ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 05/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الأزهر إذ يفتي بشرعية الجدار الفولاذي

ياسر الزعاترة

الدستور

4-1-2010

فيما يبدو أنه رد على فتوى العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ، وعدد كبير من العلماء الآخرين بخصوص الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع قطاع غزة ، اجتمع مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر برئاسة الشيخ طنطاوي وخرج بفتوى تقول إن من حق مصر أن تبني "المنشآت والسدود التي تصون أمنها وحدودها وحقوقها" ، مضيفا أن لها "حقوقا شرعية في وضع الحواجز التي تمنع أضرار الأنفاق في رفح المصرية ، والتي يتم استخدامها في تهريب المخدرات وغيرها مما يهدد ويزعزع أمن واستقرار مصر ومصالحها". أما الذين انتقدوا بناء الجدار ، فهم بحسب المجمع "يخالفون ما أمرت به الشريعة الإسلامية".

هكذا يبتذل الدين في معارك السياسة ، كما ابتذل من قبل في معارك الكرة ، والسبب وراء هذه الظاهرة يتمثل أولا في إشكالية الدولة القطرية واستحقاقاتها ، وتبعا لذلك غياب مفهوم الأمة في وعي كثير من العلماء ، وثانيا في تبعية الديني للسياسي التي تتجلى على نحو فاضح في عالمنا العربي.

فيما يتعلق بشؤون السياسة والحكم والعمل العام ، غالبا ما يتم النظر إلى مسألة الجواز وعدمه من منطلق مصالح الإسلام والمسلمين ، وهو العرف الذي اتبعه العلماء طوال التاريخ ، لكن الأمة اليوم لم تعد أمّة في مفاهيم السياسة ، إذ الأولوية دائما للقطر ، والقطر غالبا ما يحشر في إطار النظام السياسي ، والنظام السياسي غالبا ما يتقزم في الحزب الحاكم ، وهذا الأخير يغدو نخبة معينة تتحكم بالسلطة والثروة.

في ضوء ذلك تغدو مسألة المصلحة التي تحكم الفتوى المتعلقة بالسياسة والعمل العام خاضعة لهوى النخب الحاكمة ، اللهم إلا مواقف أو فتاوى تصدر عن علماء مستقلين ليست لهم مصالح عند تلك الفئة ، أو عن علماء آخرين يتواجدون بعيدا عن سطوتها ترغيبا وترهيبا.

وهكذا تبدو الفتوى في ظاهرها ناطقة باسم القطر ومعبرة عن مصالحه ، فيما هي تعبر في حقيقتها عن مصالح النخب الحاكمة التي تتحكم بالسلطة والثروة ، ولو كان الأمر غير ذلك لصار بوسعنا اتهام الفئات التي تخالف تلك الفتوى أو ذلك الرأي بخيانة الوطن والتفريط بمصالحه.

تبعية الديني للسياسي هي المعضلة الثانية ، وهي التي تجعل الفتوى أسيرة أهل السياسة وليس جوهر الدين الذي يتحرك ضمن مفهوم الأمة أو الملة ، وليس المفهوم القطري ، فضلا عن أن يكون المحرك هو مصالح النخب الحاكمة.

في قضية كالتي نحن بصددها يتوسل المعارضون رؤية تتحدث عن فئة مسلمة يجري خنقها بجدار فولاذي بغير وجه حق ، بينما يتحدث الآخرون بمنطق أهل السياسة الذين يبنون الجدار تبعا لحساباتهم ، وليس حسابات البلد وأهله ومصالحه ، لأن أحدا لم يقتنع أن قطاع غزة يشكل مصدر تهديد لأمن مصر القومي بأي حال ، وحين يتحدث هؤلاء عن المخدرات يغدو المشهد أكثر بؤسا ، لأن مصر ليست فقيرة بالمخدرات حتى يجري تزويدها بها من قطاع غزة.

القصة إذن لا تعدو أن تكون دفاعا عن قرار سياسي باستخدام الدين ، وفي محاولة للرد على علماء آخرين ، وعموما فإن بوسع من يدفع للزمار أن يطلب اللحن الذي يريد ، كما يقول المثل الإنجليزي الشهير. وعندما تكون هذه الجهة الدينية أو تلك تابعة بالكامل لأهل السياسة ، فمن الطبيعي أن تتحدث بالرأي الذي يناسبهم.

إن تبعية الديني للسياسي التي برزت منذ قرون قد ابتذلت الدين إلى حد كبير ، لكن واقع الأزهر خلال السنوات الماضية صار الأسوأ على الإطلاق ، لا سيما بعد أن ضُربت جبهة علماء الأزهر المستقلة التي كانت تنطق باسم الأمة وتعبر عن همومها.

من المؤسف أن يصل الحال ببعض العلماء إلى هذا المستوى ، ونحن هنا لم نناقش كثيرا حيثيات الفتوى لأنها من الوضوح بحيث لا تستحق النقاش ، لكننا نتحدث عن ظاهرة باتت تتوفر بكثرة في عالمنا العربي ، وفي الشقيقة الكبرى على وجه التحديد.

من دون علماء مستقلين يعبرون عن روح الأمة بعيدا عن القطرية الضيقة والتبعية للحكام ، سيبقى حال الفتوى والرأي الديني في ضياع على النحو الذي نتابع ، ويبقى أن الوعي الجمعي لجماهير الأمة ليس من النوع الذي يسهل التلاعب به كما يظن البعض ، حتى لو نجحت الأنظمة في تشكيك قلة من الناس في قناعاتهم.

التاريخ : 04-01-2010

============================

بين دمشق والقاهرة

سامي الزبيدي

الرأي الاردنية

4-1-2010

المسافة بين غزة ومخيم اليرموك اطول قليلا منها بين دمشق والقاهرة لذلك فان ما يجري بين الاخوة في حماس يعكس هذه الحقيقة غير الحغرافية، واذا كان وفد حماس الداخل قد نأت به المسافة مع قيادة الخارج فان ذلك لا يعني سوى محصلة لتباعد الرؤى بين اقليمي الجمهورية العربية المتحدة اللذين تفرقت اجنداتهما على غير ملف.

 

الظلال العربية التي ترافق حال حماس تشبه الى حد ما الظلال العربية في الشأن اللبناني ففي حين كان الاستعصاء اللبناني بحاجة الى كسر الجليد بين دمشق والرياض فان ذات الجليد يحتاد الى ان يجد نهايته كي يجري رتق الفتق على مستويين: داخل حماس اولا وبين حماس وشقيقتها فتح ثانيا وبغير ذلك فاننا سنواصل مشاهدة طحن الدماء.

 

غير ان ثمة فروقا بين الحالين ففي حين ان لبنان شأن عربي سوري في المقام الاول ومن ثم سعودي فان غزة واستقرارها شأن مصري في المقام الاول ومن ثم عربي وبالتالي فكما كانت المرونة في تسهيل مهمة سعد الحريري في تشكيل حكومته اتت من الرياض وليس من دمشق فان تسهيل مهمة التوافق الحماسي الداخلي ينبغي ان تأتي من دمشق وليس من القاهرة، ودمشق تستطيع فعل ذلك ان هي اقتنعت بان الشأن الفلسطيني ليس مجرد ورقة في الاستقطاب الاقليمي بل قضية محل اجماع لدى الرأي العام العربي.

حين قال اسماعيل هنية ان توقيع اتفاق المصالحة سيجري في القاهرة وليس في اية عاصمة عربية اخرى فانه كان يرد على الموقف الذي تبنته قيادة حماس في الخارج ( دمشق)، وبالتالي فان قيادة الخارج ظهرت - عبر هذا التصريح - في موقف من يعطل المصالحة الفلسطينية وهذا الموقف ليس في مصلحة سورية اضافة الى انه يسجل نقطة على قيادة الخارج التي تبدو في مظهر من يتشدد على حساب من يدفعون الثمن في الميدان.

اخشى اننا بحاجة الى مصالحة عربية تسبق الاخرى الفلسطينية كي تنتظم خرزات المسبحة الفلسطينية، فالفلسطينيون ومأساتهم اكبر وينبغي ان تكون اكبر من خلافات العواصم وهذه المصالحة ضرورية حتى ولو كان ضحيتها التيار الانعزالي في لبنان الذي يقتات على اخر ظلال التباعد السوري المصري كما وينبغي ان يجري تجميد الخلاف بين القاهرة وحزب الله الذي تنعكس خصومته جليدا اضافيا على العلاقة بين القاهرة ودمشق بالرغم من كون ملف حزب الله يعد ملفا إيرانيا وليس سوريا وبالتالي فات التجميد للخصومة هو الخيار الاكثر واقعية.

لا ينبغي ان يبقى الجرج الفلسطيني ورقة في الاستقطابات العربية العربية ذات الظلال الاقليمية فالشأن الفلسطيني ينبغي ان يحافظ على قداسته كقضية اجماع عربي وليست محل استقطاب.

============================

روسيا والعالم الإسلامي: الى أين؟

المستقبل - الاثنين 4 كانون الثاني 2010

العدد 3528 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

عندما عُقدت القمة الاسلامية في ماليزيا قبل ستة أعوام اتخذت القمة قراراً بقبول طلب روسيا الانضمام الى منظمة المؤتمر الاسلامي بصفة مراقب. كانت هناك طلبات من دول اخرى، ولكن لم يبتّ في أي منها.

يبلغ عدد المسلمين الروس نحو عشرين مليوناً، من أصل حوالي 170 مليون روسي. ولكن لم يكن العدد العامل الاساس في الموافقة على الطلب. ذلك ان هناك دولاً كالهند والصين توجد فيها أعداد أكبر من المواطنين المسلمين. أما الأمر الذي تميزت به روسيا فهو انه لا توجد مشكلة دينية ثقافية بين المجتمع الروسي الارثوذكسي بأكثريته والمسلمين الروس.

ففي فرنسا مثلاً هناك مشكلة التناقض بين الحجاب والعلمانية. وهي مشكلة ثقافية اجتماعية أثارت ولم تزل تثير الكثير من الاضطرابات، رغم ان المسلمين الفرنسيين يتبوأون مواقع محترمة في مؤسسات الدولة.

وفي بريطانيا هناك مشكلة التناقض بين فشل أو تعثر محاولات تذويب المسلمين في المجتمع والمحافظة على الهوية البريطانية.

وفي الصين هناك مشكلة التناقض الثقافي الاجتماعي الديني وحتى العنصري بين الصينيين وشعب سينكيانغ الذي يدين بالاسلام. وقد أدى تفاقم المشكلة الى انفجار الاضطرابات الدموية التي قمعتها قوات الأمن الصينية بعد سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.

وحتى في الولايات المتحدة هناك المشكلة التي أفرزتها العملية الارهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك، والتي أدّت الى مقتل حوالي ثلاثة آلاف انسان بريء.. وقد وظفت تلك الجريمة لانتاج نظرية ثقافية جديدة تدّعي ان الارهاب لم يكن وهو ليس ردّ فعل، ولكنه تعبير عن الثقافة الاسلامية المولّدة للارهاب (؟!).

أما في روسيا، العضو الخامس في مجلس الأمن الدولي، فعلى الرغم من الحرب في الشيشان، وعلى الرغم من الاضطرابات الأمنية التي تقع من وقت لآخر في بعض دول القوقاز، فانها لم تولد ثقافة معادية للاسلام. يعكس ذلك العدد الكبير من المساجد الجديدة، ومن المدارس الاسلامية الدينية التي تعلّم القرآن الكريم واللغة العربية؛ وبموجب الدستور الروسي فإن الاسلام يحلّ ثانياً بعد الارثوذكسية من حيث تعدّد الأديان الرسمية في الدولة، تليهما اليهودية والبوذية.

ان عدم وجود مشكلة ثقافية دينية بين المسلمين والارثوذكس الروس لا يعني بالضرورة ان المجتمع الروسي محصن، وانه يستعصي على الاختراق. فهناك مصدران يشكلان خطراً مستقبلياً:

المصدر الأول هو ثقافة التطرف الاسلامي التي تروج لها حركة طالبان في كل من الباكستان وأفغانستان. وقد تسلّلت هذه الثقافة الى عدد من الدول الاسلامية في آسيا الوسطى والتي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق. ويمكن ان تواصل تسللها الى عمق الاتحاد الروسي، وتحديداً الى الجمهوريات الروسية السبع التي يشكل المسلمون فيها أكثرية عددية. واذا حدث ذلك فانه لا بد ان يتسبب في رد فعل ارثوذكسي، الأمر الذي ينذر بأوخم العواقب.

وقد قرّرت وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية في الكويت إنشاء مركز ثقافي اسلامي للوسطية في موسكو، وعقدت لذلك اتفاقاً مع صندوق دعم الثقافة الاسلامية والتعليم في روسيا. ومهمة هذا المركز التعريف بالاسلام ثقافياً وتربوياً واجتماعياً، من خلال مبادئ وقيم الوسطية ورفض التنطّع والتطرّف.

أما المصدر الثاني فهو ثقافة الاسلاموفوبيا (الخوف من الاسلام وكراهيته) التي تزداد ترسخاً في مجتمعات الدول الأوروبية الغربية، كما تزداد انتشاراً عبر وسائل الاعلام الحديثة (الانترنت والفضائيات..الخ) وقد بدأت هذه الثقافة المعادية للاسلام بالتسرّب الى المجتمع الروسي، الا ان الضوابط الوطنية حالت حتى الآن دون تحوّلها الى ظاهرة على النحو الذي تعرفه الدول الأوروبية الاخرى. ويعود فضل كبير في ذلك الى الدولة الروسية التي تصدر تشريعات تصدّ وتتصدّى لهذه الموجات الوافدة من الخارج حرصاً منها على المحافظة على الوحدة الوطنية في المجتمع الروسي المتعدد الاثنيات واللغات والأديان.

ومنذ أن انضمت روسيا الى منظمة المؤتمر الاسلامي تشكلَ منتدى "روسيا والعالم الاسلامي" الذي عهد اليه العمل على وضع رؤية استراتيجية مشتركة. وقد عقد المنتدى أربعة لقاءات في كل من موسكو وقازان واسطنبول وجدة. وفي اللقاء الخامس الذي عقد في الاسبوع الماضي في الكويت، تمّ التوقيع على انشاء مركز الوسطية على نفقة وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية ووقّعه عن دولة الكويت الدكتور عادل عبد الله الفلاح وكيل الوزارة. واتخذ اللقاء توصية تضمنت دعوة الدول الاسلامية كلها الى المشاركة في نشاط المركز ودعم أنشطته الفكرية والثقافية لتعزيز ثقافة الحوار وتقوية العلاقات بين روسيا والعالم الاسلامي، ونبذ التطرف ونشر الوسطية والاعتدال.

وأقرّ اللقاء أيضاً العمل على دعم البنية الفكرية والهيكلية للمؤسسات الاسلامية في روسيا من خلال التنسيق مع المؤسسات الرسمية بكلا الطرفين.

كما أقرّ إنشاء مؤسسة للترجمة تستقطب الخبراء من روسيا والعالم الاسلامي لترجمة الكتب الاسلامية الى اللغة الروسية وبالعكس، وتشكيل هيئة علمية مختصة لانتقاء الكتب الصالحة للترجمة. وتأسيس موقع الكتروني لفريق روسيا والعالم الاسلامي باللغتين العربية والروسية، ثم بقية اللغات الحية الأخرى.

أما اللقاء السادس فقد تقرّر أن يُعقد في خريف عام 2010 في انجوشيا احدى الجمهوريات الروسية السبع التي يشكل المسلمون أغلبية سكانها. وكان رئيس هذه الدولة، الجنرال يونس بك ليفكاروف قد ترأس الوفد الروسي الى لقاء الكويت ممثلاً الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف.

ويعكف الآن فريق من الخبراء والاختصاصيين في الكويت بإشراف الدكتور الفلاح على وضع رؤية استراتيجية لروسيا والعالم الاسلامي، يُنتظر أن تطرح على اللقاء القادم.

اذا نجحت هذه العملية في تحصين العلاقات بين مسلمي روسيا وكل من الكنيسة الارثوذكسية والكرملين، وتالياً بين روسيا والعالم الاسلامي، فإن نجاحها لا بد أن يشكل أسوة حسنة لتصحيح العلاقات الاسلامية المضطربة مع بعض المجتمعات الغربية في أوروبا وأميركا.

من هنا أهمية هذه العملية ليس لروسيا وحدها.. انما للعالم الاسلامي في الدرجة الأولى.

============================

2010 سنة مفتوحة على كل الأزمات..

المستقبل - الاثنين 4 كانون الثاني 2010

العدد 3528 - رأي و فكر - صفحة 19

خيرالله خيرالله

أطلت السنة 2010. انها سنة مفتوحة على كل انواع الازمات. من يدري كيف ستتطور الازمة اليمنية بعدما تأكد ان لا شيء يحمي اليمن ووحدته من الاخطار المحدقة بهما غير المحافظة على السلطة المركزية ولكن في ظل لا مركزية موسعة؟ من يحمي العراق من الغرائز المذهبية التي لا تزال تطل برأسها بين الحين والاخر ومن التدخلات والاطماع الخارجية، خصوصا تلك التي مصدرها ايران التي تبين ان عينها على النفط العراقي؟ من يحمي فلسطين وقضيتها من حكومة اسرائيلية لا هدف لها سوى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية؟ من يحمي القضية الفلسطينية من الفلسطينيين انفسهم، خصوصا اولئك الذين يرفعون شعار المقاومة بواسطة السلاح، وهم في الحقيقة يساهمون في تحويل الشعب الفلسطيني مجددا وقودا يستخدم في معارك، ذات طابع اقليمي، لا علاقة له بها من قريب او بعيد؟ بين هذه المعارك الحملة التي تستهدف مصر انطلاقا من قطاع غزة على سبيل المثال وليس الحصر.

في الامكان الحديث عن حال انسداد كامل في الشرق الاوسط، من المحيط الى الخليج لولا بعض النقاط المضيئة التي توفر بصيص امل في تمكين هذا البلد العربي او ذاك من حماية نفسه عن طريق تحصين الوضع الداخلي فيه. يحصل ذلك في الاردن ودولة الامارات وقطر والبحرين وتونس والمغرب وبلدان اخرى تشهد محاولات لتغيير اوضاعها نحو الافضل تفاديا للبقاء في اسر الماضي. بين هذه البلدان تأتي ايضا الكويت التي لم يتردد اميرها الشيخ صُباح الاحمد في التحذير قبل ايام من النزول الى الشارع مشددا على ضرورة التمسك بدولة القانون والمؤسسات بغية المحافظة على الديموقراطية.

هناك بين العرب من يبذل بالفعل جهدا بهدف تطوير المجتمع وحمايته من التطرف عن طريق اصلاحات داخلية في العمق وفهم لأهمية البرامج التعليمية المتطورة وتأثيرها في مجال ابعاد الجيل الجديد عن التطرف. اكثر من ذلك، ان الخيار الوحيد امام العرب الذين يتطلعون الى مستقبل افضل يتمثل في البرامج التعليمية المتطورة التي لا تكتفي بتلقين الشبان والفتيات اللغات الحديثة والعلوم المتطورة التي تجعلهم جزءا لا يتجزأ من الثورة التكنولوجية. ان البرامج التعليمية المتطورة هي التي تبني طبقة متوسطة وتنشر ايضا ثقافة الحياة والتسامح وقبول الاخر والابتعاد عن التزمت والتمسك بقشور الدين والمذهب، اي بكل المظاهر السطحية لأي دين من الاديان. هذه البرامج التعليمية المتطورة هي السلاح الافضل الذي يواجه به العرب تحديات القرن الواحد والعشرين، هذا اذا كانت لديهم رغبة حقيقية في دخول هذا القرن من ابوابه الواسعة بدل البقاء على هامش التاريخ والتطور كما هو حاصل الان.

ما يخيف اكثر من اي شيء اخر مع دخول العالم السنة 2010، السياسة الاميركية التي لا تزال عاجزة عن معالجة اي قضية في العمق بدءاً من فلسطين وانتهاءً بأفغانستان. تبدو حرب افغانستان حرب باراك اوباما الذي وجد نفسه مضطرا الى الاعتراف بأنه لا يستطيع الخروج من افغانستان كما خرج من العراق، فإتخذ ما يمكن وصفه بأصعب قرار له منذ دخول البيت الابيض. انه القرار القاضي بارسال ثلاثين الف جندي اضافي الى افغانستان. هل يكفي ارسال ثلاثين الف جندي اضافي الى افغانستان لتغيير الوضع وربح الحرب، فيما لا علاج حقيقياً للمشكلة الاساسية التي اسمها باكستان التي تعتبر عملياً المصنع الذي ينتج عناصر طالبانية لا تؤمن سوى بالتطرف؟ لا همّ لهذه العناصر سوى التوجه الى افغانستان لقتال الاميركيين. هل تكون افغانستان فيتناماً اخرى؟ هل يغرق اوباما في وحولها فتتحول احلامه الى مجرد اوهام؟

اضافة الى المأزق الاميركي، هناك مأزق اخر هو المأزق الايراني. منذ الانتخابات الرئاسية الاخيرة في حزيران يونيو الماضي، تبين ان الوضع في ايران غير طبيعي. من لديه ادنى شك في ذلك يستطيع العودة الى احداث يوم عاشوراء. بعد ستة اشهر من اعلان نتائج الانتخابات وفوز محمود احمدي نجاد، لا تزال "الثورة المخملية" مستمرة. هناك مجتمع حي في ايران يرفض نتائج الانتخابات ويتطلع الى الانفتاح على العالم الحضاري والانتماء اليه. المؤسف ان ليس امام النظام الايراني سوى متابعة سياسته المرتكزة على الهروب المستمر الى الأمام وكأن ممارسة دور القوة الاقليمية المهيمنة التي تتحكم بالعراق وفلسطين ولبنان وحتى اليمن تغني عن وجود شرعية داخلية للنظام.

اين لبنان في مطلع السنة 2010؟ انه بلد اختار المحافظة على السلم الاهلي اولاً والعمل في الوقت ذاته على استكمال بناء مؤسساته ثانياً مستفيدا الى ابعد حدود من الانفراجات في العلاقات العربية العربية. هناك وعي تام لدى الحريصين على لبنان لأهمية العلاقة مع سوريا والدور الذي يمكن ان تلعبه في مجال المساعدة في وقف تدفق السلاح على الوطن الصغير والاتجاه الى التعاطي بطريقة مختلفة معه، اي من دولة الى دولة. كانت زيارة رئيس مجلس الوزراء سعد الدين رفيق الحريري لدمشق خطوة اولى في هذا الاتجاه الذي يصب في مصلحة سوريا ولبنان وفي مصلحة السوريين واللبنانيين قبل اي شيء اخر. هناك مجال واسع لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين متى اقتنع النظام السوري بان لبنان دولة حرة سيدة مستقلة وان لا خيار امامه سوى التعاطي معها من هذا المنطلق...

إن نجاح الرئيس سعد الحريري في مأسسة العلاقات اللبنانية السورية يحمي البلدين من عواصف السنة 2010. انها سنة حبلى بالاحداث. هناك ضياع اميركي وتطرف اسرائيلي وأزمة في العمق في ايران وازمات على امتداد العالم العربي. لا خيار اخر امام لبنان سوى حفظ رأسه. هل تحميه مظلة الانفراجات العربية العربية؟

============================

باقة ورد للمحامين السوريين الثلاثة

زين الشامي

الرأي العام

4-1-2010    

هيثم المالح، أنور البني، مهند الحسيني، هم ثلاثة محامين سوريين يقبعون الآن في السجن، لأنهم دافعوا عن حقوق الإنسان وحق التعبير ووقفوا ضد الانتهاكات التي يتعرض إليها السجناء. لهؤلاء أقدم باقة ورد بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، هذا أقل ما يمكن فعله اليوم، وهو ضروري حتى نقول لهم إننا لم ننسَ، وإن أمثالهم يستحقون منا الانحناء لقاماتهم.

منذ أعوام قليلة زرت المحامي والشيخ الجليل هيثم المالح في مكتبه في منطقة البرامكة وسط دمشق للمرة الأولى، وفيما بعد تكررت زياراتي له، حدثني عن تجربته بعد اعتقاله عام 1980 وحتى العام 1986، وكيف كان السجناء السياسيون في تلك الفترة يتعرضون إلى الضرب بالكبل الكهربائي خلال ممارستهم «الرياضة الصباحية» في فصل الشتاء القارس حيث كان يقف في آخر الرتل عنصر من الشرطة العسكرية ويضرب بقوة كل سجين تأخر عن اللحاق برفاقه ولم تسعفه قواه في الهرولة. كان هيثم المالح يتحدث فيما عيناي كانتا مسمرتين على لوحة للعلم السوري مشغولة بالخرز، سألته عنها فقال إنه تعلم «شكّ الخرز» في السجن وصنع لوحات فنية عدة من بينها تلك اللوحة.

علاقة هيثم المالح مع قضايا الحق والظلم علاقة طويلة تمتد إلى عام 1957، حين بدأ عمله كمحامٍ ثم قاضٍ بعد عام، إلى أن أصدرت السلطات السورية في العام 1966 قانوناً خاصاً سُرح بسببه من عمله فعاد إلى مجال المحاماة ومازال محامياً حتى الآن.

منذ العام 1989 يعمل هيثم المالح مع منظمة العفو الدولية، وقد ساهم مع آخرين بتأسيس الجمعية السورية لحقوق الإنسان، وقد اعتقل مرة أخرى منذ شهرين، رغم أنه على مشارف الثمانينات من العمر، وذلك على خلفية حوار هاتفي أجرته معه إحدى الفضائيات، وقد انتقد المالح في حواره الوضع السوري الراهن ودعا إلى محاربة الفساد.

وقبل اعتقال المالح بأشهر قليلة، قامت نقابة المحامين السوريين بشطب المحامي مهند الحسيني، رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان، من فرع نقابة محامي دمشق، أي بعد أيام من اعتقاله على خلفية نشاطه الحقوقي في الحقل العام وحضوره جلسات محكمة أمن الدولة العليا لمعتقلين سياسيين. ووفق تقارير إعلامية، وجه نقيب المحامين الفرنسيين كريستيان شاريير بورنازي رسالة شديدة اللهجة إلى نظيره السوري وليد التش احتجاجاً على موقف نقابته من قضية الحسيني، جاء فيها: «إن شطب المحامي مهند الحسني من فرع نقابة محامي دمشق من قبل مجلس نقابتكم يعد عملاً شائناً أحرص على الاحتجاج عليه باسم نقابة محامي باريس».

لم يتسنَ لي اللقاء بالسيد الحسيني، رغم أنني كلمته على الهاتف مرات عدة، فالانطباع الذي تشكل عندي عن هذا المحامي أتى من صوته الناعم والهادئ حين كان يسرد أفكاره، أيضاً كان شخصاً بمنتهى الأدب والأخلاق، لدرجة أنني لم أتوقع يوماً أن يُعتقل بسبب الاحترام الشديد الذي كان يبديه لمحدثيه مهما كانوا.

المحامي الثالث هو أنور البني الذي رأت السلطات السورية وضعه في السجن إلى جانب المجرمين والحرامية واللصوص، فيما شخصيات ومنظمات ومؤسسات دولية عدة، تكرمه تقديراً لعمله الاستثنائي ولتضحياته من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان السوري على مدى أعوام طوال. وللحقيقة فإن صوت «الصديق» أنور القوي والجريء، وفي كل مكان كنت ألتقيه، كان يكسر الصمت الذي يخيم على واقعنا المزري منذ أعوام طوال، وإذا كان لبعض الدول أحزابها وجبهاتها المعارضة، فإن أنور كان وحده يشكل حزباً وجبهة لطالما أقلقت وأخافت المؤسسات الأمنية كلها.

لقد بادر أنور إلى تأسيس «المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية» وأنشأ مركزاً لحقوق الإنسان في دمشق، بمساعدة من الاتحاد الأوروبي من أجل دعم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان، وترأس «لجنة تحرير السجناء السياسيين». وكان عضواً فعالاً في «جمعية حقوق الإنسان السورية» إلى جانب المحامي المخضرم هيثم المالح.

أنور البني أيضاً هو ابن عائلة سورية مسيحية أصيلة تميزت بوطنيتها وتضحياتها في قضايا الحرية والديموقراطية، وقد أمضى أبناء هذه العائلة يوسف وأنور وأكرم وابراهيم وسحر حتى الآن ما مجموعه أكثر من نصف قرن في السجون السياسية. في هذا السياق لابد من الإشارة الى أن شقيقه أكرم البني، الكاتب المتميز والناشط الفاعل في لجان إحياء المجتمع المدني، هو الآخر معتقل حالياً من ضمن معتقلي إعلان دمشق.

منذ نحو شهر مُنح أنور جائزة «اتحاد القضاة الألمان لحقوق الإنسان»، وقد منحها له اتحاد القضاة الألمان في احتفال كبير خاص أُقيم في العاصمة الألمانية برلين.

وبهذه المناسبة، أعربت وزيرة العدل الألمانية سابينا لويتهويزر عن تضامنها الكامل مع المحامي السوري المعتقل أنور البني. كما استقبل رئيس الدولة الألمانية هورست كولر، في قصر الرئاسة، كمال البني الذي تسلم الجائزة عن شقيقه.

أيها المحامون الثلاثة، كل عام وأنتم بألف خير. مثلكم فقط من يعيد الاعتبار إلى مهنة المحاماة رغم الدرن والأورام كلها التي أصابتها تحت خيمة «الحزب الواحد».

منذ أكثر من نصف قرن، ومثلكم من يثبت لنا أن في سورية ما يستحق الاحترام.

كاتب سوري

============================

الحرج من الحوار والتدويل..

الافتتاحية

الأثنين 4-1-2010

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

إن استمر رفض سماع الصوت الآخر والاستماع إليه، فلا نلومن أحداً يتدخل لمصلحة هذا الطرف أو ذاك.. ولو كان تدخله لإذكاء نار الخلاف وليس لحله.

في المنطقة اليوم.. وفي العالم أيضاً.. ثمة توتر.. خلافات تتصاعد وتسخين إلى حدود استخدام السلاح.. والنسبة الغالبة من هذه القوى المتصارعة داخل البلد الواحد لا ترفض حوار أطراف خارجية معها.. لكنها ترفض القوى الأخرى في بلدها..؟!‏

لماذا...؟!‏

لماذا يكون الحرج.؟!‏

لماذا يحرجنا أن نتحاور فيما بيننا فنترك الساحة للقوى الدولية ثم نبدأ نتهم ب«المؤامرة».‏

ها هو التاريخ أمامنا.. اقرؤوا كل ما جرى في هذه المنطقة.. ولاحظوا أن كل التدخلات في الدول لنصرة هذا أو ذاك قامت على حرج الحوار بين أبناء البلد الواحد.. الأمة الواحدة.. الشعب الواحد.‏

عندما تتوفر هذه التربة الخصبة لنمو الحرج من الحوار الداخلي، تقصر المسافات على المتدخلين الخارجين ويزداد «الاهتمام والرعاية».‏

ويُطرح التدويل.. مؤتمرات ..محاكم .. قوانين .. زيارات واستقبالات.. ونحن مشدوهون، وعلى عتبات بيت أبيض أو أسود في هاي ستريت أو داون ستريت نمتلئ بالخيلاء.. لأننا أصبحنا برعاية دولية «دوليون».. حصل في العراق، حصل في لبنان، ويحصل في فلسطين، وموعودة اليمن.. ويعرفون جميعاً، وسيعرفون أكثر، أن الحل بين أيديهم وليس دولياً.‏

وحيث بدأ الحوار بدأ التعافي.‏

طريف اليوم أن اميركا وبريطانيا أغلقتا سفارتيهما في صنعاء.. أترون كم يعنيهم أمن اليمن وسلامته؟!.‏

الحوار الوطني في كل مكان يبعد المتدخل الخارجي..‏

على مثله يقاس حوار الجوار أيضاً.. دول الجوار في أي مكان في العالم تستطيع أن توجد لغة للتفاهم إن اعتمدت الحوار أسلوباً.‏

إن الحرج في الحوار هو الثغرة الأعرض لدخول المؤثرات الخارجية التي تعمل لحسابها دون أي احتمال آخر.‏

طبعاً لا يمكن أن ننفي أهمية مؤتمر دولي يعقد للتداول في شأن إقليمي أو حالة توتر في بلد أو موقع.. لكن المثير للريبة والمخيف فعلاً أن تعتمد القوى المتخاصمة على مؤتمرات ومواقف دولية لنصرتها.. أو مؤتمرات هوائية نظرية لا يحدد لها هدف أو غاية.‏

الحالة عامة.. ولا نريد الإطلاق.. إنما نرى أن أي مؤتمر دولي لمعالجة وضع متأزم في بلد ما أو منطقة ما يحتاج إلى:‏

1-وضوح ما يسعى له وسبله.. وابتعاده من أن يكون طرفاً.‏

2-أن تتجه له كل القوى المتصارعة بإرادة ورغبة وثقة.‏

وبالتأكيد الدول التي تدعو لمؤتمر دولي لمعالجة شأن ما يجب أن تُظهر وضوحاً فيما تريده من هذا المؤتمر..‏

يعني إذا كانت بريطانيا ونفترض أنها مدعومة أميركياً تدعو لمؤتمر دولي حول اليمن.. فهل تستطيع أن تحدد غايتها وأن تتبنى العمل كاملاً للوصول إلى الغاية؟!‏

تدويل.. وتدويل.. وماذا بعد؟!.‏

دولنا ضعيفة فندولها...!‏

قوانيننا لا تنفع فندولها...!‏

محاكمنا غير موثوق بها فندولها..!‏

ماذا بقي لنا أن نفعل؟!‏

وأين مسؤوليتهم عما دولوه «مسؤولية المدولين»؟!‏

أين مسؤولية الولايات المتحدة عن مؤتمر مدريد الدولي للسلام.. وما تلاه.. وماذا لديها إلى الآن من اتجاهات عمل للسلام غير الحرص على أمن إسرائيل؟!‏

عقد من الألفية الثانية انتهى..‏

وعلى أبواب العقد الثاني.. نرى فرصاً للخلاص عريضة بقدر ما نخلص لأنفسنا.. والحوار هو المنقذ في كل موقع.‏

a-abboud@scs-net.org

============================

أوباما ... قضية الحرب العادلة!!

موقع GULF NEWS

ترجمة

الأثنين 4-1-2010

ترجمة: حكمت فاكه

الثورة

فاجأ أوباما العالم مؤخراً بخطابه عندما أشار إلى فكرة الحرب العادلة وهو موقف فيه الكثير من التناقض لايغيب عن أنظار المراقبين، والشيء الغريب أنه في الوقت الذي تسلم جائزة نوبل أمر بإرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان.

إن قضية الحرب العادلة التي أشار إليها أوباما في خطابه ليست وليدة الظرف الراهن، بل تعود إلى القديسين - أوغستين وتوماس الأيكوني- اللذين حددا ثلاثة شروط رئيسة تعرف معنى الحرب العادلة وتبرر اللجوء إليها فهي أولاً يجب أن يشنها الأمير بما يحيل إليه ذلك من سلطة الموقع أو المركز واحتكار الدول للعنف، وثانياً يجب توفر قضية عادلة تشن من أجلها الحرب وتعبأ لها القوات وافتراض الظلم في الطرف الآخر الذي يجب إقدامه على فعل معين لتبرير مواجهته بالحرب وأخيراً يجب على الحرب أن تقودها المصلحة العامة، وألا ترتهن للمصالح الفئوية داخل الدولة أو للمجموعة التي تشن الحرب لدفع ضرر يلحق بالجميع ويمس الأمن الجماعي للوطن، وحتى في الفترات المتأخرة، لم يتوقف المفكرون عن التنظير للحرب العادلة مثل الفيلسوف مايكل والزير الذي وضع في سنة 1977 تعريفات للحرب العادلة كما تطرق لقضية تناسب القوة مع الحرب وعدم الإفراط في استخدامها.‏

وفي أحيان كثيرة كان يتم اللجوء إلى الحرب لأتفه الأسباب في ظل غياب القوانين الدولية الرادعة والمنظمة للعلاقات بين الدول بحيث ظل قانون الأقوى هو السائد في التعاملات لزمن طويل لكن ذلك تطور مع تغير المسيرة البشرية التي سارعت إلى سن القوانين المنظمة لاستخدام العنف في العلاقات الدولية بين الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن العشرون والدماء الغزيرة التي أريقت وفرضت على العالم بلورت نموذجاً عالمياً جديداً يقوم على القانون بدل القوة.‏

وفي هذا الإطار توالت المواثيق الدولية المحرمة للحروب بدءاً من ميثاق برياند كيلوج في سنة 1929 وليس انتهاء بميثاق الأمم المتحدة الذي جاء ليفرض قيوداً على الحروب ماعدا حالتين الأولى عندما تتعلق القضية بدفاع مشروع عن النفس، والثانية عندما يتخذ قرار الحرب من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وبهذا المعنى لم يعد ينظر إلى الحروب العدالة باعتبارها تطوراً في العلاقات الدولية وانجازاً يفتخر به بقدر ما يعتبر حالياً تراجعاً إلى الوراء وإضافة إلى الطابع الذاتي لمفهوم الحرب العادلة لذلك جاء القانون الدولي ليؤطر التأويلات الفردية وليبلور معايير فاصلة وغير قابلة للنقاش تحسم التفسيرات الذاتية.‏

في الحقيقة إن أوباما لم يكن بحاجة إلى استحضار الحرب في أفغانستان لتبرير الحرب العادلة لكن المشكلة تكمن في استمرار الحرب وعدم تحقيق جميع أهدافها المعلنة ولن يتحقق أي شيء في الأساس.‏

وعندما يقول الرئيس أوباما أيضاً: إن الشر موجود في العالم، ويجب التصدي له فكأنه يعيد إلى الأذهان خطاب بوش عن محور الشر وسياسته التي قادت إلى الكوارث المعروفة للأميركيين والعراقيين سوية، ويمكن أيضاً مساءلة تصريح أوباما بأن أميركا تكبدت الكثير لإرساء السلم العالمي من خلال بذل المال والأرواح متناسياً الحروب الأخرى المثيرة للجدل التي خاضتها أميركا سواء في فيتنام أم في أميركا اللاتينية والتي لم تحظ بالشرعية، لا الدولية ولا القانونية، ولا حتى الأخلاقية.‏

إذن كيف يمكن تبرير تدخل ما دون الآخر وما الذي يجعلنا نهتم ببلد دون غيره في هذا الإطار قد نتساءل عن السبب الذي يدفع المجتمع الدولي إلى تجاهل الصراع الذي يمزق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والذي ترك عشرات الآلاف من القتلى ولحسن الحظ اعترف أوباما بعدم قدرة أميركا لوحدها على ضمان الأمن والسلام العالميين وإذا كان أوباما حريصاً حقيقة على استحقاق جائزة نوبل للسلام، فيجب عليه التصدي بدلاً من مفهوم مناقشة الحرب العادلة لقضية إرساء الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط ووضع حد للصراع الدائر والمستمر هناك.‏

============================

عام جديد وملفات مصيرية مفتوحة!

الإثنين, 04 يناير 2010

عرفان نظام الدين

الحياة

يا لها من تركة ثقيلة يرثها العرب بشكل خاص والعالم بأسره بشكل عام من عام 2009 لنستقبل العام الجديد 2010 بملفات مصيرية ساخنة، وبعضها ملتهب، وأزمات كثيرة لا تلوح في الأفق أي ملامح لحلول ممكنة لها، أو على الأقل لبوادر جدية في حسمها ومحاصرة ذيولها وآثارها وتفاعلاتها ومنع احتمالات تفجيرها وانتقال لهيبها وهمها من بلد الى آخر.

ملفات.. ملفات.. ملفات والمطلوب واحد وهو توفر الإرادة والرغبة والعزيمة بفتحها على مصراعيها وعدم إغلاقها إلا بعد تسوية أمورها وحل ألغازها ووصف العلاج ومتابعة نتائجها حتى الشفاء العاجل ووضع حد للمضاعفات. فهل هناك أي أمل بوصول القيادات العربية المسؤولة الى قرارات حاسمة بهذا الشأن؟

التجارب علمتنا من مرارتها وخيبات أملها ونتائجها المأساوية أن لاشيء جاهزاً حتى هذه اللحظة للوصول الى هذا الهدف بل أن مؤشرات كثيرة تدل على أنه حتى النيات الصادقة غير متوفرة لأسباب نجهل بعضها، ونعرف بعضها الآخر، وربما لغايات في نفس يعقوب أو بسبب إدمان على اللامبالاة والتواكل والتخاذل وترك الأمور على غاربها ونفض الأيادي من قرارات الأمة ورغبات الشعوب والاستسلام للواقع المرير.

ومع هذا يمكن القول أن هناك ما يمكن البناء عليه والتأسيس على مشروع عربي واعد لتصحيح الأخطاء ورأب الصدع وحل الخلافات وإنهاء حالة التشرذم وأقصد بالطبع مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للمصارحة والمصالحة التي أطلقها في قمة الكويت الإقتصادية وأكملها بسلسلة تحركات ومبادرات واتصالات بين الدول العربية كان أبرزها تحقيق المصالحة السعودية- السورية بعد قمة دمشق ونزع فتيل انفجار الأزمة اللبنانية بتسهيل تشكيل حكومة وفاق وطني وإطلاق قطار الحل وتسيير الأمور بالتي هي أحسن وفق أسلوب فن الممكن حتى إشعار آخر.!

الملف الساخن الأول الذي يقض مضاجع العرب والمنطقة والعالم هو الملف النووي الإيراني الذي قد يتحول بين لحظة وأخرى الى ملف متفجر يلهب سماء وأرض المنطقة ويهدد بمضاعفات خطيرة.

فقد وصلت الأمور في هذا الملف الى درجة الغليان وحل التفجير على بعد قاب قوسين وأدنى من المواجهة الشاملة التي قد تصل الى حد الحرب التي تخطط إسرائيل لشنها على إيران في الربيع المقبل، حسب معظم المؤشرات، أو التي قد تسعى الى جر الولايات المتحدة والعالم إليها عبر تضخيم الخطر النووي الإيراني والتحذير من قرب حصول إيران على أسلحة نووية.

ومشكلة هذا الملف تكمن في سوء التعامل معه من جميع الأفرقاء، من العناد الإيراني الى سوء النيات الإسرائيلية الى إتباع الولايات المتحدة سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين بين إسرائيل ودول المنطقة.

ومشكلة إيران بالذات أن قيادتها تبدو كأنها تجر العالم الى المواجهة الحتمية عبر التحدي وعدم التحلي بالمرونة والحكمة، فقد كان من الممكن أن تحقق أهدافها، مهما كانت، بالمكر والهدوء وتغليب لغة العقل كما فعلت اليابان والمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكما تفعل الصين حالياً. ولكن الرئيس أحمدي نجاد وغيره يبدو وكأنه يقول للعالم: تعالوا اقتربوا وأنا سأرد بتدميركم، خاصة وأنه يعاني من أزمة داخلية حقيقية مع أن الكل يعرف أن النتائج ستكون وخيمة على الجميع، وعلى إيران والدول العربية يشكل خاص.

ومشكلة إسرائيل المزمنة، والقاتلة لها قبل غيرها على المدى البعيد هي هذا التعنت المتمادي والتحدي الوقح للعرب والمسلمين في احتلال أراضيهم وسلب حقوقهم ورفض التنازل عن الحدود الدنيا التي رضي بها أصحاب الشأن، إضافة الى الغي في منع الآخرين من الحصول على السلاح النووي فيما هي تكدس ترسانات القنابل والصواريخ النووية وشتى أنواع وأشكال أسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً. ومشكلة الولايات المتحدة، والغرب بشكل عام، تكمن في الإستسلام لهذا الواقع المرير والمخزي، والإنحياز لإسرائيل بشكل سافر وعدم الإقتناع بأن حل أزمة الشرق الأوسط سيفتح أبواب الحلول لمعظم مشاكل العالم وأولها معضلات الإرهاب والعنف والكراهية كما أنه يحمي المصالح الحيوية لهذه الدول ويؤمن لها مجالات الإنفراج الاقتصادي والرخاء والاستقرار الأمني والاجتماعي والمالي.

وهذا يقودنا الى الملف الساخن الآخر وهو ملف الصراع العربي الإسرائيلي ومعه ملفات السلام والحرب والمقاومة ومستقبل العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية والفلسطينية-الفلسطينية.

فتركة العام الماضي كانت الأكثر ثقلاً والأوسع هماً وغماً ومشاكل لا تعد ولا تحصى، فمن حكومة المتطرفين العنصريين بقيادة بنيامين ناتنياهو الى بناء المستعمرات الاستيطانية وتهديد القدس وتهديد المسجد الأقصى الى رفض كل مبادرات السلام وعرض مبادرات مسمومة مثل الدولة الفلسطينية بنصف الضفة الغربية وحدود موقته الى شروط ملغومة بالإلحاح على الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية وصولاً الى مخطط خبيث لترحيل العرب الفلسطينيين من أراضي فلسطين المحتلة عام 1948.

وازداد الملف التهاباً نتيجة للموقف الأليم الذي وصلت إليه العلاقات بين فتح وحماس، وبين الضفة والقطاع، إذ أن المشكلة الكامنة على السطح الآن هي قضية الشرعية الفلسطينية بعد تعذر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية على المدى المنظور مما يعني دستورياً عدم تمتع السلطة في غزة والضفة بالشرعية وحدوث فراغ لابد من المسارعة الى سده بالوفاق بعد تعذر المصالحة وتعثر المساعي التي بذلتها مصر طوال العام المنصرم!

وما يتردد عن احتمال صدور قرار بحل السلطة الوطنية ومؤسساتها التي قامت على أساس اتفاقيات أوسلو لا يعدو كونه مجرد خطوة عبثية لتعميق الهوة ودق المسمار الأخير في آمال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. والأمل كبير بأن ينتصر العقل وينتبه الأفرقاء الفلسطينيون الى هذا الخطر الذي يهدد حاضرهم ومستقبلهم وآمالهم وهويتهم الوطنية، وأن يواصل رعاة الخير مساعيهم للوصول الى نهاية سعيدة لهذه المأساة العربية والفلسطينية وإغلاق الملف بكل فصوله بشكل يضمن حقوق أصحاب الحق والأرض الشرعية.

الملف المأساوي الآخر المحمل من العام الماضي الذي ورثناه في عامنا الجديد هو الملف العراقي. رغم وعود الإنسحاب الأميركي وجهود ترتيب البيت عبر الانتخابات العامة المقررة هذا العام فإن الغموض يسود في كل مكان حول مصير العراق كوحدة وكيان وعن المستقبل بعد انسحاب القوات الاميركية المتوقع قبل نهاية العام المقبل. فالفتن الطائفية والعرقية والمذهبية صاحية ومترقبة، والعنف يشتد والإرهاب يكشر عن أنيابه والفساد يأكل الأخضر واليابس مما عمق من محنة الشعب العراقي وزاد من قلقه وخوفه ودفعه للهجرة الى المجهول. أما الملف اللبناني يبدو للظاهر والعيان أنه إنتقل من عام الى عام بارداً ومبشراً بالآمال العظام، والكل يأمل ذلك، والدلائل تشير الى أن معظم الأطراف يعمل من أجل السلام والتهدئة والوفاق، ولكن أخشى ما نخشاه هو أن يكون مختبئاً وراء الرماد خاصة وأن الاستحقاقات الكبرى لم تحسم بعد وأن «التفاصيل» كثيرة ومتشعبة ومتعددة، وفي التفاصيل تسكن الشياطين، كما يقول المثل. ومع أن الظواهر سليمة وحكومة الرئيس سعد الحريري تشق طريقها نحو تحقيق الأهداف المرجوة فإن الخوف، كل الخوف، يبقى في الملفات الأقليمية ولاسيما الملف النووي الإيراني في حال وصول الأمور الى المواجهة والتفجير.

والى جانب هذه الملفات يجب أن لا نغفل الاشارة الى ملفات ساخنة أخرى من بينها الملف اليمني المضرج بالدماء بعد كل ما جرى لأن المعالجة ستأخذ وقتاً كبيراً للملمة الجراح وسد الثغرات وإعادة توحيد البلاد والعباد ورأب الصدع والتوصل الى وفاق وطني على أسس ديمقراطية سليمة.

وهناك أيضاً الملف الأفغاني الذي ينتظر أن يزداد خطورة خلال العام 2010 بسبب دقة الظروف الراهنة ونتائج المعارك الأخيرة وتطورات أحداث 2009 ورغبة دول «الإيساف» بالإنسحاب من هذا المستنقع.. لكن الحلول صعبة بسبب ظروف الحكومة الأفغانية بزعامة الرئيس حامد كارازاي واستشراء الفساد وعدم تحقيق آمال الشعب الأفغاني بعد إزاحة حكومة طالبان إضافة الى استمرار وجود القاعدة وتحالفها مع طالبان التي ترفض الحوار حول حل وسط يضع حداً لحمامات الدم في هذا البلد المنكوب.

ويبقى الملف الاقتصادي مفتوحاً على مصراعيه عربياً ودولياً فتركة العام المنصرم ثقيلة جداً والآمال بتخطي الأزمة المالية العالمية ما زالت في خانة التمنيات، وما يتخذ من إجراءات وقرارات وعمليات تصحيح وإصلاح خلال الأشهر المقبلة سيكون له كلمة الفصل في الانفراج الاقتصادي .. أو الانفراج الاجتماعي. وهناك ملفات عربية كثيرة مفتوحة وساخنة مثل ملف السودان بكل تشعباته وملف التعاون العربي وملفات الأوضاع الداخلية والأمراض المزمنة المرحلة من عام الى عام بلا حل ولا أمل.. والمطلوب بإلحاح هو اتخاذ مبادرات جدية تؤسس لتحرك جاد وسريع لحل المشاكل المستعصية وإغلاق الملفات المفتوحة قبل فوات الأوان.

============================

لبنان وسوريا: ما وراء زيارة الحريري لدمشق

آخر تحديث:الاثنين ,04/01/2010

الخليج

عبد الاله بلقزيز

لم يكن مشهد اللقاء بين الرئيس بشّار الأسد ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري مفاجئاً أو من دون مقدمات، فلقد شارك في صنعه وإنضاج شروط إمكانه عددٌ غيرُ قليل من الأحداث والأطراف والقوى: من وليد جنبلاط الذي دشن تفكك الحلف اللبناني المعارض لدمشق بعد أحداث 7 مايو 2008 و”اتفاق الدوحة”، إلى نتائج الانتخابات النيابية التي أسفرت عن توازُنٍ في فرض خيار حكومة الوحدة الوطنية، إلى مصالحات داخلية (بين عون والحريري، وعون وجنبلاط)، إلى المصالحة السعودية السورية، إلى دور فرنسا ومهندس سياستها اللبنانية كوشنير، إلى تسليم إدارة أوباما بالحاجة إلى علاقات لبنانية سورية طبيعية، بعد فشل سياسة سابقتها في تفجير تلك العلاقات .

 

على أن سوريا، من جهتها، هيّأت مبكراً شروط هذه الزيارة وما تعنيه من طي لصفحات الخلاف اللبناني السوري: من تسهيلها إنجاح “اتفاق الدوحة” بما فيه من طَمْأنَةٍ للحريري عبر حلفائها على مركزه التمثيلي والانتخابي في تقسيم دوائر بيروت، إلى تشجعيها “حزب الله” على ممارسة تهدئةٍ سياسية وإعلامية أكبر على جبهة العلاقة بالحريري و”تيار المستقبل”، إلى استقبالها المميز للعماد ميشيل عون في دمشق، بما يُضمره ذلك النوع من الاستقبال من إيحاءٍ بأن سوريا تَقْبَل التسامح مع أشدّ خصومها شراسة في مواجهتها، إلى قبولها تبادُل التمثيل الدبلوماسي وإقامتها سفارةً لها في لبنان، إلى حيادها الكامل في الانتخابات النيابية اللبنانية، إلى زيارة الرئيس بشار للسعودية، إلى تسهيلها ميلاد حكومة سعد الحريري .

 

في مشهد اللقاء الدمشقيّ رجلان: أحدهما يَحِق له أن يتباهى بحُنْكته السياسية واقتداره على الخروج ببلده من عواصف دولية وإقليمية هوجاء من دون خسائر تُذْكر . والثاني يملك أن يتباهى بأنه دشن عهدَهُ الحكومي بفعلٍ من أفعال الشجاعة السياسية غيرَ مبالٍ في ذلك بلومِ لائِم ممن ساندوهُ في ابتلاءِ الرزْء والفقدان وكان ليحْلفهم زعيماً وعنواناً، ولا بد هنا من بعضِ التفصيل والتعيين درءاً لما ينبغي أن يُدْرَأ من أحكام وتحوطاً ممّا لا سبيل إلى الإبانة عن معنى المفردات إلاّ بالتحوط منه .

 

ليستْ تَكْمُن شجاعةُ ابنِ رفيق الحريري في أنه عَض على جرحه وتَعَالَى عن آلامِهِ فذهبَ إلى الشّام مضحِياً بالحقّ الشخصيّ في سبيل الحق العامّ . ولا هي تكمُن في أنّه وَضَع خطوط التمييز والفَصل بين شأنٍ باتَ في عهدة القانون الدولي (والمحكمة الدولية)، وشأنٍ آخر يدْرِكُ أنه لا يستقيم له أمرٌ من دون التفاهُم مع سوريا، وإنما هي تكمُن في تغيير خطابه تجاه سوريا وقيادتها، وشَده الرحال إلى عاصمتها، مع علمِهِ شدةَ وطأةِ ذلك على حلفائه واحتمالَ تفسير موقفه تفسيراً خاطئاً في أوساط هؤلاء الحلفاء، بل في أوساط جمهورٍ جُيشَ كبيرَ تجييش ضدّ سوريا على مدار خمسِ سنواتٍ إلاّ قليلاً، وكان جمهورُ الحريري أكثرهُ عدداً وأكبرهُ تأثيراً .

 

ولستُ أذهبُ مذهبَ القائلين، إن زيارة الحريري إلى دمشق كانت ثمناً سياسيّاً عربيّاً وداخليّاً دفعه لقاء اختياره رئيساً للحكومة، فالقول بذلك إنما يتغيا تقديم الرجل وكأن براغماتيته تعلو في نفسه على أي شيءٍ أو أي شعورٍ أو مبدأ، والقول هذا يتجاهل أنَ الحريري كان يمكنه أن يرأس الحكومة اللبنانية منذ حصوله على الغالبية النيابية في انتخابات العام ،2005 وحيث ما كان في ذلك الحين يحتاج إلى موافقة سوريا لو كان طموحه السياسي كما يصوّرهُ هؤلاء .

 

وأنا لستُ أذهب مذهبَ القائلين إن الرجلَ بَدَا مغلوباً على أمره، بحيث لا يملك فكاكاً من زيارة دمشق مرغماً، فلقد كان مغلوباً على أمره أكثر بعد أحداث 7 أيار/ مايو 2008 و”اتفاق الدوحة” وما نجم عنه من نتائج عززت مطالب المعارضة . لكنه رفض أن يشكّل الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشيل سليمان، ولم يكن يَسَعُ أحداً أن يرغمه على تشكيل الحكومة أو زيارة سوريا .

 

كما لستُ أسلم مع مَن يسلّمون بأن زيارتَه مما فرضَتْهُ المصالحة السعودية السورية عليه، وحملتْهُ الرياضُ عليها . ففي القول بذلك مساسٌ بمساحة الاستقلالية التي يتمتع بها الحريري تجاه حلفائه السعوديين ويتمتّع بها “القرارُ السنيّ” البيروتي واللبناني إزاء الرياض، وتصويرُهُ وكأنه مجرد وكيلٍ لبنانيّ لسياسةٍ إقليمية عربية .

 

لكني أسلم بأمرٍ في هذه الزيارة، وأكادُ أسَلم بأمرٍ ثانٍ فيها، فأمّا الذي أسلّم به، فهو أن سعد الدين الحريري نَضجَ سياسيّاً في فترةٍ قياسيّة فباتَ يدرِك أن السياسةَ محكومةٌ بمنطق المصلحة وأحكام الجوار والتاريخ، وأن الأحقاد والنوازع الفردية لا تفتح أفقاً أمام الفاعلين السياسيين ولا تُدر أرباحاً على أوطانهم أو تصونُ مصالح فيها . وأما الذي أكاد أسلم به عن حدْسٍ وتحليل لا عن بيناتٍ ومعلومات فهو أن الحريري ما زار دمشق إلاّ لأنّه اقتنع ببراءة دمشق من دم والده الشهيد رفيق الحريري، بل لعلّي أغامر بالقول إنه ما كان لِيَقْبَل رئاسة الحكومة اللبنانية على معرفته بما ترتّبه عليه من علاقاتٍ بسوريا لو لم يتكون لدْيه شعورٌ أو اعتقاد بعدم صلة دمشق باغتيال والده، وإلا ماذا تغير حتى يَقْبَل بتشكيل حكومةٍ كان يملك أن يشكّلها في مناسبتيْن سابقتيْن: بعد الانتخابات التشريعية للعام ،2005 وبعد “اتفاق الدوحة” وانتخاب رئيس الجمهورية في 2008؟

============================

العالم على عتبة العام الجديد.. الفتوحات والأزمات

 بقلم :علي حرب

البيان

4-1-2010

مع بداية العام الجديد يلح السؤال حول سير العالم ومآله: إلى أين المصير؟

لا شك أن العالم تغيّر عما كان عليه قبل عقود، بل هو يتغيّر بصورة مفاجئة ومتسارعة، سواء في نظامه وخريطته أو في مفاهيمه وقيَمه أو في أدواته ومؤسساته، فضلاً عن محركاته وقواه واللاعبين على مسرحه.

 

وهكذا نحن إزاء تحولات بنيوية هائلة، تقنية واقتصادية وسياسية ومجتمعية وثقافية، تنخرط معها البشرية في واقع كوني جديد. هناك عوامل عديدة تضافرت وتداخلت لصنع هذا الواقع. يمكن الإشارة إلى بعض المحطات والانعطافات البارزة:

 

الانهيارات الأيديولوجية والسياسية، كما تمثلت في سقوط المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفييتي، وما تلا ذلك من تداعيات تجسدت في سقوط جدار برلين بين شطري أوروبا، وفي زوال الثنائية القطبية بين أميركا وروسيا، الأمر الذي أتاح للولايات المتحدة أن تتصدّر قيادة العالم أو أن تنفرد بإدارته، بما عناه ذلك من انتصار عقيدة السوق وهيمنة الليبرالية بشكلها الجديد المعولم ومنطقها الأحادي.

 

الموجة الحضارية الجديدة، كما تمثلت في ثورة المعلومات والاتصالات التي تفجرت معها أُطر الزمان والمكان، بما يشبه فتحاً كونياً لا سابق له؛ إذ أصبح بالإمكان نقل المعطيات من العلامات والصور أو الرموز والنصوص، من مكان إلى آخر، بسرعة الضوء والفكر؛ فضلاً عن تزايد إمكانات الانتقال والاتصال والتبادل بين البشر، بعد تآكل الحدود بين الدول والمجتمعات. بذلك تنتقل البشرية من عالمية المجتمع الصناعي والإنتاج الثقيل، إلى عولمة الزمن الرقمي والإنتاج الإلكتروني، الأمر الذي حوّل الكرة إلى قرية واحدة أو إلى سوق واحدة أو ساحة واحدة، على الصعد الإعلامية والاقتصادية والأمنية.

 

الطفرات المعرفية والتحولات الفكرية التي تغيرت معها الرؤية إلى العالم وطريقة مقاربة الأشياء. تمثل ذلك في مقولات جديدة في قراءة المجريات العالمية، مثل نهاية التاريخ، صدام الحضارات، ما بعد الإنسان، الليبرالية الجديدة، النَسوية الجديدة، مجتمع المخاطرة، الحداثة السيّالة، مجتمع الشبكة، الفوضى الخلاقة، عقلنة الكوارث، وسوى ذلك من الأفكار والمفاهيم التي تغيرت معها النظرة إلى الإنسان والثقافة والهوية والمجتمع، أو إلى الحياة والطبيعة والكون..

 

صعود الأصوليات الدينية على المسرح، كما تمثل ذلك في قيام الثورة الإيرانية، وفي وصول بعض الأحزاب الإسلامية إلى الحكم في غير بلد. ومن لم يقبض منها على السلطة بات قوة فاعلة في صنع

 

harb@cyberia.net.lbالأحداث المحلية والإقليمية أو العالمية، كما يحدث في أفغانستان والعراق ولبنان، أو في غزة والصومال والسودان. وهكذا نحن إزاء عودة للدين بعقائده وفتاواه ومنظماته ودعاته ورجاله الذين يحتلون الشاشات والساحات..

 

هذه أحداث كبرى أسهمت في صنع المشهد الكوني الراهن، الغني بإمكاناته والمفتوح على احتمالاته الإيجابية والسلبية. بالنسبة إلى الإيجابيات، يمكن الإشارة أولاً إلى انكسار منطق الأحادية القطبية التي أعقبت انهيار الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بما عناه ذلك من انفتاح الأفق نحو عالم متعدد القوى والأقطاب والتكتلات. هذا ما تجسّد في صعود الدول الناشئة على المسرح الكوني كقوى سياسية واقتصادية، كالصين والهند والبرازيل، الأمر الذي عنى كسر المركزية الغربية ممثلة بأميركا وأوروبا.

 

ولادة فاعل بشري جديد مفتوح على تعدد الأنماط والنماذج. هذا ما تجلى خاصةً في نشوء هويات جديدة، هجينة ومركبة متعددة الجنسية والإقامة أو اللغة والثقافة، الأمر الذي أدى الى كسر المنطق العنصري. ومن شواهد ذلك انتخاب أوباما، الذي هو صاحب هوية خلاسية، رئيساً للولايات المتحدة.

 

تزايد إمكانات التحاور والتواصل بين الدول في مواجهة المعضلات والتحديات المالية والبيئية والأمنية، على نحو ترتسم معه، بصورة لم تُعهد من قبل، وحدة المصير البشري، في ما وراء صدام الأفكار وصراع المصالح. يتجلى في ذلك في نسج علاقات جديدة بين الأقطاب الثلاثة: أميركا والصين وروسيا، تقوم على التباحث والتعاون، بالرغم من الاختلاف والتنافس.

 

مقابل هذه العوامل التي تشتغل لصالح مفاهيم الانفتاح والاعتراف والشراكة الكونية والقوة الناعمة، هناك عوامل سلبية هدامة مضادة، تشتغل لمصلحة الانفراد والاحتكار أو التعصّب والإرهاب، وكل ما يصنع المآزق والأزمات.

 

ولا مبالغة، فمع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، تغرق البشرية في أزماتها على غير صعيد، وأخطرها وأشدها فتكاً، بالطبع، أزمة مثلثة الرؤوس؛ وجهها الأول هو الانهيارات العقارية والبنكية، التي أسهمت في صنعها حرية السوق المطلقة وهيمنة رأس المال المالي على بقية القطاعات الاقتصادية. ومن المفارقات في هذا الخصوص، أن الأزمة المالية الراهنة تعني نقصاً في سيولة الأموال، في عصرٍ يوصف بأنه عصر الحداثة السيّالةِ في المعلومات.

 

أما وجهها الثاني، فيتمثل في التلويث والتصحير والتبديد، في ما يخص العلاقة مع الأرض والحياة والطبيعة والمجال الحيوي. فبعد عشرين عاماً من عقد أول اجتماع لتدارس هذا الخطر المحدق بالمصائر، ازدادت المخاطر الناتجة عن الانبعاث الحراري والاستهلاك الفاحش المُفضي الى نضوب الموارد. من هنا كان الاجتماع الأخير في كوبنهاغن لتدارك الكارثة الآتية، والذي شارك فيه أكثر من مائة دولة.

 

وكان من الطبيعي أن تواجه القمة بالاحتجاجات أو برفع المطالب، من جانب الأجيال الشابة والمقبلة التي باتت تخشى على مستقبلها ومصائرها من الأجيال الفائتة والفاشلة الممسكة بالمقدرات.

 

والوجه الثالث، هو العنف الذي يتصاعد ويتعمم ويتعولم، بعد صعود الأصوليات المتشددة على المسرح بآلهتها ونجومها وأبطالها وجزاريها. وبالطبع فالإرهاب قد استدعى الحرب عليه، من جانب القوى العظمى والدول الفاعلة، وخاصة من جانب الولايات المتحدة التي ضُربت في عقر دارها، ممن كانوا حلفاء لها أو ممن أسهمت في صنعهم ودعمهم في مواجهة الاتحاد السوفييتي، فارتدوا عليها، والحصيلة هي تواطؤ الضد مع ضده، على إحداث كل هذا العبث والخراب على الساحة الكونية.

 

وهكذا يترجح العالم بين فتوحاته وأزماته، بين منجزاته وكوارثه، مما يعني أنه لم يعد بالإمكان إدارة شؤون الكوكب، في ضوء التحولات وعلى وقع الأزمات، بالعدة الفكرية السائدة، فكل شيء آخذ في التغيّر، الدين والدولة والمجتمع والهوية والمعرفة والعمل.

 

من هنا الحاجة إلى استراتيجيات جديدة في التفكر والتدخل والتدبر: الاعتراف في ما يخص العلاقة بالآخر، التداول في إدارة الشأن العام، الشراكة في إدارة الشأن الكوكبي، الرعاية في ما يخص الطبيعة والأرض، الاقتصاد والتعقّل بخصوص الإنتاج والاستهلاك، وإلا فالكل هالك وسط هذا السباق المجنون على الحطام.

كاتب ومفكر لبناني

============================

"الحل السويسري" أساس التسوية بين سوريا وإسرائيل

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

17 –

النهار

4-1-2010

عن سوريا في اميركا باراك اوباما، تحدث الناشط الاميركي من أصل عربي نفسه، العامل على خط التسوية بين العرب واسرائيل قال: "في اميركا سوريا الآن على نار خفيفة أو "على سرعة ضعيفة" اذا جاز التعبير على هذا النحو. طبعاً تأخر تعيين سفير اميركي لديها وكان يمكن ان يكون أسرع. الادارة تعمدت التأخير لاظهار انزعاجها من سوريا. الا ان اسم السفير سيعلن قريباً. لا تنس ان هناك ضرورة لمصادقة الكونغرس على تعيينه. والمشكلة ان سوريا غير محبوبة او حتى مرفوضة منه ومن جهات اميركية اخرى. ولا يكفي ان يطلب الرئيس اوباما منهم تغيير مواقفهم كي تتغير كما يحصل في العالم الثالث. هناك عقوبات اميركية مفروضة على سوريا. خفف اوباما القليل منها. لكنه كان مضطراً الى تمديد قانون العقوبات والمحاسبة المتعلق بها لأن القانون يفرض عليه ذلك ولأن لا حل آخر أمامه. لم يتحقق شيء مع السوريين".

في الموضوع السوري هناك أمران: الأول، السلام بين سوريا واسرائيل. والثاني، العلاقة الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة. اذا فشل تحقيق السلام المذكور لماذا لا يتحقق تقدم جدي في العلاقة المذكورة؟ سألت. أجاب: "لأن سوريا تأخذ ولا تعطي. تتقدم خطوة في حوارها مع اميركا ثم تتراجع خطوتين أو أكثر. أعطيك مثلاً على ذلك: حصل اتصال بين "سوريا" والدكتور ابرهيم سليمان الاميركي السوري الأصل الذي عمل سنوات طويلة على خط دمشق – تل ابيب وخصوصاً اثناء عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد، طلبَتْ منه فيه العمل لتأمين دعوة رسمية من الخارجية الاميركية الى وزير الخارجية السوري وليد المعلم لزيارة واشنطن بعد انتهاء اشتراكه في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. كان جوابه ابداء الاستعداد للسعي الى تنفيذ هذا الطلب لكن بعد وروده اليه خطياً تلافياً لأي اشكالات بينه وبين دمشق كما حصل في السابق أكثر من مرة. اجابه المعنيون السوريون باستعدادهم لارسال طلب خطي اليه شرط ان يتعهد ايصال الدعوة الرسمية الى المعلم شخصياً في دمشق. رد سليمان باستعداده لتسليمه اياها في نيويورك. وتم الاتفاق على ذلك. فتحرك (سليمان) على الفور والتقى المسؤولين المعنيين بترتيب هذا النوع من الامور وطلب منهم السعي لدعوة المعلم الى زيارة واشنطن رسمياً وخطياً للقاء نظيرته هيلاري كلينتون وربما مسؤولين آخرين على نحو غير رسمي في منزله كما كان يحصل خلال السنوات الطويلة السابقة. لبى هؤلاء طلب سليمان وسلموه الدعوة الرسمية الخطية، فاتصل ب"المعنيين" السوريين في دمشق أو ربما في نيويورك أو في المدينتين، مبلغاً اليهم ذلك وعارضاً ارسال الدعوة اليهم أو تسليمها شخصياً في نيويورك الى المعلم. فكان الجواب المفاجأة أو الصدمة: كلا. لم تعد زيارة الوزير المعلم لواشنطن واردة. طبعاً أُحرج سليمان كثيراً، إذ كيف سيبرر للاميركيين هذا التراجع؟ وماذا سيكون رد فعلهم؟ ان الدكتور سليمان - أضاف الناشط الاميركي من أصل عربي نفسه - يستطيع خلال الاشهر المقبلة أي في الربيع المقبل أن يؤمن دعوة رسمية للوزير المعلم كي يزور واشنطن. وان يحاول تأمين أخرى مثلها للرئيس بشار الاسد. ونجاحه في هذه المحاولة قد يكون صعباً لكنه ليس مستحيلاً. لكنه لن يقوم بأي من الأمرين تطوعاً ولن يقبل ان يُطلب منه القيام بهما شفهياً بل خطياً حفظاً لكرامته ولما يعرف بخط الرجعة.

على كل أسمع من بعض الاوروبيين ان سوريا ليست جادة في الانفتاح على الغرب والحوار معه. من ابرز الاشارات الى ذلك تراجعها عن توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي بعد تحديد موعد التوقيع. لماذا؟ هل لأن اعلاناً يتعلق بحقوق الانسان أرفق أو ألحق بالاتفاق رغم انه عملياً منفصل عنه؟ هل بهذه الطرق والتصرفات تستعيد سوريا ثقة الغرب وتعاونه؟".

 ماذا عن السلام السوري – الاسرائيلي تحديداً؟ سألت. أجاب: "ما نوقش في سويسرا على مدى سنين برعاية منها بين الدكتور ابرهيم سليمان – الذي كان على تنسيق تام آنذاك مع القيادة السورية واسرائيليين على تنسيق تام مع حكومتهم، اثمر مشروعاً يعيد الجولان الى سوريا ويرسي سلاماً دائماً بينها وبين اسرائيل، وكان "بارك السلام" (Peace Park) أي منتجع السلام بنداً أساسياً فيه. هذا المشروع لا يزال الاساس الأمثل للحل أو للتسوية بين سوريا واسرائيل. لا بد من حل كهذا. وسيتحقق. أما بين الفلسطينيين واسرائيل، فإن الحل بعيد أو قد لا يتحقق. "الحل السويسري" اذا جاز وصفه على هذا النحو وافقت عليه اسرائيل وسوريا في حينه. ويبدو انه يعود اليوم الى طاولة البحث. ولكن داخل الغرف المغلقة في كل من الدولتين". كيف ذلك؟ سألت.

============================

عام صيني جديد

بول كروغمان

الشرق الاوسط

4-1-2010

هذا هو الوقت الذي يقدم فيه النقاد توقعاتهم بخصوص العام المقبل. وتتعلق مخاوفي بالأوضاع الاقتصادية الدولية، وأتوقع أن يكون 2010 عام الصين، ولكن حاله لن يكون جيدا.

وفي الواقع، تتعلق المشكلات الكبرى مع الصين بالتغير المناخي. ولكن اليوم أود التركيز على سياسة العملة.

لقد أصبحت الصين قوة تجارية ومالية كبرى، ولكنها لا تتصرف مثل الاقتصادات الكبرى الأخرى، حيث إنها تتبع سياسية تجارية تهدف لتحقيق الربح مع المحافظة على فائض تجاري مرتفع بصورة مبالغ فيها. وفي عالمنا الحالي المتأثر بالكساد، نجد أن هذه السياسية، وسأقولها واضحة صريحة، تمثل سياسة لصوص.

وفي ما يلي طبيعة هذه السياسة:

على عكس الدولار أو اليورو أو الين، التي تتغير قيمها بحرية، نجد أن عملة الصين ترتبط بسياسة رسمية عند سعر 6.8 يوان مقابل الدولار. وبسعر الصرف ذلك، تصبح للصناعة الصينية ميزة تكلفة كبيرة على المنافسين؛ وهو ما يؤدي إلى فوائض تجارية كبيرة.

وفي الظروف الطبيعية، سوف يؤدي تدفق الدولار من هذه الفوائض إلى ارتفاع قيمة العملة الصينية، ما لم تتم معادلته بمستثمرين من القطاع الخاص يسيرون في الاتجاه الآخر. ويحاول مستثمرو القطاع الخاص الدخول إلى الصين، وليس الخروج منها. ولكن الحكومة الصينية تضع قيودا على تدفق رأس المال، حتى مع شرائها للدولار بكميات كبيرة، وتبقيهم في الخارج، أضف إلى ذلك ما لديها من احتياطي نقد أجنبي يزيد على تريليوني دولار.

وتناسب هذه السياسة عقدة الصين التصديرية الصناعية، غير أنها ليست على الدرجة نفسها من الفائدة بالنسبة للمستهلكين الصينيين. ولكن، ماذا عن الباقي منا؟

في الماضي، كان يقال إن المخزون الصيني من الاحتياطي الأجنبي، وكان الكثير منه عبارة عن استثمارات في سندات أميركية، له أهمية بالنسبة لنا؛ إذ إنه يحافظ على معدلات الفائدة منخفضة، على الرغم من أن ما فعلناه بمعدلات الفائدة المنخفضة كان سببا رئيسيا في تفاقم فقاعة الإسكان. ولكن العالم يعاني في الوقت الحالي مما يعرف باسم «الأموال الرخيصة»، ويبحث عن حل. وتقترب أسعار الفائدة قصيرة الأجل من الصفر، فيما نجد أن أسعار الفائدة طويلة الأجل أعلى؛ وسبب ذلك هو أن المستثمرين يتوقعون انتهاء سياسة معدلات الفائدة الصفرية في يوم ما. ولا تصنع عمليات شراء الصين للأذون سوى فارق بسيط، هذا إن كان هناك فارق من الأساس.

وفي هذه الأثناء، فإن ذلك الفائض التجاري يصرف طلبا نحتاج إليه كثيرا، بعيدا عن اقتصاد عالمي متأثر بالكساد. وتشير تقديراتي إلى أنه خلال العامين المقبلين قد تفضي السياسة التجارية الصينية إلى تراجع في الوظائف الأميركية بنسبة تصل إلى نحو 1.4 مليون وظيفة.

ويرفض الصينيون الاعتراف بوجود مشكلة. ففي وقت قريب، رفض رئيس الوزراء الصيني، ون غيا باو، الشكاوى الأجنبية، قائلا: «من ناحية تطلبون رفع قيمة اليوان، ومن ناحية أخرى تأخذون كافة التدابير الحمائية». وفي الواقع، تتخذ دول أخرى إجراءات حمائية (متواضعة)؛ لأن الصين ترفض السماح برفع قيمة عملتها، وهناك حاجة إلى المزيد من مثل هذه الإجراءات.

ودائما أسمع سببين لعدم الدخول في مواجهة مع الصين، على خلفية السياسات التي تنتهجها، ولكن كلا السببين غير مقنع.

أولا: هناك الزعم أننا لا نستطيع مواجهة الصينيين؛ لأنهم سيقوضون الاقتصاد الأميركي عن طريق بيع مخزونهم من الدولار بثمن بخس، وهذا خطأ كبير؛ إذ إنه بهذه الطريقة سوف يتكبد الصينيون أنفسهم خسائر باهظة. والنقطة الأكثر أهمية هي أن العوامل التي تجعل من السياسة التجارية الصينية مدمرة بصورة كبيرة في الوقت الحالي هي نفسها العوامل التي تفيد أنه ليس للصين نفوذ مالي كبير، أو ليس لها نفوذ ألبتة. مرة أخرى، يغرق عالم اليوم في الأموال الرخيصة. وعليه، إذا بدأت الصين في بيع الدولارات، فلا يوجد سبب يدفع إلى الاعتقاد أن ذلك سيرفع من أسعار الفائدة الأميركية بصورة كبيرة. فمن المحتمل أن يضعف ذلك من الدولار أمام العملات الأخرى، ولكن ذلك سيكون مفيدا، وليس ضارا، للقدرات التنافسية الأميركية، ولمعدلات الوظائف الأميركية. ولذا، إذا قام الصينيون ببيع مخزونهم من الدولار بثمن بخس، فسيكون علينا أن نرسل لهم خطاب شكر.

ثانيا: هناك زعم يقول إن السياسة الحمائية خطوة سيئة على الدوام مهما كانت الظروف. ولو كان ذلك ما تعتقد فيه، فهذا يعني أنك تعلمت المبادئ الاقتصادية من شخص غير مناسب؛ لأنه عندما يكون معدل التوظيف مرتفعا، ولا تستطيع الحكومة استعادة معدل توظيف كامل، لا تنطبق القواعد المعتادة.

واسمحوا لي بالاقتباس من ورقة للراحل بول صامويلسون، الذي شارك في تشكيل العلوم الاقتصادية الحديثة: «عندما لا يكون معدل التوظيف كاملا.. تكون الحجج التجارية التي ظهرت حقيقتها شرعية»؛ ويعني ذلك أن الزعم بأن الدول التي تدعم صادراتها بكفاءة تسرق الوظائف من دول أخرى، غير صحيح. ومضى يقول: إن أسعار الفائدة غير المتناسبة تطرح «مشكلات حقيقية أمام المدافعين عن التجارة الحرة»، وأفضل رد على هذه المشكلات هو العودة بأسعار الفائدة إلى ما يجب أن تكون عليه، وهو تحديدا ما ترفض الصين السماح به.

وخلاصة القول: تعتبر السياسة التجارية الصينية مشكلة متنامية، وضحايا هذه السياسة ليس أمامهم سوى القليل ليخسروه، حال دخولهم في مواجهة تجارية. ولذا أدعو الحكومة الصينية إلى إعادة النظر في عنادها، وإلا فإن السياسة الحمائية واللطيفة التي تشتكي منها الآن سوف تكون البداية لشيء أكبر.

============================

المفكر برهان غليون أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة السوربون: وضع العرب أسوأ مما تقوله التقارير

برهان غليون

القدس

4-1-2010

باريس- سنة تمضي بمرها وحلوها وأخرى تأتي بآمالها ومخبآتها، إنها حركة الزمن الدائبة، ولا شيء يمكن أن يكون خارج الزمن. كل كلام عن الزمن يؤدي بالضرورة إلى الكلام عن الوعي بهذا الزمن وبوجودنا في خضمه. وقد مرت أحداث على عالمنا العربي خلال السنة المنصرمة بعضها جلي وأغلبها ملتو وخفي، وهي تحتاج إلى وقفة الراصد والمحلل المتبصر والمفكر المتعمق.

للوقوف على بعض المسارات العربية وفهم مستغلقاتها حاور مركز الجزيرة للدراسات المفكر العربي برهان غليون، مدير مركز الدراسات العربية والشرق المعاصر، وأستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة السوربون بباريس، للوقوف على بعض تصوراته الفكرية وتحليلاته الإستراتيجية حول جملة من مواضيع الساعة.

المحور الأول: العرب وجيرانهم

كيف تفسرون الحضور التركي المتنامي في المنطقة، بما في ذلك في الرقعة العربية؟

- تركيا اليوم دولة فاعلة والدولة الفاعلة تجذب غيرها تماما كما يجلب النجاح الشهرة والجاه. وهكذا بعد عزلة طويلة عن محيطها، دفعتها إلى الالتصاق بالكتلة الغربية، قبل أن تتحول إلى حليف إستراتيجي لإسرائيل، عادت تركيا إلى بيئتها الجيوسياسية الطبيعية وأخذت تلعب دورا متميزا في شؤونها السياسية والإستراتيجية والاقتصادية.

والسبب الذي جعل منها دولة فاعلة تجذب إليها الدول المحيطة بها أو المحتاجة لمساعدة أو دعم خارجيين، العربية منها وغير العربية، أنها نجحت في حل مشاكلها الداخلية، الثقافية والسياسية، ونجحت في سياستها الاقتصادية. فتركيا تحصد اليوم ثمرة الجهود التي بذلتها في العقدين الماضيين لإرساء أسس الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، الصناعية والتقنية والعلمية، ومن وراء ذلك مصالحة تركيا مع تاريخها وثقافة شعبها وتراثه. هكذا نجحت في تجنب وتجاوز الحرب الأهلية المعلنة أو الكامنة التي عاشتها وتعيشها البلدان العربية، بين الإسلامية والعلمانية والتي تمزق الرأي العام وتشتت النخب الثقافية والسياسية وتحرم المجتمعات من تكوين أي إجماع وطني، أو حتى أغلبية سياسية يمكن من خلالها إقامة نظام سياسي مستقر قائم على أسس ثابتة من الشرعية الدستورية. وهذا ما أنتج أول تجربة سياسية فريدة في المنطقة أمكن فيها لحكومة إسلامية تعبر عن تيار الأغلبية الشعبية أن تستلم الحكم في إطار دولة علمانية، أو مع القبول بحيادية الدولة من الناحية العقدية والفلسفية، ومن دون الصراع معها أو تهديد نظامها. ولم يتحقق ذلك إلا بفضل التنازلات المتبادلة التي قبل بها طرفي الصراع. فقد قبلت النخبة العسكرية التي نصبت نفسها منذ قيام الجمهورية عام 1924 حارسا على السيادة الوطنية إلى التسليم بالأمر الواقع وقبول الشرعية الانتخابية، كما لم يتردد قادة حزب الرفاه الذي اصطدم بالعسكريين، في التراجع عن العديد من مواقفهم، بل في إعادة بناء الحزب الإسلامي على أسس ليبرالية جديدة، وتغيير اسمه للحفاظ على الخيار الديمقراطي والاستمرار في تطبيق برنامج العمل الوطني، بينما نادرا ما تجد بين الإسلاميين العرب إلى اليوم من لا يسخر من الديمقراطية ويسفه العلمانية ويكفر القائلين بها. وليس هناك شك أن وراء هذه التنازلات المشتركة التي عبرت عن نضج النخب التركية يكمن تطور مفهوم المصالح الوطنية التركية، لا من حيث هي تعزيز لوضع النخبة العسكرية وتأكيد هيمنتها، أي لا من حيث هي عنتريات سيادية شكلية ومظهرية، وإنما كبحث عن فرص تحسين شروط حياة الأتراك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومثلما نجحت تركيا في إيجاد طريقها لتحقيق الديمقراطية وما تعنيه من استقرار سياسي مشجع على المشاركة وبذل الجهد والاستثمار، نجحت أيضا في تحقيق وتائر تنمية صناعية واقتصادية مرتفعة ومنتظمة منذ ما يقارب العقدين. فتحولت إلى قوة إقليمية فعلية، اقتصادية وسياسية، وازنة في بيئتها. ونجحت أخيرا في تلقف الفرصة التاريخية وملء الفراغ السياسي والاستراتيجي الذي نجم عن إخفاق القوى الإقليمية أو تراجع نفوذها، وفي طليعتها القوى الغربية التي أفقدها تخبطها في حروب العراق وموقفها في فلسطين صدقيتها، وضعف السياسة الخارجية الإيرانية وتفكك العالم العربي نتيجة إخفاقه في تحقيق أي شكل من أشكال التكتل الاقتصادي أو السياسي وتشتت شمل دوله وأقطاره ودخولها جميعا في أزمات سياسية واقتصادية وأحيانا شاملة جعلتها تلهي بمشاكلها الداخلية وتعزف عن أي مشاريع عمل إقليمية.

هكذا بمقدار ما تبلور مشروع وطني تركي يتمحور حول السيادة والاستقلال والحفاظ على الديمقراطية وتعزيز فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو مشروع حداثة حقيقية، تطورت بموازاته سياسة إقليمية جديدة تهدف إلى خدمته. وبدأت أنقرة، التي كانت أعظم حليف إقليمي عسكري وسياسي لإسرائيل خلال عقود طويلة سابقة، تشعر بمسؤوليتها تجاه مشاكل المنطقة ونزاعاتها. فناهضت سياسات إدارة بوش العدوانية، واستفادت من علاقتها التقليدية بتل أبيب من أجل فك العزلة السورية والسعي إلى تحقيق تسوية تضمن عودة الجولان المحتل، وعبرت أكثر من مرة عن دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني واستعدادها للعب دور في أي تسوية سياسية. وأدانت الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة عام 2008. ولم يتردد وزير خارجيتها في زيارة غزة ثم في إلغاء أنقرة المناورات العسكرية المشتركة التي كانت تجري، مع الجيش الإسرائيلي، على حدود سورية الشمالية. ولا يترك زعماء تركيا العدالة والتنمية مناسبة من دون أن يظهروا اهتمامهم بمصير منطقتهم وحرصهم على المساعدة في بسط الاستقرار والسلام فيها. وهم يحققون بسبب ذلك مكاسب إستراتيجية واقتصادية وسياسية وثقافية متواصلة لا تحلم بها أي من الدول العربية الرئيسية. فتركيا تحصد اليوم ثمار عملها لأنها عملت أولا ولأنها تظهر بالملموس التزامها بمنطقتها ومقدرتها على حمل المسؤولية، أي قبول بعض المخاطر والتضحيات لصالح تحقيق الاستقرار في منطقتها ومحيطها، بينما لا تكف الأقطار العربية عن تمنين بعضها البعض أي جهد تبذله هذه أو تلك لدعم قضية من القضايا القومية.

في مقابل هذا الصعود المتنامي للدور التركي يلاحظ تراجع مريع في الدور العربي بما في ذلك في مجاله الحيوي، فما السبب في ذلك؟

- هذه هي النتيجة الطبيعية أيضا لإخفاق العرب في إنجاز المهام الثلاث التي نجحت تركيا في أيجاد حل مناسب لها، ضمن لها الاستقرار والتقدم المضطرد والهامش الكبير من الاستقلال والمبادرة الخارجية. فبينما كانت تركيا تجرب وتطور سياسات جديدة تماما، داخل تركيا وتجاه المنطقة المحيطة بها، العربية وغير العربية، بقيت الأقطار العربية، وبلدانها المركزية في المقدمة، ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، وتعجز عن الخروج من المآزق الفكرية والسياسية والاقتصادية التي وضعت نفسها فيها، وتهرب من متطلبات الإصلاح بإغلاق أشد لمنظومات الفكر وللنظم السياسية وللمبادرات الاقتصادية. وبالإضافة إلى الفخ الذي نصبناه لأنفسنا في الخمسينات والستينات حول الهوية القومية والهوية الوطنية والمفاضلة بينهما، وحول نمط الوحدة المطلوبة قومية مركزية أم اتحادات إقليمية، أدخلت النخب العربية المأزومة الرأي العام في فخ الاختيار بين الهوية الإسلامية والهوية العربية أو القطرية، وصار محور جهدنا موجه لتمييز الدولة الإسلامية عن الدولة العلمانية والعكس، أي للمماحكات النظرية والسياسية. ولا تزال النزاعات بين العلمانيين والإسلاميين تفتت، منذ أكثر من ثلاثة عقود، الجمهور العربي وتمنع من قيام أي إجماع وطني، أو أغلبية سياسية تسمح بإقامة نظام سياسي يحظى بالشرعية ويحسم نهائيا أزمة التداول على السلطة، أي الاتفاق على قاعدة واضحة، هي بالضرورة الديمقراطية. ولذلك بقي الحكم عندنا من حظ الأقوى والأكثر مقدرة على الغش والخداع والتفاهم مع القوى الخارجية. ولم يعد حتى الوصول إلى هذه القاعدة هو محور النقاش العربي في الشؤون السياسية وإنما أصبح في الأقطار العربية الجمهورية، والملكية أحيانا، يدور حول أحقية الأبناء في وراثة مناصب أبائهم وكيف يمكن الحيلولة دون تعميم نموذج ما أطلق عليه البعض اسم الجملكية، أي تحويل الجمهوريات إلى ملكيات وراثية. والحال أن نظمنا السياسية بدل أن تتقدم في اتجاه الديمقراطية كما حصل في تركيا تراجعت إلى نمط من السلطة السلطانية أو المملوكية التي لا تعنى لا بموضوع الشرعية ولا بالرد على حاجات تطور المجتمعات السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

لقد همشت الدول العربية المركزية التي كان من الممكن أن تلعب دور استقطاب للدول الأصغر نفسها بمقدار ما راوحت في مكانها في القضايا المحورية، من قضية التنمية واستغلال فرص الاندماج الإقليمي، إلى قضية الديمقراطية وبناء إطار قانوني واضح لتداول السلطة وممارستها على جميع الأصعدة، إلى قضية التفاعل الايجابي مع حاجات محيطها وتقديم يد المساعدة للشعوب المنكوبة فيه، وفي مقدمها قضية الاحتلال للأراضي العربية، وتقرير مستقبل الشعب الفلسطيني.

ويكفي في هذا المجال أن نقارن على سبيل المثال بين خيارات السياسة الخارجية التركية، وقد ذكرنا أهمها فوق، وخيارات مصر ما بعد الناصرية، وهي الدولة العربية الأكبر والأم، لنعرف أسباب التفاوت في دور البلدين. وربما كان المفتاح لفهم الفارق الحاسم بين هذه الخيارات موقف كل من البلدين من المساومة على سياسته الإقليمية. فبينما حرصت مصر، لقاء تنازلات مستمرة عن مسؤولياتها الإقليمية، وهذا مطلب رئيسي أمريكي إسرائيلي، وتقوقعها على حدودها ومصالحها القطرية، على ضمان استمرار المعونة المالية الأمريكية التي حصلت عليها ثمن توقيعها اتفاقات كمب ديفيد وفرطها التحالف العربي، وهي لا تتجاوز ملياري دولار، رفض البرلمان التركي عرض الولايات المتحدة مبلغ عشرة مليارات دولار للسماح لها باستخدام أراضيها في حربها ضد العراق عام 2003 ، من دون أن تستطيع واشنطن التأثير على أنقرة أو ثنيها عن قرارها. وكان هذا الرفض تأكيدا لإرادة الاستقلال التركي الذي سيكون رأسمال أنقرة الرئيسي في مبادراتها الإقليمية في السنوات القليلة الماضية التي شهدت تصاعد دورها ونفوذها. لكن حتى عندما رفضت أن تساوم على استقلال قرارها، لم يمنعها هذا الموقف من الاستمرار في طلب الاندماج في الاتحاد الأوروبي والتعامل الايجابي مع الغرب عموما وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة. بينما نحن نخضع للأمريكيين والغربيين عموما ونشتمهم في الوقت نفسه فنخسر على الجبهتين. والواقع أن من الصعب فصلَ خيار أنقرة الاستقلالي والسيادي عن الخيارات الديمقراطية الداخلية للنخبة السياسية التركية على مختلف مشاربها.

ليس هناك إذن أي سر في تراجع دور الدول العربية الرئيسية التي كان يعول عليها لإعادة بناء المنطقة العربية وإدماجها، مثل مصر والسعودية وسورية وغيرها، وانحسار نفوذها جميعا في المنطقة، ما خلا ما تحقق بالقوة والقهر، وفي المقابل تقدم تركيا وتنامي دورها في الشرق الأوسط والعالم العربي خاصة. فمعظم الدول العربية اختارت التفريط بالاستقلال والسيادة للحفاظ على دعم الولايات المتحدة وأوروبة لنظمها ا لسياسية أو لحق أبنائها في توريث السلطة، وأدارت ظهرها للديمقراطية في سبيل تأكيد استقرار خادع تساوي بينه وتخليد الوضع القائم بالقوة، لتنتهي إلى إرساء تقاليد شبه امبرطورية.

وبدل العمل على توفير شروط الارتقاء بمستوى حياة السكان الثقافي والعلمي وتحسين شروط معيشتهم وإرساء أسس المجتمع الصناعي الحديث، قبلت النخب السائدة بسيطرة اقتصاد زبوني قائم على الاحتكار والمضاربة وتقاسم المنافع بين أقلية اجتماعية محدودة على حساب سعادة الأغلبية ومستقبل أبنائها، وهو نقيض مشروع الحداثة وعكسه. واختارت أخيرا، دعما لهذا المشروع السلطاني، سياسات سيادية مريضة لا تعني في الواقع سوى الانفصال عن محيطها العربي ورفض تحمل أي مسؤولية في ضمان مستقبل المنطقة ومستقبل أبنائها. ولا يزال التبرؤ من العروبة أو شتمها نغمة سائدة لدى أكثر من نخبة عربية سائدة تريد التنكر لالتزاماتها ومسؤوليتها والتفاهم من وراء ظهر الأقطار الأخرى لتحقيق مصالح آنية. والنتيجة لا تزال الشعوب العربية نعيش في أطر النظم ذاتها التي قامت في الستينات والتي عرفت درجات متفاوتة من الانحطاط والاهتلاك، بينما لم ننجح في تحقيق أي تنمية اقتصادية أو اجتماعية أو علمية أو تقنية. كل قطر يعيش في أزمة داخلية تمنعه من التفكير في ما وراء مسائل حماية السلطة وتأمين ديمومتها وشحذ شوكتها في مواجهة المخاطر الحاضرة والقادمة معا، ولا أحد يفكر منها بشيء آخر.

ما هي نظرتكم للعلاقات العربية الإيرانية؟ وهل إيران صديق يعتمد عليه أم أنها عدو يخشى منه؟

- إيران دولة أساسية في الشرق الأوسط، تتمتع بموارد مادية ومعنوية كبيرة، وتحظى بنخب سياسية أكثر نضجا والتزاما بالمصالح القومية من نظيراتها العربية. ومن الطبيعي أن تدفع بها الثورة الإسلامية التي وضعتها على طريق الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية إلى الطموح إلى لعب دور متزايد في المنطقة. والمشكلة لا تكمن في نظري في وجود أجندة قومية إيرانية ولا في إرادة التوسع والنفوذ التي تحركها نحو البلاد المحيطة، وفي مقدمها نحو البطن الرخو الذي تمثله البلاد العربية التي أصبحت تفتقر إلى عمود فقري بسبب إخفاقها في إقامة أي شكل من أشكال الاتحاد أو التعاون المنتج في ما بينها. فهذا هو الأمر الطبيعي الذي يسم سلوك جميع الدول القومية.

لكن بالرغم من ذلك كان من الممكن أن تكون إيران الإسلامية ظهيرا كبيرا للعرب في مقاومتهم للسياسات الاستعمارية وشبه الاستعمارية ومشاريع الاستيطان والتوسع الصهيونية. إلا أن مواقف إيران التي تصب في صالح العرب قد تحولت إلى وسيلة إضافية لتعميق الانقسام العربي بمقدار ما فشل العرب في فهمها والتعامل الإيجابي معها من وجهة نظر عربية. فبسبب افتقار العرب لأجندة قومية أو إقليمية، حتى في مواجهة عدوان الدولة الصهيونية وحروبها، ظهرت السياسة الإيرانية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني كما لو كانت وسيلة ضغط كبيرة على بعض الدول العربية اليائسة أو المنسحبة والمنكفئة على نفسها، بينما وجدت دول عربية أخرى في التحالف معها وسيلة لتعزيز موقفها تجاه نظيراتها العربيات وتحديهم والمزايدة عليهم.

باختصار، إن سيطرة الانقسامات والحروب داخل الصف العربي وبين أقطاره وغياب أي أجندة قومية عربية مشتركة، لم يمنعا العرب فقط من الاستفادة من رصيد الدولة الإيرانية الذي صب في صالحهم بعد أن كان في حساب الدولة الصهيونية، وإنما حولا هذا الرصيد الايجابي ذاته إلى لغم يفخخ بشكل أكبر العلاقات العربية-العربية ويغذي الحروب الدائمة في ما بينها. وليست إيران هي المسؤولة عن ذلك إنما الدول العربية: المعتدلة التي صارت ترى في السياسات الإيرانية الجديدة إحراجا لها بعد تخليها عن فكرة المواجهة مع إسرائيل ومراهنتها الإستراتيجية على المفاوضات السياسية، والممانعة التي استخدمت الرصيد الإيراني لتزيد في أوراق ضغطها على البلاد العربية الأخرى لتحقيق مصالح سياسية ضيقة. وهذا ما عمق الشرخ القائم بين المحاور العربية وأراح إسرائيل وجعلها تتفرغ للقضاء على القضية الفلسطينية ومستقبل شعبها في ظل الحرب العربية العربية التي أصبحت العلاقات مع إيران أحد أهم محاورها وجبهاتها.

هذا يعني: لن تصبح إيران وسياساتها المعادية لإسرائيل والغرب رصيدا للقضية الفلسطينية والعربية إلا عندما يتفاهم العرب على أجندة واحدة في القضايا الإقليمية ويكفوا جميعا عن استخدام إيران كفزاعة أو كقوة حليفة، في صراعاتهم الداخلية، الأهلية والمابين عربية.

مكانة العرب في الكثير من التقارير المتعلقة بالتنمية الاقتصادية أو البحث العلمي متدنية إلى أقصى حد فهل تعطي هذه التقارير صورة دقيقة عن الأوضاع العربية أم أنها تميل إلى الانتقاء؟ وإن كان تشخيصها دقيقا فما سبب هذا الفشل العربي؟

- ليست التقارير مهما بلغت من الدقة تصويرا طبق الأصل للواقع، وليس هذا هو مطلوب منها. إنها تقدم مؤشرات مبنية على وقائع نسبية، لكن صادقة أيضا بمقدار ما يعتمد في رسمها على طرائق الرصد والملاحظة والتحليل العلمية. وفي اعتقادي أن الاتجاهات التي تدل عليها هذا التقارير وتبينها المؤشرات التي استخدمت فيها صحيحة وليست مبالغا فيها.

بل إنا أعتقد أن وضع العالم العربي أسوأ مما تقوله التقارير، لأن الكثير من التقارير التي تهتم كثيرا بالأرقام الإحصائية تبقى على السطح ولا تستطيع أن تنفذ إلى الديناميكيات العميقة التي تعمل داخل المجتمعات. وفي نظري إن أزمة المجتمعات العربية تتجاوز حاصل جمع الأزمات الاقتصادية والسياسية والوطنية والفكرية، وتمتد في العمق إلى الأساس الذي تقوم عليه، أي إلى ما يجمع بين أفرادها ويحولهم من غبار أو ذرات متجاورة إلى عضوية حية ويجعل لهم قلبا وإرادة ووعي يسيرونهم ويوجهونهم ويوحدونهم فيصبح بإمكانهم عندئذ بلورة سياسات ووضع خطط للمستقبل ومواجهة التحديات وحل الأزمات والمشاركة في تقرير مصيرهم. هذه اللحمة أو الاسمنت الذي يجمع ذرات الأفراد بعضها إلى بعض ويؤلف منها مجتمعا حيا متضامنا ومتفاعلا وفاعلا، أي منتجا ومبدعا، تكاد تكون اليوم غير موجودة أو هي في طريق الانحلال نهائيا تاركة الأفراد من دون سند ولا رؤية ولا مقدرة على التوجه في الواقع والمستقبل. هذا يعني أن الأزمة سوف تستمر وتتفاقم، ومعها الأرقام والمؤشرات التي لا يستطيع التقرير رصد احتمالات نموها وزيادة سوئها. وأنا لا أعتقد أن هناك حلا في الأفق المنظور للفوضى الفكرية والعقدية التي تعيشها الشعوب العربية، ولا لنظام الحكم والإدارة المبني على القهر والإخضاع ومحو الشخصية، بما تعنيه من وعي وإرادة مستقلين، ولا لتجاوز اقتصاد رأسمالية المضاربة العائلية أو شبه المافيوية وهدر الموارد وتوزيعها على المحاسيب والأقارب، وما ينتجه من تدهور مضطرد في مستوى معيشة السكان وأسلوب حياتهم وقيمهم وأفكارهم وعقائدهم.

وفي اعتقادي أيضا أن السبب الرئيسي لهذا الوضع الذي وصلت إليه المجتمعات العربية هو الانحطاط الرهيب الذي أصاب النخب الاجتماعية، والسائدة منها بشكل خاص، نتيجة عقود طويلة من سياسة العسف وتقييد الحريات والحجر على التفكير وتخريب العقول وحكم الشعوب بالتخويف والإرهاب، وإكراهها على الانكفاء على ما يشبه الأوكار التي حلت محل الأوطان. وهو ما ساهمت فيه قوى متعددة، عربية وأجنبية، كان لها ولا يزال مصلحة في تهميش الشعوب العربية وإخماد جذوة تفكيرها وكفاحها، وإعادتها، كما قيل أثناء الحرب الأمريكية العراقية، إلى عصر ما قبل الثورة الصناعية. وليس ضمان وجود إسرائيل وتوسعها وتأمينها على نفسها ومستقبلها بعيدا عن هذا الذي جرى ولا يزال يجري. وقد حصل ما يشبه ذلك في المرحلة الأولى من تأسيس إسرائيل حيث كان غض النظر عن قيام إسرائيل واستيطانها هو الثمن الرئيس لتكريس النخب في مواقع الحكم وتأمينها على نفسها واستقرارها.

لكن جميع ما ذكرت لا يغير من واقع أن المسؤولية السياسية في استمرار التدهور في شروط حياة المجتمعات العربية ومواقعها الإقليمية والدولية تقع قبل أي فرد آخر على النخب العربية الحاكمة. فهي التي تحافظ على الوضع القائم وتدافع عن إعادة إنتاجه وتقمع أي فكرة أو حركة تهدده أو تسعى لتغييره، ضمانا لمصالحها الخاصة وحماية لها.

راهن النظام الرسمي العربي على ما أسماه بإستراتيجية السلام واليوم يقر بأن هذا الخيار قد وصل إلى مأزق على نحو ما صرح بذلك الأمين العام الجامعة العربية مرات عدة، فما هي الخيارات المتاحة أمامه اليوم؟

- هذا أحد التحديات التي يواجهها هذا الذي تسمونه نظاما وهو لم يعد كذلك، وإنما أصبح فوضى فالتة، ولا أحد فيه يشعر بمسؤولية عن شيء ولا بالتزام بقضية، أعني تحدي غياب أي اختيار آخر. فقد وضعت الحكومات العربية نفسها، منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 الذي قبلت فيه بتقديم تنازلات إستراتيجية ومبدئية، وأقرت فيه بأن حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 هي الحرب الأخيرة مع إسرائيل، ولن يكون هناك حل للنزاع إلا بالمفاوضات، أقول وضعت نفسها في طريق ملغومة، إن لم يكن في فخ، وتركت لإسرائيل الحرية في أن تطبقه عليها. وهو ما لم تتردد هذه في فعله برفضها أي صيغة من صيغ السلام واستمرارها في عملية الاستيطان التي تكاد تقضي على أي أمل بإقامة دولة فلسطينية. ومن ينظر إلى الوراء في تاريخ العقود الماضية يرى حقيقة ما حصل وما سيحصل في المستقبل. فبينما تخلى العرب عن سلاح الحرب، أي في الواقع عن التهديد بالحرب، وهي وسيلة الضغط الوحيدة لتحقيق السلام، لم تكف إسرائيل عن شن الحروب في لبنان وفلسطين وكل قطر يتحدى إرادتها التوسعية. والنتيجة أن إسرائيل استفردت بحق شن الحرب بعد أن ألزمت العرب أو ألزموا أنفسهم بالتخلي عن سلاحهم، وأجبرت العرب على التفاوض من دون سلاح وتحت ضربات سلاح الخصم.

إذن أمام هذا اللانظام، حيث كل يهرب بنفسه وينسحب من المسؤولية، ليس هناك خيارات. كما أن هذا اللانظام لا يبحث عنها أصلا. فهو مسلم بما يحصل ولا يهمه ماذا ستفعل إسرائيل في فلسطين. لقد أسقطها في نظري من الحساب واعتبرها منذ سنوات من جملة الخسائر والمفقودات.

الخيارات لا توجد إلا بتجاوزه والخروج من الحرب العربية البينية والتقدم، كما فعلت البلدان المجاورة، نحو إعادة بناء الوطنية العربية، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من إعادة اعتبار للفرد المواطن، وللدولة وللاقتصاد، ومن إحياء قيم المسؤولية السياسية والمدنية التي لا تقوم من دون احترامها والدفاع عنها جماعة مدنية وسياسية.

المحور الثاني: الدولة والمقاومة

تثير علاقة الدولة بالمقاومة الكثير من التساؤلات حول صلة المقاومة بالمساومة السياسية فهل هناك تناقض بين الأمرين؟ وأيهما الأقدر على القيام بالتزامات القضية الفلسطينية واستحقاقاتها أهو الطرف المقاوم أم الطرف المفاوض؟

- مأساتنا تنبع بالضبط من فصل حركة المقاومة عن بعدها السياسي وعملية المفاوضات السياسة عن المقاومة. فالمقاومة من دون أفق مفتوح للحل، وبالتالي لقبول تسويات ولو مرحلية، وهو ما يضمنه الاستعداد للتفاوض، تصبح من قبيل العبث والاقتتال من دون جدوى ولا نتيجة واضحة أو محتملة. والسياسة أو التفاوض السياسي من دون مقاومة حقيقية واستعداد للتضحية يتحول لا محالة إلى مساومة، ولا يستطيع أن ينتج إلا تنازلات بعد تنازلات. فالفصل بين المقاومة أو قطعها عن السياسة والسياسة المنزوعة من أي مقاومة لا تحرم كليهما من تحقيق أي نتائج فحسب، وهذا ما تعيشه القضية الفلسطينية منذ عقود، وإنما ينقل الحرب من جبهة العدو إلى الجبهة الداخلية. وهذا هو معنى النزاع الراهن والمستديم بين حماس وفتح أو بالأحرى ما يسمى السلطة الفلسطينية.

كلاهما إذن عبث وطريق مسدود. وكلاهما متخلفان عن وعي الشاعر العربي المتنبي الذي أنشد منذ قرون:

الرأي قبل شجاعة الشجعان ** هو أول وهي المحل الثاني

والرأي يعني هنا السياسة أو الحكمة السياسية، وتعني الشجاعة الاستعداد للتضحية ولو بالنفس. وشعب فلسطين والشعوب العربية غنية بالاثنين معا، لكن ضيق صدر النخب وقصر نفسها وغياب بعد النظر، والخوف من الفشل واستبدال رد الفعل الآني بالفعل الطويل النفس والمتأني، والبحث عن الانتصارات الرمزية السريعة في إطار الصراع على السلطة ومن أجل البقاء في إطار حصار لا إنساني ومتوحش، كل ذلك أفقدنا جميعا البصيرة وجعلنا نرى ماءا قريبا حيث لا يوجد غير السراب.

ما الرد المناسب على تكريس الهيمنة الأمريكية في المنطقة وسعيها إلى القضاء على أية مقاومة تقف أو يمكن أن تقف في وجهها، وما هي الخيارات المتاحة أمام العرب؟

- كدت أقول إن الهيمنة الأمريكية قد انتهت، أو هي في طريقها إلى الانتهاء بعد حرب العراق وأفغانستان والأزمة المالية الكبرى، لولا أنني خشيت أن يساء فهم هذا الكلام من قبل التفكير البسيط والمبسط. لكن إذا كانت هذه الهيمنة لا تزال موجودة فليس ذلك بسبب ما تتمتع به واشنطن من قوة قهر وردع وإقناع وإنما بسبب الطلب المحلي المتنامي عليها. فقد خسرت الولايات المتحدة معركة الهيمنة العالمية، بخسارتها معركة السيطرة الأحادية على الشرق الأوسط، وقبلت بأن تدخل شريكة للقوى الأخرى في إدارة شؤون المنطقة، بما في ذلك قوى إقليمية محلية. وهي تتخبط في أفغانستان ولا تعرف كيف تنسحب من دون إراقة ماء الوجه من العراق. وكما أنها لم تنجح في فرض إرادتها في بلد صغير كلبنان لنزع سلاح حزب الله، فشلت أيضا في حصار بلد فقير وضعيف ومحدود الموارد كسورية. ولم تستطع إدارة بوش المتهورة أن تفعل شيئا أمام رفض البرلمان التركي السماح لقواتها باستخدام الأراضي التركية، بالرغم من أن أنقرة عضو في حلف شمال الأطلسي. وها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي يتحدى الإدارة الأمريكية ويرفض الإذعان لضغوطها بشان تجميد الاستيطان، ولا تجد وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، مخرجا لهذا التحدي إلا في لحس تصريحات رئيسها وسحب شرط تجميد المستوطنات. أما في إيران فتجد واشنطن نفسها أمام لا خيار سوى التمديد في المفاوضات أملا في أن تقبل طهران مع الوقت بتسوية في مسالة إنتاج الطاقة النووية.

كل هذا يدل على أن الهيمنة الأمريكية في مرحلة أفول وأفول سريع. والمشكلة أنه لا توجد عند العرب قوة، تتحلى بحد أدنى من الصدقية الإستراتيجية والسياسية والأخلاقية، يمكن أن تملأ الفراغ الذي يتركه أفولها. وهذا ما يفسر الصعود المستمر والسريع للنفوذ الإيراني ثم التركي في العالم العربي. وما تبقى لواشنطن من هيمنة يرجع الفضل الرئيسي فيه إلى إرادة النخب العربية. فمعظمها حتى لا نقول جميعها تشعر بأن كفالة أمريكا ضرورية لها اليوم أكثر من أي شيء آخر لضمان استقرار الأنظمة وأمنها، ولتزويدها، بسبب ما تعاني منه من اهتلاك وإفلاس شاملين، بحد أدنى من الصدقية السياسية والإستراتيجية في مواجهة الدول الصاعدة في المنطقة، وهي إيران وتركيا وإسرائيل. ونتيجة الكساح الذي فرض على نخبها، أصبح دعم الولايات المتحدة أيضا أمل أي معارضة محلية تتعرض لبطش الأنظمة وقهرها.

هكذا صارت هيمنة واشنطن نتيجة أوضاعنا المريضة في البلاد العربية عنصرا أساسيا من عناصر توازن النظام في كل بلد عربي واستقراره. ولو لم توجد حقا لكان على العرب إيجادها، وهم يشترونها بأثمان باهظة أيضا. يكفي لإدراك ذلك مقارنة سلوك تركيا وإيران وإسرائيل وسلوك حكوماتنا تجاه واشنطن وتجاهنا نحن الشعوب العربية.

والقصد أن المشلكة اليوم ليست في الهيمنة الأمريكية وإنما في النظم العربية التي تستدعي هذه الهيمنة وتطلبها، بمقدار ما أصبحت تفتقر، بسبب خياراتها السياسية والإستراتيجية الخاطئة منذ عقود، لأسباب الحياة الطبيعية والشرعية الدستورية. وإذا لم ننجح في معالجة أزمتنا العربية التاريخية، والخروج منها نحو آفاق جديدة، ستكون الفوضى هي الثمرة الوحيدة لإخفاقنا في بناء مجتمعاتنا، ولن يكون للاستقلال نفسه في هذه الحالة ولا للوطنية والقومية أي قمية ومعنى، وستتحول المقاومات والمساومات جميعا إلى استراتيجيات خاصة للصراع على السلطة والموارد في عالم عربي يفتقر لأي رؤية أو مشروع رؤية وطنية.

المحور الثالث: العرب والغرب

كيف ترون موازين القوى في المنطقة العربية اليوم بعد مأزق الاحتلال الأمريكي للعراق وبوادر إخفاق مماثل في أفغانستان؟ فهل نحن نشهد مقدمات تراجع دور القوة الأمريكية؟

- نعم نحن نشهد ذلك وهذا ما ذكرته للتو. لكن ليس لصالحنا بالضرورة. فتراجع الأمريكيين وانحسار نفوذ الغرب في بلادنا ومنطقتنا يستحث قوى أخرى، من خارج المنطقة وداخلها على ملء الفراغ والحلول محله، طالما أننا غير قادرين، بسبب ما وصفت من أوضاعنا حتى الآن، الإستراتيجية والسياسية والمعنوية، على الارتقاء إلى مستوى القوى الإقليمية المؤثرة، أي طالما لم نبلغ بعد سن الرشد في مواضيع السلطة والسيادة ونتحول إلى فاعل تاريخي.

وإذا استمرت أوضاعنا على تدهورها، سوف نتحسر على الهيمنة الأمريكية لأن سياسات القوى الصاعدة تجاهنا لن تكون أرحم منها ولا أكثر رأفة بنا واحتراما لمصالحنا.

هل باستطاعة أوباما أن يحقق سبقا لم يصدر عن رئيس أمريكي قبله فيما يتعلق بالسلام العربي الإسرائيلي أم أنها مجرد وعود انتخابية؟

- كان هذا أملا ضائعا. لقد أظهرت الوقائع أن النظام أقوى من الفرد، وإرادة أوباما لا تستطيع أن تتغلب على عطالة النظام والإدارة الأمريكيين، المتصلين اتصالا عميقا بقوى مؤيدة لإسرائيل وحريصة على أمنها وتوسعها. ونحن العرب لم نساعد أوباما، ولا ساعده الأوروبيون الذين أصبح موقفهم بعد وصول نيقولا سيركوزي للسلطة أكثر تأييدا لإسرائيل من الإدارة الأمريكية الجديدة.

فلم يقف هؤلاء معه لبناء موقف صارم من حكومة نتنياهو. أما العرب فقد قدموا مبادرتهم العتيدة للسلام وكفى الله المؤمنين القتال. في هذه الحالة لا أرى مبررا كي تكون الإدارة الأمريكية ملكية أكثر من الملك.

على العرب أولا أن يظهروا استعدادا لتغيير إستراتيجيتهم والعودة إلى منطق العلاقات الدولية الطبيعي، أي استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وقبول حد أدنى من المخاطر والتضحيات المحتملة، حتى يمكن ثني عزيمة إسرائيل وتحسيسها أن مبادرة السلام خطوة جدية، وأن لرفضها تكلفة على إسرائيل ومن يدعمها من الدول الغربية وغير الغربية أن يقدرها ويتحملها. وإلا فلا يمثل ما نقوم به خطة سلام ولا سياسة ولا إستراتيجية.

كيف تنظرون إلى الشراكة المتوسطية (الأوروبية –الشرق أوسطية) ولصالح من هذه الشراكة: الأوروبيين ومعهم إسرائيل أم لصالح العرب؟

- ما قلته عن إيران يصلح أيضا لموضوع الشراكة الأوروبية المتوسطية. فأوروبة كإيران قوة مجاورة، ولا يمكن لنا أن نتجاهلها ولا يمكنها أن تتجاهلنا، خاصة في عصر الانفتاح العالمي الراهن. ومن الطبيعي أن تكون بيننا علاقات متعددة وأن تتبلور خطط طويلة المدى للتعاون الاقتصادي والاستراتيجي والسياسي. واتفاقيات الشراكة القائمة لا تصل إلى هذا المستوى الذي نطمح إليه.

إنها كناية عن برنامج بسيط للمساعدات الاقتصادية يهدف إلى تحسين علاقات أوروبة بجوارها، وإذا أمكن الحصول على أداة للضغط على هذا الجوار، عندما تتطلب ذلك المصالح الأوروبية، خاصة في مسائل مثل الهجرة والتعاون الدولي وحقوق الإنسان. بيد أن أوروبة تدرك أنها لن تستطيع أن تشتري الدول العربية المتوسطية بمليارات محدودة، ولا أن تربطها بها، وأن لهذه الدول مصالح وإمكانية للتعامل مع تكتلات عالمية أخرى تخطب ودها، كالولايات المتحدة والصين وروسيا وغيرها من الدول الصاعدة.

وكان بإمكان مثل هذه المساعدة الأوروبية أن تكون مفيدة لو أصبحت جزءا من مساعدات عالمية متعددة من جهة، وصبت في مجال عربي متفاهم ومتعاون من جهة ثانية وقادر على التصرف كطرف وفاعل دولي مدرك لمسؤولياتها من جهة ثانية. في الوضع العربي المتفسخ الراهن أخشى أن لا تكون حصيلة الشراكة الأوروبية المتوسطية سوى تشجيع الأنظمة على الاستمرار في المنهج السائد، وتأخير زمن استعادة الوعي العربي بضرورة تجاوز الوضعية المأساوية التي خلفتها نزاعات القرن الماضي، وإعطاء أوروبة ورقة ضغط مجانية للمشاركة في صوغ السياسات الإقليمية.

المحور الرابع: العروبة والإسلام

ذهبتم في بعض كتاباتكم إلى القول إن العرب اليوم يغتالون فكرة الدولة ويفرغونها من مضمونها، وهو أمر يهددنا بالعودة إلى القرون الوسطى، أو بولادة قرون وسطى جديدة. فلما ذا وصلنا إلى هذا المستوى؟

- نحن لم نعرف الدولة بالمعنى الحديث للكلمة لأننا عشنا قرونا طويلة في ظل سلطنة أو خلافة أو إمبراطورية، وهي التي تقدم لنا نموذج الجماعة السياسية. وهو نموذج فقير تقوم السلطة فيه على العنف والشوكة والرهبة وادعاء حماية الدين، وفي الغالب يتم فيه تداول السلطة من خلال الاستيلاء بالقوة العسكرية، حتى عندما يتعلق الأمر بنظم ملكية وراثية بسبب تنازع الأبناء والأحفاد وغياب التقاليد المؤسسية. ولا يساعد مثل هذا النموذج الذي لا يزال مزروعا في المخيال الجمعي عندنا، على تمثل معنى الدولة في العصر الحديث وقيم الاجتماع السياسي الوطني وأهدافه وغاياته. لذلك بدل أن يعمل استنبات النمط الحديث للدولة، بما يعنيه من مركزة السلطة واحتكار العنف وشعبنة السياسة أو تعميمها، على تعزيز فرص انعتاقنا وتحرير أفرادنا وتنمية ملكاتنا السياسية في المشاركة والمناظرة والإنضاج الجماعي للقرارات المتعلقة بالشأن العام، أقول بدل ذلك، تحولت الدولة إلى أكبر وسيلة استلاب لنا، وصارت القيد الرئيسي الذي يقف أمام طموحات مجتمعاتنا ونيلها حقوقها وحرياتها.

فهي اليوم أداة القهر والتشليح والإذلال الجماعي عندنا، والصراع من حولها يمسخ جميع النشاطات المدنية الأخرى ويفرغها من قيمتها، ويجعل من رجل السلطة، لا من المنتجين والمبدعين والمضحين بعرقهم وجهدهم، الشخصية الرئيسية في حياتنا الفكرية والسياسية والاقتصادية، بمقدار ما يحول هذه الشخصية إلى شخصية أمنية، ويجعل من تطوير وسائل القمع والقهر والإرهاب والتخويف والتعذيب، محور نشاط الدولة ورجالها، حتى صار التحكم بالأفراد وتقييد حرياتهم وإخضاعهم لإرادة خارجية عنهم غاية حكمنا والمضمون الرئيسي لإداراتنا السياسية.

ولن نخرج من هذا الوضع الذي هو عودة من نوع جديد لقيم القرون الوسطى حين كانت المجتمعات في خدمة الملوك والسلطان وتحت رحمتهم، وحياة الفرد لا تعني شيئا، وكل فرد يقف عاريا أمام رجل السلطة، من دون حماية سياسية أو قانونية، أقول، لن نخرج من هذا الوضع إلا عندما ننجح في السيطرة على هذه الآلة الوحشية، أي عندما نحول الدولة إلى دولة مجتمعها تخضع له وتستمد منه القوة والوجود والشرعية والتوجيه السياسي. وليس هناك طريق آخر لتأهيل الدولة وأنسنتها وقومنتها بالفعل سوى استيعاب مفهومها والتحكم بها والاندراج فيها وتغيير برنامج عملها.

لكن حتى يتحقق ذلك ينبغي أن نتحول نحن أنفسنا، الخاضعين لتلاعب الدولة الراهنة وقهرها وإرهابها، إلى مجتمع وشعب يتحلى بقيم وأفكار ويخضع في علاقاته فيما بين أعضائه، إلى معايير ثابتة وواضحة، أخلاقية وإنسانية. هذا هو مصيرنا، وهو أيضا محتوى معركتنا الحقيقية للعقود القليلة القادمة.

في بعض ما نشر لكم حول الهوية العربية تحللون مفهوما ربما يكون من ابتكاركم وهو "عروبة المستقبل" فهل للقارئ أن يعرف ما ذا تقصدون بهذا المصطلح؟

- عروبة المستقبل تعني أنه لا ينبغي علينا أن ننظر إلى مسالة العروبة، من حث هي هوية أو دعوة إلى الوحدة القومية، من منظار الماضي والتراث، وما تركه لنا الأجداد من وشائج قربى ناجزة، وإنما من منظار المستقبل، أي من منظار ما يمكن أن يقدمه لنا القول بهوية عربية ووحدة سياسية جامعة من أدوات ووسائل وأطر تفيدنا في مواجهة تحديات الحاضر المفتوح وضمان اندراجنا في التاريخ. فهي صحيحة بمقدار ما تساعدنا على العبور نحو المستقبل، وتحقيق حداثتنا المنتظرة، لا بدلالتها على الماضي ولا بما يمكنها أن تقدمه لنا للاحتفاظ بهذا الماضي أو استمرار الوفاء له أو الانتماء إليه. بهذا المعنى لا ينبغي أن ننظر إلى الدعوة العربية على أنها تكريسا لقرابة قائمة، ولا ينبغي أن تكون كذلك. ولا يشكل الاشتراك في التراث مبررا كافيا لتبني أي هوية أو وحدة سياسة. بل قد تكون القرابة، من دون مشروع للمستقبل، غير ذات قيمة ولا فائدة، وأحيانا مصدرا للمنازعات الدائمة على الزعامة والمواقع التمثيلية، كما يدل على ذلك واقعنا العربي اليوم.

وقد أثبتت التجربة التاريخية، تجربتنا، أن دعوة العروبة القائمة على وحدة الثقافة والتراث لم تشفع لأحد ولا أوصلت العرب إلى أي مكان. بالمقابل يمكن للعروبة أن تكون قاطرة رئيسية لدفع المجتمعات العربية نحو التفاهم والتلاقي والتعاون والطموح إذا كانت دعوة مستقبلية وارتبط تحقيقها بتأكيد قيم ومبادئ وقواعد عمل إنسانية مرغوبة ومنشودة، وبالنجاح في الارتقاء بمشاركتنا في تقدم الحضارة وتعزيز حضورنا في التاريخ، تاريخ الأمم والشعوب، والعلم والثقافة والتقنية والصناعة.

الواضح اليوم أن الدولة العربية تعاني أزمة مريعة إن على صعيد التنمية أو السياسية والثقافة، فضلا عن الانقسامات العرقية والطائفية التي باتت تعصف بها، فهل هذا ناتج عن فشل دولة التجزئة العربية، وهل هذا يطرح أولوية مشروع الوحدة العربية مجددا؟

- هذا ناتج كما ذكرت عن فشل الدولة نفسها وإفساد مفهومها وتحويلها إلى أداة للسيطرة الخاصة ولتحقيق مصالح آنية ضيقة أيضا، في كل قطر وعلى صعيد السياسة ما بين القطرية. ولا يرجع هذا الفشل إلى الدولة نفسها أو إلى نموذجها، وإنما إلى الذين استخدموا الدولة وقاموا بتسييرها وإدارتها، أي إلى نخبنا السياسية التي هي جزء من نخبنا الاجتماعية عموما. وفي اعتقادي أننا كنا ولا نزال مستهلكين ومستعجلين على قطف الثمار، ومفتقرين للنظرة التاريخية البعيدة، ولمعاني الحياة السياسية والمسؤولية العمومية.

الدولة سيطرت علينا ومسخت مجتمعاتنا بسبب ما ميز هذه المجتمعات من فقر أخلاقي وضعف في الرصيد السياسي والاجتماعي، وبالتالي بسبب الافتقار للنخب القادرة على الارتقاء بسلوكها داخل الدولة إلى مستوى الفعل الأخلاقي والسياسية الوطني وتجاوز إغراءات المصالح الفردية والخصوصية والمحسوبيات البلدية التقليدية. والمثل الشعبي يقول الموس في يد الجبان يجرح.

ذهبتم في بعض كتاباتكم إلى أن تاريخنا العربي يشكل ثقلا لا يمكن التحرر منه إلا في حالات الثورات الحماسية الكبرى التي تفجر الوعي الماضي، وتنشئ وعيا جديدا بالفعل. فلماذا علاقتنا بتاريخنا تبدو متأزمة إلى هذا الحد؟ ولماذا هذه الرغبة في تأسيس "القطيعة" مع الماضي؟

- ليس تاريخنا هو الذي يشكل ثقلا كبيرا علينا وإنما أي تاريخ. التاريخ يحد ذاته عطالة أو عامل عطالة، أي تثبيت واستمرار وضمانة لإعادة إنتاج النظم والأوضاع كما كانت. لذلك يحتاج التجديد في النظم والأفكار وأساليب العمل والإنتاج إلى قطيعة، أي إلى ابتعاد وانفصال، لهذا الحد أو ذاك، عن النماذج والقيم والأفكار وأساليب العمل الموروثة والشائعة والمتبعة، وإلا لن يكون هناك أي جديد. والتجرؤ على القطيعة مع الماضي تحتاج إلى قوة معنوية وأخلاقية ونفسية كبيرة، ومقدرة على مواجهة المخاطر وتحمل المسؤوليات، ومواجهة روح المحافظة الطبيعية وعدوان المحافظين. ولا تتحقق هذه الإمكانية على مستوى الجماعات إلا في فترات حماس استثنائية، كما يبرز ذلك تاريخ النبوة وتاريخ الفتوح المدهشة التي قادها رجال لم يخرجوا من صحرائهم أو من مدنهم الصحراوية، فصاروا فاتحين متميزين وملوكا معظمين.

لكن القطيعة لا تحصل مع التاريخ ولا ضده وإنما تحصل داخل التاريخ، وتبقى لذلك محتفظة بعناصر أساسية فيه. ففكر الإسلام شكل قطيعة مع فكر الجاهلية، لكنه استخدم الشعوب نفسها والشخصيات نفسها وأماكن العبادة نفسها وأعاد تأويلها وتفسيرها وتحميلها بالمعاني والقيم والأفكار والدعوات الجديدة. وفكر النهضة العربية الحديثة مثل قطيعة مع الفكر العربي والإسلامي السائد في القرن التاسع عشر، لكنه لم يقطع مع التاريخ العربي وإنما استعاده في صيغة أخرى. فاكتشف مفكرين وفلاسفة وأدباء كانوا قد نسوا، وفي مقدمهم ابن خلدون الذي كرس رائدا لعلم الاجتماع العالمي، وابن رشد وغيره من الفلاسفة والمتكلمين الذين عرفوا بمنزعهم العقلي، بالإضافة إلى كتاب ألف ليلة وليلة الذي لن يمل العالم الحديث من ترجمته والتأمل فيه. القطيعة داخل التاريخ لا تعني القطيعة مع التراث ولا مع الماضي، فالماضي يبقى، لكنه يتحول إلى تاريخ ماض نهائيا، أو يدخل في بناء التاريخ الحديث. وقديما قيل من لا قديم له ليس له جديد، والعكس صحيح.

===================

الصهيونية ومفرخة المحافظين الجدد العالمية

إيلياديس أكوسته ماتوس[1]

ترجمة واعداد: نور الدين عواد

هافانا ـ كوبا

كنعان 3/1/2010

العلاقات بين الصهيونية وتيار المحافظين الجدد الامريكيين علاقات تلاحمية وقديمة، اذ ان عددا ليس قليلا من الناس يتساءل اذا ما كانت وظيفة الدركي القاتل التي القت بها الولايات المتحدة الامريكية على عاتقها وخاصة في الشرق الاوسط،  وفي ظل حربي العراق وافغانستان والتهديدات ضد ايران، ليست الا الحروب التي كانت دولة اسرائيل بحاجة الى خوضها، ولكن من خلال حربجي آخر.

اليس اللوبي الصهيوني الجبار في الولايات المتحدة قادرا على ذلك واكثر منه بكثير؟

قبل حوالي سبعين عاما، بدات مجموعة من المثقفين اليهود المحبطين في نيويورك تتجمع حول مجموعة من الافكار والتقاليد، التي لم تطل ايامها كثيرا الا وقد انتصبت على اساسها بناية المحافظين الجدد، واخذت تقدس اسطوريا العقائد الصهيونية التي تتضمنها فلسفة ليو شتراوس. منشقون عن اليسار وتروتسكيون وشيوعيون سابقا ونقابيون ومعارضون بسطاء للستالينية سابقا، لم يتورعوا عن الانخراط بسلاحهم ومتاعهم في صفوف من كانوا يعتبرونهم حتى امد قريب بانهم اعداؤهم الطبقيون.

على جناح السرعة تم التقاط تلك "الالكترونات المنفلتة" وتجنيدهم وتنظيمهم وتمويلهم تحت عباءة المجمع الصناعي العسكري والشركات العملاقة واللوبي الصهيوني ووكالات الاستخبارات التي كانت منهمكة في ذلك الحين في حياكة الحملات الايديولوحية والثقافية الراسمالية  في اعوام الحرب الباردة واحتواء تقدم الشيوعية والاتحاد السوفييتي.

اما اليوم، فان ما زرعته تلك الحفنة من العقائديين المتحزبين الذين كانوا يستعملون شعارا وسطيا بين البلشفية والتسبيح بحمد الشركات الحرة، قد تحوصل في قلب  تلك الشجرة الامبريالية وارفة الظلال، اي تيار المحافظين الجدد، القادر على التمهيد لمجيء حكومات جمهورية واسنادها، من ريغان الى جورج بوش الابن، ووضع حكومة اوباما تحت رحمتها ايضا، من خلال اتفاقات مشينة، على يد العناصر السرية التي تضطلع بملاحقات ظالمة وتمييع للامور على مختلف مستويات "حكومة التغيير". ويلوح بالعودة الى السلطة عام 2012.

لكن، مذهب المحافظين الجدد الذي يعبر عن راس المال والامبريالية، مولع بالعولمة التي جعلته يفتح له فروعا فكرية ويقيم تحالفات ايديولوجية وسياسية مع نصف العالم. محافظون جدد متحزبون نجدهم بين الشباب المحامين والسياسيين الانتقاميين اليابانيين التابعين لـ “NeoDefense School” وكذلك Peter Reith  وزير الدفاع الاسترالي سابقا، وكذلك Center   for Social Cohesion و “Cambridge Group” في الممملكة المتحدة، وذلك المستنسل الفولكوري الفلامينكو الفظيع ( وهو نسخة رديئة عن American Entreprise Institute او Heritage Foundation,) المقصود "مؤسسة للتحليل والدراسات الاجتماعية" التي يقوم عليها سيء المنظر والمحضر: خوسيه ماريا ازنار (رئيس وزراء اسبانيا سابقا).

على سبيل المثال، تقيم هذه المؤسسة اتصالات عضوية مع حفنة من المنظمات الموالية لها في امريكا اللاتينية وتنشر من خلالها بشائر المحافظين الجدد، وارساء اللبريالية الراسمالية الجديدة، ومواجهة صيرورات  التغيير الديموقراطية والشعبية التي تعيشها شعوب المنطقة. من بين مراسليها، وهم بالانتقال مراسلين للذين يقدسون ارث مشروع القرن الامريكي الجديد، نجد  سوماتي (يعني التحق بنا) في فنزويلا، مؤسسة اكوادور الحرة (في الاكوادور)،  بوديموس (يعني اننا نستطيع ) في بوليفيا، مؤسسة التجديد في رحاب الديموقراطية، في كولومبيا، شبكة الحرية، في الارجنتين، معهد الحرية والتنمية، في تشيلي، وحتى حفنة من المحتالين المحليين الموصوفين بالمنشقين، يعملون في كوبا من اجل الحاق الهزيمة بالثورة والعودة الى الراسمالية، واولئك الذين يحمل حمضهم النووي DNA جرعة كافية من جينات الالحاقية بحيث يؤكدون بلغة رثة... "لا احد يمكنه ان يفعل شيئا ضد ال يوما Yuma  ( يعني ضد امريكا)" .

 

وماذا عن الصهيونية؟

انها تبحر مختالة في مياه امريكا اللاتينية ومتورطة في بناء فروع للمحافظين الجدد، وخاصة بالارتباط مع التغلغل المرئي الذي يقوم به المجمع العسكري الاسرائيلي في الهيكليات العسكرية والامنية في المنطقة. شركات اسرائيلية وهمية مثل Global CST التي يديرها الجنرالان المتقاعدان: إسرئيل زيف ويوسي كوبر واسير  Israel Ziv وYosi Kuperwasser. وهما يقومان بتدريب جنود بيروانيين على محاربة بقايا منظمة الدرب المضيء Sendero     Luminoso ويبيعان سنويا اسلحة لحكومة آلفارو أوريبي في كولومبيا بقيمة 450 مليون دولار، وشاركا في تصميم وتنفيذ عملية جاكي Jaque التي افضت الى اطلاق سراح إينغريد بيتانكورت Ingrid Betancourt ورهائن آخرين كانوا في ايدي الفارك FARC .

وهناك ايضا  شبح آخر وهو ييهودا ليتنير Yehuda Leitner ضابط استخبارت اسرائيلي سابقا، اصبح رجل اعمال وتاجر سلاح في الهندوراس منذ زمان لويس بوسادا كارّيليس Luis Posada Carriles (ارهابي من اصل كوبي خطط لتفجير طائرة مدنية كوبية في الجو 6 اكتوبر 1976، وفيليكس رودريغيس  Félix Rodríguez (ارهابي من اصل كوبي عميل سي آي إيه شارك في اغتيال تشي غيفارا في بوليفيا)، وفضيحة ايران ـ كونترا ( في الثمانينات ضد الثورة الساندينية في نيكاراغوا)، وهو الذي قدم للانقلابيين الهندوراسيين (حاليا) الغازات السامة والمدافع الصوتية والمستشارين وقسطا لا بأس به من العتاد الذي سيستخدم لقتل وضرب واخفاء الشعب الذي يقاوم ويناضل في سبيل الديموقراطية المغتصبة.

في هذا التكافل بين الصهيونية وحركة المحافظين الجدد الامريكية يتجلى للعيان الدعم الامريكي الرجعي للسياسات الاسرائيلية الابادية ضد الشعب الفلسطيني وكذلك تنفيذ العمل القذر الذي تقوم به الامبريالية الامريكية في امريكا اللاتينية. انها ليست افكارا فحسب، بل ان الشركاء يتقاسمون حصصهم من القتل والقمع  ويضعون ثمنا لكل راس ... "انا اقوم بعمل لك هناك وانت تقوم بعمل لي هنا".

ان هذا التزاوج الخطير جدا لا يعبر عن نفسه فقط من خلال غيبية واساطير الاباء المؤسسين لمذهب المحافظين الجدد؛ من خلال مقالات مريعة مثل المقال الذي كتبه نورمان بودهوريتز Norman Podhoretz  البطريرك الجديد للمحافظين الجدد، ونشر في مايو الماضي على صفحات مجلة كومينتري Commentary  الموالية للصهيونية، بعنوان " كيف يحتمل ان تهدد امريكا في عهد اوياما اسرائيل" “How Obama´s America Migth Threaten Israel” بل ومن خلال التعاون العسكري الاستخباراتي الامريكي الاسرائيلي المخطط في مختلف مناطق العالم، كما هو الامر في امريكا اللاتينية.

انطلاقا من انخراطهم في التوزيع الجديد للوظائف الامبراطورية، يشارك عسكريون اسرائيليون بابتهاج في خصخصة الحرب والقمع ضد الشعوب الامريكية اللاتينية، بينما يوصي مفكرون صهاينة بالعودة الى الليبرالية الجديدة وعمليات الخصخصة، في اطار الهجوم المعاكس الناشيء الذي يضطلع به المحافظون الجدد من اجل استعادة الهيمنة في "حظيرة امريكا".

بينما يتم تدوير (اعادة استعمال) عقائد الامن القومي القديمة المشؤومة على انها عقائد جديدة (وهي ليست اقل شؤما) لمكافحة الارهاب، لا مجال للشك في ان تعود المناخس الكهربائية (للتعذيب) التي تصنعها احدى الشركات الاسرائيلية العملاقة، وان يصل اتباع ما بعد الحداثة من ورثة دان ميتريون   Dan Mitrione  ( وهو خبير من وكالة الاستخبارات الامريكية قامت بتصفيته توباماروس في الاوروغاي) الى اقبية التعذيب مقنّعين ومتأبّطين لكتاب ما من تاليف ليو شتراوس.

هذا قيض من فيض العولمة وهذا الحلف الارهابي الامبريالي الجديد.

( *** )

 [1]   إيلياديس أكوسته ماتوس: مثقف كوبي ملتزم حائز على دكتوراة في العلوم السياسية والتاريخية وله مؤلفات منها: سفر رؤيا القديس جورج (المقصود جورج بوش الابن) ؛ امبريالية القرن الحادي والعشرين: الحروب الثقافية ؛ القرن العشرون : مثقفون مناضلون.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ