ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 24/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


معهد واشنطن والمصداقية المفقودة

سامي الزبيدي

الرأي الاردنية

23-12-2009

نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى مقالا تناول استطلاعات للرأي اجريت في السعودية ومصر اثبتت ان الرأيين العامين في البلدين المشار اليهما يؤيدان اتخاذ اجراءات صارمة بحق ايران النووية .

 

المعهد المعروف بتأييده المطلق لاسرائيل وتحديدا لليمين الاسرائيلي يحاول جاهدا حرف النقاش عن التسوية السلمية باتجاه اعطاء الاولوية للملف النووي الايراني وهي محاولة لا تجد آذانا صاغية في واشنطن.

 

وبحسب المقال فقد وجه السؤال التالي للمشاركين من كل من السعودية ومصر: إذا لم تقبل إيران القيود الجديدة على برنامجها النووي، هل توافق على فرض عقوبات أكثر صرامة ضد إيران حوالي نهاية هذا العام تقريبا؟ حيث فضلت غالبية قوية من السعوديين، 57 في المئة، فرض عقوبات أكثر صرامة. وعلاوة على ذلك، كانت نسبة التأييد بشدة لصالح فرض العقوبات ضعف عدد المعارضين بشدة (22 بالمائة مقابل 11 بالمئة).

 

النتائج التي عرضها المعهد على موقعه الالكتروني وصيغت على شكل مقال للباحث ديفيد بولوك لم تكن حصيلة استطلاعا علميا واحدا بل سلسلة من الاستطلاعات بعضها ينتهج الاساليب العلمية ( استطلاع مركز الاهرام) و في حين ان الاستطلاعات اخرى مجرد استطلاعات عبر الانترنت لا يمكن التوثق من صدقيتها سواء منهجيا او الجهة القائمة على الاستطلاع ، لكن حين يكون الغرض حرف النقاس عن وجهته فان الضرورات السياسية تبرر المحظورات الاكاديمية وهذا بالضبط ما فعله بلوك في مقاله المشار اليه.

 

يقول بولوك أن هذه النتائج كانت مؤيدة للإجراءات الصارمة على نحو مثير للدهشة ، وتظهر مستوى عال جدا من القلق بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث يؤمن 83 بالمئة من المشاركين في الإستطلاع أن طهران تخطط لبناء أسلحة نووية رغم مزاعمها حول نواياها السلمية، في حين أن ما يزيد عن النصف بقليل (53 بالمئة) يعتقدون أن إيران سوف تستخدم فعليا الأسلحة النووية. ومن بين هذه المجموعة الأخيرة، ثلاثة أخماس يؤمنون بأن الهدف سيكون المملكة العربية السعودية أو أي من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، ويؤمن خمس بأن الدولة المستهدفة ستكون إسرائيل.

 

النتائج التي اعتمد عليها الباحث هي مجرد محصلة لاستطلاع مفتوح عبر الانترنت بين دول مجلس التعاون الخليجي 80% من المشاركين ذكور ولا يمكن التأكد ما اذا كان المشارك قد ادلى برأيه اكثر من مرة وما اذا كانت الاجابات تعكس اراء المشاركين ام انها مرتبة سلفا بيد ان كل هذه المحاذير لم تقف بوجه رغبة المعهد المنحاز في اظهار ان الخطر الايراني يفوق اية مخاطر تواجه المنطقة من وجهة نظر الرأي العام العربي في مصر والسعودية.

 

المثير للسخرية ان بلوك هذا وهو مؤلف نشرة المجهر السياسي لعام 2008 الصادرة عن المعهد باللغة الانكليزية بعنوان استطلاعات مراوغة تتحدث استخدام وإساءة استخدام استطلاعات الرأي في الدول العربية، وهو الان يسئ استخدام الاستطلاعات بل ويدخل الاستطلاعات غير العلمية في سياق ابحاثه كي يصل الى نتيجة مرسومة مسبقا.

===================================

اختزال القضية في تجميد الاستيطان

آخر تحديث:الأربعاء ,23/12/2009

الخليج

أسامة عبد الرحمن

ليس ثمة شك في أن توسيع رقعة المستعمرات الصهيونية يمثل مزيداً من الاحتلال والقضم للأراضي الفلسطينية التي يؤمل أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية . والطلب الأمريكي بتجميد الاستيطان طلب ينسجم مع خارطة الطريق الأمريكية الصهيونية المنظور والهدف . والتجميد لا يعني بالضرورة إنهاء لبناء المستعمرات الصهيونية على الأرض الفلسطينية، ولا يعني إلغاءً لهذه المستعمرات . وقد يكون التجميد مؤقتاً لفترة محدودة وحتى خلال هذه الفترة، قد يستمر التوسع في هذه المستعمرات بطريقة ملتوية وغير ملفتة للنظر . ويبدو أن الإدارة الأمريكية وهي تواجه ضغوطاً صهيونية مكثفة بدأت تتراخى حتى بالنسبة لهذا الاستحقاق الذي تفرضه خارطة الطريق، وتحاول أن تربط التجميد في بناء المستعمرات الصهيونية على الأرض الفلسطينية بخطوات عربية ملموسة تجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني . وهذه الخطوات ستكون مكافأة مجانية للكيان الصهيوني لقاء تجميده بناء المستعمرات، وكسباً له مقابل استحقاق ملزم للكيان الصهيوني مرتبط باستحقاقات أخرى ضمن خارطة الطريق . فهل مقابل كل استحقاق ملزم للكيان الصهيوني في إطار خارطة الطريق الأمريكية الصهيونية على العرب أن يقدموا مقابلاً يتمثل في مكافأة مجانية لهذا الكيان؟ وما الذي سيبقى بيد العرب من أوراق؟

 

إن اختزال القضية الفلسطينية في موضوع بناء المستعمرات الصهيونية يصرف النظر عن حقوق أساسية للفلسطينيين في الأرض والعودة والقدس والمياه وغيرها، ومن دونها لا يكون ضمان حل للقضية، ولا حصول الفلسطينيين على الحد الأدنى من الحقوق . ويظل الكيان الصهيوني متشبثاً ببناء المستعمرات الصهيونية غير عابئ بأي التزام في خارطة الطريق، وهي قد فصلت أساساً وفق رغباته وإملاءاته وشروطه بإرادة أمريكية ولا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الأساسية للفلسطينيين، ولا تعدهم إلا بدولة مسلوبة الحرية والسيادة والإرادة ومجزأة ومقسمة ومقطعة .

 

والإدارة الأمريكية التي طالبت بتجميد بناء المستعمرات لم تستطع أن تفرض على الكيان الصهيوني الالتزام بذلك، وتحاول أن تسترضيه مقابل تنفيذ هذا الالتزام بالطلب من العرب أن يقوموا بخطوات تطبيعية تجاه الكيان الصهيوني . وبدا الأمر وكأنه مناورة يستنزف فيها الكيان الصهيوني مكاسب من العرب، وهو لم يقم بأي خطوة ايجابية تبرهن على أنه راغب فعلاً في السلام . فهو قد رفض المبادرة العربية للسلام، أو أسقطها من حساباته، رغم أنها تقدم له التطبيع كاملاً مقابل سلام شامل .

 

ولعل هذه المناورة التي تتعلق بتجميد المستعمرات الصهيونية هي مثل غيرها من المناورات التي يحاول الكيان الصهيوني من خلالها أن يحقق أكبر قدر من المكاسب على حساب الحقوق الفلسطينية، وعلى حساب العرب من دون أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم الأساسية . . ودون أن يحصل العرب على سلام حقيقي .

 

إن تجميد بناء المستعمرات الصهيونية بند واحد من بين بنود كثيرة، هي استحقاقات ملزمة للكيان الصهيوني ضمن خارطة الطريق . وهو بند في القضية، والقضية أكبر من ذلك بكثير، ولا يمكن اختزالها في موضوع تجميد بناء المستعمرات الصهيونية . ومع أن تجميد البناء هو بند في إطار خارطة الطريق، فإن الوقف النهائي لبناء المستعمرات الصهيونية، أو إلغاءها في إطار الحل السلمي هو الأهم . والأهم قبل ذلك وبعده هو تنفيذ كامل لكل الاستحقاقات الملزمة للكيان الصهيوني ضمن خارطة الطريق في سياق متناغم ومترابط ومنسجم يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المأمولة . ومن العبث أن يكون تجميد بناء المستعمرات الصهيونية مطلباً أمريكياً، وهو استحقاق ملزم للكيان الصهيوني . ورغم ذلك فالإدارة الأمريكية لم تقم بما يلزم لفرض ذلك ضمن خارطتها للطريق . ومن العبث أيضاً أن تبدو القضية الفلسطينية مختزلة في موضوع واحد، هو تجميد بناء المستعمرات الصهيونية .

===================================

سوريا ولبنان: طي صفحة الماضي أم التعلّم من دروسه؟

السفير

23-12-2009

فواز طرابلسي

حبس لبنانيون الأنفاس ثم انفرجت أساريرهم عند مشهد الخطوات الخمس من هنا والخمس والعشرين من هناك. وجاء مَن أكد لهم أن عدد القبلات المتبادلة بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء سعد الحريري كان ثلاثاً على الطريقة اللبنانية وأن الوقت الذي استغرقته المباحثات بينهما جاوز الثماني ساعات. وتلصصوا  اللبنانيون  مع كاميرات الإعلام على المَرْبَع الذي أكل فيه الرئيسان. حتى أنهم عرفوا اسم صاحبه. وعلموا أين نام رئيس الوزراء ليلته في دمشق. وهم ما زالوا يتساءلون ما إذا كانت الزيارة زيارة رجل دولة، بشهادة عبقري العلاقات الفرنسية  اللبنانية برنار كوشنير، أم أن الرجلين هما مجرد إبني أبويهما، على ما يمكن أن تعنيه العبارة الملتبسة.

طمأن الرئيس الحريري اللبنانيين إلى نجاح الزيارة بدليل أن الرئيس السوري كسر البروتوكول الرئاسي السوري غير مرة (تذكّروا أننا في عصر الرمزيات!) وأبلغهم أن العلاقات سوف تقوم من الآن فصاعداً على أساس الصراحة والصدق (لا تعليق) وأن الزيارة أدت إلى «طي صفحة الماضي». ولكن، هل أن الطي ينوب عن التعلّم من دروس الماضي؟ يكفي السؤال. وفي حدود ما نعرف ولا نعرف، يمكن التوقف عند بعض صفحات ذلك الماضي القريب.

أول ما نجم عن الزيارة هو نجاح الرئيسين في تعطيل فتيل صاعق بتأكيدهما معاً على أن المحكمة الدولية هي الآن بيد المجتمع الدولي. هذا يعني، لبنانياً، أن سوريا، البلد والحكم والأجهزة والأفراد، في عداد الأبرياء، في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى أن يثبت العكس عند صدور أحكام المحكمة الدولية. فهل أن «قرينة البراءة» هذه سوف تصير السياسة الرسمية اللبنانية ولكتلة الرئيس الحريري وحلفائه؟

من جهة ثانية، لعبت سوريا السلطة، منذ الحرب الأهلية عام 1975، أحد أدوارها في لبنان بما هي طرف في النزاعات بين اللبنانيين يجري التناوب على الاستنجاد بها على الخصوم المحليين. لم يقم هذا الدور طبعاً دون شهية كبيرة للعبه من الطرف السوري، تولّد عنه انتداب طال واستطال خلال التكليف العربي والدولي في حل الأزمات اللبنانية الدامية والحفاظ على السلم الأهلي. بعيد الرابع عشر من شباط 2005، ارتبطت العلاقات بين البلدين ب«أجندة» خارجية أكثر منها محلية، أي أنها لم تكن صادرة عن تصورات ومصالح الطرفين اللبناني والسوري بقدر ما كانت صادرة عن صيغ بدرت عن الدبلوماسية الغربية والدولية. وفي طليعة تلك الصيغ ترسيم الحدود والتبادل الدبلوماسي بين البلدين. وهما صيغتان يتضح أكثر فأكثر مدى ابتعادهما عن طبيعة العلاقات المعقدة بين البلدين وعن المسّ بقضايا خلافية فعلية بينهما.

أولاً، يطالب الطرف الرسمي اللبناني بترسيم الحدود ويقول بالبدء من شبعا. فيرد الطرف السوري: بل نبدأ من الشمال. لعل الثاني يريد تأجيل الموضوع ريثما ينجلي مستقبل المفاوضات السورية  الإسرائيلية. والأول يتوهم أن إقرار سوريا بلبنانية المزارع يملي على إسرائيل أن تعيد الأراضي المحتلة إلى لبنان أو أن تضعها في عهدة الأمم المتحدة. بذلك يعود لبنان، حسب الخطاب السائد، آمناً مطمئناً إلى معاهدة الهدنة اللبنانية  الإسرائيلية للعام 1949.

لا شيء يؤكد أن الأمور سوف تسير وفق هذا المسار. لقد أنكر الحاكم اللبناني عام 1967 لبنانية مزارع شبعا المحتلة (احتلت تلال كفرشوبا بعد 1967) وارتضى ضمّها إلى الأراضي السورية المحتلة. وكانت الحكمة المزعومة من ذلك هي أن لبنان بلا أراض محتلة سوف يكون خارج نطاق القرار 242 القاضي بمبادلة «أراضٍ محتلة» عام 1967 بمقابل السلام. أي أن لبنان سوف يخرج بذلك نهائياً من الصراع العربي  الإسرائيلي. لا يسع الوقت للتذكير كيف أن هذه الرغبة ولدت نقيضها تماماً. ولكن يجدر السؤال: ألا يعني اعتراف لبنان، بعيد التحرير عام 2000، بأن له أرضاً محتلة بات يخضعه للقرار 242؟ فيكون بلد الأرز مضطراً لأن يوقّع معاهدة سلام مع إسرائيل من أجل استعادة أرضه المحتلة؟ وهل لامتناع إسرائيل طوال تلك الفترة عن أن تتنازل عن الأراضي اللبنانية المحتلة من معنى غير أنها تريد استخدامها وسيلة لجر لبنان إلى توقيع معاهدة سلام منفردة؟

هل يعني هذا ضرورة التخلي عن الأراضي اللبنانية المحتلة؟ كلا بالتأكيد. لكنه يعني الاعتراف بأن لبنان بات دولة مواجهة، في زمن تراخت فيه المواجهات. وهو دأبه الدائم: يأتي الحجة والناس راجعة. هكذا يرى العدو إلينا، أعجبنا الأمر أم لم يعجبنا. والسؤال كيف ندافع عن لبنان وبأية وسائل. وكيف نمنع إعطاء مبررات للعدو لمهاجمتنا. هذا هو معنى البحث في الاستراتيجية الدفاعية. وقد خطا حزب الله خطوة نحو التمييز بين المقاومة وبين الدفاع الوطني، ما يفسح في المجال لأخذه على محمل الجد ومباشرة التخطيط والتجهيز والتنسيق والتكامل بين قوتي الدفاع اللتين يملكهما البلد.

ثانياً، أمن لبنان وأمن سوريا. إذا كانت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر عمليات الاغتيال قد أوكلت إلى المحكمة الدولية والمجتمع، أي وضعت الهواجس الأمنية والمخاوف اللبنانية في عهدة المجتمع الدولي، ماذا يمكن القول عن الهواجس السورية تجاه استخدام لبنان، أو ضلوع أفرقاء فيه، في العداء للبلد الشقيق والسماح باستخدام أرضه وناسه ممراً أو مقراً للتآمر عليه، والتحريض على تغيير الحكم فيه وتهديد أمنه وسلامته؟ السؤال هنا: هل أن هذا الهاجس القديم، المتجدد بعنف خلال السنوات الخمس الماضية، يمنح حكّام دمشق الحق في أن يضمنوا أمن نظامهم بالتدخل في الصغيرة والكبيرة من الشؤون الداخلية اللبنانية؟ هل له أن يسوّغ أن تكون ضمانة أمن سوريا هي حصة الأسد من السلطة في لبنان؟ كيف إذاً تجاوز الهاجسين بإرساء العلاقة على الدولتين والمعاهدات والمواثيق والأجهزة والمؤسسات؟

في مجال الأمن، ثمة ما يحتاج إلى تعديل في «اتفاقية الدفاع والأمن». نذكر على سبيل المثال لا الحصر البند الذي يضم الإعلام، مؤسساته وأشخاصه، ضمن «المخاطر» الأمنية والعسكرية والسياسية التي قد تؤدي إلى «الأذى أو الإساءة» إلى البلد الآخر أو تهديد أمنه، ما يتعيّن على البلد المعني أن يمارس «منع أي نشاط أو عمل أو تنظيم» تصدر عنه هذه المخاطر وتسليم المطلوبين إلى قضاء البلد الآخر.

ثالثاً، لا يحتاج الأمر إلى كبير شرح للتأكّد من أن صيغة التبادل الدبلوماسي بين البلدين مقصّرة عن عمق وتعقيد العلاقات والمشكلات بين لبنان وسوريا. والمؤكّد أن افتتاح سفارة سورية في بيروت لم يحمل لمعظم اللبنانيين، إن لم نقل كلهم، الانطباع بأنه إعلان عن اعتراف سوريا بالكيان اللبناني. ناهيك عن السؤال عن موقع التبادل الدبلوماسي بين البلدين من الإعراب في ظل «معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق» يشرف عليها «مجلس أعلى» يتشكّل من الرؤساء الثلاثة في الدولتين تناط به رسم السياسة العامة بين الدولتين «في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها» وتكون قراراته «إلزامية ونافذة المفعول في إطار النظم الدستورية في كل من البلدين».

أخيراً، تحدث الرئيس الحريري عن تعديل الاتفاقات بين البلدين. هل توجد في أروقة الحكم في لبنان لجنة وزارية تعنى برسم السياسات اللبنانية تجاه الجارة والشقيقة، وهل توجد هيئة ما من هذا القبيل لدى الأكثرية والأقلية السابقة؟ أم أن هذه القضايا مرفوعة هي أيضاً إلى الهيئة الوطنية للحوار؟

===================================

... و"اتفاق دمشق"

"زيّان"

النهار

23-12-2009

أسبوع أسبوعان، وتبدأ بالظهور تباعاً الطلائع الاولى والمؤشرات العملانيَّة لنتائج الحدث اللبناني – السوري الذي سطَّرته زيارة الرئيس سعد الحريري لدمشق، وتُترجم التفاهمات مع الرئيس بشَّار الأسد خطوات ملموسة ومقنعة.

وما دامت الأفعال بالنيَّات، فإن الساعات الثماني من المحادثات المكثفة والمراجعات الدقيقة والصريحة للملفات والقضايا العالقة بين البلدين، كفيلة حتماً بازالة كل ما تراكم من التباسات وخلافات و"ظنون" بين البلدين الجارين، واللذين يُفترض أن يكونا شقيقين.

هذا الكلام ليس من باب الاستنتاج أو الاجتهاد، إنما هو خلاصة أوليَّة للمقاربات والمراجعات التي تيسَّرت لفريق من المتابعين عن كثب، والذين لا تنقصهم الخبرة أو الدقَّة.

إلاّ أن ذلك ليس كل شيء وكل ما حفلت به الساعات الماضية من مناقشات في شأن اللقاء التاريخي بين الأسد والحريري، ذلك أنَّ معظم المراقبين والمهتمّين بالعلاقات بين بيروت ودمشق ينتظرون على أحرّ من الجمر الطريقة التي سيترجم بها الرئيس السوري نتائج ما اتفق عليه مع رئيس الحكومة اللبنانيَّة.

ولدى السؤال والاستفهام عن مدى الارتياح الذي حققته الزيارة على الصعيد اللبناني، والوضع الداخلي، والنتوءات الكثيرة المنتشرة في الجغرافيا السياسيَّة والدويلات والمحميّات، فان الجواب لا يقتصر على التمنٍّي والافتراض، بل ذهب الى حد التأكيد ان جميع القيادات والمرجعيات والأحزاب والفئات مدعوة حالاً وسريعاً لتطليق الماضي وكل ما يتصل به من مظاهر الانقسام والخروج عن الدولة والنظام والمؤسسات.

و"الترجمة" المتوقعة لن تكون بعيدة عن هذه الناحية البالغة الأهمية، والتي تستأثر بقسط كبير من الاهتمام والعناية، والتي تكاد تختصر معظم العقبات والنتوءات التي تشلٌّ الحياة الطبيعيّة، وتؤخّر عودة الدولة والمؤسّسات.

الى الضوء، والانفراج، والأمان، والعمل، وفسحة الطمأنينة والأمل يخرج الجميع. مرة واحدة. بإرادة صلبة. بنيَّة صافية. وبعزيمة صادقة.

وحيث ينتظرهم الوطن المبعثر، والمخُتَرق، والممزَّق. والانخراط مجدَّداً في ورشة اعادة بناء النفوس. وبناء الثقة. وبناء الأمن. وبناء العلاقة بين مختلف الفئات والطوائف، وخصوصاً تلك التي ذهبت بعيداً جداً في "الانسلاخ"، والتقوقع داخل مشروع خطير أثبتت التجارب الكثيرة والمريرة استحالة مروره، أو نجاح الحالمين به.

من جديد، ومن مجموعة النقاط التي تم التفاهم عليها بين الأسد والحريري، ومن "اتفاق دمشق" الذي سيضاف قريباً الى اتفاق الدوحة واتفاق الطائف، يبدأ لبنان اعادة لملمة مكوناته وأشلائه ودولته ووحدته.

إنما يبقى الاتكال على الترجمة.

===================================

"الأرض في مقابل السلام" مع سوريا لم يعد كافياً

سركيس نعوم

النهار

23-12-2009

- 10 -

أجبت الموظف السابق "المتمرس" في شؤون السلام الشرق الأوسطي التي لا يزال يتابعها من موقع الباحث الأكاديمي عن سؤاله شرح تاريخ بدء العلاقة بين سوريا وايران بايجاز، قلت: بعد شن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حربه على ايران الاسلامية قرر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الوقوف بجانب الأخيرة لأسباب عدة أبرزها في رأيي اثنان: الأول، خلافاته الحادة مع صدام رغم انتماء الاثنين الى حزب واحد هو البعث ومبادرة صدام الى رعاية او ربما تشجيع "عمليات" ارهابية ضد نظام دمشق، ورغبته في "رد الرجل" كما يقال والتخلص من التهديد الذي كان يشكله لنظامه. أما الثاني، وقاله في حينه لضباط قريبين منه رداً على استفساراتهم عن وقوفه مع ايران ضد العراق العربي والبعثي وربما استغرابهم، فعبَّر عنه جوابه لهم وكان: كي لا تتجدد حال العداء وتالياً الحرب بين العرب والفرس الأمر الذي يرهق المنطقة ويحرم العرب سنداً مخلصاً لقضية فلسطين. وما لم يقله لهم كان ربما رغبته في الافادة من موقعه الى جانب ايران لممارسة دور الوسيط بينها وبين الدول العربية، وتالياً لتحقيق المكاسب الكثيرة لنظامه وبلاده من الفريقين. الا ان ذلك التفاهم الايراني – السوري لم ينعكس على لبنان. ذلك ان الرئيس الراحل كان ينظر بشيء من الحذر وربما القلق الى دخول ايران الى لبنان عبر حرسها الثوري الذي بادر الى تأسيس "حزب الله" منذ عام 1982 بغية مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. وظهر ذلك جلياً في الاشتباكات ثم حرب الاخوة بين "امل" الموالية لسوريا و"حزب الله" الموالي لايران والتي استمرت سنوات وسقط فيها آلاف القتلى والجرحى ولم تنته الا عام 1990 بعد تفاهم استراتيجي سوري – ايراني على غالبية الأمور في لبنان والمنطقة. علَّق: "الآن ايران اقوى من سوريا في لبنان. اذ انخفضت كثيراً حصتها في "الشراكة اللبنانية" القائمة بينهما. فماذا يمكن ان تفعل؟ وماذا عن العلاقة السورية – الايرانية عموماً في رأيك"؟ "أجبت: الدولتان تقولان ان بينهما اتفاقاً استراتيجياً، وتقولان ايضاً ان اتفاقهما ليس استراتيجياً بل اتفاق مصالح. القول الثاني يصرح به ايرانيون عندما يتحدثون مع عرب مناهضين لسوريا او خائفين منها وحتى مع "أجانب". وهذا ما يقوله السوريون ل"أجانب" خائفين من ايران او معادين لها بغية طمأنتهم. وهذا تحديداً ما قاله وزير الخارجية وليد المعلم لأميركيين زاروا دمشق بعد اعلان رئيسهم اوباما اختياره سياسة الحوار مع سوريا أي ال(Engagement). ماذا عن السلام بين سوريا واسرائيل؟ هل تراه ممكناً؟ سألت. أجاب: "انه صعب جداً، ذلك انه لم يعد قائماً على معادلة الأرض في مقابل السلام. هناك الى ذلك ايران و"حزب الله" وحركة "حماس". اسرائيل تطلب من سوريا أو لا بد ان تطلب منها الانفصال عن ايران أو الابتعاد عنها ونزع سلاح "حزب الله" أو اضعافه والتوقف عن دعم "حماس" والتخلي عنهما كي تقبل باعادة الاراضي التي تحتلها اليها. وهذا موقف لا تقبله سوريا أو لا تستطيع ان تقبله. ما هو المقابل الذي يجب ان تأخذه سوريا من أجل ابتعادها عن ايران؟". وأجاب عن سؤاله قائلاً: "الجولان ومساعدات مادية وعسكرية. لكن ذلك كله لا يكفي". سأل الموظف السابق "المتمرس" في شؤون السلام نفسه التي لا يزال يتابعها من موقع الباحث والأكاديمي عن اسباب قوة سوريا اليوم هي التي كانت ضعيفة ومعزولة؟ أجبت: انها الآن أقوى من العرب الآخرين وأحياناً يتساءل كثيرون اذا لم تكن أقوى منكم بل من غيركم أيضاً. لذلك أسباب عدة في رأيي أبرزها اثنان: الأول، حلفها مع ايران الاسلامية الذي اعطاها سلاحاً ونفطاً ومساعدات مالية واقتصادية ووفر لها استثمارات ضخمة ومكَّنها من استعادة لبنان تدريجاً بواسطة "حزب الله" وغيره، وقولها لا للغرب واميركا واسرائيل الأمر الذي اشاع جواً من الثقة بالنظام السوري وقائده عند الاكثرية في سوريا رغم طابعه الحزبي الاقلوي. أما السبب الثاني، فهو عدم وجود مصلحة لاسرائيل في ارهاق النظام السوري وتالياً تعريضه للانهيار، لأن البديل منه مؤذ لها وذلك انطلاقاً من المثل الذي يقول: الشيطان الذي تعرفه افضل من الذي قد تتعرف اليه. اظنك تتذكر ان الرئيس السابق جورج بوش ألمح مرات قليلة جداً بعد عام 2004 الى ضرورة تغيير النظام في سوريا. وتتذكر ايضاً ان اسرائيل تدخلت لديه لنزع هذه الفكرة من رأسه معتبرة ان خروج سوريا العسكري من لبنان كان خطأ كبيراً وان استمرار نظامها ضروري كي لا يقوم على انقاضه نظام اسلامي سني اصولي متعصب ومتطرف مُعادٍ لها في المطلق. ونجحت في ذلك اذ صار موقفه الدعوة الى تغيير سلوكها وليس نظامها. علّق قائلاً: "يعني كانت اسرائيل هي التأمين على الحياة لنظام دمشق (Life insurance Policy). ويعني ذلك أيضاً ان قوة سوريا أتت من كلمة لا. واعتقد انها لا تزال كذلك". علَّقت في نهاية اللقاء: على كلٍ، أفادت ايران من سوريا ومن وجودها في لبنان ومن دورها الاقليمي للتحول جزءاً اساسياً من أزمة الشرق الأوسط. وهذا يعني انها لا بد ان تكون جزءاً أساسياً من الحل لها وخصوصاً بعدما صارت قوة عظمى في المنطقة.

ماذا قال مسؤول رفيع سابق لا يزال يتعاطى الشأن العام من خلال اهتمامه بالشرق الاوسط عن ازمتها وقضاياها؟

===================================

لغة تجهل ما تصف

آخر تحديث:الأربعاء ,23/12/2009

الخليج

ميشيل كيلو

لا تشبه الولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد السوفييتي السابق . صحيح أنها، مثله، قوة عظمى عسكرية، إلا أنها تختلف عنه، بعد هذه النقطة، في كل شيء .

 

في الانتشار العالمي: امتلك السوفييت انتشاراً عسكرياً محدوداً . بينما تمتلك أمريكا انتشاراً كونياً شاملاً، يمكنها، وفي وقت قصير نسبياً، من تعبئة قوى متفوقة تستطيع تنفيذ عمليات عسكرية ضاربة ضد خصوم محليين، أينما كانوا ومهما كانت قوتهم . إلى هذا، تمتلك أمريكا شبكة مصالح كونية حاكمة، افتقر السوفييت إلى ما يماثلها أو إلى جزء منه . وتمتلك شبكة معلوماتية/ تقنية عالمية لم يكن بحوزته مثلها ولم يكن بمقدوره إقامة شبيه لها . ولديها شبكة مالية وتجارية تغطي العالم، بينما عاشوا حالة حصار اقتصادي جعلهم لا يمسكون إلا ب 4% فقط من إجمالي تجارة العالم، مع أنهم كانوا ينتجون 24% من إجمالي إنتاجه . إلى هذا، تمتلك أمريكا اقتصادين مختلفين: واحد داخل حدودها ينتج سلعاً وخدمات قيمتها 12 تريليون دولار، وآخر خارجها ينتج ما قيمته 4 تريليونات من الدولارات، أي ما يفوق إجمالي اقتصاد الصين ويزيد قليلاً على اقتصاد اليابان، فهي إن لم تنافسك في السوق الدولية نافستك في سوقك المحلية . أخيراً، لأمريكا شبكة دولية من الخدمات المتنوعة افتقر السوفييت إلى نظير لها، وكان امتلاكها يفوق قدراتهم المالية والتقنية وانتشارهم العالمي . وللعلم، فإن القسم الأكبر من خدمات الاقتصاد العالمي أمريكي، ويتم تبادل تريليون دولار يومياً في الشبكة المالية الأمريكية، بينما تمكن السيطرة التقنية أمريكا من تقييد قدرة الدول الأخرى على التصرف الحر في مواردها، وتجبرها على قبول ولو جزء مما تقرره بشأن علاقاتها الخارجية .

 

في التقدم التقني: امتلك السوفييت تقنيات متخلفة نسبياً، اقتصر تقدمها على جوانب معينة من الإنتاج الحربي . بينما تمتلك أمريكا تقدماً تقنياً كاسحاً لا يقارن بتقدم أية دولة أخرى، بما في ذلك الدول الرأسمالية المتقدمة، التي تضع إنجازاتها التقنية في خدمة الصناعات والبنوك الأمريكية، أو تنتجها بتكليف منها . هذا التقدم يغطي الكون بأسره: بحراً وأرضاً وجواً، فيسمع كل ما يقال على نطاق العالم في الاتصالات السلكية واللاسلكية، ويعرف ما يكتب ويقال في مواقع الإنترنت ويهمس في الغرف المغلقة، حتى بين رؤساء جمهوريات وملوك الدول الأخرى وزوجاتهم .

 

في الانتشار السياسي: امتلك السوفييت معسكراً خاصاً بهم، وأصدقاء في العالم تبين أنهم كانوا عبئاً عليهم أكثر مما كانوا قوى دعم ومساندة لهم . بينما لا تملك أمريكا معسكراً خاصاً ولا تلتزم بسياسة نهائية تجاه أي كان، بل تلاحق مصالحها مع وضد الجميع، فإن خَدمتها سياساتهم عاملتهم بحد أدنى من الحقد واللؤم، وإن لم تخدمها شنت عليهم هجمات لا تعرف الرحمة وعاقبتهم بكل ما في حوزتها من وسائل . ليس في مبدأ أمريكا التحالف مع أحد بدوافع أيديولوجية أو سياسية . . . الخ، وهي لا تنفق مالاً على أحد، إلا إذا خدم مصالحها، وتقلع عن الإنفاق عليه بمجرد أن تنتهي مهمته . كما لا تنساق وراء أوهام أيديولوجية تجرها إلى مواقف مثالية أو إنسانية، بل تحدد أغراضها من دون إعطاء وزن لمصالح وأغراض غيرها، فإن وجدت أن تحقيق مقاصدها صعب، بدلت موقفها وقبلت الأمر القائم ولكن إلى حين، ريثما تخلق ظروفاً تقلب بمعونتها الوضع لغير صالحه . وعلى عكس السوفييت، الذين ضيعوا أنفسهم في تحديد هوية الانتقال الثوري ونمط قيادات البلدان الحليفة لهم، وماتت تجربتهم من دون أن يهتدوا إلى معرفة هوية الذين كانوا يتعاملون معهم وينفقون أموال شعبهم المحتاج إليهم، يعتبر الأمريكيون أن غيرهم إما خصم محتمل أو صديق عابر، ويرسمون سياسات تستهدف حصره بين حدين من الخيارات يخدمهم كلاهما، فلا يقبلون أن يكون للآخر حرية خيار وقرار تجاههم، فإن كانت له حرية كهذه، وجب أن تكون جزئية وعابرة . لهذا السبب، لا تطمح سياساتهم إلى كسب حلفاء، بل تركز على تحييد الآخرين، بحشرهم في أطر تقيد وتعين حركتهم وتجعلهم يتخذون قرارات لصالح أمريكا، وإلا احتوتهم أو كيفتهم مع سياساتها، وإلا تكيفت هي نفسها مع غلبتهم، في الحالات المعاكسة، ولكن ليس من أجل الاعتراف بشرعيتها، بل لجعلها طارئة وعابرة وقابلة للكسر، بمجرد أن تقيم ظروفاً تمكنها من ذلك . بهذا النمط من الممارسة، اعتبرت أمريكا التوازن مع أية قوة أخرى حالة يجب التخلص منها، بينما قامت السياسات الأوروبية جميعها، منذ عام ،1648 على التوازن، فكرة ومفهوما وواقعاً، وجرى السوفييت وراء أوهام أيديولوجية ورطتهم في تصنيفات سخيفة لثوار وهميين صنعوهم من بنات خيالهم .

 

في الإدارة: كان السوفييت يعتبرون الإدارة أمراً ثانوياً في الإنتاج والعمل الحكومي، في حين يرى الأمريكيون فيها عنصراً جوهرياً من عناصر الإنتاج وأداة مهمة لتغيير الواقع . ومن يعرف كيف تعمل الشركات والمؤسسات الأمريكية، يعرف أهمية الإدارة بالنسبة لمجمل العملية الإنتاجية، وللموقف من العالم والأفكار . وبينما رأى السوفييت العالم بأعين أيديولوجية التقطت منه ما اتفق ونظرتها المسبقة إليه وأهملت ما عداه، فجاء عالماً أيديولوجياً مجافياً للواقع وغريباً عنه، يرى الأمريكيون عمومية العالم في وحدتها، لكنهم يقطعونها إلى أجزاء مختلفة يضعون لكل جزء منها طريقة في التعامل تختلف عن طرائق التعامل مع غيره، فهم لا يؤمنون بنمط واحد من التعاطي مع الواقع أو من السعي إلى تغييره، ويؤمنون بإمكانية تحسين قدرتهم على تغيير طبيعة الأشياء وإن تدريجياً وبطرق مسيطر عليها، ويرفضون الأفكار الكلية الصالحة لكل زمان ومكان، ويفرطونها إلى أفكار جزئية يتعاملون معها بصفتها هذه . بهذه البرجماتية الفكرية والواقعية، تتعامل أمريكا مع البشر والأشياء، فلا فائدة من تذكيرهم بالقيم والمثل العليا، فهم يحتقرونها رغم أنهم لا يملّون من الحديث عن مثاليتهم وأخلاقيتهم .

 

في نمط الحياة والثقافة: عاش السوفييت حياة تفتقر إلى كثير من المقومات المادية الضرورية، وأنكر نظامهم وجود كائن اسمه الفرد، مثلما أنكر حقوقه وحريته وما يترتب عليهما: الحرية والديمقراطية كنظام حياة وحكم . عاش السوفييتي حياة موحشة، وانسحب من الحياة العامة استجابة لرغبة رسمية ضاغطة . عندما فعل ذلك، أقلع المجتمع عن أن يكون حامل الدولة، وغدت السلطة حاملها الوحيد، فلما انهارت هذه (السلطة) انهارت تلك (الدولة)، وخرج المجتمع والفرد من تحت أنقاضهما، ورجعا إلى النقطة التي سبقت ثورة كانت حلماً جميلاً فصارت كابوساً مرعباً . توجد في أمريكا دولة شمولية كالدولة السوفييتية، لكن سلطتها مراقبة من فوق بتوازن قائم على فصل السلطات واستقلالها النسبي، ومن تحت بحرية أفراد مرتفعي الدخل يعملون في اقتصاد فوائض وعمالة وضمانات . لذلك لا يشعر الأمريكي بالافتقار إلى الديمقراطية ويتوهم أنه يعيش في ظلها . يكمن هنا الفارق بين شمولية الدولة السوفييتية، التي أنتجت المجتمع على صورتها ومثالها، وشمولية أمريكا، التي تضبط السلطة وترى خطورتها، وتترك هوامش حرية وحركة للفرد والمواطن وتعترف بحقوقهما، في غير أوقات الأزمات الاجتماعية الكبرى، النادرة في تاريخ أمريكا المعاصر . بالمقابل، كان الإحساس بالأزمة دائماً لدى المواطن السوفييتي . أخيراً، لا مفر من القول إن السوفييتي، الذي كان يتلقى جرعة يومية كبيرة من التربية والثقافة الإنسانيتين، كان متشوقاً إلى ما يسمى الثقافة الشعبية الأمريكية: ثقافة الجاز والموسيقا الريفية والرقص والمخدرات والرحلات وبرانية العالم باعتباره موضوع ذكريات مصورة، وألعاب الكمبيوتر والعنف . . . الخ . ماذا بقي من الثقافة الإنسانية الرائعة في روسيا اليوم؟ لم يبق الكثير .

 

أصِل الآن إلى ما أردت قوله من هذه المقارنة المسهبة نسبياً، التي تحتمل تطويلاً لا حدود له: لا يمكن وصف أمريكا وصفاً صحيحاً باللغة الخشبية، التي دأب النظام السوفييتي على استعمالها طيلة سبعين عاماً، وخلت أن مؤتمر حزب الله تبناها في الفقرة الخاصة بالرأسمالية والوضع الدولي . ولا يمكن كذلك الحديث عن أمريكا باللغة التي وصفت الاستعمار الأوروبي . أمريكا ليست الاتحاد السوفييتي وليست أوروبا . إنها كيان مختلف عنهما يعمل بأساليب مختلفة عن أساليبهما، ولن تكون هزيمته ممكنة على يد جهة تتشبه بالسوفييت، تبتلع السلطة فيها الدولة وتلغي الإنسان وحقوقه والمجتمع المدني، مجتمع المواطنين الأحرار والمنتجين، وتتنكر للحريات العامة، وتغتصب السجناء وتقتلهم تحت التعذيب، وترفض الخلاف والاختلاف، وتؤلّه الممسكين بالحكم، وتقيس قوة الدولة بما لديها من أجهزة قمع، وتعمل لتحقيق أوهامها القومية بقوة العسكر والأمن، رغم أنها تضعف المجتمع وتقسمه وترميه في هاوية الفقر والخوف والغربة عن الدولة، وتدفعه إلى الجهة المناوئة لها .

 

لا يمكن هزيمة أمريكا إلا بنظام متفوق عليها إنسانياً وسياسياً: في مجال الحريات العامة والشخصية والحياة العامة، مجال الديمقراطية والمشاركة والعدالة والمساواة، نظام لا تني الهوة تتضاءل فيه بين من يملكون ومن لا يملكون، تقرر أموره إدارة مدنية منتخبة لا عسكره ورجال أمنه السريون، نظام صديق لشعبه لا يسوسه رجل يحاسبه شيخ لا يحاسبه أحد غير الله، فهو نظام تقدم في بلد مواطنين أحرار لا يتباهي ليل نهار بما يمتلكه من صواريخ ومدافع، بل يفخر بتقدمه الاجتماعي والسياسي والثقافي، الذي هو أول وقبل كل شيء تقدم البشر العاديين ومجتمعهم وثقافتهم . بغير هذا، سيحدث حتماً شيء شبيه بما عرفته فيتنام، التي هزمت أمريكا عسكرياً (هل تستطيع إيران تحقيق إنجاز عسكري مماثل؟) لكنها وقعت بسرعة وطوعياً تحت سيطرتها المالية، وتحولت إلى تابع اقتصادي لها .

 

وصف الحزب أمريكا بلغة لا تقبض على حقيقتها، تتجاهل خصوصياتها وتقفز عن تداخل هيمنتها وسيطرتها مع سياسة واقتصاد ونمط عيش وثقافة العالم المعاصر، وتتغافل عن صعوبة اقتلاعها منه، واختلاف واقعها عن صورته لدينا، التي ورثناها من نظام سوفييتي لم يفهم خصائصها، فكان جهله بها من أسباب انهياره السريع (كان أقصر إمبراطورية عمراً على مر التاريخ)، فالعجب كل العجب أن يصل حزب الله إلى الاستنتاجات عينها، التي كان السوفييت يصلون إليها دوماً: انهيار، أو قرب انهيار، النظام الرأسمالي العولمي عامة والأمريكي خاصة، الذي أدخلته هزائم أنزلناها به في أزمة نهائية، في حين تورق قضيتنا وتزهر وتتقدم . لا شك في أن أمريكا قابلة للهزيمة، وكذلك الرأسمالية، لكن ماركس، أفضل دارسيها باعتراف معظم علماء الاقتصاد، وضع شروطاً ثلاثة لذلك: أن يكون النظام البديل أكثر تقدماً من الناحيتين الاقتصادية والعلمية/ التقنية، وأن يكون عالمياً، نظاماً موحداً وقائماً على نطاق عالمي، وأن يلبي حاجات الإنسان المادية والروحية أكثر مما يلبيها النظام الرأسمالي . فهل يعتقد الحزب حقاً أن النظم المناهضة للرأسمالية المتوحشة هي أقل توحشاً منها؟ وهل الحزب واثق من أن هذه النظم ستقضي على الرأسمالية المتوحشة، لتوفرها على شروط ماركس الثلاثة؟ لو كان الحزب أدان نظم التوحش جميعها، لخلا خطابه من خطيئة لطالما وقع فيها مناضلون من الشرق العربي، توهموا أن أي نظام معاد للرأسمالية هو بالضرورة أفضل منها، فأيدوا كل من هب ودب من أعدائها المزعومين، ثم ندموا أفظع الندم لأنهم لم يصدقوا ما قاله ماركس: ليس هناك ما هو أفضل من الرأسمالية (المدنية البرجوازية) غير الاشتراكية الكاملة (المدنية الإنسانية أو التشاركية)، بصفاتها الثلاث السالفة الذكر . أيها الإخوة في حزب الله، لا تذهبوا إلى الحج والناس راجعة .

 

أتمنى على السيد، وهو رجل أحس حياله بود شخصي صادق واحترام حقيقي، وأفخر به وبرجاله، أن يتقبل هذه الملاحظات، التي يوجهها صديق يريد لحزب الله: مناط الأمل وموئل الرجاء في الصراع مع العدو، القبض على حقيقة الجهة التي يقاتلها، كي لا يتعرض لهزيمة منكرة كتلك التي نزلت بغيره من أحزاب ودول زماننا . وأتمنى عليه ألا يتمسك بتحليل نظري بينت مجريات الوقائع في السنوات الأربعين الأخيرة كم كانت نتائجه سلبية على تاريخنا المعاصر، وكم أدى إلى نتائج مأساوية ومعاكسة كل المعاكسة لما كان صناعه يدعون أنهم يريدون تحقيقه .

 

إن معرفة العدو هي أول شروط الانتصار في أية معركة . هذا ما علّمنا إياه حزب الله أيضاً .

ومعرفة أمريكا تتجاوز كثيراً ما قاله برنامج الحزب، وامتلاكها شرط للانتصار، فهل يعقب التحديدات الأولية والعامة جداً، التي تضمنها البرنامج، معرفة حقيقية، تفصيلية، بعدونا الذي نريد جميعاً إلحاق الهزيمة به؟

===================================

النخب الأميركية.. كيف تفكر في الصراع العربي -الإسرائيلي

بقلم: جيفري بلا نكفورت‏

موقع reseau voltaire

ترجمة

الأربعاء 23 -12-2009

ترجمة دلال ابراهيم

الثورة

سلط استطلاع للرأي أجراه مركز rew research لدى أعضاء مجلس العلاقات الخارجي الأضواء على الهوة العميقة الفاصلة بين تفكير متصور النخبة الأميركية والرأي العام في مسألة السياسة الدولية مشيراً إلى أنه لايعتبر أعضاء مجلس العلاقات الخارجية إسرائيل كحليف، ولا إيران كعدو،

بينما ينضم الرأي العام بأكثريته إلى النظرية التي يسوقها لهم اللوبي الصهيوني عبر وسائل الإعلام الجماهيرية، فهل نفهم ونستخلص من ذلك أن مجلس العلاقات الخارجية يفتقد للسلطة والقوة المؤثرة، أم إن الموالين لإسرائيل صاروا على و شك أن يفقدوا نفوذهم؟.‏

في القائمة التي تعدها قوى اليسار، يحتل مجلس العلاقات الخارجية رأس قائمة المخططين الذين يرمون حبال السياسة الخارجية الأميركية، ويدرجون اسمه إلى جانب مجموعة بيلدر برج واللجنة الثلاثية.‏

ولابد أن أولئك الذين يؤكدون أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل يرتكز على قاعدة أن إسرائيل هي (ورقة استراتيجية رابحة) سيلقون صعوبة في تفسير الاستطلاع الذي أجراه مركز (بيو) حول موقع أميركا في العالم، وقد أجري هذا الاستطلاع على 642 عضواً في مجلس العلاقات الخارجية ما بين 2 تشرين الأول و16 تشرين الثاني المنصرم ولم يكشف استطلاع مركز (بيو) أن الأغلبية الساحقة وهي 2/3 من أعضاء هذا المركز النخبوي العامل في مجال السياسة الخارجية يعتقد أن الولايات المتحدة قد فعلت الكثير لمصلحة إسرائيل فحسب، وإنما أيضاً لايعتبرون أن لإسرائيل أولوية مهمة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ومايمكننا أن نستخلصه من الإجابات المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني هوأن العامة من الناس بشكل عام شكلت رأيها ونظرتها الخاصة في الشأن الدولي، انطلاقاً مما تسمعه وتقرأه في الصحف الجماهيرية التي تبدي تعاطفاً شديداً مع إسرائيل، بينما يحصل أعضاء مجلس العلاقات الخارجية على معلوماتهم من مصادر محددة ودقيقة وغير متأثرة بالدعاية الإسرائيلية، وظاهرياً لم تر أي صحيفة أميركية مفيداً الإشارة إلى آراء أعضاء المجلس، وهذا غير مثير للدهشة، نظراً لما سنلمسه من براهين:‏

1- ضمن قائمة الدول المرشحة لتكون (أهم حلفاء وشركاء أميركا في المستقبل) فقط 4٪ من المستطلعين أدرجوا اسم إسرائيل، إلى جانب اسم كوريا الجنوبية مبتعدة إلى الوراء كثيراً عن الصين، التي حصلت على 58٪ والهند، التي حصلت على 55٪، والبرازيل 37٪، والاتحاد الأوروبي 19٪، وروسيا 17٪، واليابان 16٪، وبريطانيا وتركيا 10٪، وألمانيا 9٪، والمكسيك 8٪، وكندا واندونيسيا واستراليا وفرنسا 5٪.‏

2- وحصلت إسرائيل على نسبة أصوات بلغت 9٪ لدى طرح سؤال على المستطلعين يتعلق بالبلدان التي ستكون أقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، وتقدم عليها الحصول على نسب أكبر من تلك النسبة 22 دولة منها كندا والمكسيك، ودول من الشرق الأوسط مثل تركيا، مصر والمملكة العربية السعودية.‏

3- وما كان ذا دلالة كبيرة بشكل خاص، كان في مسألة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث أبدى فقط 26٪ من المستطلعين داخل مجلس العلاقات الخارجية مواقف مؤيدة لإسرائيل مقارنة مع 51٪ سجلها الرأي العام، بينما وقف 16٪ من أعضاء المجلس إلى جانب الفلسطينيين، مقابلها 12٪ من الرأي العام، 41٪ من المستطلعين ضمن المجلس كانت لهم مواقف على قدم المساواة بخصوص الطرفين، مقابل 4٪ لدى الرأي العام 12٪ من أعضاء المجلس لاتؤيد هذا الطرف ولاذاك، مقابل 14٪ لدى الرأي العام.‏

4- لا يلعب مجلس العلاقات الخارجية دوراً مهماً في رسم السياسة الخارجية الأميركية ضمن مجال سياستها الخاصة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إضافة إلى عدم قربه من أولئك الذين يقرونها، وهذا ماعبر عنه بشكل مثير للصدمة، أعضاء المجلس، عندما طرح عليهم سؤال يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، والمشكلة حسب رأي 67٪ منهم (مقارنة مع 30٪ من الرأي العام) هوأن الولايات المتحدة تبدي المزيد من التشجيع للإسرائيليين، بينما يرى 2٪ منهم فقط (مقارنة ب 15 ٪ من الرأي العام) أن سياسة الولايات المتحدة تشجع الفلسطينيين أكثر، ويعتقد 24٪ من المستطلعين داخل المجلس أن الولايات المتحدة توازن جيداً في موقفها من الطرفين، مقابل 29٪ من الرأي العام، الذي يعتقد بذلك.‏

5- تعتقد الأغلبية العظمى من أعضاء مجلس العلاقات الخارجية (69٪) أن الرئيس باراك أوباما حقق توازناً جيداً في تعامله مع الفلسطينيين والإسرائيليين مقابل أغلبية ضئيلة لدى الرأي العام (51٪) ويعتقد 13٪ من أعضاء المجلس أن أوباما يبدي تشجيعاً أكثر لإسرائيل يقابله لدى الرأي العام 7٪ بينما يعتقد 12٪ من أعضاء المجلس أن الرئيس أوباما ينحاز إلى الفلسطينيين أكثر، وهو موقف اتخذه 16٪ من الرأي العام.‏

وفي الشأن الإيراني، ندرك أيضاً الهوة الواسعة الفاصلة بين النخبة المتمثلة في مجلس العلاقات الخارجية وبين الرأي العام يعتبر 64٪ من أعضاء المجلس أن إيران تشكل تهديداً خطيراً ضد مصلحة الولايات المتحدة، مقابل 34٪ لاتعتقد بذلك، وهذا النتائج يقابلها على التعاقب، 72٪ و20٪ لدى الرأي العام، والأكثر تبايناً كذلك أيد فقط 33٪ من أعضاء المجلس توجيه ضربة وقائية ضد إيران في حال امتلكت السلاح النووي، بينما أبدى 64٪ عدم تأييدهم لذلك.‏

بينما تبدو هذه النسب بصورة معكوسة، حينما يتعلق الأمر بالباكستان، حيث أيد 63٪ من الأعضاء شن عمل عسكري أميركي في حال اقترب المتطرفون من السيطرة على الباكستان، بينما فقط 51٪ من الرأي العام توافق على مثل هذا العمل، وتعتبر هذه النتائج مؤشراً إضافياً على النفوذ الإسرائيلي الواسع لدى وسائل الإعلام،فهي تزعم إيران (المستقرة وغير النووية عسكرياً) تشكل تهديداً وتقلل من خطر الباكستان غير المستقرة، والتي تمتلك سلاحاً نووياً.‏

===================================

الحروب الأميركية المتقلبة فيكتور ديفز هانسون

بقلم :فيكتور ديفيس هانسون

البيان

23-12-2009

لا نسمع كثيراً من الأخبار عن العراق في هذه الأيام، فمن جهة مزقت الحرب هذه البلاد، ومن جهة أخرى أدت إلى تراجع شعبية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. وساهم الغضب بسبب ارتفاع الخسائر في حينه، في انتخاب مرشح مفوه مناهض للحرب العراقية، وهو المرشح باراك أوباما.

 

لكن قلما يظهر العراق في الأخبار، وهذا يبدو أمراً عجيباً، نظراً لاستمرار وجود 120 ألف جندي أميركي هناك!

 

إذن، لماذا كل هذا الصمت؟ باختصار لم يعد الجنود الأميركيون يتعرضون للقتل في العراق، بالمعدل الذي كان يحدث بين عامي 2006 و2008. فقد قتل منهم في أفغانستان هذا العام ضعف الذين قتلوا في العراق. وحتى الآن وقعت 4 إصابات قاتلة بين قوات التحالف خلال شهر ديسمبر، وهذا يضاهي نحو عُشر عدد الأشخاص الذين تعرضوا للقتل في شيكاغو عام 2008.

 

كما تغيرت منظورات الحرب في العراق بطرق غير منظورة. فعلى سبيل المثال، كان شعار «لا لإراقة الدم من أجل النفط»، شعاراً شائعا مناهضاً للحرب في أحد الأوقات، غير أن مزاد الحكومة العراقية على عقودها النفطية، رسا بصورة رئيسية على الروس والصينيين، وليس الأميركيين. وظهر أن الولايات المتحدة لم تذهب للعراق لسرقة موارده الطبيعية. وعوضاً عن ذلك ضمنت مزاداً علنياً عادلاً أرسته حكومة دستورية، فضلت أن تضخ نفطها شركات غير أميركية. وفي نهاية المطاف كنا أكثر مثالية، أو سذاجة، مما كنا متآمرين.

 

وفي الولايات المتحدة أصبحت صورة حربين شاركنا فيهما معكوسة تماماً، فعندما كان أقل من 100 أميركي يلقون مصرعهم سنويا في أفغانستان، وكانت جماعة طالبان متحصنة في مخابئها وبعيدة عن أعيننا، بدت الأزمة الأفغانية حرباً ضرورية ولا شائبة عليها، على النقيض من الجهود الفاشلة والمكلفة والاختيارية المبذولة في العراق. ولكن في عام 2009، خمدت حرب بوش السيئة، فيما اشتعلت الحرب الجديدة التي يشرف عليها الآن الرئيس الأميركي باراك أوباما في أفغانستان.

 

وفي المقابل تقلبت السياسات أيضاً. ففي أحد الأوقات جادل المرشح أوباما بأن على القوات الأميركية مغادرة العراق بحلول مارس 2008، ويجب إرسال مزيد من الجنود لأفغانستان، وبدا هذا مقبولا على نطاق واسع وقتئذ، نظراً لأن معظم الأميركيين كانوا يعتقدون أن وضع العراق ميئوس منه.

 

ولكن ضمن الأوضاع الحالية المعكوسة، امتثل أوباما على ما يبدو لخطة بوش  بترايوس بالانسحاب التدريجي المتزايد من العراق. وفي أفغانستان انتظر شهوراً عدة، قبل أن يوافق على طلب جنرالاته بجلب مزيد من القوات، بينما أصر على وضع جدول زمني لسحبهم من هناك.

 

ونتيجة لذلك، فإن الموالين اليساريين، الذين ساعدوا أوباما على ترسيخ مصداقيته المناهضة للحرب، يشعرون بالسخط الشديد على اعتزام الحائز على جائزة نوبل للسلام، إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان. والمثير للسخرية أن كبار مؤيديه وخصومه اليمينيين التقليديين، يهللون لاستماعه إلى جنرالاته.

 

وتبدو التغطية الإعلامية للحرب في العراق وأفغانستان، منفصمة الشخصية. فحتى الآن لا يظهر تصاعد القتال في أفغانستان على صدر الصفحات الأولى في الصحف الأميركية، كما كان يحدث بالنسبة للعراق. وتبدو وسائل الإعلام في معظمها مترددة في وصم أوباما ونعته بألفاظ سيئة، حتى الآن على الأقل، بالطريقة التي ساعدت بها على إسقاط الرئيس بوش نتيجة للأخبار التي كانت توردها من العراق.

 

وفي وقت من الأوقات كان العديد من وسائل الإعلام، ناهيك عن الكونغرس، يشعر بالبهجة نظراً لأن كبار الضباط المتقاعدين، في ثورة على الجنرالات الحاليين، كانوا يوجهون الانتقادات العنيفة لبوش والسلوك الأميركي في العراق.

 

والآن، وعلى الرغم من ذلك، نسمع عبارات القلق المتنوعة، لدرجة أن الجنرال ستانلي ماكريستال أعرب ذات مرة عن نفاد صبره من عملية اتخاذ القرارات في إدارة أوباما. وسواء كان مناسبا أن يخوض الضباط غمار السياسة أم لا، وسواء كانت هذه الانتفاضات محكوماً عليها بالفشل أو منطقية، فإن ذلك يعتمد على ما يبدو، على من يوجد في البيت الأبيض.

 

لماذا يتعين علينا تحقيق كل هذه الإخفاقات؟ لم نخسر العراق مطلقا، بينما لا تبدو الحرب على أفغانستان جيدة وسهلة. وغالبا ما يحتشد رجال الإعلام ويلاحقون استطلاعات الرأي، بدلاً من عرض تحليلات مستقلة. فالحملات البليغة والسياسيون يمثلان جانبا واحدا، بينما مسؤولية الحكم شيء آخر تماما. وعندما تنشب الحرب، لا يعرف أحد كيف سيكون مصيرها.

أستاذ الدراسات الكلاسيكية والتاريخية في جامعة ستانفورد

===================================

أضعف الإيمان - المشهد الأخير لفيلم «اغتيال الحريري»

الاربعاء, 23 ديسيمبر 2009

داود الشريان

الحياة

صرف النظر عن قضية الرمزية التي استفاض بها بعض الصحف اللبنانية وهو يتحدث عن استقبال الرئيس السوري بشار الأسد ضيفه سعد الحريري، في قصر تشرين المخصّص لاستقبال الملوك ورؤساء الدول، وتأمل دور الصورة في هذه الزيارة التاريخية.

السوري قرر أن يتعامل مع الزيارة بصفتها «كلايمكس»، أو مشهد الذروة لفيلم مثير، بدأ باغتيال رفيق الحريري، وتوالت أحداثه بمشاهد مروعة من الاغتيالات والاعتقالات والمحاكمات والتحقيقات والاتهامات، والشحن النفسي واللفظي. ولهذا استبدل المخرج السوري الصورة بالكلام، لإدراكه أن كاتب الحوار مهما كان عظيماً لن يتجاوز أو يغيّب مقاطع السجال العنيف في المشاهد الأولى للفيلم، الذي ستكون نهايته باهتة، إن هو اعتمد فيها على الحوار وأهمل الصورة. فكان لا بد من نهاية مشحونة بالصورة للفيلم المثير، وهكذا كان. فتنوعت صور المشهد الأخير بصور العناق، والابتسامات، والسيارة الخاصة لبشار الأسد وهو يقودها بنفسه والى جانبه سعد الحريري. فاختار المخرج السوري مطعماً كان طاحونة في السابق، وصار مطعماً للوجبات السورية واللبنانية، ومتحفاً للفنانين السوريين. استبدل المخرج السوري طاحونة العداء بفن السياسة.

فيلم «اغتيال رفيق الحريري» استغرق قرابة خمس سنوات، واستمر مشهد نهاية هذا الفيلم 23 ساعة، طغت خلالها الصور الدافئة على الكلام في شكل لافت. لكن أهم لقطة في المشهد الأخير هي للحظات التي قطعها البطلان في ردهة القصر. مسافتها ستة أمتار. قطع الحريري نصفها ليجد الرئيس بشار الأسد يقابله في منتصفها. في هذه اللقطة اعتمد المخرج السوري على تلقائية مفردات «المونولوج» الداخلي لإنجاح مشهد النهاية، وقدرة كل من البطلين على التعبير عن نفسه في تلك اللحظة الفاصلة، وقال لفريقه: «إذا نجح البطلان في أداء هذه اللقطة سنفوز بنهاية عظيمة، لفيلم مفزع».

كان سعد الحريري في تلك اللحظة يتنازعه خاطران، ولهذا بدأ خطواته مترددة، وغيّب القلق ابتسامته للحظات. فهو في البداية انشغل يقول لنفسه: كيف سأبرر للبنانيين هذه الخطوات بعد كل ما قلت سابقاً؟ ولكن سرعان ما انتصر السياسي على الوريث في داخله، فقال لنفسه: «ليس عندي خيار آخر، يجب أن أطوي صفحة الماضي رغم الصعوبة». وسرعان ما تسربت الابتسامة الى محياه.

أما الرئيس بشار الأسد فكان يقول لنفسه قبل أن يظهر من مكتبه: «أحمد الله أن المرحلة انتهت لمصلحتي»، فدفعه هذا الهاجس الى الخروج مسرعاً لمقابلة سعد الحريري، وحين شاهد ضيفه متردداً يغالب الابتسامة، قال لنفسه: «يجب ان أغيّر مزاجه، عليّ أن أضاعف حجم ابتسامتي وترحيبي لدعم شجاعة ضيفي».

وفي المنتصف صفّق المخرج السوري لفريقه، قائلاً: «كلايمكس» برافو.

===================================

رهان سعد رفيق الحريري

الاربعاء, 23 ديسيمبر 2009

رندة تقي الدين

الحياة

قبلات الرئيس سعد رفيق الحريري للرئيس السوري بشار الأسد أظهرت ان الحريري الابن يملك اعصابا من حديد وقوة إرادة كبيرة للنجاح كرئيس حكومة لبنان.

فلا شك ان سعد رفيق الحريري بذل جهداً ضخماً على نفسه بعد أربع سنوات من مقتل والده لإجراء هذه المصالحة في دمشق. فسعد الحريري أثبت لبلده لبنان اولاً وللأصدقاء العرب انه رجل دولة يستطيع تجاوز مشاعره الشخصية وطمسها في العمق والقيام بخطوات لفتح علاقة جديدة بين لبنان وسورية.

فرهان الحريري وريث والده الشهيد رفيق الحريري الذي سقط في سبيل وطنه هو تحويل العلاقة اللبنانية – السورية الى علاقة دولة مع دولة جارة شقيقه ومهمة. ومن هنا حرص ان تكون تصريحاته من سفارة لبنان في دمشق وباستمرار من العاصمة السورية والسفير اللبناني فيها الى جانبه.

فطبيعي ان تكون قبلاته المتبادلة مع الرئيس الأسد تندرج في إطار جهود استثنائية لينجح في مهمته الجديدة على رأس حكومة تتضمن اعضاء حلفاء دمشق قبل انتمائهم الى لبنان. فلا شك ان الحريري ادرك منذ توليه رئاسة الحكومة ان زيارته لدمشق لا بد منها. فسورية جارة لبنان ومنفذه الجغرافي الطبيعي، وقد ثبت ذلك خلال صيف 2006 عندما قامت إسرائيل بعدوانها الوحشي على لبنان وأغلقت جميع منافذه من مطار الى مرفأ وبقيت طريق دمشق المنفذ الوحيد المفتوح امام اللبنانيين.

فالآن وبعد هذه المصالحة والقبلات بين الرجلين ماذا نتوقع؟ الآن الكرة في الملعب السوري. فهل تتعامل سورية مع لبنان كدولة مستقلة وهذا مفيد للجميع، للبنان وسورية التي تكسب دولياً الكثير إن سلكت هذه الطريق إن كان على صعيد العلاقة مع السعودية أو مع تركيا أو مع الولايات المتحدة والعرب. أما اذا عاد اسلوب الاستنابات القضائية أو مطالبة إلغاء القرار 1559 الذي لا يذكر سورية بأي شكل من الأشكال إنما فحواه المحافظة على سيادة لبنان، فهذه مؤشرات سلبية ينبغي ان تصحح بعد هذه الزيارة. تجاوز الحريري كل هذه المؤشرات السلبية قبيل زيارته، وتصرّف كرجل دولة وذهب الى زيارة لم تكن سهلة عليه، ربما مثّلت أصعب قرار اتخذه في حياته الشخصية. فالآن ماذا بعد ذلك؟ مما لا شك فيه ان عمق لبنان هو العمق العربي ولبنان ليس بمعزل عن جيرانه العرب. ولكن استقلاله وسيادته ثمينان. فنظامه ديموقراطي مختلف عن باقي الأشقاء العرب. إن إعلامه الحر وكل ما يجري في الحياة السياسية يُنشر على صفحات الصحف المختلفة. فرهان الحريري ان يحمي ويحافظ على هذه الحرية وعلى السيادة والاستقلال وألا تعود الى ما مضى، أي التدخل المباشر بالشاردة والواردة. واذا كانت هذه الجهود لتعيد لبنان الى الصفحة السوداء التي مضت فليعد الحريري الى حياته الخاصة ويبتعد عن السياسة كي لا يسقط لا سمح الله شهيداً آخر مثل والده وشهداء لبنان الشباب.

صحيح ان الرئيس الأسد والرئيس الحريري نقلا العلاقات الى مرحلة جديدة، ولكن علينا ان نرى اذا كان فعلاً سيتحقق ذلك. فالحريري تجاوز جرحاً شخصياً وعميقاً، خافياً ألمه البالغ في سبيل وطنه. فالأمل كبير للبلدين بان يكون ذلك لمصلحة سورية ولبنان. فالماضي الحديث الأسود أساء لكل من لبنان وأبنائه وأيضاً لسورية. ومسؤولية سورية ولبنان كبيرة في هذه المرحلة، فاللبنانيون ايضاً مسؤولون عن مصير بلدهم. فأين رأينا في العالم انتخابات تشريعية تعطي مرتين غالبية برلمانية ممنوعة من الحكم وحدها. فالأكثرية في لبنان ربحت الانتخابات في 2005 وفي 2009، ولكنها عجزت عن ممارسة حقها الديموقراطي بتشكيل حكومة من الغالبية البرلمانية مع معارضة ديموقراطية. فكان دائماً الخيار إما الائتلاف مع خاسري الانتخابات أو العرقلة والتعطيل. فالغالبية البرلمانية في لبنان موجودة في البرلمان وترأس الحكومة ولكن المعارضة بقوة السلاح فرضت تغيير اللعبة الديموقراطية. والرهان هو اذا كانت زيارة الحريري الى دمشق ستمكّنه فعلاً من إنهاض البلد الى مرحلة جديدة من الاستقرار والأمن والاستقلال!

===================================

الأمطار الغزيرة تغرق مساحات واسعة من سهل عكار...الأسوأ منذ 40 سنة... وخسائرها فاقت ال 61 مليوناً....ا1269 بيتاً بلاستيكياً أتلفتها مياه الغمر ..!!....الفلاحون يطالبون بتعويض الضرر أو تأجيل دفع القروض‏

‏الثورة‏

تحقيقات‏

الأربعاء 23 -12-2009‏

تحقيق: غانم محمد‏

تعرضت قرى الشريط الحدودي في سهل عكار بمحافظة طرطوس لأسوأ كارثة طبيعية في ال 40 سنة الأخيرة بعد أن شهدت المحافظة أمطاراً غزيرة يومي الخميس والجمعة الفائتين أدت إلى فيضان نهري العروس والكبير الجنوبي‏

وغمر مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية والبيوت والأنفاق البلاستيكية وبعض المنازل السكنية دون أن تتسبب بأي أضرار بشرية أما الخسارة المادية فكانت فادحة جداً.‏‏‏‏‏

 

‏‏‏‏‏

وعلى الفور تحركت الجهات المعنية في المحافظة وعلى رأسها السيدان أمين الفرع ومحافظ طرطوس برفقة رئيس اتحاد فلاحي طرطوس ومدير الري فيها للوقوف على ما أصاب المنطقة من ضرر على أرض الواقع فزار الوفد المناطق المنكوبة في قرى بني نعيم والجويمية وخربة الأكراد واطلع على كيفية حصول المشكلة وأسبابها وآلية معالجتها لاحقاً وتم تشكيل لجان خاصة لدراسة وحصر الأضرار.‏‏‏‏‏

 

‏‏‏‏‏

البداية‏‏‏‏‏

وكانت محافظة طرطوس قد شهدت بدءاً من مساء الأربعاء 16/12 ولغاية الجمعة 18/12 هطولات مطرية غزيرة جداً أدت إلى حدوث فيضانات مخيفة في نهري العروس والكبير الجنوبي لم تنفع معها كل الإجراءات الاحترازية من منع تدفق المياه إلى الأراضي المجاورة للنهر من قرية خربة الأكراد شرقاً إلى شاطىء البحر غرباً محولةً مئات الهكتارات في سهل عكار إلى مسطح مائي كبير ومرعب لكن الأهون في هذه المآساة هو خلوها من الأضرار البشرية أما بقية جوانب هذه الكارثة الطبيعية فكلها قاسية وتطبق الجفن على خسائر فادحة وعلى اتهامات متبادلة بين المواطنين ومديرية الري وعلى آمال كبيرة بتدخل الدولة لتعويض المتضررين وإلا سيكون هذا الشتاء هو الأقسى لهم منذ أربعة عقود!.‏‏‏‏‏

‏‏‏‏‏

أكبر من استطاعة السواتر‏‏‏‏‏

مدير الري والموارد المائية في طرطوس المهندس محمد علي الذي تواجد في المنطقة المنكوبة صباح السبت الفائت قبل أن يعود إليها مع الوفد الرسمي الذي زارها عصر اليوم ذاته قال رداً على ماطال مديريته من اتهامات بعد لقائه مع المواطنين هناك: الأسباب الحقيقية لهذه الكارثة هي الفيضان الكبيرجداً والذي كان أكبر من استطاعة السواتر التي صممت لتناسب الغزارة الاعتيادية لنهر الكبير الجنوبي وخلال عشرين سنة مضت بعد وضع هذه السواتر بالخدمة لم تستطع مياه النهر تجاوزها لكن الهطولات كانت هذه المرة غزيرة جداً وغير اعتيادية وحدثت في ساعات قليلة وكميات الأمطار فوق استطاعة مشروع حماية المنطقة من فيضان نهر الكبير الجنوبي ولذلك تخطت المياه عتبة الساتر الترابي في مناطق عديدة كما هو عليه الحال في قرية خربة الأكراد فاتجهت المياه نحو المناطق المنخفضة في قريتي الجويمية وبني نعيم ولو أن هناك ساتراً في قرية خربة الأكراد لما حدث ماحدث لأن هذه المنطقة هي سبب الغمر...‏‏‏‏‏

مدير ري طرطوس أكد أنه ومن حسن الحظ أن الساتر الترابي في قرية الجويمية لم ينفجر رغم وجود بعض الفتحات في أكثر من مكان والمؤسف أن بعض الأهالي فتحوا ثغرات في السواتر الموجودة لتصريف المياه المتجمعة خلفها إلى النهر وعندما حدث هذا الفيضان كانت هذه الفتحات نقاط ضعف تسللت منها مياه النهر إلى الأراضي الزراعية والبيوت البلاستيكية محدثة أضراراً كبيرة وتفادياً لتكرار مثل هذه المأساة رأى محمد علي أنه لابد من إنشاء ساتر في منطقة خربة الأكراد بطول 300-400 متر وإغلاق الفتحات الموجودة في السواتر على طول النهر وقد بدأنا فعلاً بإغلاق هذه الفتحات...‏‏‏‏‏

مدير ري طرطوس أشار إلى أن قسماً من مياه الغمر كان من مياه نهر العروس الذي يصب في نهر الكبير عند خربة الأكراد حيث اصطدمت مياه نهر العروس بالمنسوب العالي لمياه نهر الكبير فحولت مجراها إلى الأراضي المنخفضة وكان ماكان مؤكداً على أهمية وضع سكر عدم رجوع على المجاري التي تصب في نهر الكبير حتى لاترجع مياه النهر فيها وفي هذه الحالة ومهما بلغت كميات الأمطار فإنها قد تبقى في الأراضي لساعات قليلة دون أي أذى وعندما تنتهي الفيضانات يتم فتحها لتصريف المياه المتجمعة مؤكداً أن مديريته لاتتحمل أي مسؤولية فيما حدث وهو مااعتبره كارثة طبيعية كبيرة، أما موضوع التعويض عن الأضرار فهو ليس من اختصاص مديريته.‏‏‏‏‏

مع الأهالي‏‏‏‏‏

شادي لديه هو وأخوه 35 بيتاً بلاستيكياً ضمن أراضي قرية الجويمية أكثر المناطق تضرراً قال: كان ارتفاع المياه داخل هذه البيوت مترين، المياه غمرت كل شيء والخسارة مئة بالمئة...‏‏‏‏‏

شادي ليس وحده المتضرر وليس وحده الذي سلم أمره لله، تجمع حولنا العشرات يشرحون ويشكون....‏‏‏‏‏

في قرية خربة الأكراد كان الهجوم على مديرية الري عنيفاً وحمّل قسم من الأهالي هذه المديرية مسؤولية ماحدث متهمين إياها بفتح مفيض سد خليفة من جهة وعدم وجود ساتر ترابي قرب مصب نهر العروس في هذه القرية أو عدم قيامها بتنظيف قنوات التصريف إلى ماهنالك من الاتهامات...رئيس الجمعية الفلاحية في قرية الأكراد قال: إن المسألة قضاء وقدر، وإن بعض الأهالي يتحمل جزءاًمن المسؤولية من جهة العبث بالساتر الترابي...‏‏‏‏‏

الأضرار.. بأرقام رسمية!‏‏‏‏‏

مديرية زراعة طرطوس عملت خلال اليومين الماضيين بجد لحصر الأضرار الناتجة عن هذه الفيضانات وإليكم الأرقام كما رفعتها في كتابها رقم 35476 ش.ز تاريخ 20/12/2009 إلى وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي:‏‏‏‏‏

القمح: المساحة المتضررة نهائياً هي: 4782 دونماً مقدرة أضرارها المادية ب 161210.‏‏‏‏‏

الحمضيات: المساحة المتضررة هي 50700 دونم وأضرارها المادية مقدرة ب 2050000 ليرة.‏‏‏‏‏

البقدونس: المساحة المتضررة هي 218 دونما،ً وأضرارها المادية المقدرة هي: 360000 ليرة.‏‏‏‏‏

البطاطا: المساحة المتضررة هي 147 دونماً قيمة الضرر المقدرة هي 560000 ليرة.‏‏‏‏‏

الكوسا: المساحة المتضررة هي 78 دونماً يقدر ضررها المادي ب 500000 ليرة.‏‏‏‏‏

وعلى صعيد البيوت البلاستيكية فهناك 322 بيتاً مزروعاً بالبندورة قيمة الضرر فيها 7040000 ليرة، و1806 بيوت مزروعة فليفلة أضرارها 10130000 ليرة و100 بيت مزروعة خيار أضرارها 3000000 ليرة و43 بيتاً مزروعة فريز أضرارها 780000 وبحصيلة إجمالية فإن قيمة الأضرار التي قدرتها زراعة طرطوس بلغت 61306000 ليرة.‏‏‏‏‏

===================================

هل يكون الرئيس الأميركي أخطأ الهدف؟!

المستقبل - الاربعاء 23 كانون الأول 2009

العدد 3519 - رأي و فكر - صفحة 19

مرح بقاعي

بينما انخفض معدل التأييد الشعبي للرئيس الأميركي باراك أوباما من نسبة 62% التي حاز عليها خلال شهر تموز 2009 الماضي، إلى ما يقارب 46% في شهر تشرين الثاني الحالي، يلحظ المراقبون أن مؤشر الإقبال الحكومي والمؤسساتي على تعلّم اللغات الفارسية والباشتونية والأوردية بين الرسميين والمختصّين والعاملين في شؤون ودهاليز السياسة الخارجية قد ارتفع بشكل غير مسبوق هذا العام مقارنة بتعلّم اللغة العربية الذي تراجع الإقبال عليه إثر أفول نجم الجمهوريين في سياستهم الخارجية في الشرق الأوسط (الكبير)، وعلى رأس تلك السياسة تجثم حربهم في العراق بثقلها الدمويّ.

وإذا كان مؤشر الإقبال على تعلّم لغة بعينها من المشتغلين في منظومة السياسة الأميركية الخارجية، وفي ميدان العمليات العسكرية، وحقل الدراسات والاستشارات، إذا كان يرتبط بالتركيز الجيوبوليتيكي على بقعة جغرافية بعينها من العالم، يتضح ببساطة أن دخول الولايات المتحدة في حرب موسّعة في أفغانستان أصبح وشيكا، وأن القرار  ضمنيا  قد اتُّخِذَ في المكتب الرئاسي البيضاوي في العاصمة واشنطن.

صانعو القرار في البيت الأبيض، وفي مجلسيّ النواب والشيوخ، منقسمون بصورة غير مسبوقة على الدور الأميركي في الحرب على طالبان وجماعات القاعدة في أفغانستان! واللافت هنا أن الرئيس الأميركي أوباما بدأ يخسر تأييده من الديمقراطيين العتاة الذين كانوا وراء وصوله إلى سدة الحكم في العام 2009! فبينما يخضع قرار إرسال أربعين ألف جندي أميركي إضافي إلى أفغانستان إلى موجات عارمة من الجدل والسبر من أطراف مجلس الأمن القومي الأميركي، من دون التوصّل إلى حسم معلن حتى لحظة كتابة هذه السطور، فإن الرئيس الأميركي يحاول التقليل من شأن الانتقادات المتلازمة التي وجهت إليه من خصومه الجمهوريين وحتى من بعض الديمقراطيين المحافظين الذين يرون أن الرئيس يبدي تردّدا ينمُّ عن ضعف في الخبرة السياسة وفي القدرات القيادية على حسم قرار الحرب كقائد أعلى للقوات المسلّحة الأميركية. ويشيع انطباع في الدوائر السياسية المقرّبة من أوباما أنه "يفضل التريّث واتخاذ القرار المدروس بعناية، عن التسرّع في قرار الحرب والوقوع في خطأ قد لا تكون هناك رجعة منه"! فالرئيس على دراية كاملة أن أعتى جيوش العالم بما فيها الجيش السوفييتي العقائدي (سابقا) قد خرجت مدحورة من تلك الجبال والوديان الجهنمية في أرض عرفت باسم "مقبرة الإمبراطوريات"، وذلك على أيدي مقاتلي طالبان وحلفائهم من أفراد القاعدة، المتمرّسين في حرب المغاور والسراديب التي وقودها نار الجهاد المقدس  فرض العين على كل مسلمّ وفق رؤية طالبان والقاعدة.

هنا تكمن معضلة أوباما الحقيقية؛ فهو من عارض بضراوة الحرب في العراق وأسس برنامجه الانتخابي، ثم مشروعه الرئاسي، على محاربة الخطر الحقيقي للقاعدة وطالبان الذي بؤرته أفغانستان وليس العراق، حسب منظوره السياسي. والسؤال الذي يحاول الرئيس الأميركي الإجابة عنه هو كيف يمكن مواجهة خطر الإسلام الراديكالي المسلّح في منطقة الباشتون المحاذية لباكستان، وعاصمة العنف الراديكالي قندهار، دون الانخراط في حرب مجهولة الهوية والمسارات والنتائج، في االوقت الذي يطالب قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال بزيادة القوات الأميركية بشكل عاجل نظرا لتراجع الأوضاع الأمنية بصورة دراماتيكية؟

أوباما مازال في مستهل فترته الرئاسية، وهو يواجه  مبكّراً  انتقادات واسعة عن مدى مصداقية ثوابته السياسية، إذا كانت هناك للسياسة ثوابت! فإرسال المزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان يعرّضه إلى خسارة تأييد أبناء جلدته السياسية من الديمقراطيين؛ وعدم الانصياع لمشورة القادة العسكريين الميدانيين يفتح عليه جهنم انتقادات خصومه الجمهوريين الذي يرون فيه قائدا لا يتمتع بخصائص القيادة التي من بدهياتها اتخاذ القرارت الصعبة والحازمة في التوقيت المناسب.

الأسئلة المطروحة قد تجد لبّ الجواب في مواضع عدة، أهمها يكمن في حجم الثقة التي يوليها أوباما لقرارات القيادة العسكرية في البنتاغون، لا سيما أن وزير دفاعه الحالي، روبرت غيتس، قد عمل تحت إمرة الرئيس السابق، جورج دابليو بوش، في حربه في العراق، واتخذ معه قرارات عسكرية نقضها أوباما بالإجمال، مبنىً ومعنىً؛ وكذا ثقة الحكومة الأميركية بالشريك الأفغاني الرسمي في هذه الحرب لما تبدّى في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أفغانستان من انقسام رسمي وشعبي على شخص حامد كرزاي، وما واجهه من طعون بالتزوير في نتائج الانتخابات الأخيرة التي مددّت توليه للسلطة فترة رئاسية ثانية، هذا بالتوازي مع اتهامات موصولة بالفساد لحكومته وحواشيه. والسؤال الأكثر إلحاحا وإيلاما يتعلق بالوضع الداخلي الأميركي، فهل ستتحمل الولايات المتحدة الأميركية تكاليف هذه الحرب الباهظة ماليا وسياسيا، وهي الغارقة في ديونها، وعجزها المصرفي، وانقساماتها الحزبية؟ وهل سيقبل دافعو الضرائب الأميركيون، المرهقون أصلا بتردّي الاقتصاد وتفشّي البطالة، بالمزيد من المغامرات العسكرية لرؤسائهم، والتي ستطال ما تبقى في جيوبهم من بضع دولارات، في حرب عبثية مع مقاتلين هم أشبه بأشباح مسرح اللا معقول؟

أوباما الذي أسّس استراتيجية وصوله إلى السلطة على دحض الحرب في العراق مقابل التركيز على الهدف الطالباني في أفغانستان  الهدف الذي اعتبره بؤرة التطرف الإسلامي المسلح  قد تجاهلَ تماماً المكان الأساس لتصدير الراديكالية الإسلامية في العالم وهو دولة الملالي التي يسيّرها حكم الفقيه في إيران، غاضّاً بصره وبصيرته عنها.

أوباما يقف اليوم من التاريخ في موقع لا يحسد عليه البتة بعد أن انحسرت حمى الانبهار (Obamism) بوصول أول رجل ملوّن البشرة إلى البيت الأبيض في التاريخ الأميركي، مقابل تقدّم صورة الفوضى المنظمة عسكريا، بقيادة أنصار الراديكالية الإسلامية المسلحة في العالم، والتي لا تفرّق في حربها، التي تخوضها "باسم الله"، بين مدنيّ أو عسكريّ.. بين مدينة أو مغارة!

أوباما يقف أيضا على مفترق جادة القرار، وإلحاح الأسئلة المتشنّجة، في أجواء تقارب، في احتقانها وتخبّطها، مناخات ما قبل اعتداءات الحادي عشر من أيلول، لجهة الاستهانة بالخطر الذي تشكّله الراديكالية الدينية المسلحة  سنيّة الهوى كانت أم شيعيّته  ليس على مواطني الولايات المتحدة وأمنهم وحسب، بل على أمن العالم.. والعالمين!

===================================

بماذا توحي زيارة الحريري الابن لسورية؟

محمد شريف الجيوسي

الدستور

23-12-2009

كنت التقيت الزعيم اللبناني وئام وهاب لدقيقتين فيما كنا نغادر قاعة افتتاح المؤتمر العام للأحزاب العربية في دمشق أواسط شهر تشرين الثاني المنصرم.. سألته وكان قد صرح قبل المناسبة بنحو 24 ساعة ، أن زعيماً لبنانيا أو اثنين (اسماهما) سيزوران سورية وآخرين. سألت وهاب - الذي كنت وقتها التقيه اول مرة لكنني اعرفه جيداً ، وأعجب بمواقفه ووضوحه وبنزوعه للحزم والحسم والجرأة - سألته من هم الآخرون الذين سيزورون دمشق ايضاً ، قال بابتسامة ذكية وبلهجة لبنانية جميلة: كُلُّن.

 

ولكن ما الذي تعنيه زيارة الحريري الابن لسورية ، بعد المعلقات الهجائية التي كان يرتجلها حتى يبح صوته أو يكاد وبطريقة غير مستحبة ، ما الذي يمكن ان تعني الزيارة من الرجل الذي طالما اتهم سورية بقتل والده ، هل يمكن أن يزور ابن القتيل بيت القاتل الافتراضي؟ ، لسنا بصدد فتح الجروح ، ولكن الدرس المستفاد ، من ذلك أن التسرع في الاتهام وإصدار الأحكام لا ينبغي أن يتجدد مستقبلاً ، وألاّ تغلق الأبواب في وجه الحوار ، وأن تكون هناك آداب للخلاف والاختلاف ، فلا تصل الأمور حد الفجور والتجييش ، حتى مع افتراض حصول أخطاء ، إذ لا يمكن تغليب المصالح الفردية والفئوية على مصالح وطن ، ولا تغليب مصالح وطن مهما كانت غالية وعزيزة (وهي كذلك) على حساب أمة وأوطان ، ولا الاستعانة بالمستعمر على الأخ والشقيق والجار وابن الدم والتاريخ العريق والجغرافيا والإيمان.

 

إن مصالح لبنان وسورية أعمق واجل من أن تتهددها اعتبارات ضيقة ، كما هي مصالح كل أقطار بلاد الشام أو سورية الكبرى وبلدان الهلال العربي الخصيب بدرجة أولى ، وكل أقطار هذه الأمة بالتالي.

 

زيارة الحريري لسورية واستقبال الرئيس بشار الأسد له ولقاؤه مسؤولين سوريين آخرين ، يؤذنان بمرحلة جديدة سورياً ولبنانيا ، وعلى صعيد بلاد الشام باعتبارها إقليم واحد متداخل المصالح والمسؤوليات على غير صعيد ، أو هكذا يؤمّل. كما هي تفتح أفقاً أرحب على صعيد علاقاتْ سورية سعودية ، وهي علاقات لم تولد اللحظة ، وإنما سبقتها مقدمات تتالت منذ ما قبل مؤتمر الدوحة وتوّجت مرحلتها الأولى اتفاقية الدوحة ، ومرحلتها الثانية دعوة الملك السعودي للمصالحة في قمة الدوحة ، وحديث الرئيس الأسد لقوننة الاختلاف ووضع قواعد له ، بحيث لا تصل الأمور به ، إلى حد الاحتراب والافتراق بصيغة ما.

 

وما ينبغي إدراكه أيضاً ، أن الغرب وفي المقدمة منه واشنطن ، ليست بصدد تفهم حقيقي للمصالح والحقوق العربية ليس فقط لما تقدم من دعم مطلق لإسرائيل ، ولا أيضاً فقط لما تحتل أكثر من أرض عربية وإسلامية ، ولا بم تزرع وتغذي من نزاعات وفروقات ومشكلات إثنية ودينية ومذهبية أيضاً ، ولا بم تحرض على اوطاننا بعض دول الجوار او تتسبب بيننا وبينها من مشكلات ، وإنما أيضاً لأن أطماعها قديمة ، حيث كان الاستعمار الإسباني والبرتغالي والإنجليزي والفرنسي والإيطالي والهولندي (وربما غيرها أيضا) لأجزاء عديدة من وطننا ، وما زال بعضها فيه حنين للعودة بنا إلى عهد الاستعمار.

 

لا خلاص للأمة ولا حرية ولا إصلاحات حقيقية أو تنمية نملك مقدراتها ولا استقلال ولا كرامة مع الاستعانة بالأجنبي على الشقيق والركون إليه وتسليمه مقدراتنا أو توليته شؤوننا والثقة بأحكامه ووشاياته.

albuhira@hotmail.com

===================================

المحطة الاخيرة : سوريا ولبنان: لقاء الضرورة واضعف الايمان

راكان المجالي

الدستور

23-12-2009

اقتضت المناسبة ان تكون المظاهر والشكليات في اقصى درجاتها والى حدًّ المبالغة ، فالرئيس السوري بشار الاسد احتفى بضيفه سعد الحريري كما لم تحتفً سوريا من قبل بأي رئيس او مسؤول لبناني بما في ذلك تجاوز البروتوكول حيث عومل الحريري باهتمام فاق كل التوقعات واكثر من رئيس دولة..،،

 

وقد كان مطلوبا ان تعطى الهالة الشكلية للقاء على المضمون العملي الذي لم يتم تناوله حتى في العناوين العريضة.

 

وليس سرا ان العلاقة السورية اللبنانية تاريخيا وخصوصا في العقود الاخيرة انطوت على التباسات وشكوك ونوايا خفية ، وان كان الامر الواقع فرض على الجانبين وخاصة اللبنانيين شكلا من اشكال الباطنية لدى السياسيين حيث يظهرون اكثر مما يخفون وابرز مثل على ذلك هو السيد وليد جنبلاط.

 

في الحسابات المباشرة لزيارة الحريري الابن الاولى لدمشق فان دمشق تأمل ان تكون المودة والحرارة التي قوبل بها الحريري مقدمة لاحتواء الحريري وهذا بالتأكيد تحقق في الظاهر حيث هنالك توجهات اعلامية وخطاب سياسي للحريري ومجموعة 14 اذار بعد الزيارة هو الى حد ما ايجابي تجاه سوريا وكذلك عدلت دمشق والقوى الصديقة لما في لبنان من خطابها الاعلامي السياسي تجاه الحريري وجماعة 14 آذار.

 

والسؤال الاهم هو: ماذا تريد سوريا من الحريري وماذا يريد الحريري من سوريا ، فكما هو معروف فان سوريا معنية بأن تطوى مسألة المحكمة الدولية التي ظلت مثل «سيف رومغليس» وهو السيف المعلق بشعرة فوق رأس سوريا ، ولم تقلل سوريا يوما من خطورة هذه المحكمة عليها خاصة أنها شُكلت وعملت بحسابات سياسية ، ومن ضمن ذلك ترك ملفها مفتوحا سنوات لابتزاز سوريا ولممارسة الضغوط والتهديدات عليها.

 

اما الحريري فهو يعرف انه لا يستطيع ان يحكم كرئيس للوزراء بدون رضا سوريا وهي سلفته موقفا ايجابيا عندما ساعدت بتشكيل حكومته الاولى التي يحرص الحريري على ان يقول انها حكومة كل لبنان وهذا لا يتحقق ما دام نصف لبنان السياسي وهم جماعة 8 اذار اصدقاء سوريا.

 

المؤكد انه لولا سوريا وبدونها ما كان ممكنا ان ينعقد لقاء الدوحة الذي اسفر عن انتخاب رئيس الجمهورية ولولا سوريا وبدونها ما كان يمكن ان تولد حكومة الوحدة الوطنية.. وهكذا كان لقاء الضرورة والمصالح المتبادلة بين الاسد والحريري هو عنوان لمرحلة جديدة في العلاقات السورية اللبنانية تحقق لسوريا نفوذا سياسيا بدون سلطة امنية طاغية ومهيمنة ، وتضمن لها ان لا يستخدم لبنان ضدها او يُستغل كذريعة للنيل منها ، وذلك في حدود المبدأ الاساسي للميثاق اللبناني الذي قام لبنان على اساسه وهو ان لا يكون لبنان مقرا او ممرا لقوى خارجية للنيل من امته.. اما لبنان فانه بحاجة لأن يعزز وحدته الوطنية وأمنه واستقراره ولتطوير تجربته بحسابات قواه السياسية الداخلية وذلك اضعف الايمان بالنسبة للبنان كما انه اضعف الايمان بالنسبة لسوريا.

===================================

كامب ديفيد وأوسلو وجامعة الدول العربية

نصر شمالي

23/12/2009

القدس العربي

تبعث مواقف المسؤولين في السلطة الفلسطينية وخطاباتهم أعمق أحاسيس الخيبة والأسى والغضب في نفوس من يتابعها. لقد غدت مشكلتهم، حسب مواقفهم وخطاباتهم، جزءاً لا يتجزّأ من المشكلة الإسرائيلية التي هي مشكلة أمريكية. وبالفعل فإنّ الأمريكيين يعالجون اليوم هذه المشكلة باهتمام أكبر، وذلك بصياغة كيان فلسطيني لا تتعارض وظائفه مع وظائف الكيان الإسرائيلي الأمريكية/ الأطلسية، الإقليمية والدولية.

إنّ وظائف الكيان الفلسطيني، في حال قيامه، سوف تكون في خدمة الأمريكيين خصوصاً والأطلسيين عموماً، أي من طراز وظائف الكيان الإسرائيلي. وإذا لم نتحدّث عن إرادة المقاومة الفلسطينية، في كمونها وبروزها، وغضضنا الطرف عن قطاع غزّة المتمرّد الذي تمنّى رابين لو أنّ البحر يبتلعه، فإنّ الاستعصاء الذي نتابع فصوله، والذي يعرقل إقامة الكيان الفلسطيني، يكمن في جشع الإسرائيليين الذين يريدونه عاجزاً عن منافستهم في أيّ مجال مهما كان ثانوياً، بل يريدونه خادماً لهم وليس لسيّدهم.

لقد أصبحت قضية فلسطين قضية 'عائلية' داخلية أمريكية/إسرائيلية إنّ ربّ العائلة الأمريكي الكبير يحاول التوفيق بين مصالح أفرادها، أو أطرافها، والحيلولة دون خصامهم إن لم نقل اقتتالهم، لكنّه وهو الربّ الأبيض لا يستطيع إلاّ أن يراعي مصالح أبناء الستّ البيضاء على حساب مصالح أبناء الجارية السوداء! ويالها من مأساة وياله من حضيض انحدر إليه الفلسطينيون خصوصاً والعرب عموماً.

غير أنّ هول المأساة لا يعني فوات الأوان واستقرار الأوضاع تماماً ونهائياً لصالح الأمريكيين والإسرائيليين ومن يسير في ركابهم، فالأرض الفلسطينية الصغيرة، التي هي الفرع، يستحيل استمرار اقتطاعها من الأرض العربية الكبيرة التي هي الأصل. إنّ فلسطين غرفة من غرف البيت العربي، بل شرفة من شرفاته والشعب الفلسطيني الصغير، الذي هو عضو من أعضاء الأمة العربية، يستحيل فصله عن جسمها الكامل المتكامل وبقائه حيّاً، مثلما يستحيل بقاء الأمة صحيحة معافاة من دونه.

إنّه لمن الواضح أنّ نجاح مشروع الغزاة الصهاينة يقتضي تحويل الوطن العربي الكبير بكامله إلى كيان إسرائيلي، أو ما يشبهه، وهو ما حاوله الفرنجة (الصليبيون) في القرون الوسطى وفشلوا في تحقيقه. وإذا كان لا بدّ من الاعتراف للإنكليز بالنجاح في تحويل أمريكا الشمالية إلى كيان إنكليزي، فإنّه لمن البديهي الانتباه إلى الاختلاف الجذري بين التجربتين، حيث في أمريكا الشمالية هاجموا شعوباً لا تزال تعيش مرحلة جلجامش قبل آلاف السنين، أمّا في بلادنا فإنّهم يتعاملون مع الأمة التي انبثقت حضارتهم من حضارتها، وإن هي جاءت نقيضها أخلاقياً وسياسياً. وليس أدلّ على ذلك من فشل تجربتهم الفرنسية الاستيطانية في الجزائر. إنّ ما فشل تحقيقه في الجزائر لن يتحقّق أبداً في فلسطين.

لكنّ الاطمئنان إلى صلابة جوهر الأمة، والثقة بقدرتها على استرداد زمام المبادرة ميدانياً، لا يعني الاستخفاف بالكوارث الرهيبة والخسائر الفادحة التي تصيب الأجيال العربية الحالية، حيث الكثير من الإصابات ما كان لها أن تقع لولا انخراط تحالف الخيانة والانتهازية والجهل في خدمة المشروع الصهيوني، وإنّه لمن المؤكّد أنّ هذا التحالف لن يعفى من الحساب والعقاب، وأنّ ذلك سيبدأ بمجرّد استرداد الأمّة رسمياً وشعبياً لزمام المبادرة في ميادين الصراع. أمّا المقرّ الرئيسي للطرف الأول من أطراف تحالف الخيانة والانتهازية والجهل فهو جامعة الدول العربية.

لقد أنشئت جامعة الدول العربية، على غرار هيئة الأمم، لتنجز بعض وظائف هيئة الأمم في البلاد العربية. ولم يعد خافياً أنّ هيئة الأمم ليست سوى القناع الذي أخفى بالأمس ويحاول أن يخفي اليوم وجه الاستعمار الحديث بصورته الأمريكية، وإنّ مواقف وجهود جامعة الدول العربية، منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، تتفق تماماً مع قرارات مجلس الأمن الدولي التي لا يمكن أن ترى النور قبل أن تحظى بموافقة واشنطن. أمّا إذا اتخذت الجامعة قرارات تبدو كأنما هي معارضة لقرارات الهيئة الدولية، فذلك يكون من باب امتصاص المعارضة العربية، وذرّ الرماد في عيونها. وبالفعل، سرعان ما يتضح أنّ مثل هذه القرارات ليست أكثر من حبر على ورق، وأنّ الجهود الميدانية للجامعة تبذل لتنفيذ قرارات الهيئة الدولية.

إنّ مواقف وخطابات المسؤولين في السلطة الفلسطينية ليست جذر مأساتنا الراهنة، بل فرعاً من فروعها. حيث هذه المأساة بدأت عندما وقع ذلك التحوّل السلبي الذي في أوضاع العرب بعد زيارة السادات للقدس المحتلة، وبعد اتفاقية كامب ديفيد. وإنّه لمن نافل القول أنّ السادات ما كان ليقدم على ما أقدم عليه لولا أنّه حظي بموافقة وتأييد أركان جامعة الدول العربية. ولا يغيّر في هذه الحقيقة أنّ حكومة مصر خرجت من الجامعة وأنّ الجامعة نقلت مقرّها من القاهرة، فذلك كلّه كان مؤقتاً، ريثما يتمّ امتصاص المعارضة العربية، أو كسر حدّتها على الأقلّ، ولعلّ ذلك ساعد الحكومة المصرية على تنفيذ سياساتها الجديدة بسهولة أكبر، وقد رأينا كيف عادت حكومة مصر إلى الجامعة، وعاد مقرّ الجامعة إلى القاهرة، من دون أن يطرأ ولو مجرّد تعديل على اتفاقيات الصداقة والتحالف والتعاون التي أبرمتها الحكومة المصرية مع الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، ثمّ اكتشفنا أنّ حكومات كثيرة أخرى تفعل سرّاً ما فعلته الحكومة المصرية علناً، وأخيراً فإنّ لنا في ما كشفته الحرب ضدّ لبنان وغزة الدلائل القاطعة على ذلك.

لقد كانت اتفاقية كامب ديفيد بداية التسليم الرسمي العربي بتكامل الوظائف الإسرائيلية والوظائف الرسمية العربية تحت إشراف ورعاية الأميركي المعترف له بالسيادة في المنطقة العربية. ولم يكن اتفاق أوسلو، الذي لا يجوز فصله عن مقدّماته الفظيعة، سوى تكرار لاتفاقيات كامب ديفيد. وإنّ مقدار نجاح اتفاق أوسلو يعكس بالضبط مقدار نجاح جامعة الدول العربية في إنجاز وظيفتها الدولية في فلسطين. أمّا مقدار ثبات المقاومة الفلسطينية فيشير إلى مقدار تمسّك القوى الرسمية المحدودة (العربية والإسلامية) بنصرة هذه المقاومة، خلافاً لإرادة الجامعة، ويشير من جهة أخرى إلى الحجم الهائل الكامن للقوى الشعبية (العربية والإسلامية) التي تنصر المقاومة، والتي سوف ترفدها ميدانياً في اللحظة التاريخية المناسبة القادمة.

كاتب سوري

==================================

استراتيجية أوباما الجديدة والشبه الفيتنامي

المستقبل - الاربعاء 23 كانون الأول 2009

العدد 3519 - رأي و فكر - صفحة 19

توفيق المديني

لا يزال معظم المحللين الأميركيين يقارن بين ما يسميه "التورط الأميركي" في أفغانستان وتجربة الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة في فيتنام. فهناك أوجه تشابه بين الحربين. فقبل تدخل الولايات المتحدة الأميركية في الحرب في البلدين كليهما، هزمت كل من فيتنام قوة أوروبية استعمارية هي فرنسا في حرب عصابات طالت عقداً من الزمن تبعها حرب شمالية جنوبية دامت عقدا آخر من الزمن، كما أن أفغانستان هزمت قوة امبراطورية أوروبية عظمى هي بريطانيا، حيث خاضت هذه الأخيرة حروباً ضد الأفغان في عام 1842، ثم من عام 1878 إلى عام 1880، ثم في عام 1919، ومنيت بخسائر مهمة إلى أن تركت البلاد.

وتحولت أفغانستان بذلك إلى "مقبرة الإمبراطوريات" الدائمة، ولا سيما بعدهزيمة الاتحاد السوفياتي فيها خلال الحرب التي خاضها من عام 1979 ولغاية انسحابه في عام 1989.فقد ابتلعت أرض أفغانستان أكثر من محتل في الماضي من الإسكندر المقدوني وصولاً إلى السوفيات.

بعد ثماني سنوات من الحرب في أفغانستان، ماهي حصيلة تلك الحرب التي خاضها الرئيس الأميركي السابق ضد الإرهاب؟

لقد مات أكثر من 800 جندي أميركي، وصرف أكثر من 200 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب، وشهدت سنة 2009 سقوط أكبر عدد من القتلى منذ نهاية 2001، بين المدنيين وفي صفوف جنود القوة الدولية التي سيبلغ عددها قريبا 150 ألف رجل، بينهم 70% من الأميركيين. فحتى 19 كانون الأول الجاري قتل 494 عسكريا أجنبيا أي بزيادة 66% مقارنة بسنة 2008. وأكد الجنرال الأميركي ستانلي مكريستال قائد القوات الأطلسية والأميركية في أفغانستان أن التعزيزات ستسمح "بإحداث تحول في الوضع" في وجه حركة"طالبان" التي كثفت خلال السنة الجارية الهجمات حتى في قلب كابول وتوعدت بإرسال "مزيد من الجثامين" إلى أوباما.

وبعد ثلاثة أشهر من التفكير العميق والدراسة التفصيلية للخيارات التي عرضت عليه، توصل الرئيس الأميركي إلى بلورة الإستراتيجية التي يفترض أنها تتضمن مخرجاً للحرب في أفغانستان. وقد أثلج قرار أوباما هذا صدور معارضيه من الجمهوريين الذين سخروا من "تردده"، بل حتى بعض "المحافظين الجدد" الذين رأوا في إكماله للمجهود الحربي في أفغانستان، تحقيقاً لنبوءاتهم وتبريراً لسياسات الإدارة السابقة، فيما أعرب الليبراليون الذين يشكلون قاعدته الحزبية والانتخابية، عن خشيتهم من تورط أميركا في حرب فيتنام جديدة.

في بداية كانون الأول الجاري أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن إرسال تعزيزات بما يقارب 30 ألف جندي أميركي إلى أفغانستان بحلول آب 2010، في عملية انتشار سريعة تتدرج على 6 أشهر، غير أن وجودهم سيكون محدوداً في الزمن. ويأتي تدرج الانتشار على فترة قصيرة، في إطار إستراتيجية جديدة تبلغ تكاليفها المباشرة ما بين 25 و30 مليار دولار، وتقضي بتسريع المجهود الحربي للتصدي بشكل سريع للتصعيد الحالي في تحركات متمردي طالبان.

كما أنه ينوي إنهاء حرب أفغانستان وسحب معظم القوات في نحو 3 سنوات، وأن تسليم المهام للقوات الأفغانية، وبمعنى آخر سحب قوات أميركية وأطلسية، سيبدأ قبل "وقت طويل" من انتهاء ولايته الرئاسية الحالية في كانون الثاني 2013، وتحديدا في تموز العام 2011، كما ذكر مسؤولون في إدارته.

تستهدف الإستراتيجية الأميركية القضاء على الوجود العسكري لحركة "طالبان"، التي باتت تسيطر على 70% من الأراضي الأفغانية خلال الشهور الأخيرة، وعلى قسم أساسي من 4 مليارات دولار، هي الأموال السنوية المتأتية من تجارة المخدرات في إقليم هلمند. فهل تمتلك أميركا والدول الغربية الأخرى، مقاربة جديدة لبناء دولة حديثة في أفغانستان، تمتلك جهازا أمنيا وجيشا عصريين، قادرين على محاربة الإرهاب، حيث يتطلب تطوير الجيش الأفغاني أموالا باهظة؟

الولايات المتحدة تسلك السياسة عينها التي سلكتها في الماضي في فيتنام عندما دعمت حكومة ثيو في سايغون التي كان الشعب يكرهها بسبب فسادها، حيث كانت تختلس كل المساعدات المالية والأغذية المخصصة للسكان، كما أن جيشها كان يبيع التجهيزات العسكرية المقدمة من الولايات المتحدةإلى حكومة هانوي.

أما في أفغانستان، فوجه الشبه كبير جدا، إذ تستمر الولايات المتحدة في دعم نظام حامد كرزاي الذي لا يحظى بشعبية محلية، وعاجز عن محاربة الفساد الذي ينخر أجهزة الدولة الأفغانية، علما أن إجمالي المساعدات التي حصلت عليها حكومته طيلة السنوات الماضية بلغ نحو 15 مليار دولار، إضافة إلى اعتماده على أمراء الحرب المشهورين الذين يسيطرون على الحكومة، ويشكلون دعائم التخلف والاستغلال في أفغانستان؟!

استراتيجية أوباما العسكرية الحالية التي دعمت السبت الماضي بإقرار مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون للنفقات العسكرية قيمته 636 مليار دولار لن تحقق النصر في أفغانستان، بل هي متشابهة لما كانت عليه ستراتيجية ليندن جونسون في فيتنام.فكسب الحرب لا يأتي إلا من خلال تسوية سياسية تفتح باب المصالحة في أفغانستان، وبناء دولة ديمقراطية مدنية في باكستان بعيدة عن سيطرة العسكر والأجهزة.

===================================

الشراكة مع الولايات المتحدة تعزز سيادة باكستان

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

23-12-2009

كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان دائما معرضة للاضطراب، كما أنهما كانتا دائما بحاجة لفكرة توحد صفوفهما وتجمع بينهما في تلك المعركة بأفغانستان. حسنا، هذا هو أحد المفاهيم الاستراتيجية، الذي كنت أعمل عليه مع المسؤولين في كلتا الدولتين؛ والذي يفيد بأنه من خلال الشراكة مع الولايات المتحدة تستطيع باكستان لأول مرة في تاريخها استعادة سيادتها على المناطق القبلية؛ مما يمكنها في النهاية من استكمال مهمة بناء دولتها. وهو ما يعد مثالا تقليديا على ما يطلق عليه الخبراء الاستراتيجيون لعبة «حاصل الجمع الإيجابي»؛ أي إنه بالتعاون معا، تحصل كل منهما على مميزات لا تستطيع أي منهما تحقيقها بمفردها. ولكن بدلا من التعاون، كانتا تتبادلان رسائل غاضبة خلال الشهر الماضي؛ مثلما حدث عندما طلبت الولايات المتحدة من باكستان مساعدتها على إغلاق الملاذ الذي تلوذ به طالبان وكان رد باكستان: «لا تخبرونا بما يجب علينا فعله». ولكن الحقيقة الصريحة والصعبة هي أن نجاح الولايات المتحدة في أفغانستان يعتمد إلى حد كبير على سيادة باكستان على ذلك الحزام القبلي. فإذا استمر المتمردون في الحصول على ملجأ في منطقة شمال وزيرستان وغيرها من المناطق القبلية، فلن تحقق زيادة الرئيس أوباما لعدد الجنود في أفغانستان النتائج المرجوة منها. فالأمر بهذه البساطة. فإدارة أوباما تريد أن تتخذ باكستان قرارا حاسما؛ وهذا هو السبب الذي دفع مستشار الأمن القومي، جيم جونز، لزيارة المكان هنا خلال الشهر الماضي. وهذا هو ما دفع الجنرال ديفيد بترايوس القائد الأعلى للقيادة المركزية الأميركية، والأدميرال مايك مولان رئيس هيئة الأركان المشتركة لزيارتها خلال الأسبوع الحالي. ولكنهم وجدوا في مواجهتهم حالة التشكك الباكستاني. فيقول أحد المسؤولين بالسفارة الأميركية في إسلام آباد: «يتعلق الأمر بانعدام الثقة والخيانة». فيجب أن يطرق الأميركيون بابا مفتوحا».

وثاني الحقائق القاسية أن باكستان لن تستعيد ثقتها في ذاتها وتتحول إلى دولة حديثة بالكامل ما لم تفرض نفوذها على تلك المناطق القبلية؛ لأنهم يخشون، نظرا لافتقارهم لتلك السيطرة على نحو دائم، من انفصام عرى الوحدة القومية.

والعجيب أن الحرب الأميركية في أفغانستان هي التي تمثل اللحظة الذهبية لباكستان كي تحقق ما كانت تفتقر إليه منذ الاستقلال في 1947، وهو السيطرة السياسية والعسكرية على حزام البشتون القبلي. فحتى الاحتلال البريطاني تجنب ذلك التحدي، مفضلا وجود نظام مرن من الحكم القبلي في تلك المناطق، مما جعل المناطق الحدودية مرتعا للصوص. ولم يعد ذلك الوضع مقبولا في وقت التهديدات بالإرهاب النووي.

وبوجود جيش قوي في أفغانستان، توفر الولايات المتحدة لباكستان فرصة نادرة؛ فإذا ما تعاونت القوتان العسكريتان عبر الحدود على مدار الساعة، ستصبح الحرب التي تبدو مستحيلة تحت السيطرة. وربما تصبح الحرب ضد متمردي البشتون هي الفصل الأخير لتحويل باكستان وأفغانستان إلى دولتين معاصرتين. وعلى سبيل المقارنة، تذكر كيف ساعدت الحرب المكسيكية الأميركية الولايات المتحدة على أن تصبح أمة كبرى، أو كيف ساعدت الحروب الأوروبية في القرن التاسع عشر على توحيد ألمانيا وإيطاليا. كما أن البديل في الحقيقة - دولة «باشتونستان» التي تجمع بين دولتين - سيكون الوصفة المثالية لاستمرار النزاعات. ولتلك الرؤية التي تتعلق بباكستان ذات السيادة على كافة الأراضي التابعة لها نتيجتان مهمتان: الأولى، إنشاء سوق مشتركة بين باكستان وأفغانستان يمكنها دفع التنمية الاقتصادية في كلتا الدولتين، والثانية، تقليل حدة التوتر بين الهند وباكستان التي لن يكون لديها مخاوف بشأن النزاعات والقلاقل. لقد كان واضحا خلال الشهور القليلة الماضية أن الجماهير الأميركية والباكستانية لديها تخوفات حول الحرب، وأنها تبحث عن رؤية جديدة لتبرير تلك التضحيات. وما نحتاجه الآن هو عملية مثل الحوارات الاستراتيجية في 1944، عندما كان الحلفاء في الحرب العالمية الثانية يصعدون حملتهم ضد ألمانيا النازية واليابان الإمبريالية؛ حينما بدأ رجال الدولة الأميركيون والأوروبيون التخطيط لتبعات السلام. وهو ما أسفر عن إنشاء شبكة من المؤسسات التي يمكنها توفير الأمن في عالم ما بعد الحرب والتي منها؛ الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. تلك هي الرؤية وذلك هو النضج الذي تحتاج كل من الولايات المتحدة وباكستان إليهما الآن.

ربما تبدو حروب أفغانستان - باكستان مغامرة متهورة ولكن إذا ما تم وضعها في الإطار الاستراتيجي الملائم، فسوف تمثل جهدا مشتركا لخلق بنية مستقرة لآسيا الوسطى والجنوبية في القرن الحادي والعشرين. والنتيجة ستكون عظيمة خاصة بالنسبة لباكستان. ولكي نفهم لماذا يبدو ذلك الصراع منطقيا، على الناس أن يروا الفكرة العظيمة التي يقبع خلفها استقرار المنطقة القبلية غير الخاضعة للقانون والتي كانت تثير المشكلات طوال ال150 عاما الماضية.

==================

حدث العام 2009 العربي:

الهجوم الحوثي - الإيراني على الخارطة السعودية

جهاد الزين     

jihad.elzein@annahar.com.lb

النهار

22-12-2009

تروي مصادر ديبلوماسية عربية انه قبل بضع سنوات، في بدايات التمرّد الحوثي في شمال اليمن، فوجئ مسؤول سعودي كبير كان يلتقي السفير الاميركي في الرياض ليطلب اليه دعم الحكومة اليمنية ضد هذا التمرّد، بأن المسؤول الاميركي ركّز خلال اللقاء على ضرورة دعم السعوديين لحكومة الرئيس علي عبدالله صالح في مواجهة "القاعدة"... باعتبار تنظيم "القاعدة" هو الخطر الاساسي على الاستقرار في اليمن وليس الحوثيين.

لم يكن المسؤولون السعوديون بحاجة الى من يحرّضهم ضد "القاعدة" طبعاً، ولكن خبرتهم الطويلة جداً في اليمن وحروبه الاهلية وغير الاهلية جعلتهم منذ البداية حذرين جداً حيال الحركة الحوثية... وتأثيراتها التي يمكن ان تتحول الى مدخل... لمفاجآت خطرة في تلك المنطقة من جنوب غرب شبه الجزيرة العربية.

مياه ودماء كثيرة جرت في وبين جبال اليمن منذ بداية ذلك التمرد، ولا سيما في تلك المنطقة من اقصى شمال الشمال اليمني حيث لا يتوفر السلاح بكثافة تقليدياً في ايدي القبائل فحسب، كما هو الامر في ايدي "الطوائف" في لبنان، ولكن أيضاً في ما يتخطى حتى الحالة اللبنانية حيث هناك اسواق معلنة ومعروفة وثابتة في تلك المنطقة يقصدها الناس لشراء كل انواع السلاح الممكن حملها يدوياً بما فيها بعض انواع المدفعية... كما يقصد "المستهلك" اسواق الذهب او الابل او الخضار، وهذا غير موجود علناً في لبنان رغم سهولة اقتناء السلاح الفردي، ووفرته.

لكن مظاهر التشرذم الفئوي في اليمن امر قديم، خصوصاً على المستوى القبلي، وهي دولة في الشمال، متعايشة تقليدياً مع هذا الوضع قبل الوحدة مع الجنوب وبعدها، أخذت تستأثر بالاهتمام الدولي مع انكشاف اليمن منذ اواخر تسعينات القرن الماضي كأحد معاقل التطرف الاصولي السني الذي يحتضن "القاعدة"، الى جانب دول مثل أفغانستان وباكستان والصومال، والعراق...

الحدث غير المألوف كان الظاهرة الحوثية ككتلة منشقة على الدولة من داخل الطائفة الزيدية الشيعية التي كانت تشكل الاكثرية في اليمن الشمالي ولم تعد كذلك بعد التوحيد مع الجنوب الذي جعل – على الارجح - الطائفة الشافعية هي الاكثرية الآن في الجمهورية اليمنية الممتدة حالياً من البحر الاحمر غرباً الى حدود سلطنة عُمان شرقاً.

لكن التحوّل النوعي الذي يمكن ان يكون حدث العام 2009 على الصعيد العربي هو انتقال الكتلة الحوثية الى التحرك خارج حدود اليمن عبر الهجوم داخل الحدود السعودية... وعبر ذلك ستبدأ حقبة لا سابق لها منذ الحرب الملكية – الجمهورية بين اليمنيين في الستينات والتي كانت حرباً بالوكالة واحياناً مباشرة بين المملكة العربية السعودية والجيش المصري الناصري، ولربما لا سابق لها حتى منذ اعلان تأسيس المملكة العربية السعودية تحت هذا الاسم عام 1932.

باختصار: منذ تشرين الثاني المنصرم هذا العام، تحوّلت "الحوثية" الى اداة اقليمية، اداة في الصراع الاقليمي المندلع – سياسياً - بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية، لا سيما بعد العام 2003 الذي شهد التغيير الكبير في العراق على يد الاميركيين.

لكن الساعات الاولى لصدمة الاختراق الحوثي المفاجئ للأراضي السعودية (بعد ايام من تفجير بلوشستان داخل ايران؟) شهد "صدمة" أخرى للمسؤولين السعوديين بقيت أصداؤها تتردد بضعة ايام في ردهات قصور الرياض ومراكز اجهزتها المعنية بأحداث اليمن... هي صدمة التصريح الأول الذي أصدرته الحكومة الاميركية حول العملية الحوثية اذ دعت واشنطن اطراف الصراع الى تلافي إحداث خسائر في المدنيين الموجودين في مناطق القتال! لقد كان المسؤولون السعوديون ينتظرون في تلك اللحظات دعماً اكثر وضوحاً للمملكة!

صحيح ان الالتباس الذي أحدثه هذا التصريح عاد وتبدد في الايام بل الاسابيع اللاحقة اثر التنسيق الفعّال السياسي وحتى الأمني الذي قام بين المملكة والولايات المتحدة لا سيما عبر الزيارات السياسية والامنية المعلنة وغير المعلنة التي قام بها الى واشنطن امراء اساسيون في الدولة السعودية... وصحيح ان الرد السعودي على الاعتداء الذي تعرضت له اراضي المملكة كان قوياً وعنيفاً ونجح عملياً في رد المقاتلين المهاجمين والمتسللين... ولو بكلفة عالية استوجبت نقل آلاف المدنيين من تلك المنطقة الى اماكن اخرى. ويكفي لنعرف حجم الانتقال ان يكون الملك عبدالله بن عبد العزيز قد اعلن خلال زيارته لتلك المنطقة عن مشروع بناء عشرة آلاف وحدة سكنية!

صحيح كل ذلك... لكن بعد مرور اسابيع عديدة على الحادث وعلى الرغم من ان المعارك معظمها عادت الآن إلى داخل المناطق المحيطة بـ"صعدة" اليمنية. الا ان الهواجس التي ولّدها هذا التطور الجيوبوليتيكي الحوثي – الايراني اثار اسئلة ان لم يكن مخاوف، لدى العديد من دول مجلس التعاون الخليجي حول طبيعة المرحلة المقبلة ومدى قابليات – بل قدرات – ايران على استخدام عدد من البيئات الشيعية العربية في الصراع مع السعودية التي لا تقل بل تزيد عن ايران في قدرتها على التوظيف السياسي لعدد من البيئات السنية في العالمين العربي والمسلم.

حتى بعد التفاهم السوري – السعودي الذي اثمر تحييداً سلمياً للوضع اللبناني اسميناه ولادة – وليس عودة – "العازل السوري" الايجابي في لبنان، وآخر فصوله الكبيرة الترتيب السعودي لزيارة سعد الحريري الى دمشق... حتى بعد ذلك ما معنى انتقال الصراع الاقليمي الى محاولة "اللعب" للمرة الاولى منذ عقود طويلة بـ"خارطة" المملكة العربية السعودية؟ هذا اللعب من حيث المدى الذي وصله الصراع السعودي – الايراني، وعلى الرغم من ضرب التمدد الحوثي، هو الذي يجعل هذا الحدث – اختراق الحدود السعودية – الحدث العربي الاول (النوعي) عام 2009.

انه حدث يضع اليمن في واجهة الصراع الاقليمي، ولربما يعجّل في تحضير متغيرات سيشهدها العام 2010، فاليمن اليوم يتخطى تصنيف "دولة فاشلة"... لان الدولة العسكرية – القبلية فيه على درجة من الفعالية التقليدية في المركز – العاصمة وبعض المدن الاساسية... ولكن اليمن كبلد مثل الصومال هو المهدد بالتفتت.

هذه الصورة تجعل اسئلة العام 2010 على الصعيد العربي هي التالية:

1 – هل يتواصل احتدام الصراع الايراني – السعودي بعدما بلغ حد اللعب بحدود دول الصراع كما في حالة الهجوم الحوثي منذ تشرين الثاني الماضي؟

2 – ما الذي يهم القوى الدولية العظمى في اليمن: تنظيم "القاعدة" ام "التمرد الحوثي" ام الحراك الانفصالي الجنوبي، لا سيما اذا بدأ الامر يقحم المملكة السعودية نفسها؟.. واي صلة للاستراتيجية الاميركية بمصير السجال حول المشروع النووي الايراني – وغياب امكان التسوية الآن... بالموقف من الصراع الاقليمي المحتدم؟

3 – اي تغيير فعلي في الاستراتيجية السعودية سيبدأ مستقبلاً في اليمن؟ فالسعودية تعوّدت نمطاً "تعددياً" في ادارة الشأن اليمني وان كانت استقرت في العقد ونصف العقد المنصرم على علاقة ثابتة مع نظام الرئيس علي عبدالله صالح؟ السؤال الآن هل تتبدل السياسة السعودية نحو السعي الى صيغة "جديدة" للوضع في اليمن بعدما اصبح "التعدد" ينذر بتفتت خطير للتركيبة اليمنية يمكن ان يهدد المحيط السعودي، كما اظهر "التمدد الحوثي" والرعاية السياسية الايرانية له... هذه الرعاية التي تنتقل من نجاح الى نجاح في اقصى استخدام للبيئات الشيعية العربية من العراق الى لبنان الى اليمن... بشكل حيوي والى دول اخرى بشكل اقل صخباً كالبحرين؟ هل ستقاتل ايران حتى آخر شيعي عربي؟ فيما السعودية التي لا تزال تتصرف على انها "خسرت" العراق، "تحمي" نجاحها "الحريري" في لبنان كما تحافظ على توازن فعّال في اليمن.

هل "تعب" النظام اليمني أو "شاخ"... بعد عمر طويل ونجاحات مديدة؟ واية صيغة ليمن موحد لا متصارع بدأت تلائم السعوديين؟

فالآن وقد عاد الامير سلطان، ولي العهد، الى بلاده، وهو المسؤول تقليدياً في العقود الاخيرة عن الملف اليمني، لا بد ان اجوبة ما بعد الهجوم الحوثي هي غيرها قبله؟

==========================

من الافضل ارض اسرائيل الكاملة

الرأي الاردنية

22-12-2009

عكيفا الدار

من الصعب اليوم ايجاد سيارة مستعملة في وضع جيد تحمل ملصقا يقول خير السلام من ارض اسرائيل الكاملة. اليوم الجميع في صالح دولتين للشعبين. في هوامش اليمين لا يزال هناك عدد صغير ممن يتمسكون بايمانهم بان لا فرق بين يتسهار وهرتسليا. والنقاشات العاصفة عن ملك الاباء والاجداد اخلت مكانها الى اجماع سميك يدور حول تقسيم البلاد. بدلا من الحديث عن الخاصرتين الضيقتين للدولة. يقيمون جدار بمحاذاة مسار الخط الاخضر. وحتى شعار لا شريك القديم استبدل دعوة متكررة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للفلسطينيين بالوصول الى طاولة المفاوضات. اذا كان كل شيء جيد بهذا القدر فلماذا هو سيء بهذا القدر؟.

للوهلة الاولى، ينبغي للعام 2009 ان يسجل في التاريخ كاحدى السنوات الاكثر نجاحا لليسار الصهيوني؛ فمن كان يصدق ان حكومة برئاسة نتنياهو ستتبنى موقفه في صالح اقامة دولة فلسطينية وتجمد البناء في المستوطنات.

ما يمنع استئناف المفاوضات على التسوية الدائمة ليس وزير الخارجية افيغدور ليبرمان من مستوطنة نوكديم بل محمود عباس من منظمة م.ت.ف. الا تصدقون ان بيبي غير مذنب في ان المسيرة السلمية عالقة؟ اسألوا الوزير يتسحاق هرتسوغ. صحيح ان رئيس الوزراء داس عليه وعلى رفاقه من العمل كل الطريق الى ضم المستوطنات المنعزلة الى خريطة مناطق الاولوية. ولكن كل طفل يعرف بان بوغي ما كان ليجلس لحظة واحدة في حكومة غير مستعدة لان تدفع السلام الى الامام.

عندما ايد اليسار الصهيوني الانسحاب من قطاع غزة اعتقد بأنه بذلك يساعد الليكودي اريئيل شارون في ان يدق المسمار الاخير في نعش وحدة البلاد. وبدلا من ذلك، فان اخلاء 8000 مستوطن من غوش قطيف والمحيط اصبح رافعة مركزية لليمين. فأي دليل قاطع اكثر يوجد على ان المشكلة ليست تمسك اسرائيل بالمناطق؟ الدليل، صواريخ القسام على سديروت هي دليل قاطع على لسان الناطقين باسم الليكود والكثيرين من محللين، في انه حين تخلي اسرائيل المناطق، حماس تدخل اليها. ولا تنسوا ان تضيفوا لاسفنا.

اذا لم تكن تكفي الخطوة احادية الجانب من شارون لاعادة بقايا اليسار القديم الى ارض الواقع، يجند الليكود الى المعركة فار اخر. في خطاب القاه الاسبوع الماضي في المؤتمر السنوي لمعهد بحوث الامن القومي عرض الوزير دان مريدور التنازلات الكبيرة التي وضعها ايهود اولمرت في تشرين الثاني من العام الماضي امام عباس. وعرف مريدور كيف يقتبس من صحيفة استرالية كم في المائة من الضفة الغربية كانت تندرج في خريطة فلسطين لرئيس الوزراء تحت طائلة التحذير. عضو السباعية روى عن الحل السخي الذي عرضه صديقه السابق بالنسبة للقدس ولم ينس ان يذكر استعداده بأن يستوعب بضعة آلاف من اللاجئين. كل هذه الوفرة لم تشبع شهية عباس - كما انهى المعتدل بين وزراء الليكود حديثه بنبرة انتصار - انتصار اخر لليسار الجديد.

مريدور محق. اولمرت سار مسافة بعيدة نحو الفلسطينيين، ولكن من مثل مريدور، السياسي الذي يعرف عن كثب مواقف م.ت.ف (فقد كان عضوا في وفد اسرائيل الى قمة كامب ديفيد 2000)، يعرف بأن هذه المسافة لا تكفي؛ المنظمة قدمت تنازلها قبل 21 سنة، حين وافقت في اعلان الاستقلال في الجزائر، على قرار مجلس الامن 242. دون ان تتلقى من اسرائيل أي مقابل، اعلن المجلس الوطني الفلسطيني عن دولة في المناطق التي احتلت في حرب الايام الستة - 22 في المائة من فلسطين الانتدابية - نصف الارض التي خصصها مشروع التقسيم للفلسطينيين.

في نظر العالم بأسره، ناهيك عن العالم العربي، هذا غير قابل للمساومة، ولا حتى حقيقة انه يستدعي تواصلا اقليميا. الى ان نصل الى اتفاق مع الفلسطينيين على اساس خطوط 67، فان تعابير مثل الكتل الاستيطانية و الاحياء اليهودية في شرقي القدس ليست سوى جزء من جملة المفاوضات الخالدة التي نديرها نحن مع انفسنا. طالما لم يفهم مريدور ورفاقه في اليسار الجديد ذلك، من الافضل ان يبقوا في اليمين القديم وليتحدثوا عن ارض الاباء والاجداد. فلعل هذا يعيد الى السيارات ملصقات خير سلام من ارض اسرائيل الكاملة.

هآرتس

==========================

الغول الرأسمالي في «كوبنهاغن»

السفير

22-12-2009

راكان المجالي

 

هل حقاً كانت قمة كوبنهاغن المناخية بمثابة «ترويض للجمل الرأسمالي، لإرغامه على عبور ثقب الإبرة الأخلاقية للبيئة»، كما وصفها «مارتن ووف» في مقاله «نهاية البداية» في صحيفة «الفايننشال تايمز»؟ ربما!

غير أنه لم يحدث من قبل، أن تهافت الممثلون السياسيون للمصالح الرأسمالية، و«الكارتلات» الصناعية، في العقود الأخيرة، بالحد الذي وصلوا إليه في قمة كوبنهاغن. فمن العجيب واللافت، أن يحشد السيناتور الأميركي «جيم انهوفي» مجموعة من العلماء، اشترتهم الشركات الصناعية الكبرى»، ويقودهم إلى كوبنهاغن، في حملة إعلامية غير مسبوقة لإقناع المجتمعين هناك بأن «حرارة الأرض لا ترتفع»، وأن «العواصف والأعاصير لم تصبح أكثر انتشاراً».

واللافت في حملة السيناتور «انهوفي»، الذي جاء إلى قمة المناخ ممثلا لمصالح الشركات الصناعية، الرافضة لفرض أية قيود أو شروط بيئية على الصناعات، أنها جاءت لا للتأثير على آراء المشاركين في القمة، بل لنسف أساس وأسباب انعقادها، عبر قلب حقائق علمية عالمية، تضافرت لإنجاح الاهتمام العالمي بها منذ أكثر من عقدين، جهود أفراد ومؤسسات وجمعيات وأحزاب ودول.

وفي هذا السياق، تتقدم جهود المؤرخ الفرنسي «ايمانويل لوروا لادوري» لا لتثبت تهافت وزيف حملة السيناتور «انهوفي» وعلمائه الجاهزين لخدمة مصالح الشركات الصناعية، حتى ولو بليّ عنق الحقائق العلمية.

فـ«لادوري» يعتبر أحد أهم المؤرخين الفرنسيين المعاصرين، وواحداً من أعمدة «مدرسة الحوليات» في كتابة التاريخ، وهو أستاذ فخري في «الكوليج دو فرانس»، فضلاً عن أنه كان مديراً عاماً للمكتبة الوطنية الفرنسية، وهو عضو في «أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية». كما انه مهتم بالمناخ منذ سنوات الستينيات. اذ صدر له كتاب في العام 1967 بعنوان «تاريخ المناخ منذ عام 1000م»، وله أيضاً كتاب ضخم بعنوان رئيسي هو «تاريخ إنساني ومقارن للمناخ»، ويضم ثلاثة مجلدات، صدر آخرها مطلع هذا العام، وهي على التوالي: «موجات الحر القائظ والبرودة القارسة، من القرن الثالث عشر حتى القرن الثامن عشر»، «حالات بؤس وثورات 1710 ـ 1860م»، و«سخونة الأرض منذ عام 1860 وحتى اليوم».

ويشير لادوري إلى أن المناخ في أوروبا عرف موجات من «الفتور الحراري»، ما بين القرن الثالث عشر وعام 1860، أو ما عرف بـ«فترة الصقيع الصغير». وأنه بعد ذلك التاريخ عادت موجة جديدة من الارتفاع الضئيل في درجة الحرارة، لتدمر بالتدريج موجة الصقيع السابقة، ومن ثم بدأ الارتفاع الضئيل للحرارة الفاترة بالتحول، منذ العام 1911م، إلى موجة من «السخونة».

وتعتمد أبحاث «لادوري» ودراساته المناخية على مجموعة من الأدوات، هي: المعلومات الخاصة بزيادة الحرارة ومعدلات هطول الأمطار، وجميع المعلومات المتعلقة بالحصاد والقطاف وتربية المواشي والسياحة، باعتبار أنها مؤشرات على التبدلات المناخية المستمرة. حيث يعتبر ان العام 1860 يمثل خاتمة فترة استمرت منذ العصور الوسطى وحتى ذلك التاريخ، كان للمناخ فيها أهمية استثنائية، إذ كان يمكنه ان يؤدي الى اندلاع ثورات في فترات القحط الكبير، غير أن الأمور تغيرت بعد العام 1860، فقد واصل «المناخ ممارسة التأثير على التاريخ، ولكن بوسيلة أكثر تحفظاً بكثير». وذلك لأن الإنسان أدرك انه يمتلك بعض السبل للتخفيف من آثار المناخ، ولهذا فإن موجات الحر القائظ أو البرودة الجليدية لم تؤد إلى دفع المجتمعات نحو حالات من الفوضى في العصر الحديث. أما اعتبار العام 1911 نقطة تحول لمرحلة جديدة من التغير المناخي، فيرى لادوري، أن تلك السنة كانت بداية سخونة في أوروبا خاصة، وعلى مستوى الكون عامة، ولا تزال آثارها مستمرة إلى اليوم. فذلك العام شهد إحدى أكبر موجات الحر الشديد القاتلة، فتوفي في صيفها في أوروبا نحو أربعين ألف شخص، نصفهم من الأطفال، وكذلك هلك عشرات الآلاف من الخنازير، ونحو ثلاثة أرباع المليون من الخراف والنعاج. ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار اللحوم ومشتقات الحليب، بشكل ترتب عليه اضطرابات اجتماعية كبيرة. أما التبدل المناخي ابتداء من العام 1860 فقد أدى إلى تبدل في أدوات البحث المعتمدة لمعرفة تأثير المناخ. فقبل ذلك التاريخ، كان القمح هو المؤشر على المناخ، وبعده اعتمد لادوري على النبيذ كأداة للبحث، وذلك استناداً الى فترات قطاف العنب ونوعية المحصول.

والحقيقة، التي تؤكدها كتب لادوري وأبحاثه، من حيث تأسيسها لـ«تاريخ المناخ»، أن «السخونة الزائدة» للأرض والمناخ بدأت تطرح في الوقت الراهن مشكلات غاية في الصعوبة على الإنسانية جمعاء، وليس على صعيد القارة الأوروبية وحدها، أو جزء محدد من الأرض بعينه.

فشلت قمة المناخ في كوبنهاغن في الوصول إلى اتفاق ملزم وموحد بشأن كارثة تغييرات المناخ. وحتى لو نجحت، فلم يكن من المتوقع لها أن تكون أكثر من «إعلان سياسي غير ملزم قانونيا»، وكان من المؤكد أن الكونغرس الأميركي سيرفضها، ورغم ذلك، فإن الاتفاق على ذلك الإعلان السياسي كان سيمهد للانتقال إلى مرحلة أخرى في معركة المناخ المستعرة.

لم تفشل القمة بسبب جهود السيناتور «انهوفي»، أو علمائه المرتشين أخلاقياً، بل لأن توافقاً كهذا هو حرب حقيقية، تضع الساعين اليه مباشرة بين أسنان الوحوش البشرية الكاسرة، وذلك منذ غاب «القمح» و«النبيذ» ووسائل العيش الأخرى عن كونها مؤشرات مباشرة لتغير المناخ. فاختفت المعالم الواضحة التي يعرفها الناس والمجاميع ببطونها، قبل حواسها الأخرى...؟!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ