ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 25/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الفكر الليبرالي الغربي.. تسلطية مقنّعة

بقلم :د.خلدون حسن النقيب

البيان 

24-11-2009

لقد تسرب القالب النمطي الذي يصور الشرق على أنه عدو للحرية، إلى مفكرينا ومنظري السياسة عندنا. وفي المقابل فإن الغرب عند أغلبهم قد تحققت له نعمة الحرية والكرامة والديمقراطية.

ومن هذين القالبين النمطيين، يصدر كل أو جل الكلام عن الغرب الذي يمثل الحرية ويقدسها، والشرق الذي يمتهنها أو يفتقر إليها. ولا يتصور القارئ إلى أي درجة أن هذا الكلام غير دقيق، بل هو صحيح بالمرة. فنحن وهم في هذا الوهم سواء. ويتجاوز الأمر كون عنصرية الغرب المتأصلة تمنعه من أن يكون ديمقراطيا حقا، إلى حقيقة أن مفكري الغرب بتقديسهم للحرية، كانوا يؤسسون تسلطية لا أخلاقية وحشية وعنيفة لم ير التاريخ لها مثيلا. وما ديمقراطيتهم إلا وعاء أجوف تقوده الأهواء والمصالح المادية، فما هي إلا بلوتوقراطية ذٌُُِّّكْفك؟

وليست ديمقراطية. دعونا نتأمل في هذا القالب النمطي السلبي، قبل أن نتناول القالب النمطي الإيجابي (!). أنا لا أريد هنا أن اكرر ما ذكره إدوارد سعيد عن نمط التفكير الاستشراقي، ولكنني أريد أن أتعمق في موضوع فكرة حرية الغرب، مقابل عبودية الشرق. في كتاب اليكس جورافسكي («الإسلام والمسيحية ـ عالم المعرفة 1996)، يضيف سولوفيوف إلى الشرق والغرب قوة ثالثة توجه التاريخ البشري.

 

القوة الأولى الثقافة الشرقية «التي تلغي الشخصية الفردية لصالح الجماعة»، والقوة الثانية الثقافة الغربية «تحطم التضامن العام من أجل الفردية». وهو في هذا يتبع رينان في التراث الاستشراقي. أما القوة الثالثة ـ وهذا هو العنصر الجديد ـ فهي الثقافة السلافية التي تمنح دفعة إيجابية للقوتين المذكورتين (ص 112). هذا موضوع مطروق معروف، ولكن ماذا لو تغلبت واحدة من هذه الثقافات على الأخريين؟

 

في كتاب طريف عنوانه «ماذا لو؟»، يضع مؤلفون من تخصصات مختلفة، احتمالات معاكسة لأحداث التاريخ الكبرى. مثال: ماذا لو انتصر الفرس على الأثينيين في معركة سلاميس؟ ماذا لو لم يمت الإسكندر الأكبر مبكرا؟ ماذا لو لم ينتصر المغول وعادوا إلى ديارهم؟ ماذا لو فشلت الثورة الأمريكية؟ ويمكننا أن نضيف ماذا لو انتصر العرب في معركة بواتييه؟

 

انظروا كيف يزوّر مؤرخ محترف التاريخ، إذ يعتبر فيكتور ديفز هانسن أن انتصار أثينا في معركة سلاميس، يمثل المواجهة الحاسمة بين الشرق والغرب، وكلمات مثل الحرية والمواطنة التي ابتكرها الأثينيون، لم تكن معروفة في البحر المتوسط، وأن اليونان لم تكن جزءا من حضارة البحر المتوسط إلا في الطقس والزراعة، بل إن اليونان هي ضد ما تمثله حضارة المتوسط من روحية وقيم عليا. وهذه كلها مبالغات تتجاوز حقائق التاريخ، إذا كان في التاريخ حقائق موضوعية.

 

فاليونان جزء من حضارة وعالم البحر المتوسط، وهي كذلك الآن وطوال تاريخها حتى يومنا الحاضر. وفكرة الغرب لم تتولد إلا بعد سقوط روما، وبعد العصور المظلمة في زمان حكم البرابرة في أوروبا. وسنرى ماذا حل بفكرتي الحرية والمواطنة بعد قليل. ولكن ماذا لو انتصر الفرس على الأثينيين (وليس اليونان)؟

 

المؤلف لا يتوقف هنا، بل يسترسل: مباني أثينا العامة ستتحول إلى دكاكين وبازارات بدلا من الفلسفة الهيلينستية، وفي العلوم سنحصل على فنون يطلبها الأغنياء والمتنفذون من علوم دينية واسترولوجيا، وتتبع البيروقراطية الدينية وليس التفكير العقلاني الحر.

 

في أثينا تحت حكم الفرس، ستكون المجالس المحلية ألعوبة في أيدي الملك وحاشيته للاستيلاء على الأموال العامة.. ولوضع النساء خلف الحجاب، ولمنعت حرية التعبير، ولتحولت الجامعات إلى مراكز للتعصب الديني، ولدخل شرطة الفكر في بيوت الناس ولاستبيحت حرماتهم (ص 19).

 

من رسل وأنبياء الحرية الغربيين، الذين ورثوا فكر عصر الأنوار، والذين نظروا للديمقراطيات الحديثة، يختار إسحاق برلين (وهو من المثقفين الغربيين المنصفين القلائل)، ستة يعتبرهم في تعصبهم لفكرة الحرية قد أسسوا للتسلطية الغربية، التي يريد مثقفونا أن نتبعها ونقلدها. وهم: كلود ألفتيوس، وجان جاك روسو، وفيخته الذي كان في فترة من الفترات من أتباع إمانويل كانت، وسان سيمون، وجوزيف دي ميستر. وباختصار شديد نقول إنهم جميعا وقعوا في مطب التعصب لفكرة الحرية، بحيث جعلوها مساوية للسلطة والتسلطية.

 

فهذا الفتيوس يعتقد أن الإنسان ما هو إلا إله لا يعرف إلا اللذة والألم، ولا يدرك البشر أن عليهم أن يتنازلوا عن حرياتهم للمخططين والتقانيين الذين يستطيعون في النهاية أن يوفروا لهم السعادة والتلذذ بنعم الحياة. وجان جاك روسو الذي تصور أن التناقض بين الحرية الشخصية والصالح العام، لا يحل إلا بتطابق يجعل الحرية الكاملة لا تتحقق إلا بجعلها تتطابق مع السلطة الكاملة.

 

بل إنه تصور أن المجتمع غير ممكن إلا باستجابته للإرادة العامة، وإجبار البشر على أن يكونوا أحرارا إذا اقتضى الأمر. فيخته من جهة أخرى، ميز بين الحرية السلبية التي لا تتحقق إلا بتدخل من قوى خارجية تحفظ توازن المجتمع، والحرية الإيجابية التي تمارس ضغوطا داخلية أو تتبع قواعد أساسية لتحقيقها، متوقعا ما سيكتبه كارل ماركس. أما سان سيمون، فقد وضع كل القيود الممكنة على الحرية، من خلال خطط كاملة للتنظيمات الاجتماعية والمؤسسات الصناعية وتخطيط المدن، وتأسيس المؤسسات المالية، والرعاية الاجتماعية، والنقابات المهنية التي تحققت في زماننا الحاضر..

 

بحيث أنه ضحى بالحرية في سبيل تحقيق التقدم. فالحرية عنده هي التحرر من الجهل ومن قوى الطبيعة، وهي الحرية الجماعية من هذه القوى، وليست الحرية الفردية. وجوزيف دي ميستر يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه الجميع. فيقول «إن ما يصبو إليه الإنسان أو ما يحتاجه الإنسان، ليس الحرية وإنما السلطة». إن ما يجعله إنسانا هو معرفة واجباته وسعيه للقيام بها. «بدون الجلاد بفَهٍفَ، فإن المجتمع سوف ينهار، في حرب الجميع على الجميع.

 

ولذلك فإن الجلاد يجب أن يحظى باحترامنا وحتى حبنا. وما الحياة إلا ميراث للموت، وسفك للدماء بلا هوادة». أليست هذه هي عقيدة الموت عند الفاشست والنازيين؟! ويعلق مارك ليلا (خعز،52-4-20) على هذه العقلية بالقول: كيف بعد قرن من عصر الأنوار انتهت إلى الإرهاب والتسلط؟

 

وكيف أن جماهير واسعة من الغربيين الذين كانوا يتوقون إلى الحرية، وجدوا أنفسهم يتعاطفون مع الفاشست الذين حكموا أو هيمنوا على أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى وأثناء الكساد العظيم؟ فلم تكن تلك النخبة هي التي حكمت ولا هيمنة الحرية والمواطنة، وإنما التسلط والاستبداد في أبشع صوره.

أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت

==============================

منتدى الشفافية.. وحماية النزاهة

بقلم :مريم سالم  

البيان 

24-11-2009

عادة ما ينشغل الرأي العام في مختلف دول العالم بقضايا الفساد والمفسدين في الأرض، وذلك تعلقا بمبادئ الشفافية التي تتعالى الأصوات لممارستها وجعلها جزءا لا ينفصل عن عملية واسعة لمحاربة الانهيار الأخلاقي في مجال العمل الإداري والمالي ولا سيما السياسي.

 

ولقد تابع بعضنا المهتم أعمال المنتدى العالمي لمكافحة الفساد وحماية النزاهة، الذي عقد في الفترة الماضية في دولة قطر، والذي كان يشي بكثير من التفاصيل التي تظل تتجدد، كلما تم طرح أو مناقشة مثل هذه الموضوعات الحساسة، خاصة وأن الوطن العربي الكبير بيئة خصبة لكل من يريد أن يبحث في معطيات الفساد، أو حتى العوامل المؤدية لخلق مناخ صحي ينمو فيها وينتعش. وليس مبالغة إذا قلنا إن حال الأمة العربية المتردي سياسيا واقتصاديا، هو إحدى نتائج الفساد الذي تفشى ونخر عظام الشعوب، وجعلها تتردى في الفقر المدقع والأمية المفرطة، والإحباط الدائم.

 

وبنظرة عامة على هذا المنتدى الذي نادى بقيم الشفافية، وبإقامة مشروع متناغم بين القطاعين العام والخاص قد يؤدي إلى توحيد المصالح ويدعم الصفوف لمواجهة أي فساد محتمل، وكما نبه سمو أمير دولة قطر الشقيقة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، فإن «إخفاق الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدول في توفير الحد الأدنى من الحقوق السياسية والرعاية الاجتماعية والمستوى اللائق من العيش الكريم لمواطنيها، قد يصبح الحديث عن مكافحة الفساد ترفا لا يجد آذانا صاغية»، وهنا مربط الفرس.

 

فالمنتديات التي تعقد هنا وهناك وتطالب وتدعو إلى محاربة الفساد، أصبحت للأسف مجرد «فاترينات» لعرض البضائع الكاسدة، ولكن بطريقة جذابة وممتعة للناظرين. فحتى الآن لا يمكن القول إن مشروع محاربة الفساد في العالم العربي، قد حقق أهدافه التي ظلت الحكومات تنادي بها وتتغنى.

 

وللأسف فإن أفشل المشاريع وأكثرها فسادا، هي مشروعاتنا السياسية التي تظل تفرض على شعوبها سياسات الأمر الواقع، وأصبح بعض الحكومات يمارس قمعا واضطهادا وتكميما للأفواه وامتهانا لحقوق الإنسان، أكثر مما تفعله أمريكا في غوانتانامو.

 

ولعل جوهر عملية محاربة الفساد، هو محاربة فساد الهرم السياسي بالضرورة، وإلا تبقى عملية محاربة الفساد هي سياسة الكيل بمكيالين. فالمعايير الحقيقية التي يجب أن ننطلق منها كي نوظف مفهوم «ثقافة النزاهة» كما يتم تداولها هذه الأيام، هي نفسها التي حددها سمو أمير قطر في افتتاح المنتدى، ويمكن أن نضيف عليها كثيرا من المعايير التي تستجد يوميا.

 

والتي يمكن أن تسهم في رفع مستوى شرعية تلك الحكومات التي تظل تحكم شعوبها دهرا، دون أن تصل حتى إلى شرعية الإنجاز التي يمكن أن تحقق نسبة ولو ضئيلة من رضى الفرد، الذي يعيش وتطوى صحيفته دون أن يتمتع بحياة تحفظ له كرامته وتوفر له العيش الرغيد.

 

وإذا كنا على يقين أن الشعوب العربية تتفاوت من حيث الرضى والقناعة بحكوماتها، فإن النسبة الأعم هي التي ترزح تحت خط الكفاف، ولعل بعضها يتعرض في الفترة الأخيرة لانتفاء عنصر الأمن والأمان، إلى جانب زيادة عدد ضحايا الذين تزهق أرواحهم في مسلسل يومي بغيض يظل يدفعهم إلى الكفر بالحياة، وعدم الإيمان بنزاهة حكوماتهم.

 

«ثقافة النزاهة» التي نريدها ونحث عليها، ونربي أبناءنا عليها ونطالبهم بممارستها، تتطلب دعما كبيرا من قبل المجتمع، فلا يمكن أن نتبنى أفكارا عظيمة ولا نتجاسر في الوقت نفسه على تطبيقها. وكم من فساد يستشري في المجتمع ولا يتمكن أصحاب النزاهة من محاربته أو حتى التفوه بوجوده.

 

النزاهة اليوم هي الضمير المغيب قسرا، ومن أسف أن ازدواجية النظرة إلى الأمور هي السائدة في هذه الأيام، فما تراه فسادا قد يراه غيرك قيما عصرية وحرية شخصية! لذلك يصعب تصنيف الفساد وتوصيفه، فقد رأينا أن الفساد الذي تمت مناقشته والتركيز عليه، هو الفساد المالي والإداري والذي قد يشكل مفصلا في هيكل ضخم وشائك.

 

وفي حقيقة الأمر فإن هناك مشروع قانون عربي نموذجي لمكافحة ظاهرة الفساد في الدول العربية يتضمن أكثر من 55 مادة، يسعى لمكافحة الفساد والوقاية منه وتحديد جرائم الفساد وملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم، وتعزيز النزاهة وإعمال مبدأ الشفافية في القطاعين العام والخاص، وإعمال مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة، والحد من ظاهرة الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقا أو تحقق باطلا، وحماية المال العام والخاص، واسترداد الأموال والعائدات الإجرامية المترتبة عن الجرائم المشمولة بهذا القانون، وتعزيز التعاون العربي والدولي في الإجراءات القضائية المتعلقة بتلك الجرائم.

 

ويظل هذا المشروع، كغيره من المشروعات العربية المشتركة، قابلا للتحريك والتفعيل أو التجميد. وقد تسري هذه القوانين على البعض في حين تسقط عن البعض الآخر، وذلك لدرجة قربه أو بعده من مواقع النفوذ. ولا تزال الشعوب التي عانت من فرط الظلم تنتظر تطبيق العدالة، نتيجة الفساد أو الإهمال والاستهتار بأرواحهم.

 

فاحتراق قطار هنا أو غرق باخرة هناك، أو انهيار مبنى، هي تلف للأرواح غير مستشعر، وكلها تسجل تحت بند القضاء والقدر. لكن سيدنا عمر بن الخطاب كان ينظر لمثل هذه الحوادث من زاوية أخرى، فالناقة التي تتعثر في العراق تبكيه وتنتزعه من نفسه، لأنه يظن موقنا أنه مسؤول عن عثرتها أمام الله، وحتى المرأة التي مزجت الماء باللبن، كان حريا به رفع الظلم عن نفسها وعن الناس.. أين نحن من عقليته العادلة ومنهجيته في زمن يدعي بمحاربة الفساد؟

كاتبة إماراتية

============================

مخاطر حرب جديدة في القوقاز

بقلم :فلاديمير سادافوي  

البيان 

24-11-2009

أكدت هيئة الأركان العسكرية الروسية أن جورجيا تحصل على الأسلحة من الغرب، ما حقق تفوقا كبيرا في قدراتها العسكرية، يزيد عن قدراتها خلال حرب القوقاز التي تفجرت صيف عام 2008.

 

ولا شك أن المناورات العسكرية الأميركية ـ الجورجية المشتركة التي جرت في شهر أكتوبر الماضي، والتي استهدفت تدريب القوات الجورجية، وإتقانها للمهارات والقدرات المطلوبة للمشاركة في عملية دعم الأمن في أفغانستان، قد حققت تطويرا في القدرات العسكرية لهذه القوات. وفي نفس الفترة كشفت مصادر روسية عن خطة أميركية لتزويد القوات الجورجية بأسلحة ومعدات حربية، تزيد قيمتها على مئة مليون دولار.

 

وعلى الرغم من تصريحات مساعد وزير الدفاع الأميركي الكسندر فيرشبو، التي أكد فيها أن الجانب الأميركي غير أسلوبه في التعامل مع تبليسي، إلا أن شركة «برينغتون ايلانز اينك» الأميركية، بدعم من جانب الإدارة الأميركية، قدمت عرضاً بتجهيز جورجيا بأنظمة دفاع جوي وأنظمة صواريخ مضادة للدبابات، وأسلحة نارية رشاشة وعتاد لها، وتضمنت قائمة العرض الأميركي لائحة الأسلحة والمعدات ومنظومات صاروخية مضادة للجو من طرازي «باتريوت -3» و«ستينغر»، وأنظمة صاروخية مضادة للدبابات من طرازي «جافلين» و«هيلفاير -2»، بالإضافة إلى معدات وتقنيات حربية أخرى، تقدر قيمتها الإجمالية بعشرات الملايين من الدولارات.

 

وقد يكون من الصعب تجهيز القوات الجورجية بصواريخ «باتريوت»، لأن هذا الأمر يتطلب موافقة الكونغرس الأميركي، إلا أن المعدات والأسلحة التي تضمنها عرض الشركة الأميركية لا تحتاج لهذه الموافقة.

 

وكانت جورجيا قد حصلت على أسلحة ومعدات عسكرية من الولايات المتحدة خلال عام 2008، بلغت قيمتها أكثر من 78 مليون دولار، وتقلصت حصة جورجيا من الأسلحة الأميركية عام 2009 لتصل إلى 12 مليون دولار، ومن المتوقع أن تصبح عام 2010 حوالي 14 مليون دولار، إلا أن هذه الارقام لا تعني أن جورجيا قد قلصت من تسليح قواتها. ويبدو واضحا أن جورجيا تحصل على الأسلحة الأميركية بمعرفة البيت الأبيض، وستستمر في استيراد أسلحة من بلدان أخرى، وبالأخص إسرائيل وأوكرانيا.

 

وقد كشفت مصادر جورجية أن حكومة تبليسي قد زادت موازنات التسليح مقارنة بموازنات عام 2008، إذ تحصل جورجيا على مساعدات عسكرية من أعضاء الناتو وأوكرانيا وإسرائيل، حيث يزود أعضاء الناتو القوات الجورجية بالأسلحة الخفيفة والمعدات العسكرية، بينما يتم إعداد وتدريب الكوادر العسكرية في الولايات المتحدة، وتزود إسرائيل جورجيا بطائرات بدون طيار، وتحصل القوات الجورجية على الدبابات وأنظمة الدفاع الجوي من أوكرانيا.

 

وهذا ما طرح التساؤل.. لماذا تسعى واشنطن لإعادة بناء القوات الجورجية؟ وما هي أهداف حكومة ساكاشفيلي من تحديث وتطوير القدرات العسكرية؟ ويبدو أن الإجابة ليست صعبة، لأن المحور الأساسي لبقاء ساكاشفيلي في السلطة، يستند إلى استعادة السيادة الجورجية على أراضي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

 

ولأن القيادة الجورجية الحالية لم تتخل عن إمكانية القيام بمغامرات عسكرية جديدة، في ما يتعلق بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية أو محاولات حل مشكلة الحدود باستخدام القوة المسلحة، فقد نفذت القوات الروسية صيف العام الجاري مناورات عسكرية ضخمة تحمل اسم «القوقاز 2009»، في منطقة شمال القوقاز على الحدود مع جورجيا، بهدف تحقيق استقرار الوضع في جنوب روسيا ومنع أي تحرك عسكري محتمل قد تقوم به جورجيا ضد إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

 

وشارك في هذه المناورات 8500 جندي و200 دبابة و450 حاملة جنود مدرعة و250 مدفعا، ووحدات من المنطقة العسكرية في شمال القوقاز، والقوات الجوية وقوات الدفاع الجوي والقوات المحمولة جوا، وأسطول القوقاز وأسطول البحر الأسود.

إن السبب المباشر لهذا الوضع المتوتر، والذي سيؤدي عاجلا أو أجلا لانفجار حرب جديدة، هو غياب الحسم الغربي، وتحديدا الأوروبي. فالحكومة الجورجية تعتمد بشكل كامل على دعم الاتجاهات المعادية لروسيا في الأوساط الأوروبية والأميركية، وليست لديها أي ورقة أخرى تمكنها من الحصول على مساعدات الغرب. وما لم تتخذ دول أوروبا والولايات المتحدة موقفا حاسما من هذا التوتر المتصاعد الذي يهدد استقرار الإقليم، فإن استمراره يهدد بأزمات جديدة في منطقة القوقاز، التي تتجه لتصبح من البؤر الساخنة على الساحة الدولية.

كاتب أوكراني

==============================

بشائر سلام دارفور 

الشرق

24-11-2009 

بدأت بشائر سلام دارفور تلوح في الأفق باستضافة الدوحة اللقاء التشاوري للمجتمع المدني الدارفوري 17 — 20 نوفمبر، وهي خطوة تمهد لانطلاقة مفاوضات الدوحة بين الحكومة السودانية والحركات الدارفورية، والتشاور قيمة اساسية لتحقيق الاجماع، والمجتمع المدني ليس بديلا لاطراف التفاوض، ولكنه رافد وداعم لمسار العملية التفاوضية، واخذ رأي اهل دارفور يعتبر مهما من اجل سلام دائم وشامل، والتوصيات التي اقرها اللقاء التشاوري محل تقدير من الوساطة المشتركة واطراف التفاوض، لان اتفاق السلام الذي لاحت بشائره سيكون ناقصا دون اخذ رأي اهل دارفور.

 

وجدت الجهود التي تبذلها الوساطة المشتركة ممثلة في سعادة السيد أحمد بن عبد الله آل محمود وزير الدولة للشؤون الخارجية، والسيد جبريل باسولي، الوسيط المشترك، اشادة وتقديرا كبيرين من المجتمع الدولي، ومن السودان حيث امتدح الرئيس عمر البشير دور دولة قطر في "سلام دارفور" وثمن نتائج اللقاء التشاوري، الى جانب تأكيد اطراف التفاوض — الحكومة السودانية والحركات الدارفورية — تمسكهم بالدوحة كمنبر وحيد للمفاوضات التي ينبغي ان يدخلها الجميع بارادة احلال السلام ومن اجل الاستقرار واستعادة الوئام في دارفور، والانخراط بجدية في المفاوضات المقبلة من اجل ان ينعم اهل دارفور بصفة خاصة واهل السودان بصفة عامة بخيرات السلام.

 

دفعت الوساطة المشتركة "سلام دارفور" خطوة نحو الحل، بما يبشر بقرب نهاية المعاناة، وبما يساعد على عودة النازحين واللاجئين مكرمين الى ديارهم، ومن اجل تكثيف الجهود بعون الاخوة في دولة قطر والدول المحبة للسلام لانجاز التنمية المستدامة وصون كرامة الانسان، وتوفير سبل العيش الكريمة، ومن الثمرات المفيدة في "سلام دارفور" الخطة القطرية لتنمية الاقليم بتوفير آبار المياه ومحطات الكهرباء وبناء المستشفيات، فضلا عن وجود مؤسسات قطرية خيرية تعمل الآن لصالح هذه الخطة، ويأتي هذا كله انطلاقا من سياسة قطر الرشيدة التي تعززها رؤية القيادة الحكيمة التي تعمل لصالح الانسانية واستدامة السلام والخير.

الشرق القطرية

============================

ماذا تربح أميركا إن خسرت فلسطين؟!

ميشيل كيلو

24/11/2009

القدس العربي

في خطاب القاهرة، قدم الرئيس الامريكي بيانا يفهم منه، وإن بشيء من الغموض والمواربة، أنه يعتبر قضية فلسطين أحد مفاتيح أبواب العالمين العربي والإسلامي. وأكد أن حل القضية الفلسطينية سيكون بين أولويات سياسته، وانه يرى فيه جزءا مهما من الحوار الامريكي مع الإسلام، ومن المصالحة بين الحضارة الغربية وحضارة المسلمين.

يومئذ، قلنا: سيكون لدى الرئيس الامريكي فرصة، إن نجح في تخطي العقبة الإسرائيلية والضعف الامريكي. واليوم، يبدو أن الفرصة زالت بصورة تكاد تكون تامة، بسبب قدرة العقبة الإسرائيلية على المغالبة داخل وخارج أمريكا، وتعاظم الضعف الامريكي، بين البحر المتوسط وجبال هندكوش وباكستان.

ومع أن كثيرا من الجهد سيبذل خلال الفترة القادمة، في واشنطن والعالم العربي على حد سواء، لتبرير التراجع الامريكي عن مضمون خطاب القاهرة، ولإيجاد مسوغات تعلل إخفاق أوباما في تحقيق وعوده، فإن من المرجح أن يكون تراجع أمريكا نهائيا، وأن يعود بسياسة أمريكا إلى الأسس التقليدية التي قامت تاريخيا عليها. ومن المؤكد كذلك أن التراجع سيكلف أمريكا الكثير، ليس فقط لان الوعد صدر عن رجل بدا لأول وهلة مختلفا عن بقية رؤساء أمريكا المعاصرين، بل لأنه صدر كذلك في لحظة احتدام شديد للصراع بين واشنطن وبين العالم الإسلامي، في وقت بدا فيه جليا تعثر حروبها ضد المسلمين، وضياع سيطرتها أكثر فأكثر على مجريات الأحداث، مع تصاعد زخم المقاومة الإسلامية وتوطد ثقة المسلمين بأنفسهم وبقدرتهم على الانتصار، ووجود أدلة كثيرة تؤكد أن حسم معركة أمريكا ضدهم ليس قريبا أو سهلا، وأن قوتهم تتعاظم وانخراطهم في المعركة يتزايد، في حين تتناقص، بالمقابل، قوتها وتتزايد رغبتها في الخروج من المعركة، ويتشكل داخلها رأي عام معارض لسياساتها حيال المسلمين، ويظهر الإنهاك على شعبها، الغارق في أزمة اقتصادية يعطيها الأولية من اهتماماته، والذي يعلم أن حروب بلاده الخارجية تعمق هذه الأزمة وتعززها بدل أن تجعل حلها في متناول الأيدي، أو خلال وقت قصير.

المشكلة أن أمريكا لم تفهم، بعد نيف ومائة عام من نشوب الصراع على فلسطين، أن الحركة الصهيونية والقسم الأكبر من دول العالم وقواه الكبرى والعظمى، التي ساندتها بلا تحفظ ومكنتها من الاستيلاء على القسم الأكبر من أرضها، وسكتت أو أيدت طرد معظم شعبها العربي منها، لم تنجح إلى اليوم في حسم المعركة لصالحها، رغم حروب متعاقبة شنت ضد فلسطين والدول العربية، وانتصارات متلاحقة حققتها، فضلا عن أن مشروعها للاستيلاء على كامل أرض فلسطين التاريخية بدأ يتعثر باعتراف قادته، في السنوات العشرين الأخيرة. واليوم، لا يوجد في العالم، بما في ذلك العالم الغربي، من يعتقد أن الحل الصهيوني للمسألة الفلسطينية هو حلها النهائي، وأن إسرائيل انتصرت على فلسطين وقررت مصيرها مرة واحدة وإلى الأبد، أو أن الشعب الفلسطيني رضخ لما تريد إملاءه عليه، بالقوة أو بغيرها، فهذا الشعب، شعب الجبارين كما كان يسميه قائده التاريخي ياسر عرفات، لم يشعر يوما أنه مهزوم، وأن قضيته ضاعت ولم يبق له من خيار غير قبول الواقع القائم، بل أحس طيلة قرن من الصراع المتواصل أنه صاحب حق لا يجوز التهاون فيه، وأن للقوة جانبا روحيا ومعنويا يملكه هو ويفتقر إليه الغزاة والمعتدون الصهاينة. وقد كان حريا بالرئيس الامريكي أن يفكر مليا بمعنى أن يكون أكثر من 90 ' من شهداء النضال الوطني الفلسطيني ولدوا خارج بلدهم الأصلي، وأن أحدا منهم لم يعرفه، ولم يحمل أية ذكريات عنه، وأنها كان وظل حيا في نفوس بناته وأبنائه، الذين لم يعيشوا يوما واحدا فيه، ولم يقلعوا عن القتال في سبيله جيلا بعد جيل، وسنة بعد سنة، وصمموا على استعادته كوطن مادي لطالما حملوه كوطن روحي / معنوي في قلوبهم وعقولهم، فلا تنازل عنه لأي كان، لأن التنازل يعني نهاية وجود عرب فلسطين كشعب، ونهاية ذاكرتهم وقتل روحهم بأيديهم. ما دام هناك فلسطيني واحد، ستكون هناك مشكلة فلسطينية، وستكون إسرائيل غير آمنة، فلا حل في فلسطين إن لم يكن فلسطينيا، ولن تتوقف الحرب عليها وفيها قبل إيجاد هذا الحل، الذي هو النقيض المباشر للحل الصهيوني / الإسرائيلي.

ثمة هناك وجه آخر لمشكلة فلسطين، كان على أمريكا رؤيته، لتنجح في انتهاج سياسة عادلة حيال العالمين العربي والإسلامي. ليست فلسطين قضية فلسطينية وعربية فقط، إنها أيضا قضية إسلامية بامتياز، تخص كل مسلم في العالم، لأن المسلم يرى فيها شيئا روحيا ومعنويا يتوطن فيه ويلازمه حتى في تفاصيل حياته اليومية، فيجعل فلسطين ملكا له هو أيضا، ويجعله فلسطينيا بصورة من الصور ويعطيه حق المشاركة في تقرير مصيرها، وحق القتال في سبيلها. ليست فلسطين ملك الفلسطيني وحده، بل هي ملك المسلم أيضا، أينما كان من عالم الإسلام. إلى هذا، إن فلسطين هي وقف إسلامي لا يحق لشعبها تقرير مصيره بمعزل عن بقية المسلمين، ولن تحل قضيتها ضد إرادة مسلمي العالم أو بغير رضاهم، فمشكلتها ليست محلية أو مقتصرة على شعب بعينه ومكان بذاته. إنها في نظر المسلم قضية عامة، كونية، سياسية ودينية، مادية وروحية، فلسطينية / عربية وإسلامية. لو كانت أمريكا تراقب وتفهم ما يجري، لعرفت معنى أن يقاتل ويستشهد الباكستاني أو الأفغاني أو الماليزي أو المالي أو الجنوب أفريقي ... الخ وكلمة فلسطين على فمه. إن فلسطين هي وطن كل مسلم وكل مسيحي عربي، ووطن جميع المسلمين والمسيحيين العرب، وربما كان لأرضها المقدسة أولية في نفوس أبناء الإسلام والمسيحية الشرقية على أراضي أوطانهم الخاصة، غير المقدسة أو المباركة. ومن يفرط فيها يفرط بدينه وإيمانه ويخسر رحمة الله ورضا رسله.

ماذا سيكسب أوباما إن خسر شعب فلسطين؟. إنه لن يكسب شيئا، وسيقيد يديه في منطقتنا وكل مكان من العالم الإسلامي، الذي يزداد حنقا عليه ومقاومة لسياساته، ولن يتردد في طلب الموت فداء لدينه، ولفلسطين، أرض القداسة والإيمان، التي تفوق قيمتها قيمة أي شيء آخر، بما في ذلك الحياة، ما دام الموت في سبيلها يقود إلى جنان الخلد ونعيمها الأبدي!.

لن يربح أوباما إلا ما ربحه سابقوه من رؤساء أمريكا : قليلا من الوقت، وربما انتصارات وهمية أو عابرة لا تبدل شيئا في صورة الصراع العامة، ولا تشطب فلسطين ورمزيتها من معادلات المنطقة العربية والعالم الإسلامي، بدلالة نيف وقرن من الانتصارات المتلاحقة، التي حققتها الصهيونية، دون كسب المعركة النهائية، أي الحرب!.

سيخسر أوباما الكثير إن تخلى عن وعوده الفلسطينية والسلمية. وسيدرك متأخرا أن مصالح أمريكا الاستراتيجية في منطقتنا ليست عند إسرائيل، بل هي عند العرب والمسلمين، وإن بدوا اليوم ضعفاء وعاجزين ومستسلمين. هل يفهم الرئيس الامريكي دروس الواقع، فيبادر إلى حل القضية من داخل موازين القوى التاريخية، التي تجعل السلام أمرا يتصدى لحل مشكلات تتجاوز الحاضر، أساسه تفوق العرب الموضوعي الساحق على عدوهم، الذي سيفيد كثيرا منه، اقله لأنه سيحول إسرائيل من دولة تحارب فلسطينيين وعربا لن تقهرهم مهما فعلت، إلى معزل يهودي على شاطىء المتوسط الشرقي، يقبل العرب التعايش معه، ريثما يندمج تماما في جسديتهم الخاصة، كما سبق وحدث في تاريخهم مع يهود مسالمين عاشوا كمواطنين صالحين بين ظهرانيهم!.

' كاتب وسياسي من سورية

============================

موقف واضح يكشف المراوغة للسلام 

الاهرام

24-11-2009 

برؤية واضحة وجلية‏,‏ تحدد مصر دوما موقفها تجاه القضية الفلسطينية‏,‏ وتري القاهرة بحكم مكانتها التاريخية وخبرتها السياسية أن الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية هو السبيل الأمثل للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط‏,‏ وكان هذا ما أكده الرئيس حسني مبارك في ختام مباحثاته مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز‏.‏

 

وشدد الرئيس مبارك علي أنه لا مجال‏,‏ في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها جهود السلام للحديث عن حلول مرحلية أو حدود مؤقتة للدولة الفلسطينية‏,‏ وانما يتعين أن تستهدف جهودنا تسوية نهائية عادلة يتم تنفيذها في إطار زمني محدد متفق عليه‏.‏

 

وهنا يتعين الاشارة إلي أن حكومة بينامين نيتانياهو تتحمل مسئولية أساسية وكبري عن الحلقة المفرغة التي تدور فيها القضية الفلسطينية‏,‏ ذلك أن الحكومة الاسرائيلية تكرس كل جهودها للالتفاف علي الجهود الاقليمية والدولية التي تبذل لاحياء عملية السلام‏,‏ وإستئناف المفاوضات الفلسطينية‏..‏ الاسرائيلية وليس أدل علي ذلك من الشروط غير المقبولة والمرفوضة التي يطرحها نيتانياهو للدولة الفلسطينية فهو يشترط مثلا أن تكون منزوعة السلاح‏,‏ وأن تخضع جوا وبحرا للهيمنة الاسرائيلية‏!!‏

 

كما يشترط قبول الفلسطينيين بما يطلق عليه يهودية دولة إسرائيل لاستئناف المفاوضات‏,‏ وهذا شرط مرفوض تماما لأنه يرمي إلي منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي ديارهم‏,‏ كما يعني امكان ترحيل عرب‏48,‏ كما أن هذا الشرط يعد مصادرة للتفاوض علي بند مهم من بنود الحل النهائي للمشكلة الفلسطينية‏,‏ وفي الوقت نفسه‏,‏ فإن إسرائيل تواصل بإصرار توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة‏,‏ وتوسع من نطاق مخططها لتهويد القدس‏,‏ في إطار سياسات فرض الأمر الواقع‏.‏

ولهذا‏,‏ فإن الموقف المصري الواضح يضع الأمور في نصابها الصحيح‏,‏ ويكشف أبعاد السياسة الإسرائيلية المراوغة لعملية السلام‏.‏

الأهرام 

=========================

المواطنة انتماء وممارسة

المستقبل - الثلاثاء 24 تشرين الثاني 2009

العدد 3492 - رأي و فكر - صفحة 22

جيروم شاهين

قد تبدو "المواطنة"، لأول وهلة، مفهوماً بسيطاً، غير معقّد. إلاّ أن المواطنة، في الواقع المعاش، أمر معقّد، لا سيما في بلد كلبنان، متعدّد الأديان والطوائف والمذاهب، وذي نظام طائفي.

فالمواطنة، في تحديدها المجرد والبسيط، هي انتماء أفراد شعب محدّد في رقعة جغرافية إلى وطن واحد لجميع أبنائه. وبالتالي ينتظم هذا الشعب، ضمن حدود وطنه، بمنظومة واحدة من دستور وقوانين ومؤسسات وحقوق وواجبات.

إلاّ أن المواطنة تصبح أكثر تعقيداً حين ننظر إليها من زاوية "الهوية" و"الانتماء"، و"الولاء". وكل من هذه السمات الثلاث تفرض مسلكيات معينة طبقاً لمضمونها.

هناك صعوبات عديدة، لا بل أخطار، في تحديد الهوية ( وبالتالي الانتماء والولاء)، ومن أهمّها:

1- صعوبة، لا بل خطورة، تحديد الهوية انطلاقاً من الانتماء الديني والطائفي بمعزل عن سائر المقوّمات.

2- خطورة اعتبار الهوية "جوهراً" قائماً بذاته، ثابتاً، غير متحوّل، محدّد القسمات والمعالم. فالهوية يجب أن يُنظر إليها، وفي جميع أبعادها، من منظور تعدّديّ وتطوّريّ وجدليّ.

3- خطورة التبسيط والتحويل والاختزال في رسم الهوية ابتغاء للوصول إلى يقين ثابت، وهروباً من مواجهة الأمور المعقّدة، أو رصّاً للصفوف، أو خروجاً من الإحباط، وغير ذلك...

4- خطورة الإخفاق، في مسألة العلاقة ما بين الهوية والانتماء الطائفي، في إدارة "التوتّرات" التي يفرضها الواقع ما بين قطبين أو مستويين. وبالتالي حسم تلك التوتّرات بالانحياز الكامل إلى قطب واحد.

من تلك التوتّرات:

أن يعيش المتديّن المؤمن البعد الطائفي مغْفِلاً البعد الإيماني، أي أن يعيش بالكلية انتماءه الطائفي/ السوسيولوجي على حساب انتمائه الإيماني الروحي، فينزوي ويتطيّف ويتعصّب. أو بالعكس، يعيش ايماناً طوباوياً وفردانية غير متجسّدة في الزمان والمكان، فيهجر جماعته أو طائفته.

أن يعيش المتديّن المؤمن في خانة "الأقلّية" منمّياً فيه مخاوف متوهّمة، واقعاً في "عصاب" الأقلّية، أو ذائباً كلّياً في ايديولوجيا "الأكثرية" المهيمنة فيخسر خصوصيته وفرادته. أو أن يعيش في خانة "الأكثرية" فلا يحسب حساباً للآخرين ويقع في تجربة الهيمنة والتسلّط.

إن التفكير في المواطنة كما ذكرنا مرتبط ارتباطاً مباشراً بمسألتي "الهوية" و"الانتماء". ومسألتا الهوية والانتماء مرتبطتان، لا سيما في لبنان، بمسألة "الطائفية". إن النظام الطائفي في لبنان له مقاربات عديدة لا مجال هنا للحديث عنها بالتفصيل. إنما، لا بدّ، في الحديث عن المواطنة، من أن نتوقف بعض الشيء عند علاقة الطائفية بالانتماء والولاء. فصحيح أن اللبناني عليه، وفق قوانين الأحوال الشخصية، أن ينتمي قسراً إلى طائفة. إلاّ أن هذا الانتماء يندرج في إطار تعدّد انتماءات الفرد إلى عائلة ومكان وسكن ومجال دراسي وجمعيات وأحزاب ونقابات وتيارات فكرية واجتماعية... وتتدرّج تلك الانتماءات حسب جدول أولويّات يختلف باختلاف الحالات والظروف. وقد تكون تلك الانتماءات متناغمة أو متعارضة أو في تنافس بينها، فيعمل الفرد على التوفيق بينها.

أما الولاء فهو أقلّ قسرية من الانتماء ولكنه أدهى. فهو قد يتطابق مع بعض الانتماءات الاجتماعية، أو يتخطاها ليدخل في سياق ارتباط وتبعية وحماية يمكن أن تؤدّي إلى "الزبائنية". يُحكى كثيراً اليوم عن الطائفية ومساوئها وقلّما يُحكى عن الزبائنية الآخذة بالانتشار والتي تتخطّى أحياناً كثيرة الانتماء الطائفي والولاء له، ولا قيم تردعها بل تفتش دائماً عن المصلحة الخاصة.

من هنا، أصبح من الضروري على اللبنانيين لكي تستقيم أوضاع بلدهم، ولكي يعمّقوا عيشهم المشترك، أن يبنوا وحدتهم الوطنية على الولاء للوطن أولاً. والولاء للوطن أولاً لا يعني تنكّراً لولائهم لدينهم أو طائفتهم. فالمواطنة، من جهة، هي القيمة المشتركة والجامعة، ولا تتعارض، من جهة ثانية ـ أو لا يجب أن تتعارض ـ مع الإنتماء إلى طوائف.

وتشتدّ الحاجة إلى إنماء روح المواطنة وإلى اكتساب ثقافتها خصوصاً في المجتمعات المتعددة الأديان والمذاهب كلبنان. كما أن روح المواطنة تصبح ضرورة قصوى عندما يتعلّق الأمر بترسيخ الديموقراطية ودفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية وخلق مناعة لدى المواطنين تحميهم من الصراعات الداخلية والخارجية التي تستخدم المشاعر الدينية وقوداً لإشعال الفتنة الأهلية.

فالانتماء بالمواطنة، كانتماء أولي وأساسي، يستتبع ولاء كاملاً للوطن يسهّل تحقيق الديموقراطية التي هي مشاركة في الحكم، وعدالة، على أساس القوانين الملزمة للجميع، وعلى أساس مساواة الجميع دونما تمييز عرقي أو ديني أو طائفي أو مذهبي أو عشائري... كما أن روح المواطنة تحمل الناس إلى المشاركة في خطط التنمية حيث أن السلطة المركزية لا تستطيع وحدها أن تقوم بهذه الخطط وتنجح فيها من دون مشاركة المواطنين.

من هنا نأتي إلى الحديث عن القيم الاجتماعية والقيم المدنية التي تتأسس عليها المواطنة الصالحة. إن تنظيم الحياة المشتركة يخضع إلى قيم اجتماعية وقيم مدنية. الأولى تمثّل النطاق الأخلاقي، وهو حالة مثالية يقيس بها الأفراد والجماعات تصرفاتهم. والقيم المدنية تمثّل النطاق القانوني، وهو أساس دولة القانون المبنية على الحرية والواجبات والحقوق.

من أهمّ القيم الاجتماعية في الحياة المشتركة ومن زاوية المواطنة الواحدة: المساواة بين جميع المواطنين، والمشاركة والتضامن.

أما القيم المدنية التي تؤسس لدولة القانون، فأهمّها: احترام القانون، واحترام الملكية، والمشاركة السياسية والثقافية والأهلية.

إن لبنان قائم على المشاركة وعلى الميثاقية. ذلك يعني أنه لا يمكن أن تُبنى وحدة وطنية دون مشاركة جميع اللبنانيين. وبدون الوحدة الوطنية لن يقوم سلم في لبنان ولا تقدّم ولا ازدهار ولا تنمية.

وميثاقية المواطنة هي أكبر ضمانة لبقاء لبنان وازدهاره وخير جميع أبنائه.

===============================

أسهل من استرجاع فلسطين

الثلاثاء, 24 نوفمبر 2009

جهاد الخازن

الحياة

إذا كانت الدول العربية لا تستطيع حل القضية الفلسطينية، وإذا كانت دولنا الفقيرة تعاني من شح الموارد وخصوبة النساء، وإذا كان التعليم مشروع أجيال وفي ضمير الغيب، فإن هناك قضية يساهم حلُّها في تخفيف كل مصيبة أخرى من النوع الذي بدأت به، والحل ممكن إذا توافرت النيات.

القضية هي الفساد، وهو موضوع أعود اليه بين حين وآخر، وأتوكأ على المؤشر الدولي للفساد الصادر عن هيئة الشفافية العالمية. أزعم أن الدولة العربية التي لا تستطيع إصلاح نظام التعليم فيها غداً تستطيع أن تشن حرباً على الفساد غداً، وأن تهزمه قبل صدور المؤشر السنوي التالي، قرب نهاية 2010.

ثمة نقطتان قبل أن أكمل، الأولى أن المؤشر الدولي ليس وحياً، ولا بد أن فيه أخطاء، الا أنه صحيح في مجمله. والثانية أن الفساد مرفوض في كل بلد، إلا أنه أهون في بلد ثري «الكعكة» فيه كبيرة بما يكفي ليحصل كل مواطن على قطعة منها، وهو يصبح جناية في بلد فقير يُسرق فيه من كعكة لا تكاد تكون موجودة.

قارنت بين مؤشر هذه السنة الذي صدر أخيراً ومؤشر السنة الماضية، ووجدت أن الدول العربية الأقل فساداً حافظت على مواقعها المتقدمة، وأن الدول العربية الأكثر فساداً لا تزال في المؤخرة.

آخر خمس دول هي العراق في المرتبة 176 التي يتقاسمها مع السودان، ثم ميانمار فأفغانستان فالصومال في المرتبة الأخيرة أو 180.

وهكذا فأربع من الدول الخمس الأخيرة مسلمة، وثلاث منها عربية. وأدين الاحتلال الأميركي وأحمّله المسؤولية مناصفة مع حكومتي العراق وأفغانستان على الفساد المستشري والباقي. وبما أنني لا أعتبر الصومال دولة قائمة، فإنني أعطي المركز الأخير لدولتين مسلمتين احتلتهما إدارة بوش.

إيران ليست بعيدة عن أسفل القائمة فهي سجَّلت رقماً قياسياً في الهبوط من الدرجة 141 السنة الماضية الى 168 هذه السنة، ومعها تركمنستان وبعدهما أوزبكستان، وهما بلدان مسلمان أيضاً.

أفضل موقع عربي احتلته قطر فقد صعدت من المرتبة 28 السنة الماضية الى 22 هذه السنة، فكانت بعد بلجيكا مباشرة، وقبل فرنسا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى. وارتفعت الإمارات العربية المتحدة من المرتبة 35 السنة الماضية الى 30 هذه السنة. ولعل أفضل ما في الإنجاز القطري والإماراتي أنه جعل دولتين عربيتين تتقدمان على إسرائيل التي احتلت المرتبة 32 هذه السنة وارتفعت درجة عن موقعها السنة الماضية.

أصر على أن المؤشر لا يعرف حقيقة إسرائيل فهي فاسدة بقدر ما هي فاشستية، وكان أبو عمار يحدثني عن اضطراره لرشوة المسؤولين الإسرائيليين لتأمين طلبات الحياة اليومية للفلسطينيين. وأسمع الشكوى نفسها من أخينا أبو مازن هذه الأيام، وأعرف أن مشروع الهاتف المحمول الثاني في الأراضي الفلسطينية تأخر لأن السلطة لا تملك المبالغ المطلوبة لرشوة كبار المسؤولين الإسرائيليين.

سلطنة عُمان ارتفعت الى المرتبة 39 من 41، والبحرين في المرتبة 46 بعد أن كانت في المرتبة 43 والأردن في المرتبة 49 بعد ان كان في المرتبة 47، وتونس في المرتبة 65 من المرتبة 62، والكويت تقريباً في مكانها نفسه وفي المرتبة 66 بعد 65 السنة الماضية.

المملكة العربية السعودية ارتفعت بشكل ملحوظ في مؤشر الفساد فبعد أن كانت في المرتبة 80 السنة الماضية تقدمت الى المرتبة 63. أمّا سورية فحققت الرقم القياسي بين العرب وصعدت من المرتبة 147 الى 126، بفارق 21 مرتبة، إلا أنني أرجو أن أرى تقدماً مماثلاً السنة المقبلة لتنتقل سورية الى النصف الأول من مؤشر الفساد.

مع ذلك، الإنجاز السعودي والسوري في سنة واحدة يؤكد ما ذهبت اليه في البداية من أن محاربة الفساد أسهل من استرجاع فلسطين، أو تعليم المعلمين، وأن النتائج تظهر خلال سنة، وتساعد الحكومة على حل المشاكل الأخرى.

أفسد مقارنتي بين المؤشر هذه السنة والمؤشر السنة الماضية أن لبنان هبط من المرتبة 102 السنة الماضية الى المرتبة 130 هذه السنة، أي بخسارة قياسية هي 28 درجة. وهو الآن مع ليبيا، إلا أن هذه دولة نفطية كانت السنة في المرتبة 126. ومراتب لبنان وليبيا السنة الماضية، وهذه السنة متأخرة وتدين حكومتي البلدين.

أهنئ قطر والإمارات والسعودية على انجازها، وأطالبها بمزيد من النجاح السنة المقبلة مع وعدي لها، أو وعيدي، بأن أعود الى الموضوع مع المؤشر المقبل، لأسجل مواقع العرب هبوطاً أو صعوداً.

khazen@alhayat.com

==============================

يسألونك عن التوريث

فهمي هويدي

الخليج

24-11-2009

أرأيت كيف هان أمرنا وخاب أملنا حتى صارت أوطاننا تركة تورّث، وأصبحت شعوبنا كتلاً آدمية مصلوبة على أوهام ووعود لم تتحقق.

 

(1)

 

حدثني صديق أنه حضر في الستينات معسكراً لمنظمة الشباب أقيم في مدينة حلوان، وضم نخبة من طلاب الجامعات النابهين الذين ملأتهم أجواء ذلك الزمان بالثقة والطموح، وفي المحاضرات التي ألقيت عليهم وقتذاك رددوا على مسامعهم عدة مرات أن واحداً منهم سيكون رئيساً لجمهورية مصر في المستقبل. صدق صاحبنا الكلام، واقتنع بأن المستقبل مفتوح أمام ذلك الجيل. وطوال السنوات الأربعين الماضية لم يتحقق شيء مما سمعه، ولكن ظلت أحلام جيله تتبخر واحداً تلو الآخر، وإذ جاوز الستين من العمر هذه الأيام، فإنه انتهى يائساً. وفاقداً الأمل في كل شيء، وغير قادر على أن يصدق ما يقال عن توريث السلطة في مصر.

 

في العدد الأخير من الطبعة العربية لمجلة “نيوزويك” (17/11) كتب أحد المثقفين اليمنيين يقول عن الرئيس علي عبدالله صالح إنه أمضى في موقعه 31 عاماً صادر خلالها أحلام الوطن وأباد كل أسباب وممكنات وجوده وتقدمه، وظل عائقا أمام قدرتنا على التفكير بما يمكن الوطن من استعادة أمله في أن ينهض من كبواته المستدامة وتعثره المزمن.. ولئن كان محور اهتمام القادة الحقيقيين في العالم هو الإنسان والوطن والتقدم، فإن محور اهتمام قائدنا هو العرش ونقله ميراثاً لأجياله. فسيج البلاد بكل أسباب انتقاله، ولغم معابر الوصول إليه بكل أشكال الفوضى، وإبداع صناعة الملهاة”.

 

لا نحتاج إلى مزيد من الشواهد حتى ندلل على أن توريث السلطة أصبح بدعة هذا الزمان في الجمهوريات العربية، التي ظننا حيناً من الدهر أن انتقالها من النظام الملكي إلى الجمهوري هو خطوة إلى الأمام، لكنه ظن خيّبته تجربة الدول العربية الحديثة، التي أجهضت الآمال المبكرة التي علقت عليها، إذ أصبح التوريث حاصلاً أو وارداً في ست دول عربية، بعضها تم فيها ذلك بصورة رسمية، والبعض الآخر صار التوريث واقعاً فيه لكنه لم يستكمل شكله القانوني بعد، أما البعض الثالث فالتوريث في مرحلة الإعداد والترتيب.

 

(2)

 

كانت سوريا سباقة في هذا الباب، فقد عدل دستورها وتم تخفيض شرط السن لتمكين بشار الأسد، الذي كان عمره وقتذاك 34 سنة، من شغل منصب رئيس الجمهورية وهو ما تم سنة 2000. وبعدما انفتح الباب طُرح بقوة اسم السيد جمال مبارك في مصر، الذي يتولى الآن أمانة السياسات في الحزب الوطني. وثمة شبه إجماع في الدوائر السياسية على أن الرئيس القادم لمصر، في انتخابات عام ،2011 سيكون جمال مبارك (46 عاما) إذا لم يرشح الرئيس مبارك نفسه. وترشيح مبارك الابن ليس آتياً من فراغ، ولكنه ينبني على شواهد عدة، أهمها أن تعديل المادة 76 من الدستور المتعلقة بالترشح للرئاسة في مصر، وضع شروطاً لا يمكن أن تنطبق إلا على مرشح الحزب الوطني. ومعلوم أن الحزب في ظل الأوضاع الراهنة لن يرشح للرئاسة غير أمين السياسات فيه، الذي يقوم الآن بدور لا يستهان به في صناعة القرار السياسي.

 

النموذج المصري تكرر في ليبيا بصورة نسبية، إذ مثلما برز دور جمال مبارك في المجال العام وانشئت له أمانة السياسات، لكي يتولى من خلالها توجيه مختلف مجالات الشأن الداخلي، فإن المهندس سيف الإسلام القذافي (37 سنة) بعدما قام بعدة أدوار في سياسة بلاده الداخلية والخارجية، عين أخيراً منسقاً عاماً للقيادات الشعبية، وهو أعلى منصب في السلطة بعد العقيد القذافي. وقيل إنه كان ينبغي أن يتولى ذلك المنصب “لكي ينفذ مشروعه الإصلاحي لبناء ليبيا الغد”. الأمر الذي رشحه بصورة مباشرة لخلافة والده على رأس السلطة.

 

لم يعد سراً أن الترتيبات في اليمن تمضي في ذات الاتجاه، إذ يتردد بقوة اسم المقدم أحمد ابن الرئيس علي عبدالله صالح، باعتباره المرشح لخلافة والده، وهو يشغل الآن منصب قائد الحرس الجمهوري رغم أنه في العشرينات من عمره. ولضمان ذلك فإن الأسرة تمسك بمفاتيح أجهزة الأمن في البلد. فعمار ابن عمه مسؤول عن الأمن القومي، وشقيقه يحيى الرجل القوي في وزارة الداخلية، والأخ غير الشقيق للرئيس  علي محسن  يقود الجيش في المناطق الشمالية.

 

“الطبخة” جارية على قدم وساق في تونس. ذلك ان الرئيس زين العابدين بن علي عدل دستور بلاده لكي يسمح له بالبقاء في السلطة مدى الحياة، في عودة لما كان عليه الحال في عهد الرئيس بورقيبة الذي أخذ عليه بن علي رئاسته المؤبدة وأعلن في عام 1987 أنها ستكون لمدتين فقط  وبعد ذلك اتجه إلى ترتيب أمر خلافته، فدفع صهره وزوج ابنته محمد صخر الماطري (28 سنة) إلى الصف الأول من المشهد السياسي، حيث أصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب الدستوري الحاكم، ثم انتخب مؤخراً عضوًا في مجلس النواب. وهو في الوقت نفسه يدير امبراطورية مالية كبيرة تضخمت في عهد صهره. إذ إضافة إلى تأسيسه إذاعة “الزيتونة” للقرآن الكريم، فإنه أسس الآن بنك الزيتونة، وله أسهم في بنك الجنوب، إضافة إلى استحواذه على 70% من أسهم دار الصباح، أعرق المؤسسات الصحافية في تونس. كما أنه يدير شركات عدة في مجالات الصناعات الدوائية والعقار والسياحة.

 

الأخ غير الشقيق للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة يهيأ بدوره لخلافته، وهذا الأخ (سعيد) يشغل الآن منصب الطبيب الخاص للرئيس وكاتم أسراره، لذلك فإنه يلازم الرئيس عبدالعزيز في كل جولاته الخارجية. وقد أقدم مؤخرا على تقديم طلب لإنشاء حزب باسم التجمع من أجل الوفاق الوطني، يأمل أن يخوض به الانتخابات، ويفتح له باب تحقيق طموحاته السياسية.

 

(3)

 

هناك مدرستان في التوريث، بمعنى الاستمرار في احتكار السلطة وإبقائها في نطاق الأسرة، بما يحولها إلى ملكية مقنعة، مدرسة “الغلبة” التي تقوم على فرض الامر الواقع بقوة السلطة وأدواتها، ومدرسة اصطناع الشرعية. والأخيرة أصبحت أكثر رواجاً، بعدما أصبح “المنظر” في الحالة الأولى مستهجنا في الأجواء الراهنة التي يروج فيها الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ثم إن تطور أساليب الالتفاف والاحتيال على الشرعية، رجح كفة المدرسة الثانية. إذ بات من اليسير تصعيد الوريث في مراتب السلطة مع إغلاق الأبواب في وجه أي منافس محتمل له، بحيث يصبح خيارا وحيدا يمكن دفعه إلى الصف بسهولة، بالقانون الذي يتم تفصيله ليناسب الحالة، ومن خلال المؤسسات “الشرعية” التي يجري اصطناعها.

 

من الحجج التي تساق لتبرير الانتقال وتغطيته أن الوريث مواطن عادي، له حق الترشيح كغيره من المواطنين، ولا ينبغي أن يحرم من هذا الحق “ويظلم” لمجرد أنه ابن الرئيس، أو عضو في أسرته. وهو قول مردود بحجتين، الأولى أنه في كل أحواله لا يعامل باعتباره مواطناً عادياً، ولكنه يظل طوال حكم الأب مواطناً من الدرجة الأولى الممتازة، الذي يعمل له ألف حساب. فلا ترد له كلمة أو يرفض طلب. وفي حركاته وسكناته فإنه يعامل باعتباره مواطنا غير عادي. يتمتع بنفوذ وصلاحيات لا تتاح لأي شخصية سياسية أخرى.

 

الحجة الثانية أن  ترشحه في وجود الرئيس أو استنادًا إلى بطانته مشوب بالبطلان من الناحية السياسية. والقياس هنا على ما هو وارد في القانون من ضمانات لضمان حيدة القاضي ونزاهته، ذلك أن المادة 146 من قانون المرافعات في مصر  مثلا  تنص على عدم صلاحية القاضي للسير في أي دعوى، إذا كانت له أو لزوجته أو لأحد أقاربه مصلحة فيها. وهذا البطلان يتحقق حتى ولو لم يتمسك به أحد. فالمشرع هنا كان واعيا بأن أي صلة قرابة تربط القاضي بأي واحد له مصلحة في أي قضية تعرض عليه وقرر أن تلك الصلة تجعله غير صالح للنظر في الدعوى، لأن شبهة عدم الحياد قائمة في هذه الحالة. وإذا كان ذلك حاصلا في القضايا المدنية والجنائية مهما صغر شأنها، فأولى به أن يحدث في أمر يتعلق بمصير الوطن ومستقبله، الأمر الذي يعني أنه لا يجوز بأي معيار أن يترشح ابن للرئاسة أو لأي منصب رسمي آخر في ظل رئاسة الأب وهيمنته على أجهزة الدولة، لأن ذلك يخل بنزاهة الحكم واستقامته.

 

(4)

 

صحيح أن التوريث الذي يحول الجمهوريات إلى ملكيات مقنعة ليس حكراً علينا. لكنه حاصل في بلدان أخرى، في كوريا الشمالية وأذربيجان وكوبا وتاهيتي، وبعض الدول الإفريقية الأخرى. مع ذلك فالقاسم المشترك الأعظم بين كل تلك النماذج وبين الحالات المماثلة في بلادنا يتمثل في أنها دول غيبت الديمقراطية، ودمرت فيها مؤسسات المجتمع المدني. بما يعني أنه ما كان لتلك الدول ان تتجرأ على توريث السلطة فيها إلا أنها اطمأنت إلى إخصاء مجتمعاتها وإفقادها القدرة على إيقاف أو مقاومة نقله من هذا القبيل، بكلام آخر فإن الدولة العربية الحديثة التي انتقلت بعد ذهاب الاستعمار من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، حين عمدت نظمها إلى احتكار السلطة ومصادرة الديمقراطية، فإنها اضعفت مجتمعاتها وقامت بتفكيكها، حتى أعادتها إلى مرحلة القبيلة السابقة على فكرة الدولة بمفهومها الحديث.

 

أريد أن أقول إن السلطة المطلقة حين نجحت في إضعاف مجتمعاتنا وتفكيكها فإنها لم تجد عائقا يحول دون إدامة ذلك الاحتكار من خلال التوريث، الذي يمكنها من أن تضرب عصفورين بحجر واحد. فمن شأن ذلك أن يضمن لأهل الحكم الاستمتاع بمباهج السلطة والتقلب في نعيمها وجاهها، كما انه من ناحية ثانية، يضمن التغطية على المكاسب والثروات الهائلة التي تحصلت أثناء البقاء في السلطة، كما يضمن التغطية على الممارسات والتجاوزات التي ارتكبت في تلك الفترة.

 

على صعيد آخر، أزعم أن ذلك النزوع إلى التوريث يلقى ترحيباً وتشجيعاً من القوى الأجنبية المهيمنة في المنطقة العربية، والولايات المتحدة الأمريكية على رأسها. وعندي في ذلك أسباب وقرائن هي:

 

* إن هذه القوى أصبحت مطمئنة إلى أن الأوضاع الراهنة في العالم العربي تحقق لها مصالحها وتوفر لها وضعاً استراتيجياً مريحاً للغاية، ولذلك فإن استمرار تلك الأوضاع بأي صورة وبأي ثمن أصبح هدفاً غالياً يتعين الحفاظ عليه.

 

* إن المخططين في تلك الجهات بذلوا جهداً مشهوداً في رعاية وإعداد الأجيال الجديدة من الأبناء الذين تلقى أكثرهم تعليماً في الخارج، ولذلك فإن لديهم اطمئناناً كافياً إلى أن عناصر تلك الأجيال لن تكون أقل تجاوبا ووفاء  إذ لم نكن أكثر  من جيل الآباء.

 

* إن القوى الخارجية لم تعد مطمئنة إلى البدائل التي يمكن أن تصل إلى الحكم في العالم العربي إذا ما لم يتم التوريث وجرت انتخابات ديمقراطية. إذ هم يدركون جيدا أن الرأي العام العربي يملك الكثير من مشاعر الرفض والبغض للسياسة الأمريكية. والانتخابات الديمقراطية قد تأتي بمن يعبر عن تلك المشاعر. ومن ثم يهدد المصالح الأمريكية، وهو ما يمكن أن يحدث إذا ما أتت الانتخابات بعناصر وطنية، والخوف الأكبر أن ينجح أصحاب التوجه الإسلامي، كما حدث في غزة، وإزاء مخاطر من هذا القبيل فإن التوريث  من وجهة نظرهم  يصبح الحل.

 

(5)

 

من هذه الزاوية تبدو صورة المستقبل معتمة في العالم العربي، أقصد أشد قتامة مما هي عليه الآن. لكن سنن الكون تقول لنا إن الليل له نهاية وإنه لا توجد هناك غيوم أبدية، وذلك لا يطمئننا كثيراً لأننا ننتظر ذلك الوعد منذ عقود، ولكن أوان تحقيقه لم يحن بعد كما بدا، ثم إننا لا نعرف كم تكون التكلفة في هذه الحالة، لأن السنن لا تجرى بالمجان، وهناك أسباب ينبغي أن تتوافر أولا لكي تستجلب النتائج وتستدعيها، ومن الواضح أننا لم نأخذ بعد بما يكفي من الأسباب لكي تترتب النتائج المرجوة، والله أعلم.

=============================

الأولويات العربية والأطلسية

د.فهد الفانك

الرأي الاردنية

24-11-2009

حلف الناتو لم يعد مؤسسة عسكرية فقط بل سياسية أيضا، وهو حقيقة من حقائق العالم المعاصر تضم 28 دولة على رأسها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية التي تشكل عمليا ما يسمى بالمجتمع الدولي.

 

الأردن في المقابل دولة صغيرة منفتحة إقليميا ودوليا وتستطيع، إذا شاءت، أن تأخذ موقفا سلبيا من الحلف، أو أن تستفيد من هذه القوة العالمية بالتعاون والحوار، وتسخيرها لتحقيق أهداف وأولويات وطنية عن طريق تبادل المصالح.

 

هناك فجوة كبيرة في الأولويات: أولوية الحلف هي الأمن ويحاول تحقيقه بالوسائل الناعمة إن أمكن، وبالقوة العسكرية إذا لزم. في المقابل فإن أولوية الأردن سياسية واقتصادية، وعلى رأسها تحقيق السلام العادل وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. الحوار مع الجانب العربي قرار من الحلف الذي يبدي اهتماما بحوض البحر الأبيض المتوسط. أما التقصير فيكمن في الجانب العربي الذي لا يملك أجندة متفقا عليها ليواجه بها الحوار، والأسوأ من ذلك أن الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم الأمر الذي يعفي العالم من التدخل لصالحهم.

 

الوقت الحالي حاسم، لأن حلف الأطلسي يدخل اليوم مرحلة تحول يحاول فيها إعادة إنتاج نفسه بعد أن انتهى دوره في حماية أوروبا الغربية من الخطر السوفييتي وعدم وجود عدو معلن للحلف يبرر استمراره. الحلف الآن بصدد إعداد وثيقة إستراتيجية لتحديد دوره الجديد وأولوياته، وقد كلف سياسية هي وزيرة خارجية أميركا السابقة مادلين أولبرايت ورجل أعمال هو رئيس شركة شل بإعداد مسودة الوثيقة على ضوء معطيات عالم ما بعد الحرب الباردة.

 

من أسهل الأمور أن نوجه سهام النقد إلى حلف الأطلسي. وقد فعلنا الكثير في هذا المجال، ولكن ما هي النتيجة؟ وهل من مصلحتنا أن نستعدي الحلف لتكسبه إسرائيل؟ وطالما أنه يمد يده باتجاهنا فالوقت مناسب لملاقاته وطرح أولوياتنا.

 

الحوار الذي يتحدثون عنه له مفاهيم مختلفة، فهم ينتظرون إلى الحوار كمنبر لتقديم (النصائح) إلى دولنا حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية ومحاربة الإرهاب، وهذا جيد، ولكنه لا يحول دون توظيف الحوار من طرفنا لطرح قضايانا السياسية، وفي المقدمة الحل العادل للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يهدد الأمن العربي فقط، بل يهدد الأمن الدولي أيضا ويشجع مؤسسة الإرهاب.

===========================

لا سلام مع مفاوضات الذئب والحمل

عودة عريقات

24/11/2009

القدس العربي

ثبت جليا للعيان بعد مرورعدة سنوات على المفاوضات العجاف الماضية بين الخصمين المتفاوضين الفلسطيني والإسرائيلي أن الخصم الإسرائيلي ليس عنده رغبة ولا جدية لكي تصل المفاوضات التي جرت إلى نتيجة ملموسة تعيد الحقوق الفلسطينية لأصحابها، وثبت أيضا أن الأوروبيين والأمريكان ليس لديهم جدية في تطبيق قرارات الشرعية الدولية على الصراع العربي الإسرائيلي ويكشف ذلك من خلال ترك المفاوضات رهينة لقناعة الإسرائيليين وقبولهم، وهنا يثور التساؤل ماذا تثمر مفاوضات القوي مع الضعيف،

والإسرائيليون يعلمون أن المستفيد من المفاوضات إذا أثمرت عن نتيجة ملموسة ونجحت في التوصل لإتفاق يرضى عنه الفلسطينيون هم الفلسطينيون أنفسهم، واسرائيل بعد حرب عام 1967 زاد وزنها وكبر حجمها ويعلمون أن التسوية السلمية تعيدهم إلى لباسهم وحدودهم القديمة التي يعتبرونها بعد هذه السنوات حدود ضيقة عليهم وأيضا بسبب اعتقاد الإسرائيليين أنهم فوق القانون بسبب الدعم الأمريكي والغربي واستثناء إسرائيل من تطبيق قرارات الشرعية الدولية عليها، وترك الحرية لها وإعطائها مجالا واسعا للمناورة السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط على الأقل، وأصبح ذلك حقيقة بسبب المظلة الأمريكية التي تستظل بها، وبسبب حالة الضعف العربي وعدم تأثير القرار العربي في مجريات السياسة الدولية الخاصة بالقضايا العربية، ولذلك من أجل إقناع إسرائيل في جدوى السلام يجب العمل على إنقاص وزنها وتقليص حجمها لتعود إلى حدودها قبل عام 1967، ويكون ذلك بزيادة الوزن والحجم العربي كثقل في ميزان السياسة العالمية، وأيضا من علامات الضعف العربي هي المبادرة العربية للسلام التي أظهرت حقيقة العجز العربي وعدم رغبة العرب في قتال إسرائيل وعبروا عن ذلك من خلال إعلانهم أن السلام هو خيار إستراتيجي وحيد لا قبله ولا بعده،وهذا الأمر دعم إسرائيل كثيرا وجعلها القوة الإستراتيجية الأولى في المنطقة، فالمبادرة العربية أعدت وبنيت على ركن ترغيب إسرائيل بالسلام والذي أعد فصولها أو شارك أو ساهم أو إقترح في إرساء قواعدها وتفصيلاتها المستشار الصحافي الأمريكي توماس فريدمان ولا يمكن أن نصفه بالبراءة في علاقته مع إسرائيل، فجاءت المبادرة خالية من أي ترهيب أو بيان عواقب لرفض إسرائيل للمبادرة بل كله ترغيب بفتح المجال لإسرائيل بإجراء علاقات دبلوماسية مع 57 دولة إسلامية إن وافقت ودفعت استحقاقات السلام.

ومن يعرف طبيعة التفكير الإسرائيلي والعنجهية التي يتعاملون بها مع العالم العربي بسبب تفوقهم الإستراتيجي في مجال القوة والتكنولوجيا والدعم الفني والمادي من قبل الغرب وأمريكا وأطماعهم في كامل الأراضي العربية المحتلة وأطماعهم في ثروة العرب من المياه والنفط والمعادن والأملاح المعدنية والأسواق والتجارة الحرة مع العالم العربي والاسلامي، فإنه يقول أن المبادرة العربية ولدت ميتة،ولقد وصفها أحد الكتاب بأنها عربة من غير عجلات، وبالتالي البناء على شيء ميت أو متجمد ساكن فهو أمر غير مجد ولن يجلب نتيجة مهما طال زمن المفاوضات، وهذه المبادرة بخيارها السلام كخيار إستراتيجي وحيد ، فهذا الأمر أغلى أسعار إسرائيل بسبب غياب الخيارات الأخرى والتي وجودها ضروري من أجل تضييق مساحة المناورة والمراوغة الإسرائيلية، وبرأيي كعربي فلسطيني أعيش تحت نير الاحتلال، فإنه كان لهذه المبادرة مردود عكسي أضعفت الفلسطينيين في مفاوضاتهم، وتأتي هذه المبادرة رغم الإنفاق العربي الهائل على شراء الأسلحة والطائرات من المصانع الأمريكية والبريطانية والفرنسية والروسية والصينية والتشيكية، وهذا الانفاق يفوق بكثير الإنفاق على التنمية العربية الزراعية والصحية والمجتمعية، ورغم ذلك لا نرى طائرة عربية تعترض الطائرات الإسرائيلية المخترقة للأجواء العربية وفقا للخيار الإستراتيجي المذكور، بل نرى الطائرات العربية تقصف العرب والأقليات في البلاد العربية،

ووفقا لهذه المعطيات واللا مبالاة الإسرائيلية وتردد أمريكا والغرب الأوروبي في الضغط على إسرائيل من أجل التقدم بالعملية السلمية، فهل نتوقع أن تعطينا إسرائيل تنازلات بالمجان مهما طال غناؤنا لقرارات الشرعية الدولية وطلب تنفيذ الاستحقاقات المترتبة عليها وفقا لخارطة الطريق من أجل التقدم في العملية السلمية، ومهما تعددت اللقاءات مع كلينتون وميتشل وبلير وشلومو وكل المسؤولين الذين دأب العرب والفلسطينيين على لقائهم، ووفقا لهذا المنظور حيث أغلقت إسرائيل كل نوافذ السلام وصدتها أمام الفلسطينيين، فإن أي مسؤول فلسطيني مهما علا شأنه متمسكا بالثوابت الفلسطينية ويدخل العملية التفاوضية في ظل أجواء اللامبالاة وعدم الرغبة والجدية الإسرائيلية في تحقيق السلام وأيضا غياب الضغط الأمريكي والأوروبي في هذا المجال، فإن هذا المفاوض سيفشل ويتحمل وزر الفشل وسيتحمل القدح والذم من قبل الشعوب العربية، ولهذا فإن عملية التفاوض من موقف ضعف غير مجدية ولن تأتي بأكلها وخاصة بسبب غياب الجدية والرغبة الاسرائيلية للتوصل لاتفاق سلام حقيقي مع العرب والفلسطينيين بمنظور ينهي إحتلال الأرض العربية، فالإسرائيليون حددوا سقفا لتنازلاتهم في حالة إذا ما انتصبت قامة العرب ودخلوا في صراع سياسي جدي ومخلص مع إسرائيل، وهذا السقف قابل للخفض وفقا لقوة وضعف العرب. ويندرج ضمن هذا الإطار ما عبر عنه رئيس الدولة الاسرائيلي شمعون بيريس مؤخرا مخاطبا الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس لحثه للرجوع عن إعلانه بعدم ترشحه لرئاسة أخرى، ما هو إلا كشف للنوايا الاسرائيلية الحقيقية تجاه عملية السلام مع الفلسطينيين حيث قال من الأفضل أن يكون السلام غير مكتمل بدلا من حرب لا نهاية لها، وهنا يريد بيريس سلاما وفقا للرؤية والشروط الاسرائيلية سلاما ناقصا بحدود مؤقتة بحيث يحد الكانتونات الفلسطينية في الضفة الغربية المستعمرات الإسرائيلية من كل الجهات الغرب والشرق والشمال والجنوب وستبتلع إسرائيل أكثر من 2000 كيلومتر مربع من أراضي الضفة الفلسطينية والتي تعد وتحسب مناطق إستراتيجية، بالإضافة للقدس وشطب حق العودة، ومع مرور الزمن فهذه المواصفات الإسرائيلية لحجم الدولة الفلسطينية ليست نهائية، فإن سقفها قابل للخفض وفقا للمتغيرات فلا شيء مقدس عندهم لا مواعيد ولا حدود ، ولا شيء مقدس سوى المصالح الإسرائيلية.

وقال بيريس أيضا إسرائيل تريد السلام الحقيقي وليس محاكاة السلام، ولا نعلم ما هو معيار السلام الحقيقي ومكنونه وماهيته من خلال المنظار الاسرائيلي الذي ينظر بيريس من خلاله، فهل يعني استسلام الفلسطينيين للواقع والرغبة الإسرائيلية يمثل لديهم سلاما حقيقيا، فهل يريد منا أن نسلم بواقع الجدار والمستعمرات والطرق الالتفافية ومشاركة المستعمرين لنا في طرقنا ولهم حق الأولوية وفقا للقانون الشرطي الإسرائيلي، كنا نقطع المسافة بين ضواحي القدس الشرقية ومدينة رام الله بعشرين دقيقة والآن يستغرق قطع هذه المسافة ساعة ونصف من الزمن بسبب الحواجز الشرطية والعسكرية الاسرائيلية وازدحام السيارات ووضع إشارات الطرق المعيقة للسير لمصلحة سيارات المستعمرين،وأيضا من أجل التحكم في الطرق والسيارات العربية، فأي سلام حقيقي هذا الذي يتحدث عنه بيريس، فالسلام الحقيقي من وجهة نظر غالبية الشعب الفلسطيني هو الانسحاب الاسرائيلي لحدود الرابع من حزيران عام 1967 بما فيها القدس وإخلاء كل المستعمرات والبحث الجدي في إيجاد أفق وتسوية لحق العودة، وأي مسؤول فلسطيني لا يستطيع قبول عرض أقل من ذلك إلا بعد موافقة الشعب الفلسطيني من خلال الإستفتاء، فالانسحاب الاسرائيلي لحدود الرابع من حزيران هو مفتاح السلام الحقيقي، ويجب أن يكون هذا معيارا للسلام المنشود من قبل الفلسطينيين والعرب،وإذا استمر الرفض الإسرائيلي لهذا الطلب، فهنا يجب أن يكون للعرب والفلسطينيين خيار التوجه لمجلس الأمن لطلب تطبيق القرار الأممي رقم 181 قرار تقسيم فلسطين عام 1947 والذي أعطى الفلسطينيين ما مساحته 45'من مساحة فلسطين الكلية بما فيها كامل منطقة القدس ورفض العرب لهذا القرار في حينه لا يلغي هذا القرار فإسرائيل رفضت كافة القرارات الدولية المتعلقة بحل القضية الفلسطينية فهل يعني هذا إلغاء لهذه القرارات لا أعتقد ذلك.

وقال بيريس بصريح العبارة ردا على الأصوات الفلسطينية التي نادت بحل الدولة الواحدة بعد فشل مفاوضات حل الدولتين (أولئك الذين يرفضون حل الدولتين لا يستطيعون تحقيق التقدم نحو حل الدولة الواحدة ولن يجلبوا سوى حرب دموية بلا نهاية) وهنا يخبرنا بحرب صراع بقاء بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ويعني أنه من المستحيل قبول إسرائيل بحل الدولة الواحدة وما يترتب على ذلك من مساواة الفلسطيني بالاسرائيلي في كافة الحقوق، وهو يقول لنا كما يقول المثل الشعبي العربي الفلسطيني (مقسوم لا تأكل وصحيح لا تقسم)، فأي دولة يريدها لنا بيريس دولة من الباطن محجمة ويبقى أفرادها رهن السماح الإسرائيلي لهم في التحرك بالخروج والدخول ولا أعتقد أن الشعب الفلسطيني قدم هذه التضحيات الجسام على مدى مئة عاما تقريبا من أجل هذه الغاية وهذا الهدف.

وماذا يريدون أيضا من حث الفلسطينيين على دخول ماراثون المفاوضات من جديد وأية مفاوضات يريدون هل هي مفاوضات الذئب والحمل كما عبر عن ذلك الزعيم الإيراني خامنئي عندما علق على طلب أمريكا المقدم لإيران للدخول بمفاوضات حول تخصيب اليورانيوم بشروط أمريكية، وإلى متى سيبقى الحمل الفلسطيني بمنظورهم يحتمي بالعباءة الأمريكية والحقيقة أن أمريكا تساند الذئب وترهب الحمل من العواقب لكي يبقى الذئب حرا طليقا يصول ويجول ويبني المستعمرات كيف يشاء في الأرض الفلسطينية.

ولذلك بناء على كشف النوايا الإسرائيلية تجاه عملية السلام وعدم رغبتهم في إنجاز السلام المنشود الذي يتوق إليه الشعب العربي والفلسطيني وتفضيل أمريكا والغرب ملفات أخرى في المنطقة على حساب إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي نزولا للرغبة الإسرائيلية ، فإن عدم دخول الفلسطينيين في مفاوضات مع إسرائيل في ظل المعطيات الحالية والرؤية الإسرائيلية وفي ظل الضعف العربي المتفاقم هو أفضل بكثير من دخولها، ما لم تكن هناك ضمانات فعلية من الدول الأوروبية وأمريكا لفرض الحل إذا تعثرت المفاوضات ووفقا لسقف وإطار زمني مع بحث الأمور الجوهرية للقضية الفلسطينية أولا وأن يكون هناك أفقا مقبولا للحل وإنهاء الصراع.

' محام فلسطيني

============================

عندما يتباكى البعض على «الصواريخ العبثية»!!

ياسر الزعاترة

الدستور

24-11-2009

جميل أن نسمع الذين طالما وصفوا صواريخ القسام بالعبث يتباكون عليها على شاشات الفضائيات (بعضهم لا زال يفعل) ، وإن كنا ندرك أن ذلك إنما يتم في سياق تشويه خصم سياسي لا أكثر ولا أقل.في المقابل ثمة ارتباك من طرف حماس في الرد على تلك الأصوات ، وقصة وزير داخلية غزة مع "التوافق" الذي نفته بعض الفصائل ، ومن ثم نفي كتائب القسام لوجود اتفاق بذلك الشأن ، تؤكد ذلك ، والسبب أن الرد المقنع والمفحم لن يتوفر بعيدا عن الاعتراف بصعوبة ، بل ربما استحالة الجمع بين السلطة والمقاومة ، الأمر الذي ينطوي بدوره على الاعتراف بخطأ الاجتهاد الذي دخلت الحركة على أساسه الانتخابات في ظل سلطة أوسلو التي صممت لخدمة الاحتلال ، ولم يفلح ياسر عرفات في تغيير بوصلتها من خلال انتفاضة الأقصى ، وإن لم يجرؤ على حلها وقلب الطاولة في وجه الإسرائيليين ، وحرمانهم من المزايا الأمنية والاقتصادية والسياسة التي تمتعوا بها بعد إنشائها.ثمة جانب مضيء في موقف حماس ، فهي لم تعلن تخليها عن برنامج المقاومة ، وما ساعدها على ذلك هو موقف العدو المناهض لها ، والمؤيد للطرف الآخر الذي أعلن تخليه عن المقاومة وذهب في اتجاه تكريس واقع السلطة ـ الدولة بصرف النظر عن مسار المفاوضات.بعد فوزها في الانتخابات بشهور قليلة نفذت حماس عملية الوهم المتبدد الرائعة وغير المسبوقة ، لكن العملية كانت مكلفة إلى حد كبير ، لا سيما لفرع الحركة في الضفة الغربية الذي تعرض لحملة استهداف بشعة من الاحتلال أكملها المنسجمون معه بعد الحسم العسكري في القطاع.ما لا ينتبه إليه كثيرون ، ومن ضمنهم مناصرون لحماس ، في سياق تقدير الموقف هو الفرق الكبير بين واقع القطاع وواقع الضفة الغربية ، فهنا في القطاع لا وجود لجيش الاحتلال ، وثمة معبر على عالم خارجي مهما قيل عن إشكالاته ، ويمكن للفصائل أن تتحرك بحرية نسبية في سياق التجييش واقتناء السلاح ، بينما يبدو ذلك بالغ الصعوبة في الضفة الغربية المستباحة بالكامل من قبل جيش الاحتلال ، وهي الاستباحة التي ضربت خلايا المقاومة وكبدتها خسائر كبيرة ، بدليل أن 90 في المئة من المعتقلين في سجون الاحتلال هم من الضفة الغربية.كل ذلك منح حماس فرصة الإصرار على برنامج المقاومة بعد دخول السلطة والحسم العسكري ، وهي دفعت ثمنا باهظا لقاء ذلك من أبنائها وأنصارها وجماهير شعبها ، وإن سجلت الحرب الأخيرة انتصارا معنويا وسياسيا كبيرا من خلال عجز الاحتلال عن تركيع الشعب الفلسطيني رغم حرب الإبادة التي شنها في عملية الرصاص المصبوب.اليوم يعيش القطاع وضعا صعبا ، وأي إطلاق للصواريخ سيكون مكلفا للناس ، بينما تحتاج المقاومة بعض الوقت لكي ترمم قوتها ، أما الأهم فهو أن المقاومة خارج سياق الصواريخ تبدو مستحيلة ، مع العلم أن محاولات عديدة لتكرار عملية الوهم المتبدد لم تنجح ، وإذا كان بوسع أحد أن يتجاوز السياج الأمني ويستهدف جنود الاحتلال ، فلن تمنعه حماس.للتذكير ، فالتهدئة الحالية ليست الأولى كما يشيع البعض في سياق المناكفة ، فقد قبلت الفصائل وحماس بتهدئة مشابهة في عام 2005 ، أي قبل الانتخابات بطلب محمود عباس ، وتكرر ذلك في العام 2008 ، لكن العدو لم يلتزم بتعهداته ، فكان رفض التمديد الذي ردّ عليه الإسرائيليون بالحرب على القطاع.أسوأ ما في المشهد القائم هو مزايدة من باعوا المقاومة قولا وفعلا ، بل وطاردوا كل من يؤيدها ، وليس فقط من يمارسها ، فهم يتباكون على وقف حماس لإطلاق الصواريخ ، ولو أطلقتها أو سكتت على إطلاقها وردّ الإسرائيليون بقصف القطاع ، لدبّوا الصوت وقالوا إن حماس تأخذ الشعب في غزة رهينة لحساباتها الإقليمية. ألم يقولوا ذلك عندما رفضت تمديد التهدئة نهاية العام 2008؟،. مشهد عبثي من دون شك ، يفضح الكثيرين ممن اعترفوا بفشل 18 عاما من المفاوضات ، ولا يريدون الاعتراف بفشل مشروع أوسلو ومن ضمنه مشروع السلطة ، وبالطبع لكي لا يطالبهم الشعب بالبديل ممثلا في خيار المقاومة.المشكلة الحقيقية هي في حركة فتح المعترف بها عربيا ودوليا بوصفها ممثل الفلسطينيين ، فهي التي يجب أن تأخذ المسار الفلسطيني من جديد نحو التخلي عن برنامج السلطة التابعة للاحتلال بدل الحديث عن تكريسها بانتخابات جديدة ، وعندها لن تجد من حماس والآخرين سوى التعاون ، بل التحالف (حاتم عبدالقادر ، مسؤول ملف القدس في السلطة له رأي مماثل لرأينا حول هذا الموضوع ذكره خلال محاضرة ألقاها أول أمس في الناصرة).ولأن ذلك يبدو مستبعدا في الظرف الراهن ، فإن على حماس أن تبادر إلى قلب الطاولة وعرض إدارة لقطاع غزة بالتوافق بوصفها منطقة شبه محررة وقاعدة للمقاومة ، مع إعلان مقاومة حتى دحر الاحتلال دون قيد أو شرط في الضفة الغربية وكل الأرض الفلسطينية ، كما حصل في جنوب لبنان.

============================

قرير غولدستون لا يزال يؤثر على تصريحات قادة إسرائيل وخططهم للحرب المقبلة

حلمي موسى

السفير

24-11-2009

شددت إسرائيل حملتها على رئيس اللجنة الدولية لتقصي الحقائق حول حرب إسرائيل على قطاع غزة. وقد أعلن الرئيس الإسرائيلي, شمعون بيريز, أن هناك حاجة لتشكيل لجنة تحقيق ضد القاضي ريتشارد غولدستون. كما أن عدداً من الكتاب الإسرائيليين لم يدخروا وسعاً لتجريد غولدستون من يهوديته من أجل تسهيل اتهامه باللاسامية. وفي كل الأحوال فإن الدلائل على الأثر البالغ لتقرير غولدستون ملموسة ليس فقط في تصريحات القادة الإسرائيليين, الإنكارية, وإنما كذلك في اضطرارهم للتعامل بشكل ما مع توصيات هذا التقرير. والواقع أن الأمر لم يقتصر على التصريحات بل تعداه إلى الأفعال.

وهكذا سمعنا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المتصلب في ممانعته لتشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية مستقلة, وفق ما طالب تقرير غولدستون, يؤكد أن القضاء العسكري جبى إفادات من حوالى 60 فلسطينياً بشأن اتهامات وردت في التقرير. كما أن المدعي العسكري العام أفيحاي مندلبليت قرّر هو الآخر إعادة فتح التحقيق في عدد من القضايا التي أشار إليها التقرير.

ونشرت الصحف الإسرائيلية, على سبيل المثال, تقارير حول أوامر مندلبليت للشرطة العسكرية بالتحقيق في حادثة إطلاق قذيفة مدفعية على سيارة مدنية في دير البلح في وضح النهار مما أدى إلى مقتل وإصابة ركابها. وقد منع الجيش الإسرائيلي وصول الإسعاف أو النجدة للضحايا. غير أن هذه واحدة من عشرات أو مئات القصص حول القتل العمد الذي جرى قسم منها على مرأى من العالم وبالبث الحي.

ولا ريب في أن قسماً من التجاوب الإسرائيلي الشكلي أو المستتر مع توصيات واتهامات تقرير غولدستون يعود أساساً إلى حقيقة أن الاهتمام العالمي بهذا التقرير لم تتراجع. وقد انتقل التقرير من مجلس حقوق الإنسان إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة وثمة تقارير عن تسرّبه بأشكال مختلفة إلى مداولات مجلس الأمن الدولي. ولأن التقرير شكل اختباراً أمام الرأي العام الأوروبي لمقدار احترام حكوماته لسلطة القانون الدولي فإن الحرج كان كبيراً ولم تفلح القيادات السياسية في معارضة التقرير بل عمدت في الغالب لعدم اتخاذ موقف. أشد ما تخشاه إسرائيل هو أن يقود تقرير غولدستون إلى تشكيل حالة دولية تجبرها على أن تدفع مقابل كل فعل, صغر أم كبر, ضد غزة أو لبنان على قاعدة الضرر الناجم عن أفعالها العسكرية.

ومن بين التعابير ذات الأهمية تلك التي تبدت في موقف رئيس الأركان الجنرال غابي أشكنازي قبل أيام عندما أقر بأن جنود الجيش الإسرائيلي «ارتكبوا أخطاء» في حمى المعارك في غزة وهو لا يفخر بهذه الأخطاء، لكنه سيتعلم منها في المستقبل. وقال «لقد أضرينا بالناس, ولكن حماس لا تعمل صدفة في منطقة مأهولة, ونحن نضطر للدفاع حينما نرى خلية تنصب صاروخ غراد وتصوبه نحو بئر السبع. وهذا بالضبط ما فعلناه. نحن نواصل التحقيق, من دون صلة بالتقارير ونحن أيضاً نفحص شكاوى الفلسطينيين, وهو أمر لا يقوم بمثله أي جيش آخر في العالم».

والواقع أن محاولة أشكنازي التكيف مع تقرير غولدستون ولو من البوابة الخلفية, لا تتلاءم مع تصريحات الحاخام العسكري الأكبر العميد أفيحاي رونتسكي. فقد أشار حاخام الجيش إلى تقرير غولدستون قائلاً: «للمرة الأولى يتصرف الجيش في عملية الرصاص المسكوب كجيش صلب في زمن الحرب, وليس كما لو أنه في عملية أو عند اعتقال مطلوبين في يهودا والسامرة, وذلك خلافاً لعمليات أخرى جرت في قطاعات أخرى وفي غزة». وشدد رونتسكي في مراسم إدخال كتاب توراة إلى مدرسة دينية في مستوطنة كرني شومرون قرب نابلس على أنه, «ملعون من في الحرب يوفر حياة العدو». وأضاف: «في اثناء الحرب، من لا يقاتل بكل قلبه وبكل روحه عليه لعنة اذا ما منع حرابه عن الدم، فوفر حياة العدو في المكان الذي لا ينبغي له أن يوفر فيه حياة العدو».

غير أن ما لا يقل أهمية عن ذلك الأثر الذي أحدثه تقرير غولدستون على القرار السياسي في إسرائيل وكذلك على التخطيط العسكري. فمبدأ «صفر إصابات» قد يكون مقبولاً للقوى العظمى عموما وللولايات المتحدة على وجه الخصوص، ولكن إسرائيل قد لا تكون قادرة على دفع ثمنه. ومعلوم أن التدمير الشامل الذي انتهجته إسرائيل في قطاع غزة استند إلى مبدأ تجنيب الجنود أية مخاطر, مما يعني انتهاج سياسة الأرض المحروقة أمامهم. وهذا ما أنشأ جملة مفاهيم عسكرية لا تصلح في المناطق المأهولة إلا فوق أجساد المدنيين. ولهذا تطالب إسرائيل بتغيير قوانين الحرب، ولكن إلى حين تحقيق ذلك يتطلب الأمر مرور سنوات.

وفي كل الأحوال سبق لناحوم بارنيع في «يديعوت أحرنوت» أن كتب عن الدروس التي استخلصها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من تلك الحرب وتقرير غولدستون. وأشار إلى أن الدرس الأهم هو وجوب أن تكون العملية قصيرة زمنياً تنتهي قبل أن يصحو العالم من غفوته أو من هول الصدمة.

وفي كل الأحوال كاد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يخضع للضغط الدولي وأن يشكل لجنة تحقيق إسرائيلية إلا أن موقف الجيش حال دون ذلك. ويمكن القول إنه طالما أن الإسرائيلي عموماً يضع ثقته في الجيش وأحكامه فإن القاعدة الذهبية للمجتمع الصهيوني ستبقى «دع الجيش ينتصر». وانتصار الجيش بات مستحيلاً, في نظر الكثيرين, إلا إذا كان بوسعه إزالة الخطر عسكرياً من كل أرجاء المنطقة العربية باحتلالها.

===============================

نتنياهو يقاتل أوباما داخل «قلعة» الكونغرس

الشرق الاوسط

24-11-2009

راجح الخوري

هل هي معركة بين رجلين، الرئيس باراك أوباما وبنيامين نتنياهو، أم أنها أزمة بين دولتين أي أميركا وإسرائيل؟

بالتأكيد إنها معركة بين الرجلين. لكن من المؤكد أنها لن تؤدي إلى أزمة بين الدولتين، لأنه في استطاعة «حصان طروادة الصهيوني» داخل القلعة الأميركية، أن يصون دائماً سياسة الرعاية والاحتضان التي تطبقها واشنطن حيال إسرائيل.

إذن إنها معركة عضّ الأصابع بين أوباما ونتنياهو، وكانت قد بدأت مباشرة بعد خطاب الرئيس الأميركي في القاهرة، حيث دعا بلهجة حازمة إلى وقف حركة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية كمدخل ضروري لاستئناف المفاوضات وإنجاز التسوية على قاعدة مبدأ قيام الدولتين.

منذ ذلك الحين شنت إسرائيل وقوى الضغط الصهيونية في واشنطن حملة قاسية ضد أوباما حتى في داخل الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه، كما في الصحف ووسائل الإعلام. وفي المقابل حاول أوباما كسب تأييد بعض القوى الصهيونية إلى جانب خطته للتسوية، حيث برز التجمع اليهودي المعروف باسم «جي ـ ستريت» في مقابل «ايباك»، ولكن ذلك لم يؤدِ إلى أي نتيجة تذكر حتى الآن.

لقد فشلت كل محاولات البيت الأبيض على مدى تسعة أشهر لوقف الاستيطان. ثم وصل الأمر إلى حد التقهقر والكلام السلبي الذي أعلنته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في إسرائيل من أن «تقييد» الاستيطان يشكل موقفاً متقدماً وغير مسبوق، في حين أن المطلوب هو «وقف» الاستيطان كما تنص «خارطة الطريق».

نتيجة كل هذا، جاء إعلان الرئيس محمود عباس عزوفه عن الترشح للرئاسة مجدداً، ليشعل ناراً في العلاقات بين أوباما ونتنياهو، وهو ما ظهر جلياً في خلال زيارة هذا الأخير إلى واشنطن والمعاملة المهينة التي لقيها من البيت الأبيض.

عملياً تقول معلومات خاصة ودقيقة من واشنطن إن نتنياهو كان قد أوصل إلى أوباما عبر القوى الصهيونية في الإدارة الأميركية، أنه إذا استمر في الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، فإنه لن يتمكن من إقرار أي تشريع يقدمه إلى الكونغرس، وكذلك عليه منذ الآن أن لا يفكر بإمكان تجديد ولايته، وليأخذ العبرة من جورج بوش الأب، الذي عوقب بهذا الأمر لأنه ووزير خارجيته جيمس بيكر، رفضا منح إسرائيل 10 مليارات دولار على شكل ائتمان قروض لحركة الاستيعاب أو الاستيطان وكان وزيرها آنذاك ارييل شارون، لم تقبل بتفكيك مستوطناتها في سيناء.

ومع عجز أوباما عن إقناع نتنياهو بوقف الاستيطان تمهيداً لإعلان مبادرته للتسوية الشاملة في المنطقة، نشرت سلسلة من التقارير المسربة من مكتب نتنياهو تبث شعوراً بالانتصار وبأن هذا الأخير تمكن عملياً من لي ذراع الرئيس الأميركي.

عند هذا الحد طفح كيل أوباما، وخصوصاً قبل 10 أيام، عندما حاول نتنياهو أن ينصب كميناً للرئيس الأميركي ليجبره على اللقاء به على هامش مؤتمر «الاتحادات اليهودية في الولايات المتحدة». كانت خطة نتنياهو الأصلية تقضي بإلقاء خطابه أمام المؤتمر فيما خصص يوم الاثنين الذي يليه لباراك أوباما. وحين استلمت إدارة المؤتمر تأكيداً من الإدارة الأميركية بأن الرئيس سيحضر ويلقي خطاباً وتأكد مكتب نتنياهو من مواعيد الكلمات المقررة، وصل إلى إدارة المؤتمر بعد فترة وجيزة طلب من مكتب نتنياهو بتأجيل موعد خطابه ليتلاءم مع موعد خطاب أوباما.

وحين اتصلت إدارة المؤتمر بمسؤولي الإدارة الأميركية وأعلمتهم برغبة نتنياهو تنظيم اجتماع مع أوباما وراء الكواليس، أحست الإدارة بأن هناك محاولة إسرائيلية لتحديد جدول أعمال الرئيس أوباما. فكان أن ردت مؤكدة أنه إذا أراد نتنياهو الخطاب يوم الاثنين فإن أوباما سيصل يوم الثلاثاء، مما أجبر منظمي المؤتمر على إعادة صياغة الدعوات وإرسال مئات الرسائل الإلكترونية التي تضمنت المواعيد الجديدة.

ونشرت الصحف الأميركية تصريحاً لمسؤول رفيع المستوى على علاقة بإعداد خطاب أوباما جاء فيه: «منذ متى يحددون لرئيس الولايات المتحدة اجتماعا دون أن يعلم به، وإذا أراد رئيس الولايات المتحدة رؤية رئيس دولة ما يرسل له دعوة وليس رئيس الدولة من يدعو نفسه».

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «شعر مسؤولو البيت الأبيض بالدهشة والصدمة حين علموا بأن نتنياهو سيصل إلى واشنطن وأنه سيلتقي الرئيس أوباما، مؤكدين أن مثل هذا الاجتماع سيتم في نهاية الأمر، لكن في الوقت الذي يختاره أوباما».

في النهاية حصل ذلك اللقاء الذي تعمّد البيت الأبيض أن يجعل منه مناسبة لإغراق نتنياهو في الإحراج والتصبب عرقا لأنه عومل بكثير من مؤشرات الازدراء، وهذا يؤكد وجود قرار واضح اتخذه أوباما على ما يبدو للرد على غطرسة نتنياهو.

طبعا كل التفاصيل المتصلة بذلك اللقاء أصبحت معروفة، فقد اختير للقاء موعد متأخر ليلا، وهذا يتنافى مع السياق المعروف للقاءات الرئيس الأميركي. ولم يسمح للمصور الإسرائيلي بالتقاط صور، بينما رفض البيت الأبيض بث صور التقطها مصوره الخاص.

فكتبت صحيفة «هآرتس» تقول: «لقد أراد البيت الأبيض أن يرى نتنياهو يتصبب عرقا قبل الحصول على موعد مع أوباما. وتعمد أن يراه العالم بأسره وهو غارق في عرقه».

ولكن مستشار رئيس الحكومة السابق ارييل شارون، دوف فايسغلاس يقول: «هناك أمر واحد لا نقاش فيه، هو أن ثمة شيئا ما حصل في اللقاء المغلق في البيت الأبيض. إن لقاء طويلا وعلى انفراد لم يُسمح حتى لمصور مكتب الصحافة الرسمية بالدخول إليه، من شأنه أن يفيد إما بوجود أزمة عميقة جدا وطريق مسدود وأن الطرفين غير معنيين بتفاقمها نتيجة نشر معلومات عنها، وإما أن العكس هو الصحيح. بمعنى أن الطرفين توصلا إلى تفاهمات بعيدة المدى من شأنها أن تُحدث أزمة داخلية في إسرائيل، لذلك ليس ثمة مصلحة في نشرها». ولفت إلى أن «الزمن هو الذي سيكشف الحقيقة».

في أي حال تبدو المعركة مفتوحة على مداها بين أوباما ونتنياهو. والذين يعرفون الوقائع الموضوعية داخل «الاستابلشمنت» الأميركي يقولون إنه لو لم يكن أوباما قد تمكن من تمرير مشروع الرعاية الصحية في مجلس النواب، وهو ما يعطيه دعما شعبيا كبيرا في الولايات المتحدة، لما كان قد عامل نتنياهو بما يستحق من الازدراء.

لكن القوى الصهيونية تسارع الآن إلى محاولة قطع الطريق على هذا المشروع في مجلس الشيوخ. ولهذا كان لافتا جدا أن يذهب الرئيس السابق بيل كلينتون إلى مبنى مجلس الشيوخ لتناول الغداء مع الأعضاء الديموقراطيين بهدف إقناع المترددين منهم بضرورة تأييد مشروع أوباما. ومن النادر فعلا أن يتوجه رئيس سابق إلى الشيوخ مناشداً تأييد المشروع بعد مرور 15 عاماً على رد مشروع مشابه كان قد قدم في خلال ولايته

من يلوي ذراع من؟ سؤال سيبقى مطروحا في هذه المرحلة لكن هناك حاجة ضرورية إلى التوقف أمام أمرين:

أولا: حرص البيت الأبيض على التأكيد أن الخلاف ليس أزمة بين الدولتين. ولهذا قرأ الناس أنباء الاجتماع المحرج إلى جانب تصريح أدلى به كبير موظفي البيت الأبيض اليهودي المتحمس رام عمانوئيل الذي قال: «في الشرق الأوسط نحن ندعم حليفتنا، إسرائيل، وكما قال أوباما في مصر فإن العلاقة بين أميركا وإسرائيل أبدية. وهي ترتكز إلى مبادئ محددة وغدت أقوى. وأن طريق الحوار فقط يمكن أن يوصل للسلام الذي نريد وهذا وقت حرج. نحن نريد تحقيق دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بأمن وسلام. وإسرائيل لن تسير وحدها، ولذلك فإن الولايات المتحدة ضالعة وتقف إلى جانب إسرائيل كصديق حقيقي في كل خطوة تأخذ فيها مخاطر. وعلى الفلسطينيين أن يفهموا حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية ويوقفون العنف».

ثانيا: أن إعلان الرئيس الفلسطيني عزوفه عن الترشح لولاية جديدة أشعل فعلا النار في سيكولوجيا التعامل بين واشنطن وتل أبيب، على خلفية المخاوف المتزايدة بأن إغلاق الأبواب في وجه مشاريع التسوية المعطلة بسبب سياسات إسرائيل، سيفتح نوافذ المنطقة العربية كلها أمام تيارات التصلب والعودة إلى مناخ ما قبل «اتفاق أوسلو» أي الكفاح المسلح والنضال. وهو ما تؤكده الدعوات الفلسطينية إلى العودة إلى مبدأ الدولة الواحدة بدلا من الدولتين، بما يعني غرق الشرق الأوسط في الحروب قرناً جديداً وهو ما يلهب العالم كله.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ