى شخصا واحداً يتخذ القرار بينما آلية اتخاذ القرار في الثانية مختلفة جداً".

بعد ذلك عدنا الى الوضع اللبناني بفريقيه 8 آذار و14 آذار وبغيرهما فشرحته كما اراه وتحدثت عن الرئيس ميشال سليمان وزيارته لأميركا وعن شخصيته وامكاناته. شرحت ايضا المواقف الاخيرة لجنبلاط مرة ثانية وقلت يبدو ان البعض في اميركا صدق ما قاله عن استمراره في 14 آذار. فأكدت العكس وكرّرت ان فريق 8 آذار وسوريا وايران لن يسمحوا له بالتحكم باللعبة السياسية من موقع وسط. فرد المسؤول الاميركي نفسه: "اكد لنا جنبلاط غير ذلك أي غير ما تقوله لي. اذا كان ممنوعا من البقاء فاعلا في الوسط ماذا يفعل؟" اجبت يعود الى 14 آذار وهذا مستبعد او ينضم الى 8 آذار وهذا امر قد يحصل فيتحول فريق 8 آذار اكثرية نيابية. سأل: "هل يمكن ان يعود وليد بك الى 14 آذار ويُقتل؟" اجبت: لا اعرف. لكن اعتقد ان القتل صار وراءه. اي لم يعد وارداً نظرياً على الاقل.

انتقل الحديث بعد ذلك الى الوضع الشيعي في لبنان، فأشار المسؤول الاميركي اياه الى "الأسباب الاقتصادية التي دفعت الشيعة الى الكثير من المواقف السلبية والمتطرفة والمتمردة واشار الى "الحرمان" السياسي والانمائي والاقتصادي لهم" وبدا كأنه يبرر مواقف شيعة لبنان اليوم رغم انه لا يحب "حزب الله" مثل ادارته كلها. علَّقت: ما تقوله صحيح لكن كان ذلك في الماضي. كان الشيعة محرومون. لكن كان هناك ايضا سنّة محرومون (عكار والضنية والبقاع الغربي مثلا) ومسيحيون في عكار وغيرها. عندما بدأت حروب لبنان كانت بين مسلمين ومسيحيين (الفلسطينيون ساندوا المسلمين قبل ان يدخلوا الحرب مباشرة). وكان المسلمون كلهم محرومين بمعنى ان حقوقهم السياسية غير متساوية مع حقوق المسيحيين. بعد ذلك انقسموا وصار الشيعة يحصرون الحرمان بهم وحدهم. سياسياً نستطيع القول اليوم ان المسيحيين محرومون او سيكونون كذلك وان الشيعة يخافون الحرمان. اما اقتصادياً وانمائياً فان الحرمان الذي كان يلف المناطق الشيعية لم يعد موجوداً. الحرمان الاقتصادي يطال الشمال بسنِّييه ومسيحييه او نصفه على الاقل. ردَّ: "القوة الاقتصادية لا تزال اكبر عند المسيحيين". قلت: لم تعد كذلك، توزعت هذه القوة بينهم وبين الشيعة والسنّة.

بعد ذلك تناول الحوار علاقات لبنان بسوريا واستمرار التزام اميركا مساعدة لبنان للمحافظة على استقلاله وسيادته واهداف سوريا في لبنان وهشاشة المؤسسات اللبنانية. وعندما وصل الحديث الى "المحكمة الخاصة" المعروفة بالمحكمة الدولية في لبنان قال المسؤول الاميركي نفسه: "لن يقدم المدعي العام في المحكمة ما لديه في تقرير ظني او اتهامي الا اذا تأكد من ان لديه قضية قوية ومتينة. وهذا امر يتطلب وقتاً".

ماذا عن عملية السلام على المسارين الفلسطيني – الاسرائيلي والسوري – الاسرائيلي عند متعاطٍ مباشر ومهم فيها في احدى ابرز "الدوائر" نفسها داخل الادارة الاميركية؟

بدأ حديثه قائلا: "استئناف التفاوض بين سوريا واسرائيل مسألة صعبة في هذه المرحلة. السبب الاساسي لذلك اصرار سوريا على استعادة كل اراضيها المحتلة من اسرائيل عام 1967 وعدم استعداد اسرائيل لذلك. تعيش اسرائيل الآن عهد بنيامين نتنياهو وقبله عاشت عهد ايهود اولمرت. هناك سبب مهم لإصرار سوريا على تحقيق الهدف الاستراتيجي المذكور (الانسحاب الاسرائيلي) وهو ان احتلاله تم اثناء عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد. ولا بد من استعادة ما احتُلّ وخصوصا بعدما اتهمه اعداؤه بأنه باع الجولان وفرّط به. بالنسبة الى اسرائيل هناك مشكلة او مشكلات في اعادة الاراضي السورية المحتلة كلها مثل ايران و"حزب الله" و"حماس" و"الجهاد" واحمد جبريل، كل هؤلاء اعداء لاسرائيل. كان هناك وديعة وقّعها اسحق رابين عند الاميركيين تضمنت استعداداً لاعادة كل الاراضي السورية التي احتلت عام 1967 اذا حصل اتفاق سوري – اسرائيلي نهائي. هذا امر يتمسك به السوريون، ويرفضه الاسرائيليون ويقولون انه ليس "وديعة". رابين قال انه يوافق على اعادة كل الاراضي في حال كذا وكذا وكذا. هذه امور او شروط لم تتحقق في رأي اسرائيل ولا يبدو ان سوريا مستعدة لتحقيقها".

ماذا عن السوريين واميركا في رأي المتعاطي المباشر مع العملية السلمية نفسه في احدى ابرز "الدوائر" نفسها داخل الادارة الاميركية؟

=======================

واشنطن تنقلب على المساءلة والعدالة بالعراق

د. فاضل البدراني

23/01/2010

القدس العربي

ما يجري على الساحة العراقية من تجاذبات وخلافات بالوقت الحاضر يمثل اقصى درجات النزاع السياسي بصبغته الطائفية ومسارا خاطئا لمكونات العملية السياسية اجمال.

وأضحى عنوان مرحلة اعادت البلاد من جديد الى المربع الاول من التدهور الامني والسياسي وارتفاع صوت الاتهامات بين الشركاء السياسيين، وأفرزت تداعياتها شللا اصاب الفعاليات الحياتية للمجتمع العراقي بالصميم .ولكن الاهم في ذلك كله النتيجة التي اصبحنا ندرك وجهها الحقيقي والمتمثلة على ما يبدو في الغاء ابرز لجنة سلطوية بصلاحيات فوق المطلقة مارست في الاسابيع الاخيرة دورا مرعبا ضد الكتل والشخصيات السياسية وجماهيرها واربكت كثيرا مسيرة العملية السياسية في ظل الانشغال بالانتخابات التشريعية، تلك هي لجنة "المساءلة والعدالة "وريثة " لجنة اجتثاث البعث " التي شكلها الحاكم المدني الاميركي للعراق بول بريمر واصبح رئيسها احمد الجلبي ابرز حلفاء واشنطن حتى بداية الغزو في 2003.

ان النتيجة التي نحن بصددها الان كما يتضح هي الغاء الولايات المتحدة الاميركية للجنة المساءلة من خلال توصيات نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الذي ابلغ المسؤولين العراقيين بحلها والغاء جميع قراراتها المتمثلة بابعاد اكثر من 500 شخص من الترشيح للانتخابات التشريعية المزمع خوضها في السابع من اذار / مارس المقبل ،وحتى هذه اللحظة فان مجلس رئاسة الجمهورية في العراق وفق التصريحات والدلائل الاولية تشير الى عزمه لالغاء اللجنة مع قراراتها مرغما لا مخيرا. ان قرار الالغاء كان اجراءا اميركيا بامتياز وليس رغبة عراقية وبدايته كانت بتحرك اميركي بدأه بايدن باعتباره صمام الامان للعملية السياسية بالعراق من خلال موقعه كنائب للرئيس عندما اجرى اتصالا هاتفيا مع جلال طالباني وهو في السليمانية وطلب منه بالعودة فورا الى بغداد واتخاذ قرار في مجلس الرئاسة يوقف اجراءات اللجنة وواضح ان الاتصال الهاتفي الاميركي لم يختص طالباني بل شمل نائبيه طارق الهاشمي وعادل عبد المهدي وكذلك رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي لان مكتب الاخير سرب معلومة تزامنت مع تصريحات مجلس الوزراء تفيد بان مجلس الوزراء يرى ان هيئة العدالة والمسائلة لم تشكل بعد كون البرلمان لم يصادق على اعضائها وبالتالي فان اي قرارات تصدر عنها تكون غير دستورية ، وهنا الفرق بان يكون القرار عراقي خالص وبين ان يكون قرارا اميركيا مفروضا بامتياز، لان قبل هذا الوقت كان مجلس الوزراء يتبنى قرارات لجنة المسائلة من خلال تصريحات صدرت عنه تنتقد من يشكك بشرعية وجودها وتصر على تطبيق توصيات الاجتثاث التي طالت مئات الشخصيات على اساس انها ترتبط بالنظام السابق او بالبعث المحظور وان ما بين اخر تصريحات للحكومة مع تصريحاتها السابقة حيال لجنة المسائلة فانها توضع نفسها في تناقض كبير لا تفسير له سوى انعدام السيادة والخيار العراقي .

ان المتفحص لهذه الفترة الحرجة التي ضاعفت لجنة الاجتثاث من وطأتها على حياة العراقيين عندما شطبت على جزء مهم وركن اساسي من اركان العملية السياسية بطريقة وصفها المشمولين بانها قرارات سياسية لا قانونية من طرف جهة لاحزاب سياسية تتشكل منها الحكومة تستهدف ابعاد المنافسين لهم من ممارسة دورهم ضمن حلبة التنافس الانتخابي على مقاعد مجلس النواب المقبل خاصة وانها اثرت على خيارات الناخب العراقي وخلقت امامه حالة ضبابية أوصلته لخيار وحيد هو رفض المشاركة بالانتخابات، لكن المراقب للشأن السياسي العراقي فقد اصبح متعثرا من أي وقت مضى بخطايا القوى السياسية المتناحرة فيما بينها حول أحقية اراء كل منها ضد الاخر لمصالح شخصية ضيقة على حساب المصلحة العليا، واذا كان الاتحاد الكردستاني والائتلاف العراقي الموحد وائتلاف دولة القانون يتمسكون بابعاد كل نائب برلماني او شخصية تعارض توجهاتهم خارج العملية السياسية ووجدوا في لجنة المسائلة والعدالة افضل فرصة لهم في اضيق وقت يقف امام ضحايا قراراتها للدفاع عن انفسهم بطرقة اعتبرت قانونية بنظرهم ،ففي الجانب الاخر تصطف كتلة العراقية الوطنية باطرافها المشكلة منها والبالغة 63 كيانا وكتل صغيرة اخرى امام خصمهم متخذين من أشكالية شمولهم بالاجتثاث فرصة لاضعاف الخصم امام الجماهير بالتركيز على عدم شرعية لجنة المسائلة والعدالة وتبيان الكثير من الخروقات سيما وان البلد يدخل في متاهات التعبئة او التوجيه للناس والتركيز على اية سلبية يتعثر بها الخصم الاخر وهكذا الوضع في بلد تكون السياسة شرارة العنف الدموي الذي يتواصل بقضم ارواح العراقيين في ابشع مسلسل قتل جماعي يستهدف ارواح الابرياء في جميع المدن. ومعروف للكل بان القرار السياسي والخيارات الرسمية العراقية ليست في يد العراقيين فهنالك الكثير من الخروقات الدولية والتاثيرات الخارجية وليس الامر عند هذا الحد فان هنالك الكثير من الخروقات الاجرامية التي تنفذ بدفع من قوى خارجية ليس من مصلحتها استقرار الوضع بالعراق والامر الاخر قيام جهات عراقية مسؤولة في الدولة العراقية تمارس نفس هذه الاجراءات والخروقات وملفاتها موجودة لدى الاجهزة المختصة ولكن تعودنا في العراق ان نتفرج على ساستنا وقادتنا ينهون مشاكلهم بالسكوت عن جرائم بعضهم البعض بصفقات تسوية جماعية بمعنى ( تسكت عني أسكت عنك) اما الاطراف الخارجية فان ساحة العراق مباحة لها لتنفيذ الجريمة، وحيال هذا الوضع فان مصلحة الوطن غائبة تماما.

اذا غياب الشعور الوطني دفع المتصارعين من السياسيين الى استمرار جولات صراعهم تاركين الشعب بدون خدمات يتدبر امره بنفسه، لكن الشعب ليس عائلة او مجتمع قرية او حي سكني صغير حتى يكون الضرر اقل فانه تعداده يبلغ 31 مليون نسمة تائه. ان رأي الشعب واضح ليس مع الانتخابات حتى هذه اللحظة لانه في حالة المشاركة بالانتخابات سوف يختار كتلا لم تقدم له نفعا وعلى مدى سنوات انشغلت بصراعات جانبية طائفية واذا كانت بالامس القريب سمكا صغيرا فانها اليوم تحولت الى قرش مفترس يحاول ان يقضم اخرين بقرارات واتهامات وجرائم غريبة وعجيبة . ولسان حال العراقيين اليوم هو ليس ما كان عليه بالامس ، فاصبحت لديهم تجربة في الاختيار وفي تفنيد الاكاذيب وغيرها من الممارسات السياسية المؤذية لمصالح الوطن العليا ، ولابد من القول بعيدا عن الميول والعاطفة الشخصية فان لجنة المساءلة والعدالة بالاساس ملغاة دستوريا لان البرلمان فشل لاكثر من مرة بان يصوت على وجود كيانها او نظامها الداخلي، مضافا لذلك فانها وريثة للجنة الاجتثاث التي اوجدها بول بريمر والغريب ان المدافعين عن قراراتها يهددون الامم المتحدة والولايات المتحدة التي عينت بريمر حاكما مؤقتا للعراق لمدة سنة عقب الغزو باجراءات قانونية عندما اعتبروا قراراتها غير شرعية واعتبروا ذلك تدخلا خارجيا سافرا من شانه ان يضر بالممارسة الديمقراطية بالعراق ، ولكن السؤال المطروح اين هو الخيار الديمقراطي المزعوم بالعراق اذا كان الجميع ينهش بلحم الاخر وكل طرف يتفحص زلة لسان هذا الطرف أو ذاك وماكنة التخوين تعمل باستمرار ضمن مشروع الاقصاء الطائفي ، ان هذا بكل تاكيد يخالف مبدأ الخيار الديمقراطي الذي ينشأ ويترعرع في بيئة متسامحة متعاونة بعقول سليمة شفافة ومرنة وهذا يذكرنا بالقول الماثور ( العقول السليمة تنشا في بيئة سليمة ) لكن ذلك يخالف الواقع العراقي الذي ينتمي لبيئة ملوثة برائحة الاحتلال الاميركي الذي اوجد عملية سياسية مصابة بمرض سرطاني لا يمكن علاجها مطلقا. ان تدخل نائب الرئيس بايدن وهو صاحب مشروع تقسيم العراق المريب في الغاء لجنة الاجتثاث لا يعني انه انقذ العملية السياسية من ورطة ولا يعني انه انصف كتلا وشخصيات وطنية بارزة بالعكس فان تدخله يعني ان العمل السياسي العراقي ما يزال في يد الولايات المتحدة وان مجرد تدخله لاعادة شخصيات كادت ان تحرم من الانتخابات يعني ان سمعتها تلوثت بتدخل بايدن لاجلها، وهذا يؤكد للعراقيين بان نتائج الانتخابات المقبلة لن تحقق لهم الطموح المنشود بالتغيير حتى لو حصل للمبعدين عن الانتخابات الفوز بنتيجتها، لكن برغم كل هذه المساويء فان العراقيين مدعوون لاختيار الاصلح ولا سيما الوجوه الجديدة المعروفة بالنزاهة والاعتدال السياسي والولاء الوطني .

كاتب عراقي

=======================

هل مات العقل العربي.. أم قتل؟

السفير

23-1-2010

عبد الزهرة الركابي

العام 2009 انصرم كالأعوام التي انصرمت، وهو مثقل بما لا يسر النفوس، حتى غدت ارتكابات النظم تتحملها الشعوب التي ابتعدت عن مناحي الأمل، بتراكم الإحباط الى حد بات الإنسان العربي لا يستطيع تجسيد عروبته، سوى أن يحمل الاسم الذي تضاعفت فروعه في التجاهل والتباعد والتخاصم، وحتى لا تجرفنا التعريفات العنصرية، التي تروج بأن هناك شعوبا طامحة وشعوبا حاملة، وشعوبا حرة وشعوبا خانعة، فمن المفيد القول: اذا كانت الحال السليمة للإنسان والشعوب بتموضع في محل الصواب بالنسبة للقرارات والاختيارات والاتجاهات، فإن هذه الحال في شتى الجوانب راكمها الخمول ولم يعد يتوق الى منافذ الانطلاق والتقدم، ودلالة على هذا الخمول ولا نقول التخلف، لم تستطع جامعة عربية واحدة أن ترقى الى مصاف الجامعات المعترف بها رسميا في التعريف الأكاديمي العالمي، بينما حصلت خمس جامعات إسرائيلية على هذا الاعتراف.

وحتى لا نكون في محل البكاء على الأطلال البائدة أو القيام بعملية جلد الذات أو استذكار الأمجاد الضائعة، من الطبيعي أن تنتابنا الحيرة والاستغراب، عندما نرى بقية شعوب العالم وبعضها لا يختلف عنا في الظروف التاريخية بما في ذلك الشعوب التي زاملتنا في العالم الثالث منذ ما يقارب النصف قرن، تقدمت وتطورت أشواطاً بعيدة في الركب الحضاري، بل أصبحت تتفوق علينا تفوّقاً لافتاً، ومنها دول أوروبية وأميركية لاتينية ودول النمور الآسيوية وكذلك الهند والصين واليابان، حتى وصلت المواجع الى أن دولا عدة لا تملك من الهامش التأريخي والحضاري أثراً، وهي ايضا لا تملك ثروات طبيعية يعتد بها، ومع ذلك، تلتحق بهذا الركب المتطور الذي أصبح بعيداً عن العرب على وجه التحديد.

من هذا، يظل الباحثون يتساءلون عن أسباب تفوق الأمم والشعوب الأخرى وتخلف العرب في الوقت نفسه، وعلى سبيل المثال لا الحصر لو أشرنا الى الأوروبيين الذين يتحدثون في أكثر من لغة، وصحيح أنهم يعتنقون دينا واحدا لكنهم يتوزعون على أكثر من مذهب، وكان هنالك الكثير من الباحثين والمؤرخين الأوروبيين قد اعترفوا في كتاباتهم بالتفوق السابق للحضارة العربية الإسلامية حينما كانت أوروبا تغط في سبات التخلف والتقوقع بعد سقوط الامبراطورية الرومانية، وتخبط أوروبا كلها في ظلام التخلف والاندحار خلال العصور الوسطى، بينما كانت المنطقة العربية من الشرق وحتى بلاد الأندلس تتوهج بالعلوم والفنون والمدنية المزدهرة، وكان العلماء العرب يبادرون في استكشاف مجاهل العلوم ونشر فوائدها للإنسانية، حيث راح ابن خلدون يؤسس علم الاجتماع، والفيلسوف ابن رشد يضع العقل فوق النقل وفوق النص، وكانت بلاد الأندلس يعهدها العربي تحتضن الأقليات اليهودية والمسيحية في تفتح وتسامح لم تعرفه أوروبا بعد ذلك بسنوات طويلة حين راحت تنصب محاكم التفتيش لكل من يختلف عن الفكر السائد المتزمت.

وفي مقاربة لحاضر العرب مع ماضي الأوروبيين، نرى الفارق شاسعا في شتى مناحي التطور والرقي والحضارة، على الرغم من أن العرب هم أكثر من الأوروبيين مجالا لهذا التطور لو تعاملوا مع روح العصر بجدية على الأصعدة الإنسانية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية، وهكذا كيف رأينا بلداناً من أصقاع الدنيا يفوز مرشحوها برئاسة مؤسسات ثقافية عالمية، وهي بلدان لا توازي البلدان العربية تاريخيا وثقافيا، ومع ذلك فقد عجز المرشحون العرب عن بلوغ ذلك، من واقع أن خسارة المرشحين العرب جاءت بناءً على معادلة التقدم والتخلف في الوقت الحاضر، وليست على اعتبارات ماضوية.

لا شك بأن من أهم العوامل التي أوصلت العرب الى هذا التراجع والتخلف يعود الى نكوص العامل الفكري والثقافي في منطقتنا العربية، وهو ما أدى بصريح العبارة الى موت العقل العربي بعدما انطفأت توهجاته وتكسحت مبادراته وانطلاقاته، وها نحن في هذا الوقت نحاول أن نثبت أن الحضارة العربية الإسلامية التي كانت موجودة في الماضي والتي أبدعت في شتى المجالات وأخرجت إلينا علماء مثل ابن الهيثم والفارابي أصبحت الآن جثة هامدة، ذلك لأن الثقافة المسيطرة على العقول العربية ما هي إلا ثقافة الخوف، ثقافة سد الذرائع، ثقافة التكفير.

فالثقافة جزء من كل، فهي وجه من الوجوه المتعددة للحضارة، إنها منظومة من الأفكار والقيم والتقاليد التي تراكمت مع الزمن في البيئة والتراث لتكون الحالة الذهنية والنفسية والعقلية السائدة في مجتمع ما، وهي نافذة الفاعلية والتأثير على المجتمعات، باعتبارها المتحول والمتغير في الحضارة، أي عندما تضمحل الثقافة ولا تتفاعل مع الواقع التي تحيا فيه، بما أنها المتحول والمتغير في الحضارة، من الطبيعي أن تؤدي الى موت الحضارة، ويظهر هذا واضحا، لأنها تمثل الصرح المادي والملموس.

وختاماً، وفي هذا الوقت الذي تتحرك فيه الدنيا في وثبات عملاقة في الاقتصاد والعلم والمعرفة، نرى البعض يدعو الى الثبات والعودة الى خبر القرون الغابرة واحتقار الزمان الحاضر ومنجزاته، وبالتالي هل من فائدة ترجى من التساؤل: إلى أين انتهينا؟

كاتب عراقي

=======================

أوباما.. العام الأول في البيت الأبيض

بقلم :حسين العودات

البيان

23-1-2010

تكاد بهجة نجاح الرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية تتلاشى، بعد مضي عام واحد على تسلمه مهماته الدستورية، وعلى بدء ولايته التي كان الشعب الأميركي وشعوب العالم تنتظر منه أن يجترج خلالها «المعجزات» منذ اليوم الأول، ويحقق وعوده أو جزءاً منها، وكان هو (وآلته الإعلامية) قد راكم وعوداً كثيرة داخلياً وخارجياً.

 

وضاعف آمال شعبه وشعوب العالم به وببرامجه، حتى كادت هذه الوعود أن تصبح بديهيات في وجدان الشعوب، وخاصة تلك التي اكتوت بنار سياسة إدارة الرئيس بوش ومحافظيه الجدد، وعدوانيتهم، ونظامهم العالمي الجديد، وموقفهم تجاه إقامة شرق أوسطهم الكبير أو الجديد والمتجدد.

 

وأقنعت خطابات الرئيس أوباما وحضوره الجماهيري وصوته الجهوري وملامحه المريحة، الناخبين الأميركيين والمتلقين من شعوب العالم، بأنه بضاعة جديدة مفيدة، ورئيس متوازن «عادل رحيم»، سوف يأخذ العبر من أخطاء الإدارات السابقة، وبالإجمال فإنه سيحمل الخير لشعبه ولشعوب العالم، وزاد التفاؤل أنه أول رئيس ذو بشرة ملونة يصل لهذا المنصب السياسي الأهم في العالم كله.

 

وقد تعاطف معظم الناس في بلاد الله الواسعة معه، وتمنوا نجاحه أملاً في سياسة أميركية أقل عدوانية واستفزازاً مما كانت عليه.

 

وبهذه المناسبة يسجل للشعب الأميركي أنه أعطى ثقته دون تردد لرئيس أسود من سلالة عبيد أجداده، مما أدهش العالم، وأوحى بأن هذا الشعب تخلص من ثقافته العنصرية إلى الأبد، وأنه تبنى ثقافة جديدة وسياسة جديدة خالية من الغطرسة والعدوانية والصلف واحتقار الآخر، عكس سياسة إدارات بلاده المتتالية، وأنه أخذ ينحو إلى المساواة بين الأفراد والعدل في العلاقات الدولية.

 

وقد ظن البعض أن هذا الشعب بدأ يتخلص من لوثة ما بعد الحداثة، وهيمنة الاحتكارات ومجتمع الإعلام واللذة والمتعة، ومن العولمة ومفاهيمها وممارساتها وسطوتها، وبالتالي فستكون ولاية الرئيس أوباما بداية خير للبشرية جمعاء.

 

جرت الرياح بما لم تشته سفن الرئيس ولا سفن شعوب العالم، ومضى العام الأول من ولايته وكأننا «لا رحنا ولا جينا»، وإذا بكل شيء يبقى تقريباً كما هو، فلا اجترح الرئيس العجائب وعدل الاقتصاد المائل ومنع الانهيار، ولا هو حل القضايا المستعصية في عالمنا، رغم الكلام المعسول (وربما الصادق) الذي تفوه به، والرغبة المعلنة (وربما الجدية) التي أفصح عنها، والجهود الحثيثة التي يقوم بها. وهكذا أخذت سياسته تبدو للمراقب وكأنها استمرار لسياسة الرئيس بوش، بمعنى من المعاني.

 

ولأن الجميع ما زال يأمل فيه خيراً، وما زال يصدق ما قاله وما يقوله، فينبغي إذن اللجوء للتفسيرات التي يتم تداولها، والقائلة إن الأمر والنهي في الولايات المتحدة يعود للاحتكارات والمصالح والمؤسسات (كالدفاع والخارجية وغيرها)، وما تمثله ومن تمثله، وأن الرئيس هو جزء من هذه الآلة الضخمة متعددة الأقسام والقوى والمواقع والنفوذ والتأثير، ولا يملك القدرة على تنفيذ وعوده أو اتخاذ قراراته، إلا إذا تطابقت مع رغبات هذه المؤسسات ومراكز القوى. وعلى ذلك فإن الرئيس أوباما لديه الرغبة، ولكن ليست لديه القدرة.

 

وفي الحالات كلها، فبعد عام على تنصيبه لم يرض بائعاً ولا شارياً ولا أحداً، لا من المعتدلين ولا من المتطرفين، سواء داخل حزبه أو في الحزب الجمهوري، وسواء بين أفراد شعبه أو بين شعوب العالم الأخرى.

 

كان أهم المقترحات التي وعد الرئيس بها شعبه خلال حملته الانتخابية، هو إصدار نظام التأمين الصحي وهذا لم يصدر بعد، وحتى لو صدر فقد سلبت منه المؤسسة التشريعية الأميركية مادته الفعالة وأصبح خالي الدسم، وفي الوقت نفسه لم يستطع حل المشكلة الاقتصادية الداخلية، وكل ما فعله هو متابعة ما بدأه سلفه الرئيس بوش (إقراض البنوك وشركات التأمين وغيرها)، أما تخفيض الضرائب فما زال أملاً بعيد المنال كما يبدو.

 

بالنسبة للعرب والمسلمين، ما زالت «الرقصة نفسها»، خطوة للأمام وأخرى للوراء. فقد وعد بإغلاق معتقل غوانتانامو وها هو ما زال قائمًا، وأعلن في خطابه في تركيا أن له موقفاً جديداً من الإسلام يبرئه من صفة الإرهاب والعنف وغيرها، ولكننا لم نشهد أي تبديل في سياسته وممارساتها مع المسلمين داخل الولايات المتحدة وخارجها، ولم تخرج الوعود عن إطارها اللفظي.

 

ثم وعد في خطابه في القاهرة (بعد أن أكد موقفه من الإسلام الذي التزم به في تركيا) أن يحل المشكلة الفلسطينية بحل شبه عادل، أوله إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، والتزام العمل لوقف بناء المستوطنات فوراً، وتفعيل اللجنة الرباعية.. لكنه بدأ يتراجع، فتحول رفض بناء المستوطنات بالمطلق إلى وقف البناء لمدة محدودة، ثم تجاهل الاستيطان في القدس، ثم استسلم نهائياً ليس لمطالب الحكومة الإسرائيلية السابقة فقط، بل لمطالب نتنياهو الأكثر تطرفاً وصلفاً وعدوانية.

 

أما في العراق وأفغانستان فما زال الحال كما كان عليه؛ وعد مشكوك فيه بالانسحاب من العراق، وإن حصل فغايته نقل الجنود إلى أفغانستان، وقصف يومي للمدنيين في باكستان، وتهديد للعرب والمسلمين هنا وهناك، حتى يكاد يلتبس الأمر على المراقب، إن كانت هذه سياسة الرئيس بوش أم سياسة جديدة! وزاد الطنبور نغماً بدء قصف الآمنين في الباكستان دون إذن من سلطاتها، بذريعة ملاحقة فلول طالبان خارج حدود أفغانستان.

 

إذا استمرت سياسة الرئيس أوباما في السنوات المقبلة من ولايته، كما كان عليه الأمر في السنة الأولى، فإنه يصح القول «أبشر بطول سلامة يا مربع».

كاتب سوري

=======================

أردوغان والخليج: متى يعتبر العرب؟

آخر تحديث:السبت ,23/01/2010

الخليج

محمد نور الدين

قام رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بزيارتين متتاليتين الى كل من الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية .

 

علاقات تركيا مع الإمارات واحدة من العلاقات الأكثر تطوراً بين تركيا والدول الأخرى ،وقد ازداد حجم التبادل التجاري بينهما اكثر من خمس مرات عما كان عليه قبل وصول “العدالة والتنمية” الى السلطة في تركيا . وكان لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي دور كبير في توطيد هذه العلاقة والاستثمار في تركيا .

 

أما المملكة العربية السعودية فهي أحد مراكز الثقل الأساسية في العالم الإسلامي . ومع أن تركيا لم توقع حتى الآن مع السعودية أية اتفاقية استراتيجية شبيهة بتلك التي وقعتها مع سوريا والعراق أو ألغت تأشيرات الدخول المتبادلة بين البلدين، فإن العلاقات الثنائية بين الرياض وأنقرة حافظت على تقارب وثيق تخطى أحيانا بروتوكولات العلاقة الرسمية بينهما .

 

إن تركيا نجحت في وضع ميزان الجوهرجي بيدها وقامت بوضع علاقاتها على مسافة واحدة من كل الأطراف . فبعد تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي بين تركيا والعراق انتقلت المبادرة التركية قوية إلى سوريا حيث وقع اتفاق مماثل . بل مضت العلاقات مع سوريا أقوى من أي علاقة مع دولة اخرى وصلت الى خطوة تاريخية بفتح الحدود بينهما وتعزيز التنسيق الاستراتيجي في مختلف المجالات .

 

ولم تتردد تركيا في نسج علاقات وثيقة مع إيران، وتحدى أردوغان الغرب و”إسرائيل” عندما اتهمهما بازدواجية المعايير والتركيز ليل نهار على البرنامج النووي الإيراني، فيما “إسرائيل” تمتلك ترسانة نووية بكاملها ولا أحد يتجرأ على مجرد الالتفات إليها .

 

ولم يقف الاختلاف الديني من أن تكون روسيا الأرثوذكسية الشريك التجاري الأول لتركيا في العالم بأربعين مليار دولار، وأن تكون تركيا ثالث شريك لروسيا في العالم .

 

وذهبت تركيا الى “العدو” الأول ونجحت في اختراق حصونه وأبرمت معه اتفاقاً تاريخياً قد يشرع في هدم جدار العداء التاريخي، أعني العلاقة مع أرمينيا .

 

ومع التمدد التركي مع “الاعتدال” العربي و”الممانعة” العربية، ومع المشرق الروسي والأرمني لم تقفل تركيا أبوابها التقليدية مع الغرب لا مع الولايات المتحدة ولا مع الاتحاد الأوروبي الذي هو يريد صدّ تركيا، فيما هي تصر على أن العضوية فيه خيار استراتيجي .

 

وتأتي العلاقة مع “إسرائيل” ذروة في رمزية وواقع التوازن التركي . فبعد دافوس منذ سنة، كان التوتر وصل ذروته مع حادثة “المقعد المنخفض” بين السفير التركي ومدير عام خارجية “إسرائيل” . وهددت تركيا بقطع العلاقات اذا لم تعتذر “إسرائيل” خطياً خلال ساعات وكان لها ما أرادت .

 

لكن أيضاً بعد ايام قليلة كانت تركيا تستقبل وزير الدفاع “الإسرائيلي” ايهود باراك وكان وزير الدفاع التركي وجدي غونيل يصف العلاقات مع “إسرائيل” بأنها “استراتيجية” ما دامت المصالح المشتركة موجودة .

 

وتردد تركيا دائماً أنه لا بد من إشراك حركات المعارضة في فلسطين مثل حماس في عملية التسوية وطالبان في أفغانستان في أي حل، رغم أن تركيا تسهم بصورة غير مباشرة في قوات الناتو في أفغانستان تحت شعار مكافحة الإرهاب .

 

لقد نجحت تركيا في خلق توازنات صعبة لم يكن من السهولة التوصل إلى وصفة سحرية لها لولا القراءة الدقيقة والعقلانية لكل الموقع الجيو استراتيجي لتركيا، ولكل الأحداث التي تقع في المحيط الإقليمي والدائرة الأوسع قليلاً لتركيا .

 

حبذا لو يتمكن العرب من استنساخ النموذج التركي لجهة تحديد المصالح الحقيقية للعرب وضرورة الالتقاء والتعاون الى حد التكامل من أجل مواجهة العدو “الإسرائيلي”، ومن خلفه من قوى دولية لأن الوضع لم يعد يحتمل وهو تخطى الخطوط الحمر منذ زمن طويل . ولكننا نواصل الأمل في يقظة ضمير ومصالح، وربما إطلالة أردوغان الخليجية تسهم في ذلك .

=======================

السودان بحاجة إلى تحرّك دولي

الجمعة, 22 يناير 2010

باتريك سيل *

الحياة

لا يبذل العالم المنهمك بالمأساة الإنسانية التي تشهدها هايتي وبالحرب الأفغانية وببروز تنظيم «القاعدة» في اليمن سوى جهود قليلة في ما يتعلق بمسألة السودان. لكن، إن تمّ الاستمرار في إهمال معالجة هذا الموضوع، فبوسع الأزمة التي تلوح في الأفق في السودان أن تغطي على كل هذه المسائل.

تبدو مشاكل السودان كبيرة إلى حدّ أنه لا يمكن تركها ليحلها السودانيون أو العرب والأفارقة. وعلى رغم الحديث عن عقد قمة أفريقية بدعم من مصر وليبيا بهدف مناقشة مسألة السودان، لم يتم حتى الآن إحراز تقدّم كبير في هذا الاتجاه. ويبدو أن حجم المهمّة قد ولّد شعوراً باليأس.

والمطلوب مبادرة دولية، ربما بقيادة مشتركة بين الولايات المتحدة والصين، لإنقاذ أكبر بلد في أفريقيا من حرب أهلية جديدة ومن انهيار محتمل للدولة الموحدّة، الأمر الذي قد يخلّف عواقب وخيمة على استقرار معظم الدول في شرق أفريقيا ووسطها.

ويخشى بعض المراقبين أن يؤدي انقسام السودان المحتمل إلى نزوح قسري للسكان وجرائم قتل جماعية، ما قد يتسبب بمأساة إنسانية واسعة النطاق تشبه تلك التي تلت انقسام شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان عام 1947.

يكمن الهدف الفوري في الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي يهدف إلى منع الأمور من الانجراف نحو كارثة. وقد يترتب على الولايات المتحدة والصين وحتى بريطانيا والدول الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي اعتماد سياسة لي الذراع من أجل جلب الأطراف المتنازعة كلها إلى الطاولة.

لكن يبدو أن هؤلاء يميلون إلى عدم التدخّل في هذا الموضوع على رغم وجود إجماع عام بأن اتفاقية السلام الشامل التي أُبرمت بين شمال السودان وجنوبه في 9 كانون الثاني (يناير) 2005 تواجه خطر الانهيار. فلا يزال عدد من المشاكل التي كان من المفترض أن تعالجها هذه الاتفاقية من دون حلّ. وفي هذا الوقت، يعمل الطرفان على التسلّح بقوة، الأمر الذي أثار المخاوف من إمكان عودة الحرب بين الشمال والجنوب التي دامت 22 سنة والتي توقفت منذ خمس سنوات بفضل اتفاقية السلام الشامل.

أصدر كلّ من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند ووزير الخارجية النروجي جوناس غوهر شتور في بداية الشهر الجاري وبمناسبة الذكرى الخامسة على إبرام اتفاقية السلام الشامل، بياناً مشتركاً دعوا فيه «كافة الأطراف في السودان إلى الاجتماع مع بعضها البعض من أجل العمل بجدية على معالجة التحديات التي تواجه الشعب». وفي جملة لافتة دلّت على تنصلهم من المشكلة أعلنوا أنه «يجب أن يقوم السودانيون أنفسهم بحلّ المسائل المتعلقة بمستقبل السودان».

وقد غطت مسألتان على المسائل المتبقية ألا وهما مستقبل جنوب السودان في حال انهيار اتفاقية السلام الشامل والحرب الأهلية المستمرة التي اندلعت عام 2004 في اقليم دارفور في غرب السودان على الحدود مع التشاد.

اجتذبت دارفور في السنوات الأخيرة انتباهاً دولياً أكبر من ذلك الذي حظيت به المشكلة في الجنوب بسبب العنف القاسي الذي لجأت إليه حكومة الخرطوم لسحق حركة التمرّد، مستخدمة أحياناً الميليشيات مثل الجنجاويد الذين قاموا بقتل السكان المحليين واغتصابهم وترحيلهم. ويُقال أنه تمّ قتل بين 200 و400 ألف شخص وتشريد مليونين ونصف مليون شخص.

وفي 4 آذار (مارس) 2009، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير بسبب الأعمال التي اتهم بارتكابها، على رغم أنه لم يتم تنفيذ هذا القرار بعد. وقد أجرت دولة قطر وساطة لإقناع زعماء حركة التمرد في دارفور بالمشاركة في محادثات السلام في الدوحة مع الحكومة السودانية إلا أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير حال دون التوصل إلى حلّ يتم التفاوض عليه.

يبدو أن المخاطر أكبر بكثير في ما يتعلق بالمشكلة بين الجنوب والشمال. فالرئيس البشير في الخرطوم والرئيس سلفاكير ميارديت في مدينة جوبا هما أميرا حرب ولا يميلان إلى التسوية أو المصالحة. لقد أمضيا معظم وقتهما يحاربان بعضهما بعضاً ويبدو أنهما غير مستعدين للتعايش السلمي.

يبلغ الرئيس البشير ستة وستين سنة وهو جندي محترف تدرّب في أكاديمية القاهرة العسكرية. كما أنه حارب في صفوف الجيش المصري خلال حرب عام 1973 قبل أن يعود إلى السودان حيث نفّذ عمليات ضد المنشقين الجنوبيين. ووصل عام 1989 إلى السلطة إثر انقلاب عسكري أطاح فيه برئيس الوزراء المنتخب الصادق المهدي. وأصبح رئيساً بعد أربع سنوات، أي في عام 1993.

تمثّل حكم عمر البشير في محاولته سحق حركة التمرد في دارفور وفي التقرب من الصين التي كانت تتوق إلى الإفادة من موارد السودان النفطية وفي الموافقة على إعطاء جنوب السودان الحكم الذاتي لمدة ست سنوات واستفتاء على الاستقلال في كانون الثاني (يناير) الجاري، وفي سيطرة حزب المؤتمر الوطني برئاسة البشير على الساحة السياسية، علماً أنه حزب إسلامي وقومي بامتياز والحزب الوحيد المعترف به شرعياً في الدولة.

وينبغي طرح الأسئلة المهمة التالية: هل سيسمح حزب المؤتمر الوطني بحصول استفتاء صادق؟ وهل سيقبل بانفصال الجنوب عن الشمال في حال صوّت الشعب مع الاستقلال أم سيلجأ إلى الحرب لمنع حدوث ذلك؟

يبلغ سلفاكير ميارديت من العمر تسعة وخمسين سنة وهو خصم البشير الأساسي ورئيس حكومة جنوب السودان التي تتمتع بحكم ذاتي، وهو أحد مؤسسي الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي قاتل الخرطوم على مدى عقود. في 30 تموز (يوليو) 2005، بعد وفاة جون قرنق الذي كان رئيس جنوب السودان والذي كان يتمتع بحضور قوي، أي بعد أقل من سبعة أشهر على إبرام اتفاقية السلام الشامل، أصبح سلفاكير رئيساً. ومع أن قرنق كان مستعداً للقبول بالحكم الذاتي في إطار السودان الموحّد إلا أن سلفاكير فضّل الحصول على الاستقلال الكامل.

وعلى غرار ما يحصل في العراق حيث يتقاتل العرب والأكراد على تقسيم الثروة النفطية، يجب أن يتوصّل شمال السودان وجنوبه إلى اتفاقية نهائية تنص على كيفية تقاسم عائدات الحقول النفطية في مدينة أبيي وهي منطقة تقع على خط الصدع الجنوبي-الشمالي.

وقد أُطلق على مدينة أبيي اسم «كشمير السودان». فالنزاع في هذه المنطقة هو قبلي وإثني وعنيف أحياناً. وتسيطر قبيلة «دينكا نجوك» المرتبطة إثنياً بالجنوب على مدينة أبيي إلا أنها تواجه تحدياً من القبيلة العربية «الميسرية» التي ترغب في أن تحظى بحرية التنقل على الأراضي في كل سنة بحثاً عن المياه والكلأ لقطيعها. وقد أدت الصراعات التي اندلعت في السنوات الثلاث الأخيرة إلى مقتل كثيرين وتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص.

وفيما مال الغرب إلى دعم الجنوبيين، قامت الصين بتسليح حكومة الخرطوم ودعمها وذلك طمعاً بالحصول على مواردها. ولهذا السبب قد يكون التفاهم بين الولايات المتحدة والصين ورعايتهما المشتركة لمؤتمر جديد يُعقد من أجل حلّ النزاعات المستمرة، الطريقة الوحيدة لمنع السودان من الانزلاق نحو حرب لا يمكن لأي من الطرفين الفوز فيها.

* كاتب بريطاني متخصص في قضايا الشرق الاوسط

=======================

زلزال هايتي والدور الأميركي

عادل درويش

الشرق الاوسط

23-1-2010

الزلزال الذي ضرب بورت أوبرنس، عاصمة المستعمرة الفرنسية السابقة هايتي، هو السلسلة الأخيرة في حلقة من النحس الذي مني به أهل نصف هذه الجزيرة المنكوبة (النصف الآخر جمهورية الدومينيك التي تحصل على دخول عالية من السياحة وتتمتع بنظام أفضل)، من سلسلة انقلابات عسكرية وتوالي الحكومات الديكتاتورية، وهي مثل أي ديكتاتوريات خبرها القراء الأعزاء، تنهب ميزانية البلاد والدخول والإعانات التي تقدمها دول الغرب الصناعية، وتحولها إلى الحسابات الخاصة في سويسرا وشراء عقارات للزوجة الثانية أو العشيقة للتسوق في عواصم أوروبا.

وأذكر القراء بمقالتي الأسبوعين الماضيين لعلاقتهما بموضوع اليوم، أي معاناة الفقراء بسبب حكومة فاسدة أو خرقاء التصرفات، ومدى دعم من يسميهم البعض «الاستعمار العالمي»، و«الغرب الصليبي».

تضمن المقال الأخير أرقام ونصوص اتفاقيات قانونية ووقائع أصبحت حقائق على الأرض، وطلبت من المنتقدين الإشارة لأي خطأ قانوني أو مخالفة للحقائق على الأرض أو أرقام أو تواريخ خاطئة.

أغلبية التعليقات على المواقع، وفي مقدمتها «الشرق الأوسط»، وعلى بريدي الخاص، أصرت على خرق القانون ونقض الاتفاقيات مع غير المسلمين لصالح مسلمي غزة!

ولا جدوى من الجدل في إطار القانون إذا لم نعترف بالقوانين والاتفاقيات أصلا، ولذا سأتناول زلزال هايتي من زاوية وقائع نقلتها الفضائيات، التي يبدو أن معظم المطالبين بخرق القانون، يستقون معلوماتهم منها.

أثبتت استجابات العالم لكارثة زلزال هايتي أنه لا يمكن إنجاز أي عملية إنقاذ على نطاق واسع عقب كارثة طبيعية أو ما شابهها دون التدخل الفعلي للولايات المتحدة الأميركية.

فبعد دقائق من الزلزال وتهدم كل شيء تقريبا في عاصمة هايتي وانهدام أرصفة الميناء والمخازن والأوناش، اتضح انعدام وسيلة نقل المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض لإنقاذ الضحايا الذين لا يزالون على قيد الحياة، واستخراج جثث الموتى حتى لا تنتشر الأوبئة، ولم تكن هناك إدارة أو وسائل تكنولوجية لإعداد المطار لاستقبال طائرات المؤن والخيام والبطاطين. في اليوم الأول كانت إدارة الرئيس باراك أوباما أول من يتحرك عمليا وليس بالأقوال والشعارات.

تحركت الفرقة 82 المحمولة جوا (وهي التي أنشأها الرئيس الراحل رونالد ريغان باسم قوة التدخل السريع) لتتولى تشغيل مطار هايتي.

ومن زار بورت أوبرنس، يعرف أن المطار عبارة عن ممر واحد تتفرع نهايته إلى مساحة مرصوفة، ويستخدم للهبوط والإقلاع ولتحميل وتفريغ الطائرات. أي لا يوجد مكان عمليا لأكثر من أربع طائرات على الأرض، وواحدة تقلع أو تهبط.

ولولا وصول طلائع الفرقة 82 ما كان المطار ليعمل ويستقبل العشرات من طائرات محملة بفرق الإنقاذ المتخصصة من جميع أنحاء العالم، خاصة العالم المعروف «بالصليبي الاستعماري» في قاموس الفضائيات القومجية والتكفيريين، بمصاحبة كلاب متخصصة بحاسة الشم القوية في التعرف على أماكن احتباس المفقودين في جيوب هوائية، وتحمل أحدث أجهزة الاستشعار سواء بموجات التسمع الصوتية أو قياس الأشعة الحمراء وموجات الحرارة المغناطيسية التي تعكسها الأجسام الحية.

كان لإنقاذ أطفال مضى على بقائهم تحت الأنقاض ثمانية وتسعة أيام بلا طعام، تأثير خاص، حيث انخرط رجال ونساء فرقة الإنقاذ في بكاء الفرحة وعناق بعضهم البعض والأهالي.

المشهد الآخر كان وصول أول طائرة أميركية تحمل الأطنان من زجاجات مياه الشرب النظيفة والأدوية والأغذية، ووقف الجنود في طابور يفرغونها، وأحدهم الرئيس السابق بيل كلينتون يرفع بيديه كارتونات زجاجات المياه وهي ليست بوزن هين على رجل في عمره.

انسداد الطرق في المدينة المهدمة، بالأنقاض، واستحالة مرور شاحنات النقل وسيارات الإسعاف، أدى إلى الاعتماد على طائرات هليكوبتر الفرقة 82، والتي تبعتها حاملة طائرات استخدمت كمطار طوارئ تقلع منه طائرات الهليكوبتر على مدى ال 24 ساعة دون توقف في نقل المعدات والمؤن والوقود والأدوية، والمصابين إلى مستشفى عسكري بحري ضخم في سفينة عملاقة وضعته البحرية الأميركية تحت تصرف الصليب الأحمر الدولي.

وصول أطباء الجيش الأميركي أنقذ مئات الجرحى من فقدان أطرافهم. ففي الساعات ال 36 الأولى اضطر الأطباء المتواجدون في بورت أوبرنس، من مختلف الجنسيات، إلى بتر أذرع أو أرجل عشرات من المصابين لإنقاذ حياتهم وإيقاف النزيف. وبعد وصول أكثر من مستشفى ميداني، توالي - بعد تمهيد الأميركيين المطار، وإيجاد حاملة طائرات وإصلاح جانب من الميناء - وصول مستشفيات ميدان وطائرات الأطباء من مختلف البلدان الأوروبية، في مقدمتها بريطانيا، وإلى جانب تبرع الحكومة ب 20 مليون جنيه جمعت الهيئات الشعبية والمؤسسات الخيرية البريطانية 38 مليون جنيه من التبرعات الشعبية حتى ظهر الخميس مع استثناء مشتريات الجمعيات المساهمة في عملية هايتي من دفع 17.5% ضريبة القيمة المضافة.

وباستثناء مؤسسة المواساة الإسلامية البريطانية لم نسمع الكثير عن مساهمة محسوسة من بلدان «المؤمنين» مقارنة بمشاركة «الكفار» غير المسلمين.

الملاحظ أن المبادرة الأميركية بالتدخل السريع المباشر - دون انتظار الطلب العالمي - بقيادة الرئيس باراك أوباما، تكرار لرد فعل إدارة الرئيس جورج بوش بالتدخل بإمكانيات أساطيلها لتقديم المعونة والدعم لضحايا موجة التسونامي التي سببها زلزال في جنوب شرق آسيا قبل سنوات.

صلب الموضوع أنه لولا المبادرة الأميركية في الحالتين، لما تمكنت بقية فرق الإنقاذ والمنظمات والوكالات العالمية من الوصول في الوقت المناسب لمساعدة الضحايا والمنكوبين. فقد أثبتت التجارب العملية أن أي عمل عالمي سواء تجاه كارثة من صنع الطبيعة أو صنع الإنسان أو لفرض السلام يصعب أن يكتب له النجاح ويكون له أي تأثير، خاصة من ناحية التوقيت، ليس فحسب دون مساهمة أميركية، بل دون قيادة أميركية ومبادرة أميركية، بحيث تكون المساهمة الأميركية العمود الفقري للعمل ورأس حربته، سلما أو حربا مثلما رأينا في حرب تحرير الكويت أو في الحرب على الإرهاب في أفغانستان.

قارن ذلك مثلا بأول اجتماع للمجلس الخارجي للاتحاد الأوروبي، بعد التدخل الأميركي بخمسة أيام بينما لم نسمع من التجمعات الإقليمية الأفريقية أو الشرق أوسطية عن النية ولو في إرسال بضع علب من أقراص الأسبرين!

أما انتقادات وزير الدعم الدولي الفرنسي للأميركيين بأنهم «احتلوا» هايتي، فهي من نوع البلاء المضحك؛ فلو كان في هذه المستعمرة الفرنسية السابقة بترول أو معادن أو صناعات متقدمة مربحة، أو حتى اقتصاد يسمح بسوق لترويج المنتجات، ما كانت بلاده قد جلت عنها أصلا.

وهذا ما يذكرني بقول الرئيس الأميركي السابق جورج وبوش - رغم أنه لم يعرف عنه سرعة البديهة أو البلاغة كخليفته أوباما أو كتوني بلير - عن الفرنسيين «إنهم أول من تجده بجانبك عندما يحتاجون إليك!».

=======================

أوردغان السياسي المشاغب ماذا يريد؟

بقلم خليل الصمادي 

مداد القلم 20/1/2010

لا أدري لمَ يغرد السيد طيب رجب أوردغان خارج السرب العالمي، لماذا يحمل السلم بالعرض ويمشي من دون زعماء العالم وحيدا يزعِّل هذا ويغضب ذاك من بتي صهيون ومن لف لفهم وما أكثرهم.

بالأمس وأمس وأول أمس لم يكل أو يمل وهو يدافع عن الغزاويين، أطفالهم ونسائهم وشبابهم وشيبتهم، حتى صار البعض يظن أن السيد رجب طيب أوردغان تعود جذوره لعائلة فلسطينية معتَّرة أو مشحرة هاجرت من يافا أو السافرية أو عكا!!..

بالأمس صرح نتنياهو بما معناه إن أوردغان زودها أكثر من اللازم وإن ذلك سيعكر العلاقات المميزة بين البلدين تركية وإسرائيل، ولم يترك أوردغان مناسبة إلا تعرض لها لدولة إسرائيل ولجيش الدفاع الإسرائيلي الأخلاقي الذي ينأى عن قتل الأطفال والنساء إلا محمد الدرة وفارس عودة وهدى غالية وأطفال السموني وبحر البقر ووو.. ولم يبق إلا لؤي صبح وجميلة التي فقدت ساقيها شاهدين على ذلك وهم أقل من عدد أصابع اليدبن!!

لماذا يغرد السيد أوردغان خارج السرب؟

لماذا يسيّر قوافل شريان الحياة مع نوابه للولوج إلى بلاد الواق الواق حيث المصير المجهول ومنع الدخول إلا بالرفس والقهر؟

لماذا ينتهز الفرص كلها لكشف الحقائق المرة التي تعري بني صهيون وفي الوقت نفسه تعري من حالفهم من بني العرب والإسلام في حين أن أكياس الساسة ينأون بأنفسهم عن الإحراج أمام أوباما وبيكمان ونتنياهو، ويا باب ما دخلك ريح، أو الباب الذي يأتيك منه الريح "سدّو واستريح" حتى بجدار فولاذي قبيح؟

لماذا لا يستكين السيد أرودغان ويجلس في الباب العالي مادّاً رجليه مسترخيا غير مبالٍ لما يجري لأهل فلسطين متذرعا بما يقوله الكثيرون: إذا العرب والفلسطينيون راضين بما يجري بل يشجعون إسرائيل على قهرها وحصارها وعلى بناء جدارها الإلكتروني ومن قبل جدارها الإسمنتي ومصر على بناء جدارها الفولاذي، فجحا أولى بلحم بيته!!..

السيد أوردغان ربما يختلف عن باقي الزعامات العربية والإسلامية، إنه جاء إلى الحكم عن طريق صندوق انتخابات نزيهة لا كذب فيه ولا تزوير إنه يمثل أصوات الذين جاؤوا به وهم كثر يحملون توجهات فكرية إسلامية جعلتهم أشقاء أهل غزة المحاصرين، إن وجوده في هرم السلطة استثناء في العالم الإسلامي، ربما يكون شبيهه أو نظيره السيد إسماعيل هنية، فهو أيضا وصل للسلطة عن طريق انتخابات حرة نزيهة، كانت غلطة شاطر، عندما ظُنّ أنه سيُكشف حجم حماس، التي لا شك أنها كشفت الكل، وهذا ما جعلهما يغردان خارج سرب الإملاءات الصهيونية.

لذا لو كان أكثر زعماء العالم قد وصلوا للسلطة عن طريق انتخابات نزيهة تمثل إرادة الناس لتغير الحال ولما كان العبيد طوع أوامر أسيادهم الذين نصبوهم على العباد والبلاد وواعدوهم بتسليم الأولاد بعد الممات لقالوا أضعف الإيمان: "لا، حرام عليكم يا جماعة".

لو كان أكثرهم كما السيدان أوردغان وهنية لما خرج هذا أو ذاك يبرر حصار غزة ويبرر بناء الجدار الفولاذي بحجة تهريب المخدرات من غزة التي لا تجد قوتا لأبنائها إلى أم الدنيا!!.. والله إن هذا لشيء عجاب.

وربما تسألون عن زعماء العالم الغربي الذين يُعتقد أنهم وصلوا عن طريق انتخابات نزيهة لا شائبة فيها، أقول بل وصلوا عن طريق الخداع والضلال.. لقد ولَّى عهد الخداع الإعلامي، ولّى مذ قاد غالوي من بلاد بلفور قافلة شريان الحياة والتي إن كشفت الضعف العربي فإنها لا شك كشفت عودة الوعي العالمي وعودة الحق لأصحابه.

وإن غدا لناظره قريب.

*عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ دمشق

=====================

سورية: مبالغة في القلق من النمو السكاني.. وإهمال للتضخم !

(دي برس)

23-1-2010

تعدّ علاقة النمو السكاني بالنمو الاقتصادي علاقةً متعددة الأوجه ومعقدة إلى حد كبير، ويميز الباحث الاقتصادي السوري د.غسان إبراهيم بين عدد من وجهات النظر ويوضح حسبما نقلت صحيفة الاقتصادية الأسبوعية أن «كثيراً من الاقتصاديين يبنون آراءهم في هذه المسألة استناداً إلى النظرية المالتوسية التي ترى أن النمو السكاني أكبر بما لا يقاس من نمو الموارد الاقتصادية والنمو الاقتصادي بطبيعة الحال، وبالتالي فإنهم يرون مشكلةً في هذا الأمر تتعلق بمستوى المعيشة وتتعلق بأن النمو السكاني يلتهم دائماً كل نمو اقتصادي وهذا سيؤثر سلباً على مستوى المعيشة».

 

ويستدرك موضحاً وجهة النظر الأخرى المستندة إلى علم الاقتصاد السياسي والتي تعتبر أن «معدل النمو السكاني هو أساس ثروة أي مجتمع من المجتمعات على الإطلاق، أي بمعنى آخر العمل البشري أو المشتغلين من السكان، أي قوة العمل، وهذا الأمر صحيح نظرياً ومنطقياً، إذ لا يمكن لقوة العمل أو للسكان أن يشكلوا عقبةً أمام النمو الاقتصادي وإنما على النقيض من ذلك، والمسألة هنا تتعلق بكيفية إعادة توزيع الدخل بشكل عام، أي العدالة الاجتماعية أو السياسات الاقتصادية المتبعة التي تجعل من النمو السكاني مصدر قلق عبر تصويره على أنه عقبة في وجه النمو الاقتصادي».

 

وقالت الصحيفة: "إن الشهور الأخيرة الماضية شهدت تسليط المزيد من الضوء على مسألة النمو السكاني في سورية باعتبارها شريكاً أساسياً في احتدام المشكلات الاقتصادية في البلاد، ويرى البعض أن هذه المسألة تزداد تعقيداً عاماً تلو آخر، ولكن ارتفاع معدلات النمو السكاني في علم الاقتصاد، إما أن يكون نعمةً وإما نقمةً تبعاً للظروف المرافقة لها وللمدرسة الفكرية التي ينطلق منها المرء حين النظر إلى مفهوم السكان بمعناه الاقتصادي التنموي تحديداً، فالسكان نواة الدول، لأن قوة عملهم هي وقود البناء الحضاري اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وغالباً ما كانت الحضارات الإنسانية ترى في تعاظم عددهم تعاظماً لقوة الدولة ولكن بالطبع دون إغفال مواردها من ماء وكلأ ومساحة جغرافية وثروات زراعية ومعدنية.. الخ، وصولاً إلى الموقع على خريطة المناخ وخريطة التأثير والتأثر بالمحيط".

 

وبينت الصحيفة أن الدراسات الأخيرة تشير إلى أن النصف الثاني من القرن المنصرم شكل طفرة سكانيةً في البلد، وأن ما يسمى «الانفجار السكاني» حصل تحديداً بين عامي 1960 و1981 حيث ازداد عدد السوريين ستة أضعاف ما كان عليه في 1905، وتعزو الدراسات ذلك لارتفاع معدل الزيادة السكانية في سورية حينها إلى 3.3%، وتاريخياً ارتفع عدد السوريين من 1.4 مليون في 1905 إلى 19.1 مليوناً في 2007، ثم ارتفع حسبما أعلن المكتب المركزي للإحصاء خلال 2009 إلى أكثر من 23 مليون نسمة- ولكن بمعدل تزايد 2.45% حسب أرقام الإحصاء نفسها-، أي إن هناك تراجعاً في معدلات النمو السكاني كمنطلق أول، ونقلت الصحيفة عن الباحث الاقتصادي السوري د. نبيل مرزوق ملاحظته في هذا الصدد وجود تراجع وتباطؤ في معدل النمو السكاني في سورية منذ أوائل التسعينيات، وهذا التراجع حسب قوله: «عائد إلى عدد كبير من الأسباب ومنها تحسن مستوى المعيشة وتحسن التعليم بشكل عام وتعليم المرأة بشكل أساسي، إضافة إلى انتشار وسائل منع الحمل وازدياد الوعي بالصحة الإنجابية.. الخ»، ولكن- يوضح د.مرزوق- «هناك أمور أخرى اقتصادية- اجتماعية جرت خلال الفترة السابقة نفسها وأثرت في الموضوع، ومنها الارتفاع الشديد في سن الزواج نتيجة عوامل اقتصادية بحيث أصبح سن الزواج الأول للإناث هو 27 سنة وبالنسبة للذكور نحو 30 سنة وأكثر أحياناً، وهذا يعني تراجعاً في الإقبال على الزواج أدى إلى انخفاض في الخصوبة الزواجية وانخفاض الخصوبة بشكل عام، يضاف إلى ذلك- حسب د.مرزوق- عامل آخر لاحظه المكتب المركزي للإحصاء في بياناته وهو تعاظم الهجرة خارج البلاد خلال السنوات الأخيرة، حيث ازدادت أعداد المهاجرين ممن هم في سن العمل إلى جهات وبلدان أخرى غير بلدهم سورية، وهذا في الواقع عامل سلبي- كان البعض ينظر إليه على أنه عامل إيجابي لأنه يخفف الضغط عن سوق العمل- وهو عامل سلبي لأنه يحرم البلاد من الطاقات الإنتاجية والمتعلمة على وجه الخصوص».

 

أما عن علاقة النمو الاقتصادي بالموارد ونموها بشكل عام، فنقلت الصحيفة عن د.إبراهيم أن هذا «يدخل في إطار التنمية الإقليمية أو التخطيط الإقليمي الذي يبدو أن سورية لم تصل إلى مرحلة متقدمة فيما يتعلق به أو بتوزيع النشاط الصناعي حسب الموارد في المحافظات، وكانت نتيجة ذلك تمركز كبير جداً للسكان في أكبر محافظتين: دمشق وحلب، والسبب في ذلك كما هو واضح وجود الخدمات أو البنية التحتية الضرورية للصناعة وكثرة المنشآت وبالتالي تم هذا الحراك الاجتماعي المتمثل بالهجرة من الريف إلى المدينة»، ويتابع د.إبراهيم: «لو تم اعتماد سياسات اقتصادية وإستراتيجيات تخطيط إقليمي أكثر مرونة فإنه يمكن الحد من ظاهرة تجمع قوة العمل في هاتين المدينتين وهو ما يجري الآن بصدد المناطق الشمالية الشرقية في البلاد، أي بمعنى آخر لو يتم توزيع المنشآت الاقتصادية وخاصةً الصناعية حسب وجود الموارد- سواء أكانت اقتصادية طبيعية أم موارد بشرية أو مالية- فإنه من الممكن حينها دعم هذه المناطق لمنع الهجرة منها إلى المدن الكبرى، وبغير ذلك سيبقى هناك تفاوت اقتصادي وتفاوت في مستوى المعيشة بين المحافظات والأقاليم». وكلام د.إبراهيم يظهر بوضوح أنه ما من داع للقلق على الموارد في حال تم إجراء تخطيط إقليمي جيد للمحافظات السورية، ورغم ذلك يتابع: «إن القصة كلها تتعلق بما يسميه علم الاقتصاد التخصيص الأمثل، وليس هناك قلق إذا ما تمت إعادة تصويب السياسات الاقتصادية أو الإستراتيجيات بما يمنع أو يخفف قدر الإمكان من عملية الحراك الاجتماعي التي تعانيها بعض المحافظات السورية».

 

وخلصت الصحيفة إلى أن عرض مسألة السكان على أنها التحدي الأكبر والتهويل من تأثيراتها على الاقتصاد الوطني أمر مبالغ فيه إلى حد ما، ولكن على الرغم من ذلك لابد من توضيح أن النمو السكاني في سورية هو من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، وهو أمر لا يثير القلق بقدر ما يدعو إلى تبني سياسات سكانية كفيلة بزيادة معدلات الوعي بين السكان، وطبعاً بتبني سياسات اقتصادية- اجتماعية كفيلة بتحسين مستوى معيشة الأفراد، ومن المعروف أن السياسات السكانية تقوم دائماً على الترغيب والإقناع، ويقول الاقتصاديون- كما تؤكد الأرقام-: إن معدلات التزايد السكاني في سورية آخذة بالتناقص نتيجةً لتحسن الكثير من المؤشرات الاجتماعية، وبحسب د.إبراهيم فإن تجربة الدول الصناعية المتقدمة تؤكد أنه «كلما تحسن مستوى المعيشة للأفراد، انخفض معدل النمو السكاني، وهذه النتيجة معاكسة لما يشاع بأن تحسن المعيشة يرفع معدلات النمو السكاني»، وتبرير ذلك حسب د.إبراهيم بسيط «فالفرد يميل حين تحسن مستوى معيشته إلى التفكير أكثر بحرية الفضاء الشخصي، وكلما ارتفع دخل الفرد فإنه يميل إلى التخفيف من عدد أفراد أسرته ليزيد استمتاعه بالحياة، فمن لديه طفل أو طفلان ليس كمن لديه سبعة أو تسعة!».

 

وعلى هذا يمكن الجزم بأن رفع مستوى المعيشة سيخفف من الآثار السلبية للنمو السكاني، وخاصةً أن معدلات النمو الاقتصادي في سورية أعلى من معدلات النمو السكاني، ولكن هناك عنصراً غائباً في المعادلة أشار إليه د.إبراهيم في بداية حديثه ل«الاقتصادية» وهو معدل التضخم، فهل يمكن قراءة الضرب على وتر النمو السكاني كخطر يهدد النمو الاقتصادي الوطني، على أنه إبعاد لمسألة معدل التضخم عن الواجهة؟!.. وهذا السؤال يزداد مشروعيةً إذا ما أخذت المؤشرات الكثيرة الدالة على تزايد هجرة السوريين إلى خارج البلاد بالحساب، فالهجرة كما هو معروف تؤدي إلى امتصاص معدل النمو السكاني نفسه، أي بتعبير آخر إلى تخفيف الضغط عن سوق العمل عبر تخفيض معدل البطالة بين السكان بسبب هجرة نسبة معينة منهم، وهذا يدفع إلى القول: إن هناك عنصرين غائبين عن الواجهة حين الحديث حول النمو السكاني وآثاره على النمو الاقتصادي من جهة وعلى الموارد من جهة أخرى وهما: معدل التضخم ومعدل هجرة السوريين، وسبب غيابهما ناجم على ما يبدو عن أن إظهارهما سيظهر الحقيقة التالية: إن تأثير معدل النمو السكاني على النمو الاقتصادي في سورية ضعيف جداً، ولا خوف منه اقتصادياً وإنما الخوف والقلق يتجسدان في معدلات التضخم من جهة وفي طبيعة النمو الاقتصادي الحاصل في البلاد من جهة أخرى!.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ