ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 31/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إيران.. القمع لن يحمي النظام

خضير بوقايلة

30/12/2009

القدس العربي

تصر السلطات الإيرانية على تفسير ما يجري في الجمهورية الإسلامية من حراك سياسي انه من فعل المخابرات والجهات الأجنبية والغربية منها بصفة خاصة، ومن أجل ذلك فهي لا تتردد في اللجوء إلى أقسى الأساليب القمعية والترهيبية من أجل وضع حد لموجة الاحتجاجات التي انفجرت غداة الانتخابات الرئاسية الأخيرة قبل ستة أشهر.

المتظاهرون الإيرانيون من أنصار 'الثورة الخضراء' وغيرهم صاروا في نظر مرشد الثورة وحكومة أحمدي نجاد مجرد فوضويين خائنين سمحوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات بين أيدي المخابرات الأجنبية تتلاعب بهم كيفما شاءت. حرب إيران الرسمية مع القوى الخارجية العظمى بلغت ذروتها في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد على خلفية أزمة الملف النووي الإيراني، لذلك فإن أية محاولة إيرانية داخلية للخروج عن الخط الرسمي المتشدد لا يمكن إلا أن تصنف في خانة الخيانة العظمى للوطن والخنوع لمخططات الاستخبارات الأمريكية البريطانية الإسرائيلية.

وما زاد طين إيران بلة هو التخندق العلني لمرشد الثورة علي خامنئي منذ البداية في صف الرئيس نجاد والجناح المحافظ في إيران، فلم يترك بذلك أي مجال للتدخل كحكم محايد عندما اشتد الخلاف واحتدم الصراع بين التيارين التقليديين المتنافسين على الحكم في إيران.

أثبتت عودة المظاهرات الواسعة أخيرا أن الهدوء النسبي الذي أعقب مظاهرات الصيف لم يكن إلا استراحة محارب، وأن الأزمة السياسية في البلد لا يمكن أن تحل بالتهديد والقمع والمحاكمات التشهيرية لرموز المعارضة. وعلى النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية أن يجد لنفسه بسرعة طريقا ثالثا لتهدئة النفوس واستمالة الغاضبين إلى صفه إذا كان يريد فعلا ربح معركته مع الخارج. أما اللجوء إلى قمع المتظاهرين واستعمال الأساليب السوفياتية في مواجهة الأزمة الداخلية فلم تعد الآن إلا مسكّنا لألم سرعان ما يعاود الظهور مع أول مناسبة قادمة.

قد يكون من بين المتظاهرين الإيرانيين أناس يأتمرون أو يتحركون بإيعاز خارجي، وليس بالضرورة أن يكون هذا الخارج غربيا، بل هناك أنظمة عربية تتمنى هي الأخرى أو لعلها تسعى إلى تقويض وترويض المارد الإيراني. لكن النظام الحاكم في البلد يفترض فيه أن يفكر أيضا في الأسباب التي دفعت الكثير من الإيرانيين إلى الخروج إلى الشوارع والوقوف في وجه عناصر 'الباسيج' المرعبة وغيرها من قوات الأمن. ثلاثون عاما أو أكثر من قيام الثورة الإسلامية كافية لنظام الملالي في طهران أن يقف وقفة متدبر ويقيم المسيرة ويعترف بالأخطاء التي شابتها. فالطريق الذي سلكته الثورة ليست كلها ورودا ولا يمكن أن تكون كذلك مهما بلغت درجة العصمة التي يتغنى بها النظام، فهي سنة الله في خلقه.

التعاطف الذي يحظى به نظام طهران في عدد من الأوساط الشعبية وحتى السياسية العربية والإسلامية بخصوص موقفه من كثير من القضايا العربية والإسلامية وأيضا إزاء المكابرة التي أبداها مع الغرب بشأن ملفه النووي، لا يمكن أن يكون ذريعة للتعدي على شعب إيران وعلى حقه في التظاهر والتعبير عن معارضته بالطرق السلمية مثلما جرى قبل ستة أشهر ويجري الآن. فقد انتهج نظام صدام حسين في العراق نفس النهج تقريبا عندما كان يسعى لاستمالة الرأي العام العربي والإسلامي إليه من خلال عدد من المواقف التي كان يحاول الظهور بها مكابرا ومغالبا للغرب، بينما كان يذيق شعبه الذل والهوان، فكانت النتيجة التي رأيناها غداة غزو الكويت وبعد غزو العراق قبل ست سنوات.

تجربة الثورة الإسلامية بلغت من الكبر ما يقتضي على أهلها أن يراجعوا أنفسهم ويكيفوا نظامهم وفق التطورات العالمية المتسارعة، وليس في ذلك أي عيب ولا يمكن اعتباره ضعفا. القطار وصل محطة هامة وحاسمة في مساره ولا بد له أن ينتقل إلى محطة أخرى يراعي فيها مصلحة البلد وشعب إيران بما لا يتعارض مع محيطه الإقليمي والدولي.

من أجل ذلك كان يقتضي على حكام طهران أن يبحثوا لهم عن حل آخر لمواجهة مظاهرات الإصلاحيين غير الهراوات والرشاشات ومحاكم التفتيش.

من الممكن أن يحافظ النظام في إيران على سياسة الندية والمكابرة مع الغرب ويلتفت في نفس الوقت لمطالب الشعب وحقه في تغيير ما يجب تغييره من ممارسات سياسية تجاوزها العمر الآن. لكن الاستمرار في قمع الأصوات الداخلية الداعية للتغيير لن يصل بإيران إلا كما وصلت إليه كثير من الأنظمة القمعية العربية التي لا تزال تستمر في سد آذانها لكي لا تسمع أصوات مواطنيها المطالبة بالتغيير والإصلاح والديمقراطية.

الإمام الخميني ورفقاؤه اجتهدوا وأقاموا ثورتهم بنجاح وتأييد شعبي كبير، ولا عيب في الخلف أن يفكروا في تقويم المسيرة وإدخال ما يجب من تعديلات تسمح لإيران بأن تعيش قوية وتحفظ لها دورا رياديا في المنطقة، لكن هذه القوة يجب أن يستمدها النظام من أبناء شعبه جميعهم بمحافظيهم وإصلاحييهم على حد سواء. الوطنية وحب الوطن ليست حكرا على فئة دون أخرى، كما أنه ليس من حق النظام أن يجرم أي مواطن ويتهمه بالخيانة والعمالة لمجرد أنه وقف ضد الحاكم أو طالب بتغيير أوضاعه نحو الأحسن.

=========================

نزع السلاح النووي بين التبشير والواقع

المستقبل - الاربعاء 30 كانون الأول 2009

العدد 3524 - رأي و فكر - صفحة 19

عصام حداد

في تعليلها لمنح الرئيس أوباما جائزة نوبل للسلام لعام 2009 أبرزت لجنة نوبل "الوزن الكبير الذي تعيره لرؤياه وللجهود التي يبذلها من أجل عالم من دون سلاح نووي." لم يتمكن الرئيس أوباما أن يحمل معه إلى مبنى بلديه أوسلو، حيث تسلم جائزة نوبل للسلام، نسخة عن الاتفاق البديل لاتفاقيةStart1 ، والذي كان متوقعاً إنجازه في 5/12/2009 بين روسيا والولايات المتحدة بهدف المزيد من خفض الأسلحة الاستراتيجية النووية الهجومية والصواريخ الباليستية.

وكغيرها من الروئ التي صقلت ظاهرة أوباما، في صفوف النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، تواجه هي أيضاً معارضة عنيفة وشديدة من قبل المحافظين الجدد ومن خلفهم المجمع الصناعي العسكري(#). فهذه القوى لم تتخلّ عن أهداف الحروب التي نظمتها في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق، وما زالت تتمسك بمشروعها العسكري العالمي رغم الضربة التي وجهت له بانتخاب باراك أوباما والذي يرمز ويبشر بمناخ المصالحة والسلام ونشر بذور تعطي يوماً معاهدات لنزع السلاح وإنهاء الحروب وتفاهم الشعوب، وذلك كله من موقعه في صفوف النخبة الحاكمة ويميزه ضمنها الدعم لرؤياه من قبل كتلة جماهيرية توصف "بالثلث اليساري" من شعب الولايات المتحدة الأميركية.

إلا أن غلاة اليمين، ومنهم ممثلو المجمع الصناعي العسكري، ما زالوا يصرون على رؤيتهم للولايات المتحدة، القوة العالمية التي لا تقهر، والقادرة بالاستناد إلى قوتها العسكرية الجبارة وبخاصة النووية أن تحقق كل ما تطمح له عندما تقرر ذلك. وهؤلاء يرون أوباما والحركة الجماهيرية التي تدعمه عائقاً وخطراً على تحقيق مآربهم، ولن يكتفوا بتراجعه أمامهم في المساومة حول مستقبل الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان. إذ أن خطوات أوباما باتجاه المصالحة والتعايش العالمي تجعل منه خطراً كبيراً على مخططاتهم، وفي المقدمة من ذلك مبادرته في براغ للدعوة لنزع السلاح النووي على مستوى عالمي وسعيه لتطبيع العلاقات مع روسيا والحد والسيطرة على النزاع في الشرق الأوسط عن طريق وضع حلول ناجعة لمكوناته. والمضمون الاستراتيجي لهذه التوجهات هو وقف مسيرة "حالة الحرب العالمية" وذلك بشكل لا رجعة فيه. وفي هذا ما يكفي لاستفزاز اليمين المتطرف وتحديه بشكل قوي.

ومن هنا يصبح مفهوماً التأخر في التوصل إلى اتفاق "ستارت" جديد ففي هذا التعبير عما تحمله الأنباء من واشنطن عن تنظيم المعارضة اليمينية لصفوفها لجعل مسيرة نزع السلاح النووي بعيدة المنال.

في واشنطن أشارت السيدة "كسانت هيل" خبيرة الأسلحة النووية في منظمة أطباء ضد الحرب النووية (IPPNW) إلى أن "مشاريع أوباما لنزع السلاح النووي تتقاطع وتتأثر جداً بالجدل الدائر حول ضرورة تحديث المخزون من السلاح النووي. ولذلك فهي ترى بأنه سيكون من المتعذر على أوباما تمرير مشاريعه الهادفة إلى توقيع اتفاقيات جديدة مع روسيا، ووقف التجارب النووية في الولايات المتحدة الأميركية إلا إذا توافق ذلك مع تحديث المخزون الأميركي من الأسلحة النووية وإلا فإن الجمهوريين سوف يعطلون برامجه لخفض ونزع السلاح النووي..."

وقد عبر البنتاغون فعلاً عن احتجاجه على أي خفض ملموس للمخزون من الرؤوس النووية الأميركية، وهو في صدد صياغته "للنظرية النووية الجديدة" للولايات المتحدة الأميركية والتي رفضها أوباما لمّ رأى فيها من تلكؤ لا يخدم الاتجاه الذي يصب في تحقيق رؤيته لخفض ومن ثم نزع السلاح النووي. وتشير معلومات المتتبعين لشؤون البنتاغون، إلى أن الرئيس أوباما عبر عن رغبته المشاركة في اجتماعات ونقاشات البنتاغون الخاصة بصياغة النظرية النووية للولايات المتحدة الأميركية، قبل انعقاد المؤتمر العالمي للحد من انتشار الأسلحة النووية في أيار 2010. فهو يريد أن تأتي هذه النظرية النووية متوافقة مع رؤياه لعالم جديد منزوع السلاح النووي. وفي حين يصر البنتاغون على ضرورة الاحتفاظ بآلاف الرؤوس النووية في خدمة سياسة الردع النووي والتي تطمئن الحلفاء لشمول المظلة الذرية الأميركية لأمنهم فإن روبرت غيتس وزير الدفاع يوضح الطريق إلى ذلك في "ضرورة العمل على تحديث البنى التحتية للسلاح النووي، وإجراء التجارب على جيل جديد من الرؤوس النووية الأكثر أمناً، ما يؤكد ويطمئن الحلفاء لجاهزية وفاعلية السلاح النووي الأميركية" وبعدها فقط يمكن البدء في خفض وتدمير المخزون القديم وتحريم التجارب النووية بشكل دائم.

إن الغلبة لهذا الاتجاه سوف تشكل أسوأ إشارة باتجاه المؤتمر العالمي القادم في أيار للنظر في معاهدة منع انتشار الأسلحة الذرية، حيث سيتضح مرة أخرى بأن الخطر الذري على العالم يأتي من رفض الدول النووية لخفض مخزونها، على طريق إلغائه فعلاً، وليس من خروج كوريا الشمالية من عضوية المعاهدة عام 2003 ومن البرنامج النووي الإيراني واحتمالاته.

وفي روسيا لا تجري الأمور بمعزل عن تطورات المشهد الأميركي النووي خاصة والسياسي العسكري العام، فهنا يشير العسكريون الروس إلى دروس حرب القوقاز في آب 2008 ومدى استعداد الولايات المتحدة للتدخل في المجال الحيوي الروسي، مع استمرار عملية تمدد حلف الأطلسي مباشرة أو عبر الاتحاد الأوروبي لتطويق روسيا، وآخرها الترويج في كل من السويد وفنلندا في ظل الحكم المحافظ في كليهما، للدخول في عضوية حلف شمال الأطلسي في عام 2013 وعام 2015 (بعد عقود طويلة من السنين من الحياد الكامل).

ما وعد به الرئيس ميدفيدف من دعم لجهود أوباما من أجل عالم من دون سلاح نووي يعترض عليه القادة العسكريون الروس عملياً، وهم يعدون للنظرية النووية الروسية تحضيراً لمؤتمر أيار 2010 العالمي المذكور أعلاه ولتحل أيضاً محل النظرية السائدة منذ تولي فلاديمير بوتين سدة الرئاسة والتي حصرت استعمال السلاح النووي في حال تعرض روسيا لخطر داهم من قبل معتدٍ أو في حالة الحرب الكبرى.

إن القادة الروس لا يسقطون من حساباتهم الدور الفاعل للسلاح النووي في الثقل السياسي العالمي لروسيا، وكذلك في مواجهة غلبة الأطلسي بعد زوال حلف وارسو على مستوى السلاح التقليدي، وبالتالي ضرورة ردع عملية التطويق الزاحف لحدود روسيا ولذلك فإن النظرية النووية الجديدة لروسيا تتجه للخفض من مستوى الأخطار التي يمكن ويجب عندها استعمال النووي، بحيث يقترح العسكريون استعمال النووي في كافة الأخطار مع الاحتفاظ بحق المبادرة في إنزال الضربة الاستباقية النووية بالعدو مع توقع خطره الداهم، وهو الأمر الذي كان سائداً في النظرية الأميركية خلال عهد بوش الابن، ويعمل أوباما على إسقاطه كلياً في توجهه لصياغة نظرية جديدة.

إن الطريق ما زال طويلاً حتى تتوفر الظروف الموضوعية دولياً والتي تجعل من تحقيق ضرورة نزع السلاح النووي بالكامل أمراً ممكناً. وقرار مجلس الأمن في جلسته برئاسة أوباما (والفريدة من نوعها حتى الآن لما تعنيه) في 24 أيلول المنصرم خطوة صغيرة جداً على أهميتها على هذا الطريق الصعب، وبخاصة عندما يطالب بالتحديد إسرائيل إلى جانب الهند وباكستان بالانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية... وفي منتصف أيلول المنصرم ذكّر بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة غداة انتهاء المؤتمر ال62 للمنظمات غير الحكومية لمنع انتشار الأسلحة النووية برعاية الأمم المتحدة في مدينة مكسيكو بوجود 20 ألف سلاح نووي في العالم... في حين وجه المؤتمر ذاته ومن مدينة مكسيكو نداءً إلى العالم لإعلان العقد القادم 2010-2020 عقداً لنزع السلاح النووي في العالم كله.

 

(1) رئيس الجمعية المناهضة لسياسات التسلح ومقرها واشنطن السيد ج. سيرنسيون يقول: إن أوباما لا يواجه هنا فقط النظرية السائدة حول وجهة استعمال الأسلحة النووية بل صناعة بكاملها حيث ينفق سنوياً 54 مليار دولار على الأسلحة النووية وما يرتبط بها من عقود ومرابح وقوة عمل ومعارك كبيرة حول الموازنات والأموال المرصودة.

=========================

مؤامرة الاستيلاء على المسجد الأقصى : جمعيات أميركية تجمع الأموال لهدم المسجد الأقصى

عرفات حجازي

الدستور

30-12-2009

كل الدراسات تؤكد أن الرئيس الأمريكي بوش لم يستطع أن يغزو الأرض العربية أو العقلية العربية بل قام بنشاط في داخل الأراضي الأمريكية وبالتحديد في كاليفورنيا وهيأ تربة خصبة من الأمريكيين لتقديم العون والمساندة والتشجيع للقضاء على الوجود العربي في القدس تحديداً وتحقيق وجودهم في فلسطين حتى يستطيعوا اقامة الدولة اليهودية والغاء الوجود الفلسطيني في القدس تحديداً حتى يمكن هدم المسجد الأقصى وأقامة الهيكل الثالث الذي بدونه لم يستمر تأييد يهود العالم في الخارج الى اليهود في فلسطين.

 

جمعية صندوق جبل البيت،

وهي جمعية اسرائيلية فاشية متطرفة تسعى علانية الى تهويد منطقة المسجد الأقصى وكان الاعلان عن وجودها في صحيفة دافار عام 1984 حيث نشرت مجلة "أكوكتيب أنتلجنس ريبورت" الأمريكية تقول أن جمعية متطرفة أقيمت مؤخراً في اسرائيل والولايات المتحدة باسم صندوق جبل البيت ومركزها الرئيسي في القدس ويجري تمويلها من قبل المسيحيين المتطرفين في كاليفورنيا وقد قررت بناء البيت الثالث في منطقة المسجد الأقصى.

وتضيف المجلة أن رجل أعمال ثريا من كاليفورنيا يدعى تاري أزنيهوفر وهو الذي يترأس هذه الجمعية في أميركا.

كما ذكرت طوفيا تسيموكي مراسلة دافار أن عضو الكنيست "يهود بيرح" من الليكود وهو حزب ليبرالي أعلن يوم 22 - 1 - 1983 بأن رابطة صندوق جبل البيت ستتبرع بعشرات الملايين من الدولارات للاستيطان في يهودا والسامرة وأن الرابطة تضع نصب عينيها هدفاً أساسياً هو اعادة بناء الهيكل الثالث في نطاق جبل البيت،.

وتشير دافار أيضاً الى أعضاء من الرابطة المذكورة اتصلوا مؤخراً بأعضاء من الكينيست أمثال يهودا بيرح ، جيئولا كوهين ، يوفال نئمان ، وهم كما هو معروف من زعماء حركة "هتحيا".

 

حركة هتحيا "النهضة"

تعد هذه الحركة من أكثر الحركات الفاشية الجديدة تطرفاً وعنصرية في اسرائيل ولكن أكثر ما يميز هتحيا عن غيرها من الحركات الفاشية أنها ذات تمثيل برلماني في الحكومة الاسرائيلية حيث أن لها ثلاثة أعضاء في الكنيست الحالية. هذا بالاضافة الى أنها انضمت بعد ثلاثة أسابيع من الغزو الصهيوني للبنان الى الائتلاف الحكومي حيث تمثلت بوزير هو يوفال نئمان وزير العلوم والتطور ورئيس اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان،،.

ويعود ظهور هذه الحركة الى تموز 1979 حيث انشقت عن حركة حيروت احتجاجاً على اتفاق كامب ديفيد الذي اعتبرته تنازلاً اسرائيلياً،. وانضم اليها قسم من عصابة غوش أمونيم وحركة المخلصين لأرض اسرائيل الكاملة وتتعاون مع حركة حاخام كهانا.

وقد كان لهذه الحركة دور لا بأس به في دعم حكومة بيغن التوسعية بسبب تطابق أهداف الحركة مع أهداف حكومته من حيث التوسع الذي تسعى اليه الحركة كما يستشف من تصريح لأحد زعمائها يوفال نئمان لمراسل صحيفة معاريف دون غولدشتاين اذ قال سأعترف أمامك دون خجل أنني أنظر الى الأرض اللبنانية حتى نهر الليطاني على الأقل كنظرتي الى أرض اسرائيل وهذه الاحلام التوسعية ليست وفقاً على نئمان فقط من زعامة هتحيا بل هي القاسم المشترك لجميع زعمائها البارزين وغير البارزين وجميع مؤيديها في مختلف الأوساط الاسرائيلية مما يوفر للحركة انسجاماً داخلياً مصدره وحدة الهدف التوسيعي ونظرة العداء والكراهية للغير بشكل عام.

أما زعامة الحركة فتتمثل في قادتها الثلاثة البارزين يوفال نئمان ، جيئولا كوهين ، حنان بورات وهم جميعاً يقفون في أقصى اليمين الاسرائيلي كما هو معروف.

 

يمين اسرائيلي جديد

تأسس التنظيم الأساس الأيديولوجي التنظيم لهذه الهيئة عام 1984 وقد ضمنت زعامتها كلا من عضو الكنيست مخائيل كلير وهو من حركة حيروت وأفيغدور أسكين المهاجر من الاتحاد السوفياتي ومهاجر أمريكي جديد يدعى البرفيسور بول أيدلبرغ مليونير ويهودي يميني متطرف اسمه روبرت جايكوبس،،.

وهذه الهيئة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمنظمة يمينية متطرفة في أمريكا تدعى الغالبية الأخلاقية وزعيمها وموجهها الروحي هو القس الأمريكي المتطرف جيري فولويل.

وجايكوبس هو الذي ربط مؤسسي اليمين الاسرائيلي الجديد وزعماء الغالبية الأخلاقية الامريكية وأساس التقارب بين المؤسستين المذكورتين هو ايمان فولويل واتباعه بأنه قبل ظهور المنقذ الميسيحي من جديد يجب أن يتجمع اليهود في الاراضي المقدسة.. وأن على الولايات المتحدة أن تدعمهم بكل ما تملك ريثما يظهر المنقذ المنتظر الذي سوف يقبله اليهود،،، ومن الأهداف المعلنه لهيئة اليمين الاسرائيلي الجديد اضافة الى التصرف العدائي ضد مواقع اليسار الاسرائيلي ولا سيما مواقع الثقافة والاعلام الالكتروني المطبوع دعم التفوق اليهودي على العربي وفق أساس عنصري صرف،،.

 

حركة تسومت والجولان،

في أواسط شهر تشرين الثاني من 1983 أعلن رئيس الأركان السابق الجنرال "رفائيل ايتان" عن اقامة حركته السياسية الجديدة التي تحمل اسم "تسومت" أي "صهيونية متجددة" وفي يمين القسم بمناسبة تأسيس الحركة حدد ايتان أهدافها بما يلي: "أن نركز على الصهيونية طلائعياً وايديلوجياً وأن نقلل من الارتباط بالجهات الخارجية وأن نهتم بوحدة الشعب ونسعى الى الاعتراف بحدود أرض اسرائيل بما في ذلك هضبة الجولان".

هذه الأهداف كما هو واضح من أجل "تشكيل أرضية حركة فاشية جديدة ذات أبعاد شديدة التطرف" وربما ينبع تطرفها من تطرف صاحبها ومؤسسها الجنرال ايتان الذي يوصف بأنه صاحب ارآء مكانها على "يمين اليمين" وهو من أشد الاسرائيليين تطرفاً في ادخال واستعمال أساليب العنف في المناطق العربية حين كان رئيسا للأركان كما أنه من أشد اليهود كراهية للعرب واحتقاراً لهم ودعوة الى الاعتداء عليهم،،.

وبالنسبة لتمويل الحركة فان بعض المعلومات تشير الى اعتمادها على التبرعات التي تصلها من جهة مجهولة خارج اسرائيل وبين مؤسسي "حركة تسومت" الى جانب "ايتان" يبرر الكثيرون من أعضاء "عين فيرد" الطرف المتعصب في حركة "الموشافيم" والحركة الكيبوتسية الذي يعد أعضاؤه من مؤسسي حركة "ارض اسرائيل الكاملة ومؤسسي حركة النهضة هتحيا".

وهكذا فان هذه الحركة الحديثة الظهور جداً تعد من بين أكثر الحركات الفاشية الجديدة في اسرائيل فمن خلال هذا الاستعراض السريع لملامح أهم الحركات الفاشية الجديدة في اسرائيل يتضح مدى تمحورها الفعلي حول الاهداف العنصرية التي هي في النهاية أهداف الحركة الصهيونية عموماً وأهداف حكومات الكيان الصهيوني على تعاقبها منذ تأسيسه.

كما يتضح أن هذه الحركات ما هي في الواقع الا اليد الجديدة للحكم الاسرائيلي في مجال تهويد وضم المناطق العربية المحتلة بعد عام 1967 ولكن عمل هذه اليد يتم بارشاد غير مباشر من قبل الحكم دفاعاً لتحمل المسؤولية ظاهرياً أمام الرأي العام العالمي.

كما يتضح من هذا الاستعراض للحركات الصهيونية والقاء الأضواء على تاريخها وشعاراتها وأبرز صفات زعاماتها وأعضائها أن الحركة الصهيونية تعد كل العدة والاستعداد لازالة كل أثر للعرب والمسلمين ليس في القدس وحدها وليس في فلسطين كذلك بل أن أطماعها تجاوزت كل ذلك حتى يبلغ الاستيلاء على رقاع واسعة من الوطن العربي حددت "حركة الاستيلاء على المسجد الاقصى" بأنها تصل الى الأراضي اللبنانية حتى ميناء طرابلس ومعظم سوريا وجزءا من العراق وكل الاردن وجزءاً من العراق وكل الاردن وجزءاً من الكويت وعودة أخيرة الى سيناء،،.

وبالرغم من هذا الاعداد والتنظيم المأساوي الدموي الفاشي الحاقد تحاول بعض الاطراف أو الأحزاب ومنها حزب "المابام" أن تخدر المشاعر والخواطر العربية وتغرر بها وهي تعطي الأمل في حل سلمي أو تعايش سياسي بين العرب والاسرائيليين،.

ان العرب يسعون للسلام ويعملون من أجله.. ولكن المهم اليوم ليس العرب المهم هؤلاء الذين يحملون المدفع والرشاش والقادرون على ضغط الزناد الذي يتفجر يوماً بانسان وينفجر كل يوم في أصل هذا الانسان من أرض وبيت ومسجد وتراث،،.

وعلى هؤلاء العرب والفلسطينيين أن يدركوا أن الاسلام مع هؤلاء الاعداء الذين يعملون لانهاء الوجود العربي والاسلامي من أرض المقدسات لا ينفع معهم تغطية العيون وعدم رؤية الحقائق لأن هناك فرقاء في الحركة الصهيونية مهمتهم تضليل العرب حتى لا يدركوا حقيقة الأهداف الصهيونية وأن الفرقاء الآخرين من الصهاينة لا يرفعون أيديهم عن الزناد انتظاراً للحظة هدم المسجد الأقصى وطرد آخر عربي ومسلم من القدس وفلسطين.

=========================

تحطم صورة إسرائيل الديموقراطية

بن وايت - «الغارديان»

الدستور

30-12-2009

نزاع على ملكية الأرض ، هدم المنازل ، وحكومة إسرائيلية تتعاون مع الوكالات اليهودية "لتطوير" الأرض لفائدة مجموعة على حساب أخرى. من الممكن أن تكون هذه صورة للمستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة ، لكن الواقع أن هذا يحدث داخل إسرائيل - في النقب.

 

منذ ولادة الدولة ، كانت النقب هي المنطقة تم استهدافها من قبل الحكومات الإسرائيلية ، الى جانب الوكالات "مثل الصندوق الوطني اليهودي ، من أجل ما دعي ب"التطوير".

 

هذا الاستثمار في طرف البلد يتسم بالتفرقة الممنهجة ضد سكان النقب من البدو ، حيث يعيش الكثير منهم في قرى وبلدات "غير معترف" بها. التطورات الأخيرة سلطت الضوء بشدة على هذه السياسات ، وعلى مشاكل جذرية حول صورة إسرائيل باعتبارها "الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

 

اولا ، أغلقت ثلاث عيادات حيوية تقدم خدماتها للنساء والأطفال البدو ، والنتيجة أن أقرب منشأة تقدم خدمات مشابهة أصبحت الآن على بعد ساعات. السبب الرسمي هو نقص الموظفين ، ولكن هذا ليس عذرا مقبولا أمام خطورة المشاكل الصحية بين هؤلاء الأطفال من البدو ، حيث معدل وفيات الرضع أعلى بثلاثة أضعافه في المجتمع اليهودي في إسرائيل.

 

ثانيا ، في منتصف تشرين الثاني مرر الكنيست تعديلا منع بموجبه 25 الفا من البدو من التصويت لاختيار عمدتهم ومجالسهم الاقليمية. كانت الانتخابات قد أجلت أصلا لسنتين ، لكن القانون يعني الآن أنه "طالما أن وزير الداخلية يعتقد أن المقيمين ليسوا جاهزين للانتخابات ، سيتم تأجيل الانتخابات".

 

وأخيرا ، قبل ستة أسابيع ، محامو الدفاع عن البدو الذين يعيشون في قرية أم الحيران ، إحدى هذه القرى غير المعترف بها ، قدموا استئنافا ضد قرار سابق للمحكمة يأمر باخلاء الجماعة المقيمة هناك.

 

ما يثير السخرية ، أن هذه القرية تم إنشاؤها من قبل الجيش الإسرائيلي في الخمسينيات كجزء من خطة اعادة توطين واسعة للبدو من منطقة خُصصت لمستوطنة يهودية. الآن ، مرة أخرى هم مستهدفون بالترحيل ، وقد ألصق بهم وصف "الدخلاء" ، لفتح الطريق أمام إنشاء بلدة إسرائيلية مخطط لها ، هي حيران .

 

وفي الوقت ذاته ، كانت هناك تقارير حول "انتفاضة صغيرة" للبدو في النقب ، تستهدف أفراد الجيش الإسرائيلي على الطرقات بالقرب من قاعدة رئيسية. مثل هذه المخاوف ليس جديدا: تنبأ مقال منشور عام 2004 بهآرتز أن هناك "انتفاضة للبدو" على الطريق - وهو استنتاج من المفترض أنه معروف لدى المسؤولين الحكوميين الكبار والقيادات العسكرية.

 

ما هو إذن المحتوى الأوسع؟ كما ورد في تقرير لمنظمة هيومن رايتس واتش السنة الماضية ، "دوافع الدولة خلف هذه السياسات التمييزية ، الانعزالية والعقابية يمكن استنباطه من الوثائق السياسية وخطابات المسؤولين". هدف الدولة الإسرائيلية: "زيادة سيطرتها على أراضي النقب وزيادة أعداد السكان اليهود في المنطقة لأسباب استراتيجية ، اقتصادية وديموغرافية". البروفيسور أورين يفاتشل من جامعة بن غوريون وضعها بوضوح فظ: "الحكومة تريد تفريغ الأرض من العرب".

 

هذه هي الصبغة العامة التي تحدد سياسة إسرائيل للنقب منذ :1948 الطرد المادي والتشريعات التي تستثنيهم من الاعتراف الرسمي وقلب مفهوم "التطوير" إلى الهدم.

 

في العام 2003 ، أعلن ، أرييل شارون ، رئيس الوزراء آنذاك ، مبادرة جديدة دعا فيها "الى إنشاء ثلاثين بلدة جديدة" في الجليل والنقب. عوزي كيرن ، الذي كان أحد مستشاري رئيس الوزراء آنذاك ، قال لمحطة اذاعية أنه كان من المهم أن تقام البلدات الجديدة في "الأماكن المهمة للدولة ، وهذا يعني أنها مهمة للمستوطنات اليهودية" ، من أجل "تقوية المستوطنات في المناطق التي تفتقر للسكان اليهود".

 

احدى المجموعات التي تساعد الدولة هي الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل. منذ بضع سنوات ، وصف منسق الشؤون الاعلامية للمنظمة هدف الشراكة مع الحكومة الإسرائيلية هو "أغلبية يهودية في جميع أنحاء إسرائيل".

 

منظمة اخرى مهمة متورطة هي الصندوق القومي اليهودي. موقعها الالكتروني البريطاني ، على سبيل المثال ، يتحدث عن الكيفية التي يرى فيها "أن مستقبل إسرائيل يكمن في النقب" وأن الهدف من مبادرة "مسودة النقب" هو "إعادة احياء المنطقة الجنوبية من إسرائيل".

 

في كانون الثاني ، الرئيس التنفيذي للصندوق القومي اليهودي في الولايات المتحدة ، رسل روبنسون ، أبدى قلقه من أننا "اذا لم نقم بجلب 500 الف شخص للنقب في السنوات الخمس المقبلة ، فسوف نخسرها" - لم يقل لنا لماذا أو لحساب من سنخسرها. في 2005 ، كان روبنسون أكثر وضوحا فيما يتعلق بعواقب مشروع الصندوق الوطني اليهودي لتغيير الوجود السكاني: "تدفق كهذا" لليهود يمكن أن يعني "عدد مؤكدا من البدو المجبرين على المغادرة".

 

لقد حاول روبنسون تقديم هذا باعتباره يساعد في مواجهة البطالة عند البدو. بتركيزهم ببراعة وخبث على مبادرات "تشجيع البيئة" ومساعدة العرب المعوزين ، جماعات مثل الصندوق الوطني اليهودي يقومون بكل ما بوسعهم للتأكد من أن مشاهد كهذه تمر دون ملاحظتها.

 

هذه هي صورة "الإسرائيل" التي لا تريد حكومتها ، والمروجين لها ، أن يراها العالم ، "الإسرائيل" التي يشكل فيها غير اليهود "خطرا" ديموغرافيا ، وحيث الدولة تعمل مع وكالات (غالبا ما يتم تمويلها من قبل متبرعين غربيين) "لضمان" أغلبية يهودية. انها الحقيقة خلف الأسطورة بأن إسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في المنطقة ، وبعيدا عن التحريف الأسبوعي في عملية السلام ، هذا النوع من السياسات يسلط الضوء على جذور المشكلة التي تمنع التوصل الى حل للنزاع بنفس القدر ، أو حتى بصورة أفضل ، من عدد الوحدات السكنية في غيلو.

=========================

أيهما أخطر على مصير الدول: الفساد أم العدو الخارجي؟

الرأي الاردنية

30-12-2009

حسني عايش

جاء في معجم الوسيط أن فسد اللحم أو اللبن أو نحوهما: أنتن وعطب. وفسد العقد ونحوه: بطل. وفسد الرجل: جاوز الصواب والحكمة. وفسدت الأمور: اضطربت وأدركها الخلل.

والفساد قديم قدم المجتمعات البشرية. وكان أحد أهم أسباب انهيارها أو هزيمة الأعداء لها واحتلال أوطانها. والدليل عليه إدراك القدماء لخطورته. ومن ذلك إصدار فرعون مصر حورمحب في القرن الرابع عشر قبل الميلاد مرسوما ملكيا بفرض عقوبة على كل موظف او كاهن يقبل الرشوة في أثناء تأدية وظيفته العامة. أما حمورابي - في القرن الثاني عشر قبل الميلاد - فقد اعتبر تقديم المال والحبوب للموظف العام رشوة توجب العقوبة. وعلى الطريق نفسها سار الملك الآشوري بانيبال في القرن السابع قبل الميلاد عندما أصدر مرسوما يحرم الرشوة إلا إذا كانت بهدف الحصول على معلومات من العدو. وفي روما القديمة صدر قانون سنة 159 ق.م يحرم على كل من يقبل الرشوة تولي الوظائف العامة وعضوية مجلس الشيوخ طيلة حياته. كما خول القاضي حق الحكم على المرتشي بالنفي او بالاعدام (القبس في 29/3/1989).

كما أدانت الأديان جميعا وبخاصة السماوية الفساد، فقد ورد ذكر الفساد على نحو أو آخر في الكتاب المقدس (التوراة والانجيل) ثمانين مرة: الظلم يجعل الحكيم أحمق والرشوة تفسد القلب (سفر الجامعة 7/2) . وجاء في رسالة القديس بولس الثانية: يعدون المعلمون الدجالون هؤلاء بالحرية وهم أنفسهم عبيد الفساد (2/19). وقصة يهوذا الأسخربوطي الذي باع المسيح ? عليه السلام? لجلاديه بدراهم معدودة معروفة.

وورد ذكر الفساد في القرآن الكريم ? على نحو او آخر ? ثلاثا وأربعين مرة. ومن ذلك ما جاء في سورة البقرة : وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا: إنما نحن مصلحون. ألا إنهم المفسدون ولكنهم لا يشعرون (2/11-12).

وفي النصف الثاني من القرن العشرين وبخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة منه انتشر الفساد في العالم وعم وطم وأزكمت رائحته النتنة الأنوف. وقد رافق انهيار الاتحاد السوفيتي وما سمي بالتنمية الاقتصادية والقروض المليارية التي صاحبتها،وسعار الاستهلاك الذي جاء معها. وبسرعة تفذلك الفساد وتعقد حتى ليعجز الشهود الذي يرونه يتم أمام العيون من إثباته في المحاكم.

ونتيجة لذلك نشأت منظمة الشفافية الدولية في العقد الأخير من القرن الماضي. وأخذت تدعو وتضغط من أجل تبني الشفافية لا التعتيم في القرارات الإدارية والمالية وفي القطاعين العام والخاص.

وبعولمة الاقتصاد وحرية السوق المعززة لها تعولم الفساد (والجريمة والمخدرات والدعارة والاتجار في البشر وغسيل الأموال...) وأكثرت الدول من الرقابات الإدارية والمالية لتحجيمه ولكنه لم يتحجم بل تضخم وتناسب طرديا مع تكاثر هذه الرقابات وتفذلك وتعقد كما ذكرنا، وذلك لانتشار ثقافة الفساد في المجتمعات وبراعة الفاسدين بالفساد حسب (ثغرات) القانون. فبدا الفاسدون وكأن الرقابات الادارية والمالية تحميهم او شريكة لهم من الباطن معهم في الفساد . صاروا يتسلقون جدران المؤسسات العامة والأهلية والخاصة ويسطون عليها إداريا وماليا ويخرجون من التحقيقات والمحاكمات بريئين. لقد جعلتهم الجرأة على الفساد وغياب حرية التعبير والشفافية والمساءلة كمن يركب جملا ويقول: لا يراني أحد.

في الدولة الصالحة يعد الفاسدون على الأصابع ويحاصرون ويعاقبون ويتوارون عن الأنظار. أما اليوم او في الدولة الفاسدة فيعد الصالحون على الأصابع ويبعدون بعد ما صار الفساد هو القاعدة والنزاهة هي الاستثناء فالنزيه لا يستطيع أن يسير مستقيما في طريق معوج فيستبعد!!. وعليه صار الناس يطالبون بتقنين الفساد وجعله مشروعا حتى تخلو الدول منه وتنظف. لم تعد شفافية القرار تهم الناس بمقدار ما صارت تهمهم شفافية الفساد. ومن ذلك شمول عروض عطاءات الأشغال واللوازم المدنية والعسكرية على نسبة معينة محددة سلفا بالقانون في كل منها لكل مسؤول حسب درجته على سلم السلطة او القرار.

وفي نفاق مفضوح لمؤسسة الشفافية الدولية ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة والصالونات التي تتندر بمن ولوا على الناس وليسوا بأفضلهم او بمن لهفوا المال العام والخاص ولطشوا، تلجأ الدول الفاسدة الى تغطية الفساد الكبير (Grand Corruption) بمعاقبة الفساد الصغير (Petty Corruption) الوارد ذكره في تقارير دواوين المحاسبة او الرقابات المالية: يعملها الكبار ويقع فيها الصغار.

لعل الفساد الذي استشرى في النظام الرأسمالي المتوحش والدول التي تدور في فلكه ? وما أ كثرها ? هو أحد أهم أسباب زلزال الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم، فقد نخر الفساد المباح جسم كل دولة وفتك بها وصار أخطر عليها من العدو الخارجي مهما كان قويا، فألف عدو خارج البيت ولا عدوا داخله. والخطر الخارجي يمكن صده إذا كان المجتمع يتمتع بالحرية والنزاهة والعدالة فيدافع عنها. وإذا كان الأمر كذلك فإن الفساد خيانة عظمى للمجتمع او الدولة، وانتهاك لحقوق الإنسان باغتصاب الحق العام والحق الخاص والعدالة إداريا وماليا.

لقد أصبحت الدولة ? وبخاصة في العالم الثالث المدين الى شوشته ? ضحية لعوامل فساد خارجية تقتحمها مع القروض والخصخصة والشريك الاستراتيجي وحرية السوق... ولعوامل فساد داخلية لعل أهمها غياب الحرية ? حرية التعبير والنقد المباح لكل السلطات والهيئات ? والشفافية والمحاسبة والمساءلة وفساد القضاء.

في دراسات أمريكية ثلاث جرت بين سنتي 1961- 1984 عن العوامل المؤثرة في السلوك الأخلاقي في الشركة او المؤسسة... تبين أن سلوك الرؤساء (Bossesر Superiors) يأتي في المقام الأول في التسبب بالسلوك اللا- أخلاقي فيهما: ويصدق عليهم قول الشاعر:.

يا معشر الرؤساء يا ملح البلد. ما يصلح الملح إذا الملح فسد.

أو البيت التالي:.

إذا كان رب البيت للدخل سارقا. فحالة أهل البيت كلهم الفقر .

يليه ممارسات الشركة او المؤسسة او المهنة (المحاماة او الطب...) يليهما المناخ الأخلاقي السائد في المجتمع. وقد جاءت الحاجة الى المال في ذيل القائمة وبعكس ما يعتقد معظم الناس من أنها السبب الأول للفساد.

(Tony McAdamsر etlر Lawر Business and Society ر 5991ر ص 53) وكما ترون ليست الحاجة إلى المال هي السبب الأول والدائم للفساد، فمعظم الفاسدين مكتفون ماليا، او أثرياء جدا، ولكنهم لا يشبعون. وقد عرف العرب القدماء هذا السر عندما قالوا: اثنان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال. وقد تغلب طالب المال اليوم على طالب العلم لأن مقياس التقدير الاجتماعي صار معكوسا. بل إن كثيرا من طلبة العلم صاروا فاسدين يحصلون على إفادات أو شهادات أو درجات جامعية فيه بالتزوير والفساد أو بالشراء والانتحال.

لقد فشل العرب في حروبهم مع اسرائيل، وكان الفساد الإداري والمالي والعسكري أحد أهم أسباب هذا الفشل. كما فشلت اسرائيل في حروبها الثلاث الأخيرة في لبنان وقطاع غزة وأمريكا في أفغانستان والعراق بسبب الفساد أيضا، ولكن الفاسدين فيهما أي في إسرائيل وأمريكا... يدانون بقسوة عندما يكتشفون بعكس التقليد المتبع في بلدان عربية كثيرة الذي يطبطب عليهم كي لا يتم الكشف عن الفاسدين الكبار أو بحجة عدم تطفيش الاستثمارات الأجنبية او منع تدفقها مع أن العكس هو الصحيح.

بدلا من إقامة جبل او بناء هرم من أجهزة الرقابة الإدارية والمالية لمنع الفساد يجب أن يختار الشخص النزيه المنيع لتولي المسؤولية (عين نزيها منيعا ولا تراقبه) لأن دواوين المحاسبة والرقابة لا تستطيع ضبط المصمم على الفساد او ضبط فيروس الفساد إذا استفحل. النزيه المنيع هو القادر على وقف الفساد لأنه الجسم المضاد له، وليس أجهزة الرقابة فقط. هذا إذا كان لدى الدولة نية أو إرادة سياسية حقيقية للاصلاح، وإلا كفر الناس بالدولة المعنية وكان موقفهم منها:

 لا أذود الطير عن شجر قد بلوت المر من ثمر

=========================

المراهنة العربية المستمرة على أميركا

سلامة كيلة

السفير

30-12-2009

بعيد انتخاب باراك أوباما انطلقت المراهنات على تغيّر عميق في السياسة الأميركية تجاه «مشكلة الشرق الأوسط»، وجرى اللعب على مسألتي اللون والدين للقول بأن الرئيس الجديد هو منا. وربما جاءت تصريحات هيلاري كلينتون خلال زيارتها المنطقة قبل مدة، والتي تتعلق بدعوتها الفلسطينيين إلى المفاوضات من دون شروط مسبقة، هي تلك التي تتعلق بوقف الاستيطان. وتأكيدها على أن بنيامين نتنياهو قد قدّم عرضاً «غير مسبوق» حينما أشار إلى وقف مؤقت للاستيطان، وبالتالي تحميلها السلطة مسؤولية توقف المفاوضات، ربما جاءت لتوضح بأن السياسة الأميركية هي ذاتها، رغم محاولتها التخفيف من وطأة التصريحات على النظم العربية، بالقول أن المسألة تتعلق بالاتفاق على حدود الدولة أولاً. وهو ما يعني أنها توغل في التوضيح بأنها تدعم الموقف الصهيوني، لأن ذلك يعني أن حدود سنة 1967 ليست هي الحدود المطروحة ل«قيام الدولة». ولقد استمرت السياسة الأميركية في التوضح أكثر خلال الأشهر الماضية، لتظهر سنة من حكم أوباما بأنْ لا جديد هنا.

وبالتالي يجب أن تكون قد انهارت الآمال التي وضعت على باراك أوباما، وفي التغيير الذي سيحدثه في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الصهيوني.

لكن السؤال الذي يجب أن يلمس هو: لماذا كل هذا التهافت المستمر منذ عقود على الولايات المتحدة، وبالتالي المراهنة المستمرة على، والأمل المطلق في، الإدارة الأميركية، فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني؟ أي لماذا «اندلاق» النظم ونخب من المثقفين والسياسيين للمراهنة على السياسة الأميركية لحل هذا الصراع؟

لقد أثار نجاح باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة موجة من التفاؤل في هذا المجال بالتحديد، كما أثار نجاح رؤساء آخرين قبل ذلك، حتى أنه يمكن القول بأن نجاح رئيس ما هو وحده كاف لإثارة موجة التفاؤل هذه. وإن كان لم يحقق شيئاً في الدورة الأولى من رئاسته، فإن التفاؤل سوف يعود من جديد لأن هذا الرئيس «سوف يكون متحرراً في الدورة الثانية من الحاجة إلى دعم اللوبي اليهودي» كما يشار في كل مرة.

ورغم وضوح السياسة الأميركية، واستمرار توضيحها، وتوضحها في الممارسة، إلا أن «التعلق المرضي» بدور الولايات المتحدة يبقى مستمراً، ويبقى حل الصراع مربوطاً بهذا الدور، ...ربما على أمل أن ينجح رئيس ما «يفي بوعوده»، وهو ما يبدو مستحيلاً لأن الحلول التي يطلبها هؤلاء، رغم أنها جزئية وشكلية، لا تتطابق مع الرؤية الأميركية قبل الرؤية الصهيونية، أو أنها لا تتطابق معهما معاً لأنهما واحد.

إذن، لماذا لا يقود هذا الوضوح في السياسة الأميركية إلى تجاوز هذه المراهنات؟

ربما سيكون الجواب البسيط هو: لأن ذلك يعني الصدام مع الولايات المتحدة. وهو يعني هذا بالضبط إذا كان الهدف الحقيقي هو حل الصراع العربي الصهيوني على أساس قيام «دولة فلسطينية مستقلة». لكن ذلك ليس وارداً في رؤية لا النظم ولا النخب تلك، التي، بالتالي، لا تجد سوى استمرار المراهنة على السياسة الأميركية على أمل أن تتحقق هذه «المعجزة». إنها تؤسس كل سياستها على أن الحل يجب أن يتحقق ضمن الرعاية الأميركية وليس في الصراع معها، ولهذا تأمل في حل أميركي لوضع الدولة الصهيونية في المنطقة وليس فيما يتعلق ب«القضية الفلسطينية» فقط. لأنها تنطلق من أنها ليست في مواجهة معها، أكثر من ذلك إنها في «ترابط تبعي» معها. هذا «الترابط»، المبتدئ بالاقتصادي، والواصل إلى مصالح الفئات المسيطرة، هو الذي يجعل كل ميل لتسوية الصراعات ينطلق من «التفاهم» مع الولايات المتحدة، والذي يفضي في الأخير إلى قبول ما تريده هي.

المسألة بالتالي هي ليست مسألة «خطأ معرفي» فيما يتعلق بالنظم، أو سوء تقييم للسياسة الأميركية، حيث أن ممارستها باتت (كما كانت) أكثر من واضحة، بل هي مسألة ترابط تبعي يجعلها تؤسس سياساتها على أساسه، وتبني حلول المشكلات انطلاقاً منه، حتى وهي ترى ضرراً يطالها، أو أن الحل المطروح لا يخدمها تماماً، أو لا يتوافق تماماً مع تصورها هي.

إذن، سنلمس بأن القاعدة الأساس هي هذا الترابط، الذي تتحدد على ضوئه كل السياسات التي تخص وضع المنطقة، ومنها طبعاً الصراع مع الدولة الصهيونية. رغم الوضوح الشديد لطبيعة العلاقة بين الرأسمالية الأميركية (وكل الرأسماليات) والدولة الصهيونية، التي هي علاقة عضوية (علاقة ترابط بنيوي)، والتي تجعل كل الإدارات الأميركية تنطلق من أولوية المصالح الصهيونية، لأنها مصالحها هي بالذات. رغم الوضوح الشديد فإن النظم لا تجد سبيلاً غير التمسك بذاك الرابط، وبالتالي الأمل في الوصول إلى حل للصراع العربي الصهيوني، لأنه يؤثر على وضعها كله. وهو الأمل الذي سيبقى مستمراً، والذي يفرض تصعيد المراهنة في كل لحظة، لأن ذلك يؤسس لإعادة إنتاج الرابط المشار إليه.

لهذا فإن قاعدة حل الصراع العربي الصهيوني هي التوافق مع السياسات الأميركية، والانطلاق من «القرار» الأميركي في هذا الشأن. إنها الحكم وليس الخصم، وما تبدو خصومة يجب أن تخضع للحكم الذي تصدره هي. وهذا يعني، في الأخير، القبول بما تريده هي، بغض النظر عن الحقوق، والمصالح الوطنية.

وبالتالي ليس مستغرباً تحوّل المراهنة إلى قدر، حيث ليس من خيار هنا غير ذلك. إن الترابط يجعل كل مسائل الخلاف هي محل «تفاوض»، وتخضع لتحكم القوة المسيطرة في هذه العلاقة. وليس من إمكانية إلى خيار آخر، أو حتى التفكير في خيار آخر.

على ضوء ذلك سوف نغرق في مراهنات جديدة، وسوف تبقى قوى ونظم تأمل ما لا أمل فيه.

=========================

حيث تكون إسرائيل!

الافتتاحية

الأربعاء 30-12-2009

بقلم : رئيس التحرير - أسعد عبود

الثورة

في كل موقع تكون فيه إسرائيل هناك حصار.. لا يستطيع هذا الكيان الإرهابي ممارسة الحياة الطبيعية والمنطقية.. هو استثناء من القوانين الدولية ومساعي السلام ومؤتمراته وحظر الأسلحة النووية وحقوق الشعوب ونبذ العنصرية.

يستند في كل وجوده إلى القوة واستخدام السلاح والعدوان دون حدود.. وفي سياسته اليومية يتضح تماماً أنه لن يغير من سلوكه وأسلوبه.‏

إسرائيل اليوم محاصرة بحصارها.. ترفض أن تغير من سلوكها وقد بدأ العالم يمجّ هذا السلوك وتلك السياسة، وهي تسعى – دون شك – للخروج من هذا الواقع.‏

وإذ تتشدد في سياستها تريد أن تخرق حصارها عن طريق غيرها ودون أن تتغير.. فإن وجدت ثغرات تعبر منها طال الحصار وابتعدت رؤى السلام.. وكل من يجد نفسه في الموقف ذاته الذي تتخذه إسرائيل - تشابكت يده بيدها أم لا- لا يمكنه أبداً أن يخدم قضية السلام.‏

في ذلك معيار دقيق للصحيح والخطأ في السياسة ولا سيما في السياسة العربية.. إذ ما زال الصراع العربي – الإسرائيلي قائماً. وأن ينسحب منه بعض العرب «الأنظمة» لا يعني توقف الصراع، فالمسألة هي موقف عدالة وحق وإنسانية.‏

يعني:‏

بغض النظر عن المشاعر القومية أو الدينية لا يمكن لأبناء المنطقة أن يقبلوا تلك الجريمة المستمرة في حصار غزة وفي حصار الضفة الغربية أيضاً وكل فلسطين.‏

لذلك.. لا يكفي العرب أن يغضوا النظر عن المشاعر القومية وحقوق الأمة كي يصبحوا في موقف مسوغ منطقياً.‏

أبداً..‏

الإدانة ستأتيهم من هنا «العروبة وحقوق الأمة».. ومن مفهوم العدالة والسلام وحقوق الإنسان..‏

لذلك فالحقيقة التي لم تتغير: أن كل ما يضع أي عربي في الموقف ذاته الذي تتخذه إسرائيل يجب أن يكون محل تساؤل على الأقل.. إن لم يكن محل إدانة.‏

-الموقف من حصار غزة.‏

-الموقف من احتلال الأرض ورفض السلام..‏

-الموقف من دول المنطقة.. إيران.. وتركيا وغيرهما.‏

فقط لنفكر ونسأل:‏

ما الذي يضعنا في الموقف ذاته الذي يتخذه هذا الكيان العنصري الإرهابي؟!‏

إن كل تجاوز لذلك يمارسه أي عربي هو ثغرة يحدثها في الموقف العربي ليوفر لإسرائيل فرصة خرق حصار تفرضه عليها سياستها، وتمارسه قوى العدالة والحق والسلام وأحرار العالم.‏

فشل كل الفلسفات التي اقترنت بفتح الأبواب مجاناً على العدو الصهيوني وله، يؤكد أن ما يقوم به بعض العرب مدعين السعي للسلام هو إعاقة حقيقية له.‏

لماذا يقول العالم كله: إسرائيل مدانة في حصارها لغزة وفي سياستها التي تعني التدمير والقتل والموت.. ويتصرف عربي وكأنه يقول:‏

كل ذلك لا يعنيني..‏

أو أسوأ من ذلك يقرّ بالسلوك الإسرائيلي إذ يمارسه أو يشجعه ويتعاون معه.‏

لا أعتقد أنه خطأ سياسي القول العربي المبدئي:‏

أرفض كل ما تريده إسرائيل.. وكل خصومها وأعدائها في المنطقة أصدقائي..!‏

لم يعد في السلوك الإسرائيلي ما يمكن القبول به.‏

لم يعد في قفازات السياسة ما يستر الدم الذي يلطخ الأيدي والوجوه الإسرائيلية.. فأي قفاز ترتدي اليد العربية كي تصافح؟.‏

=========================

محطات 2009

العلاقات الثنائية تتدرج وفق الاتجاهات السعودية والأميركية والإيرانية

سنة 2009 بدأت برفع العلم السوري وانتهت بزيارة الحريري لدمشق

هيام القصيفي

hiyam.kossayfi@annahar.com.lb

النهار

30-12-2009

بدأت سنة 2009 برفع العلم السوري فوق السفارة السورية في بيروت، وانتهت بزيارة الرئيس سعد رفيق الحريري لدمشق. تلك هي خلاصة سنة 2009، بكل ما يحمله المشهدان من رمزية.

المشهد الاول، كرس مبدأ بديهيا باقامة سفارتين في دمشق وبيروت، وهو الامر الذي طالما رفضته سوريا منذ استقلال لبنان. فارتفاع العلم السوري على مبنى رسمي وليس على حاجز عسكري، عشية رأس السنة كان ايذانا بعلاقات ديبلوماسية للمرة الأولى بين العاصمتين، اعلن عنها رسميا في 15 تشرين الاول 2008. ولم يأت هذا الاعلان من عبث، بل جاء تكريسا لاستحقاقات مصيرية بدأت منذ النداء الاول لمجلس المطارنة الموارنة في ايلول 2000 مرورا باغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وسائر الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي تلته وذهبت بخيرة شباب لبنان.

اما المشهد الثاني فجاء لينهي سنة اخرى من الامال والاحتمالات المفتوحة، وليغلق الباب على سؤال بقي مكتوما الا لدى الضحايا الاحياء وعائلات الضحايا التي سقطت تباعا، واجابت عنه صحيفة " النيويورك تايمس" حين وصفت الزيارة بانها تكريس لعودة النفوذ السوري المتجدد الى بيروت. فجاء تعليقها تعبيرا عن كلام كثير بقي مكتوما، وعن خيبات تكاد لا تغيب حتى تعود مجددا، فيما تحفل التقارير الاعلامية والامنية الغربية بالحديث عن الانجازات التي حققتها سوريا سنة 2009 في انفتاحها على العالم.

لكن هل تعني المسافة الفاصلة بين الحدثين ان الجليد ذاب فعلا بين بيروت ودمشق، وصارت العلاقات بينهما بحسب ما نصت عليه الفقرة التاسعة من البيان الوزاري "علاقات اخوية"، ام ان الوقت لا يزال بعيدا كي يتحقق ما تتطلع الحكومة اليه للارتقاء بهذه العلاقات الى "المستوى الذي تفترضه الروابط التاريخية والمصالح المشتركة بين الشعبين والبلدين وقواعد الثقة والمساواة واحترام سيادة الدولتين واستقلالهما، والا يكون اي منهما مصدر تهديد لامن الآخر".

تنتهي سنة 2009 بعودة الزحمة على طريق الشام، في مناسبة وفي غير مناسبة، وتنتهي بكمّ هائل من التصريحات السياسية التي تعيد تقديم العلاقة مع سوريا على اسس لا تشبه بشيء الخطب التي القيت في ساحة الشهداء على مدى اشهر. مشاهد ختمت سنة 2009، لكنها اعادت التذكير بانه ما دام ثمة فريق لبناني يطالب بحق سوريا والحفاظ على مصالحها، فسيظل ثمة شكوك تحوم حول الاستقلال.

عام 1926، حين وجهت عشرة اسئلة الى اركان الطوائف والشخصيات اللبنانية للاجابة عنها لوضع دستور لبناني، جاء جواب اعيان الطائفة الاسلامية ان "رغائب الطائفة الاسلامية، وهي الاكثرية الساحقة من البلاد التي الحقت بمتصرفية لبنان حين اعلان لبنان الكبير سنة 1920، هي رفض الانضمام اليه وطلب الالتحاق بالاتحاد السوري على قاعدة اللامركزية، وقد كررت الطائفة احتجاجها على هذا الانضمام الذي جرى رغم ارادتها".

تغير الكثير منذ ذلك التاريخ، وقلب حدث 14 شباط كل موازين القوى والمعايير. منذ عام 1926 انضم بعض القادة المسيحيين الى نادي المطالبين بالدور السوري، وخرج منه عدد من القادة المسلمين، لكن بقي الظل السوري مخيما فوق لبنان، الامر الذي ينعكس في صورة متمادية بين فريقي المعارضة والاكثرية والذي كاد يطيح انجاز الانتخابات النيابية الاخيرة، وترك أثاراً سلبية واضحة على قوى 14 آذار.

في هذه السنة، زار رئيس الجمهورية ميشال سليمان دمشق مرتين، وزارها قائد الجيش جان قهوجي مرة واحدة، واختتم النائب العماد ميشال عون سنة 2009 في ربوعها مرتين، بعدما كان اختتم سنة 2008 فيها ايضا، وزارها رئيس الحكومة مرة واحدة، ناهيك بزيارات وزراء ونواب واعلاميين، فيما لا ينفك النائب وليد جنبلاط يعلن مرارا وتكرارا استعداده لزيارة دمشق العروبة. وصار اي واجب تعزية مناسبة لحضور عشرات المسؤولين اللبنانين في دمشق، الامر الذي جعل تقارير امنية غربية تجمع على وصف الحالة اللبنانية بانها مشهد مكرر لما كان يجري قبل اربعة اعوام. وحدها بكركي نأت بنفسها عن دمشق، ويرد البطريرك الماروني الكارينال مار نصرالله بطرس صفير الذي لم يرافق البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته لسوريا، على سائليه في 17/11/2009 بأن "زيارة دمشق غير واردة في الوقت الحاضر". ووحده صفير اعاد التذكير في رسالة الميلاد بالاغتيالات، قبل قليل من موعد استقباله الحريري الآتي من دمشق، في زيارة ثانية لبكركي بعد زيارته الاولى عشية تأليف الحكومة.

ما الذي حصل؟

ما الذي حصل حتى انقلب المشهد اللبناني رأسا على عقب، وانتهت السنة بغير ما ابتدأت به.

لا تنفصل المتغيرات الاخيرة عن المسار الاقليمي الذي بدأ يشهد محاولات اقليمية ودولية حيال سوريا، منذ أشهر، سواء من جهة الفرنسيين او الاميركيين او السعوديين، من اجل جذب سوريا من الحضن الايراني، وكف يدها عن دعم "حماس" و"حزب الله"، وعن أداء دور امني في اليمن والعراق. في المقابل كانت تركيا تضطلع بدور الوسيط بين دمشق وتل أبيب من اجل إحياء مفاوضات السلام، في مسعى لا يزال يتعثر رغم محاولات رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي زار دمشق الاسبوع الماضي في اطار سعي اقليمي مترابط الحلقات لتقديم المغريات لسوريا، فيما كانت الدول المعنية بالمفاوضات النووية مع ايران تصعد خطواتها وتفرض على ايران مواعيد محددة لتقديم اجوبة عن برنامجها النووي.

ظلت الاشهر الاولى من سنة 2009، بمثابة كرّ وفرّ بين الديبلوماسيات الغربية والعربية، في انتظار ترجمة عملية للنيات السورية في احدى الساحات المتنازع عليها اي لبنان. وكانت الانتخابات النيابية في 7 حزيران الاستحقاق الفعلي الذي سيبني على الشيء مقتضاه، وسيحدد الاتجاه السوري الفعلي.

لم تكن الحملة الانتخابية التي قامت بها الاكثرية والخطب التي القاها قادتها خلال التحضير ليوم 7 حزيران، تنبىء بأن المحادثات السعودية - السورية التي كانت تتم في صورة تمهيدية، ستصل الى خواتيمها وستترجم لاحقا بزيارة الملك عبدالله لدمشق في تشرين الاول، في زيارة استثنائية أعادت سوريا الى الواجهة العربية. حفلت خطب رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري من البقاع الغربي والشمال بتوجيه اتهامات مباشرة الى سوريا، وهو الواقف على بعد امتار من حدودها، في حين كان جنبلاط يسعى الى تكثيف اتصالاته بالطرف الشيعي ويمضي قدما في اجراء مصالحات مع "حزب الله" ويوجه رسائل تطمين الواحدة تلو الاخرى في اتجاه دمشق.

على الخط الاخر، كانت المعارضة واثقة الى الحد الاقصى من نجاحها، وراحت تتعاطى اعلاميا وسياسيا، كأن الانتخابات اصبحت في جيبها. وبدا حلفاء سوريا في لبنان من أكثر المطمئنين الى دخولهم كأكثرية المجلس الجديد. كانت عين الغرب على سوريا التي رددت انها لا تتدخل في الانتخابات، وما ان صدرت النتائج حتى خُلطت اوراقها مجدداً. حاولت سوريا بيع الغرب من البضاعة اللبنانية، قالت انها لم تتدخل في الانتخابات، بدليل ربح الاكثرية مجددا، وحاول بعض حلفائها الترويج ان المجنسين الذين جاؤوا من سوريا الى البقاع صوتوا للاكثرية، لا للمعارضة.

لكن مجريات الاحداث لم تكن تصب في الاطار نفسه، انتخب المجلس الجديد احد اركان المعارضة نبيه بري رئيسا له، وتوقفت الامور عند هذا الحد. خمسة اشهر من المفاوضات لم تثمر تأليف الحكومة، تخللها اعتذار اول لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ليسمى مجددا، وينجح في تأليف حكومته الاولى، بعد تدخل سوري مباشر عشية سفر الرئيس السوري بشار الاسد الى باريس في 12 تشرين الثاني الفائت.

على أكثر من خط

في الاشهر الخمسة الفاصلة بين الانتخابات وتأليف الحكومة، كانت المفاوضات مع سوريا تسير على أكثر من خط.

حاول الاميركيون رفع الجزرة في وجه سوريا من دون إسقاط العصا، فزارها في منتصف تموز فريد هوف مساعد الموفد الخاص لعملية الشرق الاوسط جورج ميتشل والتقى وزير الخارجية وليد المعلم. وفي نهاية أيلول زار نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد واشنطن في اول زيارة على هذا المستوى، حيث التقى مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان. لكن المحادثات الاميركية السورية لا تزال معلقة حول البند الاول من جدول المحادثات. لم تطمئن واشنطن بعد في شكل تام الى ان سوريا كفّت يدها عن لبنان. ولم يكن امرا عابراً أن يتحدث فيلتمان في الاسبوعين الاخيرين الى وسائل اعلام عربية مؤكدا مرة تلو اخرى ان لا مفاوضات على حساب لبنان، وان واشنطن متمسكة بأمرين هما عدم تدخل سوريا في لبنان والمحكمة الدولية. وبين هذين البندين اللبنانيين، وبنود العراق واليمن وفلسطين، وملف سلاح "حزب الله" وايران، تنتهي السنة من دون ان تعين واشنطن سفيرا لها في دمشق، وسط تقارير اميركية مؤداها ان اسم السفير الجديد والمناصب التي تولاها سيكون له مغزى يوازي اهمية تعيينه في العاصمة السورية.

بخلاف واشنطن، وضعت الرياض اطارا مختلفا لاحتواء دمشق، وخصوصا في الملف اللبناني، وفي مواجهة التقدم الايراني في الخليج. لم تنجح الرياض في التقرب من طهران ولم تؤد محاولات الملك عبدالله في استمالة الرئيس الايراني احمدي نجاد الى تخفيف حدة التدخل الايراني من المحيط الى الخليج. لذا كان القرار السعودي الدخول من البوابة السورية، لا الايرانية، من اجل اعادة فرض الهدوء على الساحة اللبنانية، واصابة عصفورين بحجر واحد. دعمت الرياض الحريري لتولي رئاسة الحكومة، ودعمت التفاوض في تقسيم الحكومة على قاعدة 15-10-5، ودعمت، خلال زيارة الموفدين السعوديين لدمشق، زيارة الحريري لسوريا حتى قبل توليه رئاسة الحكومة.

لم يهضم الفكرة الشارع الاكثري ولا قيادات 14 آذار، مسيحيين ومسلمين، وكان الرفض المطلق لها، بمثابة جرس انذار حول مستقبل العلاقة مع سوريا قبل اتضاح فحوى القرار الظني للمحكمة الدولية. وصل الملك عبدالله الى دمشق في 7 تشرين الاول من دون الحريري، ليفتح ثغرة في جدار العزلة حول سوريا، وليضع جدول أعمال جديداً لقطع حبل السرّة بين ايران وسوريا. بالنسبة الى السعودية صار التدخل الايراني المستمر في المنطقة خطاً احمر، كوضع سلاح "حزب الله"، ولا يمكن ابقاء سوريا تحت جناح هذين الخطين. حاولت السعودية تقديم اقصى ما يمكن تقديمه الى النظام السوري، تعهدات مالية بدعمه، وتسهيل عودته الى العالم العربي من الباب الواسع، وتقديم تسهيلات لحلفاء سوريا في لبنان، وصولا الى زيارة الحريري لدمشق بعد توليه رئاسة الحكومة ولو من دون دعوة رسمية وبطابع يجمع الخاص والعام.

ترجمة التقارب

بدأ التقارب السعودي - السوري يترجم في لبنان بزيارة حلفاء سوريا المقربين الى الحريري، وتسهيل دمشق تأليف الحكومة عبر انصارها المباشرين. لكن السعودية لا تزال تحتفظ باوراقها كاملة، في انتظار تنفيذ سوريا تعهداتها، وأهمّها فك التحالف مع ايران، ووقف طريق امداد "حزب الله" بالسلاح. وان لم يسلك التحالف الطريق المرسوم له، فان للسعودية حسابات اخرى، تنعكس في تعزيز الخط السعودي المتشدد مع سوريا، واول الغيث تصريح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حول سلاح الحزب في لبنان، وهو المعروف بقربه من الدوائر الاميركية.

وقفت مصر موقفا اقرب الى واشنطن منها الى الرياض في اسلوب معالجتها المشكلة مع سوريا. كثرة التبريرات التي اعطتها مصر عن دعمها تشكيل الحريري الحكومة كانت توازي عدم رضاها عن عدم عودة الرئيس فؤاد السنيورة الى القصر الحكومي. بالنسبة الى مصر، سوريا لن تستطيع – ولا تريد - ان تخرج من الفلك الايراني، فالاسد هو الرئيس العربي الذي أعلن وحده اعترافه بشرعية انتخاب احمدي نجاد رئيسا وذهب لتهنئته رغم غليان الشارع الايراني المعارض. ومصر التي تحاكم خلية "حزب الله" لديها لا تثق بأن دمشق قادرة على منع الامدادات العسكرية للحزب.

اما فرنسا التي استقبلت الاسد في تشرين الثاني الماضي، فلا تزال تحاول أن تعيد ديبلوماسيتها الى العمل بجدية في الشرق الاوسط بعد سلسلة اخفاقات في لبنان، وآخرها انتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها، وتحقيق مصالحها اوروبيا واميركيا. ولعل قول وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في تعليقه على زيارة الحريري لدمشق، ان سوريا "طالما خيبت الامال" يعكس اهمية تجربة الديبلوماسية الفرنسية التي حاولت طوال السنتين الاخيرتين ارساء حوار مع ايران ومع دمشق، عبر حركة موفدين مكثفة، من دون ان تصل الى نتائج عملية.

والمحور الخامس هو الدور الايراني الذي استعاد في حركة مفاجئة حضوره السياسي، بما يشبه المحاولة لاستيعاب الهجمة السعودية من لبنان الى مصر ودول الخليج. وبدا لافتا توقيت زيارة وزير الخارجية منوشهر متكي الاسبوع الماضي في اعقاب زيارة الحريري لدمشق، وتوجيهه الدعوات الرسمية الى رئيس الحكومة والى البطريرك الماروني ( وهي ليست الدعوة الاولى) لزيارة طهران. وتتحدث تقارير ديبلوماسية غربية عن ان سوريا في عهدها الانفتاحي الجديد مع الرياض، وكسبها اوراقا جديدة على الساحة اللبنانية، بوقف اكبر كتلة نيابية هجومها المستمر عليها، يمكن ان تعطل خط الامدادات ل"حزب الله" عبر مرافئها وأراضيها، الامر الذي لا يمكن طهران ان تسمح به، التي تبدو مع "حزب الله" اكثر المتضررين من الانفتاح السعودي على دمشق وترجماته المحلية في لبنان. فأسباب تسهيل حزب الله تأليف الحكومة لا تشبه بشيء الاسباب التي دفعت بسوريا الى ذلك. للحزب اجندة مختلفة تتعلق باسرائيل وبالملف النووي الايراني واحتمالات الحرب. اما سوريا فحساباتها تتعلق بالرئة الاقتصادية التي يمثلها لبنان، والاهم بالنفوذ السياسي التي يستطيع عبرها العودة الى الساحة الدولية.

أين لبنان من هذه المحاور؟

بعد شهر ونصف شهر يحتفل لبنان بذكرى 14 شباط. سيكون للذكرى معنى مختلف هذه المرة، وستكون للخطابات، اذا استمرت الاجواء السعودية السورية على حالها، مغزى آخر. لم يكن امرا يسيرا ان تتحدث وسائل الاعلام السورية واللبنانية المعارضة عن خطاب النائبة بهية الحريري في 14 آذار 2005 وعبارة "لن نقول وداعا سوريا بل الى اللقاء"، كعنوان لزيارة الحريري الى دمشق. لكن عبارة واحدة من 14 آذار 2005 لا تلغي مفاعيل كل ما قيل في تلك الساحة حول العلاقة مع سوريا، ولا تلغي تفاعل الشارع مع تلك الشعارات. والى أن يحين موعد 14 شباط، ستتغير عناوين كثيرة، ويبقى عنوان واحد هو المحكمة الدولية.

=========================

الحريري والأسد.. علاقة الآباء والأبناء

علاقة الحريري الأب بالأسد الابن كانت متوترة منذ اللحظة الأولى بسبب فارق العمر وعلاقة الحريري بكنعان وخدام

الشرق الاوسط

30-12-2009

بيروت: سناء الجاك

كثيرة هي الإشارات التي أثارتها زيارة رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى دمشق. فهذه الزيارة ترتبط ارتباطا وثيقا بأسباب الجفاء بين لبنان وسورية التي انفجرت لحظة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005، وتفاعلت لتشهد بيروت أكبر مظاهرات في تاريخها.. وجاءت الحصيلة في 26 أبريل (نيسان) 2005 انسحابا للجيش السوري من لبنان وفق القرار الدولي 1559 الذي نص على انتخابات رئاسية في لبنان وفق الدستور ومن دون تدخل أجنبي، وانسحاب جميع القوات الأجنبية المتبقية من لبنان، وحل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها.

وكثيرة هي الإشارات التي تنتظر الترجمة العملية لكسر الجليد وفتح صفحة جديدة بين لبنان وسورية والتأسيس لعلاقات مميزة، وتطوي تاريخا قريبا شهد لبنان خلاله اغتيالات حصدت عشر شخصيات سياسية وأمنية وإعلامية وحزبية وشللا في الحياة السياسية، وتخلله عدوان إسرائيلي مدمر واعتصام في وسط بيروت بعد انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة الأولى للرئيس فؤاد السنيورة، إثر قرار المحكمة الدولية، وأحداث السابع من مايو (أيار) 2008 عندما احتل مسلحو حزب الله شوارع بيروت.. لتبدأ مرحلة اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد فراغ في سدة الرئاسة لمدة ثمانية أشهر، ومن ثم الانتخابات النيابية التي أعادت إلى فريق 14 آذار أكثريته النيابية، ليلتبس حجم هذه الأكثرية مع التموضع الجديد لرئيس «اللقاء الديمقراطي» وسابقا القطب «الأشرس» في 14 آذار النائب وليد جنبلاط.

ولا تنتهي الإشارات التي لا يمكن قراءتها بمعزل عن مخاض تأليف الحريري حكومته الأولى وفق نظرية الديمقراطية التوافقية. كما لا يمكن تجاهل ما يحدث في المنطقة بعد انفتاح السعودية عليها ومعاودة الغرب مدّ الجسور معها.

الحريري سارع إلى وضع النقاط على الحروف لإزالة الالتباسات عن هذه الإشارات، فأكد أن زيارته إلى سورية «كانت تاريخية ومهمة جدا». وقال إنه لمس «انفتاحا تاما» من قبل الرئيس السوري بشار الأسد، وأنهما تبادلا الأفكار «خصوصا أنه كان هناك كلام واضح وصريح حول ما هي مصلحة الدولتين والشعبين». وأمعن الحريري في التوضيح، فقال إن «ترسيم الحدود ليس لبناء الجدران، بل نريد أن نرسم الحدود بشكل إيجابي لاستفادة الشعبين». وقطع الطريق على المشككين الراغبين في شرخ بينه وبين حلفائه، المعارضين للزيارة، خصوصا المسيحيين منهم، فقال إن بطريرك الموارنة نصر الله صفير «كان مباركا للزيارة». وفي حين وُصفت زيارة الحريري هذه بالخطوة الشجاعة والتعالي على الجراح، نرى في المقلب السوري، أن الاهتمام انحصر في حدود طي الصفحة الماضية مع رئيس الحكومة اللبناني، لتعلن دمشق أنها «مع الحريري صديقا وزعيما ورئيس حكومة». وكأنه نجح في امتحانها. وتسرب مصادرها أن «الجانبين اتفقا على خطوات وآليات إجرائية، على أن يبلغ عنها الحريري عبر وسيط لبناني محدد تم التوافق عليه». ويشير هذا الأمر إلى أن التعامل مع الأشخاص يأتي قبل التعامل بين الدولتين. ويغلب انطباع بعدم الخروج عن الخط الذي تعوده اللبنانيون للأداء السوري. كما أن الكلام السوري عن «سعي» إلى حماية لبنان قد يثير حساسيات معينة، ومنها عودة الوصاية وأن لبنان من دون عسكر. إذ يتساءل البعض: ممن ستكون هذه الحماية؟ فإسرائيل كلما أرادت الاعتداء على لبنان، كانت تفعل ذلك من دون الالتفات إلى قدرة سورية على حمايته. كذلك الأمر بالنسبة إلى الجماعات الأصولية التي ارتأت تحويل لبنان من «أرض نصرة إلى أرض مواجهة»، كما برز ذلك في حرب نهر البارد بين «فتح الإسلام» والجيش اللبناني، والتي بدأت بعد أن اعتدى عدد من المسلحين الأصوليين على أفراد من الجيش وقاموا بذبحهم وهم نيام في مراكزهم. وعلى الرغم من أن «سوء الظن من حسن الفطن» لا بد من التوقف عند دعوة الحريري إلى انفتاح إيجابي من أجل إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، ليذكرنا من خلال أكثر من تفصيل بحكمة والده الذي حافظ على ميزان دقيق في علاقاته الإقليمية والدولية بمعزل عن موقفه الشخصي من الأمور لأنه كان يعتبر أن «لا أحد أكبر من وطنه». وكانت علاقة الحريري الأب مع الأسد الأب قد بدأت من الباب السعودي في ثمانينات القرن الماضي، عندما كان يقوم بوساطات لها علاقة بالوضع اللبناني. حينها برز دور الحريري في ضوء الاهتمام السعودي بلبنان القائم على التفاهم مع سورية وبموافقة الأميركيين. آنذاك، وبتوجيه من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وثّق علاقاته مع عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي لينضم إليهما فيما بعد الراحل غازي كنعان بصفتهم المعنيين بالملف اللبناني. وتؤكد مصادر مواكبة لتلك المرحلة أن «لا صحة للاعتقاد السائد بأن الحريري نسج علاقاته السورية الخاصة، لأن الأمور كانت ممسوكة من الأسد». بعد ذلك تطور دور الحريري في الملف اللبناني. وكان له حضوره «السري» في الاتفاق الثلاثي الذي رعته دمشق في 28 ديسمبر (كانون الأول) 1985، لإنهاء الحرب، ووقّعه ممثلو ثلاثة أطراف حزبية هي: القوات اللبنانية التي كان يمثلها ايلي حبيقة، وحركة أمل التي كان - ولا يزال - يرأسها رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري، والحزب التقدمي الاشتراكي الذي كان - ولا يزال - يرأسه النائب وليد جنبلاط. كما شارك في صياغات عديدة لإنهاء الأزمة اللبنانية وصولا إلى اتفاق الطائف. وتشير المصادر إلى أن «رفيق الحريري حرص على إقامة علاقة جيدة مع حافظ الأسد. وكان يعرف مقدما حجم زعامته ويتصرف تجاهه على أنه مرجعية سياسية إقليمية كبرى ولرأيه الوزن الكبير، وذلك بمعزل عن القراءة السلبية للسياسة السورية في لبنان، بمعنى الإدارة الأمنية للشأن السياسي اللبناني من خلال لعبة التوازنات التي كان يعتقد أنها «غير طبيعية وغير ناجحة». وتقول المصادر إن «الحريري الأب لم يكن يرجع إلى الأسد لدى حصول خلافات داخلية لبنانية إلا عند الضرورة القصوى، ولم يكن الأسد يعطيه إلا ما يريد أن يعطيه. وقد عرف الحريري ذلك أوائل عام 1993 عندما طلب صلاحيات استثنائية للحكومة، وتم رفضها، ليتبين له فيما بعد أن الرئيس السوري لم يكن موافقا على الصلاحيات الاستثنائية». ويضيف أنه «منذ ذلك الحين تعود رفيق الحريري على هذا النوع من الصدمات». ويقول أيضا إنه «من الأشياء غير المعروفة، أن الراحل باسل الأسد، ابن حافظ الأسد، كان يعارض مشروع إعادة إعمار وسط بيروت (سوليدير) الذي رعاه الحريري، معارضة شديدة، على اعتبار أن منطقة الأسواق تحولت خلال الحرب ملاذا للمهجرين والفقراء وقد يؤذيهم مثل هذا المشروع إذا أنجز على حسابهم». ويضيف أن «الحريري لجأ للرئيس الأسد وشرح له أبعاد المشروع وأهميته لإعادة اللحمة بين المسلمين والمسيحيين، فوافقه الأسد على أن يجزل العطاء للمهجرين. وهكذا كان، فكلف إخلاء منطقة وسط بيروت آنذاك نحو 250 مليون دولار دفعتها شركة سوليدير إلى هؤلاء بطلب شخصي من حافظ الأسد».

في بدايات دخول الحريري المعترك السياسي اللبناني، كان واضحا عدم السماح السوري له بالتدخل في نطاق مؤسسة الجيش اللبناني ونطاق المجلس النيابي، باعتبارهما إدارات غير تنفيذية. كان مسموحا له العمل في النطاق التنفيذي الاقتصادي فقط. بعد نجاحه في الانتخابات النيابية عام 1996 صار أسهل عليه الدخول إلى نطاق التشريع، وإن بقي واضحا أن السوريين لم يكونوا على استعداد وقابلية لانتشار سني عابر للمناطق يقوده الحريري.

عام 1996 سجل كذلك المرحلة المميزة في العلاقة بين الأسد والحريري الذي بذل جهودا دبلوماسية أظهرت موقعه العالمي لمواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان آنذاك (عناقيد الغضب)، من خلال جولته على عواصم العالم وإبرام اتفاق «نيسان» الذي نتج عنه لجنة ضمت لبنان وسورية وفرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل. كذلك كان الحريري يحرص على اقتراح يساعد على توثيق علاقة النظام السوري بالسعودية وتركيا وفرنسا.

الفترة الصعبة التي عرفها الحريري مع الرئيس الراحل حافظ الأسد بدأت مع عهد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود عام 1998. اختلف الحريري معه ورفض تكليفه تأليف الحكومة بالأصوات التي جيرها النواب آنذاك إلى لحود. وعندما اجتمع الحريري بالأسد عام 1999، قال له الأخير بعد أن سمع روايته للموضوع إنه كان عليه أن يقبل التكليف ثم يأتي إليه ليوضح الأمور. وكان الأسد الأب قد حاول أن يجمع الحريري الأب بابنه بشار، إلا أن عبد الحليم خدام كان يعارض الفكرة لأنه كان يعتبر نفسه المعني الوحيد بملف لبنان، لا سيما بعد انسحاب الشهابي، ولم يكن مقتنعا بمسألة التوريث.

ويقول النائب والمستشار السابق لرفيق الحريري نهاد المشنوق ل«الشرق الأوسط» إن «الحريري الأب كان واقعيا في أدائه السياسي، وكان يعرف أن هناك حساسية سورية من علاقاته الدولية الآخذة في النمو والتطور والترسيخ. ولطالما كان يردد أن كل زيارة ناجحة يقوم بها من أجل لبنان يدفع ثمنها في الداخل اللبناني. لكن الأسد الأب كانت له حساباته الخاصة المرتبطة بالربح والخسارة، لذا كان يتغاضى عن هذه الحساسية ويعطي تعليماته على هذا الأساس».

أما عندما تسلم بشار الأسد الحكم في سورية، كان واضحا من اللحظة الأولى أن علاقته برفيق الحريري متوترة وغير مستقرة. ودائما لعدة أسباب، أولها فارق العمر والتجربة والاختلاف والخلاف على الأسلوب في التعاطي مع الأمور. ومن ثم الحساسية الفائقة التي كانت لدى الرئيس الشاب من خدام وكنعان وعلاقة الحريري بهما، بالإضافة إلى شعور لا مبرر له على الإطلاق من أن الحريري لديه رغبة أو قدرة على لعب دور ما في الداخل السوري، مع أن الحريري لم يكن يفكر ولم يكن يسمح لنفسه أن يفكر باللعب في الملعب السوري الداخلي.

أما اللقاء العاصف بين الرجلين عام 2003 فكان وللمرة الأولى بحضور ضباط ثلاثة هم غازي كنعان ورستم غزالي ومحمد خلوف. اندلع خلاله خلاف سياسي حاد حول المواضيع كلها. وقد أطلق البعض على هذا اللقاء «لقاء النهار» نسبة إلى صحيفة «النهار». ذلك أن الأسد الابن طلب من الحريري الأب بيع أسهمه فيها لأنها كانت تعارض الوجود السوري في لبنان. وهذا ما حصل، إذ تنازل الحريري عن الأسهم لرئيس تحريرها الراحل جبران تويني الذي اغتيل في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2005.

أيضا اللقاء الأخير بين الحريري الأب والأسد الابن كان في 26 أغسطس (آب) 2004 وُصف بأنه كان «عاصفا». وجاء قبل 8 أيام من تمديد البرلمان اللبناني ولاية رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود ثلاث سنوات، وقبل 7 أيام من إصدار مجلس الأمن القرار 1559. اليوم وبعد خمسة أعوام يزور رئيس الحكومة سعد الحريري دمشق ويصافح الرئيس السوري بشار الأسد هادئا، ولا تكشف ملامحه أي انفعال يشي بشعوره. المعروف أن لا علاقة سابقة تجمع الحريري الابن والأسد الابن. وعلى رغم المواقف الحادة والمعبرة للنائب وليد جنبلاط، لكن المواجهة الفعلية «الصامتة» التي تلت جريمة اغتيال الحريري الأب كانت بينهما. وهذه المواجهة لم تهدأ أو تستكن لحظة خلال السنوات الماضية. فالنظام السوري لم يستسلم إلى ما حصل بعد الاغتيال - الزلزال. وقد سلم زمام المواجهة إلى حزب الله ليتولى الضغط على الحريري وحلفائه ويلملم القوى الحليفة لسورية وينظمها ويمولها ويدعمها وصولا إلى الانتخابات النيابية التي كان الحزب يعد نفسه للفوز بها وتغيير المعادلات الموجودة. الحدة خفت وتيرتها مع ملامح التغييرات الإقليمية التي تشير إلى استراتيجية قوامها استرداد سورية لتوازنها، بمعنى أن لا تكون انقسامية في الوضع العربي ولا جزءا من المواجهة في العلاقة مع إيران، لأن المطلوب انفتاح سوري على الغرب وحوار مع الولايات المتحدة ومصالحة مع الأكثرية العربية. هذا الأمر كان يستوجب أن تكون العلاقات اللبنانية - السورية إيجابية وجيدة. لحظة تكليف سعد الحريري تأليف الحكومة بعد الانتخابات، بدأ العمل على زيارته إلى دمشق. وقد استغرق الأمر محاولات عدة، منها طرح ذهابه بعد التكليف وقبل التأليف، لكن التأجيل حصل بطلب من الحريري، أو أن يرافق الحريري الملك عبد الله إلى سورية، أو أن يشارك في افتتاح جامعة الملك عبد الله في جدة حيث يلتقي الأسد على هامش الزيارة. لكن الحريري رغب القيام بهذه الزيارة على طريقته وبعد تأليف الحكومة. والقيام بها بشخصه ومن دون وفد مرافق. ذلك أنه لا يمكن لأي حوار بين الرجلين أن يتم بوجود شخص ثالث ويأخذ السياق الذي أخذه. كان يجب أن تتم الزيارة بهذا الشكل ليطرح الحريري مرتاحا كل المواضيع التي يريد طرحها مع الأسد. وهذا ما حصل. وخطوة الحريري هذه تدل على شجاعة وطنية استثنائية. وهي خطوة طبيعية وضرورية، على اعتبار أن لسورية دورا أساسيا في الخريطة الجديدة التي تتشكل.

يقول المشنوق إن «أهم ما في هذه المرحلة، يبقى أن سعد الحريري أخذ بثأره ثلاث مرات: الأولى شعبيا في الانتخابات النيابية، والثانية رسميا عندما دخل مكتب والده في السراي رئيسا لحكومة لبنان، والثالثة سياسية عندما زار سورية رئيسا للحكومة». ويضيف: «كذلك يبقى أن هذه هي بداية المرحلة التي فتحت باب النقاش بين الدولتين اللبنانية والسورية، وهي تختلف عن المرحلة السابقة التي أرسيت بعد اتفاق الطائف، لأن الدور السوري يختلف عما قبل 14 فبراير (شباط) 2005. هو دور يفترض أن لا يتدخل في التفاصيل أو إدارة الوضع السياسي اللبناني، ليقتصر على الدعم والتدخل في الأزمات لحلحلة الأمور إذا استدعت الحاجة. أما مفاعيل الزيارة في الداخل اللبناني فأهمها أنها ستضعف قدرة الراغبين في عرقلة مسيرة الدولة. وأهمية العلاقة، إذا سرت الكيمياء بين سعد الحريري وبشار الأسد، ستظهر في سهولة استمرارها من دون قدرة التشويش عليها. لا سيما أن الحريري فتح خطا مباشرا ومتينا مع النائب سليمان فرنجية الذي يبقى موضع ثقة بشار الأسد». لكن من يعرف القيادة السورية يعرف أنه رغم كل الصور العلنية، يسكن داخلها كم من التذكارات التي لا تتغير بمصافحة. ولعل عبارة «ندية» لتوصيف العلاقات بين لبنان وسورية والتي استبدلت ب«مميزة» تشير إلى هذا الكم من التذكارات. وتشير إليه أيضا التصريحات التي واكبت الزيارة والمتعلقة ببقاء المجلس الأعلى السوري - اللبناني، على الرغم من العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء. وفي الإطار نفسه تأتي إثارة إلغاء القرار الدولي 1559. كذلك ليس صحيحا أن ذاكرة اللبنانيين الرسمية والشعبية صافية حيال هذه القيادة. وليس صحيحا أن الذاكرة السورية الرسمية والشعبية صافية حيال لبنان. المطلوب جهد كبير من جانب سورية للوصول إلى الصفاء المنشود، كونها دولة مركزية وقرارها من رأس الهرم. فلم يعد ممكنا تكرار التجربة السابقة. علاقة الدولتين تحددها معادلة: «لا يوجد اطمئنان مسبق ولا طمع لاحق» على حد قول النائب المشنوق في مداخلة في جلسات الثقة أمام مجلس النواب.

ولعل أصدق توصيف لواقع الحال المرتقب بعد الزيارة تصريح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن زيارة الحريري إلى سورية عندما قال: «بادرة الحريري هي بادرة رجل دولة لكني أتساءل عمّا ستسفر عنه وآمل ألا أكون مخطئا. فلطالما خاب أملنا من هذا البلد، سورية».

=========================

الانقسامات العربية.. مسؤولية مشتركة

بقلم :ممدوح طه

البيان

30-12-2009

مشهدان لافتان في بداية هذا الأسبوع، يعكسان ازدياد الضجر الشعبي من استمرار حالة الخلاف والانقسام الرسمي، سواء على المستوى الفلسطيني أو على المستوى العربي، وتعثر جهود المصالحة والوئام، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي..

 

المشهد الأول في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، خلال اجتماع البرلمان العربي الانتقالي، في جلسة خاصة لدعم القدس والمسجد الأقصى تحت عنوان «القدس خط أحمر» والذي ربط فيه إنقاذ القدس من التهويد والحصار بالوحدة الوطنية الفلسطينية، داعيا القيادات الفلسطينية في فتح وحماس إلى الوقف الفوري لحالة الانقسام الفلسطيني. وأوضح عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية في افتتاح هذه الجلسة، أن «كل الأمور والتفصيلات والاقتراحات التي تمنع المصالحة الفلسطينية، هي في نظر التاريخ «تافهة» إذا قورنت بانقسام الصف الفلسطيني».

 

والمشهد الثاني كان في طرابلس، ويعكس أن ما ينطبق على الواقع الفلسطيني ينطلق من الواقع العربي، حيث توجه الأمين العام للجامعة العربية للإعداد لعقد الدورة الثانية والعشرين للقمة العربية في الجماهيرية العربية الليبية في مارس المقبل، في ظل استمرار خلافات بين عدة دول عربية، وفي ظل انقسامات وطنية وحروب أهلية في عدة دول عربية. وعن نتائج جهود حل هذه الخلافات والانقسامات قال عمرو موسى: «هناك اتصالات ومساع دائمة لتحقيق المصالحة العربية، ما حدث بين مصر والجزائر مثلا كان بسبب موضوع «هايف» أدى إلى نتائج خطيرة جدا، ولا تزال الاتصالات مستمرة لاحتواء هذه الخلافات، رغم أنه للأسف الشديد لا نستطيع القول إن النتائج لهذه الاتصالات كلها كاملة».

 

الواقع يقول إن القدس لم تعد هي فقط «الخط الأحمر» ولم تعد وحدها في قلب الخطر، بل المستقبل الفلسطيني كله بسبب الانقسام الفلسطيني، وأن الوحدة الوطنية هي أيضا «خط أحمر» في وجه الانقسامات السياسية والحروب الأهلية، والوحدة العربية هي أيضا «خط أحمر». ولم تعد الدول العربية وحدها في قلب الخطر، بل المستقبل العربي كله، بسبب الانقسام والتباعد بين الأشقاء والتقارب مع الأعداء!

 

وبينما شهدت القاهرة قبل 64 عاما اجتماع التأسيس الرسمي للجامعة العربية تحت عنوان «قمة الوحدة العربية»، لم يستطع العرب حتى اليوم أن يستعيدوا وحدتهم التي مزقها المستعمرون الإنجليز والفرنسيون في اتفاقية «سايكس بيكو» لتقسيم الوطن العربي كمناطق نفوذ بينهم، بعد أن تحقق لهم ضرب آخر أشكال «الوحدة الإسلامية» في الحرب العالمية الأولى، وبقي الأمل أكثر تواضعاً في تحقيق العرب لاتحادهم أو تكاملهم.

 

وبينما بقيت «الوحدة العربية» حلما وشعارا معلقا في الهواء، بقي «الاتحاد العربي» مجرد مشروع مؤجل النظر فيه، ولم يعد على جدول أعمال الدول العربية في إطار جامعتها التي كانت «الوحدة» شعار قيامها، والسبب هو غياب الإرادات السياسية العربية الواعية بضرورة الوحدة، والداعية إلى استعادتها، وحضور الإرادات الغربية لتقسيم الأمة الإسلامية وتجزيء الوطن العربي، وتفعيل استراتيجياتها الجديدة لإحكام الهيمنة بتفتيت الدول والدويلات الإسلامية والعربية، وضرب وحدتها الوطنية بدعاوى تاريخية وطائفية وعرقية ومذهبية..

 

بقي «الفيتو» الاستعماري الغربي على وحدة العرب والمسلمين، بالحروب والمؤامرات والضغوط والحصارات، في وجه كل المخلصين الذين يرون في استمرار التجزئة تحقيقا لإرادة المستعمر، ويرون في الوحدة تحقيقا لإرادة الله، والذين يسعون لتحويل الشعارات والمشروعات إلى واقع على الأرض، لأنهم يرون في الوحدة أو حتى في الاتحاد طريق قوتهم وحريتهم وتقدمهم، فضلا عن كونها صيحة عصرهم ونداء شعوبهم.

 

وبقيت اللاءات الثلاث الغربية مشرعة في وجوه الجميع: لا لاستعادة الوحدة الإسلامية، لا لاستعادة الوحدة العربية، لا سماح بقيام أية قوة عربية أو لإسلامية يمكنها تحقيق التقدم أو تهديد الوجود الصهيوني في فلسطين، الذي فرضوه في قلب الوطن العربي.

 

جاء ميلاد «البرلمان العربي» قبل أربع سنوات، ليمثل الجناح الشعبي والذراع التشريعية للجامعة العربية، لتكون جامعة شعوب لا جامعة حكومات فقط، وبدا لنا الحدث كخطوة أساسية في الطريق إلى الديمقراطية، وإلى الاتحاد العربي. وقلنا إنه لا ينبغي التهوين منه، ولا التهويل فيه.. ذلك أنه لا يزال في مرحلة انتقالية، ولا يمكننا الحكم عليه إلا بمدى ديمقراطيته وفاعليته، وبمدى تمثيل أعضائه لشعوبهم وليس لحكوماتهم، ليمارس بحق دورا برلمانيا وليس دورا استشاريا فقط.

 

غير أن رئيس الاتحاد البرلماني العربي نبيه بري تساءل قائلا «إذا كنا نعتب أو ننتقد الأنظمة والحكومات لأنها لا تنسّق بين بعضها، فهل البرلمانات العربية أفضل حالا؟!».. فيما قال رئيس مجلس الأمة الكويتي جاسم الخرافي إن «الجامعة العربية أصبحت اليوم تحصيل حاصل ومكاناً لعدم اتخاذ القرار، والبيانات تُحضّر قبل وقت، ولذلك تجد الشعوب العربية محبطة لما يُتخذ من قرارات اقتصادية وسياسية».

 

والواقع أن الشعب العربي محبط حقا من الموقف العربي الحكومي والبرلماني معا، من السماح باستمرار التجزئة التي رسمها الاستعمار، ومن استمرار تهويد القدس والحصار اللاإنساني على غزة، وأسر ثلث أعضاء البرلمان الفلسطيني، والاحتلال الأميركي في العراق، والوضع في الصومال، والضغوط الغربية على السودان، وغياب التضامن السياسي والتكامل الاقتصادي العربي.. فأين البرلمانات والحكومات العربية من ذلك كله؟!

كاتب مصري

=========================

سلام على السلام

آخر تحديث:الأربعاء ,30/12/2009

الخليج

ميشيل كيلو

أقر الكنيست “الإسرائيلي” بأغلبية 68 صوتاً ربط انسحاب الاحتلال “الإسرائيلي” من أي جزء من القدس والجولان باستفتاء شعبي يوافق خلاله ثمانون نائباً و80% من “الإسرائيليين” على الانسحاب .

 

وكان الكنيست قد قرر عام 1981 ضم الجولان إلى “إسرائيل” وإعطاء سكانها العرب السوريين الجنسية “الإسرائيلية” رغما عنهم، الأمر الذي أثار موجة عارمة من المقاومة الشعبية، السلمية والمسلحة قدم جولانيون خلالها أرواحهم، وتعرضوا لأذى شديد أبقى بعضهم لفترة تقارب الثلاثين عاماً في سجون العدو، لكن هذه المقاومة لم تجد ما يكفي من الرعاية والاهتمام فبقيت مجهولة، مع أنها بلورت أشكالاً من النضال بلغت ذروتها بعد أعوام قليلة: في الانتفاضة الفلسطينية الشاملة، التي بدأت عام 1987 .

 

صار الجولان، في القرار الأخير، في مرتبة تساوي مرتبة القدس لدى الصهاينة، أي أنه صار أرضاً “إسرائيلية” أبدية . وهكذا، بدل أن يقرب مرور الزمن والحق العربي العدو من سلام لطالما أعلن رغبته في تحقيقه، وتحدى العرب أن يجاروه في طلبه، نراه يذهب اليوم، بعد نيف واثنتين وأربعين عاماً على احتلال القدس والجولان، إلى جعل السلام ضرباً من المحال، بربطه بموافقة 80% من قطعان التعصب والعدوان والدم على التخلي عن أرض يزعمون أن الله وهبها لهم، وأن صك ملكيتها الإلهي يفوق في قيمته أي صك آخر، خاصة صكوك التاريخ، التي تكذب ادعاءاتهم وتقوض مزاعمهم .

 

كنا في البدء أمام عدو يقول إنه لن يعيد الجولان كاملاً، وها نحن ذا أمام العدو ذاته وهو يعلن جهاراً نهاراً وبأعلى صوت أنه لن يعيد ذرة تراب واحدة منه ومن القدس، وأنه سيواصل الاستيلاء على الضفة الغربية، وسيربط تنفيذ قرارات دولية تلزمه بإنهاء احتلاله لأراضي العرب المحتلة بإرادة مستوطنين يستولون يوميا على هذه الأراضي ويغيرون طبيعتها وهويتها، ضاربين عرض الحائط بحقيقة أنه لا يحق لهم وضع إرادتهم فوق إرادة الشرعية الدولية أو في محلها، وأنهم ليسوا جهة تقرر صلاحية هذه القرارات وقابليتها للتطبيق، خاصة وأن سلوكهم الاستعماري/ الاستيطاني يضعهم خارج أية شرعية تعارف عليها البشر منذ تكونت الدولة الحديثة وتبلور ما صار يعرف بالحياة الدولية .

 

إلى هذا، يعطي القرار المستوطنين حق تقرير مصير غيرهم، مصير الفلسطينيين والسوريين، ويؤكد أن حكومتهم، التي رسمت هوامش عنصرية وفاشية واسعة جداً لسياساتها تجاه العرب، قررت قطع أي حوار معهم حول الجولان والقدس واعتماد العنف والاستيطان في علاقاتها بهم، واتخذت هذا القرار كي لا يكون بالإمكان العودة عنه، في حال خسرت الانتخابات القادمة، فهي تنزع من خلاله تقرير مصير الاحتلال من يد الحكومات وتضعه في يد المستوطنين، وتفرض على العرب والعالم التعامل معهم باعتبارهم جهة لن تتم تسوية أي شيء من دون إرادتها . ينطلق موقف الحكومة الصهيونية، ومعناه الوحيد القضاء المبرم على فرص السلام، من معرفتها بالمدى الذي بلغته النزعات الفاشية والعنصرية لدى “الإسرائيليين”، وإدراكها أن وضع مصير القدس والجولان في أيدي هؤلاء يعني استمرار الاحتلال وتغيير خيارات المنطقة، التي لن تبقى من الآن فصاعدا خيارات بين الانسحاب أو استمرار الصراع العربي “الإسرائيلي”، وإنما ستكون بين استمرار التوسع الاستيطاني حتى الالتهام الكامل للأرض العربية أو الحرب . ومن يراقب تصريحات حكومة العدو يجد أنها ما انفكت ترفع بصورة يومية سيف الحرب فوق أعناق العرب، وتهدد بإطلاقها من عقالها في غزة وجنوب لبنان، وحتى ضد سوريا .

 

هل اتخذ القرار الصهيوني من أجل تفادي الضغوط الأمريكية، كما سيقول لسان عربي سائد: أعتقد أن أمريكا لا تستطيع ولا تريد ممارسة ضغوط على “إسرائيل”، وأن حاجتها إليها، بعد مآزق العراق وأفغانستان وباكستان وإيران، قد تزايدت بدل أن تتناقص، وأن قيمتها كحليف تعاظمت ولم تتضاءل، على عكس ما يتوهم عرب كثيرون يظنون أن خلافاً سينفجر بين واشنطن وتل أبيب، سيكون بوابة تحقيق السلام واستعادة الأرض وإجبار العدو على الانسحاب منها، مع ما سيترتب على ذلك من تغيرات جذرية في المناخ الاستراتيجي للمنطقة وللعالم . هذه أحلام يقظة أو غفلة تتعارض مع الحقائق وتبعث في نفوس العرب آمالاً كاذبة حول قرب السلام، بينما تقترب بالأحرى احتمالات الفوضى، التي يمكن أن تنشب في أي وقت ولأي سبب، ما دام العقل الصهيوني الذي أملى القرار، يعلمنا أنه اتخذ جميع الترتيبات الضرورية للحرب الشاملة، ويقول على لسان قادته العسكريين في جبهة لبنان وسوريا إنه سيعيد العرب إلى العصر الحجري، حين تنشب الحرب .

 

لماذا اتخذت “إسرائيل” قرارها، إن كانت لا تخشى الضغط الأمريكي؟ أعتقد أن أساس القرار كامن في الوضع العربي، الذي بلغ درجة من التمزق والتردي تجعل أي عدو أو خصم، بما في ذلك حكومة أرتيريا، يستهين بالعرب ويتطاول عليهم، والدليل: دور هذه الحكومة في الصومال واليمن . الوضع العربي شديد السوء، وهو يدخل في أيامنا منعطفاً خطيراً يضاف إلى مصائبه الخطيرة الكثيرة، وكنا نظن أنه بلغ درجة من التردي جعلت من الصعب عليه أن يتردى أكثر، لكنه واصل انهياره وترديه حتى بلغ مرحلة نوعية سمتها الأساسية تفكك العلاقات العربية/ العربية تفككا تاماً، واستعصاء المصالحات بين الحكومات والنظم العربية “الشقيقة”، وبين الحكومات وشعوب”ها”، وحتى بين الشعوب ذاتها (مصر/ الجزائر) (راقب الصهاينة الأزمة الجزائرية/ المصرية باهتمام شديد، وأدلوا بتصريحات حولها كان يجب أن تثير قلق كل عربي، لو كان العرب ما زالوا قادرين على الشعور بالقلق!) بينما يسارع العرب إلى جوارهم القريب والبعيد يستعينون بدوله ويحكّمونه في مصائرهم، ويربطون أنفسهم بخططه، كأنه لم يعد هناك مصالح ومشتركات عربية تلزم حكوماتهم، أو كأن مشروع الشرق الأوسط الكبير شرع يقوم بأيد غير أمريكية، أيد عربية جامعها الوحيد العداوة والاقتتال . في هذه الأجواء، التي تجعل من القرار محاولة جديدة لإذلال العرب ولإشعارهم أن “إسرائيل” تستطيع فعل أي شيء تريده ضدهم، وأنهم أعجز من أن يفعلوا شيئاً للدفاع عن أرضهم وحقوقهم، يطرح نفسه السؤال التالي: ترى، لماذا يجب على “إسرائيل”، وهي ليست مؤسسة خيرية وأخوية إنسانية بل كيان عدواني/ توسعي/ احتلالي، أن تمتنع عن الإفادة من الانهيار العربي؟ ولماذا لا تجعل السلام مستحيلا مع عالم عربي لا يستحقه ولا يفعل شيئا لأجله، عاجز عن فرضه بالقوة أو استجدائه بالضعف؟

 

إن “إسرائيل” ستخون نفسها ككيان عنصري توسعي إن هي أحجمت عن اغتنام الفرصة، وجعل الأرض المحتلة أرضاً “إسرائيلية”، تمكنها أوضاع العرب السيئة، التي تزداد سوءا كل مغيب شمس، من ابتلاعها حتى آخر ذرة تراب!

 

ليس ضعف العرب جديداً أو طارئاً . إنه ضعف مزمن عجزت جميع أنماط نظمنا السياسية عن مداواته، مع أنه أدى إلى قيام “إسرائيل” الأول عام ،1948 وقيامها الثاني عام 1967( الكلمات ليست لي بل للجنرال موشي دايان وزير دفاع “إسرائيل” عام 1967) . لنحمد الله لأن اليهود لم يهاجروا بأعداد كافية إلى فلسطين، لو هاجروا، لكانت حدود “إسرائيل” اليوم على الفرات وفي أعماق جزيرة العرب ووادي النيل .

يا أمة ضحكت من عجزها الأمم .

=========================

الدور الإقليمي ... أم الخبز والحرية؟

زين الشامي

الرأي العام

30-12-2009

لا يخفى على أي مراقب للشأن السوري أن الكثير من الأمور قد تغيرت منذ نحو خمسة أو ستة أعوام مضت، فبعد أعوام صعبة على النظام تمثلت بالتهديد الأميركي بإسقاطه بعد الاحتلال الأميركي للعراق، مرورا باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وتوجيه أصابع الاتهام له من قبل بعض القوى السياسية اللبنانية وبعض الدول الغربية بالوقوف وراء ذلك، ثم الخروج المذل للقوات السورية من لبنان، ومن بعدها العزلة التي فرضت على سورية، وصولاً إلى اليوم حيث تشهد العاصمة دمشق حركة ديبلوماسية لا تهدأ، وتتقاطر عليها شخصيات ومسؤولون من كل حدب وصوب، بعد ذلك كله يمكن القول إن دمشق قد نجحت حقاً في تجاوز ما حملته كله تلك الأعوام العجاف وها هي تعيش منتعشة على وقع «انتصاراتها» الإقليمية، والتي تمثلت أخيراً بزيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ابن رفيق الحريري الذي اتُهمت دمشق يوماً باغتياله.

ورغم أننا لسنا بمعرض الوقوف عند الظروف والأسباب التي سمحت لسورية بالخروج من عزلتها والالتفاف على تراجع دورها الإقليمي الذي تمثل في خروجها من لبنان قبل أكثر من أربعة أعوام، لابد من الاعتراف أن دمشق استفادت كثيراً من عامل الوقت والمتغيرات التي حصلت في كل من الولايات المتحدة وفرنسا وفي العراق، وفي داخل لبنان والأراضي الفلسطينية أيضاً. بمعنى أن دمشق ما كان لها أن تقطف ثمار عامل الوقت لولا وصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض، وما كان لها أن تستفيد من عامل الوقت لولا ابتعاد الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن السلطة، وما كان لها أن تستفيد لولا وجود واستمرار حزب «العدالة والتنمية» على رأس السلطة في تركيا، وما كان لها أن تستفيد لولا تراجع وتقهقر وتشرذم قوى الرابع عشر من مارس في لبنان أمام تحالف المعارضة وحلفاء إيران وسورية، وما كان لها أن تستفيد لولا انتصار حركة «حماس» عسكرياً في غزة على خصومها في حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية.

من ناحية ثانية، يجب الاعتراف أن النظام في دمشق ضرب بيد من حديد الأصوات المختلفة كلها معه في الداخل، لا بل أنه قام بسجن الأصوات المعارضة كلها حتى لو كانت أصواتاً معتدلة، وصولاً إلى مرحلة أخرس فيها الأصوات المنتقدة كلها في الداخل حتى لم يعد هناك كاتب أو صحافي يجرؤ على كتابة ولو مقالة واحدة في صحيفة عربية ينتقد فيها النظام، فباتت سورية كلها عبارة عن صوت واحد هو صوت السلطة فقط. الصحف والتلفزيون، وما يُسمى بالإعلام الخاص، جميعهم عملوا على اللعب على خطاب المؤامرة التي تُحاك ضد سورية واستطاعوا تعبئة الشارع وتجييشه لمصلحة النظام الذي بدا كما لو أنه البطل الأخير في المعركة والواقف على قدميه صامداً في وجه تلك المؤامرة.

في هذه الأثناء كان السوريون يزدادون فقراً وبطالة على وقع الأزمة المالية التي ضربت السواق العالمية، ويزدادون قلقاً ومشاكل اجتماعية بعد عودة مئات الآلاف من العمال السوريين في لبنان، ومن دول الخليج. أيضاً كانت الحكومة مستمرة في سياسة «اقتصاد السوق الاجتماعي» التي تعطي كل شيء لطبقة رجال الأعمال المقربين من السلطة وحلفائهم أو شركائهم في المؤسسات الأمنية و«حزب البعث» مزايا السوق الحر كلها والانفتاح، على حساب أصحاب الدخل المحدود من الفقراء والطبقة الوسطى التي كانت أكبر الخاسرين جراء هذه الاستراتيجية الاقتصادية.

كانت المعادلة واضحة: دافع عن النظام وسياساته وخذ حصتك من الاستثمارات والصفقات. أما إذا كنت مواطناً عادياً وفقيراً فليس أمامك من خيار سوى الصمت والقبول بكل شيء، وإذا كان لك مجرد رأي مختلف فسينطبق عليك المثل الشعبي «العصا لمن عصى».

خلال الأعوام الخمسة الأخيرة من «الصمود في وجه المؤامرة»، ازداد وضع السوريين فقراً وبطالة، وخلالها خسروا حصتهم وحقهم من المازوت المدعوم ليتدفؤوا في الشتاء، فباتوا يقفون اليوم في ارتال طويلة على أبواب محطات المحروقات، ليحصلوا على بضع ليترات قليلة منه، ومع كل أسف وأسى وحزن فهناك الكثير من العائلات التي تضطر إلى بيع حصتها ومستحقاتها لمن يملك المال بسبب الفقر الشديد وحاجاتهم الماسة إليه، كذلك مازال السوريون يقفون في طوابير على أبواب المخابز من أجل الحصول على رغيف الخبز في مشهد مألوف عرفته سابقاً الدول الاشتراكية كلها، سابقاً، والتي كانت منهمكة في التصدي للإمبريالية.

عندما أرى كل صباح هذه الأرتال من السوريين يقفون لساعات طوال أمام محطات المحروقات وأفران الخبز من أجل الحصول على بضعة ليترات من المازوت أو بضعة أرغفة من الخبز، عندما أراهم وأرى وجوههم البائسة والكئيبة، أتساءل بيني وبين نفسي فيما لو كانوا يعرفون شيئاً عن «الدور الإقليمي»، أو إذا كانت «جعجعة الكلام» تطعمهم خبزاً أو تحميهم من البرد في هذا الشتاء القارس.

=========================

الانتقال الى «عالم ما بعد أميركا» بقيادة أميركية مترددة ومن غير خريطة طريق

الاربعاء, 30 ديسيمبر 2009

وضاح شرارة

الحياة

استقبلت صحافة العالم تنصيب باراك أوباما رئيساً على الولايات المتحدة بسيل من المقالات تناول الدور والموقع الأميركيين في العالم من وجوههما المتفرقة والكثيرة. والحق أن الدور والموقع هذين كانا موضوع تناول ومعالجة طوال عام 2009. فغداة تشخيص مؤرخ الاقتصاد، نيال فيرغسون، حال العالم الاستراتيجية العامة، في 2006، بسمة بارزة هي وقوعها أو مجيئها «ما بعد أميركا»، أي بعد تربع الولايات المتحدة قطباً أوحد في سدة العالم في 1985 - 2005 تصدرت الفكرة تحليل عدد من المعلقين. وفريد زكريا، رئيس تحرير «نيوزويك انترناشينال» وصاحب برنامج «فريد زكريا غلوبال بايلك سكوير» على محطة «سي أن أن»، أحد هؤلاء. وهو نشر كتاباً في أثناء العام المنصرم وسمه بالعبارة نفسها. وعلّق على المسألة، في صحيفة «لكسبريس» الفرنسية الأسبوعية (12/11/2009)، بالقول: «ما على الولايات المتحدة الأميركية، قبل انتخاب أوباما الى الرئاسة وبعد انتخابه، معالجته والتعاطي معه هو نشوء (باقي العالم) وقيامه وجهاً لوجه مع الولايات المتحدة. و (باقي العالم) هو قوة الصين الجديدة، وخروج الهند من دائرتها وركودها، واقتفاء البرازيل وأندونيسيا وغيرهما آثار الدول الكبيرة والناشئة هذه (...) ولعل باراك أوباما نفسه هو ثمرة التغير هذا وعامل مؤثر في تسريعه».

قضايا محورية

ويحصي زكريا قضايا العالم المحورية في المرحلة الانتقالية الحالية التي يصفها برجحان القوة الأميركية ومركزيتها، من جهة، وبضرورة تعاونها مع المناطق والدوائر «الناشئة» في جهات العالم، من جهة ثانية، واضطرارها الى «اقتسام سلطانها». ف «على الولايات المتحدة، اليوم، مفاوضة الصين دفاعاً عن مصالحها المالية، ومفاوضة روسيا على مستوى التسلح النووي العالمي، والاتحاد الأوروبي على حماية قواعد التجارة الدولية، والبرازيل على مكانتها في أميركا اللاتينية». ولا يقود التخلص من الأحادية القطبية الى الإقرار بفضائل نظام يكرس كثرة الأقطاب. وترجح كفة «نظام» انتقالي فوضوي «مقيد» و «عام» معاً. ويلاحظ زكريا أن الرئيس الأميركي يحسن تعريف خياراته السياسية، ولكنه ينتهج في إعمالها وتنفيذها «نهجاً مبعثراً وقاصراً»، مثاله الإخفاق في تظهير إلغاء الدرع المضادة للصواريخ في شرق أوروبا، وإبلاغ البولنديين والتشيخيين الأمر على صورة قرار اتخذ بمعزل عنهم وليس عليهم إلا الانصياع إليه.

ومن فواتح استقبال ولاية الرئيس الجديد اقتراح ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ومارتن انديك، سفير واشنطن في تل أبيب سابقاً ومدير مركز دراسات شرق أوسطية في العاصمة الأميركية، «استراتيجية أميركية جديدة تبادر الى معالجة قضايا الشرق الأوسط» («فورين أفيرز»، 1 -2/2009). وتنهض الاستراتيجية المقترحة على أركان معقدة خمسة، هي: 1) دعم الولايات المتحدة سيرورة رفع القيود عن العمل السياسي والحريات العامة وبناء المجتمع المدني وإرساء حكم القانون والإقرار للمرأة بحقوقها، 2) خفض استهلاك الولايات المتحدة النفط والترويج لمصادر بديلة وإبطاء عجلة التغير المناخي ولجم حركة نقل الثروات من الغرب الى إيران وروسيا وفنزويلا، علاجاً لتعزيز الاستهلاك نفوذ «الأصوليين المتطرفين في إيران وغيرها»، 3) تولي الولايات المتحدة دوراً فاعلاً في «كبح الهيمنة الإيرانية» الناجمة عن إطاحة نظامي طالبان بأفغانستان وصدام حسين بالعراق وتعثر حرب العراق، وذلك من طريق التفاهم مع قوى رائدة «للحؤول دون بلوغ إيران مراحل متقدمة من برنامجها النووي»، وأولى هذه القوى روسيا والصين: فينبغي استمالة الأولى لقاء عضويتها في منظمة التجارة العالمية وتقييد الصواريخ الباليستية الأميركية وال «ناتو» بأوروبا وإنشاء بنك وقود نووية روسية، واستمالة الثانية في ضوء انفجار أزمة تموين نفطي كبيرة ونتائجه على استقرار الصين السياسي، 4) تخيير القادة الإيرانيين بين المصالح الثورية وبين بقاء الدولة، ومفاوضتهم مباشرة على إرساء نظام إقليمي جديد تتعاون فيه إيران مع دول الجوار و «تقبل ببسط نظامها سلماً»، وطمأنة العرب وإسرائيل وتركيا الى ضمانات سياسية ونووية في مواجهة إيران، 5) تحريك عجلة عملية السلام الإسرائيلي - العربي في وقت متزامن مع المفاوضات الأميركية - الإيرانية، وتعجيل تذليل مشكلات المفاوضات السورية - الإسرائيلية «اليسيرة»، وإنشاء «قوة دولية قيادتها عربية تعيد بسط سلطة السلطة الفلسطينية (على غزة)، وتشرف على الانسحاب الإسرائيلي» إذا اجتاحت إسرائيل غزة (كتبت المقالة قبل حرب غزة).

واستعجل معلقون روس (افتتاحية «نيزافسيمايا غازيتا»، 26/1) ظهور «جدة» خطوات العهد الأميركي الأولى. فملاحظة الصحيفة إصدار أوباما في «الساعات الأولى من ولايته» قراراً بإغلاق معتقل غوانتانامو، وتوجيهه تعليماته الى مبعوثه الخاص الى الشرق الأوسط جورج ميتشل، والى ريتشارد هولبروك، مبعوثه الخاص الى جنوب آسيا، ومبادرة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، الى تعزيز التنسيق بين وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ومجلس الخبراء الاقتصاديين، واقتراحها زيادة موازنة الخارجية الأميركية وتعزيز برامج المساعدات الخارجية. وتتضافر الإجراءات هذه على «بعث الديبلوماسية في السياسة الخارجية الأميركية»، على قول الصحيفة الروسية.

وتتوقع هذه أن يسوغ تنازلُ وزير الدفاع، روبرت غيتس، عن صلاحية قيادة مكافحة الإرهاب الى وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي «السياسيين»، الطلبَ الى حلفاء واشنطن زيادة قواتهم بأفغانستان، والمراهنة على المفاوضات الإقليمية بجنوب آسيا بديلاً من الحسم العسكري. وترصد الصحيفة الروسية الإعلان عن اشتراك ويليام بيرنز، المندوب الأميركي «الرفيع»، في المعالجة السداسية للملف الإيراني النووي. وتصف إشارات واشنطن الى موسكو بالغموض. وتتساءل عن إعداد موسكو للمرحلة الآتية، وخططها لأجل ملاقاة السياسة الأميركية.

وأملت الصحيفة الكورية الجنوبية «يونغانغ دايلي» (22/1) أن يوازن أوباما بين مفاوضة بيونغ يانغ مباشرة، خارج إطار مفاوضات الدول الست (الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان الى الكوريتين)، وبين دور العلاقة بكوريا الجنوبية «مفتاحاً من مفاتيح استقرار شمال شرقي آسيا»، وإشراكها في هندسة الحل العام. ولا تقتصر علاقة سيول بواشنطن على المسألة الكورية. فبين البلدين مسألة اقتصادية عالقة وراجحة هي اتفاقية التجارة الحرة التي وقعتها سيول، وتحفظ عنها الحزب الديموقراطي قبل فوز أوباما، ويتحفظ عنها حزبه «الحمائي»، ويتخوف نتائج الاتفاق على صناعة السيارات.

ودعا إعجاز حيدر («دايلي تايمز» الباكستانية، 24/1) الإدارة الأميركية الجديدة الى دمج الهند، مع باكستان وأفغانستان، في إطار معالجة مشتركة لقضية طالبان و «القاعدة»، والإرهاب عموماً، في جنوب آسيا.

فدعم باكستان الحل بأفغانستان شرطه مساعدة باكستان على التصدي لمشكلتها مع الهند، ولملابسات القضية الكشميرية. وإذا شاءت الهند «الاندماج في العالم، وفي نظام الولايات المتحدة الأمني»، و «انتهاج سياسة دولة عظمى» على ما تقول وتطمح، فعليها «ألا تتورط في مشكلات صغيرة». ولعل مثال المشكلات هذه مسألة كشمير، واستقلالها الذي ينصح الكاتب الهند بإعادة النظر فيه. وإذا عجزت الهند عن الارتقاء الى هذه المرتبة، فعليها انتظار «مبعوث (أميركي) خاص»، على غرار هولبروك الذي عيّنه أوباما «على» باكستان وأفغانستان.

أميركا «الثانية»

وفي مناسبة عقد مؤتمر الأميركتين بترينيداد وتوباغو، في أواخر نيسان (ابريل)، غداة رفع الإدارة الأميركية الجديدة بعض القيود على التجارة مع كوبا، اقترح باتريك سيميس («نيوزويك» الأميركية، 21/4)، وهو كاتب ومعلق على أحوال الجزيرة، على واشنطن أن تهدم الجدار الذي يفصل ميناء غوانتانامو من الجزيرة، وإباحة بيع المنتجات الزراعية الأميركية في السوق الكوبية مباشرة، من غير وساطة «دولة» فيديل كاسترو وموظفيها، ومن غير اقتطاعاتها. والحال هذه «على هافانا إما قبول الأمر، والرضوخ لتبادل السلع الأميركية بأسعارها المنخفضة، وإما الإقرار بأن حواجز التفتيش الكوبية قائمة بأمر من كاسترو نفسه»، وخدمة لمصالح موظفيه.

وفي أثناء المؤتمر، وجه الرؤساء اليساريون، هوغو تشافيز الفنزويلي ودانيال أورتيغا النيكاراغواني... نقداً مسترسلاً الى الولايات المتحدة وسياستها. ولم يثمر صمت أوباما وابتسامة رجوع تشافيز عن مساندة القوات المسلحة الثورية الكولومبية وتسليحها وعن شحن أحمال المخدرات من كاراكاس الى جهات العالم (خورخي كاستانيدا، «نيوزويك»، 5/5). ولم تثن القمة موراليس عن رعاية زراعة الكوكا، ورافاييل كوريا الاكوادوري عن غلق قاعدة مكافحة المخدرات في مانتا. ولكن الحقيقة، على خلاف ما يظنه المحافظون الأميركيون الذين نددوا بمصافحات أوباما وإصغائه الى الرؤساء اليساريين، هي أن أوباما رد مطالب الرؤساء الجنوبيين، وأولها رفع الحظر على التجارة مع كوبا.

واشترط على هافانا، لقاء استجابة الطلب هذا، الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإباحة سفر الكوبيين، وإلغاء ضريبة ال20 في المئة التي تتقاضاها الدولة الكاستروية على الحوالات الى كوبا، على ما اقترح باتريك سيميس وغيره.

وفي الدائرة العربية (الفلسطينية) - الإسرائيلية كان رفض نتانياهو التزام تجميد الاستيطان تمهيداً لاستئناف المفاوضات، مدوياً. وكانت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ثم الاتفاق الإيراني - السداسي بجنيف وعودة طهران عنه، اختباراً آخر للعالم الانتقالي و «فوضاه»، على رغم تفاؤل جوناثان تيبرمان بألا تشذ طهران النووية عن «منطق الردع» («نيوزويك»، 15/9).

=========================

الأزمة المالية - الاقتصادية من بنات العولمة الرأسمالية وانتشار تنظيمها

الاربعاء, 30 ديسيمبر 2009

منال نحاس

الحياة

بدا أن أزمة 2008 - 2009 المالية، وهي أصابت الرأسمالية في الصميم على حد قول مراقبين كثر، وثيقة الصلة بتوسع العولمة، في العقد الأخير، الى خارج دوائر العالم الغربي، وانتقال جزء من مركز الثقل الاقتصادي العالمي الى آسيا. وبدا أن ثمة مشكلات أصابت سيرورات العولمة التي حاكت نموذج رأسمالية السوق الأميركية. فيد العولمة الخفية، على ما يقال في يد السوق، أخفقت. وحمل الإخفاق هذا الى الدعوة الى إصلاح نموذج الرأسمالية. فتجاوز الأزمة يفترض استيعاب الاختلالات البنيوية الناجمة عن السيرورات الجديدة، على ما نبّه نيكولا بافيريز، المؤرخ والاقتصادي الفرنسي («لوفيغارو» الفرنسية، في 25/10/2009). وإصلاح الكونية هو المهمة التالية والحاسمة. ولا مناص في هذا السبيل من تنسيق استراتيجيات التحفيز على صعيد الكوكب، في وقت تقدم الولايات المتحدة بعث الادخار الأسري وتجديده على الأولويات الأخرى، وترى الصين أن الأولوية هي للاستهلاك الداخلي من طريق تعميم الضمانات الاجتماعية. وتعمد أوروبا الى تنشيط الإنتاج والعولمة.

وفي مطلع 2009، سرت مخاوف من العودة الى السياسات الحمائية. ورأى مراقبون ومنهم باريت سيريدان وستيفان ئيل (نيوزويك الأميركية في 3/12)، أنها مصدر الخطر الأول على الاقتصاد العالمي، وانها قد تؤدي الى انتشار الكساد، على ما حصل في ثلاثينات القرن الماضي، إثر إقرار الولايات المتحدة قانون هيربرت هوفر الذي رفع التعرفات الجمركية 60 في المئة. ورمى القانون هذا الى حماية السوق الداخلية، وتقليص معدلات البطالة. ولكن النتائج أظهرت أن مخاطر السياسات الحمائية تفوق مخاطر الانهيارات المالية، والقروض السكنية الهالكة، وبعض خسائر شركات بطاقات الائتمان.

وشخصت أنظار العالم الى الولايات المتحدة، وهي لا تزال قلب الاقتصاد العالمي على رغم تعثر نظامها المالي، بحثاً عن سبل معالجة الأزمة إثر انهيار «ليمان براذرز»، وتعدي العاصفة المصرفية المالية أسواق البلدان المتقدمة والغنية الى الأسواق النامية، وخسارة أسعار الأسهم في الأسواق النامية شطراً راجحاً من قيمتها، في نهاية 2008.

ووجهت سهام النقد الى خطة الإنقاذ المالي الحكومية الأميركية، ووصفت سياسة أوباما المالية ب «أجرأ بيان ديموقراطي اشتراكي». وزعم سياسيون جمهوريون أميركيون أن أوباما «يجعل الأميركيين فرنسيين». فالولايات المتحدة ابتعدت من رأسمالية سوق خالصة، وتوجهت الى عقد اجتماعي تتولى الدولة دوراً فيه أوسع من الدور التقليدي المعهود، على ما لاحظ جيكوب ويسبرغ («نيوزويك» الأميركية في 12/3). ومرد تهمة الحكومة الأميركية بالديموقراطية الاشتراكية الى معالجة الأزمة المالية بواسطة تأميم عدد من المؤسسات المالية، ودعم القطاعات المتعثرة، وتعهد تنظيم الصناعة على نحو يخولها مكافحة تغير المناخ. وعلى خلاف نماذج الرعاية الحكومية الأوروبية، سعى نموذج أوباما في توفير الفرص، وليس في توفير الضمان. فأوباما يدعو الحكومة الى إصلاح السوق، وليس الى أداء دور السوق.

ودعا محلل «فايننشل تايمز» الاقتصادي والمالي، مارتن ولف (في 11/3)، الولايات المتحدة الى الاعتبار ب «العقد الضائع» الياباني، وإدراك أن الخطر الكبير على الاقتصاد الأميركي مصدره إرادة تقليص عجز الموازنة من غير إبطاء. وغيّرت الأزمة الأميركية - الدولية جلدها، وتحولت اقتصادية، بعد أن كانت مالية. وأصابت الأزمة نصف كتلة الاقتصاد العالمي، والنصف الآخر أصابه تقلص الطلب الخارجي وانهيار التمويل. وانتشرت الدعوات الى طي «الأحادية» الاقتصادية الأميركية، شأن طي أحادية سياسات الجمهوريين الأميركيين.

ورأى بعض المحللين الماليين وكبار المصرفيين، من أمثال روبيرت بي زوليك («واشنطن بوست» الأميركية، 6/3)، أن تعافي الاقتصاد العالمي هو رهن تعاون الصين وأميركا، أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، ومحرك مجموعة العشرين، وأن علة اختلال ميزان المدفوعات العالمي بنيوية. ونواة الاختلال هذا هي المبالغة في الاستهلاك بالولايات المتحدة، والمغالاة في الادخار في الصين.

ووراء ارتفاع معدلات الادخار بالصين خلل بنيوي في القطاع المالي والقطاع العام، وقطاع الموارد. فشطر كبير من نسبة الادخار مصدره شركات القطاع العام. واقترح زوليك وجستين يفو لين، نائب رئيس تطوير السياسات الاقتصادية في «ورلد بنك غروب»، خطة تقسيم عمل إصلاحي مالي واقتصادي. وأوكل التقسيم هذا الى الولايات المتحدة مهمة هيكلة السياسات المالية وسياسة القروض والأسهم، وتجديد عمل النظام المالي، والى الصين توفير قدرة شرائية في أوساط المستهلكين الصينيين الفقراء، وإنشاء بنى تحتية «ناعمة» في مجال قطاع الخدمات، وبنى تحتية «قاسية» للحد من انكماش النمو.

وراجت فكرة انتهاج رأسمالية جديدة مختلفة عن الرأسمالية القديمة في أوروبا والولايات المتحدة. وردّ أمارتيا سن، وهو حاز جائزة نوبل للاقتصاد في 1998، على هذه الدعوات («نيويورك ريفيو أوف بوكس» 26/3). ونبّه الى أن آباء الرأسمالية الأوائل ومنظريها لم يختزلوا السوق بالاحتكام الى اليد الخفية والربحية. فآدم سميث دعا الى تصدي الدولة الى القيام بدور رائد في اقتصاد السوق من طريق توفير خدمات عامة في مجال التعليم ومكافحة الفقر. وفي الأعوام الأخيرة، تقهقر التزام المبادئ الأخلاقية والقانونية الوثيقة الصلة بعالم معاملات السوق، على وقع نشوء أسواق ثانوية توسلت المشتقات المالية والأدوات المالية. وقوضت المشتقات والأدوات المالية الثانوية معياراً جوهرياً هو محاسبة المخلين بأعراف السوق ومبادئه. فوسع الجهة المقرضة أن تمنح قرضاً عقارياً عالي المخاطر، وأن تبيع أصول القرض العقاري هذا الى طرف ثالث.

وتزامن نشوء الأسواق الثانوية مع ضعف دور رقابة الحكومة الأميركية على المعاملات المالية والقروض. وأخذ سن على المصرف الفيديرالي الأميركي تخليه عن دوره، وترك «يد السوق الخفية» على غاربها، وبمنأى من عقال الإشراف والراقبة، في وقت برزت الحاجة الى العقال هذا. وشأن سن، يرى هيرنندو دو سوتو، اقتصادي بيروفي، أن جوهر الأزمة المالية والاقتصادية قانوني أكثر مما هو مالي («لوفيغارو»، 27/3). فالسبب في انكماش القروض العريض عجز عن توصيف أموال الأصول السامة، وقيمتها بلايين الدولارات، توصيفاً قانونياً. وهذا التوصيف هو شرط تحديد قيمة هذه الأصول المالية السامة.

وأبرز تحد تواجهه أزمة القروض هو تداعي التعريف أو التوصيف القانوني الذي استحدث لمواكبة الابتكارات المالية. ودعا دوسوتو السلطات الحكومية الى التصدي لمسؤولياتها القانونية والسياسية، وتعيين أنواع المنتجات المشتقة وأصنافها، وهي مبعثرة في آلاف الوثائق وتوصيفها، وتقنين أنماطها وتوحيدها وتسجيلها في لوائح في متناول العامة. ولا تدور عجلة الأسواق المعاصرة ما لم تكن أصول الملكية قابلة للمناقصة والمضاربة، وما لم تكن القروض والمعلومات في متناول الأفراد.

والأزمة المالية والاقتصادية طوت دور مجموعة الدول الثماني، ورجحت نفوذ مجموعة الدول العشرين، منذ عقد قمة العشرين بواشنطن، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008. وحلت مجموعة الدول العشرين محل مجوعة الدول الثمانية. وأخذ رئيس الوزراء الفرنسي السابق، ميشال روكار، على قمة مجموعة العشرين الأخيرة قصر الأزمة على طابعها المالي والمصرفي، وإهمالها تناول سبل معالجة ما يترتب عليها من ركود اقتصادي وبطالة مستشرية («لوموند» الفرنسية، 27-28/3). فالنظام المالي هو حاضن بذور الأزمة. وأسهمت المشتقات المالية في رفع أسعار النفط 4 أضعاف بين 2002 و2006، وزادت أسعار القمح والصويا والذرة. فوقعت حوادث شغب راح ضحيتها آلاف الضحايا بعشرات الدول الأفريقية جراء تفشي الجوع. ولم تعالج مجموعة العشرين هذه المسألة.

وانتقال السلع والخدمات مسافات طويلة، ومرات كثيرة، هو قرينة على حسن عمل العولمة، وعامل قوي في تنظيم الشؤون الاقتصادية المشتركة. ويرى دانييل غروس، معلق «نيوزويك» (22/12)، ان الظاهرة هذه أدت، فعلاً، الى انتقال الثروة والعوائد من الغرب الى الشرق، والى أزمة اقتصادية وسياسية لا تزال في بداياتها.

ونحن نشهد، على الأرجح، نذر انحسار موجة العولمة. فالشركات الغربية أدركت أن العمالة الرخيصة ليست وصفة سحرية ولا مفتاحاً يفتح الأبواب الموصدة كلها. فبلوغ السلع مقاصدها في البلدان المستوردة، الغربية، حين تكون الطريق طويلة ومعقدة ومليئة بالوسطاء، تتهدده الاضطرابات، ومخاطر الإصابة بالفيروسات، وحواجز ناجمة عن خلافات الجوار الجغرافية والسياسية، وارتفاع سعر الطاقة. واضطلعت عوامل سياسية في انحسار العولمة. فالبلدان الكبيرة بآسيا وأوروبا وأميركا الشمالية فرضت رسوماً جمركية إضافية على وارداتها، ودعمت مصدريها، واشترطت إنفاق مخصصات التحفيز في السوق المحلية، وساندت مصارفها وصناعة سياراتها.

=========================

هل حان عصر أوروبا 3.0؟!

كارل بيلدت

الشرق الاوسط

30-12-2009

أخيرا، سوف يترك الاتحاد الأوروبي مرحلة التركيز على قضايا مؤسساتية، ويبدأ التأكيد على دوره كلاعب دولي فاعل.

هذا هو المفترض مع بدء تطبيق معاهدة لشبونة.

ولم يتضح بعد هل سيكون الواقع العملي مختلفا أم لا.

في وقت، تذكرك بروكسل بواشنطن في وسط المرحلة الانتقالية بين إدارتين. وسيكون الانكفاء على الذات شيئا أسوأ مع تسارع المساعي لأخذ مواقع داخل الهياكل الجديدة.

ولكن، لن يكون من المهم بالنسبة إلى قدرة أوروبا على النهوض كلاعب دولي، تحقيق الترابط بين الأجزاء المختلفة داخل البنية المؤسساتية الجديدة، بل ستتمثل الأهمية في قدرتنا على تحديث برامج سياسية كي نحصل على الأثر الكامل لما نقوم به.

كانت أوروبا 1.0، مثل أشياء قديمة داخل أوروبا الغربية، امتدادا من الخمسينات حتى الثورة الأوروبية في عام 1989. وتمثلت أوروبا 2.0 في الابتكارات المؤسساتية والتوسعية الكبيرة التي كانت سمة الأعوام التي تلت ذلك، علاوة على استخدام اليورو داخل عدد كبير من الدول. وشهدت هذه الفترة نجاحا كبيرا في مجال إحلال السلام وتحقيق الرخاء وسيادة حكم القانون على الملايين من الأوروبيين.

والآن يجب علينا صياغة برنامج أوروبا 3.0 التي يمكن أن تظهر كشريك ولاعب عالمي.

وثمة أهمية لما يمكن أن نقدمه للسلام والرخاء داخل جزئنا من العالم، حيث إنه إذا نُظر إلينا على أننا متعثرون أو فاشلون هنا، فيلحق الضرر بمصداقيتنا داخل أماكن أخرى.

وخلال رئاسة السويد للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من العام الحالي، تمكنا من بدء عملية الاندماج داخل دول البلقان الأوروبية، ومن إيجاد زخم جديد تمثل كرواتيا وصربيا فيه رأسي حربة.

وتجب المحافظة على هذا الزخم خلال الأعوام المقبلة. الطريق للعضوية سيكون بالنسبة إلى بعض من هذه الدول طويلا وصعبا، ولكن البديل هو الركود والأخذ في التردي والتراجع.

وثمة أهمية استراتيجية في عدد قليل من العمليات مثل عملية قبول تركيا داخل الاتحاد الأوروبي. ومعروف أنها تواجه معارضة شديدة في بعض الأنحاء، ولكن لا يمكن إنكار أنه بضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيصبح الاتحاد لاعبا دوليا ذا قدرات أفضل ومصداقية أوسع.

ويعتمد نجاح الاتحاد الأوروبي على حقيقة أنه دائما ما كان مستعدا لتوسيع مدى وعمق طموحاته المختلفة. وسيكون غلق الباب أمام الأعضاء الجدد، والاستغراق في البيروقراطية التي تغرق بروكسل، والنظر إلى العالم الخارجي على أنه يمثل في الأغلب تهديدا، أشبه بتنازل عن تولي مسؤولية تاريخية.

وسيعتمد الطريق أمام تركيا إلى حد كبير على الجهود الدائرة من أجل تجاوز الخلاف حول قبرص بصورة نهائية، حيث ستواجه مصداقيتها، فيما يتعلق بالتغلب على خلافات الماضي، مخاطرة شديدة.

ويجب أن يستمر الاتحاد الأوروبي في بسط سياسات الترابط ناحية شركائه الشرقيين، ومن بينهم أوكرانيا، معتمدا على اتفاقية تجارة حرة شاملة، بالإضافة إلى الانضمام إلى معاهدة مجتمع الطاقة. وستكون هناك أهمية متساوية على المدى الطويل لاتفاقيات شراكة مع دول شراكة شرقية أخرى، تأتي جورجيا على رأس جنوب القوقاز.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، صاغ الاتحاد الأوروبي أول مجموعة من السياسات الخاصة بجهوده الأكثر شمولا في أفغانستان، وقام بتحديث وتعزيز سياساته المرتبطة بعملية السلام داخل الشرق الأوسط، وأكد على منحاه المزدوج إزاء إيران. ويجب أن نفهم أن الطريقة التي نعالج بها التحديات المختلفة بين فلسطين والبنجاب سوف تحدد طبيعة علاقاتنا المستقبلية مع العالم الإسلامي.

ولم تمثل الانتكاسة المروعة داخل كوبنهاغن هزيمة لجهود معالجة التغير المناخي فحسب، ولكنها أوضحت بشدة تحدي الحوكمة العالمية داخل عالم متعدد الأقطاب.

مضى وقت طويل على «لحظة القطب الواحد» الأميركي، التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، وكذا يجب أن تمضي أي أوهام تتعلق بالاعتماد فقط على محور ثنائي عبر الأطلسي أو عبر الهادي. ومن الواضح أيضا أنه لا يمكن أداء عمل جاد في بنية تضم أكثر من 190 وفدا.

ويجب أن يتولى دفة القيادة اتحاد أوروبي جاد فيما يتعلق بمسؤولياته ودوره العالمي، من أجل بناء نظام حوكمة عالمي أكثر فاعلية.

ويجب أن تتسارع الخطوات، ومن غير المحتمل أن يكون هناك حل واحد يناسب جميع المشكلات. وستكون هناك حاجة إلى إصلاح مهم داخل مؤسسات مختلفة مثل مجلس الأمن ومجموعة العشرين.

ومع دخول أوروبا مرحلة جديدة في تطورها، ينتظر العالم لها أن ترفع صوتها، وأن تعبئ أدواتها وسلطاتها الجديدة. وهناك الكثير من المهام التي تنتظرها.

* وزير خارجية السويد حاليا، وكان رئيسا للوزراء في الفترة من 1991 إلى 1994

======================

أخي أبو سليم

الداعية بطريقته الخاصة , من قرون ماضية

بقلم أ. زهير الشاويش

http://www.iid-alraid.de

أخي الأستاذ محمد عيد البُغَا , من إخواننا الدعاة إلى الله - سبحانه - في صمته , وعمله , ومتابعته لأوضاع إخوانه على طريقته الخاصة القديمة , التي لم نعد نراها متبعة, إلا عند كبار مشايخنا - رحمهم الله .

ولد في عام 1348ﻫ / 1930م , وتخرج من مدارس التربية , وأصبح مدرساً للطلاب , ثم مديراً لمدرسة ابتدائية ( قرب داره ) في حي الميدان الوسطاني , ثم أمين سر لجنة المعلمين في دمشق.

ثم دخل الجماعة , وجر معه كل طلابه , والعدد الكبير من زملائه وجواره , حتى أصبح الجميع في رحلاتهم واجتماعاتهم يرددون دائماً: ( شو رأي أبو سليم ؟؟, ما قال أبو سليم؟؟ نسأل أبا سليم ... إلخ , وتتابع تلامذته على هذا المنوال.

مع إنني وأمثالي , بل وحتى أساتذتنا قبلنا , لم نسمع منهم جملة واحدة , في رأي واحد , وإنما كلمات قليلة جداً جداً , وهكذاً منفرداً , شبه وحيد.

تتلمذ على عدد من كبار علماء الحي ( بعد أن تخرج من المدرسة الرسمية ) , ومنهم الشيخ محمد خير ياسين الصباغ , وهو أكبر تلامذة العلامة الشيخ حسن حبنكة الميداني , وقرأ عليه كتاب في الفقه الشافعي , وكرر عليه قراءة هذا الكتاب , ولم يخرج عنه قيد أنملة سنوات متعددة , ويحضر مع كل مجموعة يتألف الدرس منهم , ويرى أن هذا هو التمكن في العلم , وفيهم الدكتوران العالمان الداعيان: أحمد صدقي الدجاني, ومحمد لطفي الصباغ, وغيرهم العشرات.

وافتخر أنه شافعي المذهب ( ومذهبه هو هذا الكتاب فقط ) , في حين أن من يماثله سناً وعلماً, وانقطع للعلم الشرعي , يكون قد ارتقى بالدراسة على كتب الشافعية الكبرى , مثل كتاب (( الروضة )), و(( المجموع )) للإمام النووي.

ثم انتقل إلى الواعظ المشهور , الشيخ زين العابدين التونسي في المنقولات من علوم الكتاب والسنة , بطريقة ضيقة خاصة جداً.

وهكذا عاش في حياته العلمية طوال عمره , رحمه الله , وأحسن إليه على حسن نيته , وجزاه الخير العميم على صبره , ودأبه.

دخل الجماعة ( أيام الشدة ) , فكان في هدوئه وبساطة وضعه , حتى أصبح مرجعاً للشباب فيها , ولغيرهم.

وأصبح المسؤول المالي عن منطقة كبيرة من بلده , وأحسن الأمانة , وجمع الأموال , وأجرى توزيعها على إخوانه الفقراء , وعلى المعوزين في الحي , وساعد في تأمين الخبز اليومي على العديد من البيوت , التي يؤمن لها الثمن كل أسبوع , ويوزع حلَّة الشتاء والصيف , لإلباس عوائل المحتاجين , ونسائهم , وأطفالهم , متعاوناً مع المجاهد الشهيد - كما نحسبه - كامل حتاحت , ثم مع الشعبة ومن عمل فيها.

ثم افتتح مكتبة وسط المدينة سماها (( دار الفتح )) , ونشر بعض الكتب الإسلامية , وأصبحت مكتبته تشابه سميتها , مكتبة شيخنا الأستاذ محب الدين الخطيب في القاهرة , رحمهما الله.

ثم رحل إلى بيروت , وتجاورت معه في المنـزل سنوات كثيرة , فكان نعم الجار , مع أهله وأولاده.

ثم رجع لدمشق أيام حوادث لبنان , وغادر بعدها إلى الأردن , ولقيَ فيها الإكرام والتقدير , وكان منقاداً لقيادة الجماعة المحقة بكل إخلاص , ومتابعة , واهتمام.

ثم أقعدته الأمراض , فانتقل إلى المستشفيات المتعددة , حتى كانت وفاته يوم الخميس السابع من شهر محرم الحرام , من العام الحادي والثلاثين وأربعمائة وألف , من هجرة سيدنا رسول الله , صلى الله عليه وسلم.

وقد خلَّف عدداً من الأولاد والبنات , جعلهم الله وإخوته قرة عين أمهم , وللدعوة الإسلامية.

ولله سبحانه ما أخذ , وله ما أعطى , وكل شيء عنده بأجر وثواب.

وإنا لله وإنا إليه راجعون , ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ