ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 19/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مستقبل علاقات سوريا الخارجية في العام 2010

عمر كوش

السفير

18-1-2010

عرفت علاقات سوريا الخارجية خلال العام 2009 تطورات هامة، على مختلف المستويات العربية والإقليمية والدولية، حيث بلغ التفاهم الفرنسي السوري مرحلة وصلت إلى حدّ طلب الجانب الفرنسي الدخول كوسيط في المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة، التي توقفت بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وذلك في إطار سعي الرئيس الفرنسي سدّ الفراغ الحاصل نتيجة تراجع وانكفاء الدور الأميركي في ما يُسمى «عملية السلام». لكن ردّ الرئيس السوري بشار الأسد كان واضحاً خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة الفرنسية باريس في تفضيله وعزمه الإبقاء على الوسيط التركي.

وبلغت العلاقات السورية التركية مستوى غير مسبوق من التطور الإيجابي، وصل إلى إنشاء مجلس تعاون إستراتيجي وإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، وتوقيع عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، وبات مشهد علاقات البلدين الجارين، اليوم، يظهر مستوى مميزاً من التعاون والتبادل والتفاهم على مختلف المستويات، السياسية والأمنية والاقتصادية، ويمكنه أن يشكل نموذجاً في العلاقات الدولية. وعلى المستوى العربي، شكّلت زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى سوريا في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2009 خطوة هامة في مسار العلاقات السعودية - السورية، خاصة وأنها توّجت سلسلة الخطوات الإيجابية التي بدأت منذ فترة من الزمن في مسار تحسن علاقات البلدين، ونقلتها من مرحلة التأزم والاحتقان إلى مرحلة التفاهم والانفتاح. كما أطلقت الزيارة موجات تفاؤل لدى العديد من المراقبين في عدد من العواصم المعنية في المنطقة وخارجها، لكونها أعلنت عن انفراج بين الفرقاء السياسيين في لبنان، حيث تشكلت حكومة الوحدة الوطنية، لكن الأهم هو الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى سوريا في 19 نوفمبر/ كانون الأول.

وكان لافتاً الحفاوة البالغة التي استقبل بها الرئيس السوري بشار الأسد ضيفه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في أول زيارة له إلى دمشق منذ حوالى خمس سنوات، والتي أعلنت عن تطور هام في المسار الإيجابي للعلاقات السورية اللبنانية بعد سلسلة الخطوات التي عملت على تهدئة الوضع اللبناني، ودشنها اتفاق الدوحة الذي وقّع بين القوى السياسية اللبنانية بتاريخ 15/5/2008.

لا شك في أن الزيارة، بتفاصيلها وأجوائها، عملت على كسر الجليد وتنقية الأجواء، لكن ما تراكم في علاقات البلدين هو أكثر وأكبر من جليد، حيث ساد خلال مرحلة السنوات الخمس التي مضت جوّ من التوتر والجفاء في علاقات البلدين، وكانت مكلفة بالنسبة إليهما، وخاصة بالنسبة إلى الشعبين السوري واللبناني، وتضررت المصالح وانتشرت أجواء الكراهية والعداء.

ويمكن القول إن التطورات الإيجابية في علاقات سوريا الإقليمية والعربية، سيسهم في تقوية دورها في المنطقة خلال العام المقبل 2010، لكن الأمر لن يكون سهلاً وفي متناول أيدي صناع السياسة فقط، إذ هناك عوامل عديدة من التنافر والتوتر، ومن التجاذب والتفاهم، في علاقات سوريا الإقليمية والعربية، ذلك أن التقارب بين سوريا وتركيا أفضى إلى تناول إيجابي للعلاقات ككل، وليس إلى حسم نهائي للمشكلات القائمة بينهما، الأمر الذي يعني أن الطرفين قاربا الموضوع بمنظار التفهم والتفاعل الإيجابي، وليس الفصل والانقطاع. وينطبق ذلك على مشكلة الحدود، وعلى النزاع المائي بين سوريا وتركيا، وينسحب على السياسة الإقليمية كذلك، إذ على الرغم من اختلاف وتعاكس الرؤى بصدد القضايا الأساسية للمنطقة، إلا أن ثمة أوجهاً تقاربية مثل تأكيد تركيا على أن علاقاتها بإسرائيل ليست على حساب القضايا العربية، وإعلانها بصورة شبه مستمرة، أن السلام بين سوريا وإسرائيل يجب أن يتأسس على مبادئ الشرعية الدولية، وفي إطار إقليمي شامل. إضافة إلى أن اهتمام تركيا بمسألة التسوية السياسية بين سوريا وإسرائيل، ودخولها على خط الوساطة بين الطرفين، هي مؤشرات يمكن أن تطمئن السياسة السورية وتتمسك بها.

وعلى مستوى العلاقات العربية، فإن ما يجمع سوريا بالمملكة العربية السعودية وبلبنان هو أكبر مما يفرقها، من جهة الشعب والتاريخ واللغة، لكن على المستوى السياسي فإن أجندات سوريا مختلفة تماماً عن تلك التي تملكها العربية السعودية، حيث ترى الأخيرة نفسها مندمجة في النظام الدولي، وتربطها علاقات مميزة بالولايات المتحدة الأميركية، وتنظر بقلق وحذر إلى إيران وملفها النووي، في حين أن سورية ترى نفسها في موقع الممانعة، ولم تتطور علاقاتها بالولايات المتحدة إلى المستوى الطبيعي، وعلاقاتها مع إيران ترقى إلى مصاف التحالف الإستراتيجي. وبالتالي فإن عوامل التنافر كثيرة، والمفترض معالجتها بحكمة، وليس فقط الدخول في علمية إدارة ملفات الخلاف.

وبالرغم من كل ذلك فقد شكّلت التطورات الإيجابية، التي حصلت في عام 2009، في مسار علاقات سوريا العربية والإقليمية نقطة تحوّل، يمكن المراهنة عليها، لكنها تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات، وهو أمر يحفز على التفاؤل، مع أن إرادة المستقبل تظل محكومة بعدم الاستقرار المحلي والإقليمي وبطبيعة التدخل الخارجي. كما أن استشراف مستقبل هذا المسار في العام 2010 هو عمل مشكوك في دقته، خاصة إذا تنبهنا إلى أن صنع السياسة الخارجية لا يتم وفق أسس مفهومة وقابلة للتحديد، إذ كثيراً ما تتغير التوجهات والسياسات وتنقلب فجأة.

=========================

هل على الفلسطيني الاستسلام لنتنياهو؟

المستقبل - الاثنين 18 كانون الثاني 2010

العدد 3541 - رأي و فكر - صفحة 19

خيرالله خيرالله

مرة أخرى، تشدد حركة "حماس" على المصالحة الفلسطينية الفلسطينية التي تعني مصالحة بينها، من جهة، وكل من"فتح" والسلطة الوطنية من جهة اخرى. لا شك ان المصالحة ضرورية ولا يمكن ان يكون هناك اي ضرر منها. ولكن يبقى السؤال: مصالحة من اجل ماذا؟ هل يوجد شيء اسمه مصالحة من اجل المصالحة؟ هل يكفي ان تكون هناك رغبة سورية في المصالحة كي تعود المصالحة الى الواجهة، في حين ان كل ما على "حماس" عمله هو توقيع نص اتفاق بين الجانبين أمكن التوصل اليه بوساطة مصرية... على ان يكون التوقيع في القاهرة طبعا.

لا يمكن إلا التشجيع على مصالحة فلسطينية تقود في نهاية المطاف الى لقاء بين الرئيس محمود عبّاس (ابو مازن) ورئيس المكتب السياسي ل"حماس" السيد خالد مشعل. مثل هذه المصالحة خطوة على الطريق الصحيح في حال كانت ذات مضمون سياسي. هناك برنامج وطني فلسطيني هو البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. هذا البرنامج القائم على حل الدولتين مقبول من المجتمع الدولي. انه اللعبة الوحيدة في المدينة، كما يقول المثل الأميركي. كل ما تبقى ألاعيب لا تخدم سوى بنيامين نتنياهو الساعي الى التهرب من المفاوضات في حال لم تكن النتيجة معروفة سلفا. والنتيجة التي يسعى نتنياهو الى تثبيتها على ارض الواقع تتمثل في تكريس الاحتلال الاسرائيلي للقدس الشرقية ولجزء من الضفة الغربية. من هذا المنطلق، يأتي ذلك الاصرار الاسرائيلي على ان يتضمن اي بحث في معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين ضرورة ان تأخذ النتيجة التي يمكن ان يتوصل اليها الجانبان الواقع القائم على الأرض، اي واقع الاحتلال. وهذا يعني، بكل وقاحة، ان اسرائيل تصرّ على ضم المستوطنات التي أقامتها في الضفة الغربية في حال التوصل الى حل نهائي. بالنسبة الى اسرائيل، ان الضفة الغربية "ارض متنازع عليها" وليست ارضا محتلة...

ان اي مصالحة فلسطينية- فلسطينية لا تأخذ في الاعتبار الطريقة الأنجع لمواجهة المشروع الاسرائيلي تعتبر مجرد إضاعة للوقت تستخدمه "حماس" لتنفيذ مخطط واضح المعالم يتمثل في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، وهو ما يحصل حاليا في قطاع غزة المحاصر الذي صار مع أهله أسيرا للأسير الاسرائيلي جلعاد شاليط المحتجز منذ صيف العام 2006.

بعض المنطق يبدو اكثر من ضروري. قبل كل شيء، ان الجولة العربية التي يقوم بها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" لم تؤثر ولن تؤثر على موقف "فتح" والسلطة الوطنية الفلسطينية من المصالحة. الحاجة الى أفعال وليس الى مجرد كلام يمكن إدراجه في خانة التمنيات وكسب الوقت والمزايدات اكثر من اي شيء آخر. نعم هناك انسداد لأبواب التسوية. ولكن هل على الجانب الفلسطيني الاستسلام لنتنياهو؟ ان التخلي عن المشروع الوطني الفلسطيني يشكل الطريق الأقرب للاستسلام لرئيس الوزراء الاسرائيلي المراهن بدوره على الوقت. من يطلق الشعارات الكبيرة من نوع "المقاومة المسلحة" يخدم نتنياهو من حيث يدري او لا يدري. كذلك يخدم نتنياهو، الذي يؤمن بشعار ان لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه، من يعبّئ الجمهور الفلسطيني ضد مصر. ما فعلته مصر عبر "الانشاءات" التي تقيمها على طول الحدود مع غزة حماية للفلسطينيين من المصائب التي يمكن ان تحل بهم بسبب الأنفاق والسلاح الذي يرسل من خلالها. كل ما فعله السلاح في غزة هو تعميم الفوضى في القطاع وتوفير المبررات كي تمارس اسرائيل ارهاب الدولة.

هناك بكل بساطة حكومة اسرائيلية لا علاقة لها بالسلام وعملية السلام. هناك تهور اسرائيلي بكل معنى الكلمة. لا يمكن مواجهة هذا التهور، الذي كان افضل تعبير عنه طريقة التعامل مع السفير التركي في تل ابيب، بمزيد من التهور كإطلاق الصواريخ المضحكة- المبكية من غزة مثلا...او الاكتفاء بالقول ان المفاوضات لم تؤد الى نتيجة على الرغم من انها استمرت سنوات.

يقول المنطق ان على الجانب الفلسطيني ترتيب البيت الداخلي أولاً، والتمسك في الوقت ذاته بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. عندئذ، يمكن ان يكون هناك معنى ما للمصالحة الفلسطينية، خصوصا اذا كان الهدف من المصالحة القضاء على فوضى السلاح وعلى وهم تحرير فلسطين من البحر الى النهر ومن النهر الى البحر، لا فارق.

لو كان العرب، كل العرب، قادرين على شن حرب على اسرائيل والدخول في نزاع عسكري معها، لما كان هناك شيء اسمه مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت بالأجماع في العام 2002. هذه المبادرة تعبير عن توازن معين للقوى ليس في استطاعة العرب قلبه، للأسف الشديد. انها دليل على انهم بلغوا مرحلة من النضج السياسي تجعلهم قادرين على التفريق بين الممكن والمستحيل.

قبل الكلام عن المصالحة، ليسأل الفلسطيني نفسه، ما هو ممكن وما هو مستحيل؟ يتمثل الممكن حاليا، في ظل موازين القوى القائمة التي سمحت لإسرائيل بتدمير غزة ومتابعة فرض الحصار الظالم على اهلها من دون ان ينبس العالم ببنت شفة، بالسعي الى التفاوض، ولكن استنادا الى مرجعية واضحة. المرجعية الواضحة هي حدود العام 1967. من يعتقد ان في استطاعته تجاوز هذا الواقع، يبيع الفلسطينيين أوهاماً عن طريق جعلهم يعتقدون ان المصالحة ستؤدي الى معجزة. الحقيقة ان المصالحة خطوة في الاتجاه الصحيح شرط ان تصب في اتجاه محدد يقطع الطريق على استخدام الشعب الفلسطيني وقودا في معارك الآخرين من عرب وغير عرب. بكلام اوضح، ان للفلسطينيين ان يعوا انهم شعب من أحد عشر مليوناً وليسوا وقوداً لمعارك لا علاقة لهم بها من قريب او بعيد تستخدم فيها الشعارات البالية من اجل ان يصفّي هذا الطرف العربي او غير العربي حساباته مع الآخرين...على حسابهم طبعا!

=========================

الاصابع الايرانية والانتخابات العراقية!

رجا طالب

الرأي الاردنية

18-1-2010

لا يوجد على الاجندة الايرانية الان ما هو اهم من الانتخابات العراقية لاعتبارات كثيرة اهمها على الاطلاق ضمان استمرارية السيطرة الايرانية السياسية والاقتصادية والامنية على العراق من خلال حلفائها، فالعراق من الناحية الاستراتيجية يعد بالنسبة لصانع القرار الايراني « ارضا ايرانية « من غير المسموح ان تعود مرة اخرى ساحة معادية لايران وهو امر لا يتم الا بزيادة النفوذ الايراني وتغذية القوى التابعة له بكل الامكانيات لابقائها مهيمنة على السلطة في العراق، والانتخابات البرلمانية هي الوسيلة الافضل للابقاء على هذه الهيمنة.

ولكن مع ولادة القائمة العراقية التي تضم 63 كيانا سياسيا من القوى العلمانية الوطنية تكون قد اصبحت هناك قوة فعلية قادرة على تعقيد تنفيذ الهدف الايراني بل وحتى القدرة على تغيير المعادلة التي سادت منذ انتخابات عام 2005 والتي استطاعت من خلالها طهران والقوى المتحالفة معها في الائتلاف الشيعي من الامساك بزمام السلطة في ظل اجواء انتخابية شهدت الكثير من التأثير الايراني.

التأثير الإيراني المباشر على الانتخابات برز فجأة وبدون مقدمات من خلال مسألتين مترابطتين بصورة وثيقة، الاولى كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي الى بغداد بحجة تهدئة العلاقات مع السلطة العراقية بعد احتلال حقل الفكة وهو الامر الذي احرج بصورة كبيرة كل قوى الاسلام السياسي الشيعي، في حين ان الهدف العملي للزيارة هو اعادة الاعتبار السياسي للقوى العراقية المتحالفة مع ايران وبحث كيفية دعمها لمواجهة القوى الوطنية في الانتخابات البرلمانية، اما المسالة الثانية وهي مرتبطة بالاولى ونتيجة لها فكانت في القرار الذي اتخذته هيئة المساءلة والعدالة ( الهيئة البديلة لاجتثاث البعث ) والمتمثل بشطب 500 شخصية عراقية وطنية ومن ابرزهم الدكتور صالح المطلك بحجة انهم « بعثيون «، رغم ان القرار المتخذ قررته هيئة فاقدة للاهلية السياسية والقانونية وتحديدا فيما يتصل برئيسها «علي فيصل اللامي « الذي كان قد اعتقل من قبل القوات الاميركية و سجن لمدة عام ونصف العام على خلفية دعمه لمجاميع ارهابية وهو ما يعارض بالنص الصريح المادة 2 - الفقرة الثامنة من شروط عضوية الهيئة وتحديدا الشرط الذي يستوجب أن لا يكون العضو في الهيئة محكوماً لجريمة مخلة بالشرف، هذا علاوة على ان اللامي الذي قرر شطب اسماء 500 شخصية وطنية مرشحة لخوض الانتخابات هو نفسه مرشح للانتخابات ومنافس لهذه الشخصيات وهو ما يتعارض مع ابسط معايير النزاهة والعدالة.

 

لا يحتاج الامر الى كثير من العبقرية للربط بين قرار اللامي والمصلحة الايرانية، وببساطة فان طهران التي كانت على علم بالتحرك الذي كانت تقوم به القوى الوطنية والعلمانية لرص صفوفها وتوحيد كياناتها السياسية التي انتهت الى الاعلان عن القائمة العراقية، خططت لتكون خطوة هيئة المساءلة والعدالة عامل اضطراب وتخريب للاجواء الانتخابية العامة ووسيلة ضغط على القوى الوطنية والائتلاف الجديد لها وادخالها في ازمة داخلية مبكرة عنوانها مصير المشاركة وربطها بمصير الدكتور المطلك ؟؟؟ ... المتشائمون يعتقدون ان قرارات اللامي هي البداية وان التاثير الايراني لن ينتهي عند هذا الحد، ولكن في المقابل لن تجد القوى الوطنية العراقية وسيلة اخرى لمواجهة المد الايراني واحتلال العراق سياسيا تحت يافطة الديمقراطية الا خوض المعركة الى نهايتها وعدم ترك الساحة مهما كانت النتائج .

=========================

ما الذي سترسمه القمة السورية السعودية؟

محمد شريف الجيوسي

الدستور

18-1-2010

يكرس التواصل السوري السعودي نوعاً من التوازن في العلاقات العربية البينية ، يتيح للدول والأمة العربية التعامل بفعالية وثقة ومن مصدر قوة مع التباينات والتناقضات الدولية والإقليمية دون مخاطر تذكر وتجييرها بشكل يخدم قضاياها الاستراتيجية ، في عالم تحكمه علاقات متشابكة ومتناقضة لا يمكن تجاهلها ، فالأمة كسائر الأمم والشعوب والدول لا تعيش في صحراء مغلقة وعليها التعاطي مع واقع لا يخدم في كثير من الأحيان غاياتها: غالباً ، عندما يجري التعامل معها وسط تنافر ودون تنسيق ، وعليها وهي تتعاطى مع المعطيات المتنافرة ، تجييرها في صالح قضاياها ، وهذا يتم بشكل أفضل وسط علاقات عربية بينية جيدة.

 

وتكون الخطوة الأولى إلى علاقات عربية طيبة الاتفاق على (حق الاختلاف) ووضع قواعد وآداب هذا الحق ومن ثم تجسير الفجوات وتعظيم نقاط الإلتقاء وصولاً إلى التنسيق والتضامن وتفعيل الاتفاقيات وبناء قواعد واتفاقيات جديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية. خطوة فخطوة ، مهما بدت بسيطة فهي تكرس مستقبلاً أفضل من واقع الموات العربي الرسمي الراهن.

 

إن وصول العرب إلى غاياتهم وحقوقهم يكون أسرع واوسع وبتضحيات أقل في ظل علاقات عربية بينية جيدة ، يمهد لذلك تحقيق مصالحات في قضايا استراتيجية كالقضية الفلسطينية وفرعية ربما كالمصالحة اللبنانية ، وفي ساحات صراع قديمة كالسودان والصومال وفي ساحة صراع (واعدة) كاليمن ومستمرة كالصحراء التي حال عدم حلها دون قيام اتحاد مغاربي فاعل.

 

لقد أعطى بعض الواقع العربي الراهن الأولوية لتعامل من جانب واحد مع اتفاقيات ملزمة مجحفة ، فيما ضربت إسرائيل عرض الحائط بجوهر ما وقعت من اتفاقيات وما توصلت إليه من مفاوضات ، على مدى سنوات ، وهذا الالتزام المطلق لا يصبح مستساغاً ولا ممكنا ولا متاحا ولا يحمل طابع المضطر مع سيادة واقع عربي مختلف يسود فيه واقع التواصل والحوار وتفهم التباينات ، وتحويلها من أعباء واختلافات وتنافر إلى مكتسبات من مواقع قوة.

 

إن التقارب السوري السعودي لا بد أنه برسم تقارب سوري مصري وآخر سعودي إيراني (أو على الأقل تحجيم التناقضات) وهو برسم مصالحة فلسطينية شاملة وحقيقية ، وتكريس أقوى للمصالحة اللبنانية ، واهتمام بالقضايا العربية الأخرى في الصومال والسودان والصحراء ، وبرسم تعزيزْ للعلاقات مع تركيا ودول أمريكا الجنوبية والكاريبي والوسطى وستضع المصالحات علاقات الدول العربية التي تقيم علاقات مفضلة مع الولايات المتحدة على المحك ، ويفترض أن تلبي واشطن في ظل الواقع الجديد استحقاقات هذه العلاقات من موقع عربي أفضل ، وإلا فلا معنى لتلك الصداقة المشوبة بالاستغلال وانتهاك الحقوق وشن الحروب وخلق التناقضات والفتن وتحريك الصراعات في المنطقة العربية والإسلامية.

 

يبقى التنويه بأهمية إشراك ليبيا في المصالحات العربية لتكريس مصالحتها مع السعودية من جهة ولأنها ستترأس القمة العربية المقبلة في آذار المقبل.

=========================

إسرائيليات عابثة وراء حدودها: من التطبيع الأيديولوجي إلى التوأمة السياسية

مطاع صفدي

18/01/2010

القدس العربي

تخشى إسرائيل هذه الأيام أن تفقد سلاح وجودها الأساسي: الحرب. فالمنطقة العربية تكاد تغلق منافذ الحروب الكبيرة الإقليمية لتنفتح بعض ساحاتها الطرفية على مسلسل الحروب الأهلية داخل أقطارها. لن تكون السودان واليمن آخر هذه الساحات. بل لعلها تشكل نماذج تمارين أولية بالنسبة لما يُعدُّ من الكوارث الأفظع في أقطار أخرى رئيسية. فالعارفون بملفات العمليات السرية، يعتبرون المرحلة الحالية استثنائية وذهبية لممارسة الصنف الأخطر والأذكى من هذه العمليات السرية، والتي تستهدف التلاعب بمصائر الدول من وراء حكامها وشعوبها معاً.

إسرائيل لا تحارب بجيوشها النظامية العلنية وحدها. فإن لها كتائبها السرية المتغلغلة تحت جلد محيطها العربي. لبنان وحده كشف فجأة عشرات الشبكات في فترة وجيزة من العملاء المباشرين، لكن معظمهم من الدرجة الثالثة أو الرابعة في سلم الأهمية الاستخبارية. أما العراق فقد أمسى بعد الغزو الأمريكي يعجُّ بكل مستويات العملاء لإسرائيل أولاً، وبعدها أمريكا وللجوار الإسلامي والعربي، وحتى لا نقول لمختلف القوى العالمية الأخرى.

لا تتوفر دراسات وبيانات حول هذه الظاهرة، إلا لماماً، ولا يطَّلع عليها إلا المختارون. أو أن المنشورات الاستخبارية العامة محدودة التوزيع ومقصيَّة، خاصةً عن القراء المحليين. ومع ذلك فالمكتبة الأمنية العالمية عامرة بالمصادر والمراجع والوثائق لمن يتابعها ويتقصّى منشوراتِها المتوارية بطرق مختلفة. تكفي الإشارة إلى سيل الاعترافات التي ينشرها العملاء السابقون، إلى جانب الإفراج الدوري عن الوثائق الدبلوماسية للدول الغربية. فالخلاصة أن فئة الدول العظمى هذه لها عالمان، الظاهري والباطني، والثاني هو المؤسس للأول، وهو المطبخ المركزي لاستراتيجيات الدولة وخططها السلطوية داخلياً وخارجياً. فقد تقبل الدولة الحديثة بالتنازل عن كثير من سلطاتها لمؤسسات مجتمعها المدني، ما خلا المؤسسة الأمنية، وسلطتها الممتنعة أصلاً عن تحديد وظائفها بحكم طبيعتها الخارجة عن الرقابة العمومية، كما هو متفق عليها دائماً، وفي ظل مختلف أنظمة الحكم.

إسرائيل كدولة هي نتاج الصهيونية العالمية، المجهولة العناوين والممارسات في أغلب تنظيماتها وتحركاتها. ولا تزال هي الحاضنة لوجود الدولة والمشرفة الفعلية على تطوراتها. والحارسة الأمنية على مصالحها دولياً. فلا حاجة للتذكير بأن الطبيعة الأصلية لإسرائيل هي أنها كيان أمني جوهرياً. على أن صنعتها الأمنية هذه هي من الاتساع وتنوع الاختصاصات، ما يجعل الظاهر منها كسلطات علنية، هي أشبه برأس هرم طاف، فوق جسد غارق في ظلمة الخفاء والسرية المطلقة. فإسرائيل الدخيلة على الجغرافية العربية المضادة لها في كل شيء، محتاجة إلى التواجد ما وراء حدودها الظاهرة، إلى اجتياح تلك الجغرافية المضادة شبحياً، إلى نسج شبكيةِ أديمٍ شفاف تحت أديمها الأصلي.

إسرائيل منذ أن كانت دولة الغزو الأول، لا تكفّ عن الغزو السري طيلة تطورها المرحلي خلال الستين عاماً المنقضية، ذلك التواجد الموصوف بكونه غصباً عن الطبيعة. فهي التي تعاني من عقدة تجذير وجودها في الأرض التي احتلتها، كيف لها أن تطالب أعداءها بالتطبيع معها. لذلك فقد أدركت الصهيونية العالمية. منذ زراعة معجزتها في فلسطين، أنه لا أمل لإسرائيل الظاهرة في الاندماج في محيطها. فلا بد من اختراع إسرائيل الأخرى، ذات الكيان الشبحي، الذي يمكنه أن يمارس وجوده الخفي فيما يشبه الازدواج الباطني مع مؤسسات الوجود العربي.

في المرحلة الراهنة تجتاح جيشَ إسرائيل العلني هواجسُ الخوف من أية مواجهة حربية حقيقية، بعد التخاذل العسكري المذل أمام شجاعة المقاومة اللبنانية في عدوان تموز 2006، والصمود الغزاوي ضداً على بربرية الرصاص المصبوب الإسرائيلي. حتى أن بعض الفكر الاستراتيجي الأوروبي المنزَّه لدى قلة من أقطابه فحسب، يقرر جازماً أن إسرائيل تكاد تخسر دعامة استمراريتها بوسيلة الحرب وحدها، المشروطة بضرورة النصر والتفوق المضطرد بالقوة الضاربة، على مجموع القوى العربية. من هنا يمكن فهم هذا السعي الأوروبي الحثيث لإعادة زراعة الكيان الاسرائيلي في الجغرافية العربية سلمياً.

ولقد تبنى الرئيس أوباما نظرية هذا التحول الاستراتيجي، بحيث استعاد الغرب وحدةَ الموقف لضفتيّ الأطلسي معاً، الداعي إلى إنشاء الدويلة الفلسطينية، كخاتمة عملية لتاريخانية الصراع الشرق أوسطي.

خارطة الطريق نحو دفن فلسطين كقضية عربية، وإنسانية كبرى، لن تكون مشروطة فقط بقيام كيان دولاني لبقية فلسطين العربية الموصوفة بالتاريخية، كما لو لم يتبقَ لها ثمة حاضر ولا مستقبل؛ هنالك الشرط الآخر، الأشمل والأعظم، المسكوت عنه تحت كل هذا الصخب الإعلامي والحركي حول استئناف مناورات السلام إقليمياً ودولياً: إنه الشرط الذي لا يُؤخذ ولا يُعطى في صراع المصالح المتضادة بين الأطراف، ولكنه يفرض نفسه أساساً على الوجدان الإنساني، من خلال طرحه لسؤاله الكينوني: هل أضحت المسألة هي في كيفية اندماج الإسرائيلي في الجسد العربي، أم في كيفية طرد جرثومته عن هذا الجسد.

الجيش الإسرائيلي الثاني السري هو المسؤول عن تأصيل هذا السؤال وفق قسمه الأول ضداً على قسمه الثاني. وذلك عندما تغدو ساحاته مفتوحة له، دون حسيب أو رقيب ما وراء كل حدود لدولته الظاهرية؛ فلن يكون جيشاً مقتصراً على حشد الجواسيس التقليبيين بهدف سرقة المعلومات أو إشعال فتن الانفصامات الذاتية في المجتمعات العربية الراكدة، فذلك هي مهماتٌ أمست شبه علنية، لاضطراد أمثلتها اليومية؛ لذلك لن يكون جيشاً مقتصراً على المتسللين العبريين، أو المتطوعين المحليين، بالسخرة أو الأجرة، لقد أمسى منتجاً جيشاً سرياً آخر من طراز فريد عجيب. فقد طوَّر مؤسسة شبحية معتمدة على نشر وتوزيع نظام التوأمة، ما بين نماذجه القيادية السياسية، ونظائرهم من مفاتيح الحياة العامة العربية. على أنه ينبغي ألا تُؤخذ التوأمة هنا في سياقها الحرفي أو الآلي. بل هي أشبه بالمصطلح السياسوي الدارج حول مفهوم التحالف الموضوعي بين الأضداد، و إن لم يتعارفوا فيما بينهم.

مسارح الحياة العامة في معظم عواصم الشرق العربي الرئيسة، غدت تعجُّ بأمثلة التوأمة التلقائية والمفتعلة هذه بين (الأصول العبرية)، ما وراء الستار، والنسخ العربية الصريحة المتكاثرة عنها. هذا لا يعني أن النُسَخ مترابطةٌ مع أصولها. بل إن لها نشأتها وسلوكها المستقلين. ولربما تفوقت النسخة في فاعليتها وتأثيرها بأكثر مما يتطلبه الأصلُ منها. هذا يقود إلى القول أن آلية التوأمة (الوطنية) مع العدو، ليست بالضرورة صناعة إرادوية من قبل العدو نفسه. إذ تبرز فئات متطوعة محلياً بحكم مصالحها الذاتية، لكي تصير رديفاً في أرضها للخصم كجيش سري علني آخر. وتلك هي فعاليةٌ جديدة غير معروفة على مر العصور، المقتصرة في الماضي على تبادل التجسس بين الكيانات الدولانية المتخاصمة. إذ أن بروز ظاهرة التوأمة التلقائية بين أطراف جديدة متعادية قد لا يكون أمراً مألوفاً في ثقافة الصراعات الحدية، خاصة عندما لا تتحقق التوأمة إلا من طرف واحد، كهذه الحالة العربية الناشزة. هنالك طبقة حاكمة سياسياً واقتصادياً تمارس في أقطارها تسلطاً على مصالح العباد والبلاد، شبيهاً باحتلال أجنبي، وينفذ تلقائياً كل ما من شأنه تدمير الإمكانيات الوطنية لصالح العدو القومي. هذه الطبقة، المنعوتة في المصطلح الماركسي بالطفيلية، أصبحت تتصرف بالشأن العام لدولتها كأنها الوارثة الشرعية لثروات البلاد، وبالتالي تحاول السيطرة على الغرف الخلفية للقرار السياسي.

لم تعد مجرد إفراز فوقي لأنظمة الحكم، بل أمست هذه الأنظمة نفسها أسيرة لها، لحاجتها إلى مساندتها في مشاريع التنمية الاستهلاكية، التي بدورها غذّت ظاهرة الفقاعة النيوليبرالية، كبديل شكلاني عن التنمية البشرية بما تتطلبه من استحقاقات الحداثة المقترنة بالحرية والعدالة لكافة طبقات المجتمع.

هكذا تتم ترجمة الطفرة الاقتصادية (الفقاعية) إلى نوع من مظاهر الرخاء الفئوي الحاجب لتمادي الفوارق الطبقية بين الأغنى والأفقر. مع انحدار معظم الطبقة الوسطى نحو مَنْ دونها، وتصاعد قليلها إلى ما فوقها. فإن إعادة الهيكلة المجتمعية حسب هذا التوزع التراتبي غير المتوازن، أفسد النهضة، في جانبها الإنساني، قبل المادي الظاهري. لكن لا بد من الإقرار أن ثمة متغيرات بنيوية أصبحت منظورة في المراتب العليا من البنيان المجتمعي لمعظم الأقطار. لم تعد ثمة وحيدة مقابل مجتمعها في كليته. فقد نجحت أنظمة الحكم في إفراز، أو إنتاج ما يمكن تسميته بشعبها أو مجتمعها الخاص بها والذي من المفترض أن يقود المجتمع الأصلي، بل أن يحل مكانه ما أمكنه ذلك، بالاستحواذ على أهم مفاتيح التغيير، واستلابها من أيدي أصحابها الشرعيين. فالقمع البوليسي لجماعات الرأي يتابع تفريغ السياسة من فعلائها الحقيقيين، وفي الوقت عينه يحمي تلك الشرائح من حواشي السلطة الطافية على سطح الحياة العامة، والممسكة كذلك بالمنابر الإعلامية، بحيث يتم اختراع منظومة شعارات لكل مرحلة بحسب تحولات أرباب الحكم، وانخراط بعض الأقطار العربية، منهجياً في تدمير بداهات الفكر الطبيعي لعامة الناس، وارتكاب الممارسات العشوائية المضادة لأبسط قواعد أخلاقية السياسة.

صار مألوفاً لدى النظام المصري مثلاً أن يسابق الدولة العبرية علناً في صيانة أمنها الاستخباري والعسكري معاً ما وراء وحدودها، حتى لم يعد يمكن القول أن لهذا النظام ثمة سياسة عربية تجاه فلسطين أو المحيط القومي الكبير حوله، بل هي سياسة التوأمة المتطابقة تماماً مع أقصى أهداف المشروع الإسرائيلي في طبعته المصدرة إلى العالم العربي؛ فقد برع نظام الرئيس مبارك في قلب طبيعة الأدوار التاريخية لمصر القيادية إلى عكس فلسفتها النهضوية العريقة تماماً. فإنه، في كل لحظةِ أزمةٍ وانتظارٍ لمواقف مصر التاريخية، يفاجئ النظاُم شعَبه وأمتَه والضميرَ العالمي، بما لم يكن متوقعاً صدوره إلا من طرف العدو الوجودي لمصر الأصلية. لكن مسيرة هذا الشخص الحاكم لا تنال من مصر العظيمة إلا بقدر ما تؤكد الحقيقة الأصلية المتأصلة لمصر، أي ما كان ينبغي أن يعنيه ويمارسه دورها القيادي، المسلّم به قومياً ونهضوياً، والذي يجعل من كل من يناقضه حادثاً طارئاً، شواذاً استثنائياً، يجدد أصالة القاعدة، وهو يحسب أنه يزعزعها وحتى أنه يلغيها.

انحراف حجر عن قمة الهرم المصري، يقتلعه من القمة ويقذف به في خلاء الصحراء. أما الهرم نفسه فلا تزحزحه آلاف السنوات ولا عواصف الرمال العابرة.

أما هؤلاء الخبراء بتزوير العقول، فقد أمسوا يراهنون في مصانع الأفكار والعقليات، من واشنطن إلى لندن وتل أبيب، على أن التطبيع الأيديولوجي بين العقلين الإسرائيلي والعربي ليس مضموناً إلا بتوأمة نموذجي الدولة لكل منهما، مع تغطية سطوح المجتمعات العربية بشرائح أشباه الليبرالية الجديدة. هؤلاء يثبتون من حيث لا يريدون ولا يدرون، أن إنجاز استلاب فلسطين عبرياً؛ لن يتحقق إلا بإعادة صياغة أمة العرب عقلياً وكيانياً إنسانياً ومادياً.. وتلك هي أعلى التحديات التي تحطمت رؤوس الغرب على صخورها عصراً بعد عصر. لكن المحاولات الخبيثة هي على قدم وساق، وكذلك الخيبات والهزائم لمهندسيها و أسيادها..

' مفكر عربي مقيم في باريس

=========================

محورية اليمن في الاهتمام الأميركي

الرأي الاردنية

18-1-2010

ويليام رو

نادراً ما حظي اليمن باهتمام الأميركيين على امتداد السنوات الطويلة.

لكن فجأة تغير ذلك السلوك الأميركي مؤخراً. فعندما تبين للأميركيين أن عمر فاروق عبدالمطلب قد حصل على المتفجرات التي استخدمها في عمليته الفاشلة، إضافة إلى تلقيه التدريبات العملية على تنفيذ العمليات الانتحارية في اليمن، اتجهت عيون معظم الأميركيين إلى اليمن الذي كانوا يجهلون عنه الكثير حتى وقت قريب. وبالنتيجة اكتشف الكثير من الساسة والمعلقين السياسيين والصحفيين تلك الدولة التي تسمى اليمن، واصفين إياها بأنها أصبحت مصدراً رئيسياً للإرهاب الذي يستهدف أمن بلادهم القومي. وبلغ ذلك الاهتمام بالسيناتور جوزيف ليبرمان حد القول بأن حرب أميركا التالية ربما تكون في اليمن. وفي اتجاه مماثل دعا رئيس الوزراء البريطاني براون إلى عقد قمة دولية لمناقشة ما وصفه ب»المعضلة اليمنية». إلى ذلك طار الكثير من الصحفيين الأميركيين إلى اليمن خلال الأسابيع القليلة الماضية، بهدف التقاط الصور والحصول على الأخبار من مصادرها الأصلية، بينما انشغلت القنوات التلفزيونية ببث الخريطة الجغرافية التي صاحبت التقارير الإخبارية المبثوثة عن اليمن، نظراً لجهل كثير من الأميركيين لموقع ذلك الدولة على الخريطة.

ولكي يؤكد بعض المعلقين الصحفيين والسياسيين وجود علاقة قوية تربط بين اليمن والإرهاب، أشار بعضهم إلى أن اليمن هو أرض أسلاف قائد تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وهو ربط لا يفسر الأسباب التي دفعت ذلك الشاب الانتحاري النيجيري للذهاب إلى اليمن قبل محاولته تفجير طائرة نورث ويست إيرلاينز. إلى ذلك قال معلقون آخرون إن الحكومة المركزية في اليمن من الضعف بحيث لا تتجاوز سيطرتها حدود العاصمة صنعاء. وتأتي هذه الإشارة تضخيماً آخر للواقع، وهي تعجز لهذا السبب عن تفسير حقيقة ما يجري هناك. صحيح أن اليمن ليس دولة بوليسية، وليس لحكومته المركزية قبضة حديدية على كافة محافظات البلاد. لكن الواقع السياسي اليمني يظل أكثر تعقيداً مما تصوره تلك التعليقات السياسية الساذجة.

والحقيقة أن عدداً كبيراً من المقاتلين اليمنيين الذين انخرطوا في صفوف مقاومة الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، عادوا إلى الوطن بعد الانسحاب السوفييتي في أوائل التسعينيات. وبدافع النجاح الذي حققه هؤلاء في أفغانستان، ولشعورهم بالرضا عن الذات لمشاركتهم في حرب رأوا عدالتها، فقد استحلوا مواصلة ذلك «النشاط الجهادي» في وطنهم الأم، على المستويين المحلي والإقليمي معاً. ومن بين هؤلاء عزمت قلة من الراديكاليين الذين استلهموا أساليب عملهم وقناعاتهم من تنظيم «القاعدة»، على شن حرب ضد حكومات الدول العربية والغرب معاً، فأنشأت لها خلايا سرية نشطة في اليمن، مثلما فعلت الشيء نفسه في دول عربية أخرى. وبالنتيجة أنشئت تلك المجموعة الصغيرة من المقاتلين المتطرفين التي أطلقت على نفسها اسم «جيش عدن الإسلامي» في الجزء الجنوبي من اليمن عام 1998، جنباً إلى جنب «تنظيم القاعدة في منطقة شبه الجزيرة العربية». ثم اندمج التنظيمان معاً بحلول عام 2003 بهدف تنسيق جهودهما وعملياتهما. عندها كان تنظيم «القاعدة» قد بدأ تنفيذ هجمات متفرقة على المصالح الأميركية في اليمن.

ففي عام 2000 نفذ الهجوم الإرهابي على السفينة الحربية الأميركية كول في سواحل اليمن، وكذلك على فندق عدن حيث كان يقيم عدد من الجنود الأميركيين، وصولاً إلى الصومال. وعندما تمكنت قوات الأمن السعودي من اعتقال وقتل عدد كبير من مقاتلي التنظيم داخل أراضيها، في عام 2004، اضطر بعض الناجين منهم من تلك العمليات للهرب إلى اليمن حيث وجدوا لهم ملاذات آمنة تمكنهم من استعادة تنظيم صفوفهم وتدبير خطط جديدة يشرعون في تنفيذها.

من ناحيتها أظهرت الحكومة اليمنية عزماً على مكافحة هذا الخطر الأمني المتصاعد داخل أراضيها، فبادرت بإرسال قوات عسكرية إلى معاقل هؤلاء المقاتلين المتطرفين، إلى جانب سماحها للولايات المتحدة بتنفيذ ضربات جوية تستهدف قتل عناصر التنظيم. وفي المنحى ذاته وجه الرئيس اليمني نداءً لأعضاء تنظيم «القاعدة» والمتعاطفين معه، طالبهم فيه بإلقاء أسلحتهم ونبذ التمرد والانخراط في التعاون السلمي مع الحكومة. كما تمكنت قوات الأمن في صنعاء من إلقاء القبض على عدد من المشتبه بتورطهم في الهجوم على السفينة الحربية الأميركية «كول»، إلا إنهم نجحوا في الهرب من السجن.

وفي هذا السياق واجه الرئيس اليمني تحديات أمنية خطيرة أخرى تستهدف استقرار حكومته، فقد شهد عام 2004 اندلاع تمرد مسلح آخر في الجزء الشمالي من البلاد بقيادة الحوثيين. وليس في هذا التمرد ما يدل على دوافع نزاع ديني مع الحكومة. فالحوثيون يتبعون المذهب الشيعي الزيدي الذي يدين به الرئيس اليمني نفسه. والحقيقة أن ذلك التمرد يعتبر أقسى اختبار للرئيس صالح الذي يبدي عزماً جدياً في التصدي له.

وفي الجنوب، تمكن الرئيس من وضع حد لنزعات المتمردين الانفصالية بالقوة عام 1994، لكن الأهالي هناك يشعرون اليوم بإهمال صنعاء لإقليمهم، ما يحرضهم على حمل السلاح ضدها مجدداً. يضاف إلى هذا العامل تصاعد المشكلات الاقتصادية، وما صحبها من ارتفاع في معدلات البطالة، وتراجع عائدات النفط، وتزايد شح المياه في جميع أنحاء البلاد... وهي كلها عوامل تؤجج نيران التمرد والسخط.

وعليه يواجه الرئيس اليمني تمرداً قوياً في الشمال، ونزعة انفصالية متجددة في الجنوب، بينما تواصل الولايات المتحدة حثه على سحق تنظيم «القاعدة» في بلاده. ولا شك أنه يرى في مواجهة «القاعدة» أولوية ثانوية بالنظر إلى الخطر الذي يمثله التمرد المسلح في شمال البلاد وجنوبها معاً.

وكان الرئيس أوباما قد دعا نظيره اليمني لأن يكون شريكاً قوياً له في مكافحة تنظيم «القاعدة»، ورفع حجم الدعم الذي تقدمه واشنطن لليمن في شكل مساعدات مخصصة لدعم مكافحة الإرهاب، فضلاً عن المساعدات التنموية الاقتصادية. بيد أن هذه المساهمة تظل ضئيلة جداً مقارنة بما تبذله واشنطن في كل من أفغانستان وباكستان في إطارها حربها على الإرهاب.

ويذكر أن «مارك لينش»، الباحث الأميركي المتخصص في الشؤون الدولية، انتقد نظرية بعض خبراء الأمن الأميركيين القائلة بنمو الإرهاب دائماً في تربة الدول التي تتسم بضعف حكوماتها المركزية. وعليه فإنه ينبغي لأميركا تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة لتلك الدول، فضلاً عن مساعدتها على تعزيز أمنها وإصلاح نظم الحكم فيها. ومن رأي لينش أن هذا جهد مكلف ولا طائل منه في مكافحة الإرهاب.

وعلينا أن ننتظر الآن لنرى عم تتمخض هذه الشراكة التي أعلنها أوباما مع القيادة اليمنية، خاصة مع ما نرى من تردد الرئيس صالح إزاء مواجهة «القاعدة»، بالنظر إلى تحديات وضع أمن بلاده الداخلي؛ في الشمال والجنوب.

الاتحاد

=========================

في العراق خطوط حمر جدِّية أمام إيران !

سركيس نعوم

النهار

18-1-2010

عن العراق تحدث مسؤول معني بأوضاعه وتطوراتها في احدى أبرز الدوائر نفسها في الادارة الاميركية، قال: "في موضوع العراق حصل بعض التغيير داخل الولايات المتحدة. لا اقول إن الاهتمام بالعراق تراجع. لكن أقول إنه صار الى حد ما طبيعي وعادي (Normal) سواء في البيت الأبيض أو في وزارة الخارجية. في البيت الابيض كان هناك جهاز طويل عريض كما يقال. وفي الخارجية كانت هناك "وحدة خاصة" (Special Unit) على رأسها السفير دايفيد ساترفيلد (كان سفيراً في لبنان) مع مجموعة كبيرة من الموظفين للتعاطي مع الموضوع العراقي. التعاطي الآن يتم في وزارة الخارجية من عدد من العاملين فيها وفي البيت الابيض". ما رأيك في الوضع العراقي الحالي؟ سألت. أجاب: "أمر حسن او جيد اصدار قانون الانتخاب في مجلس النواب العراقي. ذلك يعني ان الانتخابات ستجرى في موعدها الذي سيحدد لاحقاً. لكنه سيكون في مطلع السنة المقبلة. طبعاً أرجأوا البحث في موضوع كركوك كي يتسنى اجراء الانتخابات. وهذا أمر مهم. هناك امر مهم آخر هو انخفاض عدد العمليات الارهابية خلال السنتين الاخيرتين ونسبة "القاعديين" والارهابيين عموماً عما كانت عليه قبلاً. طبعاً أثار تفجير آب الماضي في بغداد ثم تفجير تشرين الثاني (نوفمبر) بهولهما والعدد الكبير لضحاياهما المخاوف من جديد. لكن المهم انهما استهدفا مؤسسات حكومية ولم يستهدفا اناساً مدنيين ومساجد سنية أو شيعية لأن استهدافاً كهذا يثير الفتنة المذهبية ويُشعل الحرب بين السنة والشيعة. ما أردت قوله هو أن تقدماً تحقق على هذا الصعيد رغم استمرار الخلافات في الداخل العراقي". ما هو الحل الممكن لمشكلة كركوك؟ سألت. أجاب: "تسألني عن الحل الممكن لمشكلة كركوك. أقول لا أعرف. هذا أمر يجب ان يتوصل اليه وان يتفق عليه العراقيون. هناك مشكلة النفط. وهناك مشكلة هوية غالبية السكان في المنطقة. وهناك مشكلة سكان "نقلوا" قسراً أو انتقلوا طوعاً من خارج كركوك اليها ومنها الى خارجها. وهناك مشكلات اخرى كثيرة. لن يستطيع العراقيون ارجاء حل هذه المشكلة أو السعي الجدي لحلها الى ما لا نهاية. تسألني في سياق الحديث عن الفيديرالية وتقول إنها "نامت" قليلاً وان الحديث الآن هو عن فيديرالية بين العرب والأكراد. كان الحديث دائماً ولا يزال عن فيديرالية بين السنة والشيعة والأكراد. لكن في الحقيقة والواقع لا يمكن التكهن بشيء في ما يتعلق بالوضع الراهن في العراق وخصوصاً في موضوع الفيديرالية. ربما بعد الانتخابات التشريعية القريبة يتم التفاهم بين العراقيين على شيء ما. أي فيديرالية موسعة أو أقل. على كل حال هناك اقتناع بأن حكومة ما بعد الانتخابات في العراق ستكون حكومة اتحاد وطني كما عندكم في لبنان. أي حكومة تضم مكونات الشعب العراقي كلها. الانسحاب الاميركي من العراق سيتم في موعده تقريباً أي منتصف سنة 2011 حيث سيجري سحب القوى والوحدات المقاتلة. في نهاية السنة المذكورة نسحب معظم القوات الاميركية من العراق ويبقى فيه بعضها لتدريب وحدات الجيش والأمن العراقية". قيل إن الاتفاق الذي وقعته اميركا مع العراق والذي ستنسحب بموجبه منه تم تحت ضغط المطالبة العراقية شبه الشاملة بانسحابها. ويُقال اليوم إن العراقيين سيدركون عندما يصلون الى منتصف ال2011 او بدايتها انهم لا يزالون في حاجة الى القوات الاميركية في بلادهم وسيطالبونكم بالبقاء وإن وفق صيغة أخرى. ما رأيك في ذلك؟ سألت. أجاب: "سنلتزم الاتفاق الموقع أي اتفاق الانسحاب في ال2011". علّقت: في هذه الحال سيكون العراق مكشوفاً لا قوة جوية ولا سلاح دفاع جوي ولا استخبارات جوية (أقمار وما الى ذلك). ولذلك قد يطلب العراقيون توقيع اتفاق آخر معكم يُبقي قواتكم او بعضها في العراق ريثما تصبح قواته قادرة على "تغطيته". ردّ: "هذه أمور تُدرس في حينه ولا يمكن استباقها. على كل لنعد الى العراق. نحن وصلنا الى ما يشبه الثقة بأن وضعه الاقتصادي يتحسن والعائدات ترتفع. لقد وقع اتفاقات لزيادة انتاج النفط في صورة محسوسة في الجنوب وفي الشمال. وسيوقع اتفاقات اخرى من هذا النوع". علّقت: لو تكتشفون نفطاً في وسط العراق أي في المنطقة ذات الغالبية السنية العربية لكان السنَّة ارتاحوا ربما. ردّ: "مع الاسف ليس في هذه المنطقة نفط تماماً مثل بلدك لبنان. أما في الموضوع السياسي فقد ازدادت خبرة العراقيين في العملية السياسية والأكثرية الشيعية التي ستحكم العراق لن تكون متفردة في الحكم أو منفردة ولها علاقات مع ايران. وسيكون لايران نفوذ في العراق. لكن لن يكون العراق تابعاً لايران. هناك خطوط حمر على ايران ان لا تجتازها. ونحن لا نوافق على اجتيازها لها. لكن قبل ذلك هناك خطوط حمر على السياسيين والمسؤولين العراقيين ان لا يقطعوها او يجتازوها ايضاً كي لا يفسحوا في المجال امام ايران للتدخل في شؤونهم أو لفرض قيمها عليهم وعلى كل العراق أو على جزء منه". ماذا عن الاكراد؟ سألت. أجاب: "امضيت سابقاً أربعة أشهر في كردستان العراق. الناس هناك يتحدثون عن دولة كردية مستقلة. أما الزعامات والقيادات الكردية مثل جلال الطالباني ومسعود البرازاني وغيرهما فانها لا تتحدث عن الدولة لأنها تعرف ان ذلك وهم ومستحيل التحقيق. تباحثت هذه القيادات والزعامات مع الأتراك وحققت لهم الكثير من مطالبهم وخصوصاً التي منها تتعلق بحزب العمال الكردستاني (التركي) الانفصالي الموجودة عناصر كثيرة منه في كردستان العراقية". قلت: السعودية لا تزال منزعجة من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وربما من العراق. هل وصلت في رأيك الى الاقتناع بأن الأكثرية في العراق شيعية وبأن حكمها له ولكن مع سائر مكوّنات الشعب العراقي صار أمراً لا مفر منه؟ أجاب: "سؤال جيد. لكنني لا أعرف جواباً عنه. عموماً يحاول السعوديون ان يتصرفوا في الموضوع العراقي بجدية". هل لسوريا نفوذ واسع في العراق كما تقول؟ سألت. أجاب المسؤول في أحدى أبرز "الدوائر" نفسها في الإدارة الاميركية المعني بأوضاع العراق والمتابع لها: "النفوذ الايراني في العراق واضح. لكن ليس لسوريا في العراق النفوذ الذي تتحدث عنه. طبعاً هناك جغرافيا وحدود مشتركة وعلاقات اقتصادية وتشابك عشائري وقبلي. لكن ذلك كله لا يؤمن لها التأثير الذي تطمح اليه أو النفوذ. سألتني في سياق الحوار اذا كنا حققنا (اميركا) اهدافنا في العراق او اذا كنا ننفذ حالياً استراتيجيا خروج منه (Exit Strategy) تلافياً لمزيد من الخسائر، علماً ان البعض يقول إننا نفعل الآن شيئاً مماثلاً في افغانستان. في اختصار اقول لك إننا جئنا الى العراق على أساس ان فيه أسلحة دمار شامل. لم نجد أثراً لها. لكن صدام حسين رئيسه كان يمثل خطراً محلياً واقليمياً. اطحناه. وهذا انجاز. ونحن نحاول الآن المساعدة لبناء دولة عراقية ومؤسسات. وماشي الحال حتى الآن".

ماذا عن ايران في احدى أبرز "الدوائر" نفسها في الادارة الاميركية؟

=========================

صور من الأزمة الاقتصادية في المجتمع الأميركي

سفيتسكايا رسيا

ترجمة

الأثنين 18-1-2010

ترجمة: د. ابراهيم زعير

الثورة

الأزمة الاقتصادية والمالية الخطيرة التي تعاني منها الولايات المتحدة وجميع الدول المرتبطة بهذا الشكل أو ذاك بالاقتصاد الأميركي والدولار،

تركت تأثيراتها على الكثير من دول العالم ولكنها فعلت فعلها في المجتمع الأميركي أكثر من أي بلد آخر. لقد أظهرت الأزمة أن أمريكا لم تعد قادرة على استعراض نفسها أمام العالم وكأنها القوة الساحقة الجبارة الوحيدة في عالم ما بعد الأزمة. وإذا ما أخذنا الوضع في الداخل الأميركي لظهر لنا أنه خلف أبواب الامبراطورية الجبارة لا يوجد ما هو مشترك مع صورة واجهتها الطاغية كدولة عظمى متفردة في الساحة الدولية. فخلف كل باب ثمة اشارات انذار الخطر، تنفق أميركا 40٪ من نفقات العالم على التسلح، وهذا يساوي نحو 350 ألف مليون دولار، وبالمقابل يزيد عدد غير القادرين على تأمين الضمان الصحي على ال 60 مليوناً، رغم محاولات الرئيس أوباما تصحيح هذا المجال من المجالات الرئيسية التي تعني جميع الأسر الأميركية المحتاجة والفقيرة. أكثر من مليون ونصف مليون طفل دون مأوى، وخاصة أن الأزمة أرغمت على تخفيض النفقات المخصصة للاحتياجات الاجتماعية وحتى خطة تخفيض الضرائب بنسبة 55 ألف مليون دولار والتي أقرت في عهد بوش السابق، جاءت لمصلحة الشرائح الأكثر ثراء في أميركا. ولنعد إلى الأزمة على أرض الواقع، لم تشهد أميركا أزمة مالية واقتصادية أكثر عمقاً وخطورة منذ الحرب العالمية الثانية، وخاصة في ميزانيتها التي تضخ المليارات للبنوك المفلسة لكي لا تنهار المنظومة المالية الأميركية ولكن هذا الضخ إن حدّ من الانهيار، ترك تداعياته السيئة على الجوانب الاجتماعية، اضافة إلى نفقات الحروب في العراق وأفغانستان التي تزيد من الارهاق في الميزانية العامة. فالادارة الأميركية مضطرة أمام هذا الوضع على التخفيضات المستمرة للنفقات المخصصة للتعليم كما تجري عملية طرد جماعي من العمل، وطالت البطالة حتى سلك قوى الأمن الداخلي (الشرطة) ورجال الاطفاء والمستخدمين في المدن الذين بات الكثيرون منهم يعيش على حافة الفقر، فنسبة العاطلين عن العمل ارتفعت بنسبة 10 إلى 11٪ خلال العامين الأخيرين من الأزمة والصورة القاتمة للاقتصاد في عهد أوباما لم تكن أحسن من صورتها في عهد بوش.‏

ترى في العديد من المدن وخاصة في أوقات المساء الحافلات التي تحمل المساعدات العاجلة والاستثنائية للأمهات اللواتي يحتضن أطفالهن مفترشين الأرصفة لعدم وجود منازل لديهم بعد طرد الكثير من العائلات من بيوتهم المحجوزة بسبب العجز في سداد الأقساط، وهذه العائلات المحرومة من المأوى هي الرمز غير المرئي لأميركا والذين لا تشاهدهم في قنوات البث التلفزيوني. وشغلت مدينة نيويورك المركز الأول في عدد العائلات التي تفترش الشوارع والأرصفة وأغلبية هذه العائلات لديها أطفال رضع وصغار، وتشير الاحصائيات الأميركية إلى أن 40٪ من المشردين في أمريكا في السنوات العشر الأخيرة أي منذ بداية الألفية الثالثة هم من الأطفال. وجراء أزمة العقارات المعروفة، تقلصت عمليات البناء بنحو 90٪ مما كانت عليه في السابق، فقط في أعوام التسعينيات السعيدة بنيت شقق ضعف عدد الشقق في الأعوام السابقة، ولكن أزمة الرهن العقاري، عمقت الشرخ بين الأغنياء والفقراء، ويتبين أن الأزمة الاقتصادية الراهنة أخطر بكثير بالنسبة لمن لا يملك أي شيء.‏

وفي قطاع التعليم، قبل المدرسون اعطاء دروس اضافية مجانية مقابل المحافظة على بقائهم في العمل. في كاليفورنيا 25000 مدرس تلقوا انذاراً بالتسريح من العمل في العام الدراسي القادم. واليوم يقوم أهالي التلاميذ ببيع أوراق اليانصيب وبيع الحلوى وكل ما يخطر على البال من أجل دعم ميزانية مدارس أبنائهم والحصول على امكانية شراء الكتب المدرسية ودفع أجور المعلمين. وبسبب زيادة البطالة بين صفوف قوات الأمن الداخلي لوحظ النمو الواضح للجريمة في جميع أنحاء البلاد. ففي مدينة أوكلاند تضاعف عدد جرائم القتل مرتين خلال عام واحد 2009 وسيتم في العام الحالي حسب الضرورة تقلص الميزانية، تسريح 12 ألف شرطي و15 ألف رجل اطفاء في مدينة كاليفورنيا فقط. وينتظر نفس المصير الكثير من قوات حفظ النظام في نيويورك. ولم تشفع لهؤلاء بطولاتهم في أحداث 11 أيلول 2001. وقررت بعض المحافظات الأميركية تقليص عدد مصابيح الكهرباء في جميع المؤسسات والشوارع، فمن كل ثلاثة مصابيح يجب إطفاء مصباح واحد بهدف تقليص استهلاك الطاقة الكهربائية ورفعت تسعيرة النفقات الكهربائية، ما ترك سخط السكان الفقراء وغضبهم، وثمة 60 مليون أميركي أي ربع سكان أميركا ليسوا في وضع مادي يسمح لهم بتسديد ما يترتب عليهم لقاء الضمان الصحي سنوياً. وباتوا أمام خيارين إما الدفع لقاء الضمان الصحي وبالتالي الافلاس التام، أو العيش دون ضمان صحي نهائياً.‏

وباتت الولايات المتحدة تشغل المكان الأول في مجال حرمان الأطفال من حق الطبابة المجانية وورثت هذا الوضع منذ أن كان بوش رئيساً للبلاد، وكثير من الأميركيين يضطرون للسفر إلى الجارة كندا أو المكسيك من أجل شراء الدواء الضروري لهم وبلغت النفقات على الأدوية لدى كبار السن 3000 دولار في السنة.‏

المواطنون يبدون عدم الثقة بإمكانية معافاة الوضع الاقتصادي القائم، أكثر من 50 مليون أميركي يطمحون للحصول على رغيف خبز اليوم.‏

مسؤول الضمان الصحي والاجتماعي في أميركا صرح علناً: «بعد انتهاء الحرب علينا جميعاً بذل الجهود لمساعدة العائلات التي تكافح يومياً للبقاء على قيد الحياة، وثمة مشكلة متعلقة بضمان الأمن القومي ولكن من جهة أخرى يجب ضمان الأمن الشخصي لكل أميركي على انفراد. ومن المهم جداً ألا تضيع الحكومة التوجه الرئيسي وهو تخصيص مساعدات كبيرة لأولئك الذين عانوا من الأوضاع القائمة». لقد ذهبت وعود الرئيس أوباما بتقليص النفقات على الحروب الخارجية أدراج الرياح ما يوحي بأن حل مشكلة المحتاجين سيبقى لفترة طويلة.‏

=========================

الدرس التركي

بقلم :عبدالجليل النعيمي

البيان

18-1-2010

رغم أن العالمين العربي والإسلامي أدميا الأسبوع الماضي الأيدي تصفيقاً لتركيا على موقفها الصارم إزاء الصلف الإسرائيلي، إلا أن تركيا كانت بذلك قد لقنت العرب والمسلمين والإسرائيليين، وكذلك الغرب دفعة واحدة، درساً قاسياً، لكنه ضروري لكل الأطراف. مفاد هذا الدرس للعرب والمسلمين: قبل أن تقرروا هدفاً ما أحسنوا إيجاد الأدوات المحركة لبلوغه، وإذا قررتم فلا تهنوا وامضوا حتى النهاية.

 

وبالنسبة للإسرائيليين: نحن لسنا كالعرب ولا كبقية العالم الإسلامي، نحن نستطيع أن نجعل أية محاولة إسرائيلية عدائية لمعاقبتنا على مواقفنا، ترتد عقاباً قاسياً لإسرائيل ذاتها وحصاراً لمصالحها. أما للغرب: فسواء قبلنا في الاتحاد الأوروبي أم لا، نحن نعرف كيف نشق طريقنا ونحتل موقعنا كدولة كبرى شرقاً وكبرى غرباً، باعتبارنا جسراً موصلاً بين الغرب والشرق، وسيأتي إلينا الغربيون كما الشرقيون، وبينهما إسرائيل، بحثاً عن حلول لمشكلاتهم.

 

صباح يوم الأربعاء الماضي، كان أفيغدور ليبرمان قد اعتبر الاعتذار الإسرائيلي الملتوي مقابل الإهانات التي وجهت للسفير التركي نهائياً، وأنه لن يكون هناك اعتذار صريح حتى لو سحبت تركيا سفيرها. أما في المساء فقد سرب راديو «كول إسرائيل» خبراً يفيد بأن نتانياهو هاتف ليبرمان مناشداً: «افعل شيئاً ما.. أنت تعرف كيف».

 

وفسرت الإذاعة الأمر بأنه بين الصباح والمساء مورس على رئيس الوزراء الإسرائيلي ضغط كبير، من جانب القوى القلقة من تضرر مصالحها الاقتصادية جراء تدهور العلاقات مع تركيا.

 

كما أشارت مصادر أخرى إلى أن وزير الدفاع إيهود باراك قد ترجى الرئيس بيريز ليضغط على نتانياهو. فبرغم الأزمة، كان لا يزال في إسرائيل وفد تركي للتفاوض حول صفقة لشراء 10 طائرات بلا طيار من طراز «نيرون» الإسرائيلية بقيمة 180 مليون دولار، كما كان قد أشار إلى ذلك وزير الدفاع التركي.

 

وعلى مستوى آخر، كان رجب أردوغان، الذي كان يقوم بزيارة لموسكو في نفس الفترة، يبحث مع الروس أوجه التعاون بين الطرفين، التي شملت أيضاً مشروع بناء فرع جديد لخط «التيار الأزرق» لأنابيب نقل الغاز، وهو أحد أهم مسارات نقل المواد الهيدروكربوهيدراتية الروسية إلى تركيا.

 

أما عبر «التيار الأزرق 2» فسوف يتم ضخ الغاز الروسي إلى الشرق الأوسط، وإلى إسرائيل بالدرجة الأولى.

 

على هذه الخلفية بدا الوجه الإسرائيلي مساء الأربعاء، أشد اسوداداً عما كان عليه صباح ذلك اليوم.

 

فالمحاولة الإسرائيلية لإهانة تركيا انتهت بالنسبة لإسرائيل بمهزلة كما بدأت، ذلك أن الحسابات الاستراتيجية التركية أضبط من الإسرائيلية بكثير. وكما أشار خبير معهد التقدير والتحليل الاستراتيجي الروسي سيرغي ديميدينكو في مقابلة مع صحيفة البرافدا.آر يو (23 ديسمبر 2009)، فإن القيادة التركية الحالية ماضية دون أن تحيد في ذات الخط الاستراتيجي التركي لتحويل تركيا، ليس فقط إلى دولة إقليمية عظمى، بل وقائد إقليمي للمنطقة. وعلى هذا الطريق، فهي تنخرط بنشاط في لعب دور نشط في تسوية قضايا الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

 

ورغم الرصيد التاريخي الطويل للعلاقات التركية الإسرائيلية، إلا أن تركيا، ومن أجل هذا التحول الاستراتيجي، تسعى بشكل حثيث إلى تطوير علاقاتها مع كبار اللاعبين في المنطقة، كإيران وسوريا، وربما السعودية غداً. وحتى بعد تسوية الأزمة الأخيرة، أكد الأتراك من جديد مضيهم في نفس التوجه، مذكرين الإسرائيليين بما يتوجب عليهم عمله من أجل التسوية العادلة.

 

وفي السياق نفسه يمكن أيضاً فهم الموقف المشرف للقيادة التركية، أثناء العدوان الصهيوني على غزة عام 2008، ونقد أردوغان الحاد لإسرائيل.

 

غير أنه لا يجب أن يساور الوهم أحداً أبداً، في أن الاستراتيجية التركية المشار إليها ستسقط من حساباتها يوماً ما ارتكاز الاستراتيجية التركية في الضفة الغربية من العالم، وبقوة على محور أنقرة واشنطن تل أبيب، الذي أعطى لتركيا حتى هذا الوقت المكانة التي يجب أن تستكملها حالياً بمحور تركيا إيران سوريا شرقاً، لكي تلعب الدور الذي ترسمه لنفسها في المنطقة والعالم. وإلا فأين الجسر؟

 

ما نريد قوله هو أن تركيا كدولة، بغض النظر عن تعاقب حكوماتها، تعرف بالضبط ما تريد وكيف تسعى إلى ما تريد، بعكسنا نحن. أليس في هذا درس لنا؟ وعسى ألا يستفيد الإسرائيليون من هذا الدرس أفضل منا.. نحن العرب!

كاتب بحريني

=========================

عندما تصبح الإنسانية في قارب واحد

بقلم :بدر عبدالملك

البيان

18-1-2010

جاءت الهزة الكارثية لشعب وحكومة هاييتي صدمة عميقة بلغت حد الرثاء التراجيدي، تلك الجزيرة الكاريبية التي ظلت تسبح في أرخبيل ممتلئ بالأعاصير والانقلابات العسكرية والفقر، وأخيراً لم يرحمها الزلزال، الذي لم تعرف مثله لما يقارب القرنين. الكارثة هزت المجتمع الدولي والمشاعر الإنسانية، في زمن ما زال هناك بشر يغنون بطريقتهم، لا أحد يبكي على هاييتي!

 

وبذلك تكون الأغنية صالحة لمأساتنا العربية، فلا أحد اليوم يبكي على اليمن ولا غزة أو العراق والسودان، ولا أحد يبكي على موريتانيا ولا على أفغانستان والصومال، ولن يبكي أيضاً أحد على كل الجرعات الأليمة التي يبتلع ريقها الناس صبحاً ومساء، وهم يشاهدون كارثة تلو الكارثة ودماً ينزف كالأنهر الصغيرة في حروب أهلية ونصف نظامية.

 

ربما لا يبدو الموت غير متوقع لإنسان يعيش حالة إرهاب وحرب وتفجيرات مستمرة، كأفغانستان والصومال وباكستان وغيرها من البلدان المتفجرة ببؤر الإرهاب، ولكن الإنسان يمتلئ ذعراً ورعباً عندما تحل الكارثة المميتة عليه فجأة ودون توقع، فيصبح أمام مشهد يومي مريع للغاية، ومشاهد بائسة وبشعة للأجساد البشرية وهي ممتدة في الخلاء، وكأنها قطع أقمشة مزرية في انتظار شاحنة القمامة.

 

بيوت ودمار وجوع وعطش ومصابون في كل مكان من العاصمة، بعد أن دمر الزلزال كل البنى التحتية وترك حلقة الاتصالات مقطوعة، مما عقد عملية الإنقاذ والتواصل والإغاثة العاجلة.

 

في مثل هذه الظروف الإنسانية الصعبة، نتساءل أمام ضمائرنا ماذا تفعل الإنسانية لنفسها عندما تدخل محنة بيئية؟ فنموذج هايتي ليس إلا نموذجاً واحداً ينتظرنا في الأعوام القادمة، مثلما تركت لنا أجراس التسونامي والعواصف المتتالية في دول كبرى كالولايات المتحدة، حيث دمر إعصار كاترينا الولاية تدميراً ضخماً لم تنهض بعده كاملة حتى الآن.

 

في ظل هذا الدروس الإنسانية، نلمس باستمرار الحس اليقظ أحياناً عند الدول والشخصيات والزعماء والمنظمات المدنية، المجتمعية أو الرسمية، المحلية أو الإقليمية والدولية، فكلها تستنفر طاقاتها وتتحرك بأسرع ما يمكن، لكي تنتشل قدر المستطاع من الأرواح المهددة بالموت، والتي تقف على مسافة قريبة منه.

 

ففي كل ساعة تأخير يموت شخص لا يسعفه الرمق ولا يسعفه جسده المريض الواهن، ولا يسعفه الوضع الكارثي الذي يعيشه، لهذا يصاب السكان المحليون في تلك اللحظة بذعر مضاعف وتشل الدهشة قواهم وقدراتهم، ويكتشفون أنهم يودون تقديم المساعدة والعون للضحايا، ولكن خبرتهم وإمكانيتهم تحول دون تقديم أكثر من حمل طفل صغير أو امرأة عجوز، أو إزالة ركام بسيط من الخشب.

 

غير أن من في إمكانهم إزالة تلك القطع الإسمنتية الضخمة، وتقديم المواد الغذائية والأدوية والاحتياجات الضرورية والعلاج والخيام، هي وحدها الدول والمنظمات الدولية، فهي التي تمتلك الطائرات والفرق والبواخر والمعامل الميدانية والمستشفيات المتحركة، وكلها كانت أمامنا في هذه اللحظة من لحظات هاييتي المرعبة.

 

أن يفقد ثلث السكان في بلد مساكنهم وثروتهم القومية، وأن تفوق أرقام الموتى الخمسين ألف إنسان، وهناك رقم مضاعف لم يتم بعد تأكيده، ففي مثل هذه اللحظة تصاب القدرات الإنسانية بالشلل في تقدير حجم الخسائر.

 

في هذا المشهد التراجيدي يفتح لنا الساسة معاركهم الجانبية، فتبدأ الصحافة الأميركية والمحافظون وغيرهم في توجيه اللوم للرئيس الأميركي، لتكتب الصحافة بكل وضوح، إن كارثة هاييتي هي امتحان لباراك أوباما، ففي الماضي كان من المنتقدين لسياسة بوش في كيفية تعاملها مع إعصار كاترينا، فهل نرى شيئاً شبيهاً بذلك؟

 

وركزت الصحافة الأميركية على حادثة وصول الفرقة الصينية لهاييتي قبل الأميركية بساعات، رغم فرق المسافة والإمكانيات. في هذه اللحظة يتشابه الساسة والجماعات المرتزقة المهووسون بالنهب والسلب، فيضيفون لجريمتهم جرماً إنسانياً آخر. فما بين ابتزاز رجل السياسة ورجل النهب، هناك مجرد مسافة أخلاقية وقيمية. وفي لحظة هاييتي المرعبة علينا أن نركب قارباً إنسانياً واحداً عند الكارثة، وعلى الجميع أن ينقذوا شعباً ووطناً من كارثته.

 

وإذا ما نجحت فرق الإنقاذ الأميركية في نقل بعض دبلوماسييها للعلاج في قاعدة غوانتانامو الكوبية القريبة، فان المجتمع الدولي والأمم المتحدة تستنجد العالم بحاجتها العاجلة لمائة مليون دولار، لإنقاذ الوضع الطارئ على ميزانيتها المستنزفة بكوارث ومصائب العالم المتنوعة.

 

ويبدو أن الأمين العام حظه عاثر مع العام 2010، والذي يحمل في طياته ما هو أصعب، فهناك مليار جائع مهددون بالموت هم أكثر انتظاراً للقمة العيش والعلاج في قاربنا الإنساني. وما يحتاجه المجتمع الدولي لإنقاذ جياع العالم، وليس جياع هاييتي فقط، مبلغ قدره ستة مليارات دولار، فيما الدول المانحة لم تدفع إلا مليارين، ومعنى ذلك أن الآخرين أمامهم خيار الموت جوعاً بطريقة بطيئة.

 

وأنا مشدود لتفاصيل الكارثة، والقراءة عنها وحولها، شعرت بحقيقة إنسانية لفيلم 2010 عن فلسفة المجتمع الإنساني عند لحظة الكارثة، كيف علينا أن نتصرف ونتعالى على قضايا السياسة والخلافات، ونلتفت إلى حال الإنسانية وهي تناشدنا لإنقاذها من البيئة المدمرة؟ وحدهم بشر كهؤلاء جديرون بالاحترام رغم محنتهم، فقد قال ليفساي أحد مواطني هاييتي وشاهد عيان:

 

سمعت عقب الزلزال أصوات عويل في أنحاء المدينة، وفي وقت لاحق أصوات غناء وصلوات، كانت أصوات جميلة وسط المأساة البشعة. فهل هي الطاقة الإنسانية الروحية في مواجهة الألم عبر الغناء والصلوات؟

 

وعندما يصلي أهل هاييتي السود، فإنهم يغنون التراتيل كزمن بعيد من أزمنة العبودية، فتصبح المدينة المنكوبة الرازحة في الظلام الحالك، مدينة الغناء والألم.. وما نحتاجه في قاربنا الإنساني هو أن نضمد جراحنا معاً، ونغني معاً حينما يواجهنا معاً عبث التدمير.

كاتب بحريني

=========================

حتى لا يسقط اليمن في حبائل التدويل

آخر تحديث:الاثنين ,18/01/2010

الخليج

عبد الاله بلقزيز

لا يملك أي حريص على وحدة اليمن واستقراره وأمنه الوطني إلا أن يبدي شديد استغراب لما قيل ونشر عن ترحيب رسمي يمني بدعوة غوردن براون، رئيس الوزراء البريطاني، إلى عقد مؤتمر دولي حول اليمن . فالترحيب إذا صحت نسبته إلى موقف رسمي يمني بداية سيئة لمقاربة الأزمة الداخلية المستفحلة بعناوينها الثلاثة المتفجرة: أزمة العلاقة بين الشمال والجنوب، أزمة العلاقة بين النظام والحوثيين في صعدة والشمال، ثم اتساع نطاق نشاط تنظيم “القاعدة” في البلاد .

 

إن شئنا الدقة أكثر قلنا إن هذه البداية السيئة (في مقاربة الأزمة) أطلت قبل دعوة براون والترحيب بها، وهي في أساس جملة العوامل والأسباب التي أخذت تلك الأزمة إلى هذه الحال الراهنة من الاستفحال التي نشهدها وترفع من منسوب هواجسنا وخوفنا على وحدة اليمن واستقراره . وهي أطلت من خلال سياسات أساءت إدارة أزمتي الجنوب والحوثيين من طريق المغالاة في إبداء الشدة والحسم والمعالجة الأمنية لقضايا من طبيعة سياسية شديدة الصلة بالحقوق الاجتماعية للمناطق الطرفية أو التي أصبحت كذلك في العشرين عاماً الأخيرة .

 

والمفارقة الكبرى في أن مواجهة مطالب قوى الحراك الجنوبي بالصد والدفع تحت عنوان أنها مدفوعة من الخارج للإساءة إلى وحدة اليمن، لا تستقيم مع استدراج اليمن للتدخل الخارجي في المعارك مع الحوثيين والرهان عليه قوة حسم للحالة الاعتراضية المستمرة اشتداداً في صعدة وشمال الشمال . وها هي المفارقة تلك تبلغ ذراها بالموافقة على تدويل الأزمة اليمنية من طريق التجاوب مع الدعوة البريطانية المسمومة، وبالموافقة على السماح للقوات الأمريكية بتوجيه ضربات عسكرية جوية لقواعد تنظيم “القاعدة” كما تقول قوى المعارضة الوطنية والديمقراطية .

 

يذهب البعض، في تفسير الموافقة اليمنية على فكرة المؤتمر الدولي، إلى رد تلك الموافقة إلى حاجة اليمن إلى دعم مالي خارجي لمواجهة أعباء الأمن الداخلي المتدهور فيه . وهو دعم لا توحي به الدعوة إلى التدويل فحسب، وإنما توفره المشاركة في برنامج الحرب الدولية على الإرهاب على ما تفيد بذلك السوابق في أفغانستان وباكستان . وإذا صح أن حسابات اليمن في هذه المسألة هي على هذا النحو الذي يفسر به المفسرون موقفه الرسمي وتعاونه العسكري والأمني مع الولايات المتحدة الأمريكية، يكون اليمن قد فتح على نفسه باباً إلى المجهول، إذ ماذا ينفع اليمن، حينها، أن يحصل على المال والدعم والمساعدات إذا كان عليه أن يضع سيادته وقراره رهن تصرف استراتيجيات دولية كبرى؟

 

ما كان التدويل يوماً، وفي أية أزمة من أزمات العالم، إلا الإعلان الرسمي عن فقدان البلد الذي تدار أزمته من خارج لسيادته واستقلال قراره الوطني . هكذا كانت الحال في أفغانستان والعراق والصومال والسودان ورواندا وبوروندي وصربيا (إقليم كوسوفو) . والدولة التي تقبل بتدخل دولي لحل أزماتها الداخلية إنما تسلم بأنها دولة قاصر، وتعلن بذلك إنهاء سيادتها من طريق تفويتها إلى قوة خارجية . أما حين تكون هذه القوة الخارجية هي أمريكا وبريطانيا وما شاكل من قوى

 

ذات استراتيجيات كونية، فللمرء أن يتخيل مقدار

 

ما ستتعرض له بقايا السيادة تلك من استباحة فاجرة .

 

ليس اليمن بحجم باكستان: لا بشرياً ولا قتصادياً ولا عسكرياً . ومع ذلك، فباكستان التي تبلغ ساكنتها نصف سكان الوطن العربي إلا قليلاً (ما يزيد على ثمانية أضعاف سكان اليمن)، ويتجاوز اقتصادها اقتصاد اليمن عشرين مرة، وتصل قدرتها العسكرية الاستراتيجية إلى امتلاك السلاح النووي، تقارب دولتها اليوم حدود التفكك والزوال بعد أن فتح لها نظام برويز مشرف سيئ الصيت باب الفناء قبل تسع سنوات حين وضع أراضيها وأجواءها وقدراتها الأمنية تحت تصرف الولايات المتحدة وحربها ضد “الإرهاب” . ها هي الدولة الباكستانية تضمحل اليوم، وتتداعى قدرتها على الوجود أمام تيار التفكك الذي دب فيها منذ باتت ساحة مستباحة للصراع بين أمريكا من جهة و”القاعدة” وطالبان من جهة ثانية . أما “قرارها الوطني” فذهب إلى رحمة الله! وهي اليوم لا تملك أن تمنع طائرات أمريكا من أن تسرح وتمرح في أجوائها باحثة عن قواعد “الإرهابيين” موقعة أشد ألوان القتل والأذى بآلاف الأبرياء من المدنيين! ليت اليمن يتعظ بدرس باكستان القاسي فيدرك فداحة خيار التعاون الأمني مع أمريكا .

 

يتحدث كثيرون اليوم في الغرب عن مآلات صومالية وسودانية لليمن بعد أن تعاقبت على وحدته وأمنه واستقراره وقائع التفكك . نأمل أن لا يحدث ذلك فيخيب ظن من يتوقعون ذلك . لكننا، في الوقت عينه، نخشى من أن لا يتعامل اليمن مع أزماته الداخلية المتفجرة بحكمة سياسية تجنب كيانه امتحان التفتيت . وأول مقتضيات تلك الحكمة طي فكرة تدويل الأزمة اليمنية .

=========================

مأزق المستقبل

آخر تحديث:الاثنين ,18/01/2010

عبدالله السويجي

الخليج

يشكّل الشباب العربي الذين تقل أعمارهم عن 24 عاماً نحو 60% من التعداد العام للسكان، وهو ما يمثل حوالي ثلثي التعداد السكاني العربي. وطبقاً لتقرير صدر في ديسمبر/ كانون الأول عام 2009 على هامش اجتماعات مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، بعنوان “تحديات التنمية في الدول العربية.. نهج التنمية البشرية”، فإن مجموعة من وثائق منظمة العمل العربية المعتمدة في العام ،2005 تبيّن أن معدلات البطالة في الوطن العربي تتراوح بين ارتفاع يبلغ 46% في الجزائر، وانخفاض تصل نسبته إلى 3،6% في الإمارات العربية المتحدة. ويضيف التقرير أنه باستثناء الإمارات، تعاني الدول العربية ذات الدخل المرتفع هي الأخرى من معدلات بطالة بين الشباب حيث تصل في البحرين إلى 27%، والسعودية 26%، وقطر 17%، والكويت 23%. أما المعلومة الأكثر خطورة فهي كما يذكرها التقرير، أن البطالة بين الشباب بالدول العربية هو الأعلى في العالم. ووفق تقديرات منظمة العمل العربية بلغت نسبتها بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا 7،25% عام 2003 وهو المعدل الأعلى على مستوى العالم، وأعلى من المتوسط العالمي بنسبة 8،77%. ما يشير إلى أن ربع الشباب العربي عاطل عن العمل.

 

إن القضية الجوهرية ليست في نسبة الشباب العاطلين عن العمل، ولكن في التداعيات الاجتماعية والفكرية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية والإنتاجية، وانعكاسات كل ذلك على لحمة الأسرة ومتانة المجتمع، والأكثر من ذلك انعكاسها على الحالة الأمنية بكل تفاصيلها وجوانبها.

 

إن 25% من الشباب العربي، وهي النسبة العاطلة عن العمل، تضاف إليها نسبة أخرى تدبر أمورها بأجور لا تكاد تسد الرمق، ونسبة ثانية عاطلة عن التفكير الناقد، ونسبة ثالثة تفتقر للثقافة الحقيقية، ونسبة مهزومة سياسياً وحضارياً، ونسبة أخرى مصابة بإحباط وقلة ثقة، كل ذلك يشكل نسبة كبيرة، تتعرض لخطر شديد يهب من جهات عديدة، وتعيش إشكاليات معقدة في إدارة أمورها، ولا تحسد على الخيارات المتاحة أمامها، ومن بين هذه الخيارات والإشكاليات:

 

* أولاً: التفكير بالهجرة خارج الوطن العربي، وهذا تفكير معظم الشباب الخريجين في الجامعات، إضافة إلى أصحاب المهن.

 

* ثانياً: يتأرجح الشباب العربي في ظل واقع غير مستقر وغير واضح، بين حالتين، هما في الأغلب نظامان متصارعان، ويقع الشباب بين مطرقة الأول وسندان الآخر، النظام الأول وهو مشروع الجماعات المتطرفة، والنظام الثاني وهو الوضع القائم الذي لا يوفر للشاب حماية جادة ضد الرياح التي تهب عليه من كل صوب، حاملة المغريات على هودج من جاذبية ساحرة، وحاملة الأفكار والأخبار المخيبة للآمال على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

 

وبين الأمرين، التفكير بالهجرة، وتحدي الاختيار بين الانضمام للتطرف أو غض الطرف عن النظام الذي لا يوفر الحماية، يقف الشاب العربي متأملاً مرة، ساخطاً مرة أخرى، غير مبال مرة ثالثة، ضائع مرة رابعة، وهذه الحالات إما أنها تقوده إلى الانحراف والشذوذ والوقوع في حبائل المتربصين له بطريقة غير مباشرة، وإما أنها تقوده إلى القيام بفعل يعبر فيه عن نفسه، وقد يكون هذا الفعل عنيفاً، كما نرى في شتى بقاع الوطن العربي. فالمنتمون إلى التيارات المتطرفة، أو الليبرالية، تتوازى أفعالهم من حيث الحدة والشدة والعنف، وكلاهما غير راض عن الواقع.

 

قرأت في موقع إلكتروني مادة منشورة في العام ،2007 ومنقولة عن صحيفتين فرنسيتين، الأولى صحيفة (لوبوان) التي كشفت عن خطط سرية ل “سي آي إيه” من أجل اعتماد ميزانيات مالية ضخمة تخصّص لإنشاء مواقع على شبكة الانترنت، بالإضافة الى قنوات فضائية تروّج للمخدرات والرذيلة على أساس أنها حرية شخصية. كما نقل الموقع عن صحيفة “لاانتليجنت الفرنسية” عن أن هناك أقماراً صناعية تم توجيهها الى الدول العربية و الإسلامية تبث قنوات إباحية غير مشفرة وتعرض هذه القنوات وبشكل مكثف إعلانات تحث على ممارسة الرذيلة من خلال الاتصال بفتيات ليل عربيات من جميع الدول العربية عن طريق عرض أرقام تليفوناتهن ثم عرض أفلام خادشه للحياء.

 

لا أعتقد أننا بحاجة إلى إحصاءات رسمية موثقة حتى نعرف مدى إقبال الشباب العربي على هذه القنوات، ولا نريد الخوض في الأسباب لأنها واضحة، وحتى لا نلعب دور المصلحين الاجتماعيين المباشرين بشكل فج، إلا أن كل ذلك لا يمنع من القول إن هذه الظاهرة مستشرية بين الجنسين، وإن كانت الظاهرة منتشرة على الصعيد الذكوري أكثر بشكل لافت.

 

لا نأتي بجديد حين نقول إن نسبة كبيرة من الشباب العربي مغيّبة عن المجتمع، وغائبة عن الحراك الثقافي والفكري، ويكفي أن نقارن بين جمهور كرة القدم، وبين جمهور محاضرة ثقافية أو ندوة فكرية أو عرض مسرحي جاد، أو حتى ندوة فنية تحاكي العقل، ويكفي أيضا الإشارة إلى النسخ المباعة من الأعمال الفنية الهابطة حتى نتعرف إلى مستوى الذائقة الأدبية والفكرية، ونتعرف إلى المستوى الثقافي لنسبة كبيرة من الشباب العربي، الذين اختلطت لديهم القيم، وتداخلت شخصياتهم الوطنية بالشخصيات الأخرى، ولا شك أن هنالك أسباباً جوهرية تقف خلف هذا الدمار أهمها:

 

* أولاً: انقلاب القيم الاجتماعية والثقافية والعلمية وانتشار السطحي منها بين الشباب.

 

* ثانياً: الهزائم التي تتعرض إليها المنظومة السياسية العربية يومياً، من دون القيام برد فعل واحد يشير إلى أن أحد الأنظمة حي يرزق مقابل العدو.

 

* ثالثاً: عدم وجود المثال الأعلى، والقدوة والنموذج، وإن وُجد فهو من صناعة الإعلام الرسمي وغير الرسمي، الذي لا يقنع الشباب الذين لا نقلل من مستوى ذكائهم رغم اضطراب حالهم.

 

* رابعاً: عدم وجود القيادي المستقل المستنير الذي يقود هؤلاء الشباب ويضع لهم الاستراتيجيات للنهوض بهم، أو رسم نقطة ضوء في نهاية النفق الذي تأكلهم عتمته.

 

* خامساً: وزارات الشباب العربية تفهم أن عملها يقتصر على المعسكرات الكشفية (التي بدأت بالتراجع)، وعلى الاهتمام بالرياضات.

 

* سادساً: افتقاد العالم العربي الحوار مع الأجيال، على الصعد الأسرية، والمؤسسات التعليمية والتربوية، أو على الصعيد العام، حيث حرية التعبير غير متوفرة على الإطلاق، وإن ادعت بعض المجتمعات توفرها وممارستها.

 

إن كل ذلك يستدعي وقفة جادة من وزارات الثقافة العرب، والمؤسسات الثقافية والتعليمية والاجتماعية والقانونية، وعلى رأسها المؤسسات الإعلامية، وعلى هؤلاء التوقف عن تبييض واقع الشباب العربي، والتوقف عن المتاجرة بمصائرهم، والامتناع عن ترويج المادة الرديئة في أوساط الشباب، فإن لم يكن السبب مخافة الله، ليكن رحمة بهؤلاء، لأن المستقبل يرتبط بهم، بل إنهم هم المستقبل، ولا أدري كيف تسعى الأوطان إلى تدمير مستقبلها بيدها.

=========================

العرب بين مطرقة إيران وسندان الغرب وإسرائيل

الإثنين, 18 يناير 2010

عرفان نظام الدين *

الحياة

التسخين في المنطقة يجري على قدم وساق وبالسر والعلن استعداداً للمنازلة الكبرى بين إيران والغرب وإسرائيل لحسم مسألة الملف النووي سلماً أو حرباً.

وبكل أسف فإن العرب بكل ما يمثلونه من حجم وما يمتلكون من حقوق، بوصفهم أهل المنطقة يفترض أن يكونوا هم لا غيرهم أدرى بشعابها، وهم الأصليون والأصيلون إن لم يكن في شكل كامل فبالغالبية العظمى بحسب شهادات التاريخ ووقائع الجغرافيا.

العرب غائبون عن مجريات الأحداث ودهاليز المطابخ السياسية والعسكرية أو مغيبون قصداً وعن عمد من قبل جميع أطراف النزاع لغايات في نفس يعقوب، أو إمعاناً في التجاهل والإذلال وعدم الرغبة بإشراكهم في الحل والغنم وتحميلهم أوزار الغرم ونتائجه وانعكاساته وآثاره المدمرة.

ونحن بعد أن ودعنا عام 2009 ودعنا معه عقداً كاملاً من الإحباط والتراجع والتشرذم والانقسامات والتنازلات، وفوق كل شيء فقدان الدور الإقليمي إما بسبب الإهمال واللامبالاة والتواكل أو نتيجة لتقدم القوى الإقليمية الى الواجهة لسرقة هذا الدور التاريخي والاستئثار به لدواعي الهيمنة تارة أو لدواعي تصفية الحسابات الإقليمية والدولية أو للحصول على اعتراف دولي نهائي بهذه القوى كعامل من عوامل الحل والربط والتوازن وحفظ المصالح وحل القضايا وتبريد المناطق الساخنة.

فقد بدأ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بنظريات الهيمنة الأميركية والعالم المحكوم بالأحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة بين الغرب والشرق، ووقف العرب كالعادة متفرجين ينتظرون الفرج من "الحاكم الوحيد للعالم" ومن الإمبراطور المتربع على عرشه حتى إشعار آخر. وجاء زلزال 11 أيلول (سبتمبر) ليصحو العالم من سباته على أول مواجهة يخوضها لفرض هيمنته والباقي معروف من أفغانستان الى العراق وتداعيات ما سمي بصراع الحضارات ومحاربة الإرهاب وبروز "القاعدة"، ومعها نظرية مزعومة للمحافظين الجدد والعديد من منظري الغرب بتحريض صهيوني سافر تدعي أن الإسلام، والفرع السنّي بالذات، هو الخطر ولهذا لا بد من ضربه وتحجيمه وتظهير صورته على أنه العدو الدائم والفعلي في المنطقة والعالم كله.

وكل ما جرى في العراق حاول هؤلاء إظهاره كدليل واقع على صحة هذه النظرية المزعومة بعد التسهيلات التي قدمتها إيران للغزو الأميركي للعراق، أو على الأقل غض الطرف عنه وتشجيعه، ربما لتوريطه بحسب بعض النظريات إضافة الى تحالف قوى عراقية شيعية رئيسية وفاعلة مع الاحتلال الأميركي.

وبدلاً من أن يكون العقد الأول للقرن فرصة للعرب للنهوض واستغلال المتغيرات تحول من "عقد فريد" منتظر الى انفراط عقد العرب وفقدانهم للدور الفعال والمؤثر لمصلحة القوى الإقليمية الرئيسية: إيران وتركيا وإسرائيل.

واليوم بعد كل تداعيات العقد وأحداثه المتلاحقة والدراماتيكية يتركز الصراع على موضوع الملف النووي الإيراني كعنوان رئيسي لكنه في الواقع يشكل مفترق طرق تتحدد فيه أحجام القوى ودور إيران وتركيا ومستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي.

وكل الدلائل تشير الى ان الحسم قريب سلماً أو حرباً فيما يعيش العرب حالة ضياع ليتحولوا في الحالتين الى رهائن لدى أطراف النزاع، بحسب دفاتر الشروط المعروضة والاحتمالات التدميرية على المنطقة بأسرها في حال وقوع مواجهة عسكرية.

ولا يخفي الفرقاء هذه الحقيقة بل باتوا يتحدثون عنها صراحة ومن دون مواربة فيما العرب يبدون غير مدركين لحجم الأخطار القادمة نتيجة لوقوعهم تحت رحمة الآخرين وبالتحديد بين مطرقة إيران وسندان الغرب وإسرائيل.

فإيران كانت صريحة عندما قدمت الى الغرب موقفها النهائي مع عرض مغر يقوم على غض الطرف عن الملف النووي لقاء دور إيراني شامل في المنطقة والعالم يساعد على إحلال الهدوء والسلام في العراق ولبنان وفلسطين ضمن إطار الحل السلمي والديبلوماسي. في المقابل هزت إيران العصا مقابل الجزرة بالتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال فرض العقوبات أو شن حرب عليها، وخصت بالذكر الجبهات الأمامية التي تملك فيها نفوذاً وإغلاق مضيق هرمز والرد بقصف صاروخي على الأماكن التي توجد فيها مصالح لأميركا والغرب. يضاف الى ذلك التهديد بالرد على قصف المنشآت النووية الإيرانية بقصف المنشآت النووية الإسرائيلية، ما يعني في الحالتين إشعال المنطقة بأسرها وتدمير مناطق عربية شاسعة من فلسطين الى العراق نتيجة لتسرب الإشعاعات النووية الى الدول العربية المجاورة.

وعلى الجانب الآخر تحاول الولايات المتحدة تطمين العرب الى أن أي اتفاق مع إيران لن يكون على حسابهم، ولكننا تعودنا على الصفقات السرية والاتفاقات من تحت الطاولة، وخيانة العرب من قبل الغرب عبر التاريخ.

أما ما أعلنه رئيس الأركان الأميركي عن تقديم خطة الخيار العسكري الى البيت الأبيض فالأرجح أنها لن تأخذ في الاعتبار المصالح العربية والأمن القومي وحياة العرب كبشر في هذه الحرب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

أما إسرائيل المحرض الأكبر والمجرم الدائم الذي تعود على الغدر وارتكاب المجازر فآخر همها أن تفكر بالعرب ومصيرهم وحياتهم ومماتهم. والأرجح أنها تبث الآن سمومها وتحشد طاقاتها لجر الولايات المتحدة والغرب الى حرب ضد إيران بغض النظر عن نتائجها المدمرة للمنطقة بأسرها. فهي تقوي ترسانتها الحربية وتحشد الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل وتخطط لاستيعاب الضربات والردود إن من إيران أو من لبنان وغزة.

هذه الصورة السوداوية ليست من بنات الخيال بل لا بد لكل عربي من القمة الى القاعدة أن يأخذها في الحسبان ويدرك أبعادها وحجم مخاطرها. فعندما تقع الواقعة لا مجال للندم أو حتى للعمل والرد فيكون قد وقع الفأس في الرأس وما علينا سوى الاستسلام للقضاء والقدر وانتظار ساعة الحسم أو انتظار صاروخ عابر يقع على رؤوسنا أو إشعاع نووي يدمر حياتنا. ولهذا لا بد من تحرك فوري على مختلف الأصعدة لمواجهة الخطر الداهم يبدأ بإعداد دراسات إستراتيجية واقعية عن مختلف الاحتمالات ثم يتواصل مع توحيد الصف العربي والتنسيق والقيام بعمل مشترك وتحرك سريع باتجاه مختلف أفرقاء النزاع مع مبادرات عملية للوساطة وإيجاد حلول عملية لمعضلة الملف النووي وإقناع إيران بالقبول بها من أجل مصلحة العرب والإيرانيين في شكل عام وتحذير الولايات المتحدة والغرب من مغبة العملية العسكرية في حال اتخاذ قرار الهجوم على المنشآت النووية أو من مخاطر عقد أية صفقة على حساب المصالح العربية العليا. وفي حال فشل الجهود السلمية وضياع وسائل الإقناع لا بد من العمل على تحييد الدول العربية ورفض أي ضغط من قبل أي طرف لتوريطها في الحرب وجرها الى الدمار. وعلى الأطراف العربية أن تدرك أن استخدامها كورقة أو كأداة في هذه الحرب سيكون وبالاً عليها وعلى أوطانها وعلى الأمة بأسرها.

المهم أن يصحو العرب من غفلتهم ويتحركوا قبل فوات الأوان ... فلا أحد سيكون بمنأى عن الأخطار القادمة ورياح سمومها التي بدأت طلائعها تهب على سماء العرب.

* كاتب عربي

=========================

معاني الاعتذار

بثينة شعبان

الشرق الاوسط

18-1-2010

مرة أخرى يفعلها هذا الرجل الفاضل رجب طيب أردوغان! فيضرب مثلا حيا بأهمية اتخاذ القادة مواقف تتسم بالعزة والكرامة والشجاعة! وما الاحترام الذي يكافئه به شعبه، إلا نتيجة حرصه على كرامة بلده وشعبه؛ فقد أصبحت شهامته التي ظهر بها وهو يغادر منبر «دافوس»، تجسيدا لموقف رجل لا يخشى في الله لومة لائم، كان الموقف دفاعا عن أهل غزة، ولكنه كان دون شك معبرا عن احترام أردوغان لهويته وكرامته الوطنية، وهذا بالضبط ما فهمه العالم من موقف أردوغان، فترك لخلفه إرثا يفخر به.

كانت لغة وتعبيرات وجه وعنفوان حركة أردوغان، لا تحتمل التأويل، فهذا زعيم وطني يحرص على كرامة بلده، حرصه على كرامة عائلته وأولاده، ومن في العالم لا يحترم توحد القائد مع مبادئه، وانصهاره الكامل في قضية أمته، وتمثيل بلاده أصدق وأرفع تمثيل؟

وها هو، منذ أيام، يعود رجب طيب أردوغان مرة أخرى ليلقن كيانا عنصريا - لم تتجرأ حكومة في الغرب حتى على أن تنتقد جرائمه ولو بأتفه العبارات، رغم بشاعة هذه الجرائم ووحشيتها - درسا في تقديم اعتذار كانت قد أصرت سلطات الكيان الصهيوني على أنها لن تقدمه، بعد أن حاولت جهدها أن تتهرب من الاستحقاق الذي فرضه أردوغان، انتصارا لكرامة تركيا، وحدد لهم المهلة الزمنية ببضع ساعات، وإذا لم يقدموا هذا الاعتذار، تنتهي المهلة، ولا يعود اعتذارهم مقبولا.

لقد تمادى مجرمو الكيان في غيهم، ومع ذلك، فإن المسؤولين الغربيين لا يجرؤون سوى على الترديد كالببغاوات عبارة «الالتزام بأمن إسرائيل».

ولم يضطر مجرمو الحرب الإسرائيليون، رغم كل ما ارتكبوه طوال مائة عام من مجازر، وتعذيب، واستيطان، وحصار، والجدار، وما استخدموه من أسلحة محرمة دوليا، إلى تقديم أي اعتذار للعرب، ذلك لأن هذا الاعتذار لم يطلب منهم أساسا، ولم يعطوا مهلة محددة لقبول الاعتذار، وإلا فإنه سيكون مرفوضا!

نموذج أردوغان التركي، المتسم بالكبرياء والعزة، يستند إلى قوة الدعم الشعبية، ويتميز بالثبات على المبادئ، وليس الاتكاء على الدعم الأجنبي والأجهزة القمعية، ولذلك رفضت تركيا أردوغان، مساعدة حليفها القديم في غزوه للعراق، ولذلك جاهرت بدعمها لغزة، وليس المشاركة في الحصار مع حليفها السابق.

دروس للنظام الرسمي العربي على أكثر من صعيد:

أولا: أن تركيا التي أقامت علاقات واسعة مع إسرائيل تجاهر بدعم أشقائها العرب، فعلا وليس قولا!

ثانيا: أن العلاقة المتميزة التي أقامتها تركيا في مرحلة مع إسرائيل لم تمنعها من إدانة جرائمها علنا، بما في ذلك الحرب والحصار والاحتلال!

ثالثا: كل المبادرات العربية من إظهار حسن النوايا، وإجراءات بناء الثقة، لا تجدي نفعا مع عدو غاشم متجبر وعنصري، وأن اللغة الوحيدة التي يفهمها، هي لغة القوة التي تحشره في الزاوية، وترغمه على الاعتذار عن غطرسة طغاته، ففي الوقت الذي كانت فيه الدعاية الصهيونية توهم الملأ أن الجيش التركي بحاجة للصناعات العسكرية الإسرائيلية، وأن إسرائيل تسدي خدمات جليلة لتركيا بعلاقاتها معها، ها هم أركان العدو الصهيوني يعترفون بأنهم بحاجة إلى تركيا، وأن تركيا ليست بحاجة لهم، ولذلك اضطروا لتقديم الاعتذار عن تصرف عنصري أرعن، هو جزء لا يتجزأ من تصرفاتهم تاريخيا مع العرب، بحيث إنهم ظنوا أن هذا التصرف أمر عادي، وأنه ليس بمقدور أحد إلا أن يقبل بما يصدر عنهم مكرها، إلى أن اكتشفوا رجلا ذا موقف وكرامة وجبين عال، اضطرهم إلى ابتلاع لسانهم، والاعتذار عن تصرفاتهم القبيحة.

رابعا: أن التمسك بالكرامة والعنفوان، هو الأسلوب الوحيد المجدي الذي يفهمه هذا العدو، وأن كل محاولات استرضائه، لن تجدي نفعا، ولن تعيد الحقوق إلى أصحابها الشرعيين، وإن التبرع بإخماد المقاومة العربية، لن يزيد هذا العدو إلا صلفا وغرورا وتجبرا.

خامسا: معاناة الشعب الفلسطيني من القتل اليومي، والحصار، والحرمان من الحرية، سببها جميعا، ليس الاحتلال الإسرائيلي فقط، وإنما ضعف العرب وعجزهم عن تنسيق مواقفهم وتوحيد رؤاهم، والوقوف صفا واحدا ضد كل جريمة ترتكب بحق أي عربي في أي قطر عربي. أي حين يكون الدم العربي عزيزا على القادة العرب، لا يستطيع مجرمو الكيان وغيرهم من الأعداء، الذين يتخذهم البعض، وهم واهمون، أصدقاء لهم، الاستهانة بهذه الدماء، أو تجاهلها. ومن هنا فإن الخاسر الأكبر من الواقع العربي، هو المواطن العربي، وهو بالطبع المسؤول عن رصد هذا الواقع، والتعامل معه، والعمل على تغييره بما يحفظ كرامته، وينال حريته، ويحقق طموحاته المشروعة. والدرس الواضح من أنموذج أردوغان التركي، هو أن العمل المجدي في خدمة القضية الفلسطينية لم يعد حكرا على العرب، فقط لأن المتضررين من الاحتلال البغيض هم عرب، أليس من البدهي في هذا الصدد أن مواقف أردوغان التركية تفوق مواقف بعض الناطقين بالضاد، حرصا على فلسطين وعونا لها في محنتها؟ أوليس أسلوبه أجدى، بما لا يقارن، من أسلوب من يعتقد من العرب أن استرضاء إسرائيل وعدم استفزازها، ومحاولة بناء الثقة معها، هي الأساليب الوحيدة الممكنة لاستعادة الحق العربي؟

بذلت تركيا جهودا مضنية لدعم قافلة شريان الحياة، وتبرع الشعب التركي بسخاء منقطع النظير لإخوته في فلسطين، وأبحرت سفينة تركية بالمؤن إلى غزة، ويدرك العرب والعالم اليوم أن نبض الشارع التركي يتجاوب لحظة بلحظة مع مأساة أهلنا في غزة، فهل يمكن التنكر لكل هذا، بحجة أن الأتراك ليسوا عربا مثلا، والتغاضي عن التقصير العربي، أو فقدان البوصلة في التعامل مع العدو في بعض الأحيان، مما يضعف مواقف إخوتنا في السجن الكبير الذي يعتقل طغاة إسرائيل فيه شعب فلسطين العربي؟ وهل يمكن على سبيل المثال، أن أتجاهل الناجية من الهولوكوست، التي أضربت عن الطعام في القاهرة من أجل الوصول إلى غزة؟

أو هل يمكن أن أتجاهل آلاف الشباب والنساء الذين قدموا من كل أنحاء العالم إلى المنطقة محاولين الوصول إلى غزة لقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة تضامنا مع أهلها المظلومين؟ ألا ينطبق الشيء نفسه على إيران التي أغلقت السفارة الإسرائيلية وفتحت بدلا عنها سفارة لفلسطين، ودعمت القضية الفلسطينية منذ سقوط نظام الشاه، حليف إسرائيل؟ واليوم تبني الهند سفارة جميلة لفلسطين، وتلقى قضية فلسطين حماسا غير مسبوق بين فئة الشباب في الهند، الذين ورثوا حب العدالة من ملهمهم الكبير المهاتما غاندي، فهل يحق لأحد أن يقول إنه لا يرغب في الدعم التركي، أو الإيراني، أو الهندي، أو أي دعم آخر لقضايانا، بحجة أن هذا الدعم غير عربي، حتى إن تراجع الدعم العربي في بعض مناحيه، نتيجة اختلاف في الرؤى، أو الأسلوب، أو الطريقة المثلى التي يمكن أن تقود إلى الهدف المنشود؟

إن معنى الاعتذار الإسرائيلي للأمة التركية كبير بدلالاته، فهو حلقة جديدة من حلقات التعري الذي يُظهِر إسرائيل أمام العالم على حقيقتها المتغطرسة، العنصرية والمجرمة، وإن كانت الحكومات الغربية تغلق عينيها وتصم أذنيها عن هذه الجرائم، وتردد كالببغاوات مواقفها المكررة من إسرائيل، رغم اتضاح جوهر هذا الكيان للملأ في السنوات الأخيرة.

إن الزمن قد تغير اليوم، وأصبحت الأطراف غير العربية أشد تأثيرا، وأكثر حماسا، وأنجح أسلوبا في الكفاح من أجل حرية فلسطين. ولذلك يجب ألا يبقى الشعب الفلسطيني رهينة الأساليب الرسمية العربية التي أثبتت الحياة عدم جدواها في هذا الكفاح، بل يجب أن يمسك بأي إمكانية تخدم أهداف تحرره وكرامته. إن فلسطين أصبحت قضية عدالة دولية اليوم، يلعب فيها تابعو مختلف الأديان من يهود، ومسيحيين، ومسلمين، دورا جديدا ومهما، كما يلعب فيها أطراف من غير العرب دورا حيويا مرحبا به، لأنه يصب في خدمة العرب، وحريتهم، وكرامتهم، ومستقبل أوطانهم.

=========================

لا تراجع عن الإصلاح داخل باكستان

آصف علي زرداري

الشرق الاوسط

18-1-2010

عندما انتخبتُ رئيسا قبل أكثر من عام، كانت باكستان في حال خطير حيث تنازعتها الأعمال الإرهابية والاقتصاد المنهار. وتطلبت مواجهة آثار دكتاتورية استمرت على مدى عشرة أعوام اتخاذ إجراءات جريئة، البعض منها لا يحظى بشعبية. وأعمل مع البرلمان على إدارة هذه البلاد، وليس على إدارة حملة سياسية. وتسعى حكومتنا الديمقراطية إلى تنفيذ سياسة تحسين الأوضاع المعيشية للباكستانيين بصورة كبيرة. وبمرور الوقت، ستثمر السياسات الجيدة ساحة سياسية صالحة.

وتحتاج أزمتنا الاقتصادية إلى إجراءات غير مسبوقة. وفيما يتعلق بالضرائب والتعليم والزراعة والطاقة، أشرنا إلى أنه يجب أن نتكيف ونجري إصلاحات كي نعتمد على أنفسنا. ولا يريد الإرهابيون النجاح لباكستان، بل يريدون صرفنا عن التجهيز لمستقبل مستقر مزدهر. وبعد أن قام مفجّر انتحاري بقتل 75 شخصا شمال غربي باكستان الشهر الحالي، أشارت تقارير إعلامية أميركية إلى أن «هدف المسلحين هو بذر الخوف بين المواطنين بصورة عامة على أمل وضع المزيد من الضغوط السياسية على حكومة الرئيس آصف علي زرداري كي تتراجع». ولكن هؤلاء المسلحين يستقلون بنا، ففي الوقت الذي يرفض فيه شعبنا ممارسة الإرهاب ضده، ترفض حكومتنا التراجع عن طريقها صوب المسؤولية المالية والمحاسبة المجتمعية والشفافية المالية.

وتعين زيادة أسعار الوقود ورفع الضرائب من أجل استعادة الاقتصاد لعافيته. ومفهوم أن هذه الإجراءات لا تحظى بشعبية. وكان يجب قبول شروط صارمة كي نقيم شراكة مع صندوق النقد الدولي، ولكننا نتفهم ظروف اقتصادنا والاقتصاد العالمي ونعمل بحسم.

لقد كلفت الحرب على الإرهاب الدولة الباكستانية أرواحا واقتصادا، حيث إنها أصابت الاستثمارات الدولية بحالة من الجمود وحوّلت الأولويات عن القطاعات الاجتماعية وغيرها. وعلى الرغم من التحديات المستمرة على عدد من الجبهات، تحملنا الضربات السياسية وتمسكنا بالإصلاح. وقد أثنى صندوق النقد الدولي على «الجهود التي تتخذها السلطات من أجل تحقيق استقرار اقتصادي أفضل لتعزيز الإصلاح الهيكلي ووضع الأساس لنمو أفضل وأكثر استدامة. وتعد الإشارات الأولية على الانتعاش وتراجع التضخم وتحسن الوضع الخارجي أشياء مشجعة». وقد وفّت الدولة الباكستانية بمعايير صندوق النقد الدولي الشهر الماضي كي تحصل على «الدفعة الرابعة»، أي على 1.2 مليار دولار. ولا يعد ذلك شيئا سهلا في ضوء الركود العالمي. ومعلوم أن الحكومات الفاسدة لا يمكن لها الوصول إلى هذا المستوى من الشراكة مع صندوق النقد الدولي. وقد أثنى البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الإنجازات التي حققناها. وربما لم ترد تقارير كثيرة عن هذا الثناء، ولكنه أكثر أهمية من وهم الاستطلاعات.

وتعد الانتعاشة الاقتصادية التي تشهدها باكستان بالأساس ثمرة دمائنا وكدنا. وقد جرت المفاوضات من أجل إعادة الديمقراطية وتنفيذ ذلك بوساطة غربية. ويعرف الباكستانيون أن السعي من أجل تحقيق المنافع دفع في بعض الأحيان الديمقراطيات الراسخة في العالم إلى دعم أنظمة دكتاتورية، كما حدث في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وأمام الغرب مسؤولية أخلاقية لضمان أن انتقالنا الديمقراطي سيستمر، حيث إنه يجب أن تسود قيم أخلاقية على المدى الطويل. ولو كان مجتمع الدول الديمقراطية المتطورة قد صاغ خطة تنموية مبتكرة بعد انتخاباتنا الديمقراطية الأخيرة على غرار مشروع مارشال لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لتحقق مقدارا أكبر من الاستقرار العسكري والسياسي والاقتصادي.

ويعارض البعض داخل بلدي الجهود التي تبذل من أجل زيادة صلاحيات محافظاتنا ومسؤولياتها المالية والتكامل بين مؤسساتنا. ويعارض من ألفوا الدكتاتوريين إحداث تغيير. وقد جربت باكستان نهجهم ومنيت بكارثة. ونسعى حاليا من أجل بناء دولة باكستانية جديدة من خلال حلول طويلة الأجل تعتمد على إدارة مالية سليمة.

وفي الوقت الحالي، تشير بعض التقارير الغربية إلى أن الجيش الباكستاني لا يدعم سياسات حكومتنا الديمقراطية. وهذا ليس صحيحا. فبالإضافة إلى أن جيشنا يحارب بشجاعة المتطرفين داخل سوات ووزيرستان فإنه يحقق نجاحا في ذلك، تقوم قواتنا بدعم عملية الانتقال الديمقراطي داخل بلادنا والالتزام بالدستور. ويشكك البعض داخل باكستان في تحالفاتنا الدولية لأنهم يعارضون تصرفات حلفائنا مثل الهجوم الأميركي الأحادي باستخدام طائرات من دون طيار ضد مسلحين في وزيرستان الذي نفذ يوم الخميس الماضي. ويجب أن نتفهم جميعا هذه المخاوف. ولكننا نقاتل من أجل حياتنا، ولا يمكن أن تعتمد سياسات باكستان على ما يحظى بالشعبية وحسب. فعندما مدّ فرانكلين روزفلت طوق نجاة إلى بريطانيا من خلال برنامج الإعارة والتأجير، كان الأميركيون الذين يدعمون تحدي النازيين قلة. وكان دعم الأميركيين لسعي هاري ترومان لإعادة بناء أوروبا نسبته أقل من 15 في المائة، وقد قاموا بما هو صحيح، وليس بما يحظى بشعبية، وسوف نقوم أيضا بذلك.

لقد أظهر التاريخ الفارق بين السياسات النفعية والأهداف الطويلة الأجل التي يتبناها رجال الدولة الحقيقيون. وعندما يُكتب تاريخ وقتنا، سوف ينظر إلى قرارات الدولة الباكستانية على أنها نقطة تحول لاحتواء الإرهاب الدولي. إننا نبني اقتصادا ومجتمعا صالحا للعمل. وفي النهاية، فإن هذه الإجراءات التي لا تحظى بالشعبية في بعض الأحيان سوف تصوغ دولة باكستانية تبعد الأكسجين عن نار الإرهاب. ويستقلُّ مَن يعولون على تراجع باكستان عن القتال، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، ببلدي وبي شخصيا.

*رئيس باكستان

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص ب«الشرق الأوسط»

=========================

إحصائيات غائبة وضبابية لفرص عمل الموازنات السابقة

الوطن السورية

18-1-2010

ليس دفاعا عن وزارة المالية ولكن يبدو أنها إلى جانب الإسكان والتعمير والصحة والتربية والتعليم العالي الجهات العامة الأكثر التزاما بتوفير فرص العمل للشباب السوري من حملة الشهادات الجامعية والفنيين والمهنيين بحكم اتساع أعمال هذه الوزارات وتوسع ملاكها العددي والإداري تبعا لزيادة عدد السكان، بالنظر إلى قراءة الموازنة العامة للدولة وما تضمنته من مؤشرات مالية تتعلق بتوفير فرص العمل في القطاعين العام والخاص بعد أن أدرجت فرص العمل في القطاع الخاص ضمن أهداف الموازنة على الرغم من كل ما يشوب العمل في القطاع الخاص من عقبات ليس اولها عدم التزام أرباب العمل بزيادات الاجور وليس آخرها اجبارهم العمال على توقيع استقالات مسبقة لمباشرتهم العمل حتى يتمكن رب العمل من تسريحهم وقتما يشاء.

 

اعتمادات الموازنة العامة للدولة للسنة المالية لعام 2007 الصادرة بموجب القانون رقم 52 في عام 2006 حددت بمبلغ 588 مليار ليرة سورية كما قدرت ايرادات الموازنة في السنة ذاتها بمبلغ 588 مليار ليرة سورية وبحسب البيان المالي للحكومة يومذاك فإن المنتظر من هذه الموازنة توفير 54000 فرصة عمل للشباب السوري موزعة على 27994 فرصة عمل في القطاع الإداري و25913 فرصة عمل في القطاع الاقتصادي، اما فرص العمل الناجمة عن تنفيذ المشروعات بموجب قوانين تشجيع الاستثمار فيتوقع أن تزداد وذلك تبعا لحجم المشروعات وانماطها ومراحل تنفيذها إضافة إلى فرص العمل التي ستتاح في القطاع الخاص والمشترك والتعاوني، مع الأخذ بالحسبان زيادة اعتمادات الانفاق الجاري في موازنة 2007 بمقدار 2753 مليون ليرة سورية تبعا لزيادة التعيينات الجديدة للقطاع الإداري بسبب الملاكات الصادرة بما في ذلك الجهات التي تدخل كاعانة.

وقد طرح أعضاء مجلس الشعب يومذاك تساؤلات حول هذ الموازنة كان ابرزها كيفية توفير فرص العمل للشباب السوري على اعتبار أن توزيع العبء والمنفعة بين شرائح المجتمع لا تزال غير عادلة ولاسيما أن معدل البطالة مرتفع رغم أن البيانات الرسمية تشير إلى أن معدل البطالة يبلغ نحو 8.2 من قوة العمل ولكن الواقع يشير إلى أن النسبة تجاوزت 20% من قوة العمل وقد كان وزير المالية الدكتور محمد الحسين آنذاك طرح التساؤل: هل يطلب من وزارة المالية زيادة الاعباء الضريبية على المواطنين؟ وكم هي قوة العمل في سورية؟

مبينا بأن سورية فيها 6 ملايين عامل منهم 1.4 مليون عامل في القطاع العام ونحو 3 ملايين عامل في القطاع الخاص والباقي في قطاعات إنتاجية أخرى، إضافة إلى أن عدد العاملين في القطاع العام الصناعي يصل إلى 78 ألف عامل. ‏

اما الموازنة العامة للدولة لعام 2008 الصادرة بالقانون رقم 36 لعام 2007 فقد حددت اعتماداتها بمبلغ 600 مليار ليرة سورية في حين قدرت ايرادات الدولة في السنة المالية ذاتها بمبلغ 600 مليار ليرة سورية وكان من المنتظر منها توفير 61188 فرصة عمل لليد العاملة السورية من فنيين ومهنيين وجامعيين على حد سواء موزعة على 35988 فرصة عمل في القطاع الإداري و25200 فرصة عمل في القطاع الاقتصادي، على حين أن الموازنة العامة للدولة لعام 2009 الصادرة بموجب القانون رقم 32 لعام 2008 حددت اعتماداتها بمبلغ إجمالي وصل إلى 685 مليار ليرة سورية، وقدرت إيرادات الدولة يومذاك بمبلغ 685 مليار ليرة سورية وكان من المتوقع منها توفير 59368 فرصة عمل للسوريين الموجودين ضمن سوق العمل اما الموازنة العامة للدولة للسنة المالية لعام 2010 الصادرة بموجب القانون رقم 37 لعام 2009 فقد حددت اعتماداتها بمبلغ اجمالي قدره 745 مليار ليرة سورية على حين قدرت ايرادات الدولة بمبلغ اجمالي قدره 754 مليار ليرة سورية ومن المتوقع بحسب البيان المالي للحكومة أن توفر هذه الموازنة 60752 فرصة عمل موزعة على 36680 فرصة عمل في القطاع الإداري و24072 فرصة عمل في القطاع الاقتصادي.

وبالعودة إلى عدد فرص العمل المقدرة والمسجلة في البيانات المالية للحكومة فما من احصائية أو رقم يشير إلى عدد الفرص الموفرة وعدد المعنيين فيها بشكل حقيقي مع الأخذ بالحسبان غياب المعايير التي اعتمدت في تقدير عدد فرص العمل المتوقعة من كل موازنة من الموازنات عن الرأي العام فيما يتعلق بحصة كل وزارة من فرص العمل.

وزارة المالية وفي أواخر عام 2008 أعلنت عن مسابقة لتعيين موظفين لديها من حملة الإجازة في القانون وحملة الإجازة في الاقتصاد مع قيامها لثلاث مرات متتالية بمخاطبة الجهات العامة في الدولة لبيان حاجتها من الناجحين في مسابقتها مع الأخذ بالحسبان أن الناجحين في المسابقة سيبقون محتفظين بأولويتهم للتعيين لدى القطاع العام حتى 17/3/2010 حين تفقد النجاحات فعاليتها بقوة القانون، إضافة إلى قيام المصرف العقاري وهو إحدى الجهات التابعة لوزارة المالية بالإعلان عن مسابقة لتعيين حملة الشهادات من المعاهد المصرفية والمالية والتجارية في أواخر عام 2009، وقد بلغ مجموع المعينين والمفرزين الناجحين في مسابقة وزارة المالية من حملة شهادة الإجازة في الاقتصاد 1689 ناجحا على حين بلغ مجموع المعينين والمفرزين من حملة شهادة الإجازة في الحقوق 1216 ليكون مجموع المعينين والمفرزين من الناجحين في المسابقة 2905 جامعيين. وبينما تتضح إعداد المعينين بموجب مسابقات وزارة المالية والجهات التابعة لها تغيب هذه الأرقام عن بقية وزارات الدولة- باستثناء الصحة والتعليم العالي والإسكان والتعمير والتربية التي تعلن مسابقاتها تباعا- لغياب المسابقات أساسا ولاسيما أن النظام المعتمد حالياً من قبل أصحاب القرار في أمر الصرف وعقد النفقة لامتصاص جزء من الضغط الواقع عليهم طلبا للوظائف هو التعاقد مع الشاب أو الفتاة من حملة الشهادات مهما علت أو تدنت لمرة واحدة لمدة ثلاثة أشهر.

أما بالنسبة للتعيينات ضمن القطاع الخاص من وجهة نظر مالية فإن وزير المالية الدكتور محمد الحسين كان له رأي قاطع مسبقاً في هذا المجال في شيء من التعاطف مع أرباب الأعمال حيث أوضح في حوار السقف المفتوح الذي أجرته معه جريدة الثورة بتاريخ 7/1/2008 بأن دافعي الضرائب يشغلون آلاف العمال حيث قال: يجب ألا نبالغ في مسألة التحامل على الفقراء في جباية الضرائب واعتقد أن البعض اقترح فيما مضى على الحكومة النشاط في جباية الضرائب بدلا من رفع أسعار المحروقات ونحن نقول السير على جميع مسارات مكافحة التهريب، مكافحة التهرب الضريبي ولكن شيئاً ليس بديلا من آخر. ‏

مضيفاً: ولكن هناك اعتبارات فالغني الذي يتحدثون عنه يشغل آلاف العمال وهي اعتبارات يجب مراعاتها وخاصة مع إلغاء الإعفاءات الضريبية وفق المرسوم التشريعي 51 لعام 2006 وتخفيض الضريبة إلى 22 بالمئة تشجيعا للاستثمار. ‏

المراجع: البيانات المالية للحكومة في أعوام 2007-2008-2009-2010، ومناقشتها تحت قبة مجلس الشعب.

=========================

الكوارث إذ تستنفر الخير فينا

أ.رابحة الزيرة

جمعية التجديد الثقافية - مملكة البحرين

18/1/2010

تقول مصادر في فرق الإنقاذ في هايتي إثر الزلزال الأخير الذي أصابها إن بعض موظفي الإغاثة استخدموا آلية "تتبّع أسراب الذباب" للاستدلال على الجثث المدفونة تحت الأنقاض(!)، وأصبحت جذوع الأشجار في الشوارع العامة حوامل للمغذّي الوريدي (السيلان) للجرحى الناجين من الزلزال بعد أن افترشوا الأرض، كما استفادوا من قطع الخشب الملقاة هنا وهناك لتجبير العظام المكسورة للّذين فلتوا من الموت.

وهناك بعض الأحياء من قد يكون حالهم أسوأ من الأموات لأنهم بين الموت والحياة، تُسمع أنّاتهم إلى أن ينزفوا حتى الموت أو يموتوا خنقاً، وقد شوهدت طفلة نصف جسمها خارج الأنقاض ونصفه الآخر تحتها وقد تضطر أن تتحمّل قطع بعض أطرافها ليتمكنوا من انتشالها مما هي فيه من وضع مؤلم رغم عدم توفّر مواد أو أدوات طبية مناسبة لإجراء هذه العملية، ولتعيش معاقة بقية حياتها، وغيرها من الأحياء ممن يتمنى لو كان في عداد الأموات لأنه فقد كلّ أحبّته ولم يبق له سوى مناظر الموت والهلاك والدمار والتشريد، وقد سُمع على لسان أحدهم قوله "لقد شهدت يوم القيامة بأمّ عيني".

إضافة إلى انتشار أكثر من ستة آلاف سجين فرّوا من السجون التي تهاوت بسبب الزلزال ويحاولون إثارة المزيد من الرعب بين الناس ليستولوا على البقية الباقية من ممتلكات من كان يعيش أصلاً على أقل من دولارين في اليوم .. فالكوارث عندما تأتي تأتي مجتمعة، ولا تعرف أن تنتقي من بين ضحاياها، ولا تختار كيفية أو نوعية المصائب التي تصبّها على الناس، وزلزال هايتي هذا أتى على أحياء الصفيح، واحترق على إثره البرلمان، وتهاوى من شدته المقرّ الرئاسي كذلك .. ولكلٍّ نصيب من المأساة.

كما أنّ للمراقبين (من بعيد) لما يحدث في هذه الكوارث الطبيعية من مآسي كذلك نظراتهم وتحليلاتهم النابعة من رؤيتهم الكونية، أو خلفيتهم الثقافية والدينية، التي تتباين بين من يكتفي بالاسترجاع والحوقلة وطلب السلامة لنفسه وعياله وأهل بلده ومن ثَمّ الإعراض عنها ونسيانها، فلا يكلّف أحدهم نفسه عناء التأمل والتفكّر في العبرة لأخذ الموعظة مما حدث لغيره وإن لم يمسّه مباشرة، وبين من يتألم لهم كما يألمون ويسعى للوصول إليهم أو إيصال المعونات إليهم عبر أسرع وآكد السبل الممكنة دون الانشغال بأصلهم وفصلهم ولونهم وجنسهم وديانتهم وسيرتهم وسلوكهم ليحدّد بناء على تلك التفاصيل أهليتهم لهذه المساعدات أو عدمها، فأصحاب القلوب الإنسانية (الرقيقة) يدفعهم حسّهم الإنساني السليم للمبادرة بالنهوض بهذه المهام بوازع من ضميرهم الحي دون الانشغال بالتنظيرات والتعقيدات المثبّطة.

 

أما أسوأها فتلك النظرة الاستعلائية المشحونة بمشاعر (الشماتة) ممّن يجعل من نفسه ناطقاً رسمياً باسم الله والملائكة الموكلين بعباده - وما أكثرهم – أبسطها ما نسمعه من تعليقات من عموم الناس على أخبار الكوارث تنمّ عن جهل بالله وبحكمته، وتطاول على عباده حيث تصفهم جميعاً بالكفر والفسق، وأغربها .. بل أسخفها ما جاء على لسان "بات روبرتسون" أحد القساوسة الأمريكان الذي حمّل تاريخ الشعب الهايتي مسئولية الزلزال العنيف الذي أصابها عقابا لهم على "تحالفهم مع الشيطان" إبّان الحكم الفرنسي قبل أكثر من مائتي عام حيث قالوا له "سوف نخدمك إذا خلّصتنا من الفرنسيين"، فتعهّد الشيطان لهم بذلك، واليوم يدفعون ثمن هذا التعاهد مع الشيطان - بحسب هذا القسّ.

"وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" .. يظنّ أكثر الناس أنّ الكوارث الطبيعية لابد أن تكون غضباً مصبوباً على كل من وقعت عليهم فقط، بينما الآخرون غير مستهدفين ولا معنيّين بها، مع العلم أنّ الذين قضوا فيها قد وفدوا على رب (رحيم) بغض النظر عن قلة زادهم الذي حملوه معهم إلى العالم الآخر أو كثرته، بينما الباقون على قيد الحياة، وبالأخص أولئك الناظرين من بعيد وهم في فسحة من الرخاء والأمل قد يكونون هم المستهدفين الحقيقيين لأخذ العبرة والاتعاظ من هذه الآيات الماثلة أمامهم لإعادة النظر في سلوكهم وأخلاقهم وحياتهم برمّتها بدلاً من أخذ دور قسيم الجنة والنار والانشغال بمصير الأموات عن التفكّر في عاقبة أمورهم.

حقّ هذه المصائب أن توثِّق الوشائج الإنسانية بين الناس في شرق الأرض وغربها، ففي هذه الظروف يمكن الوصول إلى قلوب المنكوبين لا بهدف تنصيرهم أو أسلمتهم – كما يفعل البعض - بل بهدف إنساني بحت للوقوف معهم في محنتهم ليروا يد الرحمة الإلهية تمتد إليهم من عمق فاجعتهم لتربط على قلوبهم فلا يكفروا بالعدل الإلهي، ولا تهتزّ ثقتهم بحكمة الله، ولكن مع الأسف فإنّ من أخفت الأصوات سماعاً، وأقل الجهات تحرّكاً في هكذا حوادث هم المتديّنون من المسلمين، فلم نسمع قط ببعثات بشرية طبّية أو إنسانية تشدّ الرحال إلى المناطق المنكوبة لتساهم في رفع معنويات المفجوعين في أحبّتهم، أو تتجشّم عناء معالجتهم جسمياً والتخفيف من معاناتهم نفسياً، وأخشى أنه عندما يفكر هؤلاء بالتقدم خطوة في هذا الاتجاه أن يستفتوا مشايخ دينهم فيفتوهم بحرمة ذلك بحجة أنّ هؤلاء لا يستحقون، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

=========================

السيرة الذاتية للشيخ رائد صلاح

مصادر متعددة

ولد الشيخ رائد صلاح عام 1958م في مدينة أم الفحم وتعلم المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس مدينة أم الفحم ثم أكمل تعليمه الجامعي في كلية الشريعة بمدينة الخليل . يقرض الشعر منذ أكثر من عشرين عاما , ويتمتع بحس فني مرهف , حيث يمارس هواية الرسم , وهو منحدر من عائلة أنجبت العديد من الرسامين ذوي الأسماء العالمية.

الاعتقال الاول عام 1981

وبداية الحياة السياسية

بعد تخرجه من كلية الشريعة أُدخل السجن بتهمة الارتباط مع منظمة محظورة وهي ( أسرة الجهاد ) وكان ذلك عام 1981 ، ثم بعد الخروج من السجن فُرضت عليه الإقامة الجبرية لفترة طويلة ، حيث كان خلالها ممنوعا من مغادرة المدينة طوال الوقت وممنوعا من مغادرة بيته خلال الليل ، ثم كان ملزما بإثبات وجوده مرة أو مرتين كل يوم في مركز شرطة ( وادي - عارة ) .

حاول الالتحاق بسلك التعليم كمعلم في مدارس أم الفحم إلا أن وزارة المعارف رفضت طلبه فعمل في المهن الحرة واقام اسرته في عام 1985

انتقل عام 1986للعمل كأحد محرري مجلة ( الصراط ) الشهرية الإسلامية حتى نهاية عام 1988 تفرغ في مطلع عام 1989 لخوض انتخابات رئاسة بلدية أم الفحم ، عن الحركة الإسلامية ، ونجح في تلك الانتخابات بنسبة تزيد على 70% ، وأصبح رئيسا للبلدية وهو ابن 31 عاما , ثم خاض الانتخابات للمرة الثانية عام 1993ونجح بنسبة تزيد على 70% ، ثم خاض الانتخابات للمرة الثالثة عام 1998 ونجح بنسبة تزيد على 70% ايضا. وشغل الشيخ صلاح منصب نائب رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ونائب رئيس لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب منذ انتخابه لرئاسة بلدية أم الفحم حتى استقالته .

الشيخ صلاح رئيسا

للحركة الاسلامية بعد

انشقاق الحركة عام 1996

في عام 1996 أنتخب رئيسا للحركة الاسلامية وأعيد انتخابه عام 2001 , وخلال هذه السنوات أيضا تقلد مهمة رئيس بلدية ام الفحم ، وكذلك تقلد مهمة رئيس مؤسسة الأقصى لاعمار المقدسات الإسلامية حتى عام 2002 ورئيس مؤسسة الإغاثة الإنسانية .

الشيخ صلاح يقدم استقالته من بلدية ام الفحم في قمة العطاء ويتفرغ لرفع شأن قضية الاقصى

في العام 2001 قدّم الشيخ استقالته من رئاسة بلدية أم الفحم في خطوة فاجأت الوسط العربي، وهو في أوج عطائه خاصة أنه كان أول رئيس بلدية يقدم على مثل هذه الخطوة في الوقت الذي أشارت جميع الاستطلاعات أنه يستطيع أن يفوز بمنصبه لدورات قادمة , وذلك لتفرغه الكامل للدعوة الى الله سبحانه وتعالى , وخدمة مشروع إعمار وإحياء المسجد الاقصى المبارك . ومن هنا بات يلقب باسم " شيخ الاقصى " حيث جعل الاقصى همّه الاول , وعلى رأس سلم أولوياته , وكان من المبادرين الرئيسيين لإعمار التسوية الشرقية " المصلى المرواني " والأقصى القديم وكثير من مشاريع الإعمار في المسجد الاقصى من خلال دوره كرئيس لمؤسسة الاقصى وبالتعاون مع هيئة الاوقاف ولجنة الإعمار في القدس .

 

احداث النفق عام 1996 ..

نقطة محورية

شكلت احداث الكشف عن النفق تحت المسجد الاقصى المبارك والتي كان الشيخ صلاح اول من كشف النقاب عنها نقطة محورية في حياته عززت لديه المخاوف من المساس بالمسجد المبارك وضرورة تكثيف الجهود لحمايته وهو ما دفع الشيخ صلاح الى اطلاق عدد من المشاريع لاحياء قضية الاقصى والدفاع عنه، ويقول الشيخ صلاح بهذا الصدد:"أيقنت أنه لا بد أن أبذل كل ما أملك من اجل إعمار وإحياء المسجد الاقصى المبارك ودفع كل خطر قد يتهدده ، ومما زاد عندي هذا الإصرار دخولي لأول مرة إلى المصلى المرواني وهو أحد أبنية المسجد الأقصى المبارك عام 1996م فوجدته يومها أنه كان مجمعا للأوساخ وملتقى لطيور الحمام التي كانت قد عششت فيه وتركت على أرضيته طبقة من أوساخها ، على ضوء ذلك شمرنا عن سواعد العمل وبدأنا بمشروع إعمار المصلى المرواني ثم إعمار الأقصى القديم ثم مواصلة سلسلة الاعمار التي بدأت ولا تزال متواصلة حتى الآن بفضل الله تعالى ، وعلى ضوء ذلك أقمنا مهرجان ( الأقصى في خطر ) الأول عام 1996م ثم واصلنا اقامة هذا المهرجان كل عام وعلى ضوء ذلك أقمنا مشروع ( صندوق طفل الأقصى ) ومؤسسة ( مسلمات من أجل الأقصى ) وهي مؤسسات جادة وناشطة بفضل الله تعالى ".

وبعدما عرف عن الشيخ رائد صلاح دوره الكبير في الكشف عن المخططات الصهيونية لتهويد مدينة القدس، وكشفه الأنفاق والحفريات الصهيونية أسفل المسجد الأقصى، قررت سلطات الاحتلال تطبيق حظر على توجه الشيخ إلى مدينة القدس المحتلة، إلا بعد حصوله على إذن رسمي من قائد الشرطة الصهيونية في المدينة.

 

غير أن الشيخ أكد فور خروجه من السجن الصهيوني، وفي مؤتمر صحفي حاشد عقده في مدينة أم الفحم، أنه غير ملزم بالحظر الصهيوني على دخوله المسجد الأقصى، قائلاً: "إذا وجدت الضرورة الشرعية لذلك (زيارة المسجد) سأفعل دون أن أنتظر إذنًا من أحد".

كما حكى الشيخ عن المعاملة السيئة التي كانوا يلاقونها من إدارة سجن الجلمة الذي اعتقل فيه، والتي وصلت لحد الحرمان من صلاة الجمعة، وتقييدهم من أيديهم وأرجلهم طوال الوقت، فضلاً عن عمليات التفتيش اليومي التي كانت تصل لأكثر من عشر مرات يوميًا، مع حرمانهم من الزيارة.

 

محطات هامة في حياة الشيخ رائد صلاح

قاد الشيخ رائد صلاح أحداث الروحة عام 1998 التي اجتاحت خلالها قوات الشرطة "الاسرائيلية" مدينة أم الفحم وأصابت بنيرانها وبالغاز المدمع قرابة 600 مواطن فحماوي , ونجح مع لجنة الروحة الشعبية أن يحرروا غالبية أراضي الروحة التي انطلقت على إثر النية بمصادرتها الأحداث المذكورة .

 

الشيخ صلاح يصاب بعيار ناري في راسه في هبة اكتوبر

في عام 2000 تعرض الشيخ رائد صلاح لمحاولة إغتيال في الايام الأولى من انتفاضة الاقصى وأصيب بعيار ناري في رأسه من قبل القوات "الاسرائيلية ".

وجهت له لجنة أور المشكلة في أعقاب استشهاد 13 مواطنا عربيا خلال هبة الاقصى إنذارا واعتبرته أحد المسببين للهبة ورأت الجماهير العربية بذلك محاولة لإزاحة التهمة عن المجرم وإلصاقها بالضحية .

 

الاعلان عن مشروع المجتمع العصامي

أعلن مشروع المجتمع العصامي عام 1998 الذي يهدف الى بناء الذات لفلسطيني الداخل .خلال هذه السنوات اشتدت الحملة الرسمية وغير الرسمية على الشيخ رائد صلاح من قبل أذرع المؤسسة "الإسرائيلية" وإعلامها، وراحوا يرجمونه ب(الإرهاب وتهديد أمن الدولة ), وبسبب ذلك تعرض للتحقيق البوليسي ومنع من السفر خارج البلاد، ومنع من دخول المدارس الثانوية ثم الجامعات لإلقاء محاضرات. زادت قناعة الشيخ صلاح بضرورة تعزيز مشروع المجتمع العصامي، بعد مقاطعة اكتوبر، حيث قال الشيخ صلاح :" الأمر عرض المجتمع العربي إلى الحرج الشديد ، لدرجة أن الأمهات لم يعدن يجدن الحليب لإرضاع أطفالهن ، ولدرجة أن الجرحى بدأوا يجدون حرجا شديدا في الوصول إلى مراكز العلاج وتلقي الخدمات الطبية ، ولدرجة أن الآلاف من أهلنا قد وجدوا انفسهم مطرودين من أماكن عملهم، كل ذلك دفعنا في الحركة الاسلامية أن نعلن عن مشروع " المجتمع العصامي " وهو مشروع نهدف من خلاله إلى بناء كل المؤسسات الأهلية من أجل توفير كل الخدمات الشاملة لكل أهلنا في كافة المجالات سواء كانت صحية أو غذائية أو تعليمية أو اقتصادية ثم العمل على استثمار ما لدينا من أرض ومال وقدرات علمية لإنجاز هذا المشروع على أكمل وجه ، مع الإصرار في نفس الوقت على ضرورة التواصل مع أمتنا الاسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني وحاضرنا الانساني " وراى كثير من المحللين ان المشروع هو الذي قد يكون دفع المؤسسة "الاسرائيلية" الى اعتقال قادة الحركة الاسلامية .

 

اكثر من الف شرطي يحولون ام الفحم الى ثكنة عسكرية ويعتقلون الشيخ رائد صلاح من جانب سرير والده الذي صارع نزعات الموت الاخيرة

ظلت حملة التحريض تشتد عليه حتى تاريخ 13/5/2003 حيث تعرض للاعتقال ليلا وكان في تلك الليلة يجلس قرب سرير والده المريض في المستشفى وقد اشرف على حملة الاعتقالات التي شارك فيها ما يزيد عن الف شرطي من الوحدات الخاصة رئيس الشاباك ووزير الامن الداخلي وكبار رجالات الكيان، حيث داهمت الشرطة تحت جنح الظلام مدينة ام الفحم واعتقلت عددا من قادة وابناء الحركة الاسلامية. اطلقت سراح عدد منهم في وقت لاحق فيما وجهت لاربعة من قادة الحركة تهمة تبييض الاموال والتماثل مع حركة حماس، لكن سرعان ما تمخض الجبل فولد فارا اذ تراجعت النيابة عن معظم بنود الاتهام ووافقت على صفقة اتاحت اطلاق سراح الاربعة في اقل فترة زمنية بعد ان كانت النيابة تطالب بفترات سجن طويلة وكانت محاكمة الشيخ صلاح ورفاقه من اكثر المحاكمات تغطية في وسائل الاعلام المحلية والعالمية، وهو ما رفع من شأن القضية التي اعتبرتها الحركة الاسلامية محاولة لمحاكمة قيم الاسلام والقران الكريم واركانه الاساسية التي تحث المسلم على الزكاة ومساعدة المحتاجين من ناحية ونزع الشرعية السياسية عن قادة الجماهير العربية داخل الأرض المحتلة..

بتاريخ 13/ 1/2009، حكمت ما تسمَّى "محكمة الصلح" الصهيونية بالسجن الفعلي لمدة تسعة أشهر على شيخ الأقصى رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، وستة أشهر مع وقف التنفيذ؛ وذلك ب"تهمة" التحريض على الاحتجاج. فرضت المحكمة الصهيونية على الشيخ صلاح دفع غرامة مالية قُدرت بسبعة آلاف شيقل (حوالي 1750 دولاراً) لأحد أفراد الشرطة، لافتةً إلى أن بدء تنفيذ الحكم سيكون بعد 45 يومًا.

شدد صلاح على أن هذا الحكم لن يزيد العاملين إلا ثباتاً وصموداً وتحدياً للاحتلال الصهيوني، محذرًا من أن عام 2010 سيكون عامًا حاسمًا ومصيريًّا في تاريخ القدس؛ حيث إن الاحتلال سيعمل على ارتكاب حماقات عديدة بحق القدس والمسجد الأقصى.

وأوضح صلاح أن الحركة الإسلامية "حركة جماعة لا حركة فرد"، وفي حال تنفيذ الحكم سيكون الشيخ كمال الخطيب هو القائم بأعمال رئيس الحركة الإسلامية، مشددًا على أن الحركة لن تنكسر معنوياتها بهذا الحكم؛ لأن هناك إدارة ومجلس شورى ومؤسسات بالعشرات تعمل في خدمة القدس.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ