ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 02/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


واجبنا أن نقلق

الثلاثاء, 01 ديسيمبر 2009

حازم صاغيّة

الحياة

سابقاً كانت أوصاف «المهارة» و«البراعة» و«الذكاء» تُسبغ على السلوك الإيرانيّ في ما خصّ «الملفّ النوويّ». الآن، تبدو الأمور مختلفة، فتطغى تعابير «القلق» و«التهديد» و«الإخلال المتعمّد بقرارات الأمم المتّحدة».

الوكالة الدوليّة للطاقة النوويّة دانت إيران لتغطيتها على بناء موقع لتخصيب اليورانيوم، قرب مدينة قم، ومررتْ، بهذا الخصوص، قراراً بالغ القسوة حيال طهران. جاء هذا بُعيد قيام البرلمان الإيرانيّ ب»حضّ» حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد على تقليص تعاونها مع الوكالة الدوليّة. وما لبثت الحكومة المذكورة أن أجازت خططاً لبناء عشرة مواقع أخرى للتخصيب.

السلوك استفزازيّ بما لا يرقى إليه الشكّ. وربّما كانت حسابات أحمدي نجاد، ومن ورائه المرشد خامنئي، أنّ إيران تستطيع، عبر الاستفزاز والتصلّب، تحسين مواقعها التفاوضيّة، فضلاً عن إسكات الانتقادات الداخليّة لسياساتها النوويّة. ذاك أن النجاح يُظهر تلك الانتقادات وأصحابها في مظهر البلهاء، بل في مظهر المتواطئين مع «أعداء إيران». وأغلب الظنّ أن أحمدي نجاد وصحبه لا يرون إلاّ النجاح في أفقهم لأنّ إدارة أوباما غارقة في وحول أفغانستان والعراق، فضلاً عن الأزمة الإقتصاديّة.

وهذا، كما يمكن الترجيح، حساب متسرّع، تسرّعُه هو ما يفسّر تحوّل اللغة، في ما خصّ سلوك إيران، من أوصاف إلى أوصاف أخرى نقيض. فقرار الوكالة الدوليّة ضدّ بناء إيران موقعاً آخر سرّيّاً للتخصيب وجد الدعم من روسيا والصين. وكان أغلب المراقبين قد توقّع تحوّلاً تدريجيّاً في الموقف الروسيّ بمجرّد تخلّي إدارة أوباما عن مشروع الدرع الصاروخيّ. وهذا لا يعني، بالضرورة، أن الروس والصينيّين سيشاركون في جولة أخرى من العقوبات التي قد تواجه إيران. بيد أنّه يعني حرمان إيران من الدعم الروسيّ في معركة ديبلوماسيّة كتلك. وهو قد يعني أيضاً امتناع موسكو عن تزويد طهران منظومة «إس 300» المضادّة للصواريخ، ما يضعف كثيراً القدرة الدفاعيّة الإيرانيّة.

لكنْ في معزل عن مشاركة روسيا والصين، أو عدم مشاركتهما، لن تكون مواجهة العقوبات الجديدة المحتملة بالأمر البسيط: فالأطراف المرشّحة للمشاركة فيها ستضمّ، على الأقلّ، الولايات المتّحدة والدول الوازنة في الاتّحاد الأوروبيّ. كذلك يُقدّر أن العقوبات الجديدة المحتملة ستتركّز على التجارة النفطيّة الإيرانيّة أكان لجهة السلع البتروليّة المكرّرة والمستوردة من الخارج، أم لجهة شركات التأمين والناقلات. أي أن معظم التصدير والاستيراد الإيرانيّين المتعلّقين بتلك الثروة الحيويّة سيتوقّف تماماً. ونعلم أن الاقتصاد الإيرانيّ أحد أكثر الاقتصادات العالميّة أحاديّة في الاعتماد على مصدر بعينه. والمعروف، كذلك، أن إيران تئن تحت وطأة ما نزل بها من عقوبات حتّى الآن: فالولايات المتّحدة كانت قد فرضت قيوداً عليها منذ احتجاز موظّفي سفارتها في طهران في 1979، وهو ما انتهى مقاطعةً تجاريّة شاملة في 1995. وفي كانون الأوّل (ديسمبر) 2006، صدر قرار مجلس الأمن 1737 الذي يطالب الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة «بالامتناع عن تزويد أو بيع أو نقل... كلّ البضائع والموادّ والتجهيزات والسلع والتقنيّات مما قد يساهم» في البرامج الإيرانيّة الغامضة. ثمّ في آذار (مارس) 2007، مرّر المجلس القرار 1747 الذي حاول ضبط تلك البرامج عبر منع التعامل مع مصرف «سيباه» المملوك رسميّاً، ومع 28 شخصاً ومنظّمة بعضهم موصول، على نحو أو آخر، ب»الحرس الثوريّ». ومعروف أن استيراد السلاح من إيران ممنوع، فيما الدول الأعضاء مطالَبة بتجنّب بيعها أنظمة سلاحيّة مهمّة ومؤثّرة. كذلك يُفترض أن تقتصر القروض التي تعطى لإيران على الوظائف الإنسانيّة وأغراض التنمية وحدها. وفي آذار 2008، كان للقرار 1803 أن وسّع الرقابة على الحركة والسفر بحيث طاولت مزيداً من الشركات الإيرانيّة ومن الأفراد المتّهمين بصلة أو أخرى بالمشاريع الغامضة. وقد منع القرار المذكور بيع إيران السلع المزدوجة الاستخدام، أي المدنيّة والعسكريّة في وقت واحد، داعياً الحكومات الدوليّة إلى سحب دعمها الماليّ عن الشركات المتاجرة مع إيران، وتفتيش الناقلات التي تقصد ذاك البلد أو تأتي منه، ومراقبة النشاطات التي يتولاّها مصرفان إيرانيّان.

والخلفيّة لا تحمل إلاّ على افتراض الأسوأ: ففضلاً عن اللغة والاستفزازيّة الإيرانيّتين اللتين اندفعتا، في الفترة الأخيرة، إلى حدّهما الأقصى، هناك السابقة القائلة إن طهران أخفت برنامجها للتخصيب طوال 14 عاماً، وحين أبلغت الوكالة أخيراً بموقعها القريب من قم، فعلت ذلك بعد أن تناهى الخبر للوكالة بوسائل أخرى. هكذا لم يحل الإخطار الإيرانيّ دون اتّهام أوباما الإيرانيّين بتطوير موقع جديد «قد تكون له استخدامات عسكريّة».

وهذا الأفق المدلهمّ لا يبدو كافياً في نظر الإسرائيليّين الذين يرون، وعلى عادتهم، أنّ الحلّ العسكريّ هو وحده ما يريحهم. وفي هذه الحال لا يبقى لنا إلاّ الفرح العميم، نحن الذين نريد سلاحاً نوويّاً إيرانيّاً يصادم مثيله الإسرائيليّ فوق رؤوسنا.

الشيء الذي يليق بنا اليوم هو أن نقلق!.

================================

التغطية الصحافية الخاطئة لأخبار الشرق الأوسط

الثلاثاء, 01 ديسيمبر 2009

روجر أوين *

الحياة

كنتُ أقرأ كتاباً لصحافي هولندي شاب، اسمه جوريس لوينديك، الذي كان يغطّي أخبار الشرق الأوسط في صحيفة هولندية وقناة تلفزيونية هولندية على مدى خمس سنوات منذ عام 1998 ولغاية عام 2003. كما يشير عنوان الكتاب: «أشخاص مثلنا يشوّهون الحقائق في الشرق الأوسط»، يحاول المؤلف تفسير الخلل الحاصل في معظم، إن لم نقل جميع التقارير الغربية حول هذه المنطقة. ويبدو أنه لاقى تعاطفاً في هولندا حيث أحرز نجاحاً سريعاً فبيع منه حوالى 250 ألف نسخة في بلد يضمّ 16 مليون نسمة. وتمت ترجمته في ما بعد إلى اللغة الألمانية ولغات أوروبية أخرى، وفي عام 2009، صدر باللغة الإنكليزية.

وسرعان ما أدرك لوينديك الذي تمّ توظيفه لأنه يجيد اللغة العربية التي تعلّمها عندما كان تلميذاً في أمستردام والقاهرة، أن عملية جمع الأخبار المتعلقة بالشرق الأوسط محدودة ومقيّدة. كانت فرق من المراسلين الأجانب تذهب للبحث عن قصص حددتها لهم مسبقاً وكالات الأنباء بمساعدة المراسلين المحليين، ولا يتم إطلاعهم سوى على المعلومات التي تريد الحكومة إطلاعهم عليها، فيقدمون تقارير تكمن قيمتها الوحيدة في تاريخها الذي يدل على أن المراسلين زاروا مصدر الأخبار نفسه سواء في الخرطوم أو عمان أو بغداد.

وكانت محاولات جمع الأخبار المحلية من الأصدقاء أو المعارف المحليين مخيّبة أيضاً. فكيف يمكن المرء أن يفرّق بين الشائعة والحقيقة؟ وكيف يمكنك أن تعلم في بلد تغيب فيه استطلاعات الرأي أو المصادر الأخرى لمعرفة آراء الناس، ما إذا كانت أقوال شخص معيّن تنطبق على البلد بأكمله؟ كان هذا النوع من المشاكل محيّراً بالنسبة إلى لوينديك الذي كان من المفترض أن يغطي أحداثاً مختلفة في عشرة بلدان عربية وليس في بلد واحد فحسب.

والأسوأ أن عملية جمع الأخبار كانت تقوم على افتراض أن المراسل الأجنبي يجب أن يفهم ما يحصل. وحتى عندما يفضّل الإقرار بجهله للأحداث، كان المحرّر الأجنبي يصرّ على ضرورة أن يعرف شيئاً وأن يرسل تقريره على هذا الأساس. فكان وصفه مثلاً طريقة تغطية مأتم الرئيس حافظ الأسد عام 2000 معبّراً. تصرّف المراسل ضد قناعته الشخصية لاجئاً إلى مصادر الأخبار ومكرّراً ما قاله له المسؤولون المحليون حول ما أطلق عليه اسم «ربيع دمشق» بقيادة الرئيس بشار الأسد، في حين كان يشكّ شخصياً في إمكانية إجراء إصلاحات أساسية.

يمكن بالتالي استخلاص بعض الاستنتاجات. أولاً يرى لوينديك أن القصة الحقيقية لا تتعلق بأي مجرى معيّن للأحداث بل هي مجرّد تحليل لبنية وممارسات الديكتاتوريات العربية التي تمنع القيام بتحقيق في أي حدث جدي أو الكتابة عنه. ثانياً، عادت التقارير الأجنبية القليلة وذات النوعية الرديئة أحياناً إلى الغرب، حين بدت بعد اعتداءات 11 سبتمبر غير قادرة على تقديم أجوبة مرضية عن أسئلة أساسية مثل «لماذا يكرهوننا؟» وأي شريحة من الشعوب الإسلامية أو العربية دعمت الاعتداءات؟ وربما وضع لوينديك كتاباً عرض فيه هواجسه إزاء جمهور لم يقدر على الوصول إليه من قبل، ردّاً على عمله المخيّب كمراسل.

وثمة أمور كثيرة يمكن أن نتعلمها من القصة التي يرويها لوينديك في كتابه موضوع المقال حتى لو أن بعض ما يقوله يبدو مألوفاً جداً. ويعرف أي شخص يولي اهتماماً كبيراً بهذه المسألة أنّ عدداً قليلاً من المراسلين الغربيين يجيد اللغة العربية وأن معظمهم لا يجرؤ على الابتعاد عن محيط الفنادق الباهظة الكلفة التي يقيمون فيها وأن معظمهم يستقي معلوماته من المتكلمين باسم الحكومة المحلية وأن معظم الأخبار التي يكتبون عنها تشبه إلى حدّ بعيد تلك التي كتب عنها مراسلون آخرون منذ شهور قليلة.

صحيح أن إدارة الأخبار من عدد من النواحي في الأنظمة الاستبدادية تختلف عن طريقة إدارتها في المجتمعات الأكثر ديموقراطية حيث يمكن التأكد من مصادر المعلومات وطرح عدد أكبر من الأسئلة. لكن هل صحيح كما يقول الكاتب أن نشر الحقيقة عما يجرى في الشرق الأوسط هو أمر مستحيل؟ لا تمنع كل الأنظمة في الشرق الأوسط كتابة التحقيقات كما يلفت لوينديك، إما لأنها ضعيفة كتلك الموجودة في لبنان أو العراق، وإما لأنها تسمح بقدر معيّن من الانتقاد شرط ألا يكتبه الصحافيون المحليون باللغة العربية. ولا يمكن القول إن كلّ الصحافيين الأجانب يجهلون ما يحصل. لكنّ غالبية الصحافيين الذين يتطرقون بشكل جيد إلى هيكليات السلطة المحلية يكتبون في صحف ومجلات محدودة الانتشار مقارنة بالصحف اليومية.

إضافة إلى ذلك، يصعب أحياناً حجب بعض العمليات الواضحة. فلنأخذ مثلاً الجدل الدائر حول الشخص الذي سيخلف الرئيس حسني مبارك في مصر وهو موضوع لا يحتل مساحة كبيرة في صحف البلد فحسب بل يطبع سياسات الحكومة والمعارضة بطرق واضحة. فضلاً عن ذلك، أن أسماء مجموعة من الأصدقاء الذين يحتكرون مراكز الاقتصاد المحلي في عدد من الأنظمة الرئاسية العربية معروفة ويتمّ انتقادهم حتى لو كان يصعب معرفة تفاصيل عن طريقة جمع ثرواتهم الفاحشة.

في عدد من هذه الحالات، ليس الصحافيون الأجانب على غرار الصحافي الشجاع في صحيفة «لوموند» فلورانس بورج على خطأ بل الزعماء السياسيون كالرئيس ساركوزي وإلى حدّ ما باراك أوباما اللذين اختارا تجاهل الدليل الواضح على حصول انتخابات مزوّرة والتقرّب من المعارضة لمصلحة فرص تجارية أو لاستكمال الحرب على الإرهاب. بالنسبة إليّ على الأقل إليكم القصة الحقيقية: يقوم الصراع بين أنظمة استبدادية تحاول إقناع حلفائها الأجانب بأنها ديموقراطيات فعلية وتحظى بمعارضة وتدير دولها على أساس قاعدة القانون، وبين صحافيين يسعون بكدّ من أجل كشف هذه الخدعة ويقدّمون دلائل تشير إلى أن عكس ذلك هو الصحيح.

* اكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد

=============================

تدهور العلاقة بين إسرائيل وتركيا

الثلاثاء, 01 ديسيمبر 2009

سيريل تاونسند *

الحياة

أحياناً لا ينجح المراقب المحترف في رصد أي تحوّل في العلاقة بين بلدين في حين تشهد هذه العلاقة أحياناً أخرى تدهوراً حادّاً ومفاجئاً. فالأزمة التي برزت في العام الحالي بين إسرائيل وتركيا تندرج لا شك ضمن الفئة الثانية وإسرائيل هي الملامة الأولى على ذلك.

قد يفاجأ كثيرون بأن العلاقة بين إسرائيل وتركيا كانت جيّدة على مدى عقود. ففي آذار (مارس) 1949، كانت تركيا أول بلد إسلامي يعترف بدولة إسرائيل، وفي ظل الإمبراطورية العثمانية، درس عدد ممن أصبحوا لاحقاً سياسيين إسرائيليين مثل ديفيد بن غوريون، في اسطنبول. وخلال الحرب العالمية الثانية، فرّ عدد من اليهود الأوروبيين إلى تركيا.

لقد انتقدتُ على مدى ما يزيد عن عشر سنوات الشراكة الاستراتيجية الإسرائيلية - التركية التي سمعتُ أكاديمياً إسرائيلياً يصفها عن طريق المزاح على أنها بمثابة شراكة بين طرفين سيّئين. وعندما تمّ الإعلان عنها لأول مرة، اعتبرتُ أنها خطأ فادح ارتكبه البلدان ولا أزال أعتقد ذلك.

استمدّت إسرائيل، التي ترى نفسها عرضة دائمة للتهديد، طمأنينتها من شراكتها الجديدة مع تركيا وهي بلد يضمّ اليوم 71 مليون نسمة كما أنه عضو في حلف شمال الأطلسي. قد تفتقد تركيا المعدات العسكرية المتطوّرة إلا أنها كانت لاعباً عسكرياً قوياً يحظى بجيش كبير وقاعدة صناعية واسعة.

في ذلك الوقت، وإبان انتهاء الحرب الباردة، شعرت تركيا بأنه لم يكن مرحباً بها. فقد أبدى الاتحاد الأوروبي عدم تأييده طلبها الانضمام إليه. وكان ثمة خلاف تاريخي على الحدود واختلاف في الآراء حول المياه مع سورية. كما لم تكن تركيا تثق بالرئيس صدام حسين وكانت في حالة حرب مع «حزب العمال الكردستاني». وجاءت الشراكة مع إسرائيل نتيجة مبادرة تركية طرحها الجنرالات الأتراك وحظيت بدعم لافت من الولايات المتحدة.

اعتبر البعض في الكيان الإسرائيلي أن هذه الشراكة مهمّة بقدر أهمية معاهدة السلام مع مصر. ورأت إسرائيل أن لها مصالح استراتيجية مشتركة مع تركيا في هذه المرحلة من تاريخهما ورحّبت بفكرة تعاون بلدين غير عربيين واضطلاعهما بدور قيادي في الشرق الأوسط. كما اعتبرت تركيا أن هذه الشراكة تشكّل تحوّلاً كبيراً في سياستها الخارجية وعاودت التركيز على الشرق الأوسط بعد انهيار الشيوعية.

جلبت الشراكة فوائد عسكرية وتجارية للشريكين، فراحت القوات الجوية التركية تتدرب في إسرائيل فيما بدأت القوات الجوية الإسرائيلية تتمرّن فوق الأراضي التركية الشاسعة. وكانت إسرائيل متلهفّة لاستخدام المرافئ التركية من أجل غواصاتها الألمانية الصنع والمزوّدة بصواريخ نووية.

وقبيل نهاية ولاية رئيس الوزراء إيهود أولمرت، كرّس نظيره التركي رجب طيب أردوغان وقتاً طويلاً ومجهوداً كبيراً للتوسط بين إسرائيل وسورية، ولا شك أنه كان مدعوماً من خلف الكواليس من وزارة الخارجية الأميركية. ويبدو أن تركيا شكّلت الخيار الصائب للاضطلاع بهذه المهمة الأساسية كونها بلداً مسلماً وشريكاً استراتيجياً لإسرائيل. وقيل لنا مراراً وتكراراً أن اردوغان على وشك إبرام صفقة تهدف إلى إعادة هضبة الجولان إلى سورية.

ومن ثمّ شنت إسرائيل حربها المجنونة والبغيضة على قطاع غزة، ما صدم رئيس الوزراء أردوغان. وقد انسحب من دافوس واتهم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بأنه «كاذب» مضيفاً أنه «عندما نأتي للحديث عن القتل فأنتم تجيدون القتل جيّداً». ولاقى رد فعل أردوغان ترحيباً واسعاً في جميع أنحاء العالم الإسلامي. فقد قام أخيراً زعيم وطني بانتقاد إسرائيل أمام رئيسها.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ألغت تركيا من دون إعطاء مهلة كافية مناورة عسكرية مع إسرائيل بسبب العداء الكبير الذي يكنه الشعب التركي لإسرائيل. ولو حصلت هذه المناورة فإن عدداً من الطيارين الاسرائيليين الذين دمروا معظم قطاع غزة كانوا سيشاركون فيها في الفضاء التركي. كما علمنا ايضاً أنه تمّ إلغاء عدد من المشاريع العسكرية مع إسرائيل والبالغة قيمتها حوالى بليون دولار.

في السنة الحالية، قرّرت الحكومة التركية أن تعيد النظر في سياستها الخارجية المستقبلية. وأنا متأكد من أنها لا ترغب في أن تقطع علاقتها بالاتحاد الأوروبي أو بالولايات المتحدة لكنها تبدو مستعدة لقطع علاقتها بإسرائيل. وردّاً على ذلك، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أنه لا يمكن النظر إلى تركيا بعد الآن على أنها وسيط غير منحاز إذ إنها تحالفت مع العرب ضد إسرائيل. فهل يعي رئيس الوزراء نتانياهو أن بلده لم يعد يملك اليوم الكثير من الأصدقاء وأن علاقته التي كانت قوية بالولايات المتحدة تعاني الفتور؟ وهل يدرك أنه مسؤول عن الوضع الراهن؟

يبدو أن عجرفة السياسيين الإسرائيليين لا تعرف حدوداً وأن كثيرين من الإسرائيليين دعموا تدمير جزء كبير من قطاع غزة. وكانت تركيا أفضل من يساعد على التوصل إلى اتفاق حول هضبة الجولان. ويبدو أن وزارة الدفاع الإسرائيلية قد اقتنعت أن هذه المنطقة المرتفعة تتسم بأهمية استراتيجية محدودة.

* سياسي بريطاني ونائب سابق

==============================

العراق من حرب إلى حرب

صدام مرّ من هنا (1)

القبس

1-12-2009

تأليف: غسان شربل

«العراق من حرب إلى حرب... صدام مرّ من هنا» عنوان الكتاب الجديد لرئيس تحرير «الحياة» الزميل غسان شربل، هو السادس من مؤلفاته التي صدرت ضمن سلسلة «يتذكر»، وتضمنت حوارات مع جورج حاوي عن «الحرب والمقاومة والحزب» وخالد مشعل عن «حركة حماس وتحرير فلسطين» اضافة الى «ذاكرة الاستخبارات» و«لعنة القصر» و«اسرار الصندوق الاسود».

والكتاب الجديد الذي يصدر عن «دار رياض الريس»، ويتضمن مقدمة وحوارات مع حازم جواد وصلاح عمر العلي ونزار الخزرجي وأحمد الجلبي، موثق بالارقام والتواريخ ويقع في 395 صفحة من الحجم المتوسط وعلى غلافه الاخير كُتب «يشهد العراق منذ عشرات السنين اضطرابات لا مثيل لها، سياسية، اقتصادية، اجتماعية ومجازر يومية تودي باعداد كبيرة من البشر وكأنهم لا بشر. هذا ما يشهده بلد من اغنى البلدان العربية ثروة وثقافة وتنوعاً وحضارة».

وفي الكتاب شهادات واعترافات مدهشة لاربعة من كبار رجالات هذا البلد السياسيين والعسكريين. والمحور الرئيسي للكتاب هو صدام حسين الذي اختزل العراق بحزب حاكم واختزل الحزب بشخصه. وتنتهي العبارة بالقول ان «الحكم للتاريخ».

واختارت «القبس» من الكتاب مقدمته والحوار مع الفريق اول الركن نزار الخزرجي الذي كان رئيساً لهيئة الاركان في الجيش العراقي في الثاني من آب (اغسطس) اليوم المشؤوم لغزو الكويت. بعض المعلومات كان نُشر في الاعلام المكتوب ونُقح لاحقاً تمهيداً لجمعه في الكتاب.

______________بعد غزو الكويت لن يعرف أحد أين سيمضي صدام ليلته وفي أي غرفة سينام وسيزداد تعلقاً بمسدسه وبالعيش السري الذي أدمنه_____________________

__________________________صدام تولّى شخصياً التخطيط لغزو الكويت بحضور حسين كامل وقريبه علي حسن المجيد________________________________

شعرت بشيء من القلق حين وقفت قرب جدار برلين المتداعي. كان الجدار حدود دولة وحدود امبراطورية. ألقت دولة الجدار بنفسها في أحضان الوطن الأم. وانسحبت الامبراطورية لتندحر وتنتحر. ومن الحطام السوفيتي ستولد روسيا وقياصرتها الجدد. وستفوز الولايات المتحدة بلقب القوة العظمى الوحيدة. وسيولد لها في بداية القرن الجديد أعداء جدد بلا عناوين معروفة. سيدمون رموز نجاحها وهيبتها وسترد بما يدمي أكثر من دولة ومنطقة.

بعد أربعة عشر عاماً شعرت بخوف عميق حين شاهدت، من بعيد، دبابة أميركية تقتلع تمثال صدام حسين ونظامه وتجول في شوارع بغداد. كان المشهد أكبر من القدرة على الاحتمال. فهذه بغداد، كائناً من كان حاكمها، لاسمها رنّة في تاريخ العرب والمسلمين. وهذا العراق، كائناً ما كان نظامه، شرايينه موصولة بشرايين المنطقة. مقلق حين يكون قوياً. ومخيف حين يستضعف أو يستباح.

يقول التاريخ إن ليس من عادة سيّد بغداد أن يتقاعد. خياراته محدودة: القصر أو القبر. عليه أن يستعد دائماً لغزو مدمّر. شهيّات الامبراطوريات المحيطة مفتوحة. وعليه أن يتنبه لمكائد الداخل ومكائد الخارج. طعنة غادرة. أو لسعة سمّ. أو خروج منقذ ناقم من عتمات الثكن. وفي هذا السياق يبدو صدام حسين ابناً شرعياً لهذا النهر من القساة. طبيعياً في صعوده حتى التسلط المطلق، وطبيعياً في نهايته معلَّقاً وسط صيحات الثأر.

لا العراق بلد عادي عابر في تاريخ المنطقة.. ولا صدام حاكم عادي في تاريخ العراق الحديث. لهذا كان مشهد الدبابة الأميركية مخيفاً. نجحت أوروبا الغربية المستقرة في احتواء سقوط جدار برلين. فشل الشرق الأوسط الهش والمضطرب في احتواء سقوط جدار صدام حسين. وبدا باكراً أن اقتلاع التمثال يعني اقتلاع أشياء كثيرة. معادلات وتوازنات. بعده لن يكون العراق ما عرفناه. سيتدفق النفوذ الإيراني عبر البوابة الشرقية للعالم العربي. سيحجز ورثة الإمام الخميني موقعاً لبلادهم على المتوسط وستنهمر صواريخ حلفائهم على إسرائيل من جنوب لبنان وبعده من غزة. تركيا أيضاً لن تكون تركيا السابقة. سقط الضلع العربي من المثلث الإيراني  العراقي  التركي. ولا بد من الانتظار طويلاً لمعرفة ما إذا كانت عودة هذا الضلع العربي واردة. كان نظام صدام من ركائز نظام الأمن العربي على رغم مغامراته وتهوراته. بعد سقوطه ستضطرب علاقات العراقيين بالعراقيين وسترشح دماً. علاقات السنّة بالشيعة. وعلاقات العرب بالأكراد. وللمرة الأولى سيكون لإقليم كردستان علم ونشيد ورئيس اسمه مسعود برزاني بكل ما يثيره الاسم من مشاهد وذكريات. وسيفيض الخلاف السنّي - الشيعي لاحقاً عن حدود العراق، خصوصاً حين سيشعر العرب بإرهاصات ولادة شرق أوسط جديد من الفشل الأميركي في العراق. منطقة من أربعة لاعبين هم إيران وتركيا وإسرائيل والعرب. وليس سراً أن اللاعب الرابع هو الأضعف.

 

4 مشاهد هزت المنطقة

أربعة مشاهد هزّت المنطقة في حفنة أعوام وتركت بصماتها على العلاقات بين دول وشعوب وتنظيمات واتجاهات: المشهد الأول مشهد الدبابة الأميركية تجول منتصرة في عاصمة الرشيد. المشهد الثاني صورة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يسقط بفعل عملية اغتيال انتحارية اغتالت أيضاً حقبة من العلاقات اللبنانية - السورية وحقبة من العلاقات اللبنانية - اللبنانية. والمشهد الثالث عجز إسرائيل عن تأديب «حزب الله» اللبناني وعن وقف انهمار صواريخه «الإيرانية»على مدنها. والمشهد الرابع إسرائيل تشن عدواناً مجنوناً على غزة تحتفظ «حماس» بعد توقفه بقدرتها على إطلاق الصواريخ وبمأزقها منذ نجاحها في طرد السلطة الفلسطينية و{فتح» من القطاع.

لم تعارض إيران قيام الآلة العسكرية الأميركية بسحق نظام طالبان المعادي لها في أفغانستان. ولم تعارض مغامرة جورج بوش العراقية، ويمكن القول إنها سهّلتها حين سمحت للقوى الشيعية العراقية الحليفة لها بالانضواء في معارضة سعت واشنطن إلى لحم أجزائها الشيعية والكردية تمهيداً للغزو. لكن إيران سرعان ما شعرت بوطأة وجود القوات الأميركية قرب حدودها، ومن جهتين، فبدأت معركة استنزاف المشروع الذي حمله الغزو. سوريا انتابها القلق أيضاً. وهكذا تدفق الانتحاريون إلى العراق يُسعفهم التخبط الأميركي الذي بدأ بقرار الحاكم المدني الأميركي بول بريمر حل الجيش العراقي. مشهد اقتلاع نظام صدام أطلق المخاوف والتوترات وأطاح توازنات وصمامات أمان. وعلى خلفية ذلك المشهد حدثت المشاهد اللاحقة. وللمؤرخين لاحقاً أن يتحدثوا عن الترابط بين المشاهد أو بعضها.

 

.. ومشاهد عراقية

قبل المشاهد الأربعة هذه استوقفتني مشاهد عراقية. بعد اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية في أيلول (سبتمبر) 1980 أوفدتني «النهار» اللبنانية لتغطية التطورات. نظمت السلطات العراقية رحلة للصحافيين إلى بلدة مهران الإيرانية الحدودية فور سقوطها في يد القوات العراقية التي اجتازت خط الحدود الدولية. رأيت جنديين عراقيين يصطحبان عجوزاً إيرانياً إلى مكان آمن واستوقفني الخوف العميق المسيطر على ملامحه. وسألت نفسي ليلاً عن موعد الثأر الإيراني لا سيما بعد أن أطلق العراق على الحرب تسمية «قادسية صدام»، في نبش صريح لجروح المواجهات بين العرب والفرس.

المشهد الثاني كان مجيء صدام حسين بالبزة العسكرية لعقد مؤتمر صحفي. كان الشعور بالقوة يفيض من عينيه وابتسامته، فقد توغل جيش البعث في لحم إيران المقيمة في عهدة نظام «الثورة الإسلامية». ورحت أفكر في استحالة رضوخ آية الله الخميني الذي لن يتردد بعد ثمانية أعوام في تشبيه قبول وقف النار مع صدام بتجرع كأس السم. وحين سأل أحد الصحافيين الرئيس العراقي عن مستقبل إيران ردّ بأن الأمر تقرره «الشعوب الإيرانية». وبدا صدام حسين كمن يحلم بتفكيك إيران وشطب هذا الخطر مرة واحدة.

المشهد الثالث إبان حرب المدن. بث التلفزيون العراقي صورة للرئيس القائد يأمر بتجهيز القوة الصاروخية لإمطار المدن الإيرانية.

المشهد الرابع كان حين توافدنا لتغطية أعمال القمة العربية في بغداد في أيار (مايو) 1990 صافح صدام ضيوفه وعانقهم. وظهر جلياً في خطواته زهو «الانتصار». ولم يكن ليرضى بأقل من شطب الديون التي رتبتها الحرب على بلاده والاعتراف له بالزعامة العربية وبالموقع الأبرز في الإقليم. تصرّف وكأنه دافع عن العراق ودول الخليج في آن. وتحدث بوصفه «حارس البوابة الشرقية» للعالم العربي. كان بين الحاضرين أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي وعده صدام بتلبية دعوته وستكون الزيارة باهظة للعراق والمنطقة. باجتياحه الكويت قامر صدام بنظامه وشخصه. اصطدم بالإرادة الدولية التي نبذته وعاقبته. اقتلع التحالف الدولي عبر «عاصفة الصحراء» أنياب ترسانته لكن بقي له منها ما يكفي لسحق انتفاضتي الشيعة والأكراد. أقام سيد بغداد جريحاً يناور ويداور للالتفاف على الحصار والعقوبات التي آلمت العراقيين أكثر بكثير مما آلمت الحاكم المتحكم. وفي العقد التالي ستجيئه الطعنة القاتلة من حيث لا يدري. أطلق أسامة بن لادن «غزوتي نيويورك وواشنطن» واختارت إدارة بوش اقتلاع نظام صدام متكئة على ذرائع سيتضح بطلانها لكن بعد فوات الأوان.

* * *

باكراً رن جرس الهاتف في منزل الفريق أول الركن نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي. إنه الثاني من آب 1990 سارع إلى مقر القيادة العامة فاستقبله سكرتيرها العام الفريق علاء الجنابي بجملة قصيرة قاتلة هي «أكملنا احتلال الكويت». شمّ الخزرجي رائحة الكارثة وشعر بالإهانة. بعد قليل وصل وزير الدفاع عبدالجبار شنشل فعاجله الجنابي بالجملة نفسها. هذا يحدث في العراق وحده. يجتاح الجيش بلداً مجاوراً من دون معرفة رئيس الأركان ووزير الدفاع. لم يكن الاعتراض وارداً، ففي جمهورية صدام حسين لا تجرؤ سبابة على الارتفاع.

بعد أيام سيأتي من يأخذ الرجلين للقاء «السيد الرئيس» وكالعادة يبقى مكان اللقاء سراً. أُدخلا إلى كارافان (مقطورة) في منطقة الرضوانية ثم جاء صدام. تذرع بأنه أراد الاحتفاظ بعامل المفاجأة، ولم يتردد في القول إنه «حرّر الكويت» بالوحدات التابعة له مباشرة.

 

الرجل المطلوب

لم تظهر عليه أمارات الابتهاج. كانت ردود الفعل الدولية شديدة. صار الرجل مطلوباً كأن مذكرة اعتقال أو اغتيال صدرت بحقه. باستثناء مرافقيه المقرّبين، لن يعرف أحد، بمن فيهم رئيس الأركان، أين سيمضي ليلته وفي أي غرفة سينام. وسيزداد تعلقاً بمسدسه وبالعيش السري الذي أدمنه.

هذا ما رواه لي الخزرجي في قرية سوغو الدانمركية في ليلة مثلجة. قال إن صدام تولّى شخصياً التخطيط لغزو الكويت بحضور صهره حسين كامل وقريبه علي حسن المجيد الملقّب ب «الكيماوي» وكشف أن تقريراً من الأخير كان وراء قرار صدام توجيه «ضربة خاصة» أدت إلى إغراق حلبجة في مجزرة تقشعر لها الأبدان. وأكد أن صدام كان معجباً بتجربة الزعيم السوفيتي جوزف ستالين وأنه ربما كان يعتقد نفسه القائد الأبرز بعد صلاح الدين.

بعد شهرين من توليه الرئاسة شارك صدام حسين في أيلول (سبتمبر) 1979 في قمة لحركة عدم الانحياز عقدت في هافانا. استقبل في مقر إقامته وزير خارجية إيران الدكتور ابراهيم يزدي الذي عيّن في هذا المنصب بعد انتصار «الثورة الاسلامية». كان صلاح عمر العلي مندوب العراق لدى الأمم المتحدة حاضراً. وصلاح رفيق قديم لصدام. كان إلى جانبه ساعة الاستيلاء على القصر في 17(يوليو) 1968 وكان بعد ذلك النهار عضواً في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث.

 

حديث هافانا

كان اللقاء «بنّاء وإيجابياً» في الظاهر. خرج بعده صدام إلى الحديقة وتبعه صلاح الذي حاول تشجيع الرئيس على تحسين العلاقات مع إيران الخميني رغم ما تثيره من حساسيات ومخاوف. فجأة قال صدام «يا صلاح انتبه. هذه الفرصة قد لا تتاح مرة كل مائة سنة. الفرصة متاحة اليوم. سنكسر رؤوس الإيرانيين وسنعيد كل شبر احتلوه. وسنعيد شط العرب».

حدّق صلاح مذهولاً، فأضاف صدام «هذا الكلام عن حل سلمي وإنساني وتصفية المشاكل مع إيران لا أريده أن يتكرر على لسانك إطلاقاً. حضّر نفسك في الأمم المتحدة. اسمع ما أقوله لك. سأكسر رؤوس الإيرانيين وأُرجع كل شبر من المحمرة إلى شط العرب».

بعد عام على حديث هافانا ستندلع الحرب العراقية الإيرانية متسببة في سقوط مئات آلاف القتلى وكوارث إنسانية ومالية. ولدى توقفها بعد ثمانية أعوام لن يخفي الزعيم العراقي بهجته: «عشت حتى سمعت الخميني يتحدث عن تجرع السم وقبول وقف النار». لكن الخارج «منتصراً» من «قادسية صدام» والمبتهج بلقب «حارس البوابة الشرقية» لن يتأخر في تنفيذ عملية انتحارية هي غزو الكويت.

هذا ما سمعته من صلاح عمر العلي الذي روى أيضاً قصة دخوله مع صدام مسلحين بالرشاشات إلى مكتب الرئيس أحمد حسن البكر للتخلص من رئيس الوزراء العابر عبد الرزاق النايف في 30 تموز (يوليو) 1968 اقتاد صدام النايف من القصر إلى المطار ودفعه إلى المنفى. وبعد عشرة أعوام نجحت رصاصة صدام في العثور على النايف في لندن ودفعته إلى القبر.

في بداية السبعينات أعلنت بغداد كشف مؤامرة تدعمها ايران لاطاحة نظام البعث وأعدمت عشرات الضباط. رجلان اتهما بالوقوف وراء المؤامرة العقيد عبدالغني الراوي وعبدالرزاق النايف. وساد الاعتقاد لعقود بأن المؤامرة صناعة بعثية. زرت عائلة النايف في عمان وفتشت في الحقائب التي تركها وأوراقه فتبيّن لي أن النايف اكتشف باكراً أن صدام اخترق المجموعة المتآمرة فغادر طهران قبل موعد التنفيذ. وعثرت في الرياض على الراوي وسألته عن المؤامرة فردّ باعطائي مفكرته القديمة وهي تظهر أنه عقد لقاء مع الشاه محمد رضا بهلوي في سياق التخطيط لاطاحة البعث وأن دولة تبرعت بعشرة ملايين دولار لتمويلها.

لم ينسَ صدام تلك المحاولة الايرانية لاطاحة نظام البعث. ولم ينسَ أن القتال ضد الأكراد أرغمه في 1975، بوساطة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، على التوقيع مع الشاه محمد رضا بهلوي على اتفاق الجزائر. لن يقبل صدام أن يكتب التاريخ أنه تنازل عن شبر من أرض العراق لانقاذ النظام. وسينفذ لاحقاً ما جاء في حديثه في هافانا.

الحلقة الثانية:

أقام علاقة حميمة مع الملك حسين وكان يناديه «ابن العم»

• الدبابات العراقية داخل الكويت

===========================

تجديد الحوار الأمني في أوروبا

آخر تحديث:الثلاثاء ,01/12/2009

الخليج

جورج باباندريو

كان عام 2009 عامراً بالتغيرات العظيمة التي حدثت في جو من انعدام اليقين . فبعد مرور عشرين عاماً منذ سقوط سور برلين، أصبحت مرونة النظام الأمني الأوروبي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وقدرته على المقاومة على محك الاختبار . فقد ظلت النزاعات التي طال أمدها معلقة بلا حل، ونشأت تحديات جديدة . وأصبحت قضايا مثل أمن الطاقة، والجريمة المنظمة، والإرهاب، والاستبداد والأصولية، وتغير المناخ، وجرائم الحاسب الآلي، تشكل هموماً ثقيلة تقض مضاجع الناس في مختلف بلدان العالم .

 

 لقد أصبح العديد من الناس أقل رخاءً بفعل الأزمة الاقتصادية، وربما أقل ميلاً إلى التطلع والطموح فيما يتصل بجهودنا الرامية إلى التصدي للتحديات الأمنية التي تواجهها أوروبا . ولكن يتعين علينا رغم كل ذلك أن نضع في حسباننا أن الأزمات تجلب معها فرص التغيير أيضاً .

 

 فقد شهد هذا العام أيضاً عدداً من التطورات الإيجابية، بما في ذلك “إعادة ضبط” العلاقات بين لاعبين رئيسيين في الحوار الأمني الأوروبي: روسيا والولايات المتحدة . ولقد اتخذ الاتحاد الأوروبي مؤخراً خطوات مهمة نحو تحقيق قدر أعظم من التماسك والوحدة، وذلك بتعيين رئيس وممثل أعلى للشؤون الخارجية .

 

 وينبغي لنا أن نحتفل بهذه الإنجازات حتى ونحن ندرك أن عدداً من المشاكل الخطيرة ما زال في انتظار الحل . هناك وجهات نظر مختلفة بشأن الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها تصميم البنية الأمنية، ولكننا نتفق جميعاً على الحاجة الملحة للتصدي لهذه التحديات الحرجة من خلال الحوار البنّاء .

 

 في ظل هذه الروح من التعاون وبناء الجسور سوف يلتقي وزراء خارجية 56 دولة يمثلون الولايات المتحدة، وكندا، والدول الأوروبية، بما في ذلك الاتحاد الروسي وبقية جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة في أثينا في الأول والثاني من ديسمبر/كانون الأول بدعوة مني لمناقشة مستقبل الأمن الأوروبي . وتأتي هذه المحادثات بمثابة استمرار لعملية “كورفو”، التي أسستها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي بدأت باجتماع وزاري غير رسمي في كورفو في شهر يونيو/حزيران .

 

 إن عملية كورفو التي هي بمثابة محاولة لتناول القضايا الأوروبية المعلقة تشكل الفرصة لنا للعمل معاً على تقييم الثغرات في أمننا المشترك، وصياغة استجابات أكثر فعالية للتحديات القائمة، وفي المقام الأول من الأهمية توليد الإرادة السياسية الجديدة اللازمة للعمل المشترك . وهذا يتضمن العمل من أجل الحفاظ على أنظمة مراقبة الأسلحة، بما في ذلك المعاهدة الخاصة بالقوات المسلحة التقليدية في أوروبا، والتعجيل بحل الصراعات المطولة، وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتقييم ومعالجة التهديدات التقليدية والجديدة .

 

 ولا يسعنا أن نسمح لأنفسنا بتأجيل حل الصراعات المطولة في المنطقة، كتلك التي يشهدها إقليم ناجورنو كاراباخ وإقليم ترانسنستريا، كما أظهرت لنا حرب العام الماضي في جورجيا بوضوح أن الناس الذين يعيشون في هذه المناطق يحتاجون إلى السلام والاستقرار، وليس الوضع الراهن الهش الذي قد ينهار فجأة ويتحول إلى أعمال عنف .

 

 لا شك أن التحديات الأمنية في المناطق المجاورة أيضاً تتطلب استجابة مشتركة . وليس أدل على ذلك من حالة أفغانستان . ومن الواضح أن تهديدات مثل الإرهاب، وتهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، وتغير المناخ، تشكل تحديات معقدة ولا تحكمها حدود . ولن يجدي في التعامل مع مثل هذه التحديات إلا الاستجابة المشتركة .

 

 كان سقوط جدار برلين بمثابة النهاية لعصر من انعدام الثقة والفرقة، وفتح الطريق أمام التعاون الذي يهدف إلى جلب السلام والاستقرار إلى أوروبا . ولقد قطعت أوروبا شوطاً طويلاً منذ سنوات الانقسام، ولكننا لم نجنِ بالكامل بعد كل الفوائد التي وعدت بها موجة التغيير التي شهدها عام 1989 .

 

 إن اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أثينا يأتي في وقت حَرِج، حيث بات لزاماً على الأوروبيين أن ينتقلوا إلى القرن الحادي والعشرين وقد أصبحوا أكثر وحدة من أي وقت مضى . ويتعين علينا أن ننتهز هذه الفرصة لاستعادة القدرات الكاملة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتعهد من جديد بالالتزام بنظام أمني أوروبي غير قابل للتجزئة .

رئيس وزراء اليونان ووزير خارجيتها، والرئيس الحالي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

=========================

حظر المآذن .. تكريس للكراهية

الرأي العام

1-12-2009

نتيجة الاستفتاء الذي دعا إليه اليمين المتطرف في سويسرا، وأيد فيه الشعب حظر بناء المآذن جاء صادما للمسلمين في المقام الأول ولأنصار حرية المعتقد في العالم أجمع، كونه يمثل هجوما فاضحا علي الإسلام ورموزه الدينية فالكل يعرف ان حظر بناء المآذن يهدف إلي مهاجمة الإسلام والمسلمين قبل كل شيء.

 

والأخطر من ذلك انه جاء من سويسرا احدي اكثر المجتمعات فخرا بالديمقراطية وحرية المعتقد في العالم أو من التي تسمي نفسها كذلك، فالماكينة الإعلامية التي تمتلكها سويسرا روجت لهذه الأكاذيب ولكن التأييد الشعبي للاستفتاء حول حظر بناء المآذن كشف زيف تلك الادعاءات، وجعلها عارية أمام الحقيقة والمتمثلة بأن الشعوب الأوروبية لم تصل إلي مرحلة قبول الآخر واحترام حقوق الآخرين، مع انهم أكثر من يتشدق في الترويج للديمقراطية في العالم، ومطالبة المهاجرين خصوصا المسلمين بالاندماج في تلك المجتمعات، فكيف إذن يتم الاندماج والعنصرية والحقد ما زالا متأصلين فيها.

 

وان ما يدعو للخوف أكثر أن نتيجة الاستفتاء تمثل رأي الشعب السويسري ولا تمثل رأي الحكومة، فلو كان يمثل رأي الأخيرة لقلنا ان القرار سيتغير بتغير الحكومة ولكنه يمثل رغبة اللبنة الأساسية في سويسرا وهو المواطن السويسري، كذلك فإن المسلمين في العالم أجمع أصبحوا يشعرون بقلق بالغ علي الجالية المسلمة في سويسرا وفي أوروبا بشكل عام، فنتيجة الاستفتاء تظهر ازدياد مشاعر العداء والكره للإسلام والمسلمين.

 

المسلمون في العالم اثار تغضبهم واستياءهم نتيجة الاستفتاء في سويسرا وهذا ما ظهر من خلال الادانات التي صدرت عن منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تمثل 57 دولة إسلامية، حيث اعتبرت ان الاستفتاء يمثل خيبة أمل وصدمة للمسلمين، مؤكدة ان المجتمعات الغربية أصبحت رهينة للمتطرفين الذين يستغلون الإسلام ككبش فداء وقاعدة لتنفيذ أجندتهم السياسية التي تكرس الاستقطاب والتشرذم في المجتمعات . مناشدة المجتمعات المسلمة الالتزام بالوسائل السلمية والديمقراطية في التعبير عن آرائها بشأن هذه المسألة.

 

الإساءات الاوروبية إلي الإسلام ليست الأولي ولن تكون الاخيرة فالرسوم المسيئة للرسول الكريم- صلي الله عليه وسلم- خير دليل علي ان الكراهية متجذرة بعمق في المجتمعات الأوروبية وان الشعب السويسري يمثل جزءا من النسيج الاوروبي العنصري والكاره للغير، كذلك تدنيس مقابر المسلمين برسم الصليب والشعارات النازية.

نتيجة الاستفتاء علي حظر المآذن في سويسرا تجعلنا ندق ناقوس الخطر، فهو يعكس توجه الشعوب الأوروبية نحو التطرف وتكريس الكراهية، كذلك يزيد الخوف علي أمن الجالية الإسلامية في أوروبا، طالما يحارب الأوروبيون الإسلام ورموزه.

=============================

حقائق غابت عن الأميركيين

بقلم :جورج غالاوي

البيان

1-12-2009

الأوقات العصيبة تحتاج إلى رجال حكماء ليسردوا الحقيقة، ولسنوات عدة كان هذا هو ما طبقه وارن بافيت الملقب بحكيم أوماها. فعلى سبيل المثال، كان بافيت واحدا من الذين أطلقوا التحذيرات من خطر الأدوات المالية المعروفة باسم المشتقات، وحذر في عام 2003 من أنها قنابل أسلحة الدمار الشامل المالية، التي قد تؤدي إلى انهيار الشركات.

لذلك كانت مدعاة للأسى الشديد، مشاهدة اجتماعه الأخير في قاعة «سي إن بي سي» في المجلس البلدي، مع مجموعة من طلاب الأعمال في جامعة كولومبيا، أعقبه في الليلة التالية إمضاؤه ساعة كاملة في التحدث عن الاقتصاد مع تشارلي روز، وشاهدناه ينضم إلى مختبر إدارة أوباما حول الفوز الاقتصادي الذي شاركت فيه أجهزة إعلام عدة.

 

وأبلغ بافيت طلاب جامعة كولومبيا أن «الرعب المالي أصبح خلف ظهورنا». وأقر بأن «الاقتصاد لا يزال يزمجر غضبا بالتأكيد»، لكن النغمة التي سادت حديثه كانت تبشر بالخير بصورة غامرة. وواصل بافيت كلامه التشجيعي مع روز مكررا القول: «سيعود الاقتصاد الأميركي إلى سابق عهده..

 

وأريد التأكيد على ذلك، وستقام الشركات وستتوسع الأعمال التجارية». وأضاف: «لم نخرج من المستشفى بعد، ولكننا سنخرج ونتعافى.. فقد حدث ذلك في القرن التاسع عشر والقرن العشرين في أوقات متفرقة، وكنا دائما نخرج بصورة أقوى من السابق». وتابع: سوف يكون هناك بعض الصدمات الدائمة من بعض الأنواع، ولكن في ما يتعلق بالخروج منها فلست أشعر بالقلق على الإطلاق.

قد تبدو كل هذه الأقوال المشجعة على ما يرام لو رافقها بعض الأفكار، أية أفكار تتعلق بالخطوات التي يجب اتخاذها لكي يتعافى الاقتصاد الأميركي ويعود إلى سابق عهده. فالافتراض هو أن ذلك سيحدث على نحو ما، وأن أمواج المد المرتفعة للبطالة والمعوقات وعمليات الإفلاس التي تغرق كثيراً من الأميركيين، سوف تنعكس على نحو ما.

غير أن جوهر الحديث الذي نحتاج إليه حاجة ماسة، كان غائبا. وعوضا عن ذلك أكد بافيت: «سوف نوجد وظائف جديدة، لأن تلك الوظائف تتوفر لدينا دائما». وكدليل على ذلك، أشار إلى الكساد الاقتصادي في مطلع الثمانينات، عندما وصلت نسبة البطالة إلى 10% وكان الناس يشعرون بقلق كبير على الاقتصاد الأميركي.

لكن يبدو أن كل هذه الأقوال تكررت في أكتوبر الماضي، عندما كان وول ستريت يتعرض للتردي، ولم تختف المصانع في ذلك الوقت أيضا، ولا حقول الذرة ولا المواهب الأميركية. ولكن نظرا لأن البنوك هي التي تعاني من الأزمة، فإننا لم نكتف بإلقاء الخطابات الحماسية والتنبؤات الوردية المثيرة للأمل بالنسبة للمستقبل، ولكن عقدنا الاجتماعات التي كانت تستمر طوال الليل، وأحضرنا الشخصيات المهمة وطلبنا منها عدم المغادرة قبل إيجاد حل. وأيضا دفعنا التريليونات من دولارات دافعي الضرائب الأميركيين.

ولكن حتى مع ارتفاع نسبة البطالة إلى المعدل الأعلى خلال 26 عاما، وهو 2, 10% (في الواقع 5, 17%، إذا أضفنا إليه العمال الذين لم يعودوا يبحثون عن عمل أو الذين يعملون بصورة جزئية)، فإننا لا نرى أي شيء يشبه ولو من بعيد، التصرف العاجل والعدواني الذي شاهدناه عندما كانت هناك حاجة لإنقاذ المصارف نفسها.

وعوضا عن رفع بافيت عقيرته التنبئية لإطلاق جرس الإنذار، كما فعل في الماضي، وكما كنا نحتاج بصورة يائسة إليه لفعل ذلك، قام بالنفخ بالبوق قائلا: «انظروا وابتهجوا»!

وأفضل شيء يستطيع البيت الأبيض عمله، هو الدعوة لعقد قمة بشأن البطالة وتحديد موعدها الشهر المقبل. لم العجلة؟ فالمصانع لا تزال قائمة، حتى هذه اللحظة على الأقل، وكذلك حقول الذرة.

وعلى الرغم من اعتراف بافيت بأن لدينا 60 مليون أميركي يقيمون مع عائلاتهم، ويبلغ الحد الأعلى لدخلهم 21 ألف دولار أو أقل من ذلك، يبدو على الأقل في الوقت الراهن أن كلامه عن العمل مجاف للحقيقة.

لقد أبلغني أخيرا أحد الأصدقاء من المصرفيين العاملين في الاستثمار، أن بافيت يتحدث بلسان كتابه، فوول ستريت لديه حجة لو قبلها السوق فستدرّ عليك الأرباح المالية. وأرجح في الواقع أن بافيت الذي أودع ثروته لدى مؤسسة غيتس لأهداف خيرية، يعتقد أنه من خلال الدفاع عن الاقتصاد فسوف يحصل على تأثير ملموس. غير أن الاقتصاد الواقعي لا يحتاج إلى فصاحة لسان بهيجة، بل إلى عمل جاد.

لقد تهاوى وول ستريت والاقتصاد الواقعي بصورة متزامنة، لكن الاقتصاد الذي تسبب في هذا الهبوط نال حصة الأسد من المال والرعاية الحكومية، في حين أن الاقتصاد الآخر استمر في الهبوط. ونظرا لأنه كان واضحا بصورة مأساوية أي اقتصاد لفت الأنظار، فنحن بحاجة ماسة وبصورة عاجلة لساردي الحقائق، لكي يشيروا إلى العواقب البشرية الوخيمة الناجمة عن الاستجابة الواهنة للبيت الأبيض.

يروقني أن أذهب إلى لاس فيغاس مع وارن بافيت، ولكن ليس للمقامرة أو للتمكن من اللحاق بحفل ساهر أو عرض جميل. أريده أن يرافقني إلى مدرسة ويتني الابتدائية التي تحدثت عنها محطة «سي. إن. إن»، وقالت إن خزائنها من الموارد لم تعد ممتلئة بأقلام الحبر أو الورق، وإنما بالطعام والملابس. فهذه المدرسة تؤوي عددا كبيرا من التلامذة المشردين، مما جعلها تشعر أن عليها اتخاذ زمام المبادرة للتأكد أنهم يتناولون الطعام ويرتدون الملابس.

إنني واثق أنه نظرا للرأفة والعطف الأسطوري الذي يحظى به بافيت، فإن ما كان سيحدث في لاس فيغاس لن يبقى فيها، بل سيتحول بدلا من ذلك، إلى سياق مناهض للمناورة الرسمية.

صحافي أمريكي متخصص في الشؤون الاستراتيجية

Writersalbayan.ae

=======================

هل تعد جورجيا لحرب جديدة؟

بقلم :فلاديمير سادافوي

البيان

1-12-2009

يبدو أن الدرس الذي تلقاه رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي في أغسطس من العام الماضي، لم يستفد منه شيئا، فجورجيا تتسلح اليوم من جديد وتستعد لحرب جديدة.

 

وحسب تصريحات نائب رئيس الأركان الروسي أناتولي ناجوفيتسين، فإن تسليح القوات الجورجية وصل إلى أعلى مستوى، وعدد أفراد الجيش وصل إلى 33 ألف فرد، ويخططون لزيادته في العام القادم إلى 40 ألفا، ولدى موسكو معلومات مؤكدة حول حصول جورجيا على كميات من السلاح من الخارج، وقيام خبراء عسكريين أميركان بتدريب أفراد الجيش الجورجي على عمليات عسكرية. كما أن حلف الناتو يدعم جورجيا ويقدم لها مساعدات عسكرية.

 

ورغم رفض الأوربيين قبول عضوية جورجيا وأوكرانيا في الحلف، إلا أن سكرتيره العام أنديرس فوج راسموسين، صرح أثناء زيارته لجورجيا في أكتوبر الماضي بأن «جورجيا ستظل أحد المرشحين الأفضل لعضوية الحلف».

 

ويبرر «الناتو» دعمه العسكري لجورجيا، بأنه أمر ضروري لإصلاح البنية التحتية للدفاع الجورجي، التي حطمتها القوات الروسية في أغسطس من العام الماضي. ولدى موسكو معلومات بأن جورجيا ستحصل قريبا من بعض دول حلف الناتو، على نحو مئة مركبة عسكرية و30 منظومة صواريخ وبعض الطائرات المقاتلة ونحو عشر سفن حربية.

 

معظم السلاح يصل إلى جورجيا عن طريق أوكرانيا، وذلك بعد أقل من شهر من انتهاء الحرب في القوقاز العام الماضي، وقد كشف عن ذلك النائب في البرلمان الأوكراني فاليري كونفاليوك، الذي يرأس اللجنة البرلمانية المختصة بنظر مسألة إعطاء السلاح الأوكراني لجورجيا. ويقول كونفاليوك «إن الرئيس الأوكراني فيكتور يوشينكو، يواصل إمداد رفيقه الرئيس الجورجي ساكاشفيلي بالسلاح سرا»، وعرض كونفاليوك على البرلمان الأوكراني، قائمة بأنواع السلاح الذي استلمته جورجيا سرا من أوكرانيا وكمياته.

 

وقررت واشنطن منح جورجيا مساعدة مليار دولار استلمت منها حتى الآن خمسين مليونا، والواقع أن الدعم الأميركي لجورجيا يأتي في إطار خطة مستقبلية أميركية، لتأسيس قاعدتين عسكريتين بحرية وبرية في جورجيا قبل عام 2015.

 

وهذه الخطة تمت بالفعل مناقشتها بين الوزيرة الأميركية هيلاري كلينتون والرئيس الجورجي، على هامش اجتماعات الدورة 64 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي إطار هذه الخطة سيصل إلى جورجيا نحو 25 ألف جندي أميركي، كما أكدت كلينتون أن واشنطن ستبذل كل جهودها للحيلولة دون اعتراف المجتمع الدولي باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، كما صرحت بأن جورجيا تستطيع الاعتماد على مساعدات واشنطن ودعمها العسكري لها، وقالت «سوف نساعد الشعب الجورجي للدفاع عن نفسه».

 

الرئيس الجورجي ساكاشفيلي يبذل كل جهوده، لكي يثبت لواشنطن أنه الرجل الممثل لهم ولمصالحهم في المنطقة، وأنه مستعد لفعل أي شيء يطلبونه منه، لدرجة أنه أبدى استعداده لاستقبال معتقلي غوانتانامو في سجون جورجيا بعد إغلاق المعتقل الأميركي.

 

ومنذ هزيمته في أغسطس العام الماضي لم يكف ساكاشفيلي عن تحرشاته العسكرية على جبهتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وأيضا بالقرب من مواقع القوات الروسية الدولية لحفظ السلام، وقد رصدت القوات الروسية أكثر من مئة تحرك للقوات الجورجية في هذه المناطق.

 

السؤال الهام هنا هو: ما السبب وراء كل هذا الدعم العسكري من واشنطن وحلف الناتو للرئيس ساكاشفيلي؟ وهل سيستطيعون إنقاذه إذا خاض مغامرة جديدة وقررت روسيا القضاء عليه تماما؟

 

لقد قالت هذا الكلام رفيقة ساكاشفيلي في الثورة الوردية عام 2003، نينو بورجانادزة رئيسة البرلمان الجورجي السابقة، والزعيمة الحالية ل»الحركة الديمقراطية لروسيا الموحدة» المعارضة لساكاشفيلي، حيث قالت «إن نظام ساكاشفيلي سيقود جورجيا إلى مذبحة دموية وانهيار تام».

كاتب أوكراني

===========================

بعد صدمة الخرطوم: الخطايا العشر

فهمي هويدي

السفير

1-12-2009

لا أدري ما إذا كان قد بذل أي جهد في مصر لمراجعة ما جرى بين مصر والجزائر بسبب ما أفضت إليه مباريات كرة القدم بين البلدين، لكنني أزعم أننا ارتكبنا عشر خطايا على الأقل، ينبغي أن نعترف بها عسانا أن نتعلم منها، مدركاً أن ثمة خطايا جزائرية أيضا أترك أمرها لذوي الشأن هناك، الذين هم أدرى بشعاب تجربتهم.

 1

÷ الخطيئة الأولى أننا حوّلنا الحدث الرياضي إلى قضية وطنية وسياسية، لذلك أسرفنا على أنفسنا كثيراً في تعبئة الناس لمصلحة الفوز في الخرطوم، صحيح أن التعبئة واسعة النطاق كانت حاصلة أثناء المباراة الأولى في القاهرة، إلا أن فوز المنتخب المصري فيها ضاعف كثيرا منها، الأمر الذي ألهب مشاعر الجماهير ورفع من سقف توقع وصول مصر إلى التصفيات النهائية لكأس العالم، من ثم أصبح كسب مباراة الخرطوم بمثابة الشاغل الأول للإعلام والمجتمع في مصر.

الذي لا يقل أهمية عما سبق أن ذلك لم يكن موقف الصحافة الرياضية أو القنوات الخاصة، بل كان واضحا أنه موقف الدولة المصرية، الذي عبر عنه التلفزيون الرسمي والصحف القومية حتى أصبح التنافس على الاستنفار وتأجيج المشاعر مهيمناً على ساحة الإعلام المصري، ورغم أن مشاكل سياسية وحياتية ملحة كانت مدرجة على قائمة اهتمامات الناس الداخلية في تلك الفترة، مثل مستقبل الحكم في مصر، وتلال القمامة في القاهرة والجيزة، واختلاط مياه الشرب بالمجاري، فإن مثل هذه الأمور تراجعت أولويتها وانصرف الرأي العام عنها، وأصبح الفوز في موقعة الخرطوم هو الشاغل الوحيد للجميع وهو ما نجحت في تحقيقه قنوات التلفزيون العشر في مصر، وكان ملاحظاً أن بعضها لجأ في سياق سعيه لإثارة المشاعر الوطنية لدى الناس إلى بث الأغاني الحماسية التي صدرت في الستينيات إبان مواجهة الهيمنة الأميركية والعجرفة الإسرائىلية، النتيجة أنه كما أن بعض الغلاة في الجزائر اعتبروا أن الفوز على المنتخب المصري حدث تاريخي يأتي بعد تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي، فإن نظراءهم في بلادنا اعتبروا الهزيمة في الخرطوم من جنس الهزيمة التي لحقت بمصر، وأدت إلى احتلال سيناء في عام 1976.

 2 

÷ الخطيئة الثانية أن التنافس في ظل هذه المبالغة ألغى الذاكرة المتبادلة واختزل مصر في منتخب كرة القدم واللون الأحمر، كما اختزل الجزائر في فريقها الكروي واللون الأخضر، وهذا الاختزال المخل هبط بمستوى الإدراك، كما أنه صغّر كثيرا من البلدين وهوّن من شأنهما، مما أوقعنا في «مصيدة التفاهة». وهذا المصطلح الأخير اقتبسته من عنوان مقالة في الموضوع كتبها الدكتور غازي صلاح الدين، المفكر السوداني ومستشار الرئيس البشير، نشرته صحيفة الشرق الأوسط في 23/11. في مقالته تلك قال الدكتور غازي إن الأزمة كشفت عن مظاهر بعض الأمراض النفسية لدى الشعوب إذ عمدت عمليات التعبئة التي صاحبت المباراة إلى مسخ الذاكرة وإلغائها، فمسحت تاريخ أمة عظيمة كمصر من ذاكرة المتحمسين والمتلقين وفي لحظة لا وعي، غاب عن عقول المتحمسين لنصرة فريقهم بأي ثمن، المصلحون والساسة من الإمام محمد عبده على سبيل المثال لا الحصر، إلى سعد زغلول ومن حسن البنا إلى عبد الناصر، أما علماء مصر الذين زحموا التاريخ بمناكبهم أمثال الليث بن سعد وابن منظور وجلال الدين السيوطي وطه حسين ومن في حكمهم من الأفذاذ، فقد انزووا في أجواء المباراة إلى ركن قصي، وبالمقابل غابت عن نواظر المتحمسين من الطرف الآخر إسهامات الجزائريين في التاريخ وشدة بأسهم في مجالدة المستعمرين التي ألهمت الشعوب المستضعفة وقدمت لها ملحمة عظيمة من ملاحم الجهاد ضد المستعمر، هكذا غاب، أو غيب، الأمير عبد القادر الجزائري وابن باديس والمجاهدة فاطمة نسومر والمجاهدة جميلة بوحريد وبالطبع اختفى عن ناظرينا تماما علماء ومفكرون كالبشير الإبراهيمي ومالك بن نبي، أما المليون شهيد فلم يعودوا أكثر من إحصائية في مكتب سجلات الوفاة.

هكذا من خلال عملية الإلغاء، تم الاختزال وهو في رواية جورج أورويل (1984) حيلة يلجأ اليها (الأخ الأكبر) من أجل برمجة أعضاء المجتمع ومغنطتهم حتى يفقدوا الإرادة والقدرة على التفكير والاختيار الحر وهذه البرمجة التي تقوم بها «وزارة الحقيقة» في دولة أوشينيا تعتمد في جانب منها على إلغاء المفردات اللغوية والاكتفاء بمفردة واحدة ما أمكن حتى تختفي الظلال الدقيقة للمعاني وتتبسط المضامين إلى درجة الابتذال، وفي مباراة مصر والجزائر جرت عملية برمجة اختزلت الدولتين إلى لونين أحدهما أحمر والآخر أخضر، فمصر بغض النظر عن رمزيتها وإسهامها هي محض لون أحمر للجزائر، لا يهم تفردها التاريخي وامتيازها، هي فقط لون أخضر. والأمر باختصار أمر حرب والحرب في صميمها بين طائفتين مختزلتين في لونين وأنت بالخيار وبالضخامة الخيار بين أن تؤيد الأخضر أو الأحمر، أما وقد اخترت فالمعركة كما في ألعاب الحاسوب صارت معركة كسر عظم.

 3 

÷ الخطيئة الثالثة أن الأحداث التي أعقبت مباراة الخرطوم بوجه أخص جرى تصعيدها في الإعلام المصري، فتحولت من اشتباك مع المشجعين إلى اشتباك مع الدولة والشعب الجزائري في تعميم مخل وخطير. إذ في ظل الانفعال والتجاوز اللذين شهدناهما أهين الشعب الجزائري وجرحت رموزه في وسائل الإعلام المصرية، على نحو لا يليق بإعلام محترم ولا ببلد متحضر. ولا أريد أن أستعيد الأوصاف التي أطلقتها أغلب وسائل الإعلام المصرية في هذا الصدد لشدة الإسفاف فيها وبذاءتها، لكني فقط أنبه إلى أمرين، أولهما أن هذه اللغة التي استخدمت من شأنها أن تحدث شرخاً عميقاً في علاقات البلدين لن يكون علاجه والبراء منه سهلا في الأجل المنظور، الأمر الثاني أن القطيعة التي أفضى إليها هذا الأسلوب هي أثمن هدية قدمناها إلى دعاة الفرنكوفونية المعادين للعروبة والإسلام في الجزائر، ذلك أننا أبدينا استعدادا مذهلا لأن نخسر شعبا بأكمله، لأننا لم نفز في مباراة لكرة القدم، وتعرضت بعض حافلات المشجعين المصريين لاعتداءات من جانب نظرائهم المصريين. وإذا قال قائل إن الإسفاف الذي صدر عن الإعلام المصري كان له نظيره في الإعلام الجزائري، فردّي على ذلك أن ما صدر عن الإعلام الجزائري كان محصوراً في صحيفة خاصة أو اثنتين، في حين أن الإعلام الرسمي التزم الصمت طول الوقت، بعكس ما جرى عندنا حين شارك الإعلام الرسمي أيضا في حملة الإسفاف.

÷ الخطيئة الرابعة أننا لم نعلن حقيقة ما جرى أثناء مباراة القاهرة الأولى، وأخفينا أن الحافلة التي استقلها المنتخب الجزائري تعرضت للرشق بالطوب، الذي أصاب بعض اللاعبين بالجراح (أحدهم أصيب في رأسه وعولج بأربع غرز). في الوقت ذاته فإننا روّجنا لرواية غير صحيحة اتهمت اللاعبين الجزائريين بافتعال الحدث، في حين أن ثلاثة من أعضاء الاتحاد الدولي (الفيفا) كانوا يستقلون سيارة خلف الحافلة، ومعهم ممثلون عن التلفزيون الفرنسي، وهؤلاء سجلوا ما حدث وصوروه، وكانت النتيجة أن الفيفا أداننا، وظننا نحن أننا نجحنا في طمس الموضوع بواسطة الإعلام المحلي، الذي لم يسكت فقط عما جرى للحافلة، لكنه تجاهل أيضا ما جرى للمشجعين الجزائريين في مصر، الذين تقول وزارة الصحة المصرية إن 31 منهم أصيبوا، في حين سجلت السفارة الجزائرية أن عدد المصابين 51 لا 31 وأحد المصابين الجزائريين طعن بمطواة في بطنه!

÷ الخطيئة الخامسة أننا تركنا الأمر للإعلام الذي تولى قيادة الرأي العام في مصر، ولأن بعض هؤلاء ليسوا مؤهلين فكريا أو أخلاقيا، كما ذكر بحث الدكتور معتز عبد الفتاح في مقاله بجريدة «الشروق» نشر في 21/11. فقد عمدوا إلى التهييج والإثارة والتحريض، وتجاوزوا في ذلك الحدود المهنية والأخلاقية، وكانت النتيجة أن المناخ الإعلامي عبأ الناس بمشاعر مريضة وغير صحية، استخرجت منهم أسوأ ما فيهم من مشاعر وتعبيرات ومواقف، دعت بعض حمقى المدونين إلى اعتبار إسرائيل أقرب إلى مصر من الجزائر (!).

÷ الخطيئة السادسة أن بعض وسائل الإعلام وبعض الشخصيات المعتبرة  علاء مبارك مثلا  أرجعت ما جرى إلى «حقد» يكنه الجزائريون لمصر، في تسطيح وتبسيط مدهشين. وهو كلام لا يليق ولا دليل عليه، لأن العكس هو الصحيح تماما. ذلك أن الموقف الرسمي للجزائر تعامل دائما مع مصر بمودة واحترام كبيرين. منذ أيام الرئيس بومدين، الذي دفع للسوفيات قيمة السلاح الذي احتاجته بعد هزيمة 67، وإلى عهد الرئيس بوتفليقة الذي انحازت حكومته للمستثمرين المصريين، ومكنتهم من أن يتخطوا فرنسا ليصبحوا المستثمر الأول في الجزائر، والتي تنازل وزير خارجيتها الأسبق وقاضي محكمة العدل الدولية المتميز محمد بدجاوي لمصلحة وزير الثقافة المصري فاروق حسني في انتخابات اليونسكو.

÷ الخطيئة السابعة أننا وسعنا من دائرة الاشتباك دون أي مبرر، حين روج بعضنا للسؤال: لماذا يكرهنا العرب؟.. وهو بدوره سؤال مستغرب ينطلق من فرضية مفتعلة وخبيثة. وهو ذاته السؤال الأبله الذي طرحه الأميركيون في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، حين عمموا الاتهامات على كل المسلمين، وراحوا يسألون لماذا يكرهوننا؟.. وإذا كان الأميركيون يطرحون السؤال على أنفسهم وهم يعلمون أنهم محتلون ومهيمنون على العالم الإسلامي، فالكل يعلم أن مصر لم تعد تنافس أحداً، وليس لها نفوذ يذكر في العالم العربي والإسلامي، وخطورة السؤال لماذا يكرهوننا، تكمن في أنه يعزز جدران العزلة بين مصر والعالم العربي، بقدر ما يمهد الطريق عبر الجسور  البعض يتمناها تحالفا  بين مصر وإسرائيل.

4

÷ الخطيئة الثامنة أن الانتماء العربي طاله نقد وتجريح قاسيان من قبل أطراف عدة، إذ ببساطة مدهشة أبدى البعض استخفافاً بذلك الانتماء ونفوراً منه. وأبدوا استعدادا للاستقالة منه، وقد استهجنه واستنكره علاء مبارك، حين قال في تعليقه الذي أعيد بثه أكثر من مرة إن العروبة لم يعد لها معنى، كما نشر على لسان وزير التنمية الاقتصادية محمد عثمان قوله أمام مؤتمر التنمية في (24/11) إن مصر قوية بعروبتها أو بغيرها. وهي لا تقبل أن يكون الانتماء العربي عبئاً عليها. وسمعنا فنانة محترمة مثل إسعاد يونس تصف نفسها في أحد البرامج التلفزيونية بأنها «فرعونية» مستنكفة أن تشير إلى هويتها العربية. وحين يصدر هذا الكلام على ألسنة رموز في المجتمع، فلك أن تتصور صداه في أوساط الشباب، الذين ذهب بعضهم إلى أبعد، حتى نعت العروبة بأحط الأوصاف.

÷ الخطيئة التاسعة أن نفراً من المعلقين في وسائل الإعلام المصرية وبعض الشخصيات العامة خاطبوا الجزائر وغيرها من الدول العربية بلغة المن المسكونة بالاستعلاء والفوقية، ذلك أن تعليقات عدة انطلقت من معايرة الجزائريين وغيرهم بما سبق أن قدمته مصر لهم في مرحلة الستينيات، حتى قال مثقف محترم مثل الدكتور يوسف زيدان في مقال منشور إن مصر أنفقت من أموالها لكي تجعل الجزائر عربية. وردد آخر في أكثر من تعليق العبارة المأثورة: اتق شر من أحسنت إليه، وهذا منطلق لا يليق بأهل الشهامة والمروءة، من حيث إنه يعمق الشرخ ولا يداويه. ناهيك عن أن ما قدمته مصر للجزائر وبعض الدول العربية بحكم دورها القيادي الذي مارسته في مرحلة، تلقت مقابلا له، وربما عائدا أكبر منه في وقت لاحق، حين تأزمت مصر وأصبحت بحاجة إلى مساندة «الأشقاء».

÷ الخطيئة العاشرة والأخيرة أن مصر في الأزمة التي مرت صغرت وفقدت الكثير من حجمها كأكبر دولة عربية. صغرها الخطاب الإعلامي الذي قدمها إلى العالم الخارجي في صورة غير مشرفة، حتى قال لي بعض المصريين المقيمين بالخارج إنهم كانوا يتوارون خجلا مما كانوا يسمعونه في البرامج التلفزيونية المصرية. وصغرها أنها حين هزمت في الخرطوم بعد الأداء المشرف لفريقها، فإنها تمسكنت ولعبت دور الضحية التي تستحق الرثاء والعطف، وصغرها أن ملأ الفضاء ضجيجا وصخبا، وعجزت عن أن تقدم دليلا مقنعا يؤكد ما تدعيه.

======================

خطة إسرائيل للقدس عام 2020!

المستقبل - الثلاثاء 1 كانون الأول 2009

العدد 3498 - رأي و فكر - صفحة 22

نبيل محمود السهلي()

تسعى حكومة نتنياهو إلى تنفيذ مخطط مايسمى تطوير القدس حتى عام 2020؛ وتهدف إسرائيل من وراء ذلك ضم المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة في الضفة الغربية مثل مستوطنة معاليه ادوميم إلى مدينة القدس؛ وجعل المدينة الموحدة بشقيها الغربي والشرقي عاصمة أبدية لإسرائيل بعد تحقيق أهداف ديموغرافية استراتيجية من خلال تقليل نسبة العرب في المدينة إلى 12 في المئة في عام 2020 عوضاً عن النسبة المحققة حالياً والتي تصل إلى 24 في المئة.

واللافت أن حكومة نتنياهو تنفذ مخططات عديدة في زمن واحد؛ فمن جهة تستمر بمحاصرة مدينة القدس بالجدار العازل؛ وتشير التقارير إلى أن عمليات البناء في الجدار المذكور حول المدينة المقدسة باتت في نهاياتها؛ حيث لم يتبقى من عمليات إتمام الجدار حول القدس سوى خمسين كيلومتراً طولياً من اصل 165 كيلومتراً؛ سيتم من خلالها عزل مدينة القدس ديموغرافياً وجغرافياً عن محيطها العربي في الضفة الغربية. ومن جهة أخرى تشير الأنباء الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء إلى سيطرة السلطات الإسرائيلية على 66 في المائة من قطاع التعليم العربي في مدينة القدس وفرض المناهج التعليمية على المدارس الابتدائية العربية هناك منذ عام 1968.

ومن الضرورة إظهار حجم معاناة الطلبة العرب المقدسيين من جراء السياسات الإسرائيلية المبرمجة ضد قطاع التعليم العربية؛ حيث ثمة اكتظاظ شديد في الصفوف المدرسية والدوام في غالبية المدارس على فترتين؛ وهناك نقص حاد وكبير في المخابر في المدارس العربية في القدس؛ ناهيك عن ضعف التجهيزات الرياضية وكذلك النقص الواضح للمعلمين والخدمات؛ حيث لا يوجد سوى حمام لكل ستين طالب عربي في مدارس القدس؛ وتمنع السلطات الإسرائيلية منذ سنوات عدة تطوير وتحديث وبناء غرف إضافية أو مدارس للطلبة العرب في القدس؛ الأمر الذي يحول دون استيعاب الطلبة الجدد عبر النمو الطبيعي للسكان الذي يزيد عن ثلاثة في المائة سنوياً؛ وتبعاً لذلك فان قطاع التعليم في مدينة القدس بحاجة إلى 1800 غرفة صف مدرسية لاستيعاب عشرة آلاف طالب جديد سنوياً. والملاحظ أيضا أن المدارس غير مؤهلة للتدريس الجيد بسبب قدمها وعدم القيام بعملية تحديث ضرورية. ومن الأهمية الإشارة أيضاً أن وزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية القدس الإسرائيلية منعتا منذ بداية العام الدراسي الحالي على 2009-2010 التعليم المجاني للطلبة العرب في مدينة القدس؛ الأمر الذي سيحرم (30) ألف طالب وطالبة مقدسية من فرص التعليم والتحصيل العلمي؛ وفي الاتجاه نفسه تشير التقارير إلى أن (5500) مقدسي هم من دون إطار تعليمي رسمي؛ وفي ظل الحصار الاقتصادي الإسرائيلي على مدينة القدس فان الخيارات المالية باتت موصدة أمام الطالب والأسرة العربية هناك للتسجيل في مدارس خاصة؛ وتبعاً للسياسات الإسرائيلية المطبقة بحق قطاع التعليم من فرض للمناهج الإسرائيلية ومنع للتعليم المجاني؛ فإن حالة تسرب كبيرة ستحصل بين الطلبة العرب؛ وفي هذا السياق تشير دراسات إلى أن نسبة تسرب الطلبة العرب في القدس قبل الوصول إلى المرحلة الثانوية وصل إلى نحو خمسين في المائة خلال العقد الأخير؛ وسنشهد أيضاً هجرة قسرية من قبل أسر وطلاب فلسطينيين من القدس إلى مدن وقرى الضفة الغربية للبحث عن فرص تعليم مجانية؛ ما يؤدي في نهاية الأمر إلى منعهم من العودة إلى مناطق سكناهم في محافظة القدس بحجة قوانين إسرائيلية جائرة؛ اقلها حجة الإقامة خارج القدس لأكثر من عام وبالتالي الانقضاض على عقاراتهم ومنازلهم تحت مسميات مختلفة ولتصبح بعد ذلك ملك لما يسمى هيئة ارض وأملاك إسرائيل.

ويبقى القول أنه يجب طرح سؤال ما العمل لمواجهة تحديات تجهيل الفلسطينيين في مدينة القدس والأهداف الإسرائيلية المبيتة من وراء ذلك ؟ العمل الملح يكمن في تهيئة الظروف لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني بأقرب فرصة ممكنة؛ وخاصة أن التحدي المذكور يتعلق بتهويد مدينة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؛ ولهذا بات على الجميع ونقصد العرب ومن بينهم الفلسطينيون دعم العرب المقدسيين وتثبيتهم في مواجهة السياسات الإسرائيلية؛ وإعطاء تلك المواجهة بعداً إنسانيا ودبلوماسياً؛ وهذا يتطلب جهوداً عربية إضافية جماعية رسمية وشعبية لمخاطبة الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية والاقليمة ذات الصلة بالتعليم مثل اليونسكو وغيرها لتوضيح ما تقوم به إسرائيل من إجراءات منافية لأبسط قواعد القانون الدولي والأعراف الإنسانية.

() كاتب فلسطيني

============================

التنظير لصراع الحضارات!

المستقبل - الثلاثاء 1 كانون الأول 2009

العدد 3498 - رأي و فكر - صفحة 22

جيروم شاهين

في إطار صراع الحضارات قدّم الفكر الغربي تنظيراً حضارياً له طبيعة صراعية يسعى لتبرير الصراع القائم بين الحضارة الغربية والحضارات الأخرى وهو التنظير الذي نعرض لأهمّ نموذجين من نماذجه.

النموذج الأول نجده في نظرية فرنسيس فوكوياما بشأن "نهاية التاريخ"، وأهم ما جاء في فكر فوكوياما هو أن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت، بدون حرب، القوة العظمى في العالم والمسيطرة على مقاديره.

وقد ألهمت الفكرة الماركسية المتعلقة بنهاية التاريخ فوكوياما، فاعتبر، بدوره، ان نهاية التاريخ مترتبة على انتصار النظام الرأسمالي على سائر الأنظمة ولا سيما النموذج الإشتراكي.

إلاّ أن نظرية فوكوياما لم تُستقبل بصورة إيجابية لأن بعضهم اعتبرها تخديراً للمعسكر الغربي ودعوة له للخلود إلى الراحة والسكون، ولأن انتصار المعسكر الغربي الرأسمالي لم يكن استناداً إلى قوّة اميركا بل بسبب انهيار النظام السوفياتي.

أما النظرية الأكثر شهرة فهي نظرية صموئيل هانتنجتون بخصوص "صراع الحضارات". قدّم هانتنجتون نظريته عن صراع الحضارات التي عرضت خطوطها العامة في البداية في مجلة "فورن أفيرز" عام 1993. واستجابة لذلك وقعت ردود أفعال واستجابات كثيرة، الأمر الذي دفعه إلى إعادة كتابتها في كتاب كامل بعنوان "صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي"، حيث لاقى الكتاب والنظرية التي يضمّها اهتماماً كبيراً في الأوساط الفكرية والشعبية على السواء. التأكيدات التي جاءت في كتاب هانتنجتون يمكن إيجازها كما يلي:

(1) يمكن تصنيف نظرية هانتنجتون ضمن نظريات الصراع في علم الإجتماع، وهي النظريات التي ترى أن الصراع يُعتبر من العمليات الإجتماعية التي تلعب دوراً محورياً في بناء المجتمع.

(2) ينضم هانتنجتون إلى العلماء الذين يرون أن الحضارة أكثر شمولاً من الثقافة. وأن الحضارة في غالب الأحيان تكون أكثر ديمومة وتستند إلى مبادئ عقيدية ودينية في الغالب.

(3) يقسّم العالم الذي سوف يتمّ الصراع على ساحته إلى قسمين، بينهما علاقات استعارها، أو نقلها، هانتنجتون من نظرية التبعية (المركز والمحيط)، أي تلك التي تقوم بين الحضارة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والحضارات الأخرى. وبهذا التنميط للعلاقات يرى هانتنجتون أنه من المفترض حسب هذا التصور أن يمتلك المركز كل القوة، بل عليه أن يصطنع الآليات التي تيسّر له نقل مصادر القوة من مجتمعات حضارات المحيط إلى مجتمع حضارة المركز.

(4) إن النظام العالمي يشتمل الآن في ساحته على ثماني حضارات ما زالت حيّة حتى اليوم: الكونفشيوسية، اليابانية، الإسلامية، الهندوكية، الأرثوذكسية السلافية، الأفريقية، حضارات أميركا اللاتينية، بالإضافة إلى الحضارة الغربية.

(5) يؤكّد على اختلاف الحضارات. وهو الإختلاف الذي يمكن أن يؤدّي إلى الصراع أو إلى التحالف والتعاون.

(6) يرى أنه امام حضارات العالم خيارات ثلاثة: الأول هو العزلة، الثاني هو السعي للإلتحاق بالغرب من خلال قبول نظمه وقيمه والتسليم بها، الثالث هو تبنّي أهل الحضارة لمنطق النضال بهدف تحقيق التوازن مع الحضارة الغربية الرأسمالية.

(7) يُركّز بدرجة أكثر على الحضارة الإسلامية. وفي نظره، تترادف هذه الحضارة مع الدين الإسلامي أو ترتكز إليه باعتباره قاعدة للهوية والحضارة.

(8) حينما تتصارع الحضارات فإنه من الطبيعي أن تكون هناك معايير مزدوجة، حيث يطبّق البشر أحد المعايير على المجتمعات أو الحضارات المتحالفة معهم، بينما نجدهم يطبّقون معايير مختلفة على الآخرين.

(9) إنه من المنطقي أن تكون الحضارة الإسلامية هي الحضارة المرشحة للصراع مع الحضارة الغربية لاعتبارات عديدة برغم فترات التعاون وازدهار التفاعل بينهما. وهكذا فإن هانتنغتون قد استبعد الأفريقية بسبب ضعفها. واستبعد اليابانية والأميركية اللاتينية بسبب تحالفها مع الغرب، لم يتعرّض للحضارة الهندوكية أو الكونفشيوسية باعتبارها حضارات ذوات احتماليات صراع مؤجّل.

إن التنظير الحضاري خلال النصف الثاني من القرن العشرين تمحور بالأساس حول فكرة الصراع. فهو تنظير ألهم بتنظير الصراع الطبقي، وأيضاً بالصراع الذي حدث في فترة الحرب الباردة.

يؤكّد التنظير الحضاري في النصف الثاني من القرن العشرين على نزعة الحضارة الغربية الرأسمالية نحو التمركز حول الذات، وهي النزعة التي ظلت مسيطرة على العقلية الغربية منذ بداية عصر الاستعمار وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية. نشير هنا إلى أن معظم مفكري القرن التاسع عشر قد رأوا أن الحضارة تُعتبر كائناً عضوياً يمرّ بمراحل النشأة والنضج والإنحلال. قد تنعزل الحضارة جغرافيا وتاريخياً وقد تتوقف عن إعادة إنتاج نفسها، غير أن مادّتها ما تزال قائمة. إذا صادفت مَن يسعى إلى إحيائها من جديد فإنها تستيقظ قوية وممتلكة العافية. بهذا المنطق يمكن إحياء الحضارات القديمة.

في الخلاصة يمكن القول ان صراع الحضارات ليس حتمياً. فالحضارة ليس لها طابع عرقي، ولا ترتبط بجنس، ولا تنتمي لشعب، على الرغم من أنها قد تنتسب إلى أمّة من الأمم أو إلى منطقة جغرافية، بخلاف الثقافة التي هي رمز للهوية، وعنوان على الذاتية، وتعبير عن الخصوصية التي تتميز بها أمّة أو شعب.

==========================

مآذن وكنائس ! يمين ويسار !

حلمي الأسمر

الدستور

1-12-2009

لنتخيل ولو لوهلة أن بلدا عربيا مسلما أصدر قرارا بمنع بناء أجراس الكنائس ، ماذا كان سيحصل؟ لكم أن تتخيلوا،،.

في المقابل ، وفي سويسرا ، في قلب أوروبا الحريات وحقوق والإنسان والديمقراطية ، تقول الأنباء إن نتائج الاستفتاء على اقتراح حظر بناء المآذن تشير إلى حصول الخطوة على دعم غالبية الأصوات ، في مفاجأة غير متوقعة ، حيث كانت معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أن الناخبين سيعارضون الاقتراح ، وإن بغالبية طفيفة،.

يقول موقع التلفزيون السويسري إن استطلاع آراء المقترعين بعد إدلائهم بآرائهم أظهر تصويت 57 في المئة منهم لصالح الاقتراح ، والذي قدمته "قوى يمينية"،.

قوى يمينية،.

القوى اليمينة - كما يسميها الإعلام - في بلاد الأغراب مباح لها أن تصول وتجول ، وتحكم وترسم ، في إسرائيل كما في أمريكا وبريطانيا ، وألمانيا: يمين متشدد ولحى وأحزاب يهودية ومسيحية ومحافظون جدد وقدامى ، أما في بلادنا فهي قوى ظلامية طالبانية ومتخلفة ، تشد البلاد والعباد إلى عهود ماضوية ، وهي ملاحقة وغير مسموح لها أن تكون موجودة أصلا ، وفي بقاع معينة تجري عمليات استئصال لها من الجذور ، وأصحابها ما بين معتقل ومطارد ، وليس بعيدا نموذج غزة وحماس ، كل الدنيا مسموح لها أن يكون فيها قوى يمينية ويسارية ووسطى ، إلا نحن العرب ، فيميننا محظور ، أما يسارنا فلم يعد موجودا أصلا ، ولم يبق إلا ما يسمى بالوسط ، وهو ممزق على نفسه ، بلا هوية ، بل كتلة هلامية مجزأة ، تلهث وراء اللاشيء حينا ، وحينا آخر تأكل بعضها ، كأن على العربي أن يكون بلا يدين ، فلا يسار ولا يمين،.

 

حظروا المآذن أو سمحوا لها ، فهي مجرد امتداد عمراني ، أما الإيمان فهو امتداد روحي ، يصل العبد بربه ، بلا مآذن ولا مساجد أصلا ، مسلمو الاتحاد السوفياتي كانوا يصلون في أقبية أيام صولة وجبروت الشيوعية ، ولم تمنعهم القبضة الحديدية للسوفييت أن يتصلوا بخالقهم ، وكذا هو الأمر بالنسبة لمن يحاربون "القوى اليمينة" فبين هذه القوى وبارئها حبل سري لا ينقطع ، رضي من رضي وأبى من أبى ، "والله متم نوره ولو كره الكافرون".

=======================

حول الملف النووي الإيراني  السوري.. الشجرة التي تخفي الغابة

إدريس جنداري

01/12/2009

القدس العربي

صدر عن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ السيد محمد البرادعي تصريح جديد؛ بخصوص الملفين النوويين الإيراني والسوري؛ ويتناقض هذا التصريح بالتمام مع جميع التصريحات التي أدلى بها لوقت قريب. والتصريح في جوهره يعلن عن مقاربة جديدة/قديمة للملفين معا؛ فبعد اللهجة المتفائلة والمشجعة؛ التي عبر عنها السيد البرادعي سابقا؛ والتي أدت إلى تلطيف الأجواء؛ في منطقة الشرق الأوسط ؛ التي كان يسيطر عليها هدير الطائرات الحربية نتيجة للتهديد الأمريكي/الإسرائيلي/الأوروبي لإيران  بشكل خاص- بضربة عسكرية؛ إذا لم تستجب للمطالب الدولية بوقف تخصيب اليورانيوم. بعد هذه اللهجة؛ يفاجأ جميع المتتبعين للملف بتصريح جديد للسيد البرادعي؛ يؤكد فيه أن إيران لم تستجب للمطالب الدولية بخصوص وقف التخصيب؛ ويؤكد بالحرف  حسب وكالات الأنباء الدولية- أن إيران لم تتفاوض بشكل جيد. وبالإضافة إلى إيران يوجه البرادعي نفس التحذير لسورية؛ متهما إياها بعدم الالتزام بالتعاون اللازم؛ وبعدم تقديم معلومات حول المبنى المهدم.

إن التصريح بوجهيه  على ما يبدو- يفتح لصفحة جديدة /قديمة؛ في التعامل مع الحليفين الاستراتيجيين في منطقة الشرق الأوسط؛ والذين يشكلان معا ما يسمى بمحور الممانعة؛ الذي يؤسس سياسته الخارجية على رفض الخضوع للقوى المهيمنة في العالم؛ والتي تستغل القانون الدولي والمؤسسات الدولية لحرمان الشعوب؛ من ممارسة حقها في التنمية والتقدم والكرامة.

فهل يمكن اعتبار هذا التصريح المتشدد؛ بداية جديدة/قديمة ستحمل الكثير من التصعيد؛ بخصوص التعامل مع محور الممانعة؟

لقد بدا بشكل واضح خلال الأشهر الأخيرة؛ أن السياسة الخارجية الإيرانية-السورية حققت الكثير من المكتسبات السياسية في علاقتها بالغرب(حليف إسرائيل)؛ فإيران استطاعت بحنكتها السياسية تأجيل البث في ملفها النووي؛ مع ما يوازي ذلك من ربح لوقت ثمين؛ قد تستغله في استمرارية التخصيب؛ مع اقترابها من امتلاك السلاح النووي؛ وفي نفس الآن استطاعت تكريس حقها الطبيعي في امتلاك التقنية النووية لأغراض مدنية.

أما بخصوص سورية فإن أكبر إنجاز يحسب لسياستها الخارجية هو فك العزلة الإقليمية والدولية عنها؛ فعلى المستوى الإقليمي يبدو أن سورية مستمرة في نسج علاقات استراتيجية متينة؛ سواء مع إيران أو مع تركيا؛ مع تحقيق انفتاح غير مسبوق على السعودية. أما على المستوى الدولي فقد نجحت سورية في الخروج من التوتر؛ الذي طبع علاقاتها مع المجتمع الدولي؛ وخصوصا مع أوربا وأمريكا. وتعد الزيارة الناجحة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأسد إلى فرنسا؛ وما طرح خلالها من ملفات تخص منطقة الشرق الأوسط ؛ تعد خير دليل على هذا النجاح.

إنها نجاحات لا يمكن إلا أن ننوه بها؛ باعتبارها نموذجا دوليا جديدا لقدرة الشعوب على التحدي والمواجهة؛ دفاعا عن حقوقها المشروعة؛ في مواجهة أعتى القوى الدولية؛ لكن الأكيد هو أن هذه النجاحات لن تستمر؛ من دون الاستمرارية في الدفاع عنها وعن استحقاقها.

في هذا الإطار يبدو أن تصريح السيد البرادعي الأخير؛ لا يخرج عن السياق الدولي العام الذي يسعى إلى تقزيم هذه النجاحات؛ التي أثمرتها سياسة الجزرة في اعتبار القوى الكبرى- لذلك فاللازم هو العودة من جديد إلى سياسة العصا؛ عبر التهديد بشن الحروب الاستباقية الرادعة؛ والتهديد بالعقوبات الدولية الزاجرة؛ التي تستهدف-أساسا- القدرات التنموية للشعوب (وليس الأنظمة طبعا).

نحن نعلم جميعا أن السيد محمد البرادعي لا يمثل نفسه سوى كعربي/مسلم أو كعالم وخبير نووي؛ ولكنه على الأرجح يمثل السياسة الدولية المنتهجة في هذا المجال؛ لذلك يجب أن نقرأ تصريحاته في ضوء هذه السياسة؛ حتى نستوعب المنطق المتحكم فيها.

وفي نفس السياق نعلم كذلك أن السياسة الدولية المنتهجة حاليا؛ تسلط الضوء بقوة على ما يسمى في أدبياتها السياسية بقوى الممانعة؛ في منطقة الشرق الأوسط؛ باعتبارها القوى التي تتحكم في صناعة الرأي العام؛ وتقود المقاومة في المنطقة ؛ لذلك يجب الاستمرار في كبح جماحها بين الحين والآخر؛ حتى لا تستأسد وتنتشي بانتصاراتها؛ بما يشكله كل ذلك من تراجع للحضور الإسرائيلي/الأمريكي/الأوروبي في المنطقة؛ وبما يشكله كذلك من تهديد مباشر لمصالح هذا الحضور؛ وهي مصالح استراتيجية؛ من باب الاستحالة التفريط في ذرة منها؛ سواء ارتبط الأمر بأمن إسرائيل أو بإمدادات الطاقة.

إن تصريح رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية السيد محمد البرادعي الأخير في الحقيقة يخفي أكثر مما يعلن؛ ومن الواجب التعامل معه على ضوء المعطيات السياسية الدولية؛ لأنه بالتأكيد ليس خطابة؛ ولكنه يدشن لمرحلة جديدة/قديمة في التعامل مع قوى الممانعة في منطقة الشرق الأوسط.

' كاتب مغربي

==========================

غصن الزيتون الذي حمله بن أليعازر إلى تركيا

سمير صالحة

الشرق الاوسط

1-12-2009

فيما كان وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر «صديق تركيا القديم» كما يصف هو نفسه، يحزم حقائبه ويستعد لزيارة أنقرة للمرة العاشرة، في محاولة لإنهاء أكثر من 10 أشهر من القطيعة السياسية بين البلدين، كانت المقاتلات الإسرائيلية تنفذ أوامر تل أبيب بمهاجمة الأهداف السكنية والمدنية في غزة تماما كما كانت تفعل في مطلع العام عندما قررت تركيا إدانتها وتجميد العلاقات السياسية معها بسبب سلوكها الاستفزازي التصعيدي هذا. عناد تركي قبل أشهر بسبب الحرب على غزة قاد إلى القطيعة، وعناد إسرائيلي اليوم بتجديد الهجمات ضد المناطق السكنية في المدينة يتزامن مع زيارة اليعازر التي تجري تحت عنوان إنهاء القطيعة!

فيما كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يغادر مطار أنقرة قاصدا العاصمة الليبية ومتجنبا اللقاء بالضيف الإسرائيلي، كان نائبه بولنت ارنش يقابل «صدفة» الوزير الإسرائيلي في المطار ليخرج من اللقاء معلنا أن تركيا يهمها أن تكون علاقاتها بإسرائيل مستقرة ومنتظمة على كافة الصعد وأن أنقرة تبذل جهدا من أجل تحقيق ذلك، كان بن اليعازر يردد على مسامعه أنه حضر على رأس وفد اقتصادي رفيع يضم أكثر من 20 شخصية من أهم رجال الأعمال الإسرائيليين لتوقيع عقود واتفاقيات تجارية جديدة مع الأتراك متمنيا أن تساهم بأسرع ما يمكن في إزالة السحب السوداء التي خيمت على العلاقات بين البلدين.

فيما كان وزير الخارجية الإسرائيلي القومي المتطرف أفيغدور ليبرمان يعلن أن زيارة بن اليعازر إلى تركيا لا تعنيه ولا علاقة للخارجية الإسرائيلية بها وأن تركيا فقدت فرصتها في لعب دور الوسيط بين تل أبيب ودمشق. وفيما كان نتنياهو يكرر من بعيد أن القدس خارج أية مساومة سياسية وأن تجميد الاستيطان في الضفة جزئي ومرتبط بأكثر من خطوة فلسطينية لا بد منها، كان شريكهما في الائتلاف الحكومي بن اليعازر يردد أنه يزور تركيا باسم الحكومة الإسرائيلية وبعلم وتكليف من قبل رئيس وزرائها ويقول إن تركيا كانت وستظل شريكنا الاستراتيجي وأن التقارب التركي  السوري لا يزعج إسرائيل بل على العكس من ذلك، وأنه حاول إقناع الرئيس التركي عبد الله غل خلال اجتماعه به أن زيارة يقوم بها إلى إسرائيل ستكون كافية لإعادة المياه إلى مجاريها. هي خدعة إسرائيلية قديمة ومعروفة عندما يشد أحد الأطراف الحبل نحوه بقوة على الطرف الآخر أن يتصلب ويتشدد في مواقفه هو الآخر وكأنه يعرض الحبل للانقطاع إيحاء للطرف الثالث أن كلمته مسموعة ويؤخذ بها مهما كان الثمن وهذا ما يحدث اليوم.

تل أبيب غاضبة لأن أنقرة في الأشهر الأخيرة حرمتها أكثر من فرصة سياسية وعسكرية ودبلوماسية.. وقفت ضدها في مناورات الأطلسي وفي ملف غولدستون وسياسات التوطين الجديدة وقالت أكثر من مرة إن حكومة نتنياهو الائتلافية هي حكومة حرب قبل أن تكون حكومة سلم لكن أنقرة غاضبة أيضا لأن تل أبيب عارضت السماح لداوود أوغلو بزيارة غزة عبر حدودها ولم تأخذ بنصائحها في موضوع تبني سياسة فلسطينية جديدة رغم أكثر من تعهد بالتهدئة وتمسكها بإرجاء تسليم صفقة طائرات التجسس «هيرون» إلى تركيا رغم أكثر من موعد يحدد ويلغى في آخر لحظة.

وبن اليعازر قد يكون جاء وفي جعبته الكثير من المشاريع والاقتراحات والخطط الاستراتيجية لفتح صفحة جديدة لا نعرف الكثير عنها بعد لكننا نعرف أنه لا فائدة من رفع سقف المراهنة وإطلاق العنان للمخيلة في مسألة تركيع حكومة نتنياهو تركيا وجرجرتها إلى طاولة السلام الإقليمي وبناء قصور رملية أمام سواحل العلاقات التركية  الإسرائيلية فهي ستكون معرضة للسقوط والتبعثر عند أول موجة تصل إليها.

داوود أوغلو الذي التقى الوزير الإسرائيلي من المؤكد أنه ثمن له مشاركته التي جاءت يتيمة في احتفالات السفارة التركية بذكرى إعلان الجمهورية بعدما قررت القيادات السياسية والرسمية الإسرائيلية مقاطعتها احتجاجا على السياسات والمواقف التركية. وهو قدّر له حتما موقفه الذي أطلقه من العاصمة التركية حول ضرورة أن تقود تركيا عملية بناء سلام إقليمي شامل. لكن داوود أوغلو قال وبوضوح للزائر الإسرائيلي إن أنقرة لا يهمها أبدا أن تتدهور علاقاتها بتل أبيب وإن إسرائيل وحدها تتحمل مسؤولية هذا التأزم وأنه رغم كل شيء لا حاجة للعودة إلى بداية جديدة فالعلاقات لم تنقطع أبدا بين البلدين.

أردوغان لم يعلق بعد على موضوع زيارة بن اليعازر ولم يقل رأيه في السيناريو الإسرائيلي المطروح على طريق الحلحلة.. زيارة يقوم بها داوود أوغلو إلى تل أبيب ثم زيارة مماثلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أنقرة ويتوج كل ذلك بزيارة للرئيس التركي غل، وكل ذلك تحت شعار «العائلة الواحدة والبيت الواحد» الذي رفعه الوزير الإسرائيلي في تركيا. فهل يكون لبن اليعازر ما أراد أم أن الورقة الفرنسية التي يلوح بها ساركوزي منذ أيام ستكون فعلا البديل الآخر للوساطة التركية بين تل أبيب ودمشق التي تفقد حياديتها يوما بعد الآخر كما تقول الأصوات المتشددة في إسرائيل؟

*كاتب وأكاديمي تركي

=====================

تحقيق حول الاختناق العمراني في دمشق والمدن السورية [2]:

تخطيط مساحة عيش جديدة

بقلم بول روس

نشرنا في "قضايا النهار" (20/11/2009) نصين مأخوذين من مجلة "سيريا توداي" الصادرة باللغة الانكليزية في دمشق يتناولان، في ضوء معلومات رسمية، جوانب غير متداولة من المشاكل العمرانية في المدن السورية وخصوصاً العاصمة دمشق، بما في ذلك الحجم الكبير المفاجئ للبناء غير الشرعي. اليوم ننشر نصاً ثالثاً للخبير في التنظيم المدني بول روس مأخوذاً من المجلة المذكورة ينطلق من مشكلات نمو "الاحياء غير الرسمية" ليطرح ضرورة التخطيط المدني الفاعل:

على غرار بلدان عدة، شهدت سوريا نمواً مدنياً مهماً في الأعوام الأخيرة، مع بلوغ النمو خمسة في المئة في بعض السنوات. يعيش أكثر من 50 في المئة من السكان الآن في مناطق مدنية، ومن المتوقّع أن ترتفع هذه النسبة إلى 75 في المئة بحلول 2050. ثمة عوامل عالمية مألوفة خلف هذا النمو المدني السريع، بينها النمو السكاني والنزوح الداخلي.

لكن هناك ضغوطات إضافية في سوريا بما في ذلك تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الإقليميين، من فلسطين في مرحلة سابقة، ومن لبنان والعراق في الآونة الأخيرة، والذين تستقبلهم سوريا برحابة صدر.

ولمعالجة ضغط النمو المدني، يجري اللجوء أكثر فأكثر إلى البناء غير الرسمي الذي تشهده البلاد منذ 40 عاماً على الأقل. على الأرجح إن النمو غير الرسمي يشكّل الآن 50 في المئة من النمو المدني، ويعيش 40 في المئة من سكان المدن الكبرى في مستوطنات غير رسمية. في ضوء هذه الأدلة، لا بد من الاستنتاج بأن النمو غير الرسمي هو شكل أساسي من أشكال التوسع المديني في سوريا – ولا يقتصر فقط على المساكن.

إدارة النمو المدني

 

في هذه الظروف، من المفيد جداً أن تعمد وكالة مانحة إلى تمويل أعمال معمّقة حول المسائل المدنية العملية الأساسية في سوريا وتشجيع مقاربة راسخة لها. ومن هذه المشاريع برنامج تحديث إدارة البلديات الذي يموّله الاتحاد الأوروبي والحكومة السورية. إنه من أكبر برامج الاتحاد الأوروبي في البلاد. وهو يهدف إلى تحسين فاعلية الحاكمية المحلية، ولا سيما في إدارة النمو المدني. يوفّر البرنامج خلال ثلاث سنوات خطط عمل متداخلة تغطّي الإصلاح التشريعي والمالي والإداري. ويشمل العمل المهم الذي يتولاّه البرنامج التخطيط المدني ومواضيع ذات صلة: أنظمة المعلومات الجغرافية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإدارة الأملاك، والأجندة 21، والتخلص من النفايات الصلبة، والمدن القديمة والمواقع التراثية، والسير والنقل، والتخطيط المناطقي. وترتبط مجالات عدة يهتم بها البرنامج بمسألة الاحياء غير الرسمية في سوريا.

لقد سنحت الفرصة لبرنامج تحديث إدارة البلديات لمعاينة أربعة احياء سورية غير رسمية بالتفصيل، بينها حي قاسيون في دمشق. وقد تم العثور على مجموعة غنية من الأشكال المدنية والتركيبات الاجتماعية. تقريباً كل الاحياء غير الرسمية التي عاينها البرنامج تفتقر إلى مساحات عامة مفتوحة ومواقف للسيارات ومساحة للمنشآت العامة ومعايير مناسبة في تصميم الطرقات. كما أن الروابط مع باقي المنطقة المدنية سيئة في معظم الأحيان. لا تراعي الاحياء غير الرسمية معايير بناء ملائمة، ولذلك يمكن أن تكون غير سليمة. ويمكن أن تزيد ظروف الأرض الصعبة كثيراً من هذه المخاطر، كما في قاسيون. وهكذا فإن المباني معرّضة للانهيار في ظروف معيّنة، لكن خدمات الطوارئ لا تستطيع الوصول إلى المكان بسهولة.

تأثير الاحياء غير الرسمية

 

الاحياء غير الرسمية موجودة في العديد من البلدان، وقد تطوّر فهم عالمي لطبيعة هذه الاحياء وتأثيرها على شكل المدينة ونوعيتها. غير أن التجربة السورية، كما نراها من خلال برنامج تحديث إدارة البلديات، تتحدّى هذا الفهم بطريقة مفيدة.

القاعدة في سوريا هي أن "البناء غير الرسمي" لا يتطابق مع الصورة المألوفة عن أحياء فقيرة متشابهة تفتقر إلى الخدمات والشروط الصحية من النوع الذي ينتشر في أميركا الجنوبية وأماكن أخرى. الوضع أكثر تعقيداً بكثير. صحيح أن في سوريا الكثير من الاحياء غير الرسمية التي يشغلها فقراء يعيشون في ظروف سيئة، لكن هناك أيضاً عائلات من الطبقة الوسطى تعيش في احياء غير رسمية، وأحياناً في فيلات باهظة الثمن. فضلاً عن ذلك، تنصّ توجيهات رسمية تعود إلى مطلع الثمانينات حول وجوب توفير الخدمات الأساسية لكل الاحياء غير الرسمية في سوريا. وقد عملت الحكومة على مستوياتها كافة جاهدة لتوفير هذه الخدمات ما عدا في الأماكن التي يتعذّر فيها ذلك جغرافياً، كما في أجزاء من قاسيون.

لكن ثمة أمر أكيد. نظراً إلى أن النمو غير الرسمي يشكّل 50 في المئة من النمو المدني، وإلى أن الحكومة التزمت توفير الخدمات لكل الأملاك السكنية، بما في ذلك غير الرسمية منها، من الواضح أن هناك تراجعاً كبيراً في السيطرة على شكل المدن السورية وتنظيمها في المستقبل.

لا شك في أن لهذا الأمر تداعيات على مستقبل المدن السورية وآليات التخطيط المدني. إذا كان نصف السكان قادرين على الحصول على مساكن من طريق آليات غير رسمية – أو يختارون ذلك – وعلى تجاهل النظام الرسمي، يجب إذاً طرح أسئلة عن النظام برمته وقدرته على تلبية الحاجات الأساسية.

يضع ذلك مسألة الاحياء غير الرسمية في صلب السياق المتعلق بالوسائل التي يستنبطها المخطِّطون المدينيون من أجل ضمان حسن سير المدن وتحوّلها مكاناً صالحاً للعيش. ثمة حاجة إلى رؤية أوسع نطاقاً.

ضغوط تغيّر معالم المدن

 

إلى جانب الضغوط في مجال النمو المدني، يواجه نظام التخطيط المدني السوري ضغوطاً قوية ومألوفة تؤدّي إلى تغيّر معالم المدينة، ومنها:

• تمارس زيادة تملّك السيارات ضغوطاً أكبر على نظام الطرقات ومواقف السيارات وتؤدّي إلى زيادة التلوث.

• الحاجة إلى تنمية قطاع التسوّق، بما ينسجم مع تزايد الثروة. ليست هناك حاجة إلى مزيد من المتاجر وحسب، إنما أيضاً إلى متاجر أكبر، أي مراكز تجارية كبرى "مول" في شكل أساسي. غير أن النسيج المدني الحالي لا يتيح لأسباب متعددة فرصاً كثيرة لإنشاء مثل هذه المراكز.

• تعترض مشكلات مشابهة توفير منشآت للخدمات المالية والتقنية، وتترافق في هذه الحالة مع الحاجة إلى شبكات خدمات إلكترونية عالية النوعية.

• تنمو السياحة، ولا سيما في الأجزاء التاريخية الأعلى قيمة في المدن السورية، وتسعى للحصول على حصتها الخاصة في المساحات والأنظمة العامة.

• تحسين نوعية الحياة: لدى سكّان المدن توقّعات طبيعية بشأن إدخال تحسينات في الخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية وسواها.

• يرتدي الدور السوري في التجارة وحركة النقل عبر القارات أهمية تاريخية في الوقت الحالي، وفي المستقبل في شكل خاص. تنجم عن ذلك حاجة ماسّة إلى تطوير المرافئ وبناء طرقات وسكك حديد تتمتّع بمعايير عالية.

تكمن المشكلة في السرعة التي تغيّر بها هذه القوى شكل المدن السورية وطبيعتها.

تملك سوريا نظام تخطيط مديني متطوراً مستوحى من أوروبا وأماكن أخرى، وقد جرى تطبيقه بصورة شاملة. غير أن نمو المستوطنات غير الرسمية إلى جانب أدلة أخرى تظهر بوضوح أن النظام الرسمي الحالي عاجز عن اللحاق بوتيرة التغيّرات.

تخطيط مدني فاعل

 

تقع مسؤولية رفع هذا التحدي على عاتق المخطِّط المدني. ثمة حاجة إلى منظومات تخطيط مدني أسرع وأكثر دينامية ودقّة. يبيّن العمل الذي يقوم به برنامج تحديث إدارة البلديات ما يأتي:

• يجب أن يكون جمع المعلومات وتحليلها في مجال التخطيط المدني سريعاً وفاعلاً، مع الإفادة من التكنولوجيات الجديدة.

• يجب أن يرتبط التخطيط مباشرة بالتطبيق كي يكون واقعياً ومحترماً.

• يجب أن يذهب التخطيط أبعد من الجغرافيا والمساحة.

• ثمة حاجة إلى أنواع مختلفة من الخطط لأهداف مختلفة، لكن يجب أن تكون الخطط متكاملة.

• يجب توافر اليقين (لدى السكان والمستثمرين) والمرونة (للإفادة من الفرص).

من المناسب أيضاً اعتماد وسائل سريعة لإعادة تصميم المناطق الأقدم، الرسمية وغير الرسمية على السواء، التي لا تفيد من ترتيبات مكانية ملائمة. ومن المفيد كذلك اتّباع أسلوب مباشر لدمج الاحياء غير الرسمية في النسيج الطبيعي للمدينة جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً وقانونياً.

فضلاً عن ذلك، من الجيد أن يكون هناك برنامج شامل من أجل إشراك السكان باكراً، ولا سيما المجموعات غير الممثَّلة كما يجب في المتحدات الأفقر في المناطق الرسمية وغير الرسمية على السواء. ويجب أن يقود هذا مباشرةً إلى تطبيق البرامج المتّفق عليها. يجب ألا تكون هذه الخطوات كبيرة أو باهظة التكاليف كي تحقّق الفاعلية في تحسين نوعية الحياة.

ويتعيّن علينا أن نعالج مكامن الخلل في منظومات التخطيط المدني الحالية من أجل رفع التحدّيات الجديدة. يقع على عاتقنا، نحن المخطّطين المدنيين، لا على عاتق الآخرين، معالجة هذه المسائل. يجب أن نقرّ بالحاجة إلى اعتبار المدينة كياناً متكاملاً يتغيّر باستمرار ويعيد تعريف نفسه ومستقبله رداً على مجموعة متنوّعة من القوى، ويجب استخدامه لتحقيق الفائدة القصوى باستمرار للمواطنين كافة. يرتدي إنشاء "أماكن صالحة" للجميع في عالم يتبدّل باستمرار، أهمية قصوى. يجدر بنا نحن المخطّطين المدنيين أن نتحرّك بسرعة لنتمكّن من مواكبة ما يجري على الأرض.

(رئيس فريق التنمية المدنية في البرنامج السوري لتحديث إدارة البلديات المدعوم من الاتحاد الأوروبي. ترجمت النص نسرين ناضر)

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ