ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 23/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


باريس تستجيب لمطالب الحريري ؟

الرأي الاردنية

21-1-2010

راجح الخوري

النهار اللبنانية

ليس في تاريخ العلاقات اللبنانية مع دول الغرب ما يمكن أن يوازي العلاقة التاريخية الحميمة مع فرنسا. منذ زمن بعيد وغداة الاستقلال لم تعد المسألة مسألة «أمومة» أو «حنان».

بل أصبحت مسألة مصالح متبادلة وعلاقات دافئة تستند في عمقها الى العامل الإنساني والفكري والثقافي اكثر مما تستند الى التجارة والاقتصاد وحجم المبادلات.

منذ دخوله عالم السياسة متأملاً في مسيرة والده الشهيد ثم منغمساً في إدارة دفّة «تيار المستقبل» والأكثرية، عرف سعد الحريري تكراراً معنى ما كان يردده رفيق الحريري، من ان لبنان هو فعلاً، نافذة العرب ومحامي قضاياهم لدى الغرب عبر البوابة الفرنسية، ومترجم الغرب ومدير حواره مع العرب عبر بوابته. الآن عندما يدلف سعد الحريري الى بوابة الاليزيه رئيساً للحكومة اللبنانية، لا بد من أن يكون قد استحضر في عقله قدوتين: قدوة التاريخ في علاقة لبنان بفرنسا، وقدوة والده في نسج أمتن أواصر الصداقة والتعاون مع القادة الفرنسيين.

لن تغيب عن ذهنه بالتأكيد حميمية تلك اللحظة التي توسّط فيها الرئيس جاك شيراك وسلفه نيكولا ساركوزي، عندما زار فرنسا زعيماً ل»تيار المستقبل».

تمثّل زيارة الحريري والوفد الوزاري الكبير الذي يرافقه، نقلة أساسية في إعادة ترتيب علاقات لبنان مع دولة طالما حرصت في كل عهودها ومع كل رؤسائها على ان تؤمن للبنان مظلة دعم وتأييد وحماية. واذا لم يكن في وسع أي لبناني أن ينسى وقوف جاك شيراك وزوجته منحنيين أمام ضريح رفيق الحريري أو بالإحرى أمام جرح الوطن اللبناني، فليس في وسع اللبنانيين أن ينسوا الجهود الحثيثة والمتواصلة التي بذلها نيكولا ساركوزي لحل الأزمة التي أمسكت بالوضع في لبنان، مساعداً فاعلاً في ترتيب «اتفاق الدوحة» وانتخاب الرئيس ميشال سليمان، والسعي لترتيب العلاقات اللبنانية – السورية.

واذا كان رفيق الحريري قد أدى يوماً دور «وزير خارجية» سوريا في فتح النوافذ الفرنسية والأوروبية على دمشق، فإن ساركوزي مع رجاله الأساسيين أمثال فرنسوا فيون وكلود غيان وبرنار كوشنير أدوا بالتعاون مع السعودية دوراً أساسياً في إعادة فتح نوافد العلاقة الأخوية بين بيروت ودمشق، فصار التبادل الديبلوماسي بين البلدين حقيقة قائمة على أرض يتم ترسيم حدودها بين البلدين الشقيقين.

طبعاً لا حاجة الى الاغراق في الحديث عن البعد الفرنكوفوني ومحتواه الثقافي والفكري بين بيروت وباريس، ولا عن اولئك اللبنانيين الذين يديرون مصالح فرنسا وشركاتها في المنطقة العربية، ولا الى استذكار مؤتمرات باريس 1 و2 و3 وما أمنته من دعم للبنان، ولكن من الضروري التوقّف أمام مجموعة من الحقائق التي تعطي الزيارة أهمية كبيرة ومنها: أولاً: ان فرنسا أعطت زيارة الحريري والوفد المرافق صفة «زيارة رسمية» لا «زيارة عمل»، وهذا يعني انها تحظى ببروتوكول خاص يبرز من خلال البرنامج الرسمي الحاشد الذي أعدّ لها، بمعنى انها توليها أهمية كبيرة وتعطيها طابع زيارة رئيس حكومة بلد صديق ومهم.

ثانياً: تؤكد تقارير تستند الى مصادر فرنسية مطلعة، ان باريس مستعدة الى أقصى الحدود لدعم كل المطالب التي سيقدمها الحريري والوفد المرافق. وان على الحريري أن يفيد لبنان الى أقصى حد، بتقديم قائمة مطالب واضحة ومحددة و»طموحة» أيضاً، واستعمال كلمة طموحة في هذه التقارير يعني أن هناك ما يشجع على رفع سقف هذه المطالب، للحصول على مساعدات اقتصادية وأمنية لجهة تسليح القوى العسكرية وسياسية طبعاً لجهة دعم لبنان.

 ثالثاً: تشير هذه التقارير في شكل واضح وصريح، إلى أن تحسّن العلاقات بين فرنسا وسوريا لا يتم على حساب العلاقات الوطيدة بين فرنسا ولبنان، بل على العكس، فإن هذا التحسن يصب استطراداً في اطار تحسّن العلاقات بين بيروت ودمشق وباريس. و في هذا السياق فإن زيارة رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون لدمشق بعد شهر تقريباً، (مبدئياً في 21 شباط المقبل) ستساعد في تطوّر العلاقات مع سوريا، بما ينعكس ايجاباً على العلاقات مع لبنان، الذي يبقى بالنسبة الى فرنسا واسطة العقد العربي لأسباب ثقافية تاريخية سياسية واستراتيجية.

 رابعاً: هناك برنامج محدد لسلسلة من الزيارات التي سيقوم بها مسؤولون فرنسيون للبنان ومنهم رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه الذي يقيم مأدبة عشاء على شرف الحريري، ورئيس مجلس النواب برنار اكويي، إضافة الى برنار كوشنير طبعاً، بما يعني ان هناك جسراً من التواصل الرسمي سينشط دائماً بين البلدين. على أساس كل هذا ثمة ما يحضّ على استذكار البعد السيكولوجي الخاص الذي سيتأجج حتماً في ذهن سعد الحريري الذي سبق له ان دخل الإليزيه من قبل، لكنه هذه المرة سيدخل محاطاً بروح والده الذي طالما صعد تلك الدرجات القليلة ووقف مصافحاً ومبتسماً.

=========================

تركيا تكشف إسرائيل من داخل..

المستقبل - الخميس 21 كانون الثاني 2010

العدد 3544 - رأي و فكر - صفحة 20

خيرالله خيرالله

كشفت تركيا حقيقة ما تعاني منه إسرائيل من داخل. ليس ما يعبر عن عمق الأزمة التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي أكثر من المواجهة الأخيرة بين حكومة بنيامين نتنياهو من جهة وحكومة رجب طيب أردوغان من جهة أخرى. اضطرت الحكومة الإسرائيلية الى الاعتذار في ضوء التصرف غير اللائق لداني أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي مع السفير التركي الذي استدعي الى مقر الخارجية ليستمع الى احتجاج في شأن مسلسل تلفزيوني تركي تعتبره إسرائيل "معاديا للسامية". وجهت تركيا انذاراً الى إسرائيل بعدما جاءت الصيغة الأولى للاعتذار دون المستوى المقبول والمطلوب. استجابت إسرائيل سريعاً للإنذار وللمهلة التي حددت لها. وكانت النتيجة امتناع أنقرة عن سحب سفيرها من تل أبيب.

كان هناك انقسام داخلي في إسرائيل، على مستويات مختلفة، حيال تصرف أيالون الذي حرص على توجيه كلام قاسٍ للسفير في حضور صحافيين التقطوا الحدث بالصوت والصورة. أكثر من ذلك، أُجلس السفير على مقعد منخفض ولم يظهر العلم التركي في الأجتماع في حين كانت نبرة أيالون عالية جداً، عن سابق تصور وتصميم. كان السؤال الذي طرح في الصحف الإسرائيلية ووسائل إعلامية متنوعة ما الذي يريده نائب وزير الخارجية؟ هل يريد افتعال أزمة مع تركيا؟ هل يريد كسب تأييد داخلي للحزب الذي ينتمي اليه وهو حزب "إسرائيل بيتنا"، وهو أيضاً حزب وزير الخارجية افيغدور ليبرمان المهاجر الى إسرائيل من مولدافيا مع موجة المهاجرين الجدد من دول الأتحاد السوفياتي السابق في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

ظهرت إسرائيل في مظهر الدولة التي لا تحترم نفسها لأسباب عدة. أول الأسباب، عدم تقدير وزارة الخارجية لأهمية العلاقة مع تركيا ولأهمية تركيا نفسها. وهذا يعني في طبيعة الحال أن وزارة الخارجية لم تعد على تماس مع الواقع، بما في ذلك الدور التركي الجديد في المنطقة من جهة والتحولات الداخلية التي تشهدها تركيا من جهة أخرى. فما لا بد من الاعتراف به أن تركيا تغيّرت كثيراً في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع وصول رجب طيب أردوغان وحزبه الإسلامي (العدالة والتنمية) الى السلطة. أكدت تركيا بما لا يقبل الشك أنها لم تعد تحت سيطرة المؤسسة العسكرية التي كانت تربطها علاقات في العمق مع إسرائيل. استطاع أردوغان الذي يمكن اعتبار حزبه جزءاً لا يتجزأ من حركة الاخوان المسلمين الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية المرتبطة تاريخياً بتعاون وثيق مع إسرائيل. يمثل ذلك تحولاً أساسياً على صعيد المنطقة ككل يبدل التوازانات الإقليمية. لا يصب هذا التحول في أي شكل في مصلحة إسرائيل. وقد جاء نائب وزير الخارجية ليدفع في اتجاه مزيد من النفور التركي من إسرائيل. يكاد المرء يتساءل هل بقي شيء من الدهاء السياسي في إسرائيل... أم أن الجيل الجديد من السياسيين من طينة بنيامين نتنياهو لا يعرف شيئاً عن المنطقة ولا عن كيفية التعاطي مع شؤونها وشجونها. لم يعد هذا الجيل يرى سوى مصلحة إسرائيلية في تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. كل ما تبقى تفاصيل. ومن التفاصيل أيضاً العلاقة مع تركيا التي باتت ترفض السكوت عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة والجولان وعن إرهاب الدولة الذي مارسته إسرائيل في غزة في أثناء الحرب الأخيرة.

ولكن ما العمل مع مجتمع مريض يقبل ببيبي نتنياهو رئيساً للوزراء وافيغدور ليبرمان، الحارس السابق عند باب ملهى ليلي، وزيراً للخارجية؟ ما العمل عندما لا يعود في إسرائيل من يريد السعي الى فهم التحولات التي تشهدها تركيا وأهمية هذه الدولة في الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل الفراغ العربي من جهة والأحداث الداخلية التي تشهدها إيران من جهة أخرى؟ ما العمل أيضاً عندما تكون هناك في إسرائيل حكومة ترفض التفاوض مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عباس وتتمسك بدلاً من ذلك بالمستوطنات، في حين يبدو واضحاً أن هناك صيغة معقولة ومقبولة لتسوية مع الجانب الفلسطيني؟ أوليس الموقف من تركيا ومن المفاوضات مع الجانب الفلسطيني أفضل تعبير عن الأزمة العميقة التي يعاني منها مجتمع لم يعد يعرف ماذا يريد؟

أياً يكن الموقف من تركيا ومن توجهات الحكومة التي يرئسها رجب طيب أردوغان التي حققت نجاحاً اقتصادياً جعل الأتراك يتمسكون بها، لا بد من الاعتراف بأن الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة. صارت تركيا لاعباً اقليمياً أساسياً. استفادت من الانهيار العراقي وهي تستفيد حالياً من حال الضياع في إسرائيل. إن اضطرار نائب وزير الخارجية الإسرائيلي الى الاعتذار باسم حكومته بسبب المعاملة غير اللائقة للسفير التركي يشكل أفضل خدمة لأردوغان ولوزير خارجيته أحمد داود أوغلو مهندس السياسة التركية الجديدة التي تدعو الى عدم الاكتفاء بردود الفعل بل الى لعب دور اقليمي فعَال. كلما زاد الانفعال الإسرائيلي، زادت شعبية أردوغان على الصعيد الداخلي. في النهاية لا يستطيع بلد عنصري مثل إسرائيل التعاطي مع السفير التركي بطريقة تنطوي على مقدار كبير من الاحتقار... من دون رد فعل في مستوى الحدث!

هل كل ما في الأمر أن إسرائيل لم تعد قادرة على تحمل ابتعاد تركيا عنها ولم تعد تعرف أنها ليست دولة عظمى وأن ليس ما يحميها سوى السلام القائم على حل الدولتين؟ كلما مرّ يوم يزداد الغرور الإسرائيلي ولكن، كلما مر يوم يزداد أيضاً الغياب العربي وتزداد الحاجة الى الاعتراف بأن تركيا موجودة في الشرق الأوسط أكثر من أي وقت وذلك منذ انهيار الدولة العثمانية قبل سبعة عقود.

=========================

المدلول السياسي للتحالف الألماني الإسرائيلي

السفير

مسعود ضاهر

21-1-2010

ليست مقولة «عدو الأمس صديق اليوم وحليف الغد» جديدة في العلاقات الدولية. حيث لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة بل بحث دائم عن المصالح المشتركة. في هذا الإطار قطعت العلاقات الألمانية الإسرائيلية شوطا بعيدا في الانتقال من العداوة المطلقة، إلى عقد اجتماع مشترك للحكومتين الإسرائيلية والألمانية في برلين بتاريخ 18 كانون الأول 2010، ما أثار علامات استفهام كبيرة حول الدوافع الإسرائيلية والأهداف المرتقبة من عقد هذا التحالف الإستراتيجي.

تجدر الإشارة إلى انه بعد مجزرة الهولوكست إبان الحرب العالمية الثانية والتي تؤكد سياسة بعض الحكومات الأوروبية ان مجرد التشكيك فيها يعرض صاحبه للمعاقبة القانونية بالإضافة إلى تهمة العداء للسامية، اعتبرت الحركة الصهيونية أن ألمانيا النازية مسؤولة مباشرة عن تلك المجزرة التي ذهب ضحيتها عدد كبير من اليهود إلى جانب أعداد كبيرة من الشعوب الأخرى التي كانت من ضحايا الحرب.

وكي تحرر نفسها من عقدة النازية، اتخذت ألمانيا الغربية خطوات عملية لتطبيع العلاقات مع الشعوب التي تعرضت لمجازر النظام النازي، خاصة الفرنسيين والتشيك والبولونيين واليهود. فاعترف المستشار الألماني أديناور بمسؤولية ألمانيا عن معاناة اليهود، واعتبر بلاده مسؤولة معنويا وماديا عن دعم إسرائيل فور قيامها. ووقع اتفاقية تلزم ألمانيا بدفع تعويضات مالية لإسرائيل بلغت قرابة الثمانين مليار مارك. وفي العام 1957، أقام الجانبان الألماني والإسرائيلي علاقات سرية لتطوير الترسانة العسكرية الإسرائيلية، والتمهيد لإقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين. لكن الإعلان عنها تأخر بسبب نقمة عارمة اجتاحت العالم العربي ضد ألمانيا الغربية، في حين كانت ألمانيا الديموقراطية منحازة بالكامل إلى جانب العرب. وقاطعت الدول العربية ألمانيا الغربية عام 1965 فور الإعلان عن اقامتها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ثم جاءت هزيمة 1967 لتضعف الموقف العربي. فتراجع العرب تدريجا عن قرار المقاطعة. ثم عادت العلاقات العربية الألمانية إلى طبيعتها على أمل أن تتخذ ألمانيا الغربية موقفا متوازنا بين العرب وإسرائيل وان تساعد على إيجاد حل عادل للصراع العربي الإسرائيلي. ثم تعددت زيارات القادة الألمان إلى إسرائيل، وأطلقوا وعودا كثيرة بإقامة «علاقات خاصة معها». وكرر بعضهم أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية التنديد بالجرائم النازية التي ارتكبت بحق اليهود. وأكدوا دوما على أن ألمانيا تحررت بالكامل من النازية، فكرا وممارسة. مع ذلك، فالإعلان عن توحيد ألمانيا في 3 تشرين الأول 1990 أثار موقتا خوفا دفينا لدى اليهود. ورأى رئيس وزراء إسرائيل، إسحق رابين، أن الوحدة الألمانية «خطر مدمر لليهود».

إلا أن وزير خارجيته، موشي ارينز، طمأن الإسرائيليين بقوله: «ليس على العالم بعد الآن أن يخشى من ألمانيا موحدة وديموقراطية».

عرفت إسرائيل كيف تبتز الحكومات الألمانية المتعاقبة، ماديا وسياسيا فعززت علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية مع ألمانيا الاتحادية. وتجاوز الجانبان المرحلة الصعبة في زمن تأسيس تلك العلاقات بسبب المواقف المتشنجة التي ظهرت في بعض الأوساط الإسرائيلية، خاصة من جانب أبناء ضحايا الهولوكوست من اليهود، إذ ندد هؤلاء بمسار التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل و«بلد المجرمين النازيين». لكن القادة الألمان تمسكوا بسياسة الانفتاح التام على شعوب العالم، واقنعوا الشعب الألماني بأن المسألة لا تقتصر على العلاقة مع إسرائيل، بل تؤسس لعودة جمهورية ألمانيا الاتحادية الحديثة النشأة إلى المجتمع الدولي كدولة ديموقراطية مستعدة للتعاون الوثيق مع جميع دول العالم. وطالبت الشعب الألماني بأن يتحمل مسؤوليته الإنسانية أمام العالم تجاه ضحايا وجرائم العهد النازي. فاستفادت إسرائيل إلى الحد الأقصى من سياسة الانفتاح الألماني على العالم، بدون أن يقوم العرب بأي خطوة مماثلة في هذا المجال. فهناك قوى ديموقراطية ألمانية واسعة الانتشار، ومستعدة للتعاون مع القوى الديموقراطية العربية بما يخدم مصلحة الأمن والاستقرار والسلام الدائم في الشرق الأوسط. إلا أن النظام الإقليمي العربي ما زال عاجزا عن رسم استراتيجية واضحة للتعاون مع الشعب الألماني عبر قنواته الديموقراطية ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة.

بالمقابل، تجاوزت إسرائيل مشكلة الهولوكوست والتاريخ الدامي لتعقد اليوم مع ألمانيا الاتحادية نوعا من التحالف الاستراتيجي في مواجهة الخطر النووي الإيراني. وبرزت التهديدات الألمانية لإيران النووية بصيغة إسرائيلية واضحة وصريحة. فهناك عقوبات قاسية وشاملة ستفرض عليها في حال قررت المضي في برنامجها النووي. واللافت في الأمر أن نتانياهو، صاحب التاريخ العريق في إرهاب شعوب منطقة الشرق الأوسط، أطلق حكمة مستقاة من تاريخ الشعوب المناضلة تقول بأن نظاما يرهب شعبه سيرهب العالم. أما إرهابه للشعوب العربية فمباح لأنه يوظف ضمن استراتيجية ثابتة تدعو إلى قيام دولة يهودية نقية لشعب الله المختار من اليهود.

فيستعين بالتكنولوجيا الألمانية لتحقيق تلك الأهداف. ويطالب بمزيد من الغواصات والسفن الحربية، والأسلحة الحديثة. وبدعم من الخبراء الألمان ستطور إسرائيل سفنا جديدة، دون أن تتورع عن تزويدها بأسلحة نووية. وليس ما يشير إلى وجود ضغط ألماني على إسرائيل، وإلزامها بتنفيذ القرارات الدولية، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ووقف السرطان الاستيطاني، وتهويد القدس، والجدار العازل، ما دام الجانب العربي مفككا وعاجزا عن القيام بأي رد فعل يهدد المصالح الألمانية الكثيرة في العالم العربي بالخطر.

نخلص إلى القول ان ألمانيا الاتحادية هي اليوم ثالث اكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة والصين، ومن ابرز داعميها على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية. ورغم بعض مظاهر الاحتجاج على زيارة نتانياهو إلى برلين فإن الدول العربية لم تهتم بهذا التطور النوعي في انتقال العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي.

يتوهم حكام العرب أن ذلك التحالف موجه ضد إيران فقط لمنعها من تملك السلاح النووي في حين أنه موجه، بالدرجة الأولى، ضد القوى العربية المناهضة للمشروع الصهيوني الذي يحضر لمرحلة جديدة من عنف دموي يطول شعوب الشرق الأوسط ودوله، بما فيها إيران وتركيا.

ختاما، تنبه الأتراك لما يخطط الإسرائيليون لمنطقة الشرق الأوسط من خطط عسكرية ومشاريع حرب بعد رفضهم الثابت والدائم لجميع الحلول العادلة والشاملة، وللقرارات الدولية. وتبدو علاقاتهم مع إسرائيل على توتر متزايد في المرحلة الراهنة. في حين بقي العرب في موقع المتفرج على تطورات درامية تحضر لها إسرائيل مستفيدة من الدعم الأميركي والأوروبي. فقادتهم اليوم على هامش التاريخ الكوني. وهم ليسوا بحلفاء استراتيجيين لأي قطب في النظام العالمي الجديد بل انهم ملحقون ذيليون موزعو الولاء على الأقطاب الفاعلة فيه. وليس لديهم أي مشروع سياسي يجنبهم خطر تجدد المعارك العسكرية على أراضيهم، وفي مياههم الإقليمية، لتقتل شعوبهم، وتبدد ثرواتهم النفطية في معركة استنزاف مستمرة منذ أكثر من نصف قرن.

=========================

لنتعلم دروس الأزمة المالية

لوموند

ترجمة

الخميس 21-1-2010م

ترجمة: سراب الأسمر

الثورة

في العام 2009 ظهرت جميع المخاطر المالية الكبرى وظلت المفوضية الأوروبية في أحلك أوقات الأزمة صامتة، ثم خرجت من صمتها هذا لتقدم حلولاً لبعض دولها .

وكم من المدخرين ومؤسسات المال وضعوا ثقتهم في تأشيرات الوكالات المالية واشتروا اسهماً منها باعتبارها موثوقة لكن تلك الوكالات أثبتت عدم كفاءتها.‏

وحسب صندوق النقد الدولي خصصت الدول الصناعية العشرون 17.60٪ من صافي إنتاجها القومي وسطياً لدعم النظام المصرفي وتوزعت النسب بشكل متفاوت على أعوام 2008-2009 و2010 وذلك حسب مقتضى الحال، ومن المناسب الإشارة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تقدم مبلغ الخطة الانتعاشية من دولها الأعضاء بنسبة 1.6٪ من صافي إنتاجها القومي مقابل 5.6٪ من الولايات المتحدة وذلك لأنها الأكثر تأثيراً بالأزمة، وسيطرت على الأسواق في السنوات الثلاث المشار إليها.‏

من هنا نلاحظ أن الإجراءات التي قامت بها الحكومات غير كافية، لأن تخصيص مبالغ كهذه لنظام مالي إنقاذي دون الالتزام بضمانات فعلية ينقصها البصيرة، كما لايبدو الأمر منطقياً بالوقوف مكتوفي الأيدي أمام وكالات التأشيرات غير الكفوءة، وتلوذ بالصمت أمام التكلفة الكبيرة لإنقاذ النظام المصرفي العالمي، وقيمة الخسارة الكبيرة من صافي الإنتاج الوطني الناجمة عن الخلل الوظيفي،لتوضيح الشكل الباهظ للمبالغ التي تخصصها الدول للتخفيف من المعاناة الاجتماعية أيضا،ً هل تصعد الضغط على الحكومات لكي تقلص نفقاتها العامة والاجتماعية؟ أم تستنكف عن التحضير للمستقبل من خلال برامج استثمارية؟ بالمختصر بدل التساؤل حول مسؤولية الحكومات من نشوء الأزمة لابد من العودة إلى هذه السياسات، نتعلم من الأزمة ثلاثة دروس على الأقل:‏

الأول: من المناسب مراقبة النظام المالي لكي لايتعرض لمخاطر عدم التبصر مع أموال الآخرين:‏

الثاني: من غير الممكن تحقيق نمو اقتصادي إلا في الدول التي تحظى بنظام ضمان اجتماعي أكثر تطوراً كما في فرنسا، والفرضية التي تقول إنه بحال استطاعت هذه الدول مقاومة تراجع النمو بشكل أفضل ستكون دورتها الاقتصادية أكثر بطئاً، مؤكدة أن عدم وقوعها لايشمل مفهوم الثبات.‏

والدرس الثالث: أن الأزمة شاملة والبحث بأي شكل كان عن التنافس سيزيد الأزمة عمقاً ولا أمل بنجاح سياسات النهوض من خلال الصادرات إلا بحال قبلت دولة أخرى أن تتحمل هي العجز، فحدوث فوز على طريقة بيرونت (كل حقيقة هي احتمالية) تعني أنه بقدر معرفتنا بأسباب الأزمة يكون الوقت مناسباً بعد العمل بهذه النصائح.‏

=========================

«براغماتية» المتردد

الخميس, 21 يناير 2010

زهير قصيباتي

الحياة

تحذير وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس من احتمال استدراج «القاعدة» الهند وباكستان الى حرب جديدة، يثير شهية شبكات التطرف بمقدار ما ينشر الرعب من حرب نووية بين بلدين بينهما تاريخ طويل من العداء. لكن ما يشي به التحذير من النيات الشريرة للتنظيم، لا بد أن يثير تساؤلات عما إذا كان الخيار البديل لتفادي تلك الحرب هو اقتياد باكستان الى مشروع الأفغنة حتى نهاياته، بما في ذلك البحث عن مخارج لتفادي سقوط الترسانة النووية لهذا البلد «في أيدي المتطرفين».

وإذ تعمد غيتس في نيودلهي الإطناب في الإشادة بصبرها على إسلام آباد، منذ تفجيرات بومباي، لم تكن بريئة التفاتته الى حدود الصبر، ليشدد عملياً الضغوط على باكستان، وإن وجدت واشنطن دائماً المخارج اللفظية لتبرير حرصها المعلن على مصير دولة مسلمة نووية.

هل تعمد الوزير تضخيم خطر «القاعدة»؟ يقود السؤال الى تذكر تحذيرات أميركية سبقت فتح «الجبهات» في اليمن لقتال مسلحي التنظيم ومطاردتهم بالغارات الجوية، وهي مشاهد تذكّر فصولها بجبهات مماثلة مفتوحة على الأراضي الباكستانية في مواجهة مقاتلي «طالبان» حليفة «القاعدة». ويجدر كذلك تذكّر انحسار ضربات التنظيم في نهاية الولاية الثانية للرئيس جورج بوش، ثم تمدده فجأة منذ مطلع ولاية خلفه باراك أوباما.

قد يُعتبر «تضخيم» خطر «القاعدة» مسعى أميركياً لتحويل الأنظار عن ضآلة ما حققته براغماتية أوباما على مدى سنة من ولايته، لكن النتائج تدفع ثمنها – كما في عهد بوش – دول مسلمة، انضم اليمن الى قائمتها، لكأن الحرب «الكونية» الأميركية على الإرهاب ما زالت تدار بعقلية المحافظين الجدد... ولعل أفغانستان أبرز مثال، فيما الدعم الأميركي للسلطة الحاكمة في العراق لا يشجع مشروع إعادة بناء دولة موحدة، بمعايير بعيدة من التمييز.

وللتذكير، بغداد مثل إسلام آباد وكابول، حليفة لواشنطن، فيما صنعاء في مرتبة بين الصديق والحليف لإدارة ما زالت ترى الحلول العاجلة في ميادين الصراعات المسلحة التي ينذر بعضها بحروب أهلية طويلة، ما إن تنكفئ الولايات المتحدة الى أزماتها في الداخل، وهذا مرجح.

بجردة حساب سريعة، يتبين أن تردد إدارة أوباما في التعامل مع النزاعات الدولية وأزمات المنطقة خصوصاً، ما كان يمكن إلا أن يستتبع مردوداً معاكساً لوعود الرئيس الأميركي الذي جاء الى البيت الأبيض بآمال التغيير الكبير للتخلص من إرث ثقيل... وكريه. فهل يمكن مثلاً خفض شعبية «طالبان» الأفغانية فيما أفيون الفساد سيّد في كابول؟ وهل يقوى ساعِد إسلام آباد مع المتطرفين، بتكرار واشنطن معزوفة التوبيخ التي يجيدها تماماً ريتشارد هولبروك، أو طيش القصف الجوي الأميركي الذي يؤلّب الباكستانيين على دولتهم؟

هل يطمئن جيران العراق الى عدم تخلي سلطته عن عروبته، فيما واشنطن تشجعها على الاطمئنان فقط الى حلفهما الوثيق؟

وإذا كان الدرس الأميركي «القديم» في العراق يثير ارتياب الجيران في الدوافع الخفية للتغاضي عن تمدد أخطبوط النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين، فالدرس الجديد في عهد أوباما هو تراخٍ مع طهران في معالجة ملفها النووي يعزز الارتياب الخليجي العربي، وإلا ما معنى تحديد مهلة إنذار لإيران يتناساها البيت الأبيض من دون أي عناء للتبرير؟

واضح أن لا أحد في المنطقة يريد حرباً أميركية أو إسرائيلية على إيران، بسبب طبيعة الأثمان، لكن الأكيد أيضاً أن التراخي السياسي أو التردد في تشديد العقوبات، سيدفع طهران الى مزيد من الاستقواء ببرنامجها النووي وافتعال مزيد من المشكلات التي تزعزع استقرار دول عربية... ودائماً بذريعة صدّ «الاستكبار» والصراع مع الأميركي.

ولا يقل تردد أوباما مع إسرائيل خطورة عن نهجه «البراغماتي» مع طهران، إذ يشدد عزم المتطرفين بذريعة «التواطؤ» الأميركي. ومرة أخرى، مهما تكاثرت جولات ميتشيل، مآل تردد واشنطن مزيد من الاستفزاز الإسرائيلي للسلطة الفلسطينية، ومزيد من الإصرار على إذلالها، لا يقوِّي سوى تشدد «حماس»، مهما كانت «طيبة» الوعود الأميركية.

عام من التردد، مسلسل الحروب مستمر، ونبض التطرف يتجدد.

=========================

سنة أوباما الأولى: بين الخُطب الرنّانة والحقيقة الصعبة

الخميس, 21 يناير 2010

بول سالم *

الحياة

ختم أوباما سنته الاولى في الحكم بمزيج من النجاحات والإخفاقات. فبعد موجة من الشعارات الطنانة والمُثُل العليا، وبعد الإنجاز التاريخي بكونه أول رئيس أفريقي- أميركي يتربّع على عرش البيت الأبيض، واجه أوباما في سنته الأولى تعقيدات الواقع السياسي داخلياً ودولياً.

في المجال المحلي الأميركي، ورث أوباما أمّة مُنقسمة واقتصاداً مُرهقاً بأسوأ أزمة اقتصادية منذ الثلاثينات. وهو تحرّك بسرعة لاتخاذ إجراءات على الجبهة الاقتصادية تمثّلت بصفقة حوافز ضخمة. ثم إنه تواصل مع أوروبا والصين وروسيا والسعودية وبلدان أخرى، لتنسيق رد اقتصادي عالمي مشترك على هذه الأزمة. وفي خضم هذا الجهد، منح أوباما وزناً لمجموعة العشرين (G-20)التي أصبحت الهيئة الاقتصادية الرئيسية في العالم، ونجح في تجنّب الانحدار اللولبي نحو كساد كامل. واليوم، بدأنا نتلمّس علائم التحسن الاقتصادي على رغم أن المعاناة لم تنته بعد.

على المستوى المحلي أيضاً، كان التحدي الرئيسي لأوباما هو تمرير قانون العناية الصحية الذي يُمكن أن يعقلن الإنفاق على العناية الصحية في الولايات المتحدة ويوفرها لثلاثين مليون أميركي محرومين منها. وعلى رغم المعارضة العنيفة له من جانب الأقلية الجمهورية. ولكن اذا مرّ هذا القانون يكون ذلك انجازا كبيرا لاوباما. وعندها حتى لو لم يُنجز أي شيء آخر، فهو سيكون قد ترك إرثاً هاماً في مجال العناية الصحية.

أما في المجال الدولي، ففي حين كان بوش والمحافظون الجدد يعتبرون أن المصالح الأميركية تتناقض بالضرورة مع مصالح الأمم الأخرى، تمسّك أوباما بالمنظار الليبرالي الذي يقول بوجود مساحات مشتركة كبيرة بين الأمم. كذلك، وفي حين أن المحافظين الجدد نظروا إلى الأمم المتحدة والقانون الدولي بكونهما، تعريفاً، عنصرين يحدّان من المصالح الأميركية وبالتالي يلحقان الضرر بها، أطلّ أوباما على سلطة الأمم المتحدة وعلى الاستقرار الذي يوفره القانون الدولي بكونه عاملاً ضرورياً لحماية المصالح المشتركة التي تتقاسمها الولايات المتحدة وبلدان أخرى. وهو قام بدفع مستحقات الولايات المتحدة، وندد بسماح إدارة بوش بالتعذيب، وتحرّك لإغلاق معتقل غوانتانامو.

حيث كانت لبوش علاقات سيئة، سعى أوباما إلى تحسينها. وحيث كانت لبوش علاقات جيدة، حرص أوباما على تطويرها. مع الصين والهند وإفريقيا، أقام بوش علاقات جيدة وانتهج سياسات كانت مفيدة للطرفين. على هذه الجبهات، انطلق أوباما من إرث بوش ولم يجر أي تغييرات جذرية بخصوصها. فهو نجح في تنسيق الإجراءات مع الصين لكبح جماح الأزمة الاقتصادية. وفي مجال تغيّر المناخ سجّل نجاحات أقل. ومع الهند أفاد من إرث بوش كي يطلب تعاوناً هندياً أكبر في أفغانستان وباكستان. لكن في إفريقيا كانت خيبة الأمل ربما هي الأكبر. إذ مع وجود رجل يتحدّر من أصول كينية في البيت الأبيض للمرة الاولى في التاريخ، توقّع العديد من الأفارقة خطوات درامية إزاء القارة الأكثر فقراً ويأساً في العالم. والواقع أن بوش قدّم لإفريقيا أكثر مما فعل أوباما حتى الآن، لا بل لا تزال هذه القارة في أدنى مراتب أولويات أوباما.

في ظل بوش، تدهورت علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا الغربية بسبب العراق، وملف التغيّر المناخي، والمقاربات العامة للمحافظين الجدد للشأن الدولي. لكن أوباما حظي بشعبية في أوروبا الغربية حتى أكبر من شعبيته في الولايات المتحدة، وأعاد بناء علاقات قوية مع حلفائه في حلف شمال الأطلسي. وفي ما يتعلق بروسيا، كانت بدايات بوش جيّدة مع هذه الدولة، لكن في نهاية عهده تدهورت علاقات واشنطن وموسكو إلى الدرك، ووصلت في نهاية المطاف إلى شبه حرب بالواسطة في جورجيا. بيد أن أوباما وضع إعادة ترميم العلاقات مع بوتين وميدفيديف على رأس أولوياته، وعرض عليهما تنازلات هامة تمثّلت في شطب برنامج الدرع الصاروخية، وإبطاء محادثات انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي.

الجديد النوعي الذي أتى به أوباما في السياسة الخارجية هو أمران: إلزام الولايات المتحدة، وللمرة الاولى بشكل جدّي، بمكافحة تغيّر المناخ، والإعلان الرسمي، ولاول مرة، عن هدف طويل الامد بإلغاء الأسلحة النووية الأميركية، وبناء عليه استئناف المحادثات الجدّية مع روسيا في شأن خفض هذه الأسلحة.

أما في ما يتعلق بالشرق الاوسط فالخيبة كانت قوية. لا شك أن أوباما غيّر الخطاب من لهجة ادارة بوش العدائية إلى اللهجة الدافئة التي تجسّدت في خطابه في القاهرة، بيد أنه لم يحقق سوى النزر اليسير من النجاح السياسي الفعلي. فهو واصل سياسات بوش في العراق، وصعّد الحرب في أفغانستان، وواصل الحرب على الإرهاب لكن من دون الإفاضة في الحديث عنها. وعلى صعيد الصراع العربي- الإسرائيلي، تقدّم في البداية بوعود كبيرة وعمل نشط، لكنه توقف فجأة عند الخطوة الأولى حين رفضت إسرائيل حتى تجميد الاستيطان. وفي ما يتعلق بإيران، كان لتبنّيه نهج الخطاب المنفتح دور في تظهير الانقسامات داخل النظام الإيراني وبين هذا الأخير وقسم كبير من الشعب الإيراني. بيد أن مقاربته لم تُثمر حتى الآن عن أي اتفاق حول القضية الرئيسية المتعلقة ببرنامج إيران النووي.

لقد منح أوباما نفسه درجة «جيد» لأدائه في عامه الأول. وهذا يبدو دقيقاً اذا نظرنا الى مجمل الملفات، ولكن علامته في سياسته الشرق أوسطية قد تكون أقرب الى درجة «الضعيف» أو حتى «الضعيف جداً». في الداخل الأميركي، ستعتمد شعبيته على صعود أو هبوط الاقتصاد. وعلى الصعيد الدولي، سيُحكم على قيادته من خلال النجاح أو الفشل في مجالات تغيّر المناخ، وإدارة العلاقات مع الصين، وإنهاء الحرب في العراق ولاحقاً في أفغانستان، وفي العثور على مخرج للمواجهة النووية مع إيران، وتحقيق تسوية على الجبهة العربية – الإسرائيلية.

بالطبع، لا يتّسم أي من هذه الأهداف بالسهولة. لكن محاولات تحقيقها ستكون تغييراً مُرحباً به، من قِبَل عالمٍ عاش ثماني سنوات عجافٍ مع رئاسة بوش.

* كاتب لبناني ومدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

=========================

بعد عام..!

الافتتاحية

الخميس 21-1-2010

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لتنصيب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة.. يعني أنه أمضى في البيت الأبيض ربع المدة التي اختاره الشعب الأميركي لإدارتها مبدئياً..

أقل ما يقال في عمل إدارته خلال هذه الفترة أنه بطيء.. متردد.. بل.. ربما مرتبك بعض الشيء..‏

لقد انتخبه الشعب الأميركي بإقدام فريد كرجل تغيير وسلام ولو كان هذا الشعب يريده متشبهاً بسياسة المحافظين الجدد.. لاختار المرشح الجمهوري..‏

قال: التغيير والسلام.‏

فقالوا له: هو لك.. هيا افعل.‏

بعد عام.. ورغم أن أوباما حقق بعض النجاحات على صعيد معالجة الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثر في تفاقمها سياسة الإدارة السابقة «المحافظون الجدد» إلا أن مؤشرات عديدة تؤكد تراجع شعبية الرئيس أوباما.‏

بالأمس فاز الجمهوري «سكوت براون» في انتخابات فرعية في ولاية «ماساشوسيتس» ليحتل مقعداً في مجلس الشيوخ بعد أن شغله الديمقراطي الراحل إدوارد كينيدي لنحو نصف قرن.. والمعروف عن هذه الولاية أنها ذات صبغة ديمقراطية.‏

الصدمة شديدة.. ليس لأن مرشحة أوباما الديمقراطية «مارتا كوكلي» خسرت بعد منافسة شرسة مع «سكوت» بل لأن ذهاب هذا المقعد من الديمقراطيين إلى الجمهوريين ليتمتعوا ب «41» مقعداً من مئة.. يعطيهم إمكانية تعطيل القرارات التي يريدها أوباما وإدارته وفي مقدمتها برنامج إصلاح النظام الصحي الذي يعتبر أهم بنود سياسة أوباما.‏

طبعاً لا ينتظر الرئيس أوباما وإدارته نصائحنا ليعلم خطورة التردد في إظهار مواقف قوية تسير به نحو تحقيق الأهداف المعلنة لعناوين برنامجه السياسي الذي أعلنه في فترة الترشيح للانتخابات وأكد عليه عندما نُصب رئيساً للولايات المتحدة.‏

برأينا أن الخيوط لم تفلت بعد من يدي الرئيس أوباما وإدارته.. لكنها تحتاج إلى الشد الحقيقي بجرأة.. ويأتي الاتجاه للسلام العالمي وإيقاف الحروب في مقدمة الوعود التي أطلقها الرئيس أوباما، والذي نراه.. أن الحروب زادت وآفاق السلام ضاقت.. وضمنها أو في مقدمتها مشروع سلام الشرق الأوسط..‏

لا نستطيع القول: إن سلام الشرق الأوسط هو الشغل الشاغل للأميركيين ولا سيما تحت فعل التأثير الكبير للدعاية الإسرائيلية على المجتمع عامة هناك.. وهي عامل الإعاقة الأول والأخير في مشروع السلام في المنطقة.‏

ربما ارتفعت نسبة الأميركيين الذين لم تعد تنطلي عليهم الدعاية الإسرائيلية برغبتها في السلام ولاسيما بين النخب السياسية والاجتماعية، لكن.. ما زالت الرؤية لحقيقة المواقف وما يجري في الشرق الأوسط تمرّ بنسبة غالبة من المنظار الصهيوني الإسرائيلي.‏

نجاح مشروع سلام في منطقة من أكثر المواقع في العالم سخونة وتشابكاً بالمساهمة والدعم الأميركيين هو نجاح سياسي كبير لايمكن لأحد أن يتجاهله، وأيضاً غضّ النظر عنه أو التباطؤ فيه، هو إخفاق لا يمكن تجاهله.‏

سلام الشرق الأوسط لم يعد يصلح ليكون مشروع النيات الطيبة.. لأنه تجاوز مرحلة «أن ننوي» والأخطر من التردد والبطء الأميركيين في هذا المشروع.. أن يمشي في طريق لا توصله أبداً إلى الهدف.‏

لا بدّ للإدارة الأميركية من أمرين تأخذهما على محمل الجدية والسرعة:‏

1-مواجهة أطراف المشروع المعطلة له.‏

2-ضمان تحقيق السلام وفق الأسس المعلنة دائماً في السياسة الأميركية.. الأرض مقابل السلام.. وقرارات الشرعية الدولية.‏

أما أن يكون للسياسة الأميركية هدف واحد هو أمن إسرائيل بغضّ النظر عن مواقفها المعطلة لعملية السلام.. فذلك سير ربما في الاتجاه المعاكس.‏

=========================

الأخلاق في زمن الماديات

 بقلم :د. فاطمة البريكي

البيان

21-1-2010

يتراجع الناس في كل شيء، ربما يكون هذا الحكم قاسيًا بعض الشيء، أو في حاجة لشيء من التلطيف والتخفيف. وقد يكون فيه شيء من التشاؤمية أو النظرة السلبية، لكننا لا نستطيع أن نكون أكثر لطفًا أو تفاؤلا، في وقت أصبحنا لا نتأخر فيه عن أن نكون متأخرين أكثر! ولا يحتاج كلامي دليلا أكبر من الواقع.. الواقع الذي لا يمكننا أن نقيسه إلا بمقياس الأخلاق، حتى إن كنا في زمن الماديات والأرقام والأصفار اللامنتهية، وحتى إن كان منطق الواقع يفرض علينا أن نحسب حساباتنا بمقاييس أخرى بعيدة عن مقياس الأخلاق، إلا أننا لا نستطيع أن ننفصل نهائيا عن هذا المقياس، ولن نستطيع إن أردنا ذلك، لأننا مهما ابتعدنا عنه في الواقع، فإننا في عمق أنفسنا ندرك جيدا أننا لا بد أن نعود إليه، وأن نأتمر بأمره، حتى إن ابتعدنا عنه طوعًا أو كرهًا، ولو بعد حين.

 

انفصال الناس عن الأخلاق له أكثر من مظهر، وانغماسهم في الماديات وابتعادهم عن الروحانيات شكل واضح من أشكال الابتعاد عن الأخلاق، لأن الروحانيات لا تكاد تنفصل عن الأخلاق، ومن الطبيعي أن يكون الروحانيون أكثر تمسكًا بفضائل الأخلاق، إذ تكون حينها بمثابة النور الذي تسبغه الروحانيات على سلوك الإنسان، فيظهر كقيم أخلاقية يتحلى بها ويتميز بها عن الآخرين. هذا الطبيعي، إلا أننا في هذا الزمن الذي شاع فيه الزيف في كل شيء، أصبحنا نجد من ينتسب إلى عالم الروحانيين بغض النظر عن أي تفاصيل ولكن سلوكه لا يلتقي مع سلوك العالم الذي يزعم الانتساب إليه، لذلك لا نجد له ذلك النور لأنه أي النور لا يكسو إلا من تشبعت روحه بالمبادئ الروحانية، التي غالبًا ما تلتقي مع مكارم الأخلاق وفضائلها، مهما اختلف الناس في التفاصيل.

 

أما الماديات فتجرّ المتعلق بها جرًّا نحو عوالم لا تكاد تلتقي مع الروحانيات في أي فضاء، بل ربما تتعارض معها تعارضًا كبيرًا. ولا يعني هذا أن يجد الإنسان نفسه بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن يكون مع الماديات ويتنازل عن الروحانيات، أو أن يكون مع الروحانيات ويتنازل عن الماديات، بل على العكس من ذلك تمامًا، هناك خيارات كثيرة جدا، بسبب المسافة الكبيرة التي تمتد بين هذين الطرفين اللذين لا يكادان يلتقيان، لكنهما لا يمانعان من أن يجمع بينهما كل إنسان، بحسب ميوله ورغباته وقناعاته.

 

قد يكون الإنسان منغمسًا في الماديات، لكن دون أن يفرّط في أخلاقه، ودون أن يضطر لأن يرمي بها خلف ظهره كي يصل إلى أكثر مما وصل إليه، أو كي يحقق مطامح دنيوية قد يخسرها في لحظة ويكون قبلها قد خسر ما هو أثمن منها. لأن الخسائر المادية قد تُعوَّض، في حين لا يمكن تعويض الخسائر الروحية. ولا بد من الإشارة إلى أن الانغماس في الماديات الذي نقصده هنا، لا يعني قطعًا ما يتعلق بالمال فقط، إنما كل ما يتعلق بالمظاهر الدنيوية التي يبدو فيها الإقبال على الحياة بملذاتها شديدًا حد الشغف، دون النظر إلى الثمن الذي يدفعه الإنسان مقابل الحصول على تلك الملذات أو الرغبات.

 

على كل واحد منا أن يعود إلى نفسه، وأن يسألها عن حصة كل من الجوانب المادية والجوانب الروحية فيها، وأن يكون صادقًا مع نفسه في تحديد ميوله الحقيقية، وأن يبين لنفسه تبعات ذلك عليه وعلى من حوله، ابتداء من الدائرة الضيقة المحيطة به، وانتهاء بأوسع دائرة يمكن أن يحددها. ربما يتفاجأ البعض منا بأنهم لا يعرفون أنفسهم على حقيقتها، وذلك بحسب درجة صدقهم مع أنفسهم عند الإجابة على هذا السؤال، وربما يكون هذا السؤال البسيط مفتاحًا لكي يعرف الإنسان منا أين يقف، وإلى أي جانب يميل، وأن يحدد إن كان راغبًا في الاستمرار حيث هو، أو أن يجرب تغيير ذلك، والتعرف إلى الخيارات الأخرى المتاحة أمامه، بعد دراستها من جميع جوانبها.

=========================

الأزمة العالمية بين الواقع والأوهام

بقلم :د. جانا بوريسوفنا

البيان

21-1-2010

الربع الأخير من عام الأزمة 2009، قدم للعالم بعض مؤشرات الأمل في أيام أفضل قادمة، ولكن هذا الأمل ليس له أساس على أرض الواقع، بل لا يعدو كونه مجرد أخبار إعلامية وكلام مكتوب على ورق، وليست له ترجمة في الواقع. فقد تواردت أنباء عن تقلص البطالة في الولايات المتحدة الأميركية، وسمعنا رؤساء بعض الدول يعلنون بشيء من التهيب والحذر عن أولى مؤشرات النمو الاقتصادي.

 

وسمعنا عن عودة مؤشرات البورصات للارتفاع، وارتفعت أسعار المحروقات، وقرأنا تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، الذي توقع فيه أن الاقتصاد العالمي سيستأنف نموه في العام الجديد. ولكن الغريب في تقرير الأمم المتحدة، أن الخبراء الاقتصاديين يحذرون من أن الاقتصاد العالمي حاليا في مرحلة انعطاف حاد، ولا ندري من أين تأتي التنمية ومؤشرات التفاؤل!

 

الأزمة المالية العالمية مستمرة منذ سنة ونصف تقريبا. والحقيقة أن المستجدات التي طرأت على الاقتصاد العالمي خلال هذه الفترة، أبعد ما تكون عن الإيجابية. ففي جميع البلدان بلا استثناء، انكمش الإنتاج الصناعي، ما أدى إلى تزايد البطالة وتقلص الطلب عموما، وتضاؤل الناتج الوطني الإجمالي. وانخفض الطلب على الطاقة والوقود (في الولايات المتحدة بنسبة 4%، وفي أوروبا بنسبة 6%).

 

ورغم هذا ارتفعت أسعار النفط، مما زاد من أزمات الدول المستهلكة للطاقة، واضطرت الحكومات إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، من حيث السعة والنطاق، للحيلولة دون غرق اقتصادياتها الوطنية. ولا يمر يوم واحد دون أن نسمع خبرا اقتصاديا سيئا في مكان ما من العالم، دولة تفلس وأخرى على وشك الإفلاس وديون متعثرة هنا أو هناك، وفي الولايات المتحدة، منشأ الأزمة، لا يمر أسبوع واحد دون انهيار بنك.

 

وحتى الصين، العملاق الذي يحسده الجميع منذ بداية الأزمة، بدأت تظهر فيها مؤشرات أزمة قروض عقارية ربما تفوق حجمها في الولايات المتحدة، ولو انفجرت هذه الأزمة في الصين فستكون لها تداعيات كارثية على العالم كله، حيث أن الصين وحدها تجذب الآن أكثر من 20% من استثمارات صناديق المال العالمية، وتعتبر الملاذ الوحيد الآمن الآن للعديد من الاستثمارات، ولكن المؤشرات في سوق العقارات الصيني لا تطمئن.

رغم كل هذه الوقائع ذات الدلالة الكبيرة، لا تزال الأزمة في أنظار البعض تبدو سطحية غير خطيرة، وكأنها مرض خفيف طارئ على الاقتصاد يمكن علاجه بسهولة. هؤلاء المتفائلون يصدقون بسرعة أخبار تراجع مستويات البطالة في الولايات المتحدة، أو تزايد الإنتاج الصناعي في الصين، ويعتبرون ذلك دليلا على تعافي الاقتصاد العالمي.

أما الخبراء الأكثر حذرا فيقولون إن بعض الانتعاش في اقتصاد عدد من البلدان، لا يعني بالضرورة ضمانة الخروج السريع من الأزمة التي يمكن أن تستفحل وتستمر لأعوام أخرى. وهناك موقف ثالث بهذا الخصوص، يقول إن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية ليست ظاهرة مزعجة وزمنية، بل هي بداية النهاية للنظام الرأسمالي العالمي بشكله الراهن المعتاد.

ويؤكد الخبراء المؤمنون بهذا الرأي أن النظام المذكور استنفد طاقاته، ولا جدوى من انتظار شفائه.

لقد كثرت السيناريوهات الكارثية بشأن المستقبل، والتي تقوم على فكرة حتمية هلاك الحضارة، نتيجة لتلوث البيئة وتقلص الموارد الطبيعية وتوقف النمو الاقتصادي، وتفاقم الظلم الاجتماعي والتوزيع الجائر والظالم للخيرات، حيث الدول المتطورة صناعيا تستهلك من الموارد بالنسبة للفرد الواحد من السكان، أكثر بعشرين مرة من الدول الفقيرة.

وها هي الأزمة تكشف الحقيقة وتؤكد أن حياة الرفاه والشبع في البلدان المتطورة، والتي تطبل لها وسائل الإعلام الغربية وتزمر، ما هي إلا واجهة مزوقة تحجب عن الأنظار القاذورات والدماء والآلام، التي يعاني منها ملايين الناس هناك. لقد آن الأوان للتحذير من أن التطور اللاحق للاقتصاد العالمي الرأسمالي لصالح الشركات الكبرى، إنما يقود البشرية إلى الهلاك.

=========================

ميتشل .. ماذا في جعبته ؟!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

21-1-2010

يصل جورج ميتشل هذه المرة إلى هذه المنطقة بدون وهج ولا توقعات فبضاعته معروفة وإذا كان في السابق يُنتظر على أحر من الجمر فإن مجيئه في هذه الرحلة لا يثير أي إهتمام لا بالنسبة للفلسطينيين ولا بالنسبة للإسرائيليين ولا بالنسبة للذين يراقبون الأمور عن بعد .

كان هذا المبعوث الأميركي في هذه المنطقة قبل فترة قريبة وحقيقة أن جولته تلك كانت مملة وكئيبة وهي لم تثر خيال حتى الذين يتعلقون في العادة بحبال الوهم مقارنة بالتصريحات المثيرة التي كان أدلى بها باراك اوباما في جامعة القاهرة وأُستقبلت فلسطينياً وعربياً بإرتياح بقي غائباً ومفقوداً على مدى سنوات هذه الصراع المتواصل والمحتدم .

لقد أُعتبر ذلك الخطاب موقفاً أميركياً قد جب ما قبله وفتح أفاقاً جديدة لعلاقات عربية أميركية لكن المؤسف أن تلك الفرحة لم تدم طويلاً فالأميركيون تحت ضغط مراكز النفوذ الإسرائيلية في الولايات المتحدة تخلوا عن أهم جانب في خطاب اوباما هذا وهو الجانب المتعلق بضرورة وقف الإستيطان وقفاً شاملاً وكاملاً وتامّاً قبل إستئناف المفاوضات المتوقفة منذ فترة طويلة .

إن المفترض أن جورج ميتشل يأتي هذه المرة في هذه الجولة وهو مشحون بالحقنة السياسية القوية التي أعطاها الاتحاد الأوروبي للإدارة الأميركية بإتخاذه ذلك القرار الذي إتخذه جماعياً وبدون إستنكاف ولا دولة أوروبية واحدة والذي نصَّ نصَّاً صريحاً على أن القدس يجب أن تكون وبالضرورة عاصمة للدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية في الوقت ذاته وعلى أن حدود الدولة المستقلة المنشودة هي حدود الرابع من يونيو ( حزيران ) عام 1967 .

 

هناك حديث عن أن الولايات المتحدة بلورت ما يمكن إعتباره ضمانات تجعل محمود عباس ( أبو مازن ) يتخلى عن تمسكه بضرورة وقف الإستيطان قبل إستئناف المفاوضات لكن الواضح أن هذا هو مجرد كلام في كلام حيث لم تصل لا إلى الفلسطينيين ولا إلى العرب تعهدات مكتوبة بهذا الخصوص .

وبهذا وإذا كان ما يحمله جورج ميتشل إلى « أخواله « الأحباء والأعزاء هو مجرد إبتسامته الجميلة التي تبدو لمن يدقق فيها جيداً مفتعلة وغير نابعة من القلب فإنه يمكن القول أن كل هذا الذي يقوم به هو « وهم الحركة « وأنه لا أمل بتوقع أي خطوة « دراماتيكية « تستعيد العرس السياسي الذي عاشته هذه المنطقة بعد خطاب جامعة القاهرة الشهير الذي هربت حلاوته من بين الأسنان قبل أن تصل إلى الحلقوم !!

=========================

الأقصى في خطر .. فهل من معين؟

د. عايدة النجار

الدستور

21-1-2010

مسلسل التجاوزات والاعتداءات الاسرائيلية على الأرض والانسان الفلسطيني وممتلكاته التراثية والدينية ومعالمه الاسلامية ، من مقابر وعقارات مستمرة دون توقف منذ الاحتلال الاسرائيلي ، تشي بها الحفريات التي يزيد عددها على 60 حفرية نفذتها إسرائيل في جميع أنحاء القدس المحتلة ومنها حفريات داخل السور وخارجها ، وأكثرها في محيط المسجد الاقصى. هدفها تحطيمه لبناء ما يسمى "الهيكل" على أنقاضه.

 

فضح ذلك أعمال إسرائيل السلبية التي تركتها الحفريات ، من تخلخل للمنازل المجاورة وتصدع الابنية ، المجاورة للمسجد الاقصى الذي يلحق به التصدع بشكل مستمر. كان آخرها ما جرى في منطقة سلوان السنة الماضية حيث هبطت أرضية مدرسة قريبة من السور من الجهة الجنوبية. ووقوع انهيار جديد في وادي حلوة في سلوان ، ولكي يبنوا "مملكة داوود" المزعومة مستندين الى خرافاتهم الدينية.

 

ورشة "هدم المسجد الاقصى" تبدو طويلة لاسرائيل المستعجلة لاعلان كل فلسطين دولة "يهودية" ، عاصمتها القدس بكاملها كعاصمة أبدية. الورشة يعمل بها يهود العالم الصهاينة منذ سنين طويلة ولكنها لم تكتمل حتى اليوم. فالعمل الذي تقوم به يأخذ وقتا وإن كانت إسرائيل متسامحة مع "المتعهدين" اليهود المتعصبين ، ولكنها متفهمة للوضع والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يتم العمل بها. ذلك لأن المتعهدين لإتمام العمل يعملون في الليل والنهار وعلى مرأى من العالم الاسلامي والعالم أجمع ولا يفصحون لمن يراهم عن طبيعة عملهم الذي يكاد يكون سريا.

 

ورشة العمل الاسرائيلية اليهودية الصهيونية هذه يبدو أنها قاربت على الانتهاء وهي هدم المسجد الاقصى ، رغم كل القوانين الدولية وما يصدر من قرارات أممية فيما يختص بمدينة القدس منذ عام 1948 ، حيث بقيت حتى عام 1967خاضعة لقرار المنظمة الدولية والاجماع الدولي. إلا أنها وهي لا تلتزم بالقرارات الدولية قامت بضم مدينة القدس وضواحيها بعد عام 1967 ، واعتبرتها جزءا من "أرض إسرائيل" ، ولم تكتف بذلك وفي عام 1980 أصدرت قانونا باعتبار "القدس العاصمة الابدية للدولة اليهودية".

 

ويظل التاريخ يذكر بذلك كلما حاق الخطر بالمسجد وما حوله من مقدسات. ومع الاسف دون عمل جاد وقوي ومتواصل من العالم الاسلامي. ولعلنا نذكّر بهبّة البراق 1929 ، عندما إستفز اليهود المشاعر العربية الاسلامية في سبتمبر عام 1928 ، والمصادف ليوم عيد الكفارة أو "الغفران" عند اليهود. فقد خططوا آنذاك للاستيلاء على حائط ما يسمونه "المبكى" ، وتصدى لهم الشعب الفلسطيني في سلسلة حوادث أدت لاصطدامات دامية وقعت في آب عام 1929 ، تعرض بها الفلسطينيون لقمع وحشي من الجيش البريطاني واليهود.

 

أجبر المسلمون العرب اليهود على إزالة المقاعد التي وضعوها أمام الحائط وأجبروا البوليس على نزع "الستار" الذي نصبوه للفصل بين الرجال والنساء في محاولة لتحويل الحائط الى كنيس يهودي والقبول ب"الامر الواقع". وقد دفع الفلسطينيون 116 شهيدا 232و جريحا كما قتل من اليهود 133 قتيلا 339و جريحا ، وعمت المظاهرات مدن نابلس وجنين وطولكرم وغزة ، وأحضرت السلطات البريطانية طائرات وسيارات مصفحة وألحقت الدمار في قرى لفتا ودير ياسين وسجن وقدم للمحاكمة 1000 من العرب واليهود %90 منهم من العرب.عقابا للمشاركة بالهبة ، وكان بينهم ثلاثة شهداء هم عطا الزير ومجمد جمجوم وفؤاد حجازي الذين اعدموا بتاريخ 17 حزيران 1930 وقد عم الحزن الشديد للعمل الاجرامي الكبير.

 

صورة تاريخية للاعتداء على المسجد الاقصى ومقاومة الفلسطينيين له ، واليوم و الاعتداءات مستمرة وإن كانت بأسلوب جديد وهي هدم المسجد. والسؤال يظل يلح: لماذا هذا السكوت المذهل والحرم يتهاوى رويدا رويدا؟ لماذا هذا الوجوم وإسرائيل تقوم بتنفيذ فرض "الدولة اليهودية" ، على المكان والانسان؟ لماذا هذا التقاعس عن العمل الجماعي الجاد والصريح والقوي من العالم الاسلامي والعربي الذي يتفرج؟ ولماذا هذا الشلل من المنظمات الدولية التي تعتبر القدس القديمة بما فيها من مقدسات إسلامية من ضمن التراث العالمي الذي من المفروض أن تحميه؟.

 

لا بد من "هبة جديدة" ، ولعل تركيا وإيران تبدآنها وقد وضحت سياساتهما الانسانية بالنسبة للتغول الاسرائيلي. ولعلنا نسمع أن عملا ما في طور التحضير للاجابة عن الاسئلة المطروحة.

=========================

مطلوب وقف الحملات الاعلامية قبل المصالحة الفلسطينية

عبدالله محمد القاق

الدستور

21-1-2010

 من المستبعد ، قيام اية مصالحة فلسطينية في هذه الظروف الحرجة والحساسة التي تمر بها القضية الفلسطينية او انهاء الاشكاليات والصدامات كافة بين فتح وبعض الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حماس دون وقف الحملات الاعلامية المتصاعدة بين الجانبين لكونها تُسهم في تمزيق الصف الفلسطيني وتساعد في تأجيج المواقف ، وتحول دون التوصل الى اتفاقات من شأنها ان تُعيد اللحمة الفلسطينية الى سابق عهدها.. بحيث يكون للفلسطينيين كلمة واحدة في الاوساط المحلية والعربية والدولية بدلا من هذا الخلاف الحاد الذي لم تشهد له الساحة الفلسطينية مثيلا من قبل ، خاصة وان كل الجهود المساعي ينبغي ان تبذل لانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية ووقف عمليات الاستيطان وقضم الاراضي في مدينة القدس وغيرها ، ومحاصرة المسجد الاقصى المبارك ووقف الحفريات لأساساته وانهاء موجة العنف لقطعان المستوطنين ضد الفلسطينيين في العديد من المحافظات مثل الخليل ونابلس وقلقيلية وغزة وغيرها.

 

هذه الحملات اساءت بشكل واقعي وصريح للقضية الفلسطينية فأصبح القاصي والداني يتحدث عن ضرورة انهاء هذه الخلافات ووقف الحملات التي اساءت بل اضرت بقضيتنا الوطنية والقومية ، والتي يحتفل العرب باعتبار مدينة القدس عاصمة للثقافة العربية والذي لم يأل جلالة الملك عبدالله الثاني العمل والسعي الدؤوب من اجل حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطينية وعاصمتها القدس فضلا عن جهود جلالته التي تمثلت في منع اقتحام المسجد الاقصى ودعوته الى ضرورة استجابة اسرائيل للدعوات والمطالبات الدولية لاعادة اطلاق المفاوضات الفاعلة والجادة لانهاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي - وتحقيق السلام في سياق اقليمي شامل.

 

فاذا كانت الدول الكبرى مثل روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا تطالب بانهاء الخلافات بين الفلسطينيين فان الواجب يحتم على القوى الفلسطينية ان تعمل لانهاء هذه الخلافات والتوجه نحو المصالحة بالرغم من الاخطاء الكبيرة التي ارتكبتها قيادة السلطة الفلسطينية مؤخرا بسحب تقرير غولدستون القاضي اليهودي الذي جرّم اسرائيل بارتكابها جرائم حرب ضد الفلسطينيين وفي غزة من مؤتمر حقوق الانسان في جنيف ولاستمرار السلطة في مباحثاتها العبثية مع اسرائيل بالرغم من ان نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير خارجيته يؤكدان بحضور المبعوث الامريكي للسلام ان لا سلام ممكنا ومتوقعا قبل مرور عقدين من الزمن.

 

آن للفلسطينيين ان يلملمو صفوفهم ، ويضعوا خلافاتهم جانبا ووقف هذه المهاترات وبدء مرحلة جديدة من التفاهم والمصالحة الفلسطينية والتي عرضتها مصر والتي تعتبر خطوة عملية لوقف هذا التدهور والانحدار والانشقاق الفلسطيني الذي لن يكون في صالح الفلسطينيين ، بل يزيد من شرخ العمل الموحد.. ولن يحقق الغاية المرجوة في العمل الجاد والمطلوب من اجل حل الدولتين لا سيما وان الولايات المتحدة فشلت حتى الان بالرغم من حصول الرئيس الامريكي اوباما على جائزة نوبل للسلام.. من اجل اجبار اسرائيل على وقف الاستيطان ، وأخذت تطالب اطرافا عربية بغية تطبيع العلاقات مع اسرائيل.

 

لقد اوضح الاردن والسعودية ان مبادرة السلام العربية لن تبقى مطروحة على الطاولة الى الأبد.. وهذا يعني ان اسرائيل التي تفرض حصارات كبيرة على الفلسطينيين مطالبة باغتنام الفرصة لقبول كل من خريطة الطريق ومبادرة السلام العربية لاحلال السلام العادل والدائم في المنطقة بدلا من تشجيعها لهذا الخلاف الفلسطيني وسعيها لتأجيجه عبر كل الصعد لمواصلة اجراءاتها التهويدية والقمعية في مدينة القدس واستمرار احتلالها للاراضي العربية المحتلة.

 

فالمطلوب السعي الجاد للتصدي للضغوط الاسرائيلية والامريكية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية وضرورة التوحد الفلسطيني بالعودة الى طاولة المفاوضات لانهاء هذه الخلافات خاصة وان الحكومة الاسرائيلية المتطرفة لا تبدي الحد الادنى من الاستعداد للسير في طريق التسوية التي من شأنها انهاء الاحتلال العسكري والاستيطاني للاراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 .

 

فاذا كان تقرير غولدستون رافقه الكثير من الاجتهادات والاراء من القيادة الفلسطينية فان ما اقدمت عليه السلطة وللاسف كان بمثابة دعم لاسرائيل في التهرب والافلات من محاكمة قادتها وسياسييها على جرائمهم خلال الحرب على القطاع.. وهذا يعني للأسف ان السلطة باتخاذها هذا القرار مع علمها ان 33 دولة ستصوت الى جانب ادانة اسرائيل ليست حرة وان قراراتها مقيدة ومحكومة بالضغط والابتزاز الامريكي الاسرائيلي فضلا عن ان السلطة كما اشار معظم السياسيين والمعلقين العرب لا تملك القرار المستقل فيما يتعلق بالكثير من القضايا لان الاحتلال ما زال مسيطرا ومتحكما بكل شيء في الحياة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة سواء بالمعابر وحرية الحركة والتنقل بين المدن والبناء والمياه وحتى قطف الزيتون الذي اصبح بحاجة الى تصريح من سلطات الاحتلال .

 

واذا كنا نطالب الفلسطينيين بوقف الحملات الاعلامية رغبة في ايجاد صيغة للتفاهم المشترك وازالة الخلافات والضغائن للتوقيع على اتفاق المصالحة الذي تقوده مصر فاننا ندعو الدول العربية والاسلامية للتحرك على مستوى الجمعية العامة للامم المتحدة لطرح الانتهاكات الاسرائيلية في القدس باعتبارها مدينة محتلة وان اجراءات اسرائيل فيها هي اجراءات احتلال.. الامر الذي يحتم وضع خطة استراتيجية سياسية واقتصادية عربية اسلامية توفر مستلزمات الصمود للمواطن المقدسي في حال الصراع الديمغرافي الذي تشهده القدس مع اجراءات الاحتلال الهادفة الى تقليص نسبة العرب فيها.

 

فاذا كانت القضية اللبنانية والخلافات حول تشكيل حكومة قد شهدت عقد قمة ثنائية بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس السوري بشار الاسد ، فاننا نعتقد ان تحقيق المصالحة ووقف المهاترات الاعلامية بين الفلسطينيين ، امر يستوجب المزيد من اللقاءات بين عدد من القادة العرب لوقف هذا المسلسل انطلاقا من المصلحة الوطنية والقومية والتي تتطلبها الظروف في المرحلة الراهنة والحساسة.

=========================

النزاع الأمريكي الإيراني

مازن كم الماز

21/01/2010

القدس العربي

في الحقيقة لا تمثل قضية المشروع النووي الإيراني لب الصراع الإقليمي بين أمريكا و إيران , فهذه القضية ثانوية نسبيا من وجهة نظر المصالح الأمريكية بينما هي تحتل المرتبة الأولى من جانب إسرائيل .

فعلى الضد من القيمة الإعلامية أساسا لاستهداف إسرائيل بالصواريخ الإيرانية بعيدة المدى مثل شهاب – 3 فإن تطور المقدرة الإيرانية على استهداف آبار النفط و أنابيب نقله و مصافي تكريره الأقرب هي الأكثر خطورة من الناحية الإستراتيجية..إن توسع صناعة الصواريخ الإيرانية بمساعدة كورية شمالية و صينية و ربما روسية أو أوكرانية قد منح إيران قدرة هامة على استهداف هذه المواقع الهامة استراتيجيا بأعداد كبيرة نسبيا من الصواريخ التي لا تحتاج إلى زمن طويل لبلوغ هدفها مما يجعل اعتراضها أصعب من اعتراض تلك الصواريخ المصوبة نحو إسرائيل..نعم أن أداء منظومات اعتراض الصواريخ أرض – أرض قد تحسن بشكل ملحوظ فقد تمكنت مثلا صواريخ الباتريوت – 3 الأمريكية المنصوبة في الكويت من اعتراض العدد المحدود جدا من الصواريخ العراقية التي أطلقت على الكويت في حرب الخليج الثانية على عكس الحرب الأولى لكن هناك ثغرتين أساسيتين في هذه المنظومات : هي أولا عجزها حتى الآن عن اعتراض الصواريخ التي تطير على ارتفاعات منخفضة مثل صواريخ كروز مثلا , فقد وصل صاروخ عراقي صيني الصنع من طراز سيلكوورم إلى هدفه في الكويت في حرب الخليج الأخيرة 2003 وهو أساسا صاروخ مضاد للسفن يطير على ارتفاع منخفض مما يعقد مهمة رصده و اعتراضه من منظومات الدفاع المضاد للصواريخ و تمتلك إيران أعدادا من هذا الصاروخ على ما يعتقد , كما أن جدوى هذه المنظومات في مواجهة هجمات بأعداد كبيرة من هذه الصواريخ قد تتراجع مع امتلاك إيران لأعداد كبيرة من تلك الصواريخ..لقد عجزت منظومات الدفاع ضد الصواريخ الإسرائيلية مثلا في حرب تموز 2006 في اعتراض صواريخ الكاتيوشا التي أطلقها مقاتلو حزب الله و التي تعود تكنولوجيا إلى ستينيات القرن العشرين و هي نسخ روسية و إيرانية وسورية من الصواريخ التي تملكها و طورتها إيران..من المؤكد أن المسافة بين قواعد الصواريخ الإيرانية و أهدافها المحتملة أبعد من صواريخ حزب الله لكن من المؤكد أيضا أن المخزون الإيراني من صواريخ فجر – 3 و 5 و زلزال -1 و 2 المصنعة محليا أكبر بكثير من ترسانة حزب الله إضافة إلى مخزون هام من صواريخ متطورة مضادة للسفن , كانت إحداها تلك التي أصابت البارجة الإسرائيلية في حرب تموز عدا عن أن احتمال مشاركة المدفعية الثقيلة الإيرانية بعيدة المدى ضد هذه الأهداف سيجعل الدفاع عنها فاشلا بالكامل..يضاف إلى ذلك التأثير الهائل لرد إيراني و ل و محدود على أهداف نفطية خليجية أو على السفن أو ناقلات النفط التي تجتاز الخليج اقتصاديا و سياسيا..في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية يبقى حزب الله , كما كان في "المواجهة" السورية الإسرائيلية في الماضي , قوة مؤثرة و قادرة , و من هنا يأتي تزويده إيرانيا و سوريا بمعدات متطورة قادرة على إيقاع خسائر هامة بالجيش و العمق الإسرائيلي كما اتضح في حرب تموز..لكن من المؤكد أيضا أن المواجهة الأمريكية الإيرانية لم تصل بعد حد القرار الإستراتيجي بتدمير الخصم و تحييد قوته بما يعنيه من استعداد لتحمل تبعات مواجهة مفتوحة , هذا صحيح أمريكيا كما هو صحيح إيرانيا..إن دعم إيران لخصوم أمريكا في لبنان و فلسطين و إلى حد ما في العراق لا يصل إلى درجة الحرب الكاملة , فقد أمكن عقد "مصالحة" بين الخصمين المتصارعين في لبنان تقوم على دور رئيسي لحزب الله حليف إيران اللبناني في تحديد سياسات الحكومة , و عراقيا شهد العام الماضي تراجع متواصل "اختياري" للقوى الشيعية التي تناصب الوجود و المشروع الأمريكي في العراق العداء و استمرار التعاون "المبدئي" بين المجلس الأعلى و حزب الدعوة المقربين أيضا من إيران مع الاحتلال الأمريكي..أمريكيا فإن السيطرة شبه المطلقة على المنطقة ثابتة إلى حد كبير و أمنة من أي تحد جدي , و لا يبدو أن رغبة إيران بتعزيز نفوذها الإقليمي يسير في اتجاه مواجهة مصيرية مع النفوذ الأمريكي المطلق , لا يوجد تصدير للثورة اليوم خلافا لما كان عليه الحال بعد نشوب الثورة الإيرانية و قبل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية , و لا توجد حركة ثورية ناشطة تستهدف الأنظمة الموالية لأمريكا في المنطقة , على العكس تماما فالحراك كله يدور اليوم حول توترات طائفية تستخدمها إيران و حكومات الخليج و مصر لصالحها , هذا الشكل من الصراع لا يتناقض مع مصالح الولايات المتحدة ما دام لم يبلغ حد الحرب الأهلية المفتوحة , كما كان الوضع في العراق من قبل و حتى اليوم بدرجة مخففة , فهذه التوترات توفر للولايات المتحدة إمكانيات كبيرة للتحكم بالوضع و هي تناسب أيضا الأنظمة القائمة على ضفتي الخليج إذ يجعلها تبدو كممثلة حقيقية لشعوبها على الرغم من كل الأزمات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تواجهها و هي كلها أزمات جدية , من إيران إلى السعودية إلى اليمن , تتناول شرعية النظام و تحالفاته الداخلية و الإقليمية و خطابه الإيديولوجي الرسمي .

كاتب سوري

=========================

إستراتيجية إسلامية جديدة؟

راجح الخوري

النهار

21-1-2010

تشجّع المحادثات التي جرت في الرياض بين رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان والمسؤولين السعوديين، وعلى رأسهم الملك عبدالله، على الإفتراض أن هناك أساساً متنامياً يمكن أن يساعد على قيام إستراتيجية إسلامية جديدة للتعامل مع قضايا الدول الإسلامية ومع العالم ايضاً، وفق صيغة متطورة في المبادرة والمسؤولية والعمل ونسج العلاقات وهندسة الحلول.

هل يمكن الحديث هنا عن ثنائية تجمع بين "القوة الناعمة" التي ترفع أنقرة لواءها وبين "ديبلوماسية التضامن" التي تشكل أساس السياسة السعودية منذ زمن بعيد، بما يمثل قاعدة عمل إسلامي جامع يسعى الى إيجاد حلول ناجعة لكثير من المشاكل في الدول الاسلامية، وبما يؤسس لاسقاط الخطط الصهيونية التي مضت بعيداً في تصوير الاسلام وكأنه ضد العالم؟

إنه سؤال دقيق أو بالإحرى "سؤال طموح"، ولكن التأمل في وقائع التحرك التركي الناشط وأدبياته وخطابه، وكذلك التدقيق في طبيعة الحرص السعودي الدائم على التضامن عربياً وإسلامياً، وخصوصاً بعد مبادرة خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت لترتيب أوضاع "البيت العربي"، إن كل هذا يشجع على الإفتراض فعلاً ان العالم الإسلامي الممتد من شمال غرب الصين الى جنوب غرب موريتانيا بات يشهد الآن نوعين من العمل والممارسة في بورصة العلاقات الدولية.

في كلام أوضح، هناك "القوة الناعمة" التي يتسع إطارها من خلال تفعيل "منظمة المؤتمر الإسلامي"، وهناك "القوة الخشنة" التي تمثلها إيران وحلفاؤها وتتزايد حدة الاحتكاك بينها وبين العالم. هناك قوة الديبلوماسية وهناك قوة العداء، يمكن القول أيضاً هناك قوة الحرائق والصواريخ وهناك قوة الاطفائيات.

هل هذا يعني اننا ذاهبون الى مواجهة بين هاتين القوتين المتناقضتين في السياسة والممارسة؟

نسارع الى القول او الجزم: قطعاً لا. لأن تركيا والسعودية تريدان إسقاط مخطط الفتنة الصهيوني المشبوه لخلق صراع شيعي – سني. واذا كان اردوغان قد زار طهران قبل فترة وجيزة ويعمل على توثيق علاقاته بها، فإن الملك عبدالله سعى دائماً الى تطويق المؤامرة الصهيونية على الاسلام وحرص على استمرار جسور التفاهم والحوار مع طهران، حتى في هذه الأيام بعد تحريك الحوثيين الى الحدود السعودية عبر اليمن.

***

صحيح ان تركيا قررت "اجتياح" المسرح الدولي عبر البوابة الجنوبية الاسلامية بدلاً من البوابة الشمالية الاوروبية، ولكن قيام تعاون تركي – سعودي يستقطب "منظمة المؤتمر الاسلامي"، التي يرأس أمانتها العامة تركي هو أكمل الدين إحسان أوغلي، والتي للسعودية فيها الكلمة الفصل، يفتح الأبواب على قيام إستراتيجية تسعى الى حل مشاكل العالم الاسلامي، وفي مقدم أهدافها إعادة الرياح الدافئة الى علاقات إيران بمحيطها ودعمها تالياً لحل مشكلتها النووية مع الغرب بالتفاوض والتفاهم.

يملك الإيرانيون صوتاً نارياً وصاروخياً في مواجهة العدو الإسرائيلي له قواه وقواعده في غزه وجنوب لبنان، وهو صوت قدّم انتصارات عبر "حزب الله"، لكنه لم ولن يقدم حلولاً عندما يدعو الرئيس محمود أحمدي نجاد مثلاً الى إزالة إسرائيل بل يقدم لها خدمة كبيرة بتجييش العالم الى جانبها.

والآن دعونا نستمع الى صوت "القوة الناعمة" من الرياض حيث قال أردوغان: "إن قضية فلسطين لا تتعلق بالفلسطينيين فقط، بل تتعلق بنا جميعاً وتؤذي ضميرنا. ولا يوجد شيء طبيعي أكثر من إهتمام تركيا بمصير الفلسطينيين، ليس لأنهم مسلمون بل لأننا كائنات بشرية (...) وهل نحجم مثلاً عن إرسال مساعدات الى هايتي لأنهم مسيحيون؟"!

وحدها هذه الكلمة تكفي لخلق ما يساعد على إيقاظ العالم على بشاعة عدوان إسرائيل تمهيداً لفرض سلام عادل ومشرّف، وهو ما هدفت إليه "المبادرة العربية للسلام" التي وضعها أصلاً الملك عبدالله.

لم يكن أردوغان في حاجة الى الإشادة ب"إسهامات السعودية من أجل تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ومن أجل رقي شعوب المنطقة وتقدمها"، ربما لأنه عندما استطرد في الحديث أكد أهمية السياسة السعودية بالدعوة الى زيادة التضامن والتعاون وتكثيف المشاورات و"العمل بشكل مشترك لمواجهة مشاكل المنطقة ومعالجتها".

***

وعندما كان أردوغان يتحدث في الرياض، كان وزير خارجيته مهندس "القوة الناعمة" احمد داود أوغلو يطالب ايهود باراك في أنقرة بمعاودة المفاوضات غير المباشرة مع سوريا، مؤكداً حق الشعوب في العالمين العربي والإسلامي بربط أي علاقات استراتيجية تركية مع إسرائيل بتغيير جذري في سياسة إسرائيل في المنطقة.

لكن طموحات "الإستراتيجية الإسلامية" الجديدة التي أشرنا إليها أعلاه لا تتوقّف هنا، بل تبدو كبيرة ومترامية وستدخل حيّز العمل الجاد يوم الثلثاء من الأسبوع المقبل 26 كانون الثاني الجاري، عندما تستضيف أنقرة قمة تعقد بالتعاون مع "منظمة المؤتمر الإسلامي" وتضم: أفغانستان وباكستان وإيران وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان والصين، وتشارك فيها السعودية ودولة الإمارات بصفة مراقب.

هدف القمة، التي تدعمها الرياض بقوة، تفعيل دور الدول الإسلامية في إحتواء الصراع المحتدم في أفغانستان، والبحث عن حل إقليمي لهذه الحرب المزمنة التي تلقي بظلال الإرهاب والتطرّف على دول الجوار كما على صورة الإسلام في العالم.

وإذا كان مثل هذا المؤتمر يساعد على فهم أهمية قيام "استراتيجية إسلامية" جديدة وشاملة، فإن من الضروري أن نتذكّر الآن أهمية الرسالة التي كانت القيادة السعودية قد حرصت على توجيهها الى العالم قبل أسبوعين، عندما منحت أردوغان "جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام" لأنه يمثّل نموذجاً للقيادة الواعية والحكيمة في العالم الإسلامي (...) وهو في مقدّم المؤسسين المسلمين لتآلف الحضارات على أساس الحوار البنّاء والانفتاح إنطلاقاً من مبادئ التعاون والتفاهم الدوليين.

=========================

العقلانية العثمانية" تحاول جمع التناقضات بين الاطلسي وسوريا وإيران

العودة التركية اختبار للتوازنات والمخاوف من شرق متغير

قوة عسكرية جنوبا ولغة تحيا شمالا واتفاقات اقتصادية

هيام القصيفي

النهار

21-1-2010

قد تكون " سفربرلك" آخر كلمة تركية مطبوعة في ذاكرة اللبنانيين الذين توارثوها منذ ان كانت السلطنة العثمانية تنشر عسكرها في جبل لبنان، قبل ان يموت " الرجل المريض"، وتتحول الكلمة اسطورة رحبانية، يختلط فيها الحلم بالحقيقة.

لكن اللغة التركية عادت على ما يبدو لتحيا مجددا في لبنان، ومعها يعود الدور التركي طارحا جملة بنود للنقاش عن الدولة التي تعيد انتاج دورها في منطقة الشرق الاوسط، وتفرض مرة اخرى ايقاعا مختلفا حول نهجها في الدخول في لعبة المحاور التي تترك تأثيرها المطرد على الساحة اللبنانية.

ثمة مسافة كبيرة بين الاسطورة والواقع، فاذا كان بعض اللبنانيين يعتبرون ان من الظلم اختصار السلطة العثمانية بحوادث 1860 ومرحلة نهاية المتصرفية وجمال باشا او حتى بمرحلة الامير فخر الدين، فان ثمة شعورا لبنانيا دفينا يمتزج فيه التطلع الى تركيا بالاعجاب المقترن بتجربة الدولة العلمانية المترجحة بين الحجاب والعسكر، وبين النظر اليها كمتّهمة بشهداء 6 ايار و"الابادة الارمنية" بحسب التعبير الذي يصر كل ارمني – لبناني على استخدامه. والمفارقة الا يحمل اللبنانيون اليوم – ما خلا الطائفة الارمنية – حقدا دفينا على الاستعمار التركي، كما كانت حالهم في وقت من الاوقات مع النظام السوري. لعلّ الزمن الطويل الذي مر على تلك الحقبة كان كفيلا بذلك، بحسب ما يقول ل"النهار" استاذ التاريخ الاقتصادي والاجتماعي العثماني وعلم اجتماع واقتصاد الشرق الاوسط الدكتور بطرس لبكي: "لقد مر وقت طويل على ما حدث حينها، اضافة الى ان التطور التركي في ظل مؤسس الدولة التركية مصطفى كمال اتاتورك وبعده، والمظهر الغربي الذي تميزت به تركيا، ازال النزعة العدائية التي كانت لدى الجيل السابق، في حين ان الاجيال اللبنانية الجديدة التي تعرفت الى تركيا عبر السياحة والتعليم الجامعي، تنظر اليها نظرة مختلفة".

من اسطنبول إلى الجنوب

منذ حرب تموز 2006، بدا ان ثمة متغيرات تركية تحاول شق طريقها الى لبنان. كانت المشاركة التركية في قوات " اليونيفيل المعززة" تنفيذا للقرار الدولي 1701 اول حجر على خط العودة التركية الى لبنان، بحرا وبرا. دخل الاتراك لبنان مجددا في 10 تشرين الاول عام 2006، على وقع الاعتراض الارمني، بحسب ما يقول ل"النهار" الامين العام لحزب الطاشناق هوفيك مخيتاريان، الذي نفذ حزبه اعتصاما حينها امام مقر "الاسكوا" احتجاجاً: "منذ اللحظة الاولى حذرنا من هذا الدخول، ونبهنا الى ان الوجود العسكري التركي سيكون بداية لمرحلة جديدة بدأنا نتلمس معالمها حاليا".

شاركت تركيا بقوة عسكرية مؤلفة حاليا بحسب المعلومات العسكرية اللبنانية بنحو 300 جندي وضابط يخدمون في القطاع الغربي من ضمن القوة الدولية العاملة في الجنوب، وكذلك يشارك الاتراك بفرقاطة بحرية من ضمن القوة البحرية التي تجوب المتوسط تنفيذا للقرار الدولي منعا لتهريب السلاح الى لبنان. وتقدّم القوة التركية جنوبا مساعدات اجتماعية وحصصا غذائية وتربوية اضافة الى عملهم العسكري، وهم قدموا أخيراً تجهيزات الكترونية لمدارس في صور والقليلة ومولدات كهربائية.

لم يأت الدخول التركي الى لبنان عاديا، فالقرار الذي اتخذه آنذاك رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، طرح جملة اسئلة عن الهدف التركي من دخول الساحة اللبنانية اثر حرب تموز، وسط تباين في المواقف اللبنانية منه. ولعلها مفارقة أن يكون "حزب الله" أبدى حينها خشية من هذا الدخول" السني" الى مناطق الجنوب، وان تكون تركيا عضوا في حلف شمال الاطلسي وتدور في الفلك الاميركي المناوىء للفلك الايراني – السوري. وقد عبّر الحزب ومقربون منه عن هذه التساؤلات مرارا في تلك المرحلة، فيما كان الاتراك يقدمون انضمامهم إلى "اليونيفيل" على انه "مقدمة لدور الوسيط في منطقة الشرق الاوسط بين الدول العربية واسرائيل".

تركيا في الشرق الاوسط الجديد

لا تشبه مرحلة الامس التطورات الحالية بعدما حصدت تركيا اعجاب جمهور المحور الايراني – السوري حين انسحب اردوغان من مؤتمر دافوس الاقتصادي اثر مشادة كلامية بينه وبين الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس على خلفية حرب غزة في 29 كانون الثاني عام 2009. بين عامي 2006 و2010 حدثت جملة متغيرات رسمت مجددا خريطة الدور التركي في المنطقة ولبنان على قاعدة جديدة، جعلت رئيس الجمهورية ميشال سليمان يزور تركيا، كثاني رئيس لبناني بعد الرئيس كميل شمعون. وتنامى تدرج هذه المتغيرات وصولا الى زيارة رئيس الوزراء سعد الحريري اليها وتوقيع اتفاقات اقتصادية مهمة.

لكن تركيا - حلف شمال الاطلسي، التي زارها شمعون عام 1955 هي غير البلد الذي يؤدي اليوم دور الوسيط بين سوريا واسرائيل، ويسعى بحسب وصف تقرير غربي الى ان يكون لاعبا في محور ايراني – سوري – في مقابل المحور العربي المتمثل بالسعودية ومصر.

ويختصر سياسي لبناني مواكب للدور التركي ما تقوم به تركيا بأنه "محاولة لمنع نشوب حرب في المنطقة، تعيد رسم خريطة الشرق الاوسط. فأي تغيير في الخريطة الحالية يمكن ان يؤدي الى نشوء دولة كردستان المستقلة التي بدأت نواتها تتشكل نفطيا وعسكريا، وهذا هو لب المشكلة التركية ونواة الجولات المكوكية التي يقوم بها اردوغان". تشكل كردستان القلق التاريخي لتركيا، وهي التي حوّلت التوتر الشديد الذي كان قائما بينها وبين سوريا، تفاهمات واتفاقات تبادل وتعاون في مختلف المجالات الامنية والعسكرية والاقتصادية. وانطلاقا من هذا التحول بدأت تركيا تستفيد من دورها الجديد مع سوريا وعلاقاتها مع اسرائيل من اجل بناء دور محوري لها في الشرق الاوسط، فكانت فكرة المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل ابيب التي انطلقت في ايار عام 2008، والتي ما لبثت ان عُلّقت اثر الهجوم على قطاع غزة في نهاية العام نفسه.

تمسّكت سوريا بالقشة التركية فيما كان العالم الغربي يترجّح بين من فتح ابوابه امامها كما فعلت فرنسا، ومن يتشدد في استقبالها مجددا كما هي حال واشنطن. وجاء الحل التركي ليفتح امام سوريا آفاق حل للعزلة التي كانت تعيشها منذ عام 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن المفكرة التركية لم تكن تتضمن بندا وحيدا، فتركيا سعت الى ان توطد علاقاتها مع السعودية ومع العالم العربي، فيما كانت تبدأ فتح صفحة جديدة مع ايران، على خلفية الملف النووي وسعيها الى دور الوسيط مع واشنطن لفكفكة الالغام امام اي حرب محتملة.

تعرف إيران ان تركيا تشكل منافسا حقيقيا لها في المنطقة، لكنها عرفت ايضا كيفية تطويع علاقتها مع الدولة " السنية" من اجل كسب مزيد من الوقت، بعدما فقدت الباب العربي الذي كانت الرياض تحاول تأمينه لها.

لم يكن سهلا على انقرة جمع كل التناقضات في سلة واحدة، اذ انها تحاول التوفيق بين سوريا ولبنان وايران والسعودية من جهة ثانية، في محاولة لتعويم دورها في الشرق الاوسط وتعزيز اوراقها السياسية. وتكفي قراءة روزنامة تحرك اردوغان لتلمس مدة القدرة التركية على الامساك بخيوط كثيرة في يد واحدة. تنقل اردوغان بين ايران في تشرين الاول عام 2009 حين التقى الرئيس محمود احمدي نجاد، وواشنطن حيث استقبله الرئيس الاميركي باراك اوباما في كانون الاول من العام نفسه، وزار سوريا في 22 كانون الاول بعدما وصلها رئيس الوزراء سعد الحريري باربعة ايام، ليستقبله بنفسه في اسطبمول في 12 كانون الثاني الجاري ثم ينتقل الى السعودية، ويلتقي الحريري مجددا في دبي، فيما يخوض حربا ديبلوماسية مع اسرائيل، لا تصل الى القطيعة، رغم الغاء المناورات المشتركة، والحرب الديبلوماسية على خلفية مسلسل تلفزيوني فجّر نار الخلافات الكامنة تحت الرماد. لكن البلدين يدركان تماما حاجة كل منهما الى الآخر، فكانت زيارة وزير الدفاع ايهود باراك لاحتواء الازمة.

وبين الخلافات والتشنجات المرحلية، تستمر تركيا في أداء دور الوسيط بين دمشق وتل ابيب. في 9 تموز نقلت صحيفة "هآرتس" عن مسؤول تركي معني بالمفاوضات ان الوقت حان لمفاوضات مباشرة بين البلدين. جاء الكلام التركي عشية زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لباريس التي تبعه اليها الرئيس السوري بشار الاسد في 12 تموز 2009.

لكن المفاوضات المباشرة لم تنطلق ولا المفاوضات غيرالمباشرة، وفرنسا التي حاولت الحلول محل تركيا فشلت في دورها، واختار اردوغان وجود الحريري في ضيافته ليعلن ان الرئيس السوري بشار الاسد رفض عرضا فرنسيا لمعاودة المفاوضات غير المباشرة مع تل ابيب.

يقول لبكي، الذي له في تركيا صلات وجذور عائلية ان " تركيا تتميز بانها قمة في العقلانية وفي السياسة، وهذا امر ليس جديدا عليها وهي تعتمده من ايام العثمانيين". ويضيف: "بعد فترة التوتر بسبب حزب العمال الكردستاني، وبموجب اتفاق اضنه عام 1998، تحسنت العلاقات بين البلدين، وبعد وفاة الرئيس حافظ الاسد وتسلم ابنه بشار وصعود نجم حزب "العدالة والتنمية" تطورت العلاقة ايجاباً في شكل تدريجي".

ثلاثة أمور رئيسية دفعت تركيا الى سلوك طريق التسوية الحالية في المنطقة بحسب لبكي: "أولاً دافع داخلي، يتعلق بهوية الشعب التركي الاسلامي الذي تعني له قضية فلسطين، كما تعني ايضا الحزب الحاكم، وثانيا دافع سياسي بعدما اغلقت اوروبا ابوابها امامها. فتركيا تريد التوجه شرقا من دون ترك الغرب، فهي في حلف الاطلسي لكنها تريد توسيع نفوذها السياسي شرقا، من دون ان ننسى موقفها في الحرب على العراق حين رفضت تأمين ممرّ جوي للطائرات الاميركية لضرب العراق. اما العامل الثالث فهو اقتصادي. فالسوق العربية صارت مفتوحة امام بضائعها، وزائر حلب مثلا يعرف كم تغزو البضاعة التركية الاسواق السورية، اضافة الى الخبرات التركية في المجالات الانمائية والاقتصادية. من دون ان ننسى ان سكان مدن تركيا الجنوبية، كاورفا وماردين وعينتاب واسكندورنة، لا يزالون يتحدثون العربية ولو من دون طلاقة".

اين يدخل لبنان وسط الموازييك الذي تحاول تركيا جمعه اقليميا ؟

يجيب السياسي اللبناني " لبنان هو الساحة التي يمكن ان تكون بديلة من الحرب المتوسطية او يعم التفجير المنطقة من خلالها، كما انه الساحة التي يمكن ان ينتقل اليها اي تفجير في المنطقة. وكل الدول الاقليمية والدولية الفاعلة لها يد طولى في لبنان وتتحرك على ساحته. وتركيا الطامحة الى دور اقليمي تريد ان تكون احد اللاعبين اسوة بجميع المشاركين في ادارة الوضع اللبناني".

من جهته، يقول لبكي: "تريد تركيا موطىء قدم لها في لبنان الذي يمثل لها نموذجا يجمع الغرب والشرق، بوجهيه المسيحي والاسلامي، فهو بلد عصري ومتمدن والاسلام فيه يشبه الاسلام التركي العصري. وتركيا تسعى منذ مدة الى توجيه رسائل ايجابية الى اوروبا عبر تحسين اوضاع المسيحيين واعادة ترميم الكنائس السريانية والارمنية، وقد اقيم مثلا يوم ماروني طويل في مرسين التي تتولى امرأة مارونية نيابة رئاسة بلديتها، اضافة الى العلاقة التي سعت تركيا الى اقامتها مع ارمينيا وتوقيع اتفاق معها". بحسب النائب السابق لرئيس مجلس الانماء والاعمار فان "لبنان يستفيد من تركيا سياسيا، في تحقيق توازن استراتيجي اقليمي كقوة ثابتة في مواجهة ايران، واقتصاديا في التبادل التجاري والحركة الاقتصادية، وخصوصا ان لتركيا خبرات في اقامة السدود المائية وفي مجال الطاقة الكهربائية والاعمار والسياحة".

المعارضة الارمنية

شكلت زيارة الحريري لتركيا اول خطوة جدية على طريق استكشاف آفاق التعاون بين البلدين، مع العلم انه سبق للبنان ان وقع في 21 نيسان 2009 مذكرة تفاهم مدتها ثلاث سنوات، بين الجمهوريتين اللبنانية والتركية خلال زيارة سليمان لتركيا. وتنص المذكرة بحسب مصادر الجيش اللبناني على اثنتي عشرة مادة أبرزها التعاون في مجال التدريس العسكري وامن الحدود وقانون النزاعات المسلحة ومراقب الامم المتحدة والعمل المشترك، وعمليات الاغاثة الانسانية". لم تقدم تركيا الى الجيش اللبناني أي مساعدات او تجهيزات عسكرية، ولكنها استقبلت دورة تدريب عسكرية لضباط الجيش. وتبدي مصادر في الجيش ارتياحها الى مجالات التعاون مع تركيا التي لا تزال في بداياتها، لكنها يمكن ان تتطور ايجابا وخصوصا بعد الخلاف التركي – الاسرائيلي، مع العلم ان قائد الجيش جان قهوجي، الذي تلقى امس دعوة لزيارة تركيا، كان قال في حديث سابق الى "النهار" "لا ننسى ان اكثر عتاد الجيش التركي غربي، وعقيدته العسكرية غربية، وهذا امر يسهّل علينا التواصل والتعاون".

ويؤكّد لبكي "أن العلاقة مع تركيا لا تشكل خطراً على لبنان ولا ننسى ان سوريا تفصل بين البلدين". لكن لميخيتاريان رأياً محتلفاً بطبيعة الحال. فاللبنانيون اجمالا لا يعترضون على العودة التركية الى لبنان، ولا ننسى ان تركيا كانت خلال الحرب مصدرا تموينيا وتجاريا عبر البحر ولا سيما في اتجاه بيروت الشرقية التي كانت على عداء مع سوريا، وافادت من مرفأ الاسكندرون لتصدير البضائع الى تركيا والعراق.

يقول ميخيتاريان: "العلاقة بين تركيا ولبنان ليست جديدة، ونحن نتفهم العلاقات بين الدول، وخصوصا تلك التي لا تضر لبنان، لكننا نعتقد ان التطور الذي حصل اخيرا وخصوصا لجهة الاتفاقات الاقتصادية يفيد تركيا وليس لبنان".

في شكل مطلق، للطاشناق موقف اعتراضي على تركيا، ويذكر ميخيتاريان: "بأن تركيا في آخر المطاف هي وارثة الدولة العثمانية، وسياستها الخارجية لم تتغير، ونحن اكثر من عانينا بسببها تاريخيا بسبب الابادة التي تعرّض لها شعبنا. تركيا هي نفسها، البزة تتغير لكن الجوهر يبقى هو نفسه، لا يتبدل. قد يكون أسلوب تركيا الحديثة اصبح مختلفا لكن اهداف الامبراطورية العثمانية لا تزال على حالها. ولا ننسى ان لتركيا مصالح في لبنان والمنطقة وعلاقات مع اسرائيل، تبقى هي الثابتة مهما شابها من خلافات مرحلية كالتي حصلت اخيرا".

لا تتأثر الطائفة الارمنية مباشرة بأي اتفاق، "لكن التأثير على لبنان سيكون لافتا. لقد ابدينا رأينا بقوة في شأن الاتفاق التركي – الارميني، واعترضنا على وجود القوة التركية في الجنوب، واذا كنا لن نقوم حاليا بأي تحرك شعبي، الا اننا سنعبر عن موقفنا عبر نوابنا ووزرائنا من اي اتفاقات تنعكس سلبيا على لبنان، لاننا نريد مصلحته".

ويلفت الامين العام ل"الطاشناق" الى "توسع الهجمة التركية، منذ ان جاءت القوة التركية الى الجنوب، وصولا الى المسلسلات التركية وتعليم اللغة التركية والاتفاقات الي تعقد حاليا. ويجب عدم التقليل من كل هذا التوسع في اكثر من مجال حيوي".

اللغة التركية أباً عن جد

لم يسمع اللبنانيون في معظمهم اللغة التركية، والهجمة الاعلامية الفنية عبر المسلسلات التركية انما تأتيهم مدبلجة باللهجة السورية. لكن لا يزال في لبنان من يتحدث التركية. والعودة التركية الى لبنان بدأت تفتح كتبا عتيقة عن العائلات الاسلامية او المسيحية المتحدرة من اصل تركي وعن العلاقات التي ينسجها ابناء هذه العائلات مع بلدهم الام، وحتى عن املاك العائلات المسيحية التي ضاعت، كما يروي مثلا الاب شربل ابي خليل الانطوني في كتابه " رسالة الرهبان الانطونيين في طرسوس – تركيا"عن دير وكنيسة سيدة النجاة في طرسوس الذي " وضعت عليه الدولة التركية يدها جورا عليه في مطلع عهد اتاتورك" وتسعى الرهبانية الى استرداده من دون طائل.

في 30 تموز من العام الماضي زار وزيرالخارجية التركي احمد داود اوغلو بيروت، لكن الزيارة التي اتخذت طابعا اكثر اهمية كانت تلك التي قام بها لعكار وبلدة الكواشرة التي لا يزال يتكلم اهلها التركية. وفي كانون الاول الفائت افتتح في طرابلس مركز جمعية الصداقة – اللبنانية – التركية، برعاية الرئيس نجيب ميقاتي وحضور السفير التركي، وشددت الكلمات على تعزيز تعليم اللغة التركية والترجمة واقامة الندوات العلمية. وتحدث السفير التركي عن مناقصة لاقامة التكية المولوية "لتكون شاهدا على التاريخ الذي يجمع البلدين". وكان سبق لطرابلس ان احتفلت عام 2006 باطلاق الانارة الجديدة لبرج الساعة الحميدية واطلاق اسم السلطان عبد الحميد الثاني على ساحة السرايا القديمة.

يقول احد المسؤولين في جمعية الصداقة اللبنانية – التركية "ان الجمعية فتحت صفوفا تعليمية للغة التركية، وطلابها ينتمون الى ثلاث فئات، الاولى هي رجال الاعمال والتجار الذي يعملون في تركيا ويريدون تعلم المبادىء الاساسية للغتها، ثم الطلاب اللبنانيون الذين يريدون التعلم في الجامعات التركية، فأبناء العائلات المتحدرة من اصل تركي، وهؤلاء يسعون الى استعادة لغة أجدادهم.

في طرابلس عائلات كثيرة متحدرة من اصل تركي، تتمتع بمستوى اجتماعي واقتصادي، ويبني ابناء هولاء علاقات اقتصادية وتجارية متنوعة مع تركيا. في حين ان الطلاب اللبنانيين يفيدون من المنح التعليمية في مختلف المجالات العلمية والادبية، ومن الاقساط المخفضة للدراسة، قياسا بجامعات لبنان، في اهم جامعات تركيا كالجامعة الاميركية، في اسطنبول وغيرها من الجامعات في ابرز المدن التركية كانقرة وازمير. حاليا يقوم مدرس تركي ارسلته وزارة التربية التركية مهمة تدريس اللغة، لطلاب بات عددهم يراوح في كل دورة بين 15 و30 طالباً، اضافة الى ان عكار تشهد ايضا اهتماما تركيا مماثلا في اعادة احياء اللغة التركية في بلدات لا تزال تعيش تقاليد السلطة العثمانية وأحكامها. ويعول كثير من ابناء الشمال على الغاء التأشيرات بين لبنان وتركيا، لان من شأن هذا الامر تسهيل امور الطلاب والتجار ورجال الاعمال من ابناء الشمال الذين باتوا يعرفون قدرة السوق التركية وقوتها.

=========================

أفغانستان: الحل بتغيير السياسة الأميركية وبزيارة لأوباما

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

21-1-2010

مع حادثتي الرفض الثاني لأعضاء في حكومة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، والهجوم الكبير الذي شنته طالبان على المؤسسات والمباني الحكومية والتجارية في كابل، يقول لي محدثي البريطاني، إنه في أحد الأفلام الوثائقية عن حرب فيتنام، يروي وزير الدفاع الأميركي خلال تلك الحرب، روبرت مكنمارا، عن لقاء له بعد سنوات من انتهاء تلك الحرب مع أحد مقاتلي الفيتكونغ، يقول مكنمارا، إن المقاتل أخبره بأن الأميركيين لم يدركوا إطلاقا طوال حرب فيتنام ماهية الصراع، هم اعتقدوا أنهم يقاتلون الشيوعية العالمية، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم دراسة تاريخ الفيتناميين، وصراعهم ضد الاستعمار الفرنسي.

كانت واشنطن تعتقد أن جنودها يسفكون دماءهم لوقف التمدد الشيوعي، في حين أن الفيتكونغ كانوا ببساطة يواصلون نضالهم الوطني، أي الحرب من أجل الاستقلال، الشيوعية استعملت كآيديولوجية، وأعطت الحركة الهدف والاتجاه، يصل محدثي إلى القول: إننا لا نسأل أنفسنا لماذا تقاتل طالبان؟

الاستياء السائد لدى الأفغان أن العالم تخلى عنهم بعدما ساعدهم على هزم القوات الروسية، وعندما أطلقت باكستان مقاتلي طالبان من مخيمات اللاجئين الأفغان لديها، كانت القوى الأفغانية المتصارعة في الداخل تمزق تلك البلاد، وكانت الفوضى تعم أرجاءها.

طالبان هم من الباشتون، وبعض هؤلاء يعتقد أن من واجب المسلمين كلهم مساعدة إخوانهم في مواجهة الكفرة والاستعمار، وهذا يقربهم من حلفائهم «القاعدة»، لكن هذا المفهوم لا يجب إسباغه على كل الباشتون، وبالتالي على كل طالبان، وكون الغرب يصر على التمسك برؤيته بهذه الطريقة، يعني هذا أن الأخطاء السابقة تتكرر.

صباح الاثنين الماضي، شنت طالبان هجوما منسقا ضد الكثير من المؤسسات والمباني الحكومية والمصارف والفنادق، هناك سوابق لهذه العمليات، فمنذ عام 2008 تشن طالبان في مثل هذا الشهر، أو الشهر المقبل، عمليات انتحارية داخل كابل، وتكون كل عملية أكبر من التي سبقتها، فيوم الاثنين الماضي كانت الأوسع والأبعد معنى ورسائل.

تزامنت بداية الهجوم الدموي مع قسم اليمين لأعضاء في حكومة الرئيس كرزاي، أما الرسائل التي شاءت طالبان إيصالها في هذا الوقت الحساس سياسيا في كابل، حيث تحاول الحكومة منذ أشهر أن تأخذ شكلها النهائي بعد انتخابات رئاسية شابها الكثير من الشكوك والتزوير والرشاوى، فهي أنها غير معنية بتشكيل حكومات مدنية، ويهمها مضاعفة مشكلات كرزاي، جاءت العمليات والولايات المتحدة تستعد لإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وقد أظهرت طالبان أن الشتاء القارس في أفغانستان لم يعد فترة هدنة تستريح خلالها القوات الأفغانية والأطلسية، كما أنها تريد إظهار أن لها اليد العليا في هذه الحرب.

وكان الرئيس حميد كرزاي قد قال في نهاية الأسبوع الماضي، إنه يتطلع إلى استئناف مفاوضات السلام مع فئة من طالبان، وينوي طرح هذا الاقتراح في مؤتمر أفغانستان الدولي، المزمع عقده الأسبوع المقبل في لندن، في العمليات الأخيرة أوصلت طالبان رسالتها بأن معادلة «فرق تسُد» لن تنجح، وعلى الرغم من أن العمليات لم تسفر عن سقوط العدد الكبير من الضحايا كما كانت ترغب طالبان، فإنها أظهرت في حجمها الكبير (عدد الانتحاريين كان 7)، أن قدراتها تتزايد وأن المفاوضات لن تنجح.

وفي حين تستمر طالبان في تنسيق مواقفها وتوحيدها، يرفض السياسيون للمرة الثانية وزراء اختارهم كرزاي، قد يشير هذا إلى حيوية البرلمان، لكنه يؤكد أن الحكم مختل التوازن، بعد فوز كرزاي في انتخابات الرئاسة، فقد الموالون له من النواب مصداقيتهم، لذلك تشعر الفصائل الأخرى بأن الوقت لصالحها وعليها بالتالي إيصال ممثلين عنها إلى الحكومة.

يرى بعض المراقبين السياسيين أن الرفض المكرر للبرلمان الأفغاني لخيارات كرزاي تعبير عن نيته في التعطيل غير المبرر، لأنه ليس كل من رُفض غير كفء، لكن يمكن تفسير هذا بأنه رفض لكرزاي، لأن لطخة الانتخابات الرئاسية لا تزال موجودة وتصر على البقاء، ويرغب البرلمان الذي تسيطر عليه قوى معادية لكرزاي في إبلاغ الرئيس بأنه رغم «نتائج الانتخابات» يبقى رئيسا غير شرعي، بعض الوزراء المكلفين دفعوا ثمن عدم مصادقة النواب على شرعية رئاسة كرزاي، ورأى بعض النواب أن رفض وزراء يعينهم كرزاي هو وسيلة لإجباره على الاستقالة.

يقول لي محدثي البريطاني: صحيح أنه تعبير غير مباشر عن رفضهم لكرزاي، لكن ليس للأسباب الصحيحة، لا لأنه وشقيقه زوروا الانتخابات، إنما لأنه صار ضعيفا، ويعرف الأفغان جيدا أن الأميركيين يضغطون على كرزاي، ويتطلع كل طرف سياسي في البرلمان إلى حصة في غنائم الحكومة، والبرلمان يتطلع إلى تسوية تنتج حكومة تحالف، أي حكومة مختلة التوازن.

هناك مشكلة «مالية» تهيمن على تشكيل الحكومة في أفغانستان، وهناك حرب قائمة يتم فيها دفع الأموال «الأميركية» لطالبان، فالحكومة هناك مركزية، وفي كابل السلطات بين أيدي الرئيس، وواشنطن والحلف الأطلسي والأمم المتحدة يريدون تعيين ممثلا أعلى لهم في كابل، يشرف على تمرير أموال الدول المانحة، حتى الآن كانت واشنطن متمسكة بتوزيع الأموال، في حين يرى كرزاي أن الدول المانحة يجب أن تعتمد الحكومة طريقا لتنفيذ المشاريع، فالأموال التي تتدفق على أفغانستان بسبب الحرب، دفعت أمراء الحرب والسياسيين، من نواب ووزراء وأقارب، إلى إنشاء شركات، خصوصا للنقل والحماية، هي تتولى عقد الصفقات مع الجيش الأميركي، وفي الوقت نفسه تعقد صفقات مع طالبان، يقبضون الملايين لتأمين الحماية لقوافل الجيش الأميركي، التي تصل إلى المناطق مثل قندهار، وتصطدم بهجمات طالبان.

الأطراف السياسية كلها في أفغانستان موالية للرئيس أو معارضة له، موالية للوجود الأميركي أو معارضة له، تذوقت «كرم» واشنطن المالي، الذي قلب حياتها رأسا على عقب، والصراع الآن على تقاسم الغنائم وعدم خسارة «ما صار ملكهم».

البريطانيون منذ البداية لم يكونوا مرتاحين لكرزاي وحكمه، لكن إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش كانت متمسكة به.

الآن تضغط إدارة الرئيس أوباما على كرزاي، الذي كان متعاونا ومرحبا جدا بالأميركيين في السابق، إلى درجة أن عباءته الخضراء صارت تعتبر من الأزياء الأنيقة في صحف الموضة الأميركية، لكن، طالما أن الوسائل والأساليب لم تتغير، فإن رئيسا آخر قد يأتي محل كرزاي، لكنه حتما سينتهي، مع فريقه والمقربين منه، إلى ما انتهى إليه كرزاي، لأنه سوف يرفض الهيمنة المالية الأميركية، ويريد تقنينها عبر إدارته للاستفادة منها.

المعركة المقبلة ستكون حول إجراء الانتخابات البرلمانية، كرزاي يتطلع إلى إجرائها في موعدها المحدد في شهر مايو (أيار) المقبل، علّه ينجح في الإتيان بموالين له، من ناحيتهم يتخوف الأميركيون من هذه الانتخابات التي قد تعكس تسلل تأثير طالبان إلى المزاج الشعبي ضد الاحتلال الأجنبي.

مرحلة تناقضات مقبلة تنتظر كابل، وفي هذه الأثناء، تستمر طالبان في مراقبة الصراع السياسي بين واشنطن وسياسيي كابل، كرزاي يبقى من الباشتون، لكنه صار ضعيفا، وفي الوقت نفسه، فإن الأفغان لا يحترمون الأجنبي الذي لا يحافظ على صداقاته.

يقول أحد المراقبين السياسيين الآسيويين، إن استقرار المنطقة يتطلب سياسة أميركية جديدة، ويتطلب زيارة لكابل من الرئيس أوباما.

====================

اليوم العالمي لنزع الحجاب!

الخميس, 21 يناير 2010

خولة القزويني

المصدر : القبس الكويتية

زبيدة بارك عديدة محامية اسبانية من اصول مغربية مسلمة ومحجبة، اعترضت امام السلطات القضائية الاسبانية على طردها من قاعة احدى المحاكم بعدما رفضت خلع حجابها!

ومن قبلها الشابة المصرية مروة التي قتلت على يد الشاب الالماني العنصري غدرا. وبلد عربي مسلم في شمال أفريقيا تهدد فيه فتاة محجبة بالاغتصاب بسبب ارتدائها الحجاب، اذ اقدمت عناصر من البوليس ترتدي لباسا مدنيا في احد احياء العاصمة المذكورة يوم 25 يناير عام 2008 ، وعلى مرأى ومسمع المارة على خلع حجاب حنان، الطالبة في علم الوراثة، من على رأسها والقائها ارضا، وذلك اثناء توجهها الى الكلية حيث قام احدهم بجرها لارغامها على الصعود الى سيارة الامن تحت التهديد والسب والشتم، لكنهم اخلوا سبيلها امام توسلاتها وصراخها.

وفي تصريح خطير لاحد رجال الاعمال في مصر انه انتقد تنامي الاتجاه الديني في مصر وزيادة عدد المحجبات (يقول: اشعر انني غريب وكأني في ايران!!) وقد قال انه يعتزم اطلاق قناتين تلفزيونيتين الاولى اخبارية والاخرى قناة افلام لمواجهة الجرعة الزائدة من البرامج الدينية والمحافظة في القنوات الاخرى، وان قناته ستقدم برامج خفيفة للشباب وافلاما عربية واجنبية غير خاضعة للرقابة!

 

وهذا غيض من فيض، ولو اسهبت في عرض المزيد من صور ومشاهد المؤامرة على الحجاب لما انتهيت. فمن وراء هذه الحملة الشرسة على الحجاب التي يبدو للعيان انها غير عشوائية، بل منظمة بشكل مدروس. انها حملة دولية اطلقها عدد كبير من المواقع والمدونات على شبكات الانترنت بدءا من تاريخ 8-3-2008 والى يومنا هذا تحت اسم «اليوم العالمي لنزع الحجاب».

 

وقد بدأت هذه الحملة ذات المرجعية الفكرية العلمانية المتطرفة بدعوات للمشاركة عبر المجموعات البريدية ومن مواقع الفيس بوك وبرسائل موقعة من قيادات هذه الحملة التي تطلب فيه علنا وبصراحة خلع الحجاب، وقد استعانت الحملة بصورة امرأة تخلع نقابها وجزءا كبيرا من ملابسها قائلة: هذا هو نموذج الحجاب الذي نريده ولا نرضى لغيره بديلا.

 

نعم انها دعوة الى الحرية من كل قيد أخلاقي أو التزام ديني، فليكشفوا عن نواياهم صراحة لأن مشروعهم الخبيث لن يتحقق ما لم تنزع المرأة حجابها وتكشف عن جسدها الأسير بالجلباب على حد زعمهم.

 

انها حقا مؤامرة على ديننا وهويتنا وحضارتنا. ومن يعتقد غير ذلك فاليه هذا التصريح: غلاد ستون رئيس وزراء انكلترا خلال عهد مصطفى كامل، وفي فترة الاستعمار الغربي على الشرق، يصرح: «لن يستقيم حال الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن».

 

فالمسألة بكل بساطة ليس الحجاب المعني كقطعة قماش، انما المستهدف الهوية في العمق، فهو العنوان الذي يترجم ايمان المسلمة بتشريع الله والتزامها بنهجه، وان ممارسات بعض المحجبات المستهجنة لا تعني بالضرورة خللا في النظرية التي تعطي للحجاب بعدين على مستوى المظهر والجوهر.

اذاً فلنحذر من الاعيب وخدع هذا المشروع العالمي الذي له أذرع طولى في كل المجتمعات العربية والمسلمة بتواطؤ من المؤسسات العلمانية والجمعيات الثقافية التي تنادي بالحرية، والتنوير والتقدم والمساواة.. الخ.

فاحذروا انها شعارات براقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

يقول رئيس وزراء اليهود بيغن: مهمتنا سحق الحضارة الاسلامية، لكن تبقى هذه المهمة شاقة!

نقلاً عن موقع أمهات بلا حدود

====================

أدوات الحكم.... وشر البليّة

المحرر

حركة اللجان الثورية الفلسطينية

على أيّة قاعدة خلق الله عز وجل البشر .. ؟ هل تم خلقهم على قاعدة الحاكم والمحكوم .. ؟ حاشا لله ..! هل خلق الله البشر حكّاما ومحكومين ..؟ وهل الشعوب لا تستطيع تقرير مصيرها بنفسها ..؟ هل يفهم النواب والبرلمانيون أكثر من الشعوب ..؟ أم أن التعلل بالوعي وبإمكانية ممارسة الشعوب لسلطتها أصبحت هي الحجة والمبرر لحكم عباد الله والتحكم في مصائرهم..؟ من هو المنزّه ....؟ وما هي مصادر التشريع ؟ وهل يجوز استبدال الشرائع الأرضية بالسماوية ...؟ متى انحرفت المجتمعات البشرية عن مسارها الاسباني الصحيح ...؟ وما هي أسباب ذلك ؟

هل عرفت البشرية أشد وأقسى من شرور بليّة أدوات الحكم..؟ إن معظم مآسي الإنسانية ناتجة عن أدوات حكمها التي تتصرف في شؤونها وتبرمج حياتها وتصيغها على نحو يلبي مصالح فرق الحاكمين علما بأن ما نقوله هنا أصبح معروفا ومعتادا لدى الجميع باستثناء من اندرجوا في خانة فرق الحاكمين والمدافعين عنها وعن أنفسهم وعن مصالحهم فهم لا يقرون بذلك. 

وهنا تكمن المشكلة فالعموم يعرّض بأدوات الحكم وينتقدها لدرجة تصل إلى حد الشتائم والسب لكن المصيبة في من يعمدون إلى ذلك يكمن في انقلابهم عندما تطرح عليهم الحلول الجذرية العادلة المتناسقة مع الذات الإنسانية ليصبحوا مدافعين عن أنماط حكم مستنسخة عن المعرّض بها والمنتقدة بل والمقذوفة بأشد أنواع الشتائم لا لشيء إلا لان في أنفسهم رغبة بان يكونوا حكاما أو من فرق الحاكمين أو بسبب يتعلق بالجهة التي طرحت هذه الحلول الجذرية والعادلة لمشكلة أداة الحكم . فأداة الحكم هي المشكلة السياسية الأولى التي تواجه الجماعات البشرية والأسرة يعود النزاع فيها أغلب الأحيان إلى هذه المشكلة حتى أصبحت هذه المشكلة خطيرة جداً بعد أن تكونت المجتمعات الحديثة                                            .

إن المجتمعات تعاني العديد من المخاطر والآثار البالغة المترتبة على أداة الحكم التي لم تنجح بعد في حلها حلاً نهائيّا و ديمقراطيّا . فالأنظمة السياسية في العالم الآن هي نتيجة صراع أدوات الحكم على السلطة صراعاً سلمياً أو مسلحاً كصراع الطبقات أو الطوائف أو القبائل أو الأحزاب أو الأفراد ، و نتيجته دائماً فوز أداة حكم : فرد أو جماعة أو حزب أو طبقة ... وهزيمة الشعب ، أي هزيمة الديمقراطية الحقيقية                         .

إن الصراع السياسي الذي يسفر عن فوز مرشح ما بنسبة 51 % مثلا من مجموع أصوات الناخبين تكون نتيجته أداة حكم دكتاتورية ولكن في ثوب ديمقراطي مزيف، حيث إن 49% من الناخبين تحكمهم أداة حكم لم ينتخبوها ، بل فرضت عليهم ، وتلك هي الدكتاتورية.وقد يسفر هذا الصراع السياسي عن فوز أداة حكم لا تمثل إلا الأقلية ، وذلك عندما تتوزع أصوات الناخبين على مجموعة مرشحين ينال أحدهم عدداً أكبر من الأصوات بالنسبة لكل واحد منهم على حدة، ولكن إذا جمعت الأصوات التي نالها الذين أقل منهم أصبحت أغلبية ساحقة، ومع هذا ينجح صاحب الأصوات الأقل ، ويعتبر نجاحه شرعياً وديمقراطياً !. وفي الواقع تقوم دكتاتورية في ثوب ديمقراطية زائفة.

هذه هي حقيقة النظم السياسية السائدة في العالم اليوم، والتي يبدو واضحاً تزييفها للديمقراطية الحقيقية، وأنها أنظمة دكتاتورية.ان الحل يكمن في إيجاد آلية تعيد للشعوب حقها في ممارسة سلطتها .

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ