ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 09/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المدارس الخاصة..عندما تتحول التربية إلى سلعة.. المنافسة مادية وتجارية وفقط

تحقيقات

الخميس 7-1-2010م

ميساء الجردي

الثورة

توسع التعليم في سورية خلال السنوات الأخيرة حتى وصل إلى 922 مؤسسة خاصة حسب احصائيات ال 2009 وأخذ شكلاً جديداً من المنافسة والسباق المادي والتجاري إلى أن ابتعد عن أسباب وأهداف وجوده، وتحول الطلاب إلى مجرد سلع ٍتدر ذهباً .

واقع الحال‏

ورغم ضرورة تطوير التعليم الخاص إلى جانب العام، إلا أن هذه الصورة رسمتها فورة ارتفاع أسعار الأقساط السنوية التي حدثت مؤخراً على نحو غريب، بالإضافة إلى ماوردنا من شكاوى تتحدث عن تدني المستوى التعليمي داخل هذه المؤسسات وعدم تناسب الخدمات المقدمة مع المبالغ المطلوبة، والازدحام داخل باصات النقل وداخل الصفوف، وأنظمة التدريس المتعبة والمرهقة للطلبة وأمور أخرى لم يستطع ذوو الطلبة إهمالها حتى لو كانوا من الشرائح المقتدرة مادياً..‏

فقد دار الحديث معهم حول ارتفاع أقساط الرياض والمدارس الخاصة بما يتراوح بين 30-50٪ عن العام الماضي، مع ارتفاع أسعار المواصلات والملابس المدرسية والقرطاسية وغيرها من الأمور التي اضطر الكثير من الأهالي لتغيير مدارس أولادهم إلى أقل درجة (نجمة) أو العودة بهم إلى المدارس العامة.‏

وأشاروا إلى مسألة الازدحام داخل باصات النقل حيث يجلس كل ثلاثة طلاب في كرسي واحد، والكثير منهم يصل بطريق الذهاب أو الإياب واقفاً وسط الباص، لامكان له، رغم أن هذه المدارس تأخذ أضعاف التكلفة الحقيقية كأجور نقل لطلابها.‏

والتحدث عن الازدحام قادهم إلى ازدحام آخر داخل الصفوف، تجاوز العدد المسموح به، فقد وصل عدد الطلاب في الصف الواحد إلى 40 طالباً في بعض المدارس، في حين حددها المرسوم 55 لعام 2004 ب 30 طفلاً، بالإضافة إلى نواقص في التجهيزات ووسائل التعليم ومستلزمات الخدمات الصحية والترفيه والأنشطة اللاصفية وغيرها من القضايا التربوية والتعليمية الهامة‏

 

الملامح العامة‏

رغم التحفظات وحالات المنع تمكنا من أخذ ملامح عامة للعديد من هذه المؤسسات التعليمية وبخاصة التي تصنف بمستوى وسط أوجيد حيث وجدنا غرفاً صفية عادية جداً، قاعات للكمبيوتر بأجهزة قليلة، باحات مدرسية صغيرة، وأسعار تتراوح بين 35-65 ألف حسب المرحلة التعليمية للطالب.‏

هناك مدارس خاصة بالمرحلة الأولى للتعليم الأساسي وبالأصل مجهزة كمنازل للسكن حولت إلى مدارس مع وجود حديقة صغيرة، وعدد من الغرف الدرسية وخدمات متواضعة ومنها أبنية مدرسية جديدة في أحياء سكنية جديدة قدمت بعض الخدمات الاضافية من حيث الشكل والمظهر الخارجي للمدرسة، وتجهيزات الصفوف لكنها رفعت أسعارها بفارق 30 ألف ليرة سورية.‏

وبالمقابل يوجد مدارس حصلت على صفة استثنائية لكونها نموذجية في أبنيتها ومواصفاتها الهندسية وأنظمة تدريبها والخدمات والمرافق العامة إلا أنها أيضاً استثنائية بأقساطها فقد تصل إلى 200ألف للطالب الواحد خلال العام الدراسي.‏

ومن المكان ومواصفاته إلى الطاقات والكادر التدريسي ومستوى التعليم الذي تشكو منه الأسر، أنه أقل مما هو متوقع، إذلايوجد تأهيل أوتجديد لطاقات المدرسين والعاملين في هذه المؤسسات رغم تأكيد المرسوم على هذا الجانب في المادة (81) بأن يكون العاملون في المؤسسة التعليمية الخاصة من حملة الاجازات الجامعية .. فمعظمهم لا يحمل دبلوم تأهيل تربوي رغم أهمية ذلك في مرحلة التأسيس الأولي للطفل، والكثير ما زالوا طلاباً جامعيين أو ثانوية عامة، يتم انتقاؤهم من قبل ادارة المدرسة على أساس الخبرة بحثاً عن الرواتب المنخفضة إمكانية والاستغناء عنهم متى أرادوا ذلك، في حين تعد اللغات والمواد الاثرائية هي العمود الفقري الذي يسند سمعة هذه المدارس، بالاضافة إلى قضية متابعة الطالب بمتطلبات الحياة الحالية والمراقبة الادارية الأشد والمستوى المعرفي والعلمي والنفسي للطالب وغيرها من النقاط التي مجدها البعض، والتي ليست عامة أو على سوية واحدة في جميع المدارس فقد وصفها البعض بأنها تشكل عبئاً كبيراً على أطفالهم، فلا يجدون وقتاً يمارسون فيه أي نشاط آخر، وهو محروم من العيش كطفل طبيعي بسبب ضغط المعلومات‏

خارج الشروط‏

وبمقارنة كل ما تقدم، مع مواد المرسوم 55 الذي اتخذ عدة اجراءات لضبط العملية التربوية في هذه المدارس من جوانبها كافة، نجد أن المادة 25 والمادة 26 من التعليمات التنفيذية تأكد على شروط ومعايير البناء والمكان والتجهيزات، حتى إنها حددت مخصصات كل طفل من الباحة والمشارب ودورات المياه وهو أمر غير محقق في 50٪ من المؤسسات التعليمية الخاصة‏

وقد خصص المرسوم مساحة 1م2 لكل طفل في الشعبة الصفية، بينما الواقع يشير إلى ثلاثة أطفال في هذه المساحة، وفي مرحلة التعليم الأساسي والثانوي تشترط المادة 27 من التعليمات التنفيذية وجود مختبرات للعلوم والحاسوب مناسبة للمراحل الدراسية بحيث لا تقل مساحتها عن 40 م2، ومكتبة لا تقل عن 40 م2 أيضاً مع عدد طلاب 35 في القاعة الصفية، الا أن ذلك غير متوفر الا في بعض المدارس المشهورة.‏

استثمار ... ولكن أين التعليم؟‏

وبالعودة إلى أهالي الطلبة وعلى لسانهم أيضا: المدارس الخاصة رفعت أقساطها هذا العام دون أن تجدد أي نوع من خدماتها بحجة ارتفاع مادة المازوت، وارتفاع اجور النقل، فواتير الكهرباء ورواتب المدرسين وغيرها .‏

وعلى سبيل المثال هناك مدرسة للتعليم الأساسي رفعت أقساطها حتى 140 ألف مع المواصلات ولكن هناك 18 ألف مضافة إلى المبلغ السابق سعر نسخة الكتب، وعشرة ألاف اشتراك طعام و20 ألف ثمن المستلزمات الأخرى مثل القصص، كتب تقوية، تدريبات و16 ألف ثمن بدلة مدرسية مع الجاكيت.‏

وهناك مدرسة أخرى وصلت تسعيرتها هذا العام إلى 150 ألف، من دون سعر الكتب ووسائط النقل، والمستلزمات الأخرى.‏

وبعض هذه المدارس تعطي الأهل عناوين محلات لبيع الملابس، كانت المدرسة قد تعاقدت معها،ويلزم الأهل بالشراء منها وبالأسعار التي تريدها باعتبارها تحمل شعار واسم المدرسة.‏

وبالطبع شراء هذه الملابس مع التبديلات ومع الملابس الرياضية والحقيبة يصل المبلغ إلى 25 ألف ل.س.‏

ومع أن البزنس واضح في طريقة تعامل هذه المدارس إلا أنها تعتبر أقل تسعيرة من غيرها من مدارس أخرى، كما أن جميع هذه المدارس حققت شروط وجودها من حيث المواصفات والبناء والتجهيزات والكادر التدريسي واستوفت بنود المرسوم، لكن المشكلة في المدارس التي سعت وراء الأرباح على حساب الخدمات وعلى حساب تعليم الأطفال.‏

ضغط كبير‏

وقد تحدث امهات الأطفال عن الضغط الكبير الذي يعانيه الطالب في هذه المدارس من حيث كثافة المعلومات والمنهاج وطول الوقت حيث يلزم الطفل من السابعة صباحاً حتى الرابعة مساءً، ويعود إلى المنزل محملاً بالواجبات الاضافية والوظائف والتحضيرات والتي تأخذ ساعات.‏

 

وفق التصنيف الوزاري‏

تشرف وزارة التربية على التعليم الخاص من لحظة إعطاء التراخيص، وعليه توجهنا ومعنا كل الملاحظات والشكاوى السابقة إلى مديرية التعليم الخاص حيث أجابنا الدكتور محمد محمد معاون الوزير على تفاصيل متعددة تتعلق أولاً بالشروط الواجب توفرها لإنتاج مؤسسة تعليمية خاصة من حيث جاهزية الأبنية وموقعها ومساحتها وتجهيزاتها من مناهل الشرب الخاصة، المرافق الصحية، أجهزة الإنذار بالحرائق والإطفاء، المساحة المخصصة لكل صف، عدد الطلاب داخل الصفوف، وجود مختبرات للعلوم والحاسوب وجود وسائل تعليمية حديثة، مساحة الباحة، وجود المكتبات، وسائط نقل مريحة، وأمور أخرى ينص عليها قانون التعليم الخاص السوري والتي قادتنا للسؤال حول كيفية تصنيف المدارس والرياض الخاصة وفقا للشروط المطلوبة؟‏

معاون وزير التربية أشار إلى أن المادة 45 من المرسوم التشريعي 55 لعام 2004 قضت بوجوب تصنيف المؤسسات التعليمية الخاصة تحديد أقساطها، حيث طبقت ضمن أربع فئات من حيث البناء« تجهيزاته والقدرة الاستيعابية للقاعة الصفية الواحدة، الأطر التعليمية- سير الدراسة- أسس تسجيل الطلاب » بالإضافة للقرار الوزاري رقم 3597/543( 4/8) المتضمن الطلب من مديريات التربية تشكيل لجان لتصنيف المؤسسات التعليمية الخاصة لديها.‏

 

يحق لها 1٪ لكل عام‏

ومع ذلك يبدو أن الكثير من المدارس والرياض الخاص لم تلتزم بتلك التصنيفات لتحديد أسعارها وعليه كان السؤال ملحاً، إن كان هناك سقف معين لارتفاع الأسعار، كيف تنظر الوزارة لموضوع الخدمات؟ وعليه أكد د. محمد:‏

منع رفع الأسعار من عام إلى عام بمبالغ كبيرة منعاً باتاً، والأقساط تتم وفقاً لأحكام المادة 37 من التعليمات التنفيذية بوجوب تحديد أقساط كل مرحلة وإعلانها بشكل بارز في لوحة الإعلانات الخاصة بالمؤسسة وأن يشمل القسط الرعاية الصحية والخدمات التعليمية وثمن القرطاسية.‏

أما بالنسبة لأجور الخدمات الأخرى والميزات الإضافية بما فيها أجور النقل لها تسعيرة إضافية تعلن عنها المؤسسة التعليمية لأولياء الأمور قبل التسجيل وتكون الزيادة 1٪ سنوياً أو 3٪ كل ثلاث سنوات، ويحق للوزارة إعادة النظر في أحكام هذه المادة عند اللزوم وفي حال التجاوزات وتفرض على المدارس المخالفة عقوبات منصوص عنها في المادة /101/ من التعليمات المذكورة.‏

ترتيبات خاصة‏

على أرض الواقع لاحظنا مزاجية بتحديد الأقساط السنوية ومنافسة غيرية وصلت إلى درجة غير مقبولة ولا تعبر عن الزيادة المطروحة في المرسوم وهي 1٪، فكانت تفسيرات معاون الوزير هي بضرورة التنويه أن زيادة الأقساط التي طرأت كانت نتيجة زيادة أجور العاملين في هذه المؤسسات التعليمية والتي ارتفعت 25٪ بحسب قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رقم 873 لعام 2008، إضافة إلى زيادة أسعار مادة المحروقات وما يترتب عليها من نفقات في أجور النقل وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية.‏

وقد أعطت الوزارة الحق لمن تقدم بطلب أن ترفع أقساطها بنسب تتراوح بين 10-35٪ حسب التصنيف. مع السماح لهم بزيادة أسعار النقل حسب تسعيرة وزارة الاقتصاد نفسها التي كانت 77٪، هذا كان من حقهم، وذلك بشكل آلي يجب أن يتقدموا بطلب ويدرس من قبل الوزارة.‏

6لجان رقابية‏

ولأن الشيء بالشيء يذكر كان لا بد من الاستفسار عن مدى تحقق الوزارة من الشروط الموضوعية لهذه المدارس والتي تسمح لها بتلك الزيادات مع الاستفسار عن الكوادر المؤهلة وتدريبها؟‏

فكانت الردود تتعلق بالدور الرقابي للوزارة والتقيد بفقرات القانون الذي حدد التسعيرة 1٪ مع زيادة 25٪ تم تجاوزها أصولاً لأسباب موضوعية.‏

حيث أشار معاون الوزير إلى وجود لجان وموجهين اختصاصيين وتربويين يقومون بمتابعة هذه المؤسسات التعليمية الخاصة للتأكد من مدى تنفيذها لأحكام المرسوم، فهناك لجنة رئيسية مؤلفة من مديرين مركزيين و6 لجان فرعية تابعة لهذه اللجنة ويرأس كل لجنة مدير من الإدارة المركزية،وتستطيع هذه اللجان القيام بزيارات ميدانية لرصد الواقع .‏

أما مايتعلق بالكادر التدريسي فيجب ألا يقل عن أمثالهم بالتعليم الرسمي، وكل من يدرس في التعليم الخاص يجب أن يكون حائزاً على إجازة جامعية بالاضافة إلى تأهيل تربوي، ومن الناحية التطبيقية إن التعيين في هذه المدارس يحتاج لموافقة الوزارة والتي حددت بأن يكون خريج كلية التربية والحد الأدنى أنه مارس التعليم.‏

للرياض وضعها الخاص‏

يسمح في رياض الأطفال لأهلية التعليم الابتدائي أوالاعدادي أن تدرس فيها وأيضاً لحاملي الثانوية العامة على أن يكون لديه أكثرمن 500 يوم خدمة، ويسمح للمربية المساعدة أن تكون من حملة الشهادة الثانوية ، ماعدا ذلك إجازة جامعية وتأهيل تربوي وذلك حسب المادة 78 من التعليمات التنفيذية.‏

21 ألف مدرسة‏

وحول تلاعب بعض المدارس والرياض، ومخالفتها للشروط المنصوص عنها سواء في الخدمات أو الكادر التدريسي أو التصنيف أوالمناهج؟ أفادنا د. محمد أنه ليس بهذه البساطة يمكن للجان الموضوعة أن تغطي بزياراتها 21 ألف مدرسة على مستوى سورية، أما المناهج فهي ملزمة بالتقيد بالمنهاج الرسمي المعتمد من قبل الوزارة مع السماح لها بتدريس بعض المراجع الاثرائية باللغات الاجنبية.‏

50٪ من عدد المقاعد‏

بلغ عدد المؤسسات التعليمية الخاصة المرخصة في سورية 1573 مؤسسة وفي دمشق بلغ عددها 306 مؤسسة تعليمية خاصة باستثناء المعاهد وفي محافظة ريف دمشق 274 مؤسسة وفق احصائية 2008-2009م إلاأن هذه الاحصائية لم تشمل في عملها واقع عدد الطلاب الكبير في الكثير من هذه المدارس والتي تجاوزت ال 30 طالباً للروضة وال 35 طالباً للتعليم الأساسي والثانوي، والمخالفات في الخطط الدرسية وافتتاح الشعب الصفية الاضافية، والأعداد المسموح بها في وسائط النقل؟ حيث أكد معاون الوزير :‏

إن وزارة المالية سمحت لهذه المؤسسات باستيراد سيارات عاملة على البنزين أوالمازوت ومعفاة من الرسوم الجمركية بقرارها رقم 37، وقد قضت الفقرة الأولى من القرار الوزاري رقم 425/543 (4/8) بعدم تجاوز الزيادة في استيعاب السيارات والمحددة 50٪ من عدد المقاعد كحد أقصى لاسيما لطلبة المرحلتين الابتدائية ورياض الأطفال .‏

استثمار‏

لقد هدف المرسوم التشريعي 55 لعام 2004م إلى إتاحة المجال أمام المؤسسات التعليمية الخاصة للقيام بدورها التربوي إلى جانب التعليم الرسمي وللاسهام في رفع سوية التعليم وكذلك فسح المجال لزيادة الاستثمارات في مؤسسات تعليمية متطورة إلا أن واقع الأمر عكست القرارات وأخذ منها الجانب الذي يثمر في تطوير الأقساط السنوية لهذه المدارس دون أن يزرعوا لخدمات تعليمية جيدة في أغلبها .‏

ولم تبرر الاجابات السابقة الواقع التجاري الذي تعيشه هذه المؤسسات التعليمية ولم تكن شافية في طرحها لجميع الثغرات، بل دفعت بهذا الاشكاليات لمزيد من المقارنات والتساؤلات وأبرزت نقاط ضعف كثيرة.‏

=========================

هل "القاعدة" المشكلة الوحيدة في اليمن؟

المستقبل - الخميس 7 كانون الثاني 2010

العدد S1892 - رأي و فكر - صفحة 11

خيرالله خيرالله

ما جديد اليمن في ضوء تطورات الايام الاخيرة، خصوصا بعد اعلان واشنطن ولندن عن اغلاق سفارتيهما في صنعاء؟ كل ما يمكن قوله في هذا المجال ان هناك جدية في الجهود الاميركية الهادفة الى التركيز على "القاعدة" في اليمن. ولكن يبقى السؤال الاساسي هل "القاعدة" هي المشكلة الوحيدة في اليمن، ام ان "القاعدة" تستفيد من عوامل اخرى كثيرة لها تأثيرها على الوضع اليمني. معظم هذه العوامل، بما في ذلك التدخل الايراني المباشر او غير المباشر، لا يريد الاميركيون رؤيتها او الاعتراف بوجودها بل يفضلون تجاهلها من منطلق ان لا شيء اخر يهمهم غير "القاعدة".

لا يختلف اثنان على ان "القاعدة" تشكل تهديدا كبيرا للأمن في الولايات المتحدة واوروبا عموما، بما في ذلك بريطانيا، وأي مكان من العالم. انها خطر على اليمن نفسه والدول القريبة منه على رأسها المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون. لكن معالجة المشكلة التي اسمها "القاعدة" لا يمكن ان تكون الا عبر مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار ان اليمن صار ارضا خصبة لنمو الحركات المتطرقة لأسباب عدة. في مقدم هذه الاسباب عدم الاكتراث بالوضع اليمني وتجاهل الهوة الاقتصادية القائمة بينه وبين دول مجلس التعاون الخليجي. لم يكن طبيعيا ان تكون هناك مثل هذه الهوة وان لا تكون هناك خطة خليجية للتعاطي مع اليمن من زاوية المصلحة الخليجية اوّلا. صحيح انه كانت هناك شكوى خليجية من ان المساعدات المالية المباشرة لا تحل المشكلة، علما بأن ذلك ليس صحيحا مئة في المئة، لكن الصحيح ايضا انه كانت هناك حلول وخيارات اخرى. من بين هذه الحلول والخيارات فتح المجال امام عودة العمالة اليمنية الى دول الخليج العربية. كل عامل يمني في الخليج يعيل عائلة بكاملها ويساعد في معالجة مشكلة البطالة في بلد قليل الموارد. ثمة من كان يخشى ان يصدر اليمن ارهابيين بدل عمال يتقنون مهمة ما. لكن تجارب الماضي القريب تظهر ان العامل اليمني كان في شكل عام شخصا امينا وصادقا الى حد كبير. كانت هناك عائلات خليجية كثيرة لا تأمن الا للسائق اليمني... ولا تفتح ابواب بيوتها سوى لليمنيين...

لا بدّ من الاعتراف بأن بعض الاطراف في اليمن شجع نمو الحركات الدينية المتطرفة وأوجد بيئة آمنة لها. ولكن ما لا بدَ من الاعتراف به في الوقت ذاته ان هذه الاطراف كانت تتلقى مساعدات من جمعيات ومؤسسات في دول الخليج الغنية. كانت هذه المؤسسات والجمعيات تشجع الارهاب من حيث تدري او لا تدري، في حين كانت السلطات اليمنية تدفع في اتجاه الاعتدال ولكن من دون تحقيق نتائج تذكر بسبب عدم القدرة على اعادة النظر في البرامج التعليمية والعمل على تطويرها او مواجهة داعمي الارهاب بشكل حازم. كانت القدرات المالية للحكومة تحول دون انشاء مدارس جديدة والدفع في اتجاه الاتيان بأساتذة مؤهلين يبعدون الجيل الجديد عن التطرف.

اصيب الاميركيون بنوع من العمى السياسي. انهم لا يرون في اليمن سوى خطر "القاعدة" متجاهلين البيئة التي تساعد في نموها وانتشارها. في الواقع، لم يعمل الحوثيون منذ بداية حروبهم سوى على اضعاف السلطة المركزية في صنعاء لمصلحة كل من ينادي بالتطرف ويعمل من اجله. بكلام اوضح، ان الاميركيين لا يرون سوى بعين واحدة في اليمن، خصوصا عندما يتجاهلون الظاهرة الحوثية وخطورتها والمساعدات التي تحصل عليها من اطراف خارجية معروفة جيدا. لا شك ان السلطة مسؤولة الى حد كبير عن تجاهل مناطق معينة في مقدمها محافظة صعدة. ولا شك ايضا ان الحوثيين استفادوا الى حد كبير من هذا التجاهل، حتى لا نقول الحرمان، لمناطق معينة ومن احتضان بعض القبائل لهم. لكن الاكيد ان ليس في استطاعة اي طرف في اليمن، مهما بلغت قوته، خوض ست حروب مع الجيش اليمني من دون دعم خارجي ملموس.

نعم، ان "القاعدة" خطر كبير على اليمن وعلى كل من هو قريب من اليمن ولديها وجود في غير منطقة يمنية. هذه حقيقة لا نقاش فيها. لكن التركيز على "القاعدة" وحدها ليس كافيا في اي شكل. لا بدّ من مقاربة مختلفة للوضع اليمني. تبدأ هذه المقاربة بالعمل على استيعاب الظاهرة الحوثية عن طريق عزلها عن العامل القبلي الذي تستفيد منه. اضافة الى ذلك، لا مفر من مساعدة السلطة في معالجة الوضع الجنوبي عن طريق اقناع المواطنين في المحافظات الجنوبية ان الوحدة في مصلحة الجميع وان الوحدة لا تعني اي تمييز بين مواطن وآخر اكان في محافظة المهرة او صعدة... او حضرموت او عدن... او الحديدة او تعز. في حال حصل مس بالوحدة، لا سمح الله، فإن الخطر لا يكمن في العودة الى التشطير. الخطر يكمن في الصوملة، اي في تفتيت اليمن. ان تاريخ ما كان يسمى اليمن الجنوبي، الذي تبين انه ليس دولة قابلة للحياة، خير دليل على ذلك. هل هناك من يمتلك ما يكفي من الشجاعة كي يتعظ من تجارب الماضي القريب؟

هناك من دون ادنى شك حاجة الى ضرب "القاعدة" في اليمن. هناك اضافة الى ذلك، ضرورة منع "القاعدة" من ان تكون لها ارتباطات معينة بالسلطة تستفيد منها بشكل او بآخر. لكن الحاجة تبقى قبل كل شيء الى مقاربة شاملة للوضع اليمني تلعب دول مجلس التعاون دورا في الدفع في اتجاهه حتى لو بدا اوان هذه المقاربة متأخرا. ان تأتي اي محاولة جدية لمساعدة اليمن متأخرة خير من ان لا تأتي ابدا، خصوصا ان اي تركيز اميركي وبريطاني على "القاعدة" وحدها لن يؤدي الى النتائج المرجوة بل قد يزيد الوضع سوءا.

=========================

«القاعدة 2010»: حروب أهلية في الشرق وإخفاق في الغرب لا يجمعها «التنظيم المُتخيل»

الأحد, 03 يناير 2010

حازم الأمين

الحياة

«القاعدة 2010»: حروب أهلية في الشرق وإخفاق في الغرب لا يجمعها «التنظيم المُتخيل» (نهلة الشهال)

أقفل العام المنصرم على استيقاظ مفاجئ لتنظيم «القاعدة» في أكثر من مكان في العالم. ففجأة احتشدت وقائع مقلقة في حقبة لا تزيد عن خمسة أيام، أوحت ان حكاية الحد من الخطر الذي يشكله التنظيم ما زالت افتراضاً غير دقيق! الحدث الأبرز على هذا الصعيد كان محاولة تفجير الطائرة الأميركية المتجهة من امستردام الى ولاية ديترويت الأميركية من جانب نيجيري كان والده حذّر السلطات الأميركية من تطرفه.

ولكن هذا الحدث كان الأقل دموية بين وقائع الأسبوع الأخير من العام المنصرم، فتفجير مدينة كراتشي الباكستانية الذي استهدف مسجداً للشيعة وقتل أكثر من ثلاثين شخصاً كان الأبرز على هذا الصعيد، ثم أعقبته تفجيرات مدينة الرمادي في غرب العراق وأودت بحياة نحو 23 شخصاً هناك.

وشهد اليمن اشتباكات ومواجهات بين القوى الأمنية وعناصر من «القاعدة» قالت السلطات انها دهمت معسكر تدريب لهم وسط اليمن. ومن أكثر أخبار «القاعدة» إثارة في الأسبوع الأخير من العام 2009، ما أوردته صحيفة الصنداي تايمز الإنكليزية نقلاً عن مصادر في الشرطة البريطانية من ان 20 مواطناً بريطانياً من أصول باكستانية يتدربون في اليمن على تنفيذ عمليات خطف طائرات وتفجيرها أثناء طيرانها.

إذاً، أقفل العام على كل هذه الوقائع، بعد نحو سنتين من انحسار نشاط «القاعدة» في معظم مناطق انتشارها. ويبدو من الصعب تقدير ظروف احتشاد هذه الوقائع في أقل من أسبوع، إذ وللوهلة الأولى يبدو الرابط ضعيفاً بين الكثير من هذه الوقائع. ولكن من الممكن إجراء فرز أولي لنشاط «القاعدة» في الأسبوع الأخير من عام 2009 وفقاً لطبيعتها:

العمليات التي شهدها كل من اليمن والعراق وباكستان يجمع بينها ضعف السلطات المركزية في الدول الثلاث، كما يجمع بينها تعرض هذه الدول لأزمات أهلية بعضها غائر وبارد، وبعضها مكشوف ويعبر عن نفسه بحروب ومآزق. الحرب في صعدة في اليمن، واقتراب استحقاق الانتخابات النيابية في العراق، ومشكلة سنية – شيعية غير معلن عنها في باكستان، علماً أن الأخيرة تعصف بها أزمات أخرى تُمكن «القاعدة» من النشاط على أكثر من صعيد.

الصنف الثاني من نشاط «القاعدة»، أي المحاولة الفاشلة لتفجير الطائرة الأميركية بين أمستردام وديترويت، والخلية «الإنكليزية – الباكستانية» في اليمن، يغلب عليه الطابع الافتراضي، أي الى اقتصار دلالاته على ما سبقه من تحضير، والذي يؤشر وفقاً لما أعلنه الرئيس الأميركي باراك اوباما الى خلل في نظام المراقبة الغربي لحركة «القاعدة»، إذ إن تمكّن مسافر على متن طائرة أميركية من اجتياز اجراءات التفتيش والوصول الى الطائرة محمّلاً بمتفجرات يكشف من دون شك خللاً مقلقاً في إجراءات المطارات في عواصم من المفترض أنها قطعت أشواطاً في مجال الخبرة بالكشف على المتفجرات. ثم ان وصول 20 بريطانياً الى معسكرات تدريب في اليمن يطرح تساؤلاً عن جدوى الاجراءات التي أعقبت الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في كل أوروبا!

في المستوى الأول من النشاط «القاعدي»، أي اليمن وباكستان والعراق، يُدرك جميع المراقبين ان «القاعدة» هناك هي جزء من انقسام أهلي يضرب جذوره في عمق التجارب في تلك الدول. مساحات كبيرة من هذه الدول خارج سيطرة الحكومات المركزية، واضطراب واضح بين السلطات وبين شرائح واسعة من السكان، ودول مجاورة تُغذي بإرادة سلطاتها أو بعدم إرادتها المآزق والحروب.

وإذا كان تنظيم «القاعدة» قد صوّر طوال سنوات العقد الفائت بصفته تنظيماً «مستقلاً» عن التراكيب الاجتماعية والسياسية للمجتمعات التي استقر فيها، فإن هذه الصورة ضعفت وتصدعت بفعل المعطيات الجديدة، إذ لم يعد من الممكن استبعاد عناصر الأزمة المحلية في تقصي أسباب صعود نشاط الجماعات «القاعدية». كما انه صار من الصعب الاعتقاد باتصال هذه النشاطات بالبنية المتخيلة «الأولى» للتنظيم والتي يُعتقد أنها تتخذ من إقليم الحدود الباكستاني مقراً لها. ففي العراق يُرجح ان يكون الانتحاريون الجدد مختلطي الولاء بين البعث و«القاعدة»، وفي باكستان معظم المنفذين من بشتون الأقليم الحدودي، أما في اليمن فتجرى المطاردات على وقع أحداث صعدة وفي ظل تصاعد نشاط «الحراك الجنوبي».

إذاً، نحن حيال حروب أهلية مقنعة استعارت، بمعنى ما، المضمون «القاعدي» لنشاطها، واستعانت بهائمين على وجوههم، خلفتهم «القاعدة» أحياناً وخلفتهم مآزق بلدانهم في أحيان أخرى. وبهذا المعنى، لن يشهد عام 2010 مزيداً من التداعي في أوضاع التنظيم العالمي بعدما أصبح الأخير اسماً لنمط مختلف من النزاعات، وستستعمله دول كثيرة في تظهير مآزقها، فيما ستتولى دول أخرى دفعه باتجاه جوارها من دون أن يكون منفصلاً عن أزمات العلاقة بين الدول الكبيرة وجاراتها الصغيرة، أو عن نيات الاستثمار في الأقليات المضطهدة أصلاً في معظم دول المنطقة.

ثم ان ما يصل بين الدول الثلاث المعنية بوقائع الأسبوع الأخير من عام 2009 هو وجودها على خط النزاع «الشيعي – السنّي» والذي يبدو انه سيشكل جوهر نشاط «القاعدة» في الأعوام المقبلة.

هذا على المستوى الأول من النشاط «القاعدي» المستجد، أما على المستوى الثاني، أي الاختراقات الجوهرية لنظام الوقاية «المحكم» بعد 11 أيلول، فما أوحت به التصريحات التي أعقبت الحدثين، في ديترويت وبريطانيا، يؤشر الى اقتصار التفكير بالخلل على إجراءات المطارات، أو تعقب المعلومات ومتابعتها! فمن غير المؤكد حتى الآن ان يكون الشاب النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب مرتبطاً بتنظيم أو جماعة، واحتمال أن يكون عمله فردياً أو شبه فردي كبير، وهذا الأمر يطرح تساؤلاً سياسياً وربما نفسياً قبل ان يطرح تساؤلاً أمنياً. أما في ما يعود الى توجه 20 بريطانياً من أصل باكستاني الى معسكرات «القاعدة» في اليمن، فمن المفترض ان يسبق نجاح الشرطة البريطانية في رصدهم نجاحها في الحد من أسباب ذهابهم، وكلا الاعتبارين لا يقل أهمية عن الآخر.

التوقف عن تقديم الارهاب في العالم بصفته ظاهرة واحدة لا تتجزأ صار ضرورياً لمكافحة الظاهرة، فاللاعبون لم يعودوا مقتصرين على تلك النواة المقيمة في اقليم الحدود الباكستاني. انهم الآن دول وأنظمة ومجتمعات، إضافة الى جماعات، يمكن المرء ان يُغامر بالقول ان أضعفها هي تلك المختبئة في كويتا الباكستانية.

الإرهاب المقبل سيكون على صورتي المستويين اللذين لخصتهما الأيام الأخيرة من عام 2009. صورة الحروب الأهلية المقنعة، وصورة الخلل في العلاقة بين الغرب ومسلميه. والأرجح ان يشهد المستوى الأول صعوداً، فيما قد تُثمر المحاولات في المستوى الثاني انحساراً. ومرد التشاؤم واضح وكذلك التفاؤل، فعلى المستوى الأول يُتوقع ارتفاع منسوب الأزمات الأهلية، أما على المستوى الثاني فهناك من يُفكر ويحاول... وربما ينجح.

=========================

الجديد في تحولات الخريطة الحزبية الإسرائيلية

الخميس, 07 يناير 2010

علي بدوان *

الحياة

يلحظ المتتبع لشؤون الخريطة الحزبية الإسرائيلية تواصل الحراكات والاضطرابات الداخلية العميقة داخل الكتل الحزبية الرئيسية الثلاث في إسرائيل، حيث باتت هذه المسألة سمة عامة في الحياة الحزبية الإسرائيلية، على خلفية التباين في الموضوعات السياسية بالدرجة الأولى والتي تتعلق أساساً بعجز الصف السياسي الإسرائيلي عن تقديم إجابات ملموسة للقضايا المطروحة على إسرائيل في ما يتعلق بقادم الأيام والتسوية مع الأطراف العربية المعنية، خصوصاً التسوية مع الطرف الفلسطيني.

وآخر تلك الاضطرابات ما يشهده حزب «كاديما» من اعتمالات داخلية، حيث يرجح المراقبون حدوث انشقاق داخل الحزب على خلفيتها أو خروج عدد من ممثليه من الكنيست والتحاقهم ب «الليكود». كما يرجح البعض الآخر قيام تسيبي ليفني بحركة التفافية جديدة لإنقاذ الحزب عبر الانضمام الى حكومة نتانياهو، وعندها ستحدث سابقة في الكنيست الإسرائيلي، عنوانها أن زعيم المعارضة سيكون عندئذ هو الشيخ ابراهيم صرصور رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية في مناطق 1948، حيث يقرر القانون الإسرائيلي بأن رئيس المعارضة يكون ممثل اكبر كتلة في المعارضة، ففي حال انضم حزب «كاديما» الى الحكومة سيكون في الائتلاف أكثر من مئة نائب وستكون اكبر كتلة في المعارضة هي القائمة العربية الموحدة التي يقودها الشيخ ابراهيم صرصور ونائبه الدكتور أحمد الطيبي.

وعليه يمكن القول أن حزب «كاديما» يشهد في شكل متواتر هبوطاً في الحضور المجتمعي منذ حزيران (يونيو) الماضي بعد التراجع الذي اصابه مع إعلان نتائج انتخابات الكنيست التي أجريت في شباط (فبراير) 2009. فهو حزب حديث العهد على الخريطة السياسية الإسرائيلية، وقد ولد بالأساس حزباً هجيناً ممن غادروا أحزابهم جامعاً شتاتاً من القيادات والكوادر التي أتت من هنا وهناك بعد أن غادرت أحزابها الأم على خلفيات غير صحية، فكان حزب «كاديما» كاللقيط الفاقد للرؤية المتكاملة وللمسوغ السياسي في مجتمع يغوص في تحولات وصراعات لا حصر لها. فقد سيطرت الأوضاع القلقة على الحزب منذ أن توارى مؤسسه الجنرال أرييل شارون في غيبوبته العميقة وموته البيولوجي. وزاد من أزماته المستفحلة مجموع الأخطاء التي أرتكبها وريث شارون رئيس الوزراء أيهود أولمرت في جانبها المتعلق بالسياسات الخارجية، والسياسات الداخلية المتعلقة بالوضع الداخلي للدولة العبرية، واستفحلت أوضاع الحزب بعيد العدوان على قطاع غزة وصعود تسيبي ليفني الى الموقع الأول في قيادة الحزب.

ومع الإرث المتعب الذي تلقفته وورثته تسيبي ليفني من سلفها أولمرت، فقد بات واضحاً منذ خروج أولمرت من حلبة السياسة والقيادة في حزب «كاديما»، أن طريق ليفني شائك في قيادة حزب ممتلىء بالأزمات الداخلية، وفي ظل مشاكل كبيرة ما زالت وستبقى عالقة مع حليفه (السابق) حزب العمل، الذي يعاني بدوره من أزماته المعروفه ويعيش حالة من الارتباك والقلق الداخلي أيضاً منذ أن وقع الانقسام الكبير في صفوفه، وهو الانقسام الذي فقد الحزب على أثره زبدة منظريه وقادته التاريخيين كالرئيس الإسرائيلي الحالي شيمون بيريس ومجموعات العسكر وجنرالات الأمن الذين لا يختلفون في الجوهر عن عتاة «الليكود».

في الوقت الذي انكمش فيه أيضاً حزب العمل انكماشاً غير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية، بل كاد أن يتحطم كلياً في صراعات معسكراته الداخلية وتخبطه السياسي خلال العقدين الماضيين من الزمن، وكاد أن ينهار معه تيار المؤسسين الذين وضعوا أسس اقتصاد الدولة العبرية وجيشها وخاضوا حروبها التوسعية ضد الشعب الفلسطيني والبلدان العربية، وحتى شعاراته الاجتماعية ومناداته ب «فصل الدين عن الدولة» والتي تستقطب قطاعات من اليهود الغربيين (الاشكناز) فقد وجدت من يرفعها ويذود عنها في حركة «ميريتس» بطريقة ناجعة تفوقت فيها على حزب العمل. وزاد من شدة انحدار هبوطه أنه بات جزءاً لا يتجزأ من التشكيلة الحكومية الائتلافية بقيادة بنيامين نتانياهو.

ويمكن أن نلحظ مدى التحطم والتهتك التنظيمي والسياسي الداخلي في حزب العمل من خلال التواتر اللاطبيعي في تعاقب الرؤساء على قيادة الحزب بفواصل زمنية غير مقنعة، فخلال عشرة أعوام خلت شهد الحزب تغيير ستة رؤساء، بينما كان التواتر الطبيعي يمتد على مسافة زمنية تصل الى عشر سنوات في قيادة رئيس الحزب، الأمرالذي يعزز ما ذهبنا إليه.

ونستطيع القول أن حزب العمل سيشهد بالضرورة تآكلاً جديداً في الصراع المحتدم في الفترة القادمة. فالمجموعات المتصارعة داخله تضم مجموعات العسكر والجنرالات الذين لا يختلفون في الجوهر عن عتاة «الليكود»، وبهم يعود حزب العمل (حزب نخب الأشكناز) إلى جذوره وسياساته البراغماتية التي تخفي القسوة والتشدد تحت لحاف ناعم، متماهين في هذا مع ارث الحزب من بن غوريون إلى ليفي اشكول إلى غولدا مائير عندما كان الحزب يحمل تسمية «حزب الماباي».

في المقابل، نستطيع القول بأن قدراً أعلى من التماسك الداخلي يسود الحالة العامة لحزب «الليكود» على رغم استمرار الهوة السحيقة الطبقية والتراتبية بين قياداته الاشكنازية وقاعدته الأوسع ذات الغالبية السفاردية، حيث التأرجح المتواصل هبوطاً في مستوى دخل الطبقة الوسطى التي تشكل مفاصل وأعمدة الحزب، واتساع الفارق الطبقي بين القاعدة والقاعدة الوسطى والصف القيادي الأول، والإقصاء الشرقي.

ولعل الإرث التاريخي الذي يحمله «الليكود» من موقعه في المعارضة في العقود الثلاثة الأولى من تأسيس الدولة العبرية قد جعل منه موئل القاعدة السفاردية التي وقعت تحت التمييز الاشكنازي لحزب العمل. فحزب «الليكود»، الذي مثل في عقود ماضية الحزب اليميني المتماسك، وحزب «البروليتاريا اليهودية» القادمة أصلاً من بلدان الشرق وتحت قيادة «أمراء الليكود» من المجموعات الموغلة في ميولها اليمينية من يهود أوروبا، في مواجهة قوة الورقة الانتخابية اليهودية المتأوربة والمنتظمة في حزب العمل، هذا الحزب يشهد الآن جملة من التحولات والاصطفافات الداخلية.

ويمكن تلخيص حالة الاصطفاف داخل «الليكود»، من خلال وجود الكتل الثلاث المعبرة عن حقيقة ما يجرى داخله. فالتيار الأول، ويسميه البعض بتيار «أمراء الليكود»، وهو التيار الأكثر يمينية بقيادة عوزي لانداو وتساحي هنغبي والذي يقدم نفسه باعتباره تيار «الوفاء» وصاحب التمسك بروح الصهيونية وأرض إسرائيل التوراتية الكاملة، يرفض مبدأ الانسحاب الشامل من الأرض المحتلة عام 1967، ويضيف أن سقف التسوية مع الفلسطينيين يقع عند حدود كيان مرتبط في بحر كتل الاستيطان. فالقوى اليمينية من حزب «الليكود»، والقوى الغارقة في صهيونيتها بالدرجة الأولى ما زالت تعتقد أنها تستطيع أن تعيد الأمور إلى سابق عهدها. وينطلق التيار المذكور من ارث وفلسفة القوة التي نشأ عليها حزب «الليكود»، ومن أرضية التفوق العسكري لفرض التسوية حيث «صنع السلام يستند إلى جبروت الجيش الإسرائيلي والقوة الشاملة لإسرائيل، وإلى قدرتها الردعية».

والتيار الثاني يمثل الذهنية البراغماتية الجديدة التي نمت مؤخراً داخل «الليكود»، ويقوده بنيامين نتانياهو حيث بات هذا التيار يؤمن ومن موقع تجربته السياسية في الحكم وقيادة القرار بأن طريق التسوية يقتضي بالضرورة ما يسميه «تنازلات مؤلمة» تقدم الى الفلسطينيين، بما في ذلك محاولة الملاءمة مع خريطة الطريق الأميركية. ومع أن نتانياهو يبقى في النهاية مشدوداً إلى الذهنية التي تربى عليها تاريخياً، ذهنية منطق القوة، إلا أنه يعمل على مواءمة برنامجه مع التحولات الجارية التي فرضها النضال الفلسطيني، مضيفاً مبدأ الإملاء لفرض الأمر الواقع السياسي - الاستيطاني - التوسعي على الطرف الفلسطيني، وكل هذا ضمن منظور توسعي دائب لفرض الاستسلام بموازين القوى العسكرية المحضة وبقوة الأمر الواقع مستثمراً ضعف القيادة الفلسطينية، ومستفيداً من محدودية الضغط الخارجي السياسي والمادي على إسرائيل، هذا الضغط المشتت بين التحيز الأميركي الفاقع، واستفحال الانقسام الفلسطيني، وتواضع الدور الأوروبي والعجز العربي على المستويين الرسمي والشعبي.

وبالاستخلاص الواقعي يمكن اعتبار مقترحات التيار الثاني في «الليكود»، محاولة لإعادة تكتيل وتحشيد قوى اليمين الصهيوني بشقيه التوراتي والعلماني، ولتجديد حضوره الشعبي داخل الوسط اليهودي في الدولة العبرية.

أما التيار الثالث فيمثل ما يمكن أن نسميه بالغالبية الصامتة أو المترددة، أو الكتلة المتأرجحة والضائعة داخل الحزب، حيث تضم في صفوفها القطاعات التي باتت على قناعة كاملة بأن مشروع «إسرائيل التوراتية الكبرى» أنتهى وأصبح خلف التاريخ، لكنها في المقابل تمثل ما يمكن تسميته ب «تيار الحنين» إلى الجذور الفكرية والفلسفية للفكرة الصهيونية في اللحظات التي يسود ويندلع فيها الخطاب الصهيوني التقليدي «كاندلاع النار في الهشيم»، فهو خطاب يحمل الشعار التعبوي/الشعبوي حيث تتم استعارته واستحضاره في لحظات اندلاع حمى الصراع داخل حزب «الليكود» وبين أجنحته المختلفة.

* كاتب فلسطيني

=========================

كيف نفهم ظاهرات الأزمات العربية؟

آخر تحديث:الخميس ,07/01/2010

الخليج

سليمان تقي الدين

من أين نبدأ في فهم ظاهرات الأزمات العربية ؟ لماذا خرجت مصر من الهم القومي العربي وتخلّت عن دور القيادة التاريخي الذي بدأ يتكون منذ القرن التاسع عشر حتى لا نعود الى مرحلة صلاح الدين الايوبي في القرون الوسطى . لماذا فشل العراق وهو الدولة المتنوعة الموارد والامكانات في لعب دور جدّي ومهم في المواجهة على الجبهة الشرقية مع الكيان الصهيوني، ثم في لعب دور عربي أكبر بعد حربه مع ايران . ولماذا تراجع دور المملكة العربية السعودية الذي تعاظم بعد الفورة النفطية وبعد خروج مصر من الصراع العربي الصهيوني، وهي الدولة القائدة لأغنى تجمع عربي والحاملة لإرث الاسلام السياسي منذ زمن بعيد . ولماذا انزوت الجزائر على مشاكلها الاقليمية اولاً ثم على ازماتها الداخلية واتجهت غرباً باهتماماتها السياسية والاقتصادية . ولماذا تحولت ليبيا من عمق استراتيجي مرشح لمعالجة أزمة العمالة في مصر الى دولة مشاغبة لا دور ايجابياً عربياً لها ولا نموذج تنمية تقدمه لشعبها . ولماذا تحوّل دور سوريا القومي وممانعتها الوطنية الى ما يشبه العنصر غير الأليف في بيئتها العربية، وتحوّل دورها في لبنان وفلسطين والعراق وتحالفاتها الى مصدر ازعاج للنظام الرسمي العربي . ولماذا عجز العرب عن منع الاحتلال الامريكي للعراق ثم عجزوا عن احتواء أزمته الكيانية . ولماذا صار لبنان الصغير الاكثر تضحية في سبيل القضايا العربية والحامل الاكبر لتداعيات قضية فلسطين أحد عناوين الخلافات والنزاعات بين العرب والاكثر انكشافاً على المداخلات الخارجية؟ تطول القائمة ولا تنتهي بالصومال أو جيبوتي أو جزر القمر ولا طبعاً في فلسطين التي يشعر النظام الرسمي العربي بأنها صارت حملاً ثقيلاً عليه حتى حين صار شعبها يناضل على أرضه وليس في جوارها، وحين بدأت تتشكل هوية وطنية ذات ركائز مادية سواء في لحظة نشوء سلطة “أوسلو” أو حين انكفأت “اسرائيل” عن غزة وكأنها أرادت القاء كرة النار في وجه مصر أولاً والعرب ثانياً . أما اليمن الذي حقق منذ عقدين وحدته السياسية وعرف بعض مظاهر الحراك السياسي فقد ظل محظوراً عليه أن ينضم الى البيت الخليجي ويحظى بالدعم الاقتصادي اللازم، أو بالاستثمارات، وهو البيئة البكر لذلك، وغرق في أزمة حكم نخبة سياسية مزيج من العائلية والقبلية والفساد والادارة العاجزة والمتلاعبة بتناقضاته الجهوية والمذهبية . كل هذه الاسئلة تعيدنا الى حقيقتين: الأولى، هي أن الاستقلال السياسي الذي حققه العرب منذ نصف قرن لم يستكمل ببناء نهضة اقتصادية وعلمية وثقافية، ولم تتضافر له عوامل القوة الكامنة في تنسيق السياسات العربية للدفاع عن الأمن القومي العربي وبلورته في خطط استراتيجية تكاملية . الثانية، هي أن المنطقة لم تخرج يوماً من دائرة التنافس الدولي على مصيرها لأنها قلب العالم القديم ونقطة التوازن بين التيارات والدول الكبرى والموقع الجغرافي والاقتصادي الاكثر أهمية .

 

انطوت الحرب العالمية الثانية على تقاسم نفوذ بين الدول الكبرى وعلى خرائط لكيانات سياسية وانظمة اقليمية تحمل تناقضات كبيرة في مقوماتها . ساهمت الحرب الباردة في عدم استقرار المنطقة التي انشغلت بالعدد الاكبر من الحروب لاسيّما بين العرب والكيان الصهيوني، دون أن تنتظم علاقات العرب بجيرانهم التاريخيين . العلاقات العربية التركية ورثت تركة الانشقاق السياسي الذي أدى الى انهيار الامبراطورية العثمانية، وقد دخلت تركيا منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي في علاقات وطيدة مع الغرب وشاركت في الاحلاف المعادية للعرب، وصارت جزءاً من الحلف الاطلسي . أما إيران فقد تحكّم الغرب بسياساتها الداخلية والخارجية خصوصاً بعد الانقلاب على حكومة مصدق عام 1953 وطموح الشاه الايراني للعب دور شرطي الخليج وتعاون مع الكيان الصهيوني حتى ثورة 1978 . أما دول افريقيا فعانت الكثير من النزاعات الحدودية والمداخلات السياسية من اثيوبيا وتشاد ونزاعات اريتريا والصحراء الغربية والصومال .

 

كما شكّل الاحتلال السوفييتي لافغانستان عام 1978 بداية تحديات جديدة لوسط آسيا ولدول الخليج وسلط الاضواء الامريكية على تلك المنطقة . ثم كانت الثورة الايرانية التي أقلقت دول الخليج . لكن طبعاً شكلت “إسرائيل” التي انزرعت في المنطقة عنصر استنزاف سياسي أمني واقتصادي لجزء مهم من دول الجوار والدول المساندة . هي بشكل أو بآخر لعبت دوراً خطيراً في إعاقة تقدم مصر وتطورها، وهي التي دفعتها مجدداً الى الحضن الامريكي . كما أن هذه الدولة حوّلت المشرق العربي الى منطقة غير مستقرة، فعانى لبنان والأردن وسوريا من الحروب والأزمات التي فرضها العدوان كل عشر سنوات تقريباً . غير أن الحرب الباردة (الامريكية السوفييتية) كانت قد حولت المنطقة إلى معسكرين تشدهما مصالح متناقضة . هناك الدول النفطية المندمجة بقوة في النظام الاقتصادي العالمي والمرتبطة بحاجات هذا النظام، بينما كانت الدول ذات التوجهات القومية مرتبطة بالحاجة الى السلاح والمعسكر الشرقي الوحيد الذي كان يمكن أن يوفره في الصراع مع “إسرائيل” .

 

خلال الربع الأخير من القرن العشرين بدأت تتفاقم أزمات النموذج القومي الشعبوي العالمثالثي وكذلك النموذج المسمّى اشتراكياً . في واقع الأمر جددت الرأسمالية العالمية نفسها وتقدمت على المستوى الصناعي والتكنولوجي، وأظهرت نموذجاً ثقافياً اكثر انفتاحاً . أما المعسكر الآخر فكان يعاني مشكلات بين بنيته السياسية وحاجات المجتمع والقدرة على تطوير الانتاج بمعزل عن السوق العالمي . كانت الصين الدولة الأسبق انفتاحاً على المستوى الاقتصادي ولو أنها حافظت على بنيتها السياسية في حين تأخر النموذج السوفييتي وبدأ انفتاحه السياسي في شكل فوضى عارمة . أما الانظمة القومية فقد انشغلت بالمسألة الأمنية أو الصراع القومي وفي الدفاع عن مصالح النخب الاقتصادية السياسية التي تكونت داخلها بفعل السلطة . تميّزت تجربة الدول ذات التوجهات القومية عن سائر التجارب العالمية الأخرى في التنمية كالبرازيل أو الهند او النمور السبعة الآسيوية بان اقتصادها تطور وفق حاجات وامتيازات نخبها السياسية وتحت سيطرتها .

 

عندما انطلق النظام العالمي الجديد بقطبه الأوحد الامريكي، بتفوقه العسكري والاقتصادي والسياسي ليعيد تشكيل العالم تراجعت أمامه دول كبرى . اوروبا سارت في ركابه بغير شروط . روسيا بدت محاصرة وراغبة في التعاون . الصين منشغلة بمصالحها الاقتصادية في السوق الامريكي . هذا المشهد وضع منطقة الشرق الاوسط وفي قلبها العالم العربي في حال من فقدان الوزن . عشية احداث ايلول/ سبتمبر 2001 سيطرت على العرب والمسلمين عقدة الذنب الكبرى من مسؤوليتهم عن أحداث البرجين الامريكيين . نموذج طالبان والقاعدة صار جزءاً من صورتهم الدولية . كل مواجهة مع الغرب صارت في خانة الارهاب . الحرب الوقائية التي تبناها الامريكيون صارت قابلة للتسويق على أكثر من جبهة . سلوكيات نظام العراق وايران والحركات الاسلامية السلفية شكلت تبريراً لكي يضع الامريكيون يدهم على المنطقة . صحيح أن جورج دبليو بوش كان نموذجاً هتلرياً جديداً، لكن ابن لادن والملاّ عمر والنظام العراقي بعد اجتياح الكويت واسلوب الحركات الاسلامية الاستشهادي وصعود محمود احمدي نجاد في ايران وخطابه السياسي الصدامي شكل الوجه المقابل والآخر من العملية السياسية الدولية . سارع العرب الى تقديم الاعتذار لامريكا وانشغلوا في تصحيح الصورة عبر ما سمّوه الاعتدال فاطلقوا من بيروت (2002) مبادرة السلام العربية التي انطوت لأول مرّة على مشروع مصالحة تاريخية شاملة . لكن ارييل شارون سحقها في اجتياح جنين ورام الله مستفيداً من الزمن العالمي الجديد . في تلك اللحظة استهدف الامريكيون كل النظام الرسمي العربي . رفع المحافظون الجدد شعارات جذرية عن تغيير الانظمة والثقافات وأعلنوا عن رغبتهم في تشكيل شرق اوسط جديد . لم يقايض الامريكيون حضورهم المباشر في المنطقة بأية تعويضات للعرب . لم يتعاملوا بجدية مع المبادرة العربية للسلام . لم يتهاونوا تجاه ممانعة سوريا وايران والمقاومة في فلسطين ولبنان .

 

بعد الفشل الامريكي في افغانستان والعراق في بناء نظام سياسي مستقر لجأت الى فتح جبهة لبنان سوريا بالقرار 1559 . لقد بدا واضحاً ان هذا القرار يهيئ لحروب بالواسطة، او لحروب ونزاعات عربية عربية . وحين فشل حلفاء امريكا في انجاز المهمة في محاصرة “المقاومة” وفي خلخلة النظام السوري كانت حرب تموز/يوليو ،2006 لكن تلك الحرب فشلت أيضاً على المستوى السياسي وشكلت بداية مسار معاكس استفادت منه المقاومة وسوريا وايران . دخول “إسرائيل” مجدداً على الدور العسكري في لبنان وفي غزّة كان مؤشراً على تعثر الدور الامريكي، وكانت الازمة المالية العالمية عنصراً مهماً في كبح المغامرات العسكرية لصالح نهج التفاوض والقتال التراجعي كما حصل في العراق وافغانستان .

 

في حصيلة المشهد العربي الاجمالي هناك انحسار لاحتمالات توسع الحرب الامريكية، لكن هناك الحروب البديلة التي يراد من خلالها ملء فراغ المرحلة الانتقالية الراهنة . قد يشكل التعاون السوري التركي الإيراني عنصراً مهماً في وقف تصدع قوس الأزمات الممتد من المتوسط الى الخليج، لكن حرب اليمن والتورط الاقليمي فيها، والأزمة الداخلية الايرانية هي عناوين مهمة لسياق جديد من التدخل الامريكي الذي يمنع من تشكيل نظام اقليمي مستقر . قد لا تكون هناك هندسة امريكية كاملة للتعامل مع هذه المشكلات والأزمات لكن ليس هناك من مشروع عربي دفاعي بحده الادنى للحد من الانهيارات والفوضى . أزمة النظام الرسمي العربي الى تفاقم ويظهر العرب سهولة فائقة في التورط بحروبهم الصغيرة . كأن العرب فقدوا الاحساس بالتحديات التي تطاول وجودهم ودورهم في الدفاع عن أمنهم حتى داخل اقطارهم المجزأة

=========================

تنامي الطائفية في المجتمع العربي

بقلم :د. باقر النجار

البيان

7-1-2010

شكلت الطائفية إحدى أكثر المشكلات/ الأزمات تفجرا في المشرق العربي، خلال العقود الثلاثة الماضية. بل إن المشكلة قد ازدادت حدتها مع سقوط النظام العراقي وصعود المعارضة الاسلاموية لمقاعد السلطة في العراق.

 

وبداية صراع دموي فيها على مركب القوة بين الفصائل السياسية المختلفة، تحت يافطات دينية أخذت بعدا مذهبيا وحربا طائفية، استحضرت فيها هذه الجماعات كل حكايات التاريخ البعيد وأحداثه، كما وظفت عصبويات الطائفة بكل حرفية وإتقان.

 

وهو الأمر الذي قاد إلى انتهاء الدولة وإلى فوضى سياسية وأمنية واجتماعية لا يبدو في الأفق أن هناك حلا حاسما لها، إلا بانتهاء أو ضعف القوى السياسية التي فجرت هذا المشكل.

 

وهي مشكلة عكست إخفاقات المجتمع العربي، ليس فحسب عن تحقيق حلمه في النهوض الاقتصادي، بل عجزه كذلك في بناء الدولة الحديثة التي يمكن أن تنهض بالمجتمع. وهي مشكلة باتت تشمل جل أقطار المشرق العربي، بما فيه مصر والسودان، وفي أقطار إسلامية أخرى كإيران وباكستان وأفغانستان. وهو صراع يعبر عن نفسه تارة في صراع إسلامي مسيحي وفي آخر إسلامي قبطي، وفي صراع شيعي سني... الخ.

 

وهي صراعات رفعت شعار الدين عاليا، وتوارت تحت ذلك مراميها السياسية ونزوع هذه الجماعات إلى الاستحواذ على القوة والسلطة والمنافع الاقتصادية والاجتماعية، لحصرها في الجماعة وفي خاصة الجماعة.

 

وهذا الصراع بات يقترب كثيرا من منطقة الخليج، حيث حذرت منه شخصيات في أعلى المواقع الرسمية، كما حذر منه أحد التقارير الرسمية الصادرة عن مركز البحرين للدراسات والبحوث.

 

ويعبر مفهوم «الطائفية» في المجتمع العربي عن كل الصراعات بين جماعات المجتمع الواحد التي تأخذ بعدا دينيا محددا، سواء أكان بين المسلمين والمسيحيين كما في الحالة المصرية والعراقية واللبنانية، أو بين مذاهب مختلفة داخل الديانة الواحدة، كصراع السنة والشيعة كما هو في الحالة العراقية واللبنانية.

 

وهي صراعات تبدو مستترة أحيانا، إلا أنها تعبر عن نفسها في مجال الصراع على المنافع الاقتصادية والاجتماعية، أو في مجال الصراع على الفضاء العام، والذي يأتي الصراع عليه من خلال مؤشرات عدة تعبر عن صراع مستتر للقوة وفي تأكيد الحضور أو طغيان الحضور. وقد يكون الصراع مستعرا ودمويا، كما في الحالة العراقية والباكستانية. وهي صراعات قد تأخذ طابع الدين في إطاره العام كدين، أو في إطاره الفرعي المذهبي كفرقة إسلامية أو فكرية.

 

أي أن الصراعات الطائفية هي صراعات دينية في الظاهر، إلا أنها تعبر في الكثير من أبعادها عن صراع بين جماعات المجتمع الواحد المختلفة على مركب القوة في المجتمع. هذا المركب الذي قد يعني في بعضه تحديد حجم الانتفاع والاستمتاع بالمنافع والمزايا والعطايا، وقد يكون صراعا على السلطة في إطارها العام أو المحدد.

 

وهي كلها صراعات قد تعبر في بعضها عن الفشل في إقامة الدولة الحديثة، أو في ضعفها أمام تنامي قوة التضامنيات الطائفية والقبلية على حساب الدولة. وهو في هذا صراع تتشارك فيه جماعات وأفراد من الداخل الدولة وخارجها، تُوظف فيه الدولة والجماعة لخدمة مصالحها الفردية بل المغرقة في الفردية.

 

ومن المهم القول إن انتماء الفرد، أي فرد، لطائفة ما لا يجعل منه فردا طائفيا، كما أن سعيه نحو تحسين أوضاع الجماعة التي ينتمي إليها في إطار الوسائل الشرعية دون الإضرار بحقوق الجماعات الأخرى، لا يجعل منه كذلك فردا طائفيا.

 

إنما الطائفية والطائفي هو سعي الفرد أو الجماعة لأن يحصر مسألة التمتع بالحقوق والمزايا في إطار جماعته دون الآخرين، أو أن يُكسب جماعته الدينية أو المذهبية حقوقا للآخرين تحيزا ضدهم أو بخسا لحقوقهم. وهنا فإن الصراع يتحول إلى شكل من أشكال الصراع الطائفي على القوة ومنافعها، التي توظف فيها مقولات تكفير الآخر وإخراجه من المِلّة، وبالتالي إحلال دمه وممتلكاته!

 

إن ما يفسر ظاهرة قدرة التضامنيات التقليدية: كالطائفية والقبلية على الاستمرار في المجتمع الحديث، هو غياب ما قد نسميه بالكتلة الوطنية المتجاوزة في معالجتها للمشكل المحلي كل حساسيات وانجذابات التعاضديات التقليدية، كما هو في قدرتها، أي الكتلة الوطنية، على أن تضع المشكل المحلي في السياق المجتمعي العام.

 

وليس في الأطر العصبوية والجزئية التفكيكيةوإذا كان المجتمع الأهلي والمدني مدعوين للتصدي لظاهرة تنامي مشكل الصراع الطائفي بين التجمعات الاجتماعية المختلفة المذهبية والقبلية، فإن هذا التصدي لا يكسب قوته إلا من خلال مشروع وطني عام تتبناه الدولة وتشرع في تنفيذه، وهو مشروع ستواجهه القوى المستفيدة من استمرارية حالة الصراع الداخلي بكل قوة واستماتة.

كاتب بحريني

=========================

حمى الاتصالات العربية.. لماذا ؟

راجح الخوري

rajeh.khoury@annahar.com

النهار

7-1-2010

دخلت الاتصالات بين بعض العواصم العربية حالاً من الغليان. ثمة الآن ما يشبه الحمى السياسية، استباقاً ل"المبادرة الاميركية" لإحياء التسوية السلمية في المنطقة، واستعداداً لمواجهة الألغام في الأفكار الإسرائيلية التي تُطرح كمبادرة، لكنها ستكون بالتأكيد محاولة لقطع الطريق ثانية على الرئيس باراك أوباما.

عملياً وواقعياً، يبدو الحراك العربي الناشط بقوة في هذه الأيام، وكأنه نتيجة موضوعية لانتفاضة خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت الاقتصادية ودعوته الى ترتيب أوضاع "البيت العربي"، في مواجهة الاستحقاقات والاحتمالات الداهمة، سواء كانت تتصل بالتسوية أو بإشعال المزيد من نقاط الاضطراب في المنطقة العربية.

تتركز الاتصالات على محور يشمل مصر والسعودية والأردن ودمشق هذه المرة، وقد زارها أمس الأمير سعود الفيصل بعدما كان وصل اليها الرئيس محمود عباس وخالد مشعل. وحتى الآن اجتمع الرئيس حسني مبارك مع الملك عبد الله الثاني ومحمود عباس الذي سيزور الكويت وقطر وتركيا، وكذلك مع الأمير سعود الفيصل.

وكان مبارك قد استقبل بنيامين نتنياهو يوم الثلثاء الماضي. ويبدو واضحاً من خلال التصريحات ان هذه الشبكة الواسعة من اللقاءات، ركّزت وتركّز على العملية السلمية وكيفية تطويرها والأفكار العربية التي يفترض التفاهم عليها قبل زيارة الوزيرين أحمد أبو الغيط وعمر سليمان لواشنطن يوم الجمعة المقبل، في ما يبدو أنه محاولة لتأكيد ثوابت الموقف العربي من عناصر التسوية، انطلاقاً من بنود "المبادرة العربية للسلام" التي وضعها الملك عبد الله وأقرتها القمم العربية.

*  *  *

وفي سياق هذه التحركات كان لافتاً أن يطلب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل زيارة السعودية التي كان قد انقطع عنها منذ "اتفاق مكة" عام 2007، الذي تم اسقاطه في غزة كما هو معروف ليصير الانقسام الفلسطيني الدموي والمؤلم حجة إضافية عند اسرائيل لإفشال كل مساعي التسوية.

كان لافتاً أكثر الكلام الذي قاله مشعل أمام الأمير سعود الفيصل، عندما نفى أن يكون لإيران التي سبق لها أن حرّضت على إسقاط "اتفاق مكة"، دور بديل من الدور العربي في دعم القضية الفلسطينية مؤكداً:

"نحن لا نستبدل دوراً بدور. فلسطين عمقها الاول هو العمق العربي. وبالتالي العرب هم عمقنا الأول ممثلاً في الدول العربية والجامعة العربية، ثم تأتي الحلقة الاسلامية (...). يبقى الدور العربي هو الأساس ونحن نعرف تاريخ السعودية ومصر وسوريا والعرب جميعاً في دعم قضيتنا".

كان لافتاً أكثر أن مشعل حرص على القول إنه رغب في زيارة السعودية "وهي دولة عربية كبيرة ذات دور محترم وتاريخ وسجل كبيرين في دعم قضية فلسطين من أيام الملك عبد العزيز، وأيضاً في "اتفاق مكة" الذي أكرمنا به خادم الحرمين الشريفين". هكذا بالحرف: "أكرمنا به" رغم ما آل اليه هذا الاتفاق على يد "حماس" في غزة!!

*  *  *

نعم "ان الانقسام الفلسطيني شر لا بد ان نخرج منه"، كما يقول مشعل، لكن العبرة تبقى طبعاً في قيام "حماس" بتوقيع الورقة المصرية، التي وقعتها حركة "فتح"، بما قد يفسح في المجال لإعادة ترتيب الوضع الفلسطيني المؤلم جداً، وخصوصاً أن كل حجج الموقف العربي وشروطه، التي سيتم إبلاغها الى واشنطن، سواء عبر الوفد المصري أو عبر السناتور جورج ميتشل، ستكون بلا أي معنى أو مستند أو جدوى، إذا استمر انقسام الفلسطينيين، وهو الأمر الذي طالما سعى اليه العدو الإسرائيلي!

ولكي تكتمل دائرة الإثارة في كلام مشعل حرص على القول ان "حماس" لا تساعد إيران في دعم الحوثيين "فنحن مع الأمن العربي قبل كل شيء، نحن مع أمن السعودية، مع سلامة أمنها الداخلي وحدودها وأراضيها، ونحن مع أمن اليمن وسلامته ووحدته وضد أي شيء يسيء إلى هذا الأمن".

من الرياض انتقل مشعل الى دمشق، في وقت أثارت تصريحاته التي سعت الى إزالة كل السلبية العالقة منذ "إسقاط اتفاق مكة"، انتباه الكثيرين، وخصوصاً انها جاءت موازية لحركة الاتصالات العربية الكثيفة استعداداً للمرحلة المقبلة.

في أي حال، المعيار الأساس هو مسارعة "حماس" الى توقيع الورقة المصرية، وإعادة اللحمة الى الموقف الفلسطيني، وفي انتظار ذلك يبقى كلام سعود الفيصل أساسياً عندما قال إن لقاءه مع مشعل ركّز على "إزالة الشكوك في الأدوار التي تلعب في منطقتنا".

=========================

جدلية التنمية والديموقراطية وآفاق تحققهما في الوطن العربي

المستقبل - الخميس 7 كانون الثاني 2010

العدد S1892 - رأي و فكر - صفحة 11

مسعود ضاهر

تصنف هذه المقولة بين الموضوعات الثقافية الأكثر أهمية وخطورة في السجال الثقافي الدائر اليوم على الساحة العربية. فهي ليست مجرد مقولة علمية تشغل الباحثين المهتمين بتاريخ الوطن العربي بل تطول أيضا حاضر العرب ومستقبلهم على ضوء التطورات الدولية المتسارعة في عصر العولمة. علما أن جدلية تلك العلاقة لم تحسم، لا على المستوى الأوروبي ولا على مستوى دول جنوب وشرق آسيا. فهي مقولة ذات أبعاد عالمية. وقد شارك في دراستها باحثون من ذوي الخبرة الأكاديمية المعمقة. ونشروا دراسات علمية رصينة شكلت مصادر معرفية ذات أهمية استثنائية في مجال التنمية والديموقراطية. وهناك باحثون جدد أثبتوا كفاءة عالية في تقديم أبعاد جديدة لمشكلات التنمية والديموقراطية في مجال التواصل، والإعلام، والتنمية المتوازنة، والحكم الصالح وغيرها. وخصص المفكرون النهضويون العرب لهذه المقولة مؤتمرات وندوات لا حصر لها طوال أكثر من نصف قرن. فاعتبرها بعضهم إشكالية جوهرية تؤكد على ارتباط الديموقراطية بالتنمية المستدامة، وشددوا على أن الديموقراطية هي العامل الحاسم في تنمية الشعوب العربية لأن التنمية المستدامة تبدأ أولا بالإنسان، من دون فصلها عن التنمية الاقتصادية المستدامة. لكن مثقفين آخرين، ومن أوساط الأنظمة العربية المسيطرة تحديدا، ذهبوا في الاتجاه المعاكس. فرأوا أن التنمية الاقتصادية هي التي تفتح الباب أمام تحولات جوهرية تمهد لقيام الديموقراطية والتنمية المستدامة.

المسألة إذاً سجالية بامتياز، وقد حظيت باهتمام الباحثين من مختلف الجنسيات والمدارس الفكرية والسياسية. وكتبت أبحاث كثيرة، وطرحت تساؤلات منهجية لا حصر لها حول جدلية تلك العلاقة وأهميتها في بناء مجتمع حرّ وقادر على مواجهة تحديات العولمة.

تجدر الإشارة إلى أن تجارب التحديث الأوروبية أكدت على جدلية العلاقة بين الديموقراطية والتنمية، وقدّم مفكروها إجابات واضحة وصريحة عن التساؤلات المنهجية التي تبرز أهمية هذه المقولة التي تنير الطريق أمام الباحثين، وأصحاب القرار السياسي في مختلف دول العالم لبناء الحكم الصالح، والتنمية البشرية المستدامة. لكن الدول الغربية، بجناحيها الأوروبي والأميركي، ودول الشرق الأقصى قدمت نماذج متناقضة في هذا المجال. فقد أعطت تجارب التحديث الأوروبية الأولوية للحريات الفردية والعامة، وأقامت دولا ديموقراطية عادلة ترعى شؤون التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة. في حين وضعت اليابان والصين ودول النمور الآسيوية مسألة الديموقراطية في مرتبة أدنى من التنمية المستدامة، ولم تربط التنمية بالديموقراطية إلا بعد أن أنجزت خطوات متقدمة على طريق بناء مجتمع المعرفة. وتبعتها في ذلك دول أميركا اللاتينية، وبعض الدول الأفريقية والآسيوية. في حين أعطت الهند مسألة الديموقراطية الأولوية التي تستحق في بناء مجتمع حر يسير بخطى ثابتة لنشر المعرفة، والعلوم العصرية، والتكنولوجيا المتطورة، وبناء التنمية المتوازنة. وشددت أوراق بحثية مهمة قدمت مؤخرا إلى المؤتمرات والندوات الثقافية العربية على العلاقة الجدلية بين التنمية والديموقراطية ووضعتها في سلم أولويات النهوض العربي الذي طال انتظاره. فالدول العربية، لم تحسم خيارها في هذا المجال. ولم تتبن مسارا واضحا للتنمية الشاملة وما إذا كانت تسبق الديموقراطية، أو تتزامن معها، أو تعقبها. ومع أن غالبية المتنورين والنهضوين العرب شددوا على أن التزامن بينهما هو المدخل السليم لتحقيق حداثة حقيقية، فإن أيا من الدول العربية لم تتبن تلك المقولة النظرية، فبقيت جميعها تصنف في عداد الدول العاجزة عن بناء المجتمع المستقر، والحكم الصالح، والتنمية المستدامة.

بعبارة موجزة، لم تعط الدول العربية، هذه المسألة الأهمية التي تستحق. ولم تنجح في بناء ركائز التنمية المستدامة والدولة الديموقراطية العادلة. وفشلت في بناء دولة القانون والمؤسسات العصرية، وعجزت عن ضمان المساواة والعدالة بين جميع المواطنين، وعن الاستفادة من ثورات العلوم والتواصل والمعلومات. وهي تعاني اليوم أزمات حادة في مختلف القضايا السياسية، والإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتربوية، والثقافية وغيرها. ومع فشل سياسات التنمية الشمولية زاد التوتر بين الحاكم والمحكوم في الدول العربية، واشتدت وطأة القمع على الشعوب العربية التي تعاني اليوم نقصا فاضحا في مجال اكتساب المعارف العلمية المتاحة بسبب ارتفاع نسب البطالة، والأميّة، والفقر، وتلوث البيئة، والهجرة الكثيفة إلى الخارج، خاصة في أوساط الشباب المثقف، والعمال المهرة. ويبرز فشل السياسات التنموية العربية السابقة في مواجهة ثقافات عصر العولمة وتكتلاتها الجغرافية والسياسية والاقتصادية والإعلامية العملاقة، وأزماتها الدورية خاصة الأزمة الراهنة التي انفجرت في خريف 2008 وما زالت تداعياتها السلبية تلف جميع الدول العربية.

ختاماً، إن تحليل جدلية العلاقة بين الديموقراطية والتنمية المستدامة على المستوى العربي تتطلب إنجاز أبحاث أصيلة لمعالجة المشكلات الحادة. وذلك يتطلب تقديم أبحاث أمبيريقية تظهر مسار التنمية في الدول العربية مقارنة بما هي عليه الآن في الدول المتطورة. وهي مقارنة مؤلمة للغاية وليست لصالح العرب. ومن أولى واجبات الباحثين العرب تقديم رؤية عربية واضحة المعالم والأهداف حول جدلية العلاقة بين التنمية والديموقراطية وكيفية بناء التنمية المستدامة على أسس علمية وعقلانية. ومع أن رؤية الواقع العربي على حقيقته لا تشير إلى أن الدول العربية تسير في الاتجاه السليم لبناء التنمية الشمولية المستدامة، فإن تقديم الحلول الإستشرافية حول مستقبل الوطن العربي يشكل مساهمة علمية جدية للخروج من الأزمة الراهنة التي باتت تهدد حاضر العرب ومستقبلهم. وذلك رهن بقدرة الباحثين العرب على إعداد أبحاث علمية تساعد على إطلاق ورشة عمل للتنمية المستدامة، وتقدم إضافات نوعية لتوضيح مفهوم التنمية من حيث النظرية والتطبيق، وتحلل مصادره وتجلياته في أوروبا وما أدخل عليه من إضافات نوعية في دول الشرق الأقصى، وذلك بهدف إطلاق تنمية مستدامة بخصائص عربية، وعبر مقولات ثقافية من إنتاج المتنورين العرب، ولأهداف استراتيجية تطول حاضر العرب ومستقبلهم.

=========================

اللحظة التي غيرت أفغانستان

ستيفن كينزر - «الغارديان»

الدستور

7-1-2010

في الأسبوع الأخير من السنة مر ثلاثون عاما على القرار المشؤوم ، الذي لم يحظ باهتمام كبير في ذلك الوقت ، الذي جر الولايات المتحدة إلى مستنقع أفغانستان. لو أننا أردنا أن نقول ما هي اللحظة المحددة التي بدأت فيها أزمة أفغانستان الحالية ، فقد كان ذلك الأسبوع الأخير من عام ,1979

 

في ظلمة عشية عيد الميلاد ، وتنفيذا لأوامر الرئيس ليونيد بريجنيف ، قامت وحدات من الجيش السوفييتي بعبور جسور عائمة فوق نهر أمو داريا إلى أفغانستان. كان قرار بريجنيف خطأ كارثيا لم يدمر بلده بشكل كبير فحسب ، بل ساهم أيضا في إندثارها كدولة تمثل أمة. التاريخ بدأ يوحي ، مع ذلك ، بأن القرارات التي اتخذت في واشنطن خلال ذلك الأسبوع كان قصر نظر استراتيجي بصورة مأساوية.

 

الطريقة الوحيدة التي كان على الولايات المتحدة أن ترد فيها على الإجتياح السوفييتي هي تشجيع غباء السوفييت ، والانتظار بصبر ليقوم مقاتلو المقاومة الأفغان بواجبهم تجاه التاريخ. كان من الممكن أن تكون هذه سياسة حكيمة ومنضبطة ، سياسة ذات مطامح ومخاطر محدودة. وكان يمكن لها أن تُبقي الولايات المتحدة بعيدة عن مكان خطر لم تتورط فيه من قبل ولا تعرفه بشكل جيد.

 

بدلا من ذلك اختارت الولايات المتحدة الطريق المعاكس: اشتباكا مفرطا في النشاط. أطلقت وكالة الاستخبارات المركزية أكبر عملياتها على الإطلاق ، أغدقت مليارات الدولارات على المقاومة الأفغانية ، وقامت السعودية بدفع مبالغ مماثلة. ساهمت تلك العملية بصورة حاسمة بهزيمة السوفييت ، وبلغت العملية ذروتها بتراجع الجيش الأحمر عائدا عبر نهر أمو داريا في عام ,1988

 

قرار أميركا بتصعيد هذه الحرب كان له أيضا تأثيرات أخرى أصبحت واضحة فقط فيما بعد. لقد جلبت عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب ، بمن فيهم أسامة بن لادن ، إلى منطقة أفغانستان - الباكستان. ومعهم جلب هؤلاء الدخلاء أنماطا قاسية من الأصولية الإسلامية التي كانت معروف على نطاق ضيق في أفغانستان. وتأثيرهم ساعد على ولادة طالبان. وساعدت الباكستان على هذه الولادة بحماس ، وبسرعة حولت طالبان إلى قوات تقاتل عنها في أفغانستان. وما أن وصلت طالبان إلى السلطة ، حتى قدمت الملاذ الآمن للقاعدة ، التي حضرت لهجمات 11 أيلول من هناك.

 

قرار أميركا بالاندفاع نحو أفغانستان قبل 30 عاما جعل من الولايات المتحدة أيضا حليفة لمحمد ضياء الحق ، ديكتاتور باكستان العسكري الرجعي. كانت وكالة الإستخبارات المركزية بحاجة لقواعد لجيشها المعادي للسوفيت ، وكان ذلك يتطلب ضياء الحق. لم يكن يبدو أن أحدا يهتم بأنه أعدم لتوه ذو الفقار علي بوتو ، رئيس الوزارء المنتخب الذي أطاح به ، أو بأن أهم هدفين لديه للباكستان هما إنشاء "نظام إسلامي خالص" وبناء أسلحة نووية.

 

شكرا لمفاجآت رفع السرية عن الوثائق الرسمية ، فنحن نعلم الآن بدقة متى بدأ التدخل الأميركي في أفغانستان. فقد كان في 26 كانون الأول عام 1979 ، بعد يومين فقط من الاجتياح السوفياتي. مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر ، زبيغنيو بريجنسكي ، أرسل للرئيس مذكرة بعنوان "أفكار على التدخل السوفيتي في أفغانستان". صادق كارتر على المذكرة ، وسرعان ما أخذت وكالة الاستخبارات المركزية تمد زعماء حرب المتشددين بأموال طائلة من خلال الباكستان. بعد عام ، أي بعد أن حل رونالد ريغان محل كارتر ، أخذ تدخل أميركا يزداد عمقا.

 

وكان بريجنسكي قد كتب في مذكرته التاريخية "من المهم أن تستمر المقاومة في أفغانستان".

 

هذا يعني مزيدا من الأموال ، بالإضافة إلى مزيد من شحنات من الأسلحة للمتمردين ، وبعض النصائح التقنية. ولجعل ما ذكر ممكنا ، علينا أن نطمئن الباكستان ونشجعها على مساعدة المتمردين. وهذا سيتطلب مراجعة سياستنا تجاه باكستان ، ومنحها المزيد من الضمانات ، والمزيد من الأسلحة والمساعدات ، وللأسف ، هذا قرار لا يمكن للسياستنا الأمنية تجاه الباكستان أن تمليه في ظل سياستنا لحظر انتشار الأسلحة النووية.

 

حتى تلك اللحظة ، كانت الولايات المتحدة تراقب برنامج الباكستان النووي عن كثب وتعيقه كلما أمكن ذلك. وما أن أشارت واشنطن للجنرال ضياء الحق بأنها يمكن أن توقف مراقبة البرنامج مقابل أن يساعدها في الحرب ضد السوفيت ، بدأ جهودا دولية ، قادها عبد القادر خان ، لجمع التكنولوجيا النووية والوقود. بعد أقل من عشرين عاما ، أجرت الباكستان اختبارا ناجحا لسلاحها النووي الأول.

 

مثل العديد من القرارات الأميركية بالتدخل في أراض أجنبية ، كان قرار شهر كانون الأول لعام 1979 بالاندفاع نحو أفغانستان قد اتخذ دون اعتبارات جدية للعواقب التي قد تقع على المدى البعيد. فقد نتج عنه نجاح ظاهري أصبح ، بمرور الوقت ، لا يبدو في المحصلة شبيها بالنجاح.

=========================

قراءة مسبقة لأحداث العام 2010

جلال الوهبي

07/01/2010

القدس العربي

حاولت أن أستخلص أحداث العام 2010 من خلال اليوم الأول من هذا العام وكما يقال فالكتاب يعرف من عنوانه فربما تعرف أحداث الأعوام من أحداث أول يوم فيها .

وعلى هذا الفهم وهذا الأساس يبدوا أن العام 2010 سيكون عاما أصعب من سابقيه فالهزات الارتدادية للأزمة المالية العالمية ستكون عنيفة وستزداد البطالة والفقر في العالم وستمر أمريكا بمرحلة أكثر صعوبة تذكرها بفيتنام كما لم يسبق لها أن تذكرتها فأفغانستان ستظل المعضلة الكبرى لأمريكا طوال العام رغم الهدوء الذي ستعيشه في العراق والذي سيحتل مكانه في جلب الصداع والدوار لأمريكا بلدان عربيان أخريان هما الصومال واليمن فمن المرجح أن تتحول اليمن إلى أسخن نقاط الأرض مما سيمكن القاعدة من إعادة بناء نفسها من جديد وربما يحدث توحيد لتنظيم القاعدة في كل من الصومال واليمن خصوصا وأن الوضع مؤهل لذلك تماما مما سيجعل أمن الخليج الذي يهم أمريكا في خطر كبير ومعاناة مستمرة ومن المتوقع أن تشبه اليمن إقليمي بلوشستان ووزيرستان في باكستان فلن تتوقف الغارات الأمريكية غير الشرعية من خطف أرواح الأبرياء مما سيزيد من حنق اليمنيين وغضبهم ويوفر مناخ أكثر ملائمة لعمل القاعدة .

 

أما بالنسبة للحراكين فسوف تستمر نشاطاتهم والله العالم إلى ما ستؤول إليه النتائج وكذلك الأمر مع الحوثيين ومع اقتصاد منهار ونظام يمني مستشري الفساد فيه فمن المحتمل وكما تتنبأ أجهزة الاستخبارات العالمية أن تصبح اليمن دولة فاشلة والمستفيد الأكبر هم القاعدة والحوثيون .

 

أما بالنسبة لإيران فإن تبعات الأزمة السياسية الناتجة عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية لن تتوقف وستتدخل أجهزة الاستخبارات العالمية بقوة أكثر لإذكاء هذا الصراع وإضعاف إيران خصوصا بعدما قدمت إيران الكثير للغرب في العراق وأفغانستان وبذلك لم يعد بإمكانها ما تقدمه ولم يعد الغرب بحاجة إلى ودها وأصبح الدور عليها بعد العراق وأفغانستان .

 

وستستمر الصين في الازدهار الاقتصادي بما يؤثر على تحجيم الدور العالمي الأمريكي لصالحها وستظل أوربا كما كانت عليه في 2009 ولن يتغير أي شيء في سياستها .

 

وسيستمر الحصار العالمي والعربي على غزة والله أعلم ما سيحدث بشأن المصالحة فالتنبؤ بها كمن يتنبأ متى تقوم الساعة إلا أنني أتوقع أن تتم صفقة تبادل الأسرى وبما يرضي طموحات الفلسطينيون بهذا الشأن وعلى الصعيد العربي ستحظى فلسطين بدعم شعبي معروف وتجاهل رسمي متزايد مع تنسيق أمني مصري صهيوني ضد حماس وحركات المقاومة الفلسطينية واحتمال تأزم علاقة حماس مع الحكومة المصرية كبير ومتنامي ولن تحدث انتخابات وسيظل عباس الرئيس كما يقال والتشريعي سيبقى بشكل طبيعي بسبب عدم حدوث انتخابات جديدة ومن الطبيعي أن يبقى المجلس الحالي حتى ينتخب مجلس تشريعي جديد .

أعرف أن هناك توقعات تبهج النفس أتمنى أن تتحقق وهي قليلة وهناك الكثير من التوقعات المزعجة أتمنى أن أكون قد أخطأت في القراءة وخصوصا فيما يتعلق باليمن والمصالحة الفلسطينية وإلى أن نلتقي في قراءة لأحداث العام 2011 دمتم في رعاية الله وحفظه .

=========================

الجدار الفولاذي ووفاة مياه غزة

صلاح عقيل ابو شمالة

07/01/2010

القدس العربي

يفرض الحصار الثاني على التوالي خلال أربعة أعوام ، وهذه المرة من الفولاذ المصري الشقيق بعد حصار الاحتلال الإسرائيلي، التمويل أمريكي والمراقبة التجسسية فرنسية ، والإشراف الأمني مصري ، والضحية الشعب الفلسطيني في غزة الذي سوف يحرم من الطعام والوقود والسلع الغذائية والحياتية اللازمة والماء.

جدار يشيد تحت أعماقه أنابيب توصل من البحر المتوسط وتضخ باتجاه الأراضي الفلسطينية وتقتل الفلسطيني ، التربة ، المياه الصالحة للشرب ، الشجر و الحيوان والطير الحجر أيضا .

إن لم تتحرك الهيئات العربية والأجنبية والمؤسسات الحقوقية والإعلامية ، بل العالم كافة للإنقاذ ؛ ستحدث الكارثة .

الآن يقام الجدار على الحدود الفلسطينية المصرية ،بمعدات وروافع ثقيلة جدا وشاحنات مصرية تنقل الفولاذ من داخل القاهرة إلى رفح المصرية. جدار الفصل العنصري في الضفة "إسمنت" يمكن كسره أو تهديمه أو تفتيته ، أما جدار الفصل المصري هو مصنوع من الفولاذ الصلب في الولايات المتحدة الأمريكية مثله مثل طائرة أل f16، ولضمان الجودة تم اختباره ضد الديناميت والمتفجرات بأنواعها، ولايمكن خرقه أوقصه أو حتى نحته! ، وعلى طول العشرة كيلومتر مع الحدود وبعمق يتراوح مابين عشرين إلى ثلاثين مترا، وبسمك خمسين سنتيمتر ، وبقمر صناعي فرنسي جميل للاستشعار والتجسس يبنى الجدار، وبعيدا عن المعاناة الاقتصادية والإنسانية التي سيحدثها الجدار الفولاذي ، الحدث الأكبر والمفجع الكارثة البيئية التي سيخلفها الجدار ، وذلك مما أكده خبراء المياه في غزة وخارجها ، بأن العمق المبني عليه الجدار يصل إلى المخزون الإستراتيجي الجوفي ، وأيضا خط المياه الواصل من البحر المتوسط إلى نهاية طول الجدار وبعمق الثلاثين مترا وضخ المياه باتجاه الأراضي الفلسطينية يلوث المياه بشكل مباشر ويجعلها "عدم" ، ويحدث أثرا بيئيا خطيرا، والتربة تصبح مخلخلة وغير ثابتة وسامة مما يؤثر على خصوبتها لاختلاطها بمياه البحر المتوسط والمواد السامة في الجدار وذلك مما حذر منه خبراء المياه في مصر.

وكل تلك التحذيرات تحمل التجاوزات السياسية والقانونية لبناء مثل هذا الجدار، وإلا سوف تعلن غزة بعد مرور الوقت وفاة مياهها، وتصبح الأزمة بدلا من الوقود والطعام تصبح ماء، وتأتي لنا القوافل من الخارج بالمياه العذبة بعبوات بلاستيكية مكتوب عليها مساعدات من الشعب الأمريكي أو مساعدات من الشعب الفرنسي وتدخل من المعبر المصري .

مياه غزة تحتضر والبناء مستمر ، هذه دعوة للأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" ومجلس الأمن، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ودعوة إلى الشعوب العربية الغافلة ، لبذل كل النشاطات والفعاليات من الجمعيات والمؤسسات العربية والأجنبية الفاعلة و الحقوقية وصاحبة الاختصاص في البيئة والمياه ، الهيئات الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية ، وبيان خطر الجدار على البيئة الفلسطينية ، وعلى المياه والمخزون الجوفي ، وندعو العلماء والدعاة وقفة الناقد لعين الحقيقة ، والدعوة لإيقاف بناء الجدار الفولاذي قبل وفاة مياه غزة ومن بعدها وفاة شعب كامل محاصر دافع عن الأمة الإسلامية والعربية برمتها .

=========================

روسيا والعالم الإسلامي.. على طريق الرؤية الاستراتيجية

ماجد بن عبد العزيز التركي

الشرق الاوسط

7-1-2010

بنهاية عام 2009، قطعت روسيا الاتحادية مرحلة مهمة في طريق التعاون المشترك مع العالم الإسلامي، ونجحت في تجاوز العقبات الرئيسية في هذا الطريق، حيث تمكنت بشكل استثنائي من الدخول إلى منظمة المؤتمر الإسلامي كعضو مراقب، مع مطالب حثيثة «ومنطقية» لتصبح كاملة العضوية، كما نجحت في تجاوز الآثار السلبية «على المستويين الداخلي والخارجي» لحربها مع الشيشان، وانشغلت في العمل الجاد لإرساء قواعد أساسية في التعاون مع العالم الإسلامي من منطلقات نفعية للطرفين وللجانب الروسي «عمليا» بالدرجة الأولى، ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي عملت روسيا على تشكيل فريق متخصص تمت تسميته «فريق استراتيجية روسيا والعالم الإسلامي» والذي عقد خمس دورات عمل مهمة ابتدأت بموسكو، ثم قازان عاصمة جمهورية تتارستان، وانتقلت إلى تركيا، ثم في جدة في دورتها الرابعة، والخامسة والأخيرة في دولة الكويت في المدة من «21 - 22 ديسمبر (كانون الأول) 2009»، على أن تنعقد الدورة السادسة في جمهورية أنقوشيا بناء على طلب رئيسها الذي حضر افتتاح الدورة الخامسة، أو في المملكة المغربية حسب الترتيب المسبق لانعقاد دورات اجتماع هذا الفريق، ويشارك في هذا الفريق ممثلون عن عدد من دول العالم الإسلامي «السعودية، مصر، الكويت، تونس، ليبيا، باكستان، تركيا» ويغيب عنها ممثلون عن آسيا الوسطى، وفي تقديري أن مشاركة ممثلين عن كازاخستان، وأوزبكستان، وأذربيجان مهمة وضرورية نظرا للعمق الثقافي المشترك مع مسلمي روسيا، وللعلاقة السياسية والاقتصادية المتميزة مع روسيا، وتتأكد أهمية مشاركة جمهورية كازاخستان بالذات لترؤسها لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي للعام الحالي 2010، ثم ترؤسها لمنظمة المؤتمر الإسلامي على مستوى وزراء الخارجية لعام 2011، إضافة إلى نشاطها الواسع في مجال الحوار والعلاقات الدولية.

ومحاكاة للواقع بل ومن مسلمات الأمور فإن أمام مشروع الرؤية الاستراتيجية بين روسيا والعالم الإسلامي مجموعة من المعوقات أو على الأقل المشوشات، منها:

1) ضعف تفاعل الشارع الإسلامي العام مع هذه الشراكة نظرا لتدني معرفة عامة المسلمين بواقع الإسلام وحقيقته في روسيا، والذي يمثل مساحته الكبيرة مسلمو جمهوريات الحكم الذاتي الإسلامية، وتستثنى من ذلك جمهورية الشيشان استنادا للحرب الإعلامية التي رافقت القضية الشيشانية، إضافة إلى الاعتقاد بأن الحياة والثقافة الروسية لا تزال تحت مفاهيم الشيوعية، وللأسف فإنه يحمل هذا الفكر عدد من المثقفين خاصة في المجتمع السعودي، إضافة إلى أنه لدى المجتمع الروسي معلومات مغلوطة عن العالم الإسلامي والمجتمع السعودي على وجه الخصوص والتي أسس لها الإنتاج العلمي السوفياتي القديم والذي تزخر به الساحة الثقافية الروسية في ظل تدني الجهد العلمي البحثي العربي الموجه.

2) العمق الغربي في الداخل الإسلامي «سياسيا وثقافيا واقتصاديا» وما يمثله من منافسه شديدة للتوجه الروسي نحو دول العالم الإسلامي.

3) تقابل ذلك حملات إعلامية غربية مشوهة تجاه قضايا العالم الإسلامي تؤثر بشكل كبير في تكوين الصورة الذهنية عن العالم الإسلامي، والمجتمع الروسي كغيره من المجتمعات الدولية يتأثر بذلك، بل قد يستقي بعض قادة رأيه معلوماتهم عن العالم الإسلامي وقضاياه من تلك المصادر الغربية.

4) تدني مستوى المصالح الاقتصادية المشتركة بين دول العالم الإسلامي وروسيا الاتحادية «ويستثنى من ذلك بعض الدول العربية ذات التاريخ الاشتراكي» مما يؤثر سلبا في اتجاه أي من الطرفين تجاه الآخر في ظل التبعات السياسية المترتبة على ذلك، فالمصالح الاقتصادية تعد المحرك الأساسي للتفاعل والشراكة بين الطرفين، ويحتاج تفعيل ذلك إلى تطوير النظم المالية المتبعة ووضع تشريعات مشتركة كممهدات للعمل التجاري المشترك.

وبالرغم من قوة وتأثير هذه المعوقات التي تواجه مسيرة هذه الشراكة الاستراتيجية، إلا أن هذه الشراكة تستند على محركين مهمين وفاعلين:

الأول: (من الجانب الروسي).. العمق الإسلامي في الداخل الروسي باعتبار أن مسلمي روسيا مواطنون أصليون والإسلام جزء رئيسي في التركيبة السكانية الروسية، فالمسلمون يمثلون القومية الدينية الثانية في روسيا بعد المسيحية، إضافة إلى أن الإسلام وطن في روسيا وليس حادثا جديدا كما هو الحال في أوروبا وأميركا.

الثاني: (من جانب العالم الإسلامي).. أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، كشفت للعالم الإسلامي الوجه الحقيقي للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ومواقفها غير العادلة تجاه الإسلام وقضايا العالم الإسلامي، وواقع الحرب العسكرية التي يقوم بها الغرب تجاه عدد من دول العالم الإسلامي (العراق، أفغانستان، باكستان، وقبل ذلك الصومال)، كما خلقت مناطق توتر في دول العالم الإسلامي، مع استهانة ممقوتة بدماء المسلمين حيث القصف العشوائي الجوي الذي أنهك وقتل المدنيين، وأستثني من ذلك المعنيين بالمشكلة التي يدعي الغرب ملاحقتها «الإرهاب»، ولا تزال حملة الإنهاك الاقتصادي والسياسي والإرباك الثقافي التي يمارسها الغرب ضد دول العالم الإسلامي قائمة وبلا هوادة، وليس لدول العالم الإسلامي حيلة أمام ذلك الواقع، بمعنى أن العالم الإسلامي في حاجة لروسيا كدولة قوية وفاعلة وداعمة تجاه الواقع الإسلامي المتردي الذي يقف الغرب وراءه، فهل روسيا قادرة ومستعدة لهذا؟

وبالنظر في المراحل السابقة التي تم تجاوزها في طريق هذه الاستراتيجية، فمن الملاحظ أن الجانب الروسي حقق جزءا مهما من أهدافه من هذه العلاقة الاستراتيجية المنشودة، ومن ذلك:

1) التواصل مع العمق الإسلامي من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي.

2) رسم صورة إيجابية عن روسيا لدى العالم الإسلامي.

3) تحييد التأثير السلبي الإسلامي الخارجي على العمق الروسي بمحاولة الاعتماد إسلاميا على الذات بالدرجة الأولى.

وفي المقابل فإن الجانب الإسلامي وللأسف لم يحقق مصالحه من هذه الاستراتيجية، بل ولا تزال هناك ضبابية شديدة العتمة لدى الجانب الإسلامي بشأن أهدافهم ومصالحهم عوضا عن سعيهم لتحقيق مرادهم من هذه العلاقة، وهذا عائد إلى أن الجانب الإسلامي ليس وحدة واحدة، وليست هناك جهة موحدة تمثله ويتحرك من خلالها، فلكل دولة نظرتها ودرجة اهتمامها بهذه الشراكة، وتظل روسيا المستفيدة الرئيسية من ذلك، والفائدة الإسلامية قائمة وواردة وواقعية لو وعت دول العالم الإسلامي مصالحها التي يمكن أن تحققها من خلال روسيا.

ويمكن لهذه الشراكة أن تؤتي ثمارها إذا بنيت الاستراتيجية على قائمة واضحة من المصالح المشتركة ذات النفع المتبادل بحيث يجد كل طرف منافعه لدى الطرف الآخر، هذا من جانب، ومن جانب آخر إذا شارك في رعاية هذه الشراكة وساهم في بناء استراتيجياتها وبرامج عملها أعضاء فاعلون من صناع القرار في الطرفين، ولم تقتصر لقاءات العمل بين الطرفين على مشاركة أصحاب النوايا الطيبة فقط، فلا بد أن تكون وراء النوايا الطيبة أدوات وقوى فاعلة لتنفيذها، ويمكن البحث في إيجاد رابط عملي يشد وثاق هذه العلاقة ويرعى مسيرتها التفاعلية وبخاصة من الجانب الإسلامي «متعدد الأطراف»، أما الجانب الروسي فهو يحتاج أن يثبت للعالم الإسلامي أنه قادر وفاعل في تحقيق أهداف هذه الشراكة المنشودة، وحتى أكون أكثر واقعية فإنه على دول العالم الإسلامي ومنظماته الدولية «منظمة المؤتمر الإسلامي، البنك الإسلامي للتنمية، رابطة العالم الإسلامي، والأمانة العامة لمؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية بدول العالم الإسلامي» العمل على إقحام روسيا بشكل جدي في تفاصيل الشأن الإسلامي العام ودفع روسيا لأن تكون في واجهة قضايا العالم الإسلامي أمام المجتمع الدولي، وأن تستفيد من الحضور الدولي الروسي متعدد الاتجاهات، فالفضاء الروسي في علاقته بالعالم الإسلامي أوسع من مجرد التعاون في المجال الإسلامي، وقد يدعم ذلك أن تعمل منظمة المؤتمر الإسلامي على تطوير علاقتها مع روسيا بتعيين أمين عام مساعد خاص بالشأن الروسي، وأن يكون مقر عمل الأمين العام المساعد في مكتب إقليمي للمنظمة في موسكو يغطي باهتماماته كل الفضاء الجغرافي

====================

حركة فتح الله غولن التركية.. نموذج إصلاحي غير قابل للإستِـنساخ

يقيم الأستاذ محمد فتح الله غولن مؤسس الحركة التي تحمل اسمه منذ موفى التسعينات في الولايات المتحدة الأمريكية

د. حسن أبوطالب – القاهرة

swissinfo.ch

يموج العالم الإسلامي بكثير من تجارب الإصلاح، القليل النادر منها، تمكّـن من تحويل الأفكار إلى نموذج عمل يشهَـد به الواقع المُعاش، والغالب الأعم، ظلّ مجرّد دعوة نظرية أو رُؤية إيديولوجية لم تتمكّـن من التحوّل إلى خطّـة أو مِـنهاج عمل.

حركة فتح الله غولن التركية، هي من الصِّـنف الأول، إذ استطاعت أن تشكل رافِـدا مهمّـا من روافد التحوّل الاجتماعي والسياسي والتربوي، الذي تشهده تركيا منذ ثلاثة عقود على الأقل.

 

تركية المنشأ.. عالمِـية الهَـدف

لا تُعرف حركة غولن جيِّـدا في العالم العربي، ويرى القائِـمون عليها أنها حركة تُـركية المنشأ، ولكنها عالمِـية الهدف، إذ تسعى دائما إلى التمدّد خارج تركيا، عربيا وإسلاميا وأوروبيا، لا يحدّها شيء، بيْـد أن تمدّدها له طابَـع خاص.

فهي لا تسعى إلى عمل سياسي أو فرض فِـكرة أو نموذج، كلّ ما تعمَـل على هديِـه، جُـملة أفكار تربوية وتعليمية، وضعها الشيخ فتح الله غولن، وتحوّلت على يَـد مريديه إلى مؤسسات مدنية، استطاعت أن تُـعيد الاعتِـبار مرة أخرى إلى منظومة قِـيم إسلامية في التربية والفِـكر والثقافة والتّـواصُـل مع الآخر.

ولا يرى أعضاء الحركة أنهم بصَـدَد تنظيم معيَّـن، بل هُـم حركة مدنية مُـجتمعية تُـراعي ظروف تركيا كما تراعي ظروف العالم الإسلامي في الخارج، إنهم شبكة من المؤسّـسات والمعارف والأنشطة، تترابط فيما بينها لتشكِّـل الحركة، التي يؤكِّـد منظرها وزعيمها الرّوحي على أنها ليست تنظيما له تَـراتبية في القيادة، بل مؤمنون بفِـكرة وقِـيم يحوِّلونها إلى سُـلوك جماعي ومجتمعي في آن، ولذا، فليس هدَفهم استِـنساخ حركتهم في أي بلد عربي أو إسلامي، وكل ما يهدِفون إليه، هو أن يتعرّف عليهم العالَـم الإسلامي كما هم.

 

الإصلاح وخِـبرات مُـقارنة

وهكذا، كان هدف المؤتمر الذي عُـقد في القاهرة قبل أسابيع بعنوان "مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي: خِـبرات مقارنة مع حركة فتح الله غولن التركية"، ونظّـمته ثلاث جهات: الأولى، مصرية وهي مركز الدِّراسات الحضارية وحِـوار الثقافات بجامعة القاهرة. والثانية والثالثة، تركيتان، وهما وقْـف أكاديمية العلوم والإنترنت ومجلة حراء التركية بإسطنبول، والتي تصدُر باللغة العربية وتوزّع في عدد من الأقطار العربية.

 

وأمام ما لا يقِـل عن خمس مائة مشارك، الكثير منهم قدِموا من بلاد عربية وإسلامية وإفريقية، انتظمت وقائِـع المؤتمر في إحدى القاعات الكبرى بالجامعة العربية بالقاهرة، والذي تحدّث فيه عدد من الباحثين والدّارسين المصريين والعرب والأتراك، وقدّمت فيه أوراق عدّة، بعضها قام على دراسة الأفكار الجامعة للشيخ فتح الله غولن، والآخر تعرّض لسيرته الشخصية وسعى إلى استخلاص دلالات تُـساعد على فهْـم التطوّر الفِـكري للشيخ الملهم. والثالث، احتوى على استِـخلاصات لعدد من الباحثين الذين زاروا تُـركيا لمرّة أو أكثر بدعوة من مؤسّـسات الحركة التعليمية أو الثقافية أو الخدمية، وحاولوا أن يتعرّفوا مُـباشرة على أسلوب الحركة في العمل وفي تنظيم العلاقة بين مؤسّـساتها، والتي يتحرّك كل منها كمؤسسة مستقلّـة، ولكنها ذات روابط مَـعنوية وفِـكرية مع باقي المؤسسات في آن واحد.

" الميزان: لا تتكلَّمْ قبل أن تَغْمِس لسانَ قلبكَ برحيقِ رُوحك لتتهافَتَ عليك الضمائر تَهافت الفَراش على رحيق الزَّهر، وكم من القلوب ستغتسل بأضواء قلبك عندما تورقُ شجرة إخلاصك... "

الأستاذ محمد فتح الله غولن

أولويات واهتمامات طويلة

وحسب الدِّراسات التي قُـدِّمت، يتّـضح أن حركة فتح الله غولن، ذات قائمة اهتمامات طويلة، تبدأ بمكافحة الفقر وتمُـر على التربية والتعليم وتصِـل إلى تقديم الخدمات الإغاثية وتُـعيد الاعتبار إلى مبدإ الحوار والانفتاح على الآخر واحترام معتقَـداته، أيا كان لونُـها واتِّـجاهها.

والفكرة الجامعة لكلِّ هذه الأنشطة، هي بناء الإنسان المُسلم وإعادة الاعتِـبار للمفاهيم الإسلامية، ذات الطابع الإنساني الواسع بحجْـم الكرة الأرضية كلّـها، دُونَـما اعتبار لجِـنس أو موقع أو عِـرق.

في إحدى الدِّراسات لباحثَـيَْن مصريين، وهما أيمن عبد الله شحاتة وعبد الله عرفان، ركّـزت على مُـقارنة بين برامج مكافحة الفقر في كل من مصر وتركيا، أشارت إلى تجربتيْ الجمعية الشرعية في مصر ومنظمة "هل من أحد هُـناك؟" التركية، وهي منظمة إغاثية بالأساس، لاسيما في مناطق النّـكبات والنِّـزاعات.

وانتهت الدِّراسة إلى أنه بتحديد أولويات الأمّـة وأهداف الحركة في محاربة الجهل والفقر والفرقة، تمّ الشروع عن طريق المبادرات المُـنسّقة في تأسيس منظومة تعليمية من مدارس ومراكِـز تعليمية ومراكز ثقافية وجامعات، ممّـا يوفِّـر العمالة المُـتميزة، وتؤدّي فكرة التعاون إلى حفز رجال الأعمال لتأسيس تجمّـع لهم، يُعرف باسم (توسكون TUSCON) لتبادل الخبرات والمعارف التجارية والعلمية وتوسيع دوائر التعامل من الأطُـر المحلية الضيِّـقة إلى العالمية، الأمر الذي أتاح إمكانية خلْـق فُـرص عمل هائلة تُـساعد في تخفيض معدّلات البطالة والفقر عن طريق المشروعات الناجِـمة عن هذه المنظمة.

 

معالم رئيسية في حياة الشيخ

ووفقا لإبراهيم البيومي غانم، الأستاذ بالمعهد القومي للبحوث الاجتماعية، وبعد أن تتبّـع معالم رئيسية في حياة الشيخ فتح الله غولن، انتهى إلى أن الأستاذ، كما يلقِّـبه محبُّـوه، هو أحد الرموز الدعوية والفكرية التركية والعالمية المُـعاصرة، التي تسهم بطريقة منهَـجية مُـبرمجة وعلى نحو فعّـال في تجديد الخِـطاب الإسلامي وفي التحوّلات الجديدة التي تشهدها تركيا ذاتها من جهة، وتسهم من جهة أخرى، في تغيير الصورة النَـمطية القديمة عن تركيا على المستوى العربي بصفة خاصة، وعلى المستوى العالمي بصفة عامة، وتسهم أيضاً في رسم صورة جديدة لها ـ ربما لأول مرة ـ من خلال ما يُصطلح عليه بـ "القوّة الناعمة"، استِـناداً إلى رُؤية معرِفية تركِّـز على قِـيم الحرية والعدالة والمُـساواة والسلام واحترام حقوق الإنسان، عبْـر منظومة من المشروعات والمؤسسات والبرامج التعليمية والصحية والإعلامية والفنية والخدمية والإغاثية.

 

مفكِّـرون إصلاحيون وقادة حركيون

أما الدكتورة أماني صالح، فرأت في مداخلة لها على أفكار الشيخ غولن، أن هناك فَـرقا بين المفكِّـرين الإصلاحيين وقادة حركات الإصلاح. فكثيرون ممّـن عاصرناهم، هم من مفكِّـري الإصلاح، وليسوا قادة لحركات إصلاحية وشتان بين المفهومين. فالتيارات الفِـكرية الإصلاحية، تظَـلّ في المَـقام الأول حركات نُـخبوية قاصِـرة، من حيث تأثيرها على شريحة محدودة من المثقّـفين.

أما الحركات الإصلاحية، فهي تنقل الفِـكر بنفسها ـ لا تنتظر مَـن يُـترجمه ـ إلى القاعدة العريضة من الناس لتغيِّـر المجتمع. وهكذا، يمكن وصف حركة الشيخ غولن أنها حركة نقلت الفِـكر إلى الواقِـع.

وتضيف د. أمانى صالح، أن سيرة الأستاذ غولن تؤكِّـد بما لا يَـدَع مجالاً للشكّ، قضية مِـحورية في المنظور الإسلامي، وهي الصِّـلة الوطيدة بين صلاح الفرد وصلاح الأمة، ذلك أن صلاح الأمة يبدأ بصلاح الفرد قائدا وينتهي بصلاح الأفراد من أحاد الناس، وأن أهَـم ما يميِّـز خطاب غولن الإصلاحي، هو مركزية قضية الإيمان فيه على نحو لا نجده في أي خطاب آخر لأيّ من المُـصلحين.

فالإيمان في خطاب غولن، هو قيمة نهائية وهدف في حدِّ ذاته، وهو المُـكافأة التي يحصُـل عليها الإنسان، وليس الوسيلة المؤدِّية للمُـكافأة.

 

التربية الشمولية

وتحت عنوان "مفهوم التربية الشمولية لغولن وانعكاسه على المدارس"، قدّم الباحث التركي د. رجب قايماقجان تحليلا لرُؤية الشيخ غولن لمفهوم التعليم من منظور شمولي، إذ يرى أن مشكلة التعليم مشكِـلة جوهرية في العالم الحديث، وليس في تركيا فحسب.

ويرى أن أساس أزمة المجتمع الحديث، هو تحطيم تكامُـل القلب والعقل في التعليم والفِـكر العلمي. ويقول، إن الفكر العلمي الحديث والنظام التعليمي، قطع الرابطة بين جميع العلاقات الإنسانية والاجتماعية والفِـكرية، وبين المقدّسات بطريقة وضعية في عدّة عصور.

ويرى أنها المصادر المهمّـة للأزمات الأخلاقية والمعنوية والفكرية، التي تتعرّض لها المُـجتمعات الحالية. ويرى غولن أيضا أن الحلّ لهذه المشكلة يكمُـن في تحقيق تكامُـل القلب والعقل في التعليم، بنظرة شمولية إلى العلاقة بين الإنسان والكَـوْن والله.

وأحد المحاور الأساسية لفلسفة غولن التربوية، هو انتِـقاد مفهوم التعليم الجُـزئي الذي أفرزته الحداثة والذي كان السّـبب في الأزمة، كما كان السبب في اغتراب الإنسان عن ذاته.

إن غولن، وِفقا للدّكتور قايماقجان، رغم تلقِّـيه تعليمه في المدرسة الدِّينية، ولكنه ينتقِـد بشدة المدرسة الدِّينية وعقليتها بنظرة مخلصة. انتقاداته موجّـهة إلى برنامج المدرسة الدِّينية ومناهِـجها التعليمية من ناحية، وإلى عجْـز هذه المؤسسة عن استيعاب العقلية العِـلمية الموجودة في عصرنا من ناحية أخرى.

علاوة على ذلك، فإنه لا يرى المدرسة الدِّينية عاجِـزة عن إدراك أهمية العلوم الوضعية فحسب، بل ينتقِـدها في الوقت نفسه من ناحية تجاهُـلها للتصوّف، الذي يُـمكن أن يطلق عليه "روح الإسلام".

 

مئات من المدارس

لقد بدأ غولن في ثمانينات القرن الماضي فتْـح المدارس الخاصة ومعاهِـد الدروس الخاصة في تركيا. واليوم، تدير حركة غولن مدارس خاصة في مرحلة التعليم الابتدائي والإعدادي تتخطّـى أعدادها المئات. بعد تسعينات القرن الماضي، في فترة ما بعد الحرب الباردة، صار فتح المدارس نشاطاً في جميع أنحاء العالم، متجاوزاً حدود تركيا.

وتوجد اليوم المدارس الخاصة التي يُطلَـق عليها "المدارس التركية" المفتوحة من قِـبل حركة غولن فيما يزيد عن 100 دولة في العالم. وبلا شك، أن الفهم التربوي والإنساني لغولن، المهندس المعماري للحركة، سيكون له تأثير داخِـل البرنامج الصريح والضّـمني في المفاهيم التربوية لهذه المدارس.

وتُرى المدارس كوسيلة في تنشِـئة جيل يُـطلَق عليه بتعبير غولن "الإنسان النموذجي" أو "ورثة الأرض" أو "الجيل الذهبي".

 

سباحة في المجال الحيوي

وما دامت هناك مدارس، فهناك فلسفة للتعليم يقول عنها د.سمير بوينار، إنها السباحة في المجال الحيوي، وخاصة مع حركة الأستاذ فتح الله غولن والتي يبدو من خلال دراسة طبيعة بِـنيَـتها وخصائصها الفِـكرية والتنظيمية، أنها نموذج جديد للعمل الإصلاحي العام.

فهي ليست في الواقع حركة مركزية عُـضوية ولا تنظيما ولا جماعة أو طريقة، حيث يفسِّـر الأستاذ غولن نفسه، المسار الذي مضت عليه دعوته وتأسيس المؤسسات الكثيرة بتأثير من تلك الدعوة، بأن ما فعله هو أنه اقترح على الناس فكرة وأنهم يطبِّـقونها، بناءً على "معقولية الفِـكرة"، والدليل الواقعي على ذلك، هو أن الرابط بين كافة مؤسسات تلك الحركة ـ بما فيها مؤسسات التعليم ـ هو الفكرة وحدها مع استقلال كل مؤسسة منها بشكل كامل.

وكما يقول غولن نفسه "نحن نلخِّـص خطّ كِـفاحنا، كورثـة الأرض بكلمتَـيْ الحركية والفِـكر، وإن وجودنا الحقيقي، لا يتم إلا عبْـر الحركية والفِـكر... حركية وفِـكر قادران على تغيير الذّات والآخرين".

 

الدّين يُـغيِّـر تركيا

وعن الدِّين في تركيا والتغيّـرات الاجتماعية وفتح الله غولن، قدم الكاتب التركي علي بولاج رُؤيته معتبِـرا أن حركة غولن، هي مؤشر مهِـم للتغير الاجتماعي الأساسي، الذي يحدُث فى تركيا. فقد تَـمركَـزت الحركة في البداية في أرضروم، وحينذاك، اتّـسمت بالمحلية. فلمّـا ارتحل الأستاذ فتح الله غولن إلى إزمير وإسطنبول، اتّـسمت بالقومية، ثمّ اتّـسعت رُقعتها بعد ذلك منذ بداية التسعينات واصطبغت بالصّـبغة العالمية، وهذه الأمور جميعها تدُل دلالة واضِـحة على التغير السياسي والاجتماعي، الذي حلّ بتركيا في تلك الآونة.

ويؤكِّـد بولاج على أن حركة الأستاذ غولن قد أسهمت في الاتِّـجاه إلى العولمة، نظرا لاستفادتها من إمكانيات ومميِّـزات العولمة في تركيا وفتحها للمدارس وسعيِـها إلى إقامة جُـسور من الحِـوار، لم تؤثر تركيا في أي مجال في ظل العولمة، سوى هذيْـن المجاليْـن اللذين أشرنا إليهما.

أما السِّـمة الرئيسية الأخرى واللاّفتة للنظر في حركة فتح الله غولن، فهي اعتماد الحركة وسط المدينة الحديثة على ما ورثته من أعراف وتقاليد، وقِـيامها بإنشاء جماعة مدنية، مع الاستِـفادة من إمكانيات الدِّين، كما أنها أسهَـمت في ترسيخ المدنية وتوطِـيد الديمقراطية في تركيا وزيادة الدّخل القومي عن طريق الحضّ على زيادة الإنتاج الاقتصادي.

فى الآن نفسه، تعتمد الحركة في مرجِـعيتها على الفِـكر والقائد معا. وأهمّ ما تتّـسم به هذه الجماعة، أنها اجتماعية وقومية ومنظمة، لديها استِـعداد للإنفِـتاح على العالم، وبذلك، فهي ليست طريقة صُـوفية. فغالِـبا ما يتِـم الخلْـط بين الجماعة والطريقة، وقائد الجماعة كذلك، ليس بشيخ.

فالنّـمط التنظيمي للجماعات، نمط تاريخي يضُـم بين جوانِـحه عددا كبيرا من التجّـار والصنّـاع وأرباب الحِـرف، كما تستمدّ الجماعة إطارها الشرعي من أصول الفِـقه المُـستقاة من الإسلام السُـنّي، والتي يقرّها علماء الإسلام، وترغِّـب التّـناغم والتّـوافق مع المدينة، والاشتراك في الحياة الحديثة وتسعى إلى أن تتبوّأ مكانتها بين الناس وتؤثِّـر فيهم، كما أن لديها استعدادا كاملا في الانسجام مع العولمة، ولذلك، ظهرت قاعدتان بشريتان: إحداهما، الطبقة المتوسطة التي ترتقي بالتّـدريج وتتضمن التجار والصناع وأرباب الحِـرف المُـتديِّـنين في الأناضول. وثانيهما، طوائف حصلت قدرا معيّـنا من التعليم، وكِـلا الجناحيْـن يقودان الحركة وتركيا معاً نحْـو العالمية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ