ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


لماذا يكرهوننا؟ السؤال يتكرر على الضفة الاخرى

حسين الرواشدة

الدستور

3-12-2009

اخطأ اخواننا السويسريون حين صوتوا لصالح منع المآذن في الاستفتاء الاخير الذي تقدمت به بعض الاحزاب اليمينية ، لكننا قد نخطىء ايضا حين نسارع الى ادانة سويسرا والدول التي سبقتها «انضمت اليها هولندا لاحقا» لاتخاذها مثل المواقف المخجلة التي تشكل انحيازا ضد الحريات الدينية لفئة محددة من مواطنيها هم المسلمون ، نخطىء في الفهم والتقدير كما نخطىء في الرد والاجابة ايضا.

 

لا شك بان من حقنا ان نقول: لا ، لكل ما يشعل نيران العنصرية والتعصب سواء صدر من غيرنا ضدنا ، او العكس ، والاستفتاء السويسري الذي تقصّد اربع مآذن فقط اضرّ بسمعة السويسريين المعروفين بحيادهم وسماحتهم اكثر مما اضر بالاسلام وبالمسلمين هناك ، اذ سارعت معظم الهيئات الدولية والكنائس ، وقبلها الحكومة والبرلمان في سويسرا الى ادانته ، لكن ذلك الموقف لا يتعلق ببلد مثل سويسرا فقط ، اذ سبق لدول مثل الدنيمارك ، والمانيا وفرنسا الاعلان عن مواقف مماثلة تجاه بعض «الرموز» الدينية التي حافظ عليها المسلمون ، مما يعني اننا امام حالة متنامية من «الكراهية» تشعر بها الشعوب هناك تجاهنا كمسلمين ، وسواء كانت في اطار سوء الفهم او تعمد سوء الفهم ، فان ثمة ما يدعو الى التوقف امامها ومعرفة اسبابها ، اذا كنا نريد ان نتجاوز مطالب الادانة لذاتها نحو البحث عن حلول ومعالجات تنصفنا وتطمئن غيرنا - خاصة الاوروبيين - على هويتهم واوطانهم بعد ان استطاعت التعبئة الاعلامية والسياسية اقناعهم بان المسلمين هناك يسعون «لأسلمتها» او غزوها ثقافيا.

 

لماذا يكرهوننا اذن؟ الاجابة تحتاج الى مصارحات حقيقية على الطرفين ، فعلى الجانب الاوروبي ثمة تيارات متشددة تشعر بعداء تجاه كل الجاليات الموجودة هناك وفي مقدمتها الجالية الاسلامية ، وثمة حملات «لا تسأل من يقف وراءها؟» اعلامية وسياسية تحاول تشويه صورة المسلمين والدعوة الى الصليبية ابان القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين وتصل الى ما صدر مؤخرا من اكثر من مرجعية غربية دينية وسياسية حول تحذيرات من اسلمة اوروبا بسبب تزايد اقبال الناس هناك على الاسلام او تصاعد نشاطات الدعاة المسلمين ، لكن ذلك لا يمنع من ان تكون لبعض ابناء الجاليات هناك اصابع في الموضوع ، وهؤلاء - خاصة الذين يتعمد الاعلام الغربي التركيز عليهم - يقدمون صورة سلبية للاسلام ، ويعمقون داخل الوعي الغربي حالة العداء الموجود اصلا ، ويثيرون الذعر في اوساطهم الشعبية التي لا تعرف حقيقة الاسلام ، كما ان لبعض ممارسات دولنا الاسلامية التي تتخذ مواقف سلبية من الحريات الدينية دورا مهما في ترسيخ هذه «الكراهية» وقد لفت نظري حين كتبت عن موضوع خطر المآذن ان معظم من اتصل بي ذكر هذه الملاحظة ودعاني الى الانصاف في رؤية الموضوع فكما ان بعض الدول الاوروبية قد اخطأت حين حرمت المسلمين من حريتهم الاعتقادية هناك بيننا من يفعل ذلك تجاه اصحاب الاديان والعقائد الاخرى ، او لا شك بان الطرفين مخطآن ، ولكن اذا كنا ندعو غيرنا الى «معاملتنا» بسماحة ، واحترام حقوقنا فان الاولى بنا - كما يأمرنا ديننا - ان نفعل ذلك ونسبقهم اليه ويمكن ان نضيف ايضا بان بعض المواقف السياسية التي تصدر من العرب تجاه الاوروبيين ، او العكس ، تنمي ظاهرة «الكراهية هذه.

 

باختصار هذه ليست محاولة للتهوين مما تفعله بعض الدول الغربية ضدنا كمسلمين ، او تبريره - معاذ الله - فهو مدان ومرفوض بكل المعايير ، ولكن من واجبنا ان نقول بان الدعوة الى احترام «الحريات الدينية» لا يجوز ان تخضع للمعايير والاحكام المزدوجة واذا كان قرار حظر المآذن في سويسرا قد ازعجنا وأثار غضبنا رغم ان المئذنة ليست من اصول ديننا ولا جزءا من المسجد وانما تعبيرا عن هويتنا الاسلامية» فان ما ينبغي ان يزعجنا اكثر هو موقف الكراهية الذي عبّر عنه نحو %57 من سويسرا نحونا ، وقبله موقف بعضنا من الآخر وممارساته تجاهه.. وهذا ما يستدعي التأمل والمراجعة ايضا.

===============================

مسودة القرار الاوروبي حول القدس.. جديد!!

طارق مصاروة

الرأي الاردنية

3-12-2009

حتى اذا كانت مسودة قرار اوروبي باعتبار القدس الشرقية عاصمة مستقبلية لدولة فلسطين، فإن ذلك بالغ الاهمية لسببين:.

الاول: أن البدء بالاصعب له اولوية في حل الموضوع الفلسطيني. ذلك أن كامب ديفيد مس موضوع القدس مسا خفيفا، اتفق الطرفان المصري والاسرائيلي جعله قابلا للتفاوض في رسالتين متبادلتين، كما أن وادي عربة اعطى الاردن رعاية الاماكن المقدسة الاسلامية. أما وارسو فقد جعل قضية السيادة محيرة بين السكان الذين يشاركون بانتخابات المجلس التشريعي في القدس، وبين المكان الذي اعتبره الطرفان خارج حدود المناطق ألف، وباء وجيم.. مع أنه خاضع للتفاوض.

 

لقد وجدت واشنطن واوروبا أن البدء بالاسهل وترك نجاح التفاوض ينتهي بالقدس وبقضية اللاجئين، على اعتبار أن مغريات السلام ستكون بحد ذاتها دافعا للطرفين لتجاوز الخطوط الحمر. والصورة الان تغيرت!!.

 

الثاني: ان فتح موضوع القدس عاصمة لدولة فلسطين من قبل اوروبا، ليس بعيدا ابدا عن تشجيع اميركي خفي، ذلك ان لادارة الرئيس اوباما، الذي استعجل في اثارة موضوع الدولة الفلسطينية، عندها الان اولويات اكثر الحاحا الى جانب الوضع الاقتصادي وهي افغانستان اولا، والعراق ثانيا، وقضية الصدام مع ايران ثالثا، والادارة غير قادرة، كما يبدو، على فتح معركة داخلية مع اللوبي الصهيوني، وحلفائه في اليمين المتطرف الجمهوري، وبعض الصهاينة في المعسكر الديمقراطي، ولذلك فان اقدام اوروبا على فتح المعركة يعطي ادارة اوباما فرصة تأييد اوروبا بدل ان تبدأ هي فتحها، فليس في اوروبا مشاكل جدية في سياساتها الخارجية فيما عدا المشاكل التي يفرضها تحالفها مع الولايات المتحدة.

 

الناطق بلسان الخارجية الاسرائيلية يهدد اوروبا بسيف خشبي، فقوله بأن قرار اوروبا هذا سيغطي على دورها كوسيط في عملية السلام، هو لغو وسخف طالما أنه ليس هناك عملية سلام. وطالما أن اسرائيل كانت تقف دائما في وجه أي دور أوروبي، عدا تأييدها، ما عدا وجود اوروبا في اللجنة الرباعية التي لم نعد نعرف دورها الحقيقي في معادلة التهرب الاسرائيلي من السلام. مسودة القرار الاوروبي باعتبار القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين خطوة يجب أن نكون مستعدين لها. والأهم أن يبقى الطرف الفلسطيني على موقفه.. فصدور القرار الاوروبي رسميا يجب أن يجد في المقابل رد فعل عربي قوي.. مع بقاء محمود عباس خارج قاعة أية مفاوضات مقترحة!!.

=================================

سلم الخوف

الرأي الاردنية

3-12-2009

الوف بن

 - لماذا غير بنيامين نتنياهو مواقفه، ووافق على دولة فلسطينية وعلى تجميد البناء في المستوطنات؟ أخضع فقط لضغوط براك اوباما ام كانت عنده اسباب داخلية ايضا؟ أتغير تقديره للوضع منذ عودته للحكم ام انه نفس بيبي القديم الذي تزود ببساطة بورقة رسائل جديدة؟ يرى نتنياهو نفسه أكثر من رؤساء حكومة آخرين زعيما مثقفا. من المهم له ان تعتمد سياسته على تصور عام شامل، وقد ألف كتبا عرضت نظريته السياسية والاقتصادية. لهذا يحسن ان نصغي لما يقوله نتنياهو في الاسابيع الاخيرة، في سلسلة خطب تكشف عن تصوره الاستراتيجي. انها تعبر عن خوف عميق من التهديدات التي تتعرض لها اسرائيل، وتقيم سلم اوليات لمواجهتها.

وهذا هو سلم خوف نتنياهو: اولا يجب منع ايران تطوير قدرة ذرية عسكرية. وثانيا سنضطر الى ان نجد حلا ملائما لتهديد الصواريخ والقذائف الصاروخية. وثالثا يجب علينا ان نحصن حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها.

ماذا نفعل؟ يريد نتنياهو تجنيدا دوليا في مواجهة ايران، في مركزه فرض عقوبات شديدة وأعمال لضعضعة نظام الحكم. وهو يقترح تسوية سلمية مع الفلسطينيين تقوم على مصالحة على المناطق في المناطق المحتلة وتحديد حدود آمنة معترف بها لاسرائيل. ستقوم في قلب التسوية ترتيبات أمنية ونزع سلاح، ترمي الى منع تهريب القذائف الصاروخية والصواريخ الى الضفة الغربية. هذه هي المشكلة المركزية في نظر رئيس الحكومة، ولم تحل من تلقاء ذاتها اذا تم الاتفاق على حدود السلام. يجب على الرد الامني ان يؤلف بين خطوات فعالة للحفاظ على الحدود واحباط ارساليات السلاح الى المناطق، الى جانب تطوير نظم حماية من الصواريخ. ستطلب اسرائيل ايضا ضمانات دولية تلتف على غولدستون، تحصن حقها في ان تحمي نفسها من الارهاب.

يقدر نتنياهو ان المواجهة الامنية ستكلف عشرات مليارات الدولارات، وستحتاج اسرائيل كي لا تنهار للحفاظ على نمو اقتصادي بين 4 - 5 في المائة في السنة. المال كامن في رأيه في زيادة جدوى البيروقراطية وخصخصة اراضي الدولة، وكذلك ايضا في الاحسان الى صناعات الهايبك والمشاريع. لكن الاصلاحات الاقتصادية لن تكفي. يعتمد نموذج نتنياهو الامني على تعميق تعلق اسرائيل بالولايات المتحدة. يريد رئيس الحكومة ان تثبط امريكا ايران، وان تؤيد مكافحة التهريبات، وان تساعد في تطوير الحماية من الصواريخ وان تفضي الى خزن تقرير غولدستون.

يحسن ان ننتبه الى غير الموجود ها هنا وهو ان نتنياهو لا يرى المستوطنات عنصر في أمن اسرائيل. من المهم له ان يسد الحدود في وجه القذائف الصاروخية وربما يقتضي ذلك الحفاظ على وجود عسكري في غور الاردن. لكن مجرد وجود مستوطنات يهودية على التلال لا يضيف شيئا. فهو يرى ان الون موريه لا تحمي تل ابيب. لا يعني هذا ان نتنياهو قد استقر رأيه على ازالة ايتمار وايتسهار لكن تأييد اوباما اهم له كثيرا.

لم يكن نتنياهو من رعايا مجلس يشع، ويصعب ان نتذكر جولات له في المستوطنات خارج جدار الفصل. لقد وقف عند معاليه ادوميم واريئيل. ليس النقد الشديد من رؤساء المستوطنين له، على اثر التجميد، خصومة محبين كما كانت الحال في ايام اريئيل شارون. فنتنياهو لم يتسق التلال مع جرافات مثل شارون، ولم يجلس مع زمبيش الى الخرائط والخطط، بل ناضل عن حق اسرائيل في منتديات التلفاز وفي الامم المتحدة، وهو اكثر اعتدادا بالتأييد الدولي من بضعة كرفانات اخرى. ان تأييده للمستوطنين، بجدله لاوباما في التجميد، وقف عند الدعوة الى التمكين من حياة طبيعية بغير تطوير اخر.

قال نتنياهو في خطبته في مؤتمر ايلات للصحافة في يوم الاحد هذا الاسبوع: اصبح الشعب في اسرائيل والفلسطينيون متعبين من الحرب المتصلة، ويريدون التوصل الى تسوية سلام. مثل مناحيم بيغن، الذي انتقل من برغم الى لا حرب بعد، ومثل اسحاق رابين، الذي اشفق من قدرة تل ابيب البائسة على الصمود في حرب الخليج واختار المصالحة مع الفلسطينيين، يدرك نتنياهو ايضا ان اكثر الجمهور في اسرائيل يريد الهدوء ويرى المستوطنين اقلاقا. وهذا يعني ان قرار تجميد البناء في المستوطنات 10 اشهر هو الوجبة الاولى فقط من المواجهة الداخلية.

هآرتس

==========================

هل ينتفض أوباما بسبب الشرق الأوسط؟

المستقبل - الخميس 3 كانون الأول 2009

العدد 3500 - رأي و فكر - صفحة 20

خيرالله خيرالله

لا يزال السؤال المحير هو اياه. لماذا قررت الولايات المتحدة اجتياح العراق في العام 2003 ردا على العمليات الارهابية التي تفذتها "القاعدة" واستهدفت واشنطن ونيويورك؟ لماذا ذهب الجيش الاميركي الى العراق قبل الانتهاء من مهمته في افغانستان حيث كانت "القاعدة" ولا تزال وحيث قادتها على رأسهم اسامة بن لادن؟ هل كانت الادارة الاميركية تدرك وقتذاك ما الذي تفعله وابعاد العمل الذي ستقدم عليه؟

كان اجتياح العراق نقطة البداية على طريق تغيير الخريطة السياسية للشرق الاوسط تمهيدا لحصول تغييرات ذات طابع جغرافي تطال حدود الدول مستقبلاً. اتخذت ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن قراراً في غاية الخطورة على مستقبل الشرق الاوسط والتوازنات القائمة فيه وذلك تحت شعار انها تريد نشر الديموقراطية في المنطقة. سمت المنطقة "الشرق الاوسط الكبير" الممتد من باكستان الى موريتانيا. بعد اقل من سبع سنوات على الحرب التي ادت الى تفتيت العراق، يتبين ان الهدف الذي تحقق لا علاقة له بنشر الديموقراطية. لم يكن هناك اصلا مشروع لنشر الديموقراطية. على العكس من ذلك، كان هناك هدف واضح كل الوضوح لدى شخصيات معينة في واشنطن. يصب هذا الهدف في سياق عملية "اعادة تشكيل المنطقة" لمصلحة القوى غير العربية فيها على رأسها اسرائيل ومشروعها الاستعماري في الضفة الغربية. اليست هذه العبارة التي استخدمها كولن باول وزير الخارجية الاميركي بين العامين 2001 و2005 في مرحلة ما قبل الغزو؟

لم يكن باول متورطاً في مشروع تفتيت المنطقة. كان في احسن الاحوال رجلاً لا يعرف شيئاً عن العراق وطبيعة العراقيين وما الذي يمكن ان تؤدي اليه عملية الانتهاء من حكم مركزي قوي في بغداد. لم يكن باول يدرك حتى ان النظام العائلي البعثي الذي اقامه صدام حسين قضى على النسيج الاجتماعي للعراق في المدن والضواحي والقرى، في الريف والمدينة، وان سقوط النظام سيعود بالويلات على البلد وسيغير طبيعة العلاقات بين دول المنطقة. لم يفهم حتى لماذا بدرت كل تلك الحماسة الايرانية للحرب الاميركية على العراق. كان النظام الايراني الشريك الفعلي في الحرب الاميركية على العراق. لم يكتف بتقديم تسهيلات عسكرية للأميركيين بل شجع المعارضة الشيعية على الانخراط في المغامرة الاميركية بعدما ضمن ان يكون العراق "دولة فيديرالية"، ارضاء للأكراد خصوصا، وان يتحكم شعار "الأكثرية الشيعية في العراق" بكل الخطوات السياسية التي ستشهدها مرحلة ما بعد الاجتياح ودخول الجيش الاميركي بغداد والجيش البريطاني البصرة. هل صدفة انعقاد مؤتمر للمعارضة العراقية في لندن في كانون الاول من العام 2002 بتنسيق تام بين واشنطن وطهران وان يقر المؤتمر في وثيقة صدرت عنه مبدأي "الفيديرالية" و"الأكثرية الشيعية" وذلك للمرة الاولى منذ قيام العراق الحديث في العشرينات من القرن الماضي؟

ما هي النتيجة الفعلية للمغامرة الاميركية في العراق؟ اذا وضعنا جانبا الفشل الذريع في افغانستان وباكستان نتيجة الاندفاع العسكري الاميركي المبكر في اتجاه العراق، نجد ان العد العكسي لتراجع نفوذ الولايات المتحدة في العالم بدأ في العراق. يجسد ذلك، ما ال اليه الوضع في افغانستان وباكستان. تبين مع مرور الوقت ان هناك منتصرا وحيدا في الحرب الاميركية على العراق. هذا المنتصر هو ايران التي بسطت نفوذها في معظم الاراضي العراقية بإستثناء تلك التي تحت سيطرة الاكراد. الاهم من ذلك كله ان ايران استخدمت العراق لتؤكد انها صارت القوة الاقليمية الابرز في المنطقة. خطفت القضية الفلسطينية وحولتها رهينة لديها وملأت الفراغ الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري من لبنان في نيسان من العام 2005 واثبتت في ايار من العام 2008 انها قادرة على احتلال بيروت ساعة تشاء وذلك بعدما اكدت صيف العام 2006 انها تتحكم بقرار الحرب والسلم في لبنان...

في الامكان الاستفاضة في الحديث عن الدور الايراني في تشجيع الفتنة في اليمن، عبر الدعم الذي تقدمه الى الحوثيين، والعمل على ضرب الاستقرار في البحرين وحتى عن التعاون مع "القاعدة" في غير مكان ومجال، خصوصا في الصومال. يمكن بالطبع اعطاء امثلة لا تحصى عن الدور الايراني الجديد على غير صعيد، بما في ذلك المثابرة على تهريب الاسلحة الى مصر بحجة دعم "حماس" في غزة. بكلام مختصر، تتصرف ايران بشكل مختلف في ضوء ما شهده العراق من تطورات!

كان الدخول الاميركي الى العراق نقطة التحول. لم يكن في استطاعة ايران تحدي المجتمع الدولي حاليا لولا شعورها بأنها قوية في العراق وانها تتحكم بمصير قسم من هذا البلد وان الجنود الاميركيين الموجودين فيه رهائن لديها، مثلهم مثل معظم السياسيين العراقيين. نجح الايراني في استغلال التغيير الذي حصل في العراق الى ابعد حدود.

هناك واقع جديد في الشرق الاوسط. انه التركة الثقيلة لجورج بوش الابن. هل في استطاعة باراك اوباما التخلص من العبء واثبات ان اميركا لا تزال اميركا وانها انتصرت فعلا في الحرب الباردة؟ ربما هناك حاجة الى ان يعرض الرئيس الاميركي عضلاته في مكان ما كي يقول ان الولايات المتحدة لا تزال تمتلك انيابا. الوقت يضيق امامه. اقل من سنة تفصل عن انتخابات الكونغرس. هل ينتفض اوباما ام يخضع لمشيئة القوى الصاعدة في الشرق الاوسط بفضل ما فعله جورج بوش الابن في العراق؟

===============================

تقسيم القدس؟

إسألوا سكان القدس الشرقية

المستقبل - الخميس 3 كانون الأول 2009

العدد 3500 - رأي و فكر - صفحة 20

نداف شرغاي (كاتب يميني)

باسم من يتحدث وزراء الاتحاد الأوروبي، الذين يهددون بالدعوة للمرة الأولى بشكل رسمي إلى تقسيم القدس؟ هل أن مصلحة سكان شرقي المدينة موضوعة نصب أعينهم؟ هل يرغب السكان فعلا وحقا في التقسيم؟ ثمة عدد غير قليل من الأسباب الجيدة، قيمية وعملانية ضد التقسيم، لكن على الأقل ثمة موضوع واحد غير ثانوي أبدا، وهذا الموضوع تفوته الدعاية الإعلامية الإسرائيلية.

من يتحدث مباشرة مع سكان القدس الشرقية، ليس بواسطة وسائل الإعلام ولا بواسطة قيادتهم الدينية والسياسية، لا يجد صعوبة في الخروج بانطباع مفاده أن تقسيم المدنية والانتقال إلى السلطة الفلسطينية هما آخر أمر يرغبون به. هذا الشعور يظهر منذ سنين خلال الحديث مع الشارع الفلسطيني في شرقي القدس. فالقيادة تتكلم بلغة، بينما يتحدث الشارع بلغة مغايرة كليا. وحتى الوفد الفلسطيني إلى جينيف اطلع على ذلك قبل سنوات عديدة عندما تبين له من استطلاع للرأي أجراه لهذه الغاية، أنه ثمة نسبة معتبرة من هؤلاء السكان لا يرغبون أبدا بالتقسيم.

صحيح أن عرب شرقي المدينة لم يُصبحوا من أحباء صهيون، لكن على الرغم من الأخطاء الكثيرة في طريقة تصرفنا معهم، إلا أنهم يعرفون كيف يُقدرون حرية الحركة والكلام التي يتمتعون بها هنا، والوصول إلى أماكن عملهم، والشعور بالأمن، والحرية الدينية، والتقديمات المادية الكثيرة، مثل مستحقات التأمين الوطني والحق بالحصول على مخصصات مختلفة.

السبب الوحيد الذي يمنعهم من قول هذه الأمور بصورة جلية هو خشيتهم من الذراع الطويلة للسلطة الفلسطينية. ففي المجتمع الذي يتم فيه إعدام بائعي الأراضي لليهود، يُعتبر الكلام ضد التقسيم بمثابة خيانة. وثمة عدد قليل فقط من أمثال زهير حمدان، مختار حي صور باهر، الذي طلب بجرأة إجراء استفتاء عام بين السكان، اعترفوا بذلك في السابق. وكاد حمدان أن يدفع حياته ثمن موقفه هذا، وأُصيب بجروح بالغة.

السلام يُصنع بين السكان، والسكان الفلسطينيون في شرقي القدس لا يريدون فعلا الانفصال عنا. من يستمع إليهم، وليس إلى من يقامرون بالتكلم باسمهم، لن يجد صعوبة في ملاحظة ذلك.

=========================

على هامش التدقيق السوري في الاتفاقية:

أبعاد الشراكة السورية الأوروبية ومخاطرها

منير الحمش

السفير

3-12-2009

أولاً: مقدمات وخلفيات:

في أعقاب مجموعة من الأحداث والمتغيرات الدولية والإقليمية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، أعلن الرئيس الأميركي بوش الأب، قيام نظام عالمي جديد، تميز بوحدانية القطب، وبالإعلان عن الانتصار الأبدي للنظام الرأسمالي. وكانت بداية دعوة الدوائر الرأسمالية والمنظمات الدولية، إلى دول العالم للانضواء تحت راية العولمة، والانخراط بالاقتصاد العالمي الجديد.

وأدت مجموعة من التطورات (التي طبعتها الليبرالية الاقتصادية الجديدة بطابعها الايديولوجي والعملي)، إلى الإعلان عن قيام منظمة التجارة العالمية، لتنضم إلى كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولتصبح هذه المؤسسات الثلاث عناوين التوجه الليبرالي الاقتصادي الجديد الذي شكل جوهر العولمة، كما برزت من جديد أهمية التكتلات الاقتصادية الدولية، ليس فقط من أجل توسيع الأسواق، وإنما أيضاً لحل بعض المشكلات الناجمة عن العولمة.

من جانب آخر، بدأت مفاوضات مدريد للسلام في إطار وعود أميركية، بإحلال السلام وفق قرارات الشرعية الدولية، إلا أن هذه المفاوضات باءت بالفشل، بسبب التعنت الإسرائيلي والدعم الأميركي لإسرائيل والنفاق الأوروبي، ولكن قبل ذلك، بسبب ضعف الموقف العربي وهشاشة النظام الإقليمي العربي.

إلا أن محادثات سرية كانت قد بدأت بين بعض القادة الفلسطينيين وإسرائيل، في (أوسلو) انتهت بتوقيع اتفاقية (أوسلو) في منتصف التسعينات، حيث اعتبرت بداية السلام الفلسطيني الصهيوني، الأمر الذي جعل شمعون بيريز يطرح (مشروع الشرق الأوسط الجديد) بمباركة أميركية.

في هذه الأجواء، وفي العام 1995 بالتحديد، دعت أوروبا إلى مؤتمر في برشلونة، حضرته 15 دولة من الاتحاد الأوروبي و12 دولة متوسطية غير أوروبية.

حضره من الجانب العربي الدول العربية جنوب وشرق المتوسط، باستثناء ليبيا وبإضافة الأردن، إضافة إلى تركيا وإسرائيل. وقد صدر عن هذا المؤتمر (إعلان برشلونة) الذي يعلن عن قيام شراكة كاملة أورو متوسطية، وذلك كما قال الإعلان «بجعل المتوسط ساحة مشتركة للسلام والاستقرار والتقدم...»

ولعل من المفيد هنا أن نشير إلى رمزية تاريخ انعقاد مؤتمر برشلونة، فقد عقد بتاريخ 27 تشرين الثاني (1995) وفي تاريخ 27 تشرين الثاني (1095) أي قبل تسعمئة سنة من انعقاد مؤتمر برشلونة، عُقد في مدينة (كليرمون) بجنوب فرنسا مجمع برعاية البابا، أوربان الثاني حضره رجال الدين والأمراء والنبلاء والفرسان من مختلف أرجاء أوروبا، وألقى البابا في ختامه خطاباً حماسياً دعا فيه إلى توجيه حملة إلى الشرق، وكانت بداية الدعوة إلى حروب الفرنجة، التي امتدت حوالى مئتي سنة، بين الشرق العربي والغرب الأوروبي.

هل هي مصادفة عفوية أن يعقد مؤتمر برشلونة الذي نجمت عنه الدعوة إلى الشراكة الأوروبية بنفس تاريخ انعقاد مؤتمر كليرمون الذي أسفر عن شن حروب الفرنجة التي دمرت وقتلت واحتلت الأراضي العربية؟ أم أن ذلك كان مخططاً من قبل منظمي المؤتمر ليعطي الرمز والمعنى لمن يهمه الأمر؟... هذه مجرد إشارة لا بد من أن توضع في خلفية الموضوع.

ثانياً: أهداف الشراكة الأوروبية وأبعادها:

تريد أوروبا، من طرحها مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية، تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مستندة في ذلك على مجموعة من الفرضيات:

الفرضية الأولى: تنطلق من المصالح التي تعتقد أنها تتحقق من خلال ربط دول جنوب وشرق المتوسط بها، باعتبار حوض المتوسط منطقة استراتيجية هامة بالنسبة للغرب الأوروبي، فهو المجال الحيوي لأوروبا، الذي يشكل خطوط اتصال سياسية وأيدلوجية وثقافية ولغوية ودينية بين عالمين عالم الشمال المتقدم، وعالم الجنوب المتخلف. ولهذا فإن المشروع يعتبر بمثابة اتفاق دفاع وحماية للاتحاد الأوروبي ضد جميع الفيضانات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لبلدان الضفة الجنوبية المتوسطية، وهو في هذه الفرضية يلتقي مع المشروع الأميركي.

الفرضية الثانية: تستند إلى الفلسفة النيوليبرالية في خطابها الرسمي الهادف إلى تحقيق التنمية في دول جنوب وشرق المتوسط، عن طريق تبعية اقتصادية تقتضي الانفتاح الاقتصادي الذي هو الأمل الوحيد للاقتصاديات النامية في رفع مستويات المعيشة. ولهذا فالشراكة تنادي بفتح الأسواق وخلق الظروف المؤاتية للاستثمار الخارجي، وإلغاء الحماية وتحرير الأسعار والخصخصة، وتولي القطاع الخاص المهام الاقتصادية، في إطار تنفيذ عملية إصلاح اقتصادي ومالي واسعة النطاق، تفترض الاعتماد على برامج الإصلاح الموصى بها من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والذي يرتكز على انسحاب الدولة من الشأن الاقتصادي توصلاً إلى حكومة الحد الأدنى.

الفرضية الثالثة: هي اعتماد واضعي مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية، على (المجتمع المدني) باعتباره الأداة التي تسمح بتفعيل إعلان برشلونة عن طريق تجاوز حدود السلطة السياسية، والالتفاف عن طريقه حول ما قد يحدث من مقاومة للمشروع في الأوساط الشعبية أو في جهاز الدولة. كما ينظر الأوروبيون إلى المجتمع المدني على أنه المساعد على تحقيق أمرين هامين:

الأول: تقبل النتائج (المؤلمة) للإصلاح النيوليبرالي.

والثاني: تقبل التنازلات المخجلة الناجمة عن عملية السلام والتطبيع مع إسرائيل.

وهكذا تُغَلف الشراكة بهذا الخطاب الناعم حول حقوق الإنسان والديمقراطية، بحيث تصبح مقبولة من المجموعات الاجتماعية بمساعدة ما يدعى بجمعيات المجتمع المدني التي يُغذيها «منتدى أورميد المدني» الذي أنشأته أوروبا لاستيعاب وتشجيع ودعم المنظمات غير الحكومية، وكذلك لإنشاء منظمات جديدة أو شبكات ومراصد وغيرها من المؤسسات التي تهتم ببعض قطاعات السياسة الوطنية، وهذه المنظمات ينظر إليها من قبل الأوروبيين على أنها تأكيد للارتباطات السياسية والاقتصادية عن طريق إدخال هذه الارتباطات في نسيج المجتمع عن طريق جمعياته، إذ لا يمكن الاكتفاء بالاتفاقات بين الدول كما يعتقد الأوروبيون. فوجود «مجتمع مدني حر ويتمتع بالرخاء هو شرط جوهري لنجاح المشاركة في جميع جوانبها...» كما يقول أحد التقارير الأوروبية.

الفرضية الرابعة: وهي فرضية تلخص أهداف الشراكة الحقيقية، من خلال مجموعة من الرهانات:

الرهان الأول: هو الرهان الاقتصادي الهادف إلى تحويل جنوب وشرق المتوسط إلى منطقة تبعية كاملة لأوروبا، وإعادة تأهيل اقتصاديات دولها وفقاً لمتطلبات الاقتصاديات الأوروبية، وجعل هذه المنطقة بمثابة الداعم الخلفي لأوروبا بوصفها القطب الثالث في النظام الاقتصادي العالمي إلى جانب اليابان وشرق آسيا والولايات المتحدة.

الرهان الثاني: يتعلق بالجانب الديمغرافي، ففي مقابل عدم التكافؤ في النمو الديمغرافي بين بلدان الضفتين للمتوسط، يطلب الأوروبيون من بلدان الجنوب، التحكم في تحركات الهجرة، ولعب دور حراس الحدود في الوقت الذي يطلبون فيه فتح حدودهم أمام حركة البضائع والأموال.

الرهان الثالث: وهو الرهان الاستراتيجي، الذي يتضمن جانبين:

الجانب الأول: فصل بلدان الخليج العربي عن الجسم العربي، باعتبارها محميات أميركية.

والجانب الثاني: دمج إسرائيل في المنطق الأورو متوسطي، مروراً بفصل المشرق عن المغرب العربي في انحياز واضح للمغرب، لفك تضامنه إزاء القضية الفلسطينية.

ويكمن خلف هذا الرهان الاستراتيجي إعطاء هوية جديدة للمنطقة جنوب المتوسط وشرقه بدلاً عن هويتها العربية، وهي الهوية المتوسطية التي تتقبل وجود إسرائيل ضمن دول هذه المنطقة مع إعطائها أدواراً مميزة.

هكذا فإن مجموعة الأهداف الأوروبية الغربية بخلفيتها الليبرالية الاقتصادية الجديدة، يمكن أن تتحقق وخاصة:

1 تشكيل تكتل اقتصادي سياسي، في مقابل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحته إسرائيل بمباركة أميركية، وعدا عن قدرة هذا التكتل على توسيع الأسوق أمام المنتجات الأوروبية وتسهيل حصول مصانعها على مواد أولية رخيصة، فإنه يعزز النفوذ السياسي لأوروبا.

2 قطع الطريق أمام إقامة تكتل اقتصادي عربي في ظل النظام العربي الإقليمي، واستبدال الهوية العربية للمنظمة بهوية متوسطية، وربط البلدان العربية المتوسطية بأوروبا فرادى.

3 تطبيع علاقات الدول العربية في المنطقة مع إسرائيل، وتعزيز مركز إسرائيل في المنطقة كدولة ذات امتيازات خاصة، تذليل العقبات التي تحول دون قيام (سلام) بين فلسطين وإسرائيل، وإن كان ذلك على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ودفع سوريا لقبول (السلام) مع إسرائيل ضمن الشروط الإسرائيلية.

4 تعميم ثقافة السوق والاستهلاك، وطبع المنطقة بالقيم الغربية والسلوك الغربي، ما يعتبر تعدياً واضحاً على القيم الوطنية والقومية وتشويهاً مقصوداً للثقافة العربية.

ثالثاً: المخاطر والسلبيات:

1 على الصعيد السياسي:

أ ضياع الحقوق العربية عن طريق مشاريع السلام المطروحة والهادفة إلى قبول العرب بالحلول الإسرائيلية والتطبيع مع المعتدي.

ب القبول بحالة الشرذمة العربية، وإضعاف النظام الإقليمي العربي لحساب المشروع الأوروبي الغربي، بتكريس حالة التجزئة القائمة.

ج القبول بحالة التبعية المفروضة بالمشروع الأوروبي، والتعامل مع النظام الدولي من خلال التبعية للغرب الأوروبي.

2 على الصعيد الاقتصادي:

أ فرض التوجهات الخاصة بالليبرالية الاقتصادية الجديدة واقتصاد السوق كخيار اقتصادي وحيد، يستهدف إبقاء حالة التخلف في المجتمعات العربية، واستمرار تبعية اقتصاداتها للغرب الأوروبي، من خلال علاقات اقتصادية غير متكافئة يفرضها تقسيم العمل الدولي الجائر، وإضعاف الدولة القطرية, وجلعها ضعيفة أمام مصالح الخارج.

ب الاستعاضة بالتكامل مع الاتحاد الأوروبي عن التكامل الاقتصادي العربي وقطع الطريق أمام التوحد الاقتصادي العربي.

ج بتحرير التجارة الخارجية المفروض من خلال اتفاقية الشراكة، ستتحول الأسواق المحلية إلى فرص للترويج للبضائع والسلع الأوروبية، ما يهدد المنتجات الوطنية القائمة، ويمنع قيام صناعات جديدة متطورة، ويفاقم مشكلة البطالة، والمشكلات الاجتماعية المرتبطة بها.

د سوف يؤدي هذا إلى تراجع معدلات النمو وإلى تفاقم العجوزات الحاصلة في الموازنات العامة والموازين التجارية، وموازين المدفوعات.

وباختصار ستؤدي النتائج الاجتماعية الناجمة عن تطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية المفروضة بموجب الشراكة، إلى تهديد السلم الاجتماعي والإضرار بالنسيج الاجتماعي.

3 على الصعيد الثقافي:

إن تعميم ثقافة السوق والاستهلاك، والقيم الغربية، سوف يؤدي إلى نتائج كارثية على صعيد قيم المجتمع وثقافته وتراثه وعاداته وتقاليده.

رابعاً النتائج:

لم تحقق الشراكة الأوروبية للدول التي وقعت اتفاقياتها ما كانت تأمل به أطرافها، فقد أدت إلى المزيد من المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ففي حين أن النتائج السلبية تحققت، فإن النتائج الإيجابية التي كان يؤمل بها بقيت على سبيل التمني.

وقد عقد في باريس في العام الماضي اجتماع موسع لمنتدى باريس الأورومتوسطي، حمل عنوان «اتحاد من أجل المتوسط. ماذا نفعل؟» حضره أكثر من ستين شخصية سياسية ودبلوماسية، ومن المجتمع المدني. في هذا الاجتماع كان الاتفاق يكاد يكون تاماً حول المسائل الرئيسية وهي:

1 إن حالة البحر المتوسط ومحيطه حالة سيئة، بسبب الانقسامات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. ففيه شعوب غنية وأخرى فقيرة، وهناك فجوة كبيرة بين الشمال والجنوب، وهي من أوسع الفجوات في العالم. وقد قدرها بعض الحضور ب 1 إلى 10 والبعض الآخر ب 1 إلى 12. وفي هذا يقول الرئيس الفرنسي ساركوزي: إن الفجوة ازدادت على مدى ال 15 سنة الماضية، ما يثير مخاطر عدم الاستقرار في منطقة المتوسط وما وراءها.

2 تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تقول إن هناك حاجة لتوفير 40 مليون فرصة عمل في بلدان جنوب المتوسط خلال السنوات ال 15 القادمة للحفاظ على مستوى البطالة في مستواه الحالي.

3 الاستثمارات من شمال المتوسط إلى جنوبه تمثل 2% فقط من إجمالي الاستثمارات الأوروبية في ما وراء البحار.

وفي ضوء هذه المعطيات، خرج المؤتمرون، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي، إلى نتيجة مفادها: أن مسار برشلونة (الشراكة الأوروبية المتوسطية) لم تحقق الأهداف المتعلقة برفع مستوى شعوب جنوب وشرق المتوسط، وأن مساعدة جدية واستثمارات أوروبية لم تقدم لتحقيق التنمية.

ولهذا خرج ساركوزي بمشروعه بعنوان «اتحاد من أجل المتوسط» الذي سيلقى الفشل نفسه الذي مُنيت به الشراكة.

أوردنا ذلك لندلل على فشل الشراكة في جانبها الاقتصادي، فضلاً عن فشلها في عدم تحقيق السلام في المنطقة العربية بين العرب وإسرائيل، وعدم تقديم أي مساعدة أو مساهمة فعلية في هذا المجال بسبب موالاة الغرب للمشروع الصهيوني، وبسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على شعب فلسطين واستمرار احتلالها للجولان.

لهذه الأسباب رفضت سوريا الشراكة الأوروبية عندما طُرحت لأول مرة، لكنها وإن عادت إلى المفاوضات مع أوروبا لأسباب سياسية معروفة، فإنها تُعيد الآن التدقيق في مشروع الاتفاقية، ولا أعتقد أنها، بعد أن تقف على حقيقة أبعاد ومخاطر الشراكة، ستُقدم على توقيع هذه الاتفاقية.

=========================

هل يتحول الصمت الدولي تجاه قضيتنا الى افعال ايجابية؟

القدس

3-12-2009

ظل المجتمع الدولي يتخذ موقف المتفرج تجاه معاناة الشعب الفلسطيني - هذا في أحسن الأحوال، أما في الأسوأ وهو كثير فكان يساند ضمنا اسرائيل، أو هو عاجز عن وضع حد للممارسات الاسرائيلية المستمرة والجائرة منذ اكثر من اثنين واربعين عاما.علما بأن هذه الفترة تسقط من حسابها تسعة عشر عاما انقضت على نكبة فلسطين الأولى عام ١٩٤٨، وما واكبها من قيام اسرائيل وتشرة مئات الألوف من ابناء شعبنا في ديار المنافي والشتات.

خلال هذه المدة الطويلة سجلت القضية الفلسطينية رقما قياسيا من حيث المماطلات الاسرائيلية والتراخي الدولي في العمل الجاد لانهاء الاحتلال، وتسريع حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. وخلال هذه المدة الطويلة ايضا حصلت كل الشعوب التي كانت واقعة تحت نير الاستعمار على حريتها واستقلالها وسيادتها على اراضيها. هذا في الوقت الذي تجاهل فيه العالم ان هناك شعبا فلسطينيا اكثر من نصف ابنائه مشردون، وبقيتهم يعانون من الحصار ومصادرة الاراضي، وفرض الوجود الاستيطاني عليهم بالقوة العسكرية، ومطالبتهم بأن تكون المفاوضات وحدها هي السبيل إلى التسوية مع اسرائيل.

وحتى عندما قبل الفلسطينيون هذا الخيار ودخلوا مؤتمر مدريد عام ١٩٩١، ثم وقعوا اعلان اوسلو بعد ذلك بعامين، فلم تقف الاسرة الدولية بقوة لدعم مطالبهم العادلة: بل تركتهم وحدهم وهم العزل من السلاح في مفاوضات لا نهائية مع الطرف الآخر الذي يمتلك كل الأوراق، ويملك ما هو اخطر من ذلك وهي القوة العسكرية الباطشة. وبالتالي فهو يخلق على الأرض كل الحقائق الاستيطانية الزاحفة التي غيرت طابع الأرض، ونشرت المستوطنات في طول الأراضي الفلسطينية وعرضها، وأوجدت في الضفة الغربية والقدس العربية كيانا استيطانيا لا يعترف بأي قانون. وبلغ عدد المستوطنين بالقوة فيه ما يزيد عن نصف مليون مستوطن، وهم في ازدياد مستمر.

 

وحينما جاءت ادارة اوباما لتطالب اسرائيل بتجميد كامل للبناءالاستيطاني، تحدى رئيس الوزراء الاسرائيلي هذا المطلب الأميركي، وواصل المناورة عليه تحت شعارات مثل تلبية الزيادة الطبيعية للمستوطنين تارة، والتجميد الؤقت تارة اخرى، واستثناء القدس من التجميد تارة ثالثة. وكان القصد من ذلك هو كسب الوقت لتوسيع المستوطنات، وابتلاع المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية، التي لا تزيد مساحتها اصلا عن خمس مساحة فلسطين التاريخية.

هذا الصمت الدولي المزمن تجاه قضية شعبنا يبدو انه بدأ يتبدد تدريجيا: فمع التحرك الأميركي الذي كاد يفقد زخمه نسبيا، أخذنا نسمع عن تحرك اوروبي تقوده دول مثل السويد لتحريك عملية السلام من خلال افعال ايجابية على ارض الواقع. وأحد بنود المبادرة السويدية هو التأكيد على حدود عام ١٩٦٧ عند رسم حدود دولتي فلسطين واسرائيل. وعدم الاعتراف بضم اسرائيل للقدس العربية، بل التحدث عن المدينة باعتبارها ستقسم الى عاصمتين احداهما لفلسطين ولأخرى لاسرائيل. هذا فضلا عن المطالبة بتجميد كامل للاستيطان، وازالة لكل الحواجز الاسرائيلية المتناثرة في الضفة الغربية.

هذا التحرك الذي لم يتبلور بعد في شكله النهائي بحاجة إلى مساندة دولية كاملة وشاملة ليستمر ويزداد قوة، ويصمد في وجه الضغوط الاسرائيلية التي نجحت في عرقلة ،ولو مؤقتة، للجهود الأميركية. واذا كان العالم حريصا على تحقيق السلام في المنطقة واطفاء بؤرة مشتعلة من بؤر التوتر على سطح هذا الكوكب، فان تحويل الصمت الدولي، الذي تواصل عدة عقود ازاء المعاناة الفلسطينية المزمنة، إلى افعال ضاغطة على اسرائيل لانهاء احتلالها هو السبيل الوحيد لنشر الاستقرار والأمن- ليس فقط في الشرق الأوسط، وانما ايضا في العالم كله. ويكفي الفلسطينيين ما عنوه من تجاهل لقضيتهم يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته، ويتحتم عليه لمصلحة جميع الاطراف، بل كل الأطراف، وضع حد نهائي وعاجل له.

=========================

لئلا تظل «الغرفة الثانية» في عقول شبابنا ملأى بالركام المتفجر!

الخميس, 03 ديسيمبر 2009

محمد جابر الأنصاري *

الحياة

تسود العالم العربي، هذه الأيام، «هبة» أو «فزعة» لإصلاح التعليم، فالكل يكتب فيه، والكل يدعو إليه... وهي حركة مباركة بلا ريب، وتستحق الدعم والتأييد والمشاركة. وإن كان لكاتب هذه السطور كمدرس سابق، وكمؤرخ للفكر والسياسة في العالم العربي الحديث، رأي آخر، وهو أن التعليم مهم للغاية ولكن يجب أن تأتي خطة إصلاحه وتطويره ضمن استراتيجية أو رؤية مجتمعية شاملة للنهوض والتقدم، وللإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقبل ذلك الثقافي والفكري والمعرفي. فغياب مثل هذه الاستراتيجية العربية الشاملة للإصلاح والنهوض من شأنه أن يلقي بكل ثمار التعليم الجديد في... البحر!

قبل عقود ركز العرب، في أقطار الثقل العربي بالذات، على التعليم، ولا بد من الإقرار والاعتراف أن التربويين العرب الرواد قد حققوا نتائج باهرة في حقلهم، وأوجدوا «بؤراً متعلمة تعليماً عالياً» في مدنهم المتقدمة والمتطورة.

ولكن سرعان ما أحاط الفيضان الاجتماعي الناجم عن الفقر والظلم وقلة المساواة بتلك «البؤر» المشعة، فضاعت في الطوفان الآتي. كان طه حسين، مثلاً، وهو وزير المعارف المصري في آخر وزارة وفدية قبل الثورة عام 1950، يعمل بدأب من أجل تعليم متقدم ودعا إلى «مجانية» التعليم ضمن ما دعا إليه، غفر الله له!... فجاءت الثورة وحققت مطلبه الذي صار مطلباً شعبياً ضاغطاً. وفجأة امتلأت قاعات الجامعات بالمئات والآلاف المؤلفة، فتغلب الكم على الكيف، وضاع ذلك «التميز» العلمي الذي تميزت به الجامعات المصرية في بداياتها المشجعة. وحل محل «العميد» طه حسين كوزير للتربية والتعليم بمصر ضابط بثقافة متواضعة وصار مألوفاً أن ترابط الدبابات في الجامعات! ... وفي مثل خطورة ذلك واجهت الدولة مئات الآلاف من أبنائها يحملون «شهادات جامعية عليا وكان لا بد من توظيفهم فيما يشبه «البطالة المقنعة» – التي تجتاح اليوم أيضاً معظم مجتمعات الخليج – وفي تضخم «بيروقراطي» يأكل الأخضر واليابس في نطاق «تعامل» الدولة مع مواطنيها!

ولا بد أن أكون واضحاً: إن «التعليم الأساسي» في المراحل الابتدائية والإعدادية ينبغي أن يكون متاحاً للجميع، فهو السلاح لمحو الأمية والمدخل لبناء الولاء الوطني الذي لا بد منه للمجتمع والدولة، بل أؤيد أن يكون «إجبارياً» في البلدان التي يبقى بعض أطفالها خارج المدرسة لأي سبب. غير أن «التعليم الجامعي» لا ينبغي أن يكون مفتوحاً لكل طامح، لأن ذلك يهبط بمستواه ويمثل ظلماً لحق الأكفاء في ارتقاء سلم المعرفة والتفكير العالي، نظراً للتزاحم العددي الكبير الذي لا يمكن تفاديه لو فتحت أبواب الجامعات لكل متقدم. ومن تجارب الأمم المتقدمة فإن التعليم الجامعي يقتصر على ما لا يزيد عن 20% من مجموع الذين هم في سن التعليم الجامعي. أما الباقون فينبغي أن تتاح لهم الدراسات المهنية المركزة، والمجزية بوظائفها بعد التخرج في سوق العمل، كي يقللوا من العمالة الأجنبية الوافدة التي لمخاطرها مجال آخر، حيث تتجلى أخطارها الماثلة ليس على المجتمعات العربية الخليجية فحسب، وإنما على معظم المجتمعات العربية التي يتحول بعض خريجيها الجامعيين إلى «تنابلة»!... للأسف... ولا جدال أنه كان ثمة شعور، تدعمه الوقائع، بأن كثرة من الخريجين العرب يتخصصون في الإنسانيات والمواد الاجتماعية. وعندما يتخرج هؤلاء من «دراستهم النظرية» لا يجد معظمهم أعمالاً تلتقي وتطلعاتهم كحملة شهادات، في مجتمعات لا تقدّر الإنسان إلا إذا حمل «شهادة».

واشتدت المطالبة أن تهتم المدارس والمعاهد والجامعات في البلاد العربية بالمواد العلمية والتكنولوجية تعويضاً لهذه الفجوة. وهكذا كان. ونجد اليوم أن لدينا خريجين في هذا المجال وطلاباً كثيرين يتلقون علومهم في المجال ذاته. ونرجو أن يحصل «تقدم» ما في المجتمعات العربية نتيجة لهذا التحول. غير أن خللاً ما، وعلينا أن نقر أنه خلل خطير، حدث، ولا بد من العمل سريعاً على تصحيحه.

ولم أجد صورة أدق، ولا تشخيصاً أصوب، من التشبيه الذي رسمه مفكرنا العربي الكبير، زكي نجيب محمود، رحمه الله، لهذه الحالة. حيث أشار إلى أن الإنسان «المتعلم» لدينا أصبح عقله بمثابة غرفتين يفصل بينهما جدار إسمنتي سميك قاطع للتواصل. في «الغرفة الأولى» ثمة معلومات علمية وتقنية لا علاقة لها إطلاقاً بما يتراكم في «الغرفة الثانية» – وهذا ليس تشبيهاً برلمانياً! – فلأننا أهملنا مقررات الثقافة العامة والعلوم الإنسانية، بحجة كونها «نظرية»، حدث هذا الركام المخيف الذي ملأ «الفراغ» ويستمده «متعلمونا» من أوهام العوام والغوغاء، أو ممن يؤثّرون فيهم لأغراض لا ترضي الله، فحدثت هذه الازدواجية الرهيبة بين علم تقني قد يستخدمه صاحبه، ويستخدمه!، في تركيب حزام ناسف حول جسده، ينسف به نفسه وينسف الأبرياء من حوله!

كما أن ثمة سبباً سياسياً لهذا التغييب. فهذه المواد الإنسانية تشمل تاريخاً سياسياً. ويروي البعض، ربما على سبيل الدعابة، أن حاكماً عربياً سابقاً، شديد المحافظة، استفظع فصلين في المقرر بعنوان «الثورة الفرنسية» و «الثورة الأميركية». وأمر أن يكون العنوان: («العصيان الفرنسي» و «العصيان» الأميركي)... «ثورة» أم «عصيان»... هذه أحداث وقعت ولابد من معرفة أسبابها...!

إن إصلاح الفكر الديني يتطلب قبل كل شيء التسليم بأن ثمة عدة طرق للوصول إلى «الحقيقة». فقمة الجبل يمكن الوصول إليها من هذا الطريق أو ذاك. ولا بد من الوصول. ومن حسن الحظ فإن التراث الفكري الإسلامي، إذا درّسناه على حقيقته، يشمل هذه السبل جميعاً. وقد لمست مدى تفاعل الشباب مع هذه الحقيقة، أثناء تدريسي المباشر مقررات الثقافة الإسلامية بجامعة الخليج العربي، وهي جامعة خليجية مشتركة مقرها البحرين ومن المؤمل أن تسهم دولها المؤسسة الأعضاء في تطويرها. فنحن في مرحلة الانطلاق من جديد في مسار «التعليم العالي»، كما تمثل في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية التي هي النموذج الجديد الرائد للنهوض العربي. كما أن حركة إصلاح التعليم في مملكة البحرين التي يهتم بها ولي عهدها الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ويباشرها نائب رئيس وزرائها الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، من الظواهر الخليجية والعربية الجديرة بالتقييم والمتابعة نظراً لريادة البحرين التاريخية في المجال التربوي في جوارها الخليجي العربي. هذا بينما تعمل كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر مع أقطار عربية أخرى على بناء نهضة تربوية جديدة.

***

طالب خالد القشطيني حديثاً في «الشرق الأوسط» بتعليم (التاريخ الأوروبي) للطلبة العرب وأؤيد دعوته، وأضيف إليها أن (معالم التراث الإنساني) كله جديرة بالتدريس والتعليم...

التاريخ الأوروبي... التاريخ الصيني والياباني... التاريخ الهندي... التاريخ الأميركي اللاتيني... التاريخ الأفريقي... الخ، بالإضافة إلى تاريخنا العربي الإسلامي بنهج موضوعي متوازن لا يتهرب من ذكر السلبيات!

ومع التاريخ الإنساني الذي لا بد من معرفته و «اختراقه» إطلالات على أهم ما في التراث الحضاري والفكري والحضاري لتلك الشعوب... فليس بالتكنولوجيا وحدها يحيا الإنسان، على الأهمية البالغة للتكنولوجيا في سباق العصر الذي نعتقد أنه سباق خطر ومهلك إن لم يتم ترشيده وتطعيمه بتراث الإنسانية جمعاء منذ البداية، إلى جانب مواد الاختصاص العلمي والتقني.

فالتعليم ، كما أكد الأمير الحسن بن طلال، أثناء زيارته الأخيرة الولايات المتحدة في 15 تشرين الاول (أكتوبر) 2009: «لا يحدث في فراغ. وإنما يكون داخل السياقات الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات... وألا يكون التدريب من أجل التوظيف أو اكتساب المهارات فقط، وإنما أيضاً من أجل المواطنة».

ومن الواقع الميداني لجامعاتنا نجد شهادة أكاديمية سعودية تحت عنوان (الحلقة الأضعف في التعليم العالي السعودي) تؤكد الاحتياج الحيوي ذاته نظراً ل: «عدم إعطاء أي اهتمام للثقافة العامة التي تعنى بتفتيح أذهان أبناء المجتمع، وتوسيع آفاق اطلاعهم، وإطلاق القدرات العقلية لهم». «... إن استمرار التستر على المشكلات الاجتماعية وانعكاساتها النفسية... يقودنا إلى تحميل مستقبل البلاد أعباء لا يجوز أن تحملها... خصوصاً أن الضرورة تقتضي في هذه المرحلة تعزيز التنمية المجتمعية من خلال تفعيل اختصاصات العلوم الإنسانية والتربوية والثقافية، والتجرؤ على طرحها... كما ينبغي ألا ننسى ضرورة العمل الجاد على توسيع مختلف أساليب الفكر الحديث الذي تقدمه لنا الدراسات والعلوم الإنسانية والآداب، كونها أصبحت في هذه المرحلة التاريخية... ألزم لنا من طاقة النفط التي ننتجها». (بصيرة الداود ، «الحياة» 26/10/2009).

لذلك، فإنه نداء لجميع المهتمين بالتعليم العالي في بلادنا، لتدارك هذا الأمر قبل فوات الأوان.... غير أن ما يدعو للتفاؤل أن الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز، لدى افتتاحه مؤتمر (الشباب في عصر العولمة) قد أشار إلى حدوث تطورات ايجابية مبشرة بالخير، وذلك ما نأمله...

* كاتب من البحرين

=============================

عن الإسلاميين والعلمانيين العرب

بقلم :صبحي غندور

البيان

3-12-2009

هناك انقسام في المجتمعات العربية والإسلامية بين تيّارين أو منهجين فكريين؛ أحدهما يدعو لمقولة «العلمانية»، والآخر إلى الأخذ بالمنهج «الإسلامي». وكلٌّ من أصحاب المدرستين يحاول الربط بين منهجه وبين سمات إيجابية أخرى حدثت أو تحدث في المجتمع، لكن لا علاقة لها في الأصل بالمنهج الفكري نفسه.

فالتيّار «العلماني» يعتبر معارك التحرّر القومي ضدّ الاستعمار في القرن العشرين، وكذلك معارك العدالة الاجتماعية، وكأنّها منجزات لهذا التيار، بينما نجد على الطرف الآخر من يعتبر مثلاً ظاهرة المقاومة الآن، بمثابة انتصار للمنهج الفكري الإسلامي.

أعتقد أنّ في الحالتين ظلماً للحقيقة. فقضايا التحرّر والهُويّة القومية والعدالة الاجتماعية ومقاومة الاحتلال ومحاربة الظلم أينما كان وكيفما كان، هي كلّها قضايا إنسانية عامة لا ترتبط بمنهج فكري محدّد. فلا الدين يتعارض مع هذه القضايا، ولا الابتعاد عنه يعني تخلّياً عنها. وهناك أمثلة عديدة عن مجتمعات كافحت من أجل هذه القضايا، لكن اختلفت دوافعها الفكرية ونظرتها لدور الدين في الحياة.

إذن، أساس الخلاف بين التيّارين «العلماني» و«الإسلامي» هو فكري محض، ولا يجوز إلحاق القضايا السياسية بطبيعة هذا الخلاف. فالهُوية الوطنية أو القومية مثلاً، أصبحت ضحية لهذا الخلاف بين التيّارين في المنطقة العربية، بينما لا تتناقض إطلاقاً الهُوية الثقافية للشعوب مع معتقداتها الدينية. كذلك هو أسلوب المقاومة ضدّ المحتل أو المستعمر، حيث هو وسيلة تحرّر استخدمتها قوى مختلفة الألوان والمناهج الفكرية.

إنّ العكس هو المفروض أن يحدث بين التيارين «الإسلامي» و«العلماني»، أي أن يبقى الاختلاف قائماً في المسألة الفكرية، وأن يتمّ البحث عن المشترك من القضايا الوطنية والاجتماعية.

فالاحتلال الإسرائيلي مثلاً، لم ولا يميز بين التيارين في الأراضي المحتلة، إذ المستهدف هو الفلسطيني إن كان من هذا الدين أو ذاك، أو إن كان «علمانياً» أو «إسلامياً». الأمر نفسه ينطبق على القضايا الاجتماعية، حيث لا دين أو لون فكريا للفقر أو للظلم الاجتماعي.

أمّا الاختلاف على الجانب الفكري فهو ظاهرة صحيّة، إذا حصلت في مجتمعات تصون التعدّدية الفكرية والسياسية، وتسمح بالتداول السلمي للسلطة وباحترام وجود ودور «الرأي الآخر». وهي مواصفات وشروط لمجتمعات تعتمد الحياة السياسية الديمقراطية، وتكون مرجعيتها هي القوانين والدساتير المجمَع على الالتزام بها بين كلّ الأطراف. فلا ينقلب طرف على الآخرين وحقوقهم، أو على الدستور ذاته لمجرّد الوصول إلى الحكم. هكذا هو حال التجربة التركية الآن، كما هي ظاهرة الأحزاب الدينية في المجتمعات الأوروبية العلمانية.

لكن من الأمور المهمّ التوقف عندها، هو حال الخلط الفكري والسياسي الذي يحدث في المجتمعات العربية بين أتباع كلٍّ من الفريقين «العلماني» و«الديني»، كما هو أيضاً التخبّط أحياناً في استخدام المفاهيم والمصطلحات.

إنّ تعبير «العلمانية» لا يعني مطلقاً الارتباط مع كلمة العلم، ففي «المنجد اللغوي العربي» نجد أن أساس التعبير هو «العامي غير الإكليركي» الذي قد يكون فلاحاً أو طبيباً، وقد يكون أمّياً أو متعلماً. ولم تكن العلمانية في نشأتها الأساسية في أوروبا فكرة مضادّة للدين، بل يمكن اعتبارها كمذهب ديني جديد دخل على المسيحية الأوروبية ونشأ معها، ولم يدخل التجارب الإنسانية إلا بها.

فقد ارتبطت نشأة العلمانية بصراع بين مؤسسة دينية كاثوليكية أوروبية احتكرت كل شؤون الدين والدنيا، وبين مؤسسات غير دينية نامية رافقت نشوء الدول والقوميات في أوروبا. ولم تكن العلمانية الأوروبية دعوة إلى الكفر بالدين، بل كانت ركناً في نظام شامل متكامل للحياة الدنيا، وكانت محصّلة عوامل سادت في أوروبا نحو سبعة قرون امتزجت فيها الثورة على استبداد الكنيسة أيام الأمراء والإقطاع، ثم على تدخّل الكنيسة أيام الثورة الصناعية، وانتهت إلى الجمع بين العلمانية تجاه الدين، وبين الفكر الليبرالي الرأسمالي تجاه الدولة والاقتصاد.

وكانت العلمانية الأوروبية تعني عزل الدولة عن سلطة الكنيسة وليس عن الدين، وكانت تعني استمرارية لحركة التنوير والنهضة (التي بدأها مارتن لوثر في أوائل القرن السادس عشر)، كما كانت تعني استخدام العقل وعدم القبول بقدسية كل ما تقوم به الكنيسة.

لقد كان جوهر «حركة التنوير الأوروبي» هو الثقة في مقدرة العقل على إدراك الحقيقة.. وهو جوهر نثرت بذوره في أوروبا جماعة من الدارسين يسمّونها «المدرسة الرشدية»، نسبة إلى الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد (توفي 1198م). ثم ظهرت في القرن العشرين الأنظمة العلمانية اللادينية، وهي التي ارتبطت بالفلسفة الماركسية اللينينية، والتي اعتبرت أنّ «الدين أفيون الشعوب».

وبينما ارتبطت التجربة العلمانية الغربية، الفاصلة للدين عن الدولة وغير الرافضة للدين المسيحي، بأنظمة حكم ذات نمط ديمقراطي في الداخل وتوجّه استعماري للشعوب الأخرى، وعلى أساس مصالح اقتصادية فرضتها الثورة الصناعية في أوروبا وحاجتها لأسواق ولموارد خام..

فإنّ العلمانية الشيوعية كانت ذات سمة دكتاتورية، وفاصلة للدين عن المجتمع (وليس عن الدولة فقط) ورافضة لكلِّ الأديان، وارتبطت بحركات وأحزاب ذات توجّهات معادية للدين والقومية معاً إذن، ليس هناك نموذج تطبيقي واحد لمصطلح «العلمانية»، بل حتّى في الدائرة الغربية الديمقراطية، نجد اختلافاً في المفهوم .

وفي التطبيق بين العلمانية الأوروبية والعلمانية الأميركية. إنَّ «العلمانية الأميركية» لا تفصل الدين عن الدولة كلّياً، كما هو الحال مثلاً في فرنسا وتجارب أوروبية أخرى، ولا يجد الرئيس الأميركي (أي رئيس) حرجاً في الذهاب أسبوعياً للكنيسة من أجل الصلاة، بينما لا يُتصوّر قبول ذلك في بعض التجارب العلمانية الأوروبية.

العلمانية الأميركية تشجّع على الإيمان الديني ولا تحاربه، وتقوم المؤسسات الحكومية بدعم المراكز والمؤسسات الدينية (وبعضها إسلامي)، وتتمّ الصلاة في مؤسسات حكومية وتشريعية بشكلٍ مشابه تماماً لما يحصل في كثير من البلدان العربية والإسلامية. وحقوق الناس في ممارسة شعائرهم الدينية (بما في ذلك مسائل الشكل واللباس) مصونة بحكم القانون. وهذا أمر لا توفّره مثلاً التجربة العلمانية الفرنسية أو حتّى التركية.

فالعلمانية، في التجربة الأميركية، هي لضمان حقوق كل الطوائف والأديان ولمنع هيمنة إحداها على الأخرى، بينما تمّ استخدام العلمانية في تجارب عالمية أخرى للحدِّ من دور رجال الدين في المجتمع، كما في التجارب الأوروبية، أو للحدِّ من دور الدين عموماً في حياة الناس، كما كانت عليه التجارب الشيوعية. في المحصّلة، ليست هناك «علمانية عالمية واحدة» لقبولها أو رفضها. فالعلمانية أيضاً أصبحت مدارس مختلفة.

مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن

=======================

بين المخارج المشرفة والتخريجات المؤسفة

آخر تحديث:الخميس ,03/12/2009

الخليج

عزمي بشارة

توالت مؤخراً تداعيات انتخاب نتنياهو واتضاح طبيعة العلاقات الأمريكية- “الإسرائيلية” للمرة الألف حتى في عهد أوباما . وبالعامية “حاصت” القوى السياسية الفلسطينية، أو دارت في مكانها بعصبية وحيرة ضاربة أخماساً بأسداس . وتتالى الإدلاء بمواقف وتصريحات جسيمة تعبر عن حالة من عدم الارتياح الشديد . واستنجد رئيس السلطة الفلسطينية بما يسمى “المجتمع الدولي” لأنه لا يمكنه الاستمرار بهذه الطريقة ملوّحاً بإمكان عدم ترشيحه (عدم رغبته في الترشح مرة أخرى) . وفي غضون أسبوعين تطرّق ناطقون باسم السلطة مرة إلى إمكان حل السلطة، ومرة إلى حل الدولة الواحدة، وثالثة إلى التوجه إلى مجلس الأمن لترسيم حدود الدولة الفلسطينية، أي لترسيم حدود الرابع من يونيو/حزيران . وهي حدود معروفة لا تحتاج إلى ترسيم . لأنها هي هي خطوط الهدنة التي رسمتها المعركة، ووقع عليها في رودس مع الجيش الأردني عام ،1949 وأهمها خطوط الهدنة داخل القدس نفسها . . وخرائطها موجودة جاهزة في الأرشيفات . هي إذاً خطوط واضحة خلافاً لحدود التقسيم 1947 التي رسمتها وصاغتها الأمم المتحدة من لا شيء . وصارت هي أيضاً خرائط في الأرشيفات .

 

ومع أن التوجه إلى مجلس الأمن تحوّل من “أضعف الإيمان” الذي تسخر منه الثورة الفلسطينية إلى خيارٍ يهدد به الفلسطينيون خصومهم، إلا أن هذا الخيار الأخير هو الأكثر جدية من ناحية السلطة والأكثر انسجاماً مع استراتيجيتها . أما الخيارات الأخرى فلا تنسجم ضمن تصورها لنفسها وللعالم، وهي تشبه التلويح والتهديد في مشادة أكثر مما تشبه التكتيك السياسي، ناهيك عن الاستراتيجية .

 

فالدولة الواحدة هي حلٌ يُطرَحُ لمصلحةِ الشعبين . وعلى من يجِدّ في مثل هذا الحل أن يُقنِع، لا أن يهدّدَ به، كأنه يهدد بحرب لا يقصدها أصلاً كي يُنَفرَ منه، فلا نحصد من هذا التلويح سوى أن خيار الدولة الواحدة خيار سيّئ يُلَوح به للتخويف . الضرر اللاحق بهذه الفكرة جراء هذا الاستخدام هو ضرر جسيم . أما فكرة حل السلطة فحبّذا لو كانت واقعية، وكان حلها ممكناً . فلا أفضل لمسار أوسلو من عودة التاريخ إلى الوراء كأنه لم يكن . ولا أفضل للمقاومة من عودة “إسرائيل” للاهتمام بالقمامة وتأمين العمل والصحة والتعليم بالحد الأدنى من واجبات الدولة المحتلة وعودة فصائل المنظمة بالمقابل للاهتمام بالمقاومة . ولكن هيهات، فالتاريخ لا يعود القهقرى . وعلى أية حال، فإن السلطة هي كل ما يملكه أربابها وربابنتها وربيبوها . ولن يتخلوا عنها . وإذا تخلوا (في خيالنا الجامح طبعاً) فلن تقبل “إسرائيل” أن تعود للاحتلال المباشر، وستنشأ حالة فراغ تملأه الأجهزة الأمنية . والمرشحون ل”إنقاذ الشعب الفلسطيني” من حالة الفوضى بدعم غربي و”إسرائيلي” همُ كثُر .

 

أما اقتراح التوجه إلى مجلس الأمن لاستخلاص قرار بإقامة دولة وترسيم حدودها، فهو خيار أكثر جدية، إذ ينسجم مع عالم ولغة أصحابه السياسية . هذا وإن أدى إلى معاناة التقاط الصور التي لا يرغبون فيها مع قادة عالم ثالثيين شعبويين (برأي الكاتب أيضاً) من أمثال شافيز بعد التعود على الصور في البيت الأبيض . ولكنه للأسف عبارة عن تخريجة، وليس مخرجاً مشرفاً . والتخريجة غير موجودة في لسان العرب، ولكن عبقرية العامية الدارجة جمعت فيها دلالتين: ما تفعله الأم لتخرج اللعنات والأرواح التي تؤمن بها من عالم طفلها المريض الناجم عن اللعنات، كما تؤمن هي، والتخريجة في هذه الحالة سحر وشعوذة، وما يفعله المرء للاحتيال بصيغ تبدو كأنها مخرج ولكنها ليست مخرجاً فعلياً . نحن نتحدث في الحالين عن محاولة التأثير في الواقع بالالتفاف عليه بالسحر والشعوذة وخفة اليد .

 

وهي ليست مشرفةً لأنها تعبر عن مأزقِ سلطةٍ لا يمكنها العودةَ للمفاوضات، ولا يمكنها أيضاً العيش سياسياً من دون مفاوضات . ومن هنا فهي تستدر عطفاً ودعماً . أقطابها يتحركون دولياً لتحريك الأوضاع في نوع من الحركة الدبلوماسية غير المدعومة بخيارات بديلة عن خيار التفاوض . وبالتالي فإن “العالم” لا يرى تهديداً، كما لم تهتز قصبة لنفس هذا “العالم” (وهو في عرفهم أمريكا وأوروبا) عندما أعلن رئيس السلطة الفلسطينية “عدم رغبته” في ترشيح نفسه . لقد استخدموه ولا يبدو أنهم سيذرفون عليه دمعة، بل سيفكرون فوراً بالبديل . فهو عزيز فعلاً، ولكن معزّته ليست شخصية . . حليفهم في مأزق هذا صحيح، ولكنه لا يهدد بالعودة للانتفاضة، ولا حتى للحجر . وبالتالي فإن الحركة في مجلس الأمن محرجة قليلاً له و”للعالم” . ولكنها في النهاية سوف تنتهي، ويعودون إلى المأزق نفسه . فمجلس الأمن لا يغير موازين القوى، ولا الواقع على الأرض، ولا حتى حين يرسل قوات لتغيير الواقع وإسقاط دول . فحينها لا يقوم مجلس الأمن بتغيير الواقع، بل تقوم بذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها عبر استخدام مجلس الأمن . ولا يبدو أن الولايات المتحدة عازمة على استخدام مجلس الأمن لإقرار فرض عقوبات على “إسرائيل”، ناهيك عن إرسال قوات لتحرير مناطق الضفة الغربية والقدس التي سيعلن عنها مجلسُ الأمن دولةً . وبالعكس، فإن هنالك احتمالاً جدياً بأن تحبط قرارَه باستخدام حق النقض، باعتبار اقتراح القرار الفلسطيني هو دعوة “للتدخل” في المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة بين “الطرفين” . ومؤخراً قام ميتشل الذي أكثرت بعض “الصحافة العربية الخفيفة” (أو باختصار “الصخافة”) من التغني بأصوله العربية، قام، لا فضّ فوه ولا عشم يثنوه، بتهنئة نتنياهو على تخفيف الاستيطان .

 

ومنذ “أوسلو” تصر الولايات المتحدة على أن على الهيئات الدولية ألا تتدخل في عملية السلام، وأن تترك “الطرفين” يتفقان . وهذا المنطق هو أحد أهم أبعاد أوسلو من ناحية “إسرائيل” . ففي أوسلو خرجت “م ت ف” عن تقليد تطبيق القرارات الدولية إلى المفاوضات بين “طرفين” كاملي الإرادة، متساويين كذباً، متكافئين زوراً، بوسيط محايد زوراً وبهتاناً، ألا وهو الولايات المتحدة . وها هي السلطة تدرك للمرة الألف منذ عقدين أنها في ورطة ومأزق . وهي تحاول استثارة الشفقة أو التعاطف القائم على تقدير موقفها وضرورة إنقاذها .

 

وفي كل مرة تعود فيها السلطة لاستدعاء المجتمع الدولي الذي همشته، أو إلى التضامن الذي هدمته بمعاولها تجد أن قسماً كبيراً من الدول التي كانت حليفة للشعب الفلسطيني استغلت “أوسلو” لتنظم علاقاتها مع “إسرائيل” (والهند فقط حالة من هذه الحالات)، ولكن غيرها كثير، كما لوحظ مؤخراً من زيارة تسيبي ليفني المعيبة إلى المغرب . وهي وزيرة خارجية “إسرائيل” إبان حربها على لبنان وعلى غزة .

 

على كل حال لنفترض أن مجلس الأمن أقر التوجه الفلسطيني، فماذا سوف يحصل بعدها؟ لقد أقرت هيئة الأمم المتحدة حدوداً أفضل بكثير هي حدود التقسيم لعام 1947 . ووافقت عليه الحركة الصهيونية في حينه، فماذا حصل؟ احتلت “إسرائيل” غالبية القسم المقرر أن تقوم عليه دولة عربية في فلسطين . سيكون القرار المقترح تراجعاً عن قرار التقسيم، وهو القرار الدولي الوحيد الذي يتضمن حدوداً مرسمة بين الكيانين . وسيكون من دون حق العودة . ولن تطبق “إسرائيل” قرار مجلس الأمن، بل سوف تدعو السلطة إلى العودة للتفاوض لأنه لا شيء يلزمها سوى المفاوضات برعاية أمريكية .

 

لقد أعلنت دولة فلسطينية عام 1988 في الجزائر . ولكن قلة تذكر أن الإعلان جاء بناء على قرار التقسيم من العام 1947 . أما الإعلان الحالي فيرغب في أن يأتي بناء على قرار مجلس الأمن على حدود 1967 . أي أن السلطة “تهدد” إسرائيل بالتراجع عن الإعلان السابق، ولتهتز أركان الهيكل . وسوف تبقى السلطة في حدودها الحالية . أي أنها سوف تتحول في أفضل الحالات إلى دولة محاصرة بحدود مؤقتة على نمط اقتراح موفاز . ولكنه سوف يبدو كأنه إنجاز وتحد .

 

ويستشهد البعض بالغضب “الإسرائيلي” من التحرك الفلسطيني لإثبات صحته . هذا ليس دليلاً على الإطلاق . فمن الطبيعي أن تعارض “إسرائيل”، لتحصّل ما هو أفضل لها دائماً . فهذه الدولة خلافاً للعرب ترى في كل شيء خسارة لها، وتنازلاً منها، ولا تتوقف عن البكاء والتمسكن، حتى حين يرى العرب قرار مجلس أمن انتصاراً لهم، رغم أنه لن يطبق .

 

إن أي مخرج مشرّف يتطلب تغييراً ما في الاستراتيجية التي قادت إلى المأزق .

 

حين تصل قيادة إلى وضع تهدد فيه بالاستقالة، وتخرج من لدنها في الوقت ذاته ثلاث استراتيجيات متضاربة فلا يعني هذا سوى أنها في مأزق . ومأزق القيادة السياسية إذا ارتبط بخيار سياسي يكاد يكون تاريخياً، ودافعت عنه وربطت مصيرها ومستقبلها به في مرحلة تاريخية معينة، هو مأزق لهذا الخيار . وإذا تورط قسم كبير من نخب الشعب الفلسطيني وجمهوره في هذا الخيار، فإن المأزق هو مأزق شعبي . والشماتة في مثل هذه الحالة هي حماقة، فحال مرتكبها كحال المتشفي بمأساته .

 

تتطلب المسؤولية السياسية إذاً حواراً عربياً وفلسطينياً للبحث عن مخارج . وأقول مخارج مشرّفة، وليس حلولاً ولا استراتيجيات . لأن الاستراتيجية برأي الكاتب غير مرتبطة بالوعظ والتبشير، بل بالهدف وبمقومات هذه الاستراتيجية المادية وعناصرها وحَمَلَتِها، وبالإرادة أيضاً . وهذه كلها لا يمكن فرضها . فبرأيي لا يوجد حل لقضية فلسطين، ناهيك عن حلول، بل إما أن توجد استراتيجية مواجهة عربية أو لا توجد . والمقاومة هي حالة بينية لا بد من توفرها إلى أن توجد استراتيجية مواجهة عربية . ومهمة المقاومة هي تحرير الأرض بالمعنى القطري للكلمة، ومنع تحوّل “إسرائيل” إلى حالة طبيعية في المنطقة، وتقديم نماذج ناجحة في مواجهة “إسرائيل”، وتقديم الدليل أن هذه المواجهة ممكنة، وتطوير إرادة المجتمعات العربية، ومنع فرض حلول غير عادلة . . . وغيرها . وقد حقّقت المقاومة إنجازات في هذه المجالات . ولا يمكن فرض حلول أو استراتيجيات على من تبنّى حتى الآن استراتيجية محدّدة جداً مناقضة لما نقترح . ولكن لا بد من طرح المخارج عليه لكي لا تُفَسر الأمورُ بأن جزءاً من الشعب الفلسطيني ينتظر فشل الجزء الآخر ليتفرج على عملية سقوطه أو ذهابه في طريق الفشل إلى نهايةٍ يدفع الجميع ثمنها . فقد وُقعَ “أوسلو”، ولكن من دفع ثمنه هو من وقعه ومن عارضه، وحبذا لو طرحت مخارج لعدم توقيعه من قبل الدول العربية، بدلاً عن الدفع باتجاهه أو انتظار فشله .

 

لن تعود السلطة الفلسطينية إلى خيار المقاومة . وما زالت الدول العربية غير راغبة في تبني خيار المواجهة من جديد . وهو برأينا أمر لا بد من حصوله في النهاية بهذه الأنظمة أو من دونها، فإن أي تحديث وتطوير للعالم العربي، وأي نهوض ديمقراطي، وأية نهضة، وحتى أي إلغاء للتأشيرات بين الدول العربية سوف يؤدي إلى التصادم مع “إسرائيل” .

 

ولكن في هذه الأثناء، كيف يمكن أن تقترح على جزء كبير من الشعب الفلسطيني مخارج مشرّفة؟ لا بد أولاً من الاعتراف بفشل طريق “أوسلو” . والتلويح الجدي يكون بالعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية وإقامة حكومة وحدة وطنية فلسطينية . هذا تهديد، وهو تهديد جدي، ويجب أن يُنَفذ، لأن البديل قاد إلى مأزق . ثم لا بد من وضع برنامج سياسي مشترك يلزم الجميع، وذلك في مقابل تخلي السلطة عن التنسيق الأمني مع “إسرائيل” . أما بالنسبة للعودة إلى المفاوضات، فلا عودة إلى المسارات المنفصلة لأنها تتيح ل”إسرائيل” الاستفراد بكل طرف على حدة، بل وإيجاد وهم حول وجود تنافس معيب ليس له وجود بين المسارات . ومن هنا فإن أي خيار تفاوضي لا بد أن يكون بمنطق مبادرة السلام العربية الشاملة لفلسطين وسوريا ولبنان سوية . إذ لا يمكن التفاوض على القدس وعلى حق العودة فلسطينياً، ولا يجوز أن توقع سوريا ولبنان اتفاقيات سلام مع “إسرائيل” بناء على حدود الرابع من حزيران، ومن دون حق العودة . ومن يشكك في نوايا سوريا فليلزمها بالتنسيق معه من خلال حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وفي مسار تفاوضي عربي واحد .

 

لن تقبل “إسرائيل” بما نطرحه هنا للآخرين كمخرج . فكاتب هذه السطور يرى أصلاً أنه يجب إلغاء مبادرة السلام العربية، ولكنه كلام مطروح كمخرج لغيرنا بمنطقه هو، منطق التفاوض، وليس بمنطق كاتب هذا المقال . ولكنه لو كان منطقاً متماسكاً على الأقل، فسوف يطرح مخرجاً مشرفاً . وفي حالة فشل مثل هذه المبادرة، وسوف تفشل، يجب أن تدعو الدول العربية الأردن ومصر إلى إلغاء السلام المنفرد مع “إسرائيل” . فقط في مثل هذه الحالة تطرح خيارات بديلة، خيارات مواجهة، يقود إليها منطق التفاوض . وهي تحوّل المأزق إلى مأزق “إسرائيلي” وأمريكي . وهي تطرح حلاً لاستعادة التضامن العربي بلغة لا يريد النظام الرسمي العربي حالياً التخلي عنها . حسناً، من لا يريد التخلي عن منطق التفاوض فليطْرَحه على الأقل بشكلٍ ناجعٍ يحرجُ ويقلق “إسرائيل” وأمريكا فعلاً، ويلزم العرب بطرح خيارات أخرى . باختصار لا مخرج مشرّف من دون التخلي عن مسار أوسلو .

======================

خطر "الإسلاموفوبيا"

آخر تحديث:الخميس ,03/12/2009

الخليج

حسام كنفاني

لا يمكن النظر إلى الاستفتاء الأخير في سويسرا على حظر المآذن على أنه مجرد توجه يميني في بلد أوروبي اشتهر بتعدديته الثقافية، لا سيما أن ردود الفعل التي تلت النتائج تشير إلى مخاوف من انتشار ما بات يسمى “الإسلاموفوبيا” في أوروبا .

 

من هذا المنطلق يمكن قراءة التنديدات الأوروبية والغربية لقرار السويسريين بحظر النتائج . تنديد نابع من الخوف الأوروبي من توسع هذه الظاهرة وتأثيرها بشكل واسع على الحياة الاجتماعية في هذه البلاد، التي تضم عدداً كبيراً من المسلمين، سواء المهاجرين القدماء أو الجدد، أو المتحولين إلى الإسلام من أهل البلاد الأصليين .

 

بوادر توسّع هذه الظاهرة بدأت في الظهور رويداً رويداً، فرغم الإجماع الرسمي في أوروبا على رفض القرار الشعبي السويسري، إلا أن الأصوات اليمينية في بعض الدول بدأت بالحث على السير على خطى سويسرا . أول هذه الأصوات اليمينية خرج من هولندا، حيث أعلن زعيم حزب الحرية اليميني غيرت فيلدرز أنه سيطالب الحكومة بإجراء استفتاء على حظر بناء مآذن للمساجد، ودعا إلى حظر القرآن الكريم أيضاً . واعتبر أن أوروبا تواجه خطر ما أسماه “الأسلمة”، ووصف الثقافة الإسلامية بأنها “متخلفة” .

 

قد لا يطول الوقت قبل أن تصدر المزيد من هذه الدعوات في باقي الدول الأوروبية التي تعيش فورة يمينية على حساب تراجع وتقوقع اليسار . فورة يمينية كانت لها مؤشراتها المعادية للإسلام، ابتداء من تصوير النقاب على أنه خطر في فرنسا، وصولاً إلى قتل المصرية مروة الشربيني في ألمانيا . مؤشرات كانت محصورة بإجراءات محلية أو فردية، لكن ما حصل في سويسرا ينبئ بتشريع مثل هذه الإجراءات وتعميمها على الصعيد الوطني .

 

مثل هذا التطور يبدو ماثلاً في أذهان المسؤولين الأوروبيين، الذين استقبلوا نتائج الاستفتاء بالإعراب عن “الصدمة” . صدمة قد لا تكون نابعة من مجرد النتائج، لكن من تأثيراتها وتداعياتها على باقي الدول الأوروبية، التي قد تشهد تصاعداً في موجة معاداة المسلمين، التي قال عنها أحد الباحثين السويسريين إنها باتت “تتفوق على معاداة السامية” .

 

“الإسلاموفوبيا” هو الظاهرة اليوم، مصطلح سيتوسع استخدامه يوماً بعد يوم، ليحتل الحيّز الأول في الاهتمام الأوروبي، في حال لم يتم تداركه بإجراءات تثقيفية وترويجية لفكرة “العيش المشترك” بين الأديان، الذي امتازت به أوروبا خلال السنوات الماضية . إجراءات يجب أن تكون سريعة قبل أن يصبح التطرف وحده سيد الموقف .

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ