ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 07/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الشرق الأوسط في حلبة المصارعين في واشنطن

آخر تحديث:الأربعاء ,06/01/2010

الخليج

عاطف الغمري

هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، له مقولة هي: إن واشنطن تشبه حلبة المصارعة الرومانية التي يتقاتل فيها المصارعون، وكان يشرح بهذا الوصف، أن صناعة السياسة الخارجية الأمريكية ليست عملية هادئة الصنع، لكنها صدام أفكار، واختبار للقوة بين أطراف عدة، يستخدم كل منها قواه ومهاراته السياسية، في منازلة تنتهي بتحديد أي من السياسات العديدة المقترحة، سيكون لها الفوز والغلبة .

 

وقصد كيسنجر بالمتقاتلين في حلبة المصارعة، القادة الكبار والمسؤولين عن رسم السياسة بمن فيهم المسؤولون التنفيذيون، والكونجرس، والخبراء السياسيون من ذوي النفوذ والمكانة، وجماعات المصالح، وقوى الضغط، والرأي العام .

 

واليوم فإن أوباما مثل أسلافه من الرؤساء السابقين، محكوم بالنزول إلى الحلبة، مع وجود اختلافات بين قدرات كل رئيس والآخر، فمنهم من يكتسب قوة في ملعبه في مواجهة بقية القوى المؤثرة في القرار، ومنهم من تتقلص أدواته وتجور قوة أخرى من المجموعة، على جزء من سلطاته وقدرته على القيادة .

 

وتأتي أسباب القوة والضعف من طبيعة النظام السياسي الداخلي، الذي يجعل السياسات الخارجية مطبوعة بالطابع المحلي، وبحيث تفرض علاقات القوى في الداخل، نفوذها على شكل السياسة الخارجية، أكثر مما يحدث من تأثير للظروف التي تحيط بالمشكلات والأزمات في المناطق الإقليمية، وبصفة خاصة بالنسبة للسياسات المتبعة تجاه النزاع العربي “الإسرائيلي” .

 

وهو ما أدركته “إسرائيل”، على ضوء فهمها ودراستها للنظام السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، فأقامت لها أركاناً ومواقع لإدارة عملية التأثير، ميدانياً، وهو ما لم يفعله العرب، حين ظلوا يتكلمون من داخل ميدانهم المحلي، من دون أن ينتقلوا بأدوات تأثيرهم إلى الميدان الحقيقي لصناعة السياسة الخارجية الأمريكية .

 

و”إسرائيل” لا تكتفي بعلاقتها التقليدية والوثيقة مع الولايات المتحدة، ولا بكون حمايتها تعد مصلحة استراتيجية أمريكية، ولا بأن التحيز ل”إسرائيل” على طول السنين صار جزءاً من الثقافة السياسية في الولايات المتحدة، ولا حتى بقوة نفوذ الجماعات اليهودية الأمريكية، لكنها فوق ذلك كله تتحرك هناك يوماً بيوم، لحشد وتعبئة العقل السياسي على مستوى الحكم، والعقل الشعبي على مستوى الرأي العام، من خلال شبكة من المراكز والمعاهد ابتداء من اللوبي اليهودي (الإيباك)، ومراكز البحوث النشطة والعديدة، ومراكز صناعة المعلومات، والمختصة بملاحقة المسؤولين في البيت الأبيض، والوزارات، والكونجرس، والإعلام، بأوراق قد لا تزيد على صفحتين تضمنها معلومات مصنوعة، وترسل بالفاكس والبريد الإلكتروني، بحيث إن من يتسلمها ويقرؤها بسرعة، وليست لديه إحاطة مسبقة بالمشكلة، التي قد تكون محل المناقشة لاتخاذ قرار بشأنها، يتأثر بما يقرؤه، عند اتخاذ القرار، أو عند التصويت لو كانت معروضة على الكونجرس .

 

وهذا يحدث إلى جانب برامج المؤتمرات والندوات، والمناقشات التي تدور أولا بأول في معاهد ومراكز البحوث التي تتفق وتنسق مع المؤسسات، اليهودية والمناصرة ل”إسرائيل” .

 

إن قرار السياسة الخارجية ليس انفراداً يختص به الرئيس، صحيح أن هناك رؤساء يتمتعون في ظروف داخلية مواتية لهم بقوة تمكنهم من إزاحة قدرة بقية الأطراف، ومنهم أوباما، الذي لا يزال يتمتع بمساندة قاعدة مجتمعية واسعة النطاق، حملته إلى البيت الأبيض، وبدعم غالبية مجتمع النخبة من أصحاب الوزن الثقيل، ومنهم وزراء خارجية سابقون، ومستشارون للأمن القومي، وعسكريون، وسفراء وأكاديميون سابقون، إلا أن هذا لا يعني أنه ينطلق في سباق من دون حواجز أو عوائق، لأنه يمشي فوق خريطة تحدد له حركته، بحركة الآخرين المسموح لهم دستورياً، بالتأثير على صناعة السياسة الخارجية، تتصدرهم جماعات المصالح وقوى الضغط .

 

فأين العرب في هذه الخريطة؟ وفي مجتمع يسمح نظامه السياسي لكل من يريد أن يوجد ويمارس ضغوطه، أن يفعل .

 

ونلاحظ حسب إحصاءات عام ،2004 أن عدد جماعات المصالح وقوى الضغوط الأجنبية المسجلة لدى الحكومة الأمريكية يبلغ 823 جماعة .

 

ولو أننا تأملنا حال مراكز ومؤسسات الضغط سنجد أن إنشاء مركز بحوث عربي Think Tank والتي توصف بمصانع السياسة الخارجية، لا يتكلف أكثر من زيارة وفد عربي لمدة أسبوع واحد إلى الولايات المتحدة .

 

وكنت قد تناقشت أثناء عملي في واشنطن عام ،1998 مع شخصيات من العرب الأمريكيين، ومن سفراء أمريكيين سابقين في الدول العربية، ممن عرفوا باسم Arabists وهم خبراء في شؤون المنطقة، ومن المتمسكين بأن اتخاذ سياسة متوازنة تجاه العرب و”إسرائيل” هو مصلحة أمن قومي للولايات المتحدة ودارت المناقشة حول إمكان إنشاء مراكز Think Tank عربي هناك، وكانت المسألة في غاية السهولة .

 

وإذا لاحظنا بدء ظهور توجهات أمريكية متعاطفة مع وجهة النظر العربية، ومنها جماعات يهودية أهمها الآن منظمة J .Street والتي تتخذ موقف الرفض لسياسات حكومة نتنياهو، وتطالب أوباما بالضغط على “إسرائيل”، فإننا ندرك أهمية قيام مركز البحوث العربي بإنشاء جسور اتصال مع مثل هذه المنظمات .

 

ثم إن العرب لديهم من إمكانات الضغط الكثير، وكلنا يعرف ما هي، لكننا وفي التعامل مع مجتمع يعترف بأن الضغوط جزء من تقاليده السياسية، فإننا نجمد إمكاناتنا ونترك الساحة لغيرنا يدخلون هم السباق منفردين بالملعب، وتسجل النتيجة في النهاية لمصلحتهم، لأن الطرف الآخر في المباراة، فضل ألا ينزل الملعب وأن يجلس في صفوف المتفرجين ينتظر النتيجة .

 

إن المعلومات التي يتم تداولها من وقت لآخر في واشنطن، تشير إلى أن أوباما يستعد للدعوة قريباً، لمؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، يطرح فيه خطته للتسوية، وتكون هذه المرحلة قد مرت عبر خريطة الضغوط، وسجل كل طرف في النزاع أجندته، مستنداً إلى قدراته على الفعل والتأثير، تلك هي طبيعة صناعة قرار السياسة الخارجية الأمريكية، والتي يبدأ ميدانها حسب وصف كسينجر، بحلبة المصارعة الرومانية في واشنطن .

====================

عام 2009 لبنانياً.. عام التسويات

 بقلم :جورج ناصيف

البيان

6-1-2010

من نواكشوط الموريتانية غرباً إلى إسلام أباد الباكستانية شرقاً، من مقديشو الصومالية جنوباً إلى الموصل العراقية شمالاً، تمتد مساحة من الاحتقان والاضطربات الدموية على امتداد العام الذي ولّى، بقي لبنان خارجها أو كاد.

 

فإذا شئنا أن نطّل على عام 2009 إطلالة تقويم إجمالي، اعتبرنا أنه عام المصالحة والتسويات التي باتت تكتسب أساسًا متيناً، يجعلها عصية على الانهيار السريع.

 

ما هي أبرز المحطات الإيجابية التي طبعت العام؟

 

نكتفي بتعداد أربع محطات مفصلية.

 

أولاً: إجراء انتخابات نيابية أعادت الصراع السياسي إلى كنف المؤسسات الدستورية، بعدما خرج هذا الصراع إلى الشارع المحتقن مذهبياً، وتجاوز الخطوط الحمراء التقليدية.

 

وإذا كانت الانتخابات قد اتسمت بدرجة عالية من الحدة، على مستوى الخطاب السياسي، كما على مستوى التحضيرات التي سبقتها، أو على مستوى الإنفاق المالي الذي رافقها، إلا أنها انتهت إلى استرخاء سياسي وشعبي، وإلى إقرار الطرف المهزوم انتخابياً (8 آذار) بنتائج اللعبة السياسية عبر صناديق الاقتراع.

 

إلى ذلك، فإن توازن القوى طائفياً وشارعياً منع الطرف المنتصر انتخابياً (14 آذار) من أن ينتشي بالنصر، أو يسلك سلوك الغلبة، وألزمه بالدخول في محادثات شاقة مع تجمع 8 آذار، انتهت إلى التسليم بالكثير من المطالب التي رفعتها المعارضة السابقة.

 

ثانياً: تشكيل حكومة «اتحاد وطني» حقيقي، يسلّم الجميع بأنها تمثل التوازنات الفعلية في البلاد، راهناً، وتأتي ثمرة لاتفاق الدوحة، وللميزان السياسي والعسكري في البلاد بعد 7 أيار، تاريخ المصادمات بين «حزب الله» من جهة و«تيار المستقبل» وحليفه «الحزب التقدمي الاشتراكي»، من جهة أخرى.

 

والحكومة الجديدة التي اقتضت خمسة أشهر حتى أبصرت النور، أكّدت القدرة التمثيلية العالية لتيار العماد ميشال عون، وانطوت على «ثلث معطل» لمصلحة تيار 8 آذار، وإن بشكل مقّنع أو ملتبس، وعلى كتلة ذات وزن تمثل العماد ميشال سليمان، رئيس الجمهورية، وتشكل تعويضاً عن انعدام وجود كتلة نيابية كبيرة موالية له، أو تلتزم بنهجه السياسي.

 

ثالثاً: دخول البلاد في مرحلة توافق سياسي، بعد انعقاد المصالحة التاريخية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية، إثر زيارة الملك عبدالله إلى دمشق (7 أكتوبر 2009)، وبعد إنجاز بيان وزاري للحكومة الجديدة يتضمن لوناً من ألوان تشريع النفوذ السياسي والعسكري ل«حزب الله»، واعترافاً رسمياً بدور المقاومة المسلحة التي أطلقها الحزب، إلى جانب دور الجيش الرسمي.

 

وغني عن القول ان مظلة سياسية حاضنة للسلم الأهلي وللوفاق السياسي، قد ارتفعت في سماء لبنان، وضبطت استقراره السياسي العام، عنوانها اتفاق الدوحة، والتفاهم السعودي السوري الذي جاء بسعد الحريري رئيساً للوزارء، وسمح ل«حزب الله» بالاحتفاظ بسلاحه خارج الدولة.

 

رابعاً: كان من شأن هذا التوافق السياسي أن انعكس ازدهاراً اقتصادياً هو الأهم منذ سنوات، وتحديداً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005.

 

فالنمو الاقتصادي سجل نسبة 7 في المئة عام 2009، خلافاً للتوقعات التي كانت تشير إلى نسبة 3 4 في المئة في أفضل تقدير. والودائع بالنقد الأجنبي بلغت 100 مليار دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الناتج المحلي. والقطاع السياحي شهد نمواً يزيد على 30 في المئة عام 2009، فضلاً عن نمو موازٍ في القطاع العقاري الذي يسجل طفرة غير مسبوقة.

 

هل معنى كل ذلك أن الصورة وردية، بلا تحديات؟

 

أبداً. فالتحديات التي ما زالت تواجه لبنان عديدة، أخصها على المستوى الاقتصادي، ثلاثة تحديات:

 

أولاً: ضرورة احتواء مشكلة المديونية التي بلغت 50 مليار دولار.

 

ثانياً: إطلاق ورشة إصلاح إداري في مؤسسات الدولة، تخرجها من حال الاهتراء والزبائنية الطائفية.

 

ثالثاً: إطلاق ورشة إنمائية إعمارية لتحديث البنى التحتية الخدماتية في العاصمة والمناطق الريفية.

 

إلى جانب هذه التحديات الاقتصادية الرئيسية، ثمة تحديات سياسية ذات شأن:

 

 استمرار التهديد الإسرائيلي بعملية انتقامية واسعة ضد لبنان الدولة وضد «حزب الله» سواء بسواء.

 

 الوصول إلى توافق لبناني عام حول قانون جديد للانتخابات اللبنانية، وملء الشواغر العديدة في الوظائف الرئيسية، والانتقال بالعلاقة اللبنانية السورية من مرحلة الوعود الطيبة، إلى مرحلة تنفيذ التعهدات، وحول مشروع إلغاء الطائفية السياسية الذي أعاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري طرحه بقوة، وترتيب حل توافقي عام لمسألة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، جمعاً له، أو داخل المخيمات، تنظيماً له.

 

 انعقاد جلسة الحوار الوطني، للمرة السابعة، برئاسة رئيس الجمهورية، وبت مسألة المشاركين فيها عن القوى السياسية، ومسألة المواضيع المطروحة في ظل تباين حول حصرية موضوع سلاح «حزب الله»، أو سائر المواضيع السياسية، كما تطالب الموالاة بذلك.

 

انقضت السنة في ظل ارتياح لبناني عام لاستعادة العلاقات السورية اللبنانية بطابع الحوار الودي، والإصرار على قيام المؤسسات الدستورية بمعالجة جميع الإشكالات «بروح أخوية»، كما جاء في البيان الوزاري للحكومة.

 

معظم المراقبين السياسيين في لبنان اتفقوا على عنوان واحد للسنة التي شهدت احتقانات كبيرة وانفراجات غير قليلة: إنها سنة التسويات، في بلد التسويات بامتياز.

كاتب لبناني

====================

أمنيات سنة جديدة لعالم مضطرب

بقلم :د. سّيار الجميل

البيان

6-1-2010

دخل علينا قبل أيام عام 2010 الجديد، بعد أن عاش العالم كله إخفاقات ومنجزات عام مضى. فهل نجح العالم في حل مشاكله، أم أنها تفاقمت بشكل مريب ومخيف؟

هل نجح الإنسان في وضع حلول لجملة هائلة من المشكلات التي تعاني منها بلدان ومجتمعات على خارطة هذا العالم.. أم أن عدة مشكلات قد انبثقت، وهي مضافة إلى سلسلة ما ينتظر حلّه؟

هل نجح الإنسان في خلق عوامل جديدة تدعم السلام العالمي والبيئة والصحة والتربية.. وتحسين ظروف المجتمعات المسحوقة والكسيحة؟ هل كانت هناك إرادات جديدة تمنح المرأة حقوقها وتأخذ بأيدي أطفال العالم إلى الطمأنينة؟ هل نجح العالم في حل مشكلات متفاقمة في أماكن جغرافية متعددة؟

ودّع العالم قبل أيام سنة راحلة نحو التاريخ، واستقبل سنة جديدة بالأفراح والأضواء الملونة وتبادل الأمنيات الجميلة.. وهي عادة درج عليها العالم، وأصبحت منتشرة في كل أرجائه.. هنا، تثار تساؤلات في مجتمعاتنا التي تجد نفسها في قلب هذا العالم جغرافيا، ولكنها كما يبدو في نهاية هذا العالم تاريخيا!

وعلينا أن نتساءل عما ينتظر عالمنا أولا، ومنطقتنا ثانيا على امتداد عام جديد، احتفل بمقدمه كي يكون عاما تتحقق فيه كل الأمنيات التي ينتظرها ملايين البشر على وجه الأرض.. وتنتظرها شعوب ومجتمعات كي تتحقق لها تطلعاتها بحياة كريمة، واستقرار آمن، ورخاء واسع..

نعم، سيحمل العام الجديد في جوفه مفاجآت كبيرة، وسيفتتح كما أعتقد مرحلة تاريخية جديدة، وانطلاقة جيل جديد في هذا العالم! إنه سيشهد ولادة تاريخية جديدة لعالم تتفاقم فيه الاضطرابات والمشكلات، مع تسارع الزمن، وزيادة السكان، وانخفاض الطاقة، وقلة الموارد، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية.. فضلا عن حدوث اضطرابات اجتماعية وثقافية في مجتمعات تضم أعدادا كبرى من المهاجرين..

أما منطقتنا في الشرق الأوسط، فما الذي تحقق لها في العام 2009؟ ما الذي استجد من حلول لمشكلاتها القديمة؟ وما طبيعة المشكلات الجديدة التي ولدت، وستواجهنا تداعياتها في العام الجديد؟

أعتقد أن إيران، ستشكل موضوعا خطيرا في نزاعها النووي مع الغرب، وأن مشكلات ستحفّ بالانتخابات العامة في العراق. ولكن مشكلات العراق أكبر من أن تحل بتغيير أشكال ووجوه، من دون تغيير مضامين ومبادئ!

 

وهل سيتحلل الجمود الذي أصاب عملية صنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.. أم سيبقى الوضع جامدا لحين إزاحة مصادر المواجهة ضد هذه «العملية»؟ ما الدور الذي يمكن أن تلعبه إسرائيل خلال 2010؟ هل سيشهد اليمن فسحة من السلام بالقضاء على الحوثيين؟

 

هل ستشهد دول مجلس التعاون الخليجي انطلاقة جديدة مع بدء مرحلة جديدة، وهي قريبة من مربع الأزمات؟ ما الذي سيحدث في السودان؟ كيف ستتبلور الحياة السياسية في مصر؟ هل سيخرج لبنان من أزماته الداخلية؟

 

ما الذي سيحدث في أفغانستان بعد اكتمال نقل المعركة منه وإليه؟ هل ستكون هناك جبهة ساخنة، وضد من ستكون في هذه الحالة؟ هل ستكون ضد منظمة القاعدة.. أم أن «القاعدة» حجة دامغة لمشروعات أكبر من أن نتخيلها؟

 

هل ستزداد الفوضى الخلاقة ويعم الاضطراب العارم كل منطقة الشرق الأوسط.. أم سيكون ذلك مؤجلا لسنة أخرى؟ هل سيحدث أي تغيير في معادلة إيران، خصوصا وأنها تنتقل داخليا من حالة صعبة إلى حالة أصعب، بتفاقم المخاطر الداخلية فيها، فالأوضاع فيها قابلة للانفجار.. فهل سيحدث شيء في العام 0102 أم يتأخر ذلك؟ وما الدور التركي المنتظر في المنطقة..

 

والذي سيزداد قوة وفاعلية مع العام الجديد، ولكن هل ستواجه تركيا مصاعب هي الأخرى؟ هل ستشتعل الحرب (أو الحروب) في أكثر من مكان من هذا الشرق الأوسط؟ هل ستبقى إيران تتحدى العالم في طموحاتها النووية، واختراقاتها الإقليمية، وهوس سياساتها الداخلية والإبقاء على سياساتها في التدخل في شؤون الآخرين؟

 

إن المشكلة ليست في البقاء على الأمنيات الجميلة، وتبادل التهاني والتبريكات بسنة جديدة، وخصوصا من قبل الحكام والمسؤولين في بلداننا التي تتفجر فيها المشكلات، وهي تحيا منذ زمن طويل على الأزمات، وتمر كل مجتمعاتنا بسلسلة من الاضطرابات..

 

بل أعتقد أن المشكلة تكمن في السياسات التي تمارسها غالبية أنظمة الحكم المتنوعة. فهل هناك أية خطط لدى أي من الحكومات في مواجهة مخاطر سنة جديدة؟ هل ثمة استراتيجية محددة لكل بلد من بلداننا حول كيفية التعامل مع ما لديه من مشكلات؟ وهل لديه بعض حلول كي ينجو بسفينته من هول الأمواج؟ هل يمكن أن تبقى السذاجة سيدة الموقف في التعامل مع العالم؟

 

هل يبقى العديد من أنظمة الحكم في منطقتنا لا يتعلم من تجارب سياسية فاشلة لمن سبقه؟ هل سيبقى مشروع الإصلاح والتغيير مؤجلا في كل بلداننا.. من أجل إبقاء القديم على قدمه؟ هل ستبقى منطقتنا عرضة للهزات والمفاجآت، من دون أن يفّكر أحد يوما في كيفية صنع الأداء عند المواجهات؟

 

وأخيرا، هل يعي كل العالم أن الصراع كله على الطاقة لمئة سنة قادمة.. وكل سنة تمضي يزداد الطلب على الطاقة التي ستنضب من بلدان وتزداد احتياطياتها في بلدان محددة.. وأن ماكينة العصر لا يمكن أن تدوم من غير الطاقة؟!

مؤرخ عراقي

====================

2010: عام الغموض والمفاجآت

الاربعاء, 06 يناير 2010

حسن نافعة *

الحياة

في مثل هذه الأيام من عام 2009 كان باراك أوباما، الفائز في انتخابات الرئاسة الأميركية، يستعد لدخول البيت الأبيض في مستهل ولايته الأولى كرئيس للولايات المتحدة. ولأنه بدا مختلفاً عن كل من سبقه من الرؤساء الأميركيين، بالنظر إلى أصوله الإفريقية والإسلامية والظروف الاستثنائية التي أسهمت في صعود نجمه على مسرح السياسة الأميركية عقب تعثر مشروع المحافظين الجدد واندلاع أزمة مالية كادت تعصف بالنظام الرأسمالي كله، كان من الطبيعي أن يفجر انتخابه رئيساً لأقوى دولة في العالم آمالاً ضخمة داخل الولايات المتحدة وخارجها لإنقاذ العالم. غير أن هذه الآمال ما لبثت أن تبددت تدريجاً ليحل محلها شعور عام بالمرارة والقلق والخوف من المستقبل.

وعلى رغم قناعة الجميع بأن حقبة المحافظين الجدد ولّت إلى غير رجعة ولم يعد ممكناً العودة إلى ممارسة السياسات القديمة نفسها التي ارتكزت على القوة العسكرية كأساس وحيد لحسم الصراعات الدولية، إلا أن الثقة في قدرة أوباما على انتهاج سياسة بديلة اهتزت إلى درجة الانهيار، وهو ما يفسر غموض اللحظة الراهنة التي تبدو مفتوحة أمام كل الاحتمالات. صحيح أن أغلب المحللين السياسيين كانوا يدركون منذ البداية أن طريق التغيير لن يكون سهلاً، نظراً للتركة الثقيلة التي خلفها بوش والتي تحتاج إلى سنوات طويلة لمحو آثارها ولوضع أسس جديدة لسياسات بديلة أكثر فاعلية، غير أن النهج الذي سلكه أوباما في التعامل مع الملفات المختلفة للسياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً ما تعلق منها بقضايا الشرق الأوسط، لا يبشر بخير حتى الآن، ولا يوحي مطلقاً بحدوث تغير جذري في مضمون تلك السياسات.

ولا جدال في أن أوباما كان يدرك منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض مدى حاجة الولايات المتحدة لإدخال تغيير جذري على سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً ما يتعلق منها بالعلاقة مع إسرائيل التي حظيت على الدوام برعاية استثنائية جعلتها تبدو كطفل مدلل فسدت أخلاقه، وهو ما تأكد من إقدامه فور تنصيبه على تعيين جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً له ومطالبة إسرائيل بوقف كامل لأنشطتها الاستيطانية. غير أن وصول اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتانياهو إلى السلطة أربك خطط أوباما.

لم يتوقع أحد أن يدخل أوباما في صدام مباشر مع نتانياهو أو أن يطلب إشهار سلاح العقوبات الاقتصادية في وجهه، مثلما فعل بوش الأب مع اسحق شامير لإجباره على المشاركة في مؤتمر مدريد عام 1991. وكان هناك إدراك عام بأن للإدارة الأميركية الجديدة أولويات أخرى أهمها: الخروج من نفق الأزمة المالية والاقتصادية المظلم، وإقرار قانون جديد للتأمين الصحي، ووضع جدول زمني لانسحاب مشرف للقوات الأميركية المحاربة في العراق. لذا بدا كثيرون على استعداد لتفهم الأسباب التي دعت أوباما إلى الحذر والحرص على تجنب الدخول في صدام مبكر مع إسرائيل تجنباً لإثارة غضب الجماعات اليهودية النافذة في شرايين الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية للولايات المتحدة. ومع ذلك فقد اعتقد كثيرون أنه كان في إمكان أوباما اللجوء إلى وسائل أخرى كثيرة للضغط غير المباشر على نتانياهو، وذلك بالانفتاح على إيران وسورية، اللتين يحتاجهما لإنجاح خططه لانسحاب مشرف من العراق، والانفتاح على "حزب الله" و "حماس" أيضاً في إطار رغبته في تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي.

غير أن ما جرى بعد ذلك أثبت أن قدرة نتانياهو على توجيه الضربات الاستباقية أسرع وأكثر فاعلية من قدرة أوباما على ترتيب أوراقه الضاغطة. فما إن استشعر نتانياهو خطر العاصفة التي بدأ يستشعر رياحها تهب من ثنايا الخطاب الذي ألقاه أوباما في جامعة القاهرة حتى شرع على الفور في عملية تعبئة شاملة لجماعات الضغط اليهودية بهدف قطع الطريق على كل المحاولات الرامية الى تغيير مسار السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ويبدو واضحاً أن نتانياهو حقق نجاحاً فورياً منقطع النظير، بدليل تمكنه ليس فقط من إجبار أوباما على التراجع رسمياً عن موقفه المعلن من قضية الاستيطان وإنما أيضاً من عرقلة مساعيه الرامية الى الحوار مع إيران ومع "حماس". كما يبدو واضحاً أيضاً أن أوباما تعلم الدرس مبكراً وأصبح جاهزاً لرؤية الأمور بعقلية ومنطق الرئيس المنشغل ببحث السبل التي تكفل إعادة انتخابه لولاية ثانية، وليس بعقلية ومنطق الزعيم الباحث عن دور وعن مكانة في التاريخ.

لذا يبدو أوباما في موقف لا يحسد عليه. فهو، من ناحية لا يريد أن يُقدم خلال عام 2010 على أي خطوة من شأنها أن تؤثر سلباً في نتيجة الانتخابات التشريعية الجزئية التي ستجرى في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل أو في نتيجة الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في تشرين الثاني عام 2012، لكنه لا يستطيع، من ناحية أخرى، الاستسلام للأمر الواقع أو الاكتفاء برد الفعل تجاه ما قد يقدم عليه الفاعلون الإقليميون من خطوات أو مبادرات لتغييره.

والواقع أن تطور الأحداث في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن وغيرها فرض على أوباما زيادة الوجود العسكري الأميركي في بعض المواقع وفتح جبهات حربية جديدة في مواقع أخرى، ما جعل إدارته تبدو وكأنها تخوض "حرباً كونية أخرى على الإرهاب" ولكن بمفردات خطاب سياسي مختلف، وأغلب الظن أنه لن ينجح في تغيير صورة الولايات المتحدة. لذا تبدو قدرة أوباما على ضبط الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن التحكم في مسارها، محدودة بالنظر إلى الأهداف المتعارضة التي يسعى اللاعبون الإقليميون الى تحقيقها، خصوصاً إسرائيل وإيران، أو إلى الخيارات التي يستطيعون اللجوء إليها.

فلا يوجد ما يشير، على سبيل المثال، إلى أن إيران ستغير من موقفها من المسألة النووية وربما يشتد إصرارها على التحكم في عمليات تخصيب اليورانيوم حتى لو لم تكن لديها أي نية لتصنيع أسلحة نووية. وعلى رغم أن النظام الإيراني بدأ يواجه تحديات داخلية حقيقية ومتزايدة، بسبب تداعيات أزمة الانتخابات الرئاسية التي عجز عن تصفيتها أو احتوائها، إلا أن هذه التحديات قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتزيد من تشدده بل وقد تغريه باستخدام الأحداث الجارية كوسيلة لتصفية معارضة قد يسهل حينئذ وصفها بالعمالة، خصوصاً إذا راهنت إسرائيل والدول الغربية عليها وسعت لاستخدامها كأداة لتصفية النظام من داخله. ولأن المعارضة الإيرانية لم تبلغ بعد من القوة حداً يجعلها قادرة على إسقاط النظام بالاعتماد على قواها الذاتية، فقد يحاول النظام الاستفادة منها وتوظيفها كرادع نفسي وسياسي للحيلولة دون لجوء إسرائيل والولايات المتحدة الى استخدام القوة العسكرية. وأياً كان الأمر، ففي غياب عرض واضح من جانب الغرب يعترف لإيران بأهليتها في ممارسة دور القوة الإقليمية، وهو أمر لا يبدو وارداً حتى هذه اللحظة وترفضه إسرائيل بشدة، فمن المتوقع أن تمضي إيران قدماً في تنفيذ برنامجها النووي وأن تحرص على تمسكها بالمحافظة على حلفائها في المنطقة، خصوصاً سورية و "حماس" و "حزب الله"، مهما كانت التكلفة السياسية أو المادية.

أما إسرائيل، فمن الواضح أن حكومتها اليمينية المتطرفة بقيادة نتانياهو تنظر إلى إيران باعتبارها أكبر مصدر لتهديد أمنها الوطني وترى فيها خطراً ليس على أمنها فقط وإنما على وجودها ذاته، ومن ثم تميل بطبيعتها الى استخدام القوة المسلحة في مواجهتها. في الوقت نفسه لا تبدو إسرائيل راغبة في، أو قادرة على التقدم بعروض جادة لتسوية لأزمة الشرق الأوسط تسمح بتحقيق اختراق يساعد على تقوية السلطة الفلسطينية ومعسكر المعتدلين العرب. ولأن غياب التسوية يشكل بيئة مثالية لنمو وانتشار التطرف ولا يساعد الولايات المتحدة أبداً في حربها على الإرهاب، فليس هناك ما يمكن حكومة نتانياهو أن تقدمه سوى المماطلة وكسب الوقت. لذا نتوقع أن تبذل هذه الحكومة خلال المرحلة المقبلة كل ما في وسعها لدفع السلطة الفلسطينية للجلوس مرة أخرى على مائدة "التفاوض من أجل التفاوض"، أملاً في كسب وقت تحتاج اليه لتهيئة الظروف المواتية لضرب وتصفية إيران وحلفائها.

فإذا انتقلنا إلى العالم العربي، فسنجد أنه يعيش حالاً من فراغ القوة لا نظير لها في تاريخه. فلم تعد له قضية مركزية توحده بعدما دبّ الانقسام بين أصحاب القضية أنفسهم ورفعوا السلاح ضد بعضهم البعض، واندلعت حروب أهلية داخل معظم دوله، خصوصاً في العراق والسودان والصومال واليمن وغيرها. أما من نجا من أتون الحروب الأهلية فيعيش حالاً قاتمة من عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي أو يبدو مشتبكاً في منازعات وتوترات مع جيرانه. لذا لا تبدو أي دولة عربية بمفردها، أو مجموعة منها أو الجامعة العربية ككل، في وضع يسمح لها بأخذ زمام المبادرة في أي من الأمور التي تهم المنطقة. وبينما فضلت أو اضطرت بعض الدول العربية الى الانطواء على نفسها والتفرغ لشؤونها ومشكلاتها الداخلية، راح بعضها الآخر يحاول تعويض عجزه بالتحالف الصريح أو الضمني مع دول غير عربية وأحياناً على حساب المصالح العربية العليا.

أما تركيا، فتحتل في المرحلة الراهنة موقعاً فريداً ومتميزاً جداً على المسرح الإقليمي إلى درجة أنها تبدو الدولة الوحيدة القادرة على التحرك المستقل في الاتجاهات الأربعة كافة، وترتبط بعلاقات ودية مع جميع الأطراف المتصارعة. ففي الوقت الذي تمكنت فيه من بناء علاقات متميزة مع كل الدول العربية، بما فيها سورية، لا تزال تركيا ترتبط بعلاقات قوية جداً مع الولايات المتحدة ومع إيران وإسرائيل، ما يؤهلها للعب دور الوسيط النزيه في أزمات كثيرة في المنطقة بما فيها الصراع العربي - الإسرائيلي. ولأن الأوضاع الراهنة في المنطقة غير قابلة بطبيعتها للدوام، يبدو عام 2010 مرشحاً ليصبح عام الحسم بالنسبة الى ملفات كثيرة مترابطة، خصوصاً ملف إيران النووي وملف الصراع العربي - الإسرائيلي.

لا جدال عندي في أن إسرائيل ستبذل كل ما في وسعها لدفع الولايات المتحدة لمشاركتها في توجيه ضربة عسكرية لإيران أو النزول بثقلها كله وراء ما يسمى بالقوى الإصلاحية لتغيير نظام "ولاية الفقيه". لكنها تدرك أن ذلك لن يكون ممكناً قبل أن تتمكن من حقن العالم العربي بحقنة مخدرة أخرى من خلال "عملية تفاوضية جديدة". وربما ينتهي أوباما بقبول هذا الخيار حفاظاً على فرصه بالفوز بولاية ثانية. ومع ذلك فليس من المستبعد أبداً، إذا تبينت على نحو قاطع استحالة توجيه ضربة عسكرية أو إسقاط النظام الإيراني من داخله، أن يضطر الفرقاء لإبرام صفقة مع إيران. وفي كل الأحوال فسيكون النظام العربي هو الخاسر الأكبر.

لذا يبدو الغموض هو السمة البارزة بالنسبة الى عام 2010 والذي قد يأتي معبّأً بكل أنواع المفاجآت حتى ولو كانت أكثرها جنوحاً.

* كاتب مصري

====================

القرار 1559 وسيادة الدولة اللبنانية

الاربعاء, 06 يناير 2010

رندة تقي الدين

الحياة

كثر الكلام هذه الأيام عن القرار 1559 مع صدور تصريحات مرفوضة ومثيرة للاستغراب تطالب بإلغائه. فهل يمكن مواطناً لبنانياً حريصاً على سيادة بلده وعلى إحلال دولة القانون أن يطالب بمثل هذا الإلغاء، فيما يقول بعض المسؤولين لديبلوماسيين إن هذا القرار قد مات؟!

وينبغي التذكير بظروف صدور القرار 1559 عندما شعر المجتمع الدولي أن انتهاك الدستور اللبناني وخرق دولة القانون قد حصلا عند إعادة التجديد للرئيس السابق إميل لحود، على رغم رفض المجتمع اللبناني لذلك، وحتى المجتمع الخارجي والدول الأقرب للشقيقة سورية، مثل إيران التي حث رئيسها في حينه محمد خاتمي، حليفه السوري على عدم التجديد للحود.

ولكن بعد ذلك حصل ما حصل وتم التجديد للحود وفرض ذلك على البرلمان اللبناني على رغم كل ما حدث من رفض لهذا التجديد.

فصدر القرار 1559 لوقف انتهاك دولة القانون وإقرار سيادة القرار اللبناني وإبعاد التأثيرات الخارجية التي كانت وباستمرار تتدخل في الشاردة والواردة من تعيين رئيس للجمهورية الى تعيين أي موظف صغير في الدولة.

وصدور هذا القرار برعاية فرنسية – أميركية عن مجلس الأمن، هدفه حماية سيادة لبنان ودولة القانون والدعوة الى تحويل العلاقات بين لبنان وسورية الى علاقة بين دولتين شقيقتين تتبادلان السفارات.

وهذه العلاقات الديبلوماسية تجسيد لسيادة لبنان، فلماذا يطالب البعض بإلغاء هذا القرار؟

فهو يحمي سيادة لبنان ويقر بإقامة دولة القانون على أن تتولى فيه الدولة السلطة الأمنية، وهذا طبيعي في دولة سيدة مستقلة تريد بناء مستقبل آمن لأبنائها.

ولكن هناك في لبنان والخارج، بدءاً بإيران وبعض الفصائل الفلسطينية من ليس له مصلحة في الحرص على سيادة لبنان، والدليل على ذلك هو الحوادث الأمنية المتمثلة في تفجيرات الضاحية، واشتباكات عين الحلوة.

ومن مصلحة لبنان عاجلاً أم آجلاً أن تنفذ بنود القرار 1559، أي إقامة دولة القانون، على أن تكون المرجعية الأمنية بين أيدي السلطات اللبنانية.

والدليل على أن مصلحة لبنان في أن تكون الدولة قوية ومسطرة على أمنها، هو أنه على رغم تحسن الظروف السياسية ما زال ممنوعاً على طائرات شركة «طيران الشرق الأوسط» أن تقوم برحلات مباشرة الى الولايات المتحدة وأن تحط طائرات الشركة الوطنية في مطارات أميركية.

واليوم أدرج لبنان ضمن لائحة 17 دولة وضعتها الولايات المتحدة، بهدف إخضاع مواطني هذه الدول الوافدين الى الأراضي الاميركية لتفتيش استثنائي تحسباً لعمليات إرهابية.

ولا شك في أن عدم سيطرة الدولة على أمن البلد كلياً يضعف ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي ويحول دون أن يصبح لبنان دولة قانون.

لذا فمن الضروري أن يبقى القرار 1559 لأنه يحمي هذه المبادئ مثل القرارات الأخرى المتعلقة بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلها، وهي ضرورية للتذكير بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي.

والقرار 1559، على رغم كل الحملات التي يتفضل البعض في لبنان بشنها عليه، هو قرار دولي لن يلغى لأن القرارات الدولية موجودة لكي تنفذ.

ولا أحد اليوم في لبنان يشكك بضرورة مقاومة إسرائيل وانتهاكاتها اليومية، لكن كل اللبنانيين يتمنون أن يكون النفوذ الأمني بيد السلطة التي تشاركها فيها المقاومة اللبنانية.

وقوة الدولة اللبنانية ينبغي أن تتجسد اليوم في كونها المرجع الوحيد لتولي الأمن في البلاد، بحيث لا تبقى بقع أمنية هنا وهناك خارجة عن هيمنة دولة القانون.

فالقرار 1559 ضمانة لمبادئ تصون دولة القانون السيدة!

====================

لبنان.. حدود الزعامات اوسع من حدود الدولة

مجيد عصفور

الرأي الاردنية

6-1-2010

عام 1990 زرت لبنان، وكان خارجا للتو من الحرب الأهلية التي فتكت به وبأهله لمدة خمسة عشر عاما، خسر خلالها كل لبنان وربح أعداؤه.

 

الطريق من مطار بيروت الدولي (رفيق الحريري لاحقا) الى وسط المدينة كان بمسرب واحد يتسع بالكاد لسيارة واحدة، وكانت اكوام الانقاض ما تزال على جانبي الطريق بينما يحاول عمال مرهقون ازالتها بالادوات اليدوية لفتح منافذ للجوء اليها اذا ما تقابلت السيارات من الاتجاهين.

 

أما وسط المدينة وما يعرف الآن بمنطقة السوليدير، فقد كان المشهد صورة مطابقة لما تعرضه الافلام الوثائقية عن المدن الاوروبية زمن الحروب الكونية، فقد كانت العمارات عبارة عن هياكل مثقوبة ذات أسطح منهارة عشوائيا، تفوح من بينها رائحة الموت الذي نثرته في الارجاء اصابع حقد وجهل وبالتأكيد عمالة.

 

الزيارة ولدت حزنا في نفوس كل أفراد الوفد الذي كنت أحدهم ولا سيما عندما كنا نجري مقارنات للأمكنة التي نعرفها سابقا، كيف كانت وكيف صارت بعد الحرب، وبالطبع أضيفت لمهمة تفقد الأمكنة تفقد الناس الذين نعرفهم، حيث كان كل واحد منا لديه معارف يمطر اللبنانيين الذين يلتقيهم سواء في الفندق او في الشارع بعشرات الاسئلة عن بعض الاسماء وكيفية الوصول الى اصحابها.

 

احتفى اللبنانيون بنا بشكل غير عادي، لاننا كنا نحضر اول مؤتمر عربي لغرف التجارة يعقد في بيروت بعد الحرب، وقد بذلوا اكثر مما في وسعهم لاقناعنا بان لبنان بدأ رحلة الاعمار والعودة الى الحياة الطبيعية.

 

ذات يوم اخذنا المضيفون الى مطعم في الجبل وكان المنظر من شرفات المطعم جميلا كما هي كل اطلالات مطاعم لبنان الجبلية، ومن بين ما رأيته من مكاني جبلا مكسوا بالاشجار، تتناثر بينها بيوت مختلفة الاحجام يعلو معظمها قرميد احمر، مشكلة مع الاشجار منظرا جميلا، وعندما سألت الصديق اللبناني الجالس بجانبي عن اسم ذلك الجبل، اجابني بانه معقل الزعيم فلان الفلاني، فدهشت بسبب محدودية الرقعة التي يتحصن فيها هذا الزعيم قياسا لنفوذه غير المحدود، لدرجة انني قلت لصديقي ان مدفعا قويا من المكان الذي نجلس فيه يكفي لمحو كل ما اراه وننتهي من واحد من اهم مصادر الفتنة في لبنان.

 

صديقي اجاب، هذا صحيح لو كان القرار بيد سلطةواحدة وليس كما هو سائد عندنا حيث القرار ياتي من الجهات الاربع ، فحدود نفوذ هذا الزعيم وغيره تمتد الى ما لا تراه العين.

 

ذكرني كلام مضيفي اللبناني بما قاله احد رؤساء الجمهورية اللبنانية عندما استقبل صحافيين وكتابا لبنانيين حيث رحب بهم قائلا اهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان.

 

هي مشكلة لبنان الازلية منذ العهد العثماني مرورا بالفرنسي الذي اعتبر لبنان حصته حتى بعد الرحيل، وانتهاء بالاستقلال وما تلاه من حروب وصراعات لطوائف وزعماء وقوى، تستمد جميعها نفوذها ونقودها من خارج لبنان، هذا الخارج الذي كان وما يزال وراء كل مصائب لبنان، الذي تحول الى وعاء تصطرع داخله ارادات متناقضة، ذات مشاريع واهداف ليس للبنان العادي علاقة بها سوى دفع الثمن باللونين الاحمر لمن تصيبه رصاصة، والاسود لمن يحظى بمهلة اضافية عندما تمر الاخرى من جانبه، اما الورق ذو اللون الاخضر فمن نصيب من رأيت بداية بيته ولم ار الى اين ينتهي.

====================

عام سيئ لأوباما

رشيد حسن

الدستور

6-1-2010

بكل المعايير والمقاييس فإن العام الذي رحل ، لم يكن عاما كارثيا على العالم العربي فقط ، بل كان أيضا على الرئيس أوباما والإدارة الديمقراطية ، ونستطيع أن ندعي أن هذا العام أجهض أحلام الرئيس ، بإحداث التغيير المطلوب في السياسة الأميركية ، وكانت تداعيات الأزمة المالية والكارثية ، التي ضربت "وول ستريت" ، في خريف 2008 ، والتطورات المتلاحقة في أفغانستان هما السببان الرئيسان ، إضافة إلى عوامل أخرى كثيرة.

 

فالرئيس الذي ورث تركة ثقيلة جدا ، من الإدارة السابقة ، لم يستطع أن يتخلص من هذه التركة ، بعد أن سحبت الرمال المتحركة في أفغانستان ، أوباما وجيشه إلى الدوامة ، فإذا بطالبان تخرج من تحت الركام ، وتحتل أكثر من نصف البلاد ، وتصبح كابول في مرمى أسلحتها ، ويرتفع عدد القتلى في صفوف القوات الأميركية ، وقوات "الايساف" ، ويقرر الرئيس مضطرا زيادة عدد القوات الأميركية ، بإرسال 130 ألف جندي ، في محاولة للحد من اندفاع طالبان ، بعد أن تعذر على أميركا ، وحلفائها ، تحقيق الانتصار خلال ثماني سنوات عجاف.

 

وجاءت تداعيات الكارثة المالية ، التي ضربت بورصة نيويورك ، لتزيد من أعباء الرئيس والإدارة ، ولتحد من خططه التي أعلنها في حملته الانتخابية ، ليصبح هم الإدارة هو إنقاذ الاقتصاد الأميركي والخروج من حالة الكساد ، وإعادة تشغيل عشرات البنوك والشركات الكبرى والمؤسسات التي أفلست بسبب الأزمة.

 

وفي هذا السياق أيضا ، فشلت السياسة الأميركية فشلا ذريعا ، في حل القضية الفلسطينية حلا عادلا ، وفشلت في ترميم مصداقيتها ، بعد تراجع أوباما عن تعهداته ، بوقف الاستيطان ، وتبني أطروحات الإرهابي نتنياهو ، بالدعوة إلى مفاوضات بدون شرط وقف الاستيطان ، متناسيا هو وكبار موظفي إدارته "وزيرة الخارجية والمبعوث الخاص" تصريحاتهم بأن الاستطيان غيرمشروع وغير قانوني..،،

 

هذا التراجع الدراماتيكي الخطير في مواقف أوباما ، ومن لف لفه ، أصاب أصدقاء أميركا بالصدمة ، وقد عقدوا الأمل على هذه الإدارة ، لتحقيق الاختراق المطلوب.

 

وجاءت تهديدات القاعدة الأخيرة ، ومحاولتها نسف طائرة ديترويت ، لتزيد من الأعباء على هذه الإدارة ، وتدفعها إلى اتخاذ إجراءات احترازية في المطارت الأميركية ، بتركيب كاميرات قادرة على اختراق الملابس ، وإظهار المسافرين عراة أمام المحققين ، ما أدى إلى اعتراض منظمات حقوق الإنسان على هذا النهج ، باعتباره يشكل انتهاكا فاضحا لخصوصية الإنسان.

 

باختصار..حصيلة العام الماضي ، ومقدمات العام الجديد ، تشير إلى أن الإدارة الأميركية ، فشلت حتى الان في تحقيق التغيير الذي وعدت به ، وفي إعادة المصداقية لسياستها حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، بعد أن تبنت أطروحات المتطرفين الصهاينة ، واثبت واقع الحال بان "الخل أخو الخردل".

====================

من يهدم «الأنفاق» قبل أن يختنق فيها النظام العربي؟

طلال سلمان

السفير

6-1-2010

تتعذر قراءة المستقبل العربي، مع إطلالة السنة الجديدة، سواء في مداه القريب فضلاً عن أن مداه الأبعد غامض الملامح مع كثير من القسوة فيها.

لكأن العرب «أمة» تاهت عن حقيقة ذاتها وعن طريقها الى غدها، وعن موقعها في هذا العالم ، وتشرذمت على مدى أرضها الواسعة تفصل بين أشتات قبائلها وعشائرها والبطون والأفخاذ التي تتخذ صورة «الدول» أنفاق من الخصومات والعداوات والضياع في بحور من دمها الذي يهدر في حروب عبثية ومعارك وهمية ضد الذات أولاً وأساسا.

لقد أجبر النظام العربي رعاياه على العيش في «معازل» تفصل بين «دولهم» حتى باتوا لا يستطيعون التواصل إلا عبر «أنفاق» حفروها خفية وبشق الأنفس لكي يحافظوا على الحد الأدنى من الروابط بين من هم، بحكم التاريخ والجغرافيا والأنساب، وكذلك المصالح، إخوة وأشقاء..

لقد تقطعت الأواصر، أو تكاد، بين «الدول» العربية، وذهب كل من أهل النظام العربي الى من يوفر له الحماية والاستقرار ودوام الحال على ما هو عليه... ومع أنهم تلاقوا عند الصديق الأميركي الكبير جميعاً، إلا أن كلاً منهم أصر على أن له «قضيته» الخاصة المنفصلة عن قضايا «الأشقاء الآخرين»، وان كان مرجعهم جميعاً البيت الأبيض أو من يمثله... فلكل «معزل» سيادته واستقلاله وحرية قراره في شأن «الأنفاق» ما ظهر منها وما خفي.

إن أهل النظام العربي قد تفرقوا أيدي سبأ، لا يربط بينهم إلا ما يؤكد انفصال بعضهم عن البعض الآخر، أي الأنفاق.

إن العلاقات المصرية السورية (على سبيل المثال) قد دخلت منذ بعض الوقت نفقاً لا تعرف له نهاية محددة، فضلاً عن أن تعرف الأسباب الفعلية لنشوء هذا النفق وكيفية الخروج منه، الى ما كان قبله من علاقات تحالف (حتى لا نقول أخوة) هي في مصلحة الطرفين وسائر العرب (ونحن شهود عدل في لبنان على خطورة القطيعة أو حتى البرودة في العلاقة بين هاتين الدولتين خصوصاً).

أما العلاقات المصرية الجزائرية فقد أدخلت في نفق معتم استحدث مؤخراً ولأسباب لا تقنع أي عاقل، مما تسبب في تمزيق واحدة من أزهى صفحات التعاون الأخوي بين شعبين شقيقين في دولتين سيدتين.

العراق كله داخل نفق بل مجموعة أنفاق، لا تعرف لها بداية ولا يعرف المخرج منها، والكل يعارك الكل في الأنفاق، بينما الاحتلال الأميركي جاثم فوق صدر الوطن الدولة، فالشعب يمزق ذاته، بتحريض متعدد المصادر، يقتتل الإخوة والاحتلال الأميركي أمامهم وخلفهم ومن حولهم، وهو غير معني، والأخطر أنه غير مسؤول عن الأمن في الدولة الكبيرة التي كانت غنية وقوية، وهاجمها فدمرها بذريعة أنها تملك أسلحة دمار شامل تهدد سلامة العالم جميعاً.

والعلاقات بين لبنان وسوريا تحاول تخطي النفق الذي حفرته الأخطاء وسوء الإدارة فمهدت لتدخل الدول، بعيدها الأجنبي وقريبها العربي، وهي تحتاج الى كثير من الضوء والهواء والحوار الصريح قبل أن تستعيد صورتها الأصلية أو ما يفترض أن تكون عليه بين دولتين، كل ما بينهما من روابط الجوار والنسب والمصالح يفرض التكامل، ولا يفسح بأي حال للقطيعة!

أما العلاقات بين سوريا والعراق فقد أدخلت من جديد الى نفق العداوة والقطيعة.. فالقطيعة استثمار سياسي مجزٍ للاحتلال الأميركي بداية، وللجوار العربي الملكي الآخر، ثانياً، وللجوار الإيراني القادر على التمدد إن بوهج الشعار الإسلامي وإن بالقدرة المادية، أو كاستجابة لنداء الفراغ الموجود الذي تحتشد فيه أسباب الفتنة التي يساهم في اصطناعها الجميع بوصفها الاستثمار المجزي... وليس مهماً ان تندثر دولة عربية كبرى كان اسمها العراق.

العلاقات بين السعودية وسائر البلاد العربية مجموعة متقاطعة مع الأنفاق:

مع دول الخليج «عادية» يسودها تهيب الصغير للكبير، ولكن دون أن يسلمه قراره، خصوصاً أن هذه الدول الخليجية الصغيرة أغنى من أن تحتاج المملكة المذهبة، ثم ان غناها يجعلها مصالح عظمى للأجنبي فيحمي «ابتعادها» عن «الأخ الأكبر» حتى ليستحيل توحيد العملة والاتفاق على قمة مؤسسة إصدار النقد الموحد.

لقد حفرت كل دولة من دول الخليج أنفاقا لسياساتها المستقلة: الكل مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن من دون أن تغلق الأنفاق مع الجارة الكبرى إيران، ثم انها تدعم حفر أنفاق لعلاقات إضافية مع فرنسا ومع روسيا ومع الصين أساسا، بقصد التوازن وحماية «الاستقلال».

وكل ذلك على حساب علاقات هذه الأقطار مع سائر الشقيقات العربية التي يبعدها عنها الفقر... فهي ليست جمعيات خيرية، وقد تقلص الواجب القومي فغدا أقرب الى الصدقة.

أما العلاقات بين الدول العربية في شمالي أفريقيا فتحكمها أنفاق من العداوة (الى حد الحرب، ولو صامتة، بين الجزائر والمغرب) أو البرودة (كما بين موريتانيا والمغرب، أو كما بين تونس وليبيا) الخ..

أما السودان فإن الأنفاق بين أبناء شعبه ثم بين جهاته تكاد تجعله دولاً عدة. والاشتباكات بين أطرافه، سياسية أو حربية، أوضح من أن تحتاج الى شرح، لكن المؤكد أن مستقبله كدولة يغوص عميقاً في نفق لا مخرج واضحاً منه، وربما كان من الحكمة توقع مخارج عدة بينها الانفصال أو تقطيع هذه الدولة العربية الغنية بمواردها وبطيبة شعبها الى دول عديدة قد تفصل بين الواحدة والأخرى خنادق من العداوة المفتوحة.

ونصل الى مصر، وأهلها أدرى منا بأحوالها، ولكن مشهدها من الخارج لا يفرح الأخ الشقيق ولا يريح الصديق المحب.

إنها في أزمة مع دورها الذي يناديها فتعجز عن تلبيته، ثم يستفزها أن تجد غيرها يتقدم بزعم أنه البديل منها، فتشتبك مع «البديل» المفترض إلى حد التشهير به ثم القطيعة... متجاهلة أنها أكبر من أن تقاطع، وأقوى من أن يكون لها بديل اذا هي مارست مسؤولياتها.

وتتبدى مصر أحيانا وكأنها محاصرة في نفق من همومها الداخلية، وهي اقتصادية اجتماعية أساسا، ولكن لها تأثيرها الحاسم على دورها السياسي العربي والإقليمي والدولي... فإذا ما غيبها عجزها عنه تقدم غيرها للعبه، أو ظل الدور معلقاً في سقف النفق لا يجد من يقوم به، فيزداد غيظها من عجزها فتبادر الى نسبته الى التآمر عليها.

أما أحوال اليمن فمجموعة من الأنفاق تتقاطع فيها دول عديدة في سياسة الحرب كما في حروب السياسة: فحرب الشمال عادت قبائلية تستدرج مجدداً صراع النفوذ بين حاشد ومن معها والحوثيين (ومكبل بحكم الموقع الجغرافي للجبهة) ومن معهم، ثم ان هذه الحرب قد استعادت فأعادت صراعاً تاريخياً على النفوذ والحدود بين دولتين: إحداهما ترى نفسها صاحبة تاريخ ومجد سالف لا يعيبها فقر شعبها الذي احترف القتال، والثانية تصطنع بذهبها تاريخاً غير الذي كان لأرضها... والذهب يغري أصحابه بجيرانهم كما يغري بهم جيرانهم، وهو قد يفصل ويرسم الحدود بأكثر مما يفعل السيف.

وهكذا فإن صراعاً في أنفاق العلاقات الملتبسة دائماً والمثقلة بذكريات التوتر والريبة وتجبر حديث النعمة وكبرياء الفقير الغني بتاريخه، قد فجرت حرباً على الحدود التي لم يقبلها أي من الطرفين إلا على مضض. فالفقير يرى أن أرضه اغتصبت بتواطؤ الحكم الضعيف مع الجار الغني، والجار المصفح بالذهب يرى في ضعف دولة جاره الفقير فرصة للتمدد.

هو وضع مثالي بالنسبة للقاعدة لكي تحفر أنفاقها في كل مكان: حكم الشمال مشغول بحروبه في الداخل، غرباً مع الحوثيين، وجنوباً مع التململ السياسي الذي لم تنفع في علاجه الوحدة بالحرب والذي له من يغذيه في الخارج لإضعاف الدولة المركزية، ثم ان التورط السعودي في حرب الشمال على الحوثيين يمنح فرصة ممتازة للقاعدة التي يرى مقاتلوها في الأطراف جميعاً «أهدافاً»... ثم ان هذه الفوضى المسلحة والحروب العبثية المفتوحة التي يستحيل فيها النصر على أي طرف توفر المسرح المثالي للذين يقاتلون الكفار وأعداء الدين من أهل الداخل والخارج.

وبديهي أن يضيف التدخل العسكري الأميركي بالغارات الجوية والعمليات الخاصة التي نفذها وينفذها رجال المخابرات المركزية الأميركية، بعداً جديداً تفيد منه القاعدة، إذ يعطيها مبرراً إضافيا للجهاد.

في أنفاق الاضطراب في اليمن مساحات لدول كثيرة، وبديهي أن تستفيد من هذا الاشتباك المفتوح في مكان قصي ومعتم أية قوة تبحث عن موطئ قدم لنفوذها، تتدخل السعودية ومن معها، فتتحرك إيران إن لم يكن كدولة فعبر بعض التنظيمات الحاملة شعار الثورة، أو بعض المراجع الدينية التي لا صفة رسمية لها، خصوصاً أن التدخل الأميركي الذي بات الآن مكشوفاً ومعلناً يعطيها المبرر.

ولأننا في بداية عام، فلا بد من أن نستذكر ما كنا فيه في مثل هذه الأيام من السنة الفائتة: لقد كنا نعيش مأساة عربية جديدة عبر الحرب الإسرائيلية على غزة.

وها هي الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة تكمل سنتها الأولى، وهي مجرد محطة إضافية في سياق الحرب الإسرائيلية المفتوحة على هذا الشعب منذ ستين سنة أو يزيد قليلاً، فينسى النظام العربي وقائعها ويقفز من فوق محاولة مجرد محاولة محاسبة إسرائيل عليها، ليتذكر فقط «الأنفاق» التي حفرها الفلسطينيون عند أطراف صحراء سيناء ليؤمنوا الطريق في الصعب لوصول المؤن والأدوية ولوازم المدارس (وربما بعض الأسلحة) إليهم، في محاولة لمقاومة الحصار الإسرائيلي المفروض عليهم، بالنار، برأ وبحراً وجواً.

ومن أسف فإن هذه «الأنفاق» كادت تتحول، بفعل فاعل، الى مقبرة للعلاقات الأخوية بين الشعبين المصري والفلسطيني، خصوصاً وقد بدلتها السياسة المرتجلة في قلب العصبيات الشوفينية من «إشكال أمني» الى «قضية قومية»، بل الى مسألة دولية للإدارة الأميركية فيها الدور الحاسم قبل إسرائيل ومعها وبعدها.

لقد صورت «الأنفاق» وهي شريان حياة للمليون ونصف المليون من أهل غزة واللاجئين اليها عبر الحروب الاسرائيلية على العرب عموماً وشعب فلسطين خصوصاً وكأنها محاولة فلسطينية لاجتياح السيادة المصرية. وصوّر أي متعاطف وكل متعاطف مع هذا الشعب المحاصر في «القطاع» الذي يكاد يكون مصرياً بمشاعر أهله الذين لم يعرفوا غير مصر شقيقاً جاراً ونصيراً (وحاكماً على امتداد عشرين سنة تقريباً).. وكأنه عدو لمصر، وما هو بعدو...

تم التجاهل بشكل مطلق لحقيقة أن هذه «الأنفاق» تؤكد حقيقة الارتباط الوطني والقومي لأهالي غزة بمصر، وتطلعهم إليها، إن لم يكن لنجدتهم والمساعدة على تحررهم فأقله من أجل ضمان استمرارهم على قيد الحياة، بنسائهم وأطفالهم والشيوخ، قبل الرجال والتنظيمات السياسية والحكومة المقالة... ومن أجل حماية منشآتهم الفقيرة وتأمين الخدمات الطبية والتعليمية للمستشفيات والمدارس والجامعة شبه المهدمة، في انتظار «حل ما» يحفظ مع حياتهم الحد الأدنى من كرامتهم الإنسانية... (مع التذكير بأن المقررات المهمة للمؤتمر الخطير الذي جاءته الدول على عجل في شرم الشيخ بدعوة من القيادة المصرية، لم تر النور مطلقاً، ولا تزال المساعدات التي اتخذت القرارات الفخمة بشأنها حبراً على ورق، في انتظار المصالحة بين الماء والنار..).

كذلك تم التجاهل المقصود لخطورة أن يتحول «المؤقت» الى «دائم»، وان استمرار الحال على ما هي عليه لفترة أطول يخلق «أمراً واقعاً» يصعب تغييره في مستقبل قريب. وهذا يمهد لان تصير غزة «كياناً سياسياً»، لا هو بالدولة، ولا هو بالقطاع، ولا هو جزء من مشروع «دولة» فلسطينية عتيدة، ليس في الأفق الدولي ولا العربي ما يؤكد احتمال قيامها، ولو بعد دهر... بل ان الوقائع تثبت أن ما كان قد «منح» من أرض فلسطين لشعبها (بموجب اتفاقات وقرارات قمم عديدة) قد ضاع تماماً، وقامت فوقه مستوطنات إسرائيلية جديدة يتزايد عدد المستوطنين فيها يومياً، فضلاً عن جدار الفصل العنصري الذي قسم الضفة الغربية الى منطقتين متقابلتين يكاد ينعدم الرابط بينهما إلا عبر إسرائيل وبإذن منها.

[[[[[

لا تعيش الدول في الأنفاق،

ولا بد من ابتداع مخارج للعودة الى النور، الى الحياة... فطول الانتظار في الأنفاق لن يؤدي إلا الى الاختناق،

وهذه إسرائيل: هي وحدها تتصرف وكأن الدنيا جميعاً مسرحها، وهي الأعظم سعادة بهذه الأنفاق التي تيسر لها أن تصطاد أهل النظام العربي، دولة اثر دولة، فتزيد «المعازل» من القطيعة في ما بينهم حتى يتطوع البعض لتعميق الأنفاق القائمة مع إخوته، بوهم أن إسرائيل تغنيه عن جميعهم.

والسؤال: من يهدم النفق الأول؟ من يخرج أولاً الى النور ويخرج النظام العربي من قصوره وتقصيره ويعيده الى الحياة؟

أما الأمة فطريقها مختلف.

[ تنشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

====================

الاجتياح الاستعماري

الافتتاحية

الأربعاء 6-1-2010

بقلم : رئيس التحرير - أسعد عبود

الثورة

يتصف العنصريون اليمينيون عموماً ببجاحة القول مدفوعين بعقدة التفوق واضطهاد الآخر. عداؤنا لهم يجب ألا يمنعنا عن الانتباه لما يقولونه.

لو اهتم العالم «الرأسمالية تحديداً» بما كان يقوله النازيون وهتلر على وجه التحديد لاختصروا زمن الحرب العالمية الثانية واختزلوا ويلاتها إن لم يمنعوها في حينه.‏

من تلك السلالة ينحدر «أفيغدور ليبرمان» ولننتبه لما قاله... هو يوافق أن تعود محادثات السلام مع الفلسطينيين دون أي شروط مسبقة «وقف الاستيطان أو غيره» ودون جداول ومواعيد زمنية.. ويستشهد على دقة رؤيته المعادية للسلام هذه بأن كل المواعيد التي حددت مسبقاً لإنجازات على صعيد السلام لم تكن لها أي فائدة..‏

لماذا لا نريد أن نفهم عدونا..؟!‏

يريدونها محادثات لا حدود لها.. ولا حقوق لأحد فيها.. فقط لهضم ما قضموه من العرب حتى اليوم، عبر اتفاقات السلام المزعوم منذ كامب ديفيد وحتى اليوم..‏

من السهل أن نقول: لن تنطلي مزامير ليبرمان على أحد..‏

لكنها في الواقع تنطلي..‏

الجهد الدولي اليوم وضمنه -بكل أسف- بعض الجهد العربي، أو ما يطبل له الإعلام تحت عنوان «الحراك السياسي العربي».. هو للضغط على الفلسطينيين للقبول بالعودة إلى المحادثات فوراً وأن تبدأ إسرائيل بحلحلة الوضع.. يعني أن تعيد على مسامعنا مهزلة إيقاف الاستيطان عشرة أشهر, عدا القدس والمستوطنات التي بدأ العمل فيها.. وهاتوا حاسوباً يحسبها..‏

الوضع أخطر بكثير مما يُعلن..‏

والتردي في المنطقة أسرع بكثير من السابق..‏

نحن نتعرض لعملية اجتياح استعماري غير مسبوقة في التاريخ..‏

هل أتاكم حديث هيلاري كلينتون أن الوضع في اليمن يهدد السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي؟!‏

وأنه لا بد من معاقبة إيران!!‏

وهل أتاكم حديث الفرز بين مواطني الدول العربية والإسلامية إن قصدوا الولايات المتحدة..‏

إنه الاجتياح الاستعماري مرة أخرى..‏

وهذه المرة يريدون أن يستعمرونا بأدوات هي نحن أو بعضنا وليس بأنفسهم..‏

تطويق الفلسطينيين ب «المحادثات دون شروط» أو بالتجويع والموت، ومحاربة إيران والضغط على المقاومة- أينما وجدت- هي مهمات أنيطت ببعضنا.. وقد تولاها المهمة وبدأ التنفيذ..‏

المرحلة الأولى الاستمرار بتحويل الأنظار عن مصدر الإرهاب والأزمات والحروب والصدامات، وهو دون أي شك الاحتلال والسياسات العدوانية والوصائية.‏

والمرحلة الثانية قد يصل بهم الغباء إلى حد التورط..‏

هل يعتقد أحد في هذه الأمة أن ثمة ما أجَّل ضربة لإيران من إسرائيل أو من أميركا أو من الناتو هو خوفهم جميعاً من إيران.. فلأي مهمة يتصدى جهابذتنا؟!.‏

لم يعد من نداء ينفع..إنه الاجتياح الاستعماري مرة أخرى.. ومرة أخرى نحتاج حركات التحرر الوطني لإعلان الاستقلال.. استقلال القرار.. الاستقلال الثاني كما سمّاه السيد الرئيس بشار الأسد.. صاحب الرؤية والرأي أنه إن لم يكن السلام فستكون المقاومة..‏

لا عربي ولا مسلم سينفعه دفن الرأس في الرمال..‏

a-abboud@scs-net.org

====================

تهويد القدس!

المستقبل - الاربعاء 6 كانون الثاني 2010

العدد 3530 - رأي و فكر - صفحة 19

ميشيل كيلو

نشرت منظمة حقوق إنسان إسرائيلية أرقاما مرعبة تبين الجدية التي تعمل من خلالها الصهيونية على تهويد القدس، والطرق التي تتبعها لتجريد سكانها العرب من هويتهم ومنازلهم وحقوقهم. قالت المنظمة: إن إسرائيل سحبت في العام الماضي وحده عددا من هويات المقدسيين العرب يوازي نصف العدد الذي سحبته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967، أي خلال اثنين وأربعين عاما.

بداية، كان المرء يتوقع أن تقوم الجامعة العربية لا أعرف إن كان لديها أرشيف خاص بفلسطين. أتوقع أن لا يكون لديها أو إحدى الدول العربية بنشر هذه الأرقام واتخاذ موقف ملائم منها، عربيا وعلى الصعيد الدولي. لكن هذا لم يحدث وفاء لعادة نبيلة تتمسك بها حكوماتنا تقوم على تجاهل مشاكل العرب، أو على جعلها موضوع صراعات عربية / عربية عبثية، علما بأن ما يجري في القدس ليس جديدا على الإطلاق، وهو معروف منذ خمسة عشر عاما بالتمام والكمال.

في عام 1995 نشر "مركز دراسات القدس برس" كتابا يضم ترجمة عربية لمقالات كتبها مسؤولون صهاينة حول مستقبل فلسطين. احدى هذه المقالات كان بقلم شمعون بيريز، رئيس إسرائيل، الذي يقدمه عرب كثيرون كزعيم معتدل ومحاور ومتفهم، مع أنه كان دوما أحد أكثر الزعماء الصهاينة تشددا وعدوانية وكرها للفلسطينيين والعرب، يكفي للتذكير بصفاته هذه بأنه هو الذي بنى المشروع النووي الإسرائيلي، ومكن الكيان الغاصب من امتلاك أربعمائة رأس نووي لن تستخدم لأعمال البر والتقوى بل هي مخصصة لإبادة أكبر عدد ممكن من العرب.

ماذا قال بيريز في مقالته التي يضمها الكتاب؟. ثمة في إسرائيل نقاط رخوة استيطانيا أهمها القدس والجليل، فلا بد أن يتركز التهويد عليهما، وان تذهب الكتل الأكبر من المهاجرين إليهما، وإلا جاء موعد السلام واكتشفنا أنهما، بالكثافة العربية فيهما، يمثلان خنجرين مغروسين في جسم إسرائيل : واحد في الوسط والآخر في الشمال. بعد هذا، حدد بيريز عام 2000 كموعد نهائي لحسم ما أسماه " المسألة السكانية في القدس والجليل". نحن الآن على مشارف عام 2010، فالتهويد، الجاري على قدم وساق، كان يجب أن ينجز قبل عشرة أعوام، لكنه تأخر، إلا أن إسرائيل تعمل الآن لإنجازه في أقرب وقت، بعد أن أقنعت أميركا بإخراج الاستيطان في القدس من دائرة الاستيطان وأنشطته في الأراضي المحتلة، وفعلت ذلك ضمن رؤية تقول إن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل!.

ثمة واقعتان تستحقان التوقف عندهما: في عام 1996 انطلق مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الراحل الكبير فيصل الحسيني بجولة في البلدان العربية هدفها جمع ثلاثين مليون دولار أميركي ستدفع مقابل رخص بناء لثلاثين الف وحدة سكنية في القدس. زار الراحل دولا عربية كثيرة، لكنها كسرت يدها وأخذت تشحذ عليها، كما يقال في اللسان الشعبي، بحجة أنها لا تملك مبالغ كبيرة كهذا المبلغ. في الفترة ذاتها نشرت جريدة ليبراسيون الفرنسية صورا لمسؤول عربي في كازينو مونت كارلو، وزعمت قاتلها الله - أنه خسر ثمانية عشر مليون دولار أميركي فقط لا غير في ليلة واحدة!. عاد الحسيني إلى القدس بعشر المبلغ المطلوب، ومات بعد سنوات حزنا وغما.

الواقعة الثانية: استنفرت السويد، رئيسة الاتحاد الأوروبي، دول الاتحاد، بمجرد أن بلغتها الأرقام حول تهويد القدس، ودانت سياسات إسرائيل حيال عرب المدينة المقدسة، ووضعت مسودة مشروع قرار حول اعتراف دول الاتحاد بالقدس عاصمة لدولتين فلسطينية ويهودية، ما أغضب إسرائيل وجعلها تهدد أوروبا وتتوعدها، وتنذرها بأن دورها في السلام سيتقلص، لأن ما تفعله هو ضد إسرائيل ومصالحها. السؤال الآن: لماذا لا تنضم الدول العربية، أو بعضها، إلى موقف الاتحاد الأوروبي، ما دامت لا تجد في نفسها الجرأة على اتخاذ موقف من إسرائيل، حتى إن هودت القدس؟. من يدري، فربما يتيح لها انضمامها إلى الموقف الأوروبي غطاء كافيا، إن غضب الإسرائيليون أو فكروا بمعاقبتها، ويمكنها من إقناعهم بأن حجم الضغوط التي عرضتهم أوروبا لها لم يكن عاديا، وأن عليهم معاقبة الفاعل - أوروبا - لا الضحية - العرب -.

باستثناء ما قالته بعض الفضائيات، لم تعلق أية دولة عربية على النبأ الذي صعق الأوروبيين ودفعهم إلى اتخاذ موقف لم يطالبهم العرب باتخاذه، مع أنه يضعهم في مواجهة صريحة ومكشوفة مع إسرائيل، التي قال أحد كبار دهاقنتها بيريز إياه قبل خمسة عشر عاما فقط، إن تهويد القدس صار واجب الإنجاز، لكن أحدا من العرب لم يخص هذا الموضوع بأي قدر من الاهتمام آنذاك، ولا يهتم به أحد اليوم أيضا، لذلك لم ينومس إعلان السويد حتى جامعة الدول العربية، ولم يدفعها إلى دعوة مندوبي الدول العربية لديها إلى إصدار بيان يؤيد الخطوة الأوروبية !

يحار العقل وتحار اللغة في وصف واقعنا. كيف نفهم سلوك وتفكير القائمين على أمورنا، وهل توجد حقا طريقة لفهم ما يفعلونه بنا ؟. يقول لسان عربي سائد : القدس خط أحمر، و فوق كل اعتبار، ولا مجال للسكوت عن ما يجري فيها... الخ. بعد حكاية فيصل الحسيني، وقصة السويد والاتحاد الأوروبي، عن أي خط أحمر وأي اعتبار وأي كلام يتحدث المتحدثون؟. وماذا يمكن أن يفعل الصهاينة أكثر مما فعلوه ويفعلونه، في القدس وغيرها، حتى ننظر إليهم بشيء من الغضب، نكشر في وجوههم، ونمد يد العون المادي والمعنوي إلى المقدسيين؟!.

====================

العقد الذي ضلت فيه الولايات المتحدة طريقها

إيه جي ديون

الشرق الاوسط

6-1-2010

هناك بعض العقود التي تعيد تشكيل الحياة السياسية في البلاد لعدة أجيال متتالية، وهي تلك العقود التي تخلف ورائها حقبة يحتفي بها الناس أو على الأقل - كما هو معتاد - يزدرونها.

ومما لا شك فيه أن عقد الستينات كان من ذلك النوع، كذلك الثلاثينات والثمانينات. وعلى الرغم من أهمية تلك العقود، تتضاءل تلك الأهمية أمام ذلك العقد الطائش والمبدد الذي أوشك - حمدا لله - على الانتهاء.

أخشى أن ينظر إلى السنوات العشر الماضية باعتبارها الفترة التي ضلت خلالها الولايات المتحدة طريقها نظرا إلى استخدامها قوتها العسكرية بلا مبالاة، وإساءة فهم التحديات الحقيقية التي يواجهها أمننا على المدى البعيد، واتباع سياسات محلية تعرقل خياراتنا المستقبلية وتهدد في الوقت نفسه بلا داعٍ رخائنا الاقتصادي.

أعلم أن الفقرة السابقة مثيرة للجدل بشكل عام، وهو ما ينطبق على أي عقد له تلك الأهمية السياسية، فقد كان الكثير من الجدل الذي أحاط برئاسة باراك أوباما في حقيقته امتدادا للجدال الدائر حول الآثار التي خلفتها فترة حكم الرئيس السابق جورج دبليو بوش.

وذلك هو السر في عدم قدرة أوباما على الإيذان بفترة جديدة من الإجماع العام رغم آماله العريضة. ويعرف المدافعون عن بوش أن انتخاب أوباما جاء ليمثل رد فعل شعبيا على تداعيات فترة رئاسة بوش. ولأن أوباما من معارضي بوش، ولأنه قائد فريق تنظيف البيت في فترة ما بعد بوش، فإن نجاحه سيكون إيذانا باستئناف الجدل. لذا فإن معسكر بوش - الذي تنعكس آراؤه في مقالات كارل روف التي تُنشر بانتظام في صفحات الرأي بصحيفة «وول ستريت جورنال» - يجب أن يظل على خط الهجوم.

فعلى المستوى المحلي، ورث أوباما كارثة اقتصادية، تطلب التعامل معها إنفاق قدر كبير من الأموال العامة، وهو ما زاد العجز الذي كان قد تفاقم بالفعل في أعقاب القرار الذي اتخذه الرئيس بوش بشن حربين وخفض الضرائب في الوقت نفسه. ويعمل المدافعون عن بوش، الذين يفضلون تحويل الانتباه عن تلك الفترة التي اتسمت بانعدام المسؤولية، كأن العالم بدأ في 20 يناير (كانون الثاني) من عام 2009، حيث إنهم يلقون باللوم على عاتق أوباما بشأن كل ما يزعجنا في الوقت الحالي، بيد أنه لا يمكننا تجاهل الأعوام الثمانية الماضية، فرئيسنا الحالي يتسم بأنه أكثر تأنيا بشأن استخدام قوة الولايات المتحدة عن الرئيس السابق، كما أنه عازم على تحسين صورة أميركا أمام الدول الأخرى. وعلى الرغم من أن أوباما ملتزم بمحاربة الإرهاب، فإنه يؤمن أن «الحرب على الإرهاب» لا ينبغي أن تحدد سياستنا الخارجية.

ويقودنا ذلك مباشرة إلى جدل جوهري آخر حول مدلول العقد الماضي: فهل كان الرد المناسب على هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) يقتضي ليس فقط تلك الحرب الانتقامية في أفغانستان، والتي لاقت دعما واسعا، بل وغزو العراق كذلك؟ تعد وجهة نظر أوباما - التي تقول إن حرب العراق أهدرت القوة الأميركية وبددت حسن النية تجاهنا في جميع أنحاء العالم - نقدا مباشرا للافتراضات الأساسية في السياسة الخارجية لبوش. كذلك رفضه «وضع أهداف تتجاوز مسؤوليتنا أو وسائلنا أو مصالحنا»، وفقا لما قاله في الخطاب الذي ألقاه بأكاديمية «ويست بوينت» العسكرية، وهي من كبرى الأكاديميات العسكرية في العالم، وكذا إصراره على تقدير «الصلة بين أمننا القومي واقتصادنا».

إن منطق أوباما المحسوب بشأن استخدام القوة يتناقض مع وضع سياسة خارجية تحكمها شعارات مثل «أحضروهم للعدالة»، والتعهد «بهزيمة الأعداء في جميع أنحاء العالم».

وكان ذلك الصدام في المفاهيم يحتم على أوباما إظهار الثقة في قدرته على مقاومة الإرهاب، ولكن رد فعل إدارته المبدئي على محاولة تفجير الطائرة في أعياد الميلاد لم يكن كافيا. وحاول الجمهوريون بلا حياء تسييس الحادثة، مدركين أن الدفاع عن منطق بوش في محاربة الإرهاب يتوقف على تشويه منطق أوباما. وكان على الرئيس أن لا يمنحهم أي شيء يمكنهم استغلاله، فقد بدا يوم الثلاثاء ممسكا بزمام الأمور.

لا ينبغي أن نفاجأ بأن معركة المستقبل شكلتها الصراعات حول الماضي، فكم عدد المرات على مدار الأربعين عاما الماضية التي دافع فيها المحافظون عن سياستهم باسم إصلاح «تجاوزات الستينات»؟ بل وظل الليبراليون متهمين لفترة أطول من ذلك بأنهم العقبة أمام «مقاربة الصفقة الجديدة في الثلاثينات من القرن الماضي». وبدورهم أشار الليبراليون بفخر إلى هاتين الحقبتين على أنهما فترات تقدم اجتماعي لم يسبق له مثيل.

وفي ما يتعلق بالثمانينات، فإنها تظل المرحلة الإيجابية المرجعية للمحافظين رغم إدانة التقدميين لعصر ريغان باعتباره العصر الذي فتح الطريق أمام تجاوزات التحرر من القوانين الاقتصادية والذي أسفر عن الأزمة الاقتصادية الأخيرة.

وبشكل غريزي لا يميل الأميركيون إلى العيش في ظلال الماضي، لكننا ليس أمامنا سوى التوصل إلى تسوية بشأن مدلول الأعوام العشرة الماضية، فذلك هو الطريق الوحيد الذي نستطيع من خلاله تحويل الأعوام العشرة المقبلة إلى عقد للتجديد.

====================

العالم العربي والتحديات الاقتصادية للعشرية القادمة

عبد الحميد صيام

06/01/2010

القدس العربي

كان ختام مقالاتنا لعام 2009 ملخصا للعاهات العشرة التي يعاني منها النظام العربي الرسمي والتي أصبحت من مسلمات العالم قاطبة وبدون اعتمادها قانونا وممارسة لا يمكن لأمة أن تشهد التطور المجتمعي والسياسي والنهضة الشاملة والسيادة والمنعة والكرامة الوطينة. والقضايا العشر هي تداول السلطة، وسيادة القانون، وجماعية القيادة واتخاذ القرار، وحرية التعبير، وحرية الدين والمعتقد، وتمكين المرأة، ووجود نظام للمساءلة، وحق الترشح والانتخاب لكل مواطن، وحق التجمع وتكوين جمعيات مدنية، وحرية التنقل والسفر. وبما أن السياسة والاقتصاد أمران مترابطان لا ينفك أحدهما عن الآخر بحيث أصبح أيضا من الأمور المسلم بها أن النظام السياسي يعكس نفسه في النظام الاقتصادي وأن الاقتصاد تعبير عن الرؤية السياسية، لذا نرى من الضروري أن نفتتح سلسلة مقالاتنا لهذا العام بتسليط الأضواء على التحديات الاقتصادية والتنموية التي تواجه العالم العربي وذلك كي تكتمل الصورة ونضع بين يدي القراء العرب صورة وافية للنظام العربي بشقيه السياسي والاقتصادي.

وسأعتمد في هذا المقال أساسا على تقرير مهم صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العشرين من الشهر الماضي كانون الأول (ديسمبر) بعنوان: 'التحديات التنموية في العالم العربي' والذي يراجع مسيرة التنمية في العالم العربي في العقد المنصرم ويضع مؤشرات أساسية للتنمية الرشيدة للعقد القادم. يحدد التقرير ستة تحديات تنموية متداخلة ومترابطة، يشد بعضها بعضا وأي فشل في احدها ينعكس فشلا على الرزمة بكاملها. والتحديات الستة هي: الإصلاح المؤسسي، إيجاد 51 مليون وظيفة جديدة ، تمويل مشاريع تنموية مخصصة للفقراء، إصلاح شامل للنظام التعليمي، اعتماد خطة للتنويع الاقتصادي وأخيرا زيادة الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي ضمن الشروط البيئية. وكي لا نطيل الحديث على القراء سنأخذ عينات من التقرير خاصة فيما يتعلق بالفقر والبطالة والأمن الغذائي ونتمنى على كل المهتمين بمراجعة التقرير على موقع البرنامج.

من المهم أن نتذكر أن الأمم المتحدة في دورتها التي سميت 'قمة الألفية' عام 2000 إعتمدت بالإجماع ثمانية أهداف تدعى' الأهداف التنموية للألفية'. وطلب من الدول جميعها تحقيق إنجازات على المسارات الثمانية في الخمس عشرة سنة القادمة. ووضع هدف التخفيف من الفقر المدقع إلى النصف بحلول العام 2015 على قمة تلك الأهداف.

 

الفقر والبطالة

يؤكد التقرير أن نسبة الفقر في العالم العربي في السنوات العشر المنصرمة لم تنخفض بل شهدت زيادة في عدد الفقراء تصل إلى 40' أي نحو 140 مليون شخص. ويقول التقرير إن نسبة الشباب العاطلين عن العمل يصل إلى 50' وهي من أعلى النسب في العالم كما تصل النسبة العامة لكل الفئات العمرية إلى 25.7' وهي أيضا من أعلى النسب في العالم. ولكي يواجه العالم العربي هذين التحديين عليه أن يعمل على إيجاد 51 مليون فرصة عمل جديدة في العشرية القادمة. وإيجاد فرص العمل هذه لا يعني الخروج الشامل من أزمتي الفقر والبطالة بل يتم الإبقاء على النسب الحالية لغاية سنة 2020.

أما عن الأمن الغذائي فيثمن التقرير الإنجازات التي حققتها سورية والسودان، إلا أن الأوضاع بشكل عام ما زالت غير مستقرة كما أن نسبة المصابين بسوء التغذية لم تشهد أي تحسن خاصة في الدول الأقل نموا كاليمن والصومال والسودان وموريتانيا وجيبوتي والعراق. ويلاحظ التقرير أن الدول العربية من أكثر المناطق في العالم المستوردة لاحتياجاتها من الغذاء والوقود رغم أن جزءا من العالم العربي مصدر للوقود الخام إلا أن هناك تراجعا بشكل عام في الكميات المصدرة.

استراتيجية جادة وجديدة

يدعو التقرير الدول العربية إلى اعتماد نهج اقتصادي جديد يقوم على خاصيتين مترابطتين:

أولا، التحول من نهج التنمية القائم على النفط والمواد الأولية الأخرى إلى القطاع الانتاجي الموجه لتحقيق التنمية الشاملة التي تخفف من نسبة الفقر، وتجسر الهوة بين الفقراء والأغنياء وتوسع سوق العمالة وتضخ المزيد من فرص العمل باستمرار.

ثانيا، اعتماد مبدأ 'الحق في الغذاء لكل الشعوب العربية' بلا استثناء من خلال التزام الدول الأكثر ثراء بدعم عملية التخفيف ومن ثم القضاء على الفقر في المنطقة وخاصة في الدول الأقل نموا. وهذا يتطلب التزاما اقتصاديا تتعهد به الدول النفطية لمساعدة الدول العربية الفقيرة ليس بتقديم كمية من المساعدات العينية بل بتحريك عجلة الاقتصاد في تلك الدول عن طريق دعم خطط تنموية رشيدة من شأنها زيادة النمو الاقتصادي وصولا إلى الاكتفاء الذاتي.

 

توفر شروط التنمية

رغم الصورة الرمادية التي يرسمها التقرير للأوضاع التنموية في العالم العربي والتي ستكون تحت التمحيص والنقد في مؤتمر دولي يعقد في أيلول (سبتمبر) القادم لمراجعة مدى ما حققت كل دولة من الأهداف الإنمائية للألفية، إلا أن التقرير يؤكد أن الفرصة ما زالت متاحة للنهضة الاقتصادية الشاملة خاصة وأن عناصرها الأربعة متوفرة: أراض شاسعة غنية صالحة للزراعة، ثروة لا محدودة من المصادر الطبيعية، مصادر تمويل لا حصر لها، وكفاءات بشرية هائلة وقوة عاملة متعطشة لاقتناص فرص عمل مناسبة. إن أول الخطوات المطلوبة في هذا المجال هو الاستثمار البيني وتجنب تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج بحجة الاستقرار والفرص المتاحة فقد تركت الأزمة المالية الأخيرة في الولايات المتحدة آثارها السلبية على المنطقة العربية وسببت ضياع مليارات الدولارات التي تبخرت في ومضة عين.

 

الفشل المزدوج

كم نتمنى أن يقوم الاقتصاديون والخبراء المتخصصون بدراسة هذا التقرير الهام وترجمته على أرض الواقع خططا وبرامج وسياسات قبل فوات الأوان، أم أن الفشل السياسي لا بد وأن يلازمه فشل اقتصادي كي تكتمل صورة التخلف والضياع والتبعية المطلقة. كيف يمكن الرضوخ لسياسات عمياء تعطي فرصة للأجنبي لينهب ما يشاء من ثروات هذا الوطن ويحرم أبناءه من حق التعليم الحديث والخدمات الصحية الأساسية وحق العمل الشريف. كيف يمكن أن نقبل أن عُشر عدد الأطفال المولودين في العراق وموريتانيا والصومال وجيبوتي والسودان يموتون قبل سن الخامسة وأن 800 سيدة من بين كل 10,000 يمتن ساعة الميلاد في كل من اليمن والصومال والسودان وموريتانيا؟ كيف يمكن أن يتم النهوض بالمرأة لتحقيق المساواة بين الجنسين كما تنص أهداف الألفية، ولا تزيد نسبة النساء المشاركات في الحياة البرلمانية والتنفيذية في الوطن العربي عن 5' وأن ثلثي الأميين في العالم العربي من النساء. كيف لنا أن نقبل أن هناك 140 مليون فقير في هذا العالم العربي الذي يحتل المرتبة الثالثة في عدد السكان بعد الصين والهند والمرتبة الثانية في المساحة بعد الاتحاد الروسي، أي أنه أوسع مساحة من كل من كندا والولايات المتحدة والصين؟

هل يعقل أن يكون إنتاج العالم العربي من الحديد لا يزيد عن 19 مليون طن وهو ما يعادل 1.9 ' فقط من الإنتاج العالمي وهي نسبة أقل مما تنتجه البرازيل منفردة، وأن نسبة الكتب التي تترجم إلى اللغة العربية أقل مما يترجم إلى اللغة اليونانية فقط؟

لتكن بداية العقد الجديد في هذه الألفية فرصة للمراجعة الاقتصادية الشاملة والتي تعني تأمين حياة كريمة لنحو 700 مليون عربي مع حلول عام 2050.

' أستاذ جامعي وكاتب مقيم في نيويورك

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ