ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 10/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عام على أوباما: تساؤلات وخيبات؟

الإثنين, 09 نوفمبر 2009

عرفان نظام الدين *

الحياة

«الدنيا حظوظ» مقولة تنطبق على الرئيس الأميركي بارك أوباما حتى إشعار آخر. فمن فوزه في انتخابات الرئاسة قبل عام واحد بالتمام والكمال، إلى نيله جائزة نوبل للسلام على النوايا قبل أن يحقق خطوة واحدة تبرر اتخاذ مثل هذا القرار، إلى تخطيه عقبات داخلية كثيرة رغم تعدد الهفوات وتكرار الأخطاء ونثر الوعود البراقة غير القابلة للتطبيق في كل الواقع الأميركي الداخلي والخارجي .

وعامل الحظ قد يكون صورياً فقط استكمالاً للصورة الكاريكاتورية لممارسات رئيس غير تقليدي خلال تسعة اشهر قضاها في البيت الأبيض بإنجازات قليلة وخيبات متعددة. فكم من رئيس قبله، مثل ريتشارد نيكسون سقط نتيجة هفوة قد لا يكون مسؤولاً عنها، وكم من رئيس سقط في الانتخاب الجماهيري رغم تحقيقه إنجازات كبرى مثل تحرير الكويت (الرئيس جورج بوش الأب) وجمع العرب والإسرائيليين تحت سقف واحد في مؤتمر مدريد للسلام عام 1990، إلا أن أوباما تمكن بأعجوبة من اجتياز كل المسافات والامتحانات داخل حزبه وفي الاستحقاق الرئاسي الأكبر، وأزاح شخصيات أميركية نافذة ليتربع على عرش البيت الأبيض بلا غطاء ولا دعم لوبيات ولا تاريخ عسكري أو سياسي يذكر.

وما زالت التساؤلات مستمرة على مدى العام ولا ينقطع صداها.

كيف تمكن رجل أسود من أصل أفريقي ومن أب مسلم، من كسر المحرمات وتجاوز الممنوعات وتحطيم التقاليد؟ وكيف تمكن من الوصول إلى عرين البيت الأبيض بيسر وسهولة كأن يداً سحرية فتحت له الأبواب وأعمت الأبصار وردت الأحقاد إلى صدور أصحابها وتخطت الصعوبات، فيما الولايات المتحدة تئن من آلام تركة ثقيلة خلفها لها الرئيس السابق جورج بوش عسكرياً ومالياً وسياسياً ومعنوياً، وفيما الشعب الأميركي يرزح تحت أعباء البطالة والفقر والضياع.

رغم الحملات التي بدأ يتعرض لها الرئيس، ورغم السهام التي توجه إلى صدره بين الآونة والأخرى، لا أحد يجرؤ على طرح ردود مقنعة على هذه الأسئلة... كما أنه ما من أحد يريد استباق الأمور والتشكيك في قدراته والجزم بنجاحه أو فشله.

قد يقال إن بضعة اشهر من عمر الرئاسة غير كافية للحكم على الحاكم مهما كانت شخصيته ومهما تميزت قدراته وإمكاناته، لكن علم السياسة يقول أن أول امتحان لأي مسؤول وحاكم يبدأ بعد مئة يوم على توليه مهماته وإن أهم امتحان يبدأ بعد عام ومن بعده يجوز الحساب والحكم على الأعمال ومقارنتها بالوعود والأقوال تماماً كما في العمل العسكري حيث يقيم الخبراء نتائج الأسبوع الأول ليحددوا فيها إمكانات الربح والخسارة ومجريات المعارك واحتمالات الموقف.

ولو قيمنا بموضوعية أعمال الرئيس أوباما حتى الآن ومقارنتها بوعوده وأعماله لرصدنا إنجازات كثيرة قياساً على أقواله وخيبات متعددة نتيجة للشكوى من بطئه أو تباطئه، ومن عدم تحليه بالجرأة اللازمة لحسم الأمور واتخاذ القرارات بسرعة وليس بتسرع، إضافة إلى تردده في مجابهة المصاعب ووضع النقاط على الحروف عند الحاجة.

وأكبر مثال على ذلك موقف أوباما من قضية الشرق الأوسط، والصراع العربي -الإسرائيلي بشكل عام، فقد استبشر الجميع خيراً بقدومه ووعوده ومواقفه وتوقعوا منه حسماً في حمل الأطراف، ولاسيما المتمردة إسرائيل، على القبول بإرادة السلام والتجاوب مع طروحاته الداعية الى الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، واحترام قرارات الشرعية الدولية بشأن الانسحاب إلى حدود عام 1967 ووقف الاستيطان الاستعماري في الأراضي المحتلة وصولاً إلى الاعتراف بالمبادرة العربية كأساس من أسس البحث عن السلام.

ولكن ماذا جرى بعد عام على تكرار طرح هذه الأطر العامة؟ لا تقدم في أي مسار وتعنت إسرائيلي فاضح وتحديات صهيونية وقحة للولايات المتحدة، ورفض شامل من قبل اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة بنيامين نتانياهو لأي طرح أو لأي مدخل للسلام حتى ولو بدأ بتجميد الاستيطان.

وبدلاً من أن يلجأ أوباما الى الضغط على إسرائيل وفضح نواياها والكشف عن المعرقل والمتعنت، وجه ضغوطه إلى الفلسطينيين للقبول باستئناف المفاوضات، وإلى القيادات العربية لحملها على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل كبادرة سموها زوراً «حسن النيات «، لعلها تقبل وتتنازل وترضى بتقديم فتات السلام وجاء موقف وزيرة الخارجية الأميركية الأخير ليعبر عن الجبن والانحياز والتراجع عن كل ما قيل ليزيد من خيبات الأمل.

وهكذا يبدو العام الماضي خالياً من الدسم بالنسبة الى قضية العرب المركزية يخرج منه أوباما خالي الوفاض بلا إنجازات تذكر، بل خيبات أمل عربية شاملة. إلا أن شعلة الأمل لم تنطفئ بعد لأن الرئيس أوباما ما زال محافظاً على وعوده ومن بينها سعيه الدؤوب لترويض الوحش الإسرائيلي وممارسة ضغوط لحمله على التخفيف من غلوائه.

فالانتظار لم يتحول إلى ملل ويأس بعد بخاصة أن خطوات مهمة اتخذت لردم الهوة بين العرب والولايات المتحدة، وتحسين الصورة التي شوهها عهد بوش ومد يد الحوار الجريء والبناء مع العرب والمسلمين في سلسلة خطوات ومواقف كان أبرزها خطاب القاهرة الموجه الى العرب والمسلمين الذي استقبل من قبلهم بإيجابية وارتياح.

كما حقق أوباما خلال عامه الأول إنجازات عدة من بينها فتح باب الحوار مع الدول العربية ومن بينها دول كانت على قطيعة مع الولايات المتحدة مثل سورية والسودان، ومع دول إسلامية أخرى مثل إيران رغم الإخفاق في تحقيق أي إنجاز أو تقدم في شأن معالجة ملفها النووي مما ينذر بمواجهات وأحداث جسام قد تضع المنطقة على حافة الخطر الداهم.

وفي العراق تساوت الإنجازات والخيبات، فقد حقق أوباما جزءاً من وعوده بسحب القوات الأميركية من المدن وإعداد العدة لإتمام الانسحاب العسكري في عام 2011 على أبعد تقدير، إلا أنه لم يحدد بعد سبل الخروج ومدى المساهمة في إنقاذ هذا البلد العربي المنكوب من مصير محتوم ومنع التقسيم والتفتيت والفتن والحروب الأهلية لنصل إلى سؤال مطروح بإلحاح وهو أي عراق ستنسحب منه القوات الأميركية؟ مع مقولة تتردد باللهجة العراقية وتعبر عن اليأس من الوضع المأسوي الراهن وهي: «ماكو عراق بعد اليوم».

أما في أفغانستان فالوضع مماثل. المأزق يتسع وأوباما متردد في مواجهته ومشتت بين من يدعو من مستشاريه لإرسال مزيد من القوات لمعالجة التصعيد العسكري ومواجهة النزف البشري والمادي في بلاد لا أمل بتعافيها، وفريق آخر يطالبه بالمسارعة في اتخاذ قرار بالخروج المشرف من هذا المستنقع الدامي لحصر الخسائر وتجنب الثمن الباهظ الذي قد يُدفع في المستقبل.

ويدور الآن جدل واسع في أواسط النخبة الأميركية حول هذا الواقع المرير. ففي رأي هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق أن إستراتيجية الخروج المثلى من أفغانستان هي الانتصار ورفض الانسحاب من دون رعاية النتائج المترتبة عليه. أما بول وولفوفيتز نائب وزير الدفاع الأميركي السابق وهو من منظري المحافظين الجدد فيتهم سياسة أوباما بأنها غير واقعية. وتزامناً مع هذا الجدل بدأت أبواق صهيونية معروفة ومدعومة من إسرائيل ومنظمة «ايباك» واللوبي الصهيوني وبقايا المحافظين الجدد من إدارة بوش المندحرة حملة مركزة على أوباما في كل الاتجاهات بل قيل أن شبكة «فوكس» المحافظة أعلنت الحرب عليه مما دعا البيت الأبيض إلى الرد عليها.

أما على صعيد العلاقات الدولية فقد تميزت خطوات أوباما بالتردد من دون تحقيق أي هدف لتعزيز صورة الولايات المتحدة وهيبتها. فقد قدم هدية مجانية لروسيا بإلغاء مشروع الدرع الصاروخية في بولندا وتشيكيا من دون أن تبادله بثمن ما ولو في حدوده الدنيا ولاسيما في شأن الملف النووي الإيراني. كما أنه لم ينجح في بناء سد متماسك بين الولايات المتحدة وأوروبا وصولاً إلى الصين واليابان.

ومع هذا فإنه من الظلم الحكم بالفشل منذ «النظرة الأولى» لأن التركة كانت ثقيلة جداً والمصاعب والعقبات والأزمات تواجه اوباما من كل حدب وصوب، والأمل ما زال قائماً بالبدء بخطوات ثابتة وجدية وباتخاذ قرارات صائبة وحاسمة تعيد الثقة إلى النفوس.

فقد أسهمت الصعوبات التي تعرض لها أوباما في عامه الأول على الصعيد الداخلي في شل حركته الخارجية لاسيما بعد المعركة التي خاضها لإقرار مشروعه لإصلاح النظام الصحي إضافة الى عدم تمكنه حتى الآن من الانطلاق في مسيرة إصلاح النظام الاقتصادي وتجاوز الأزمة المالية الحادة التي خلفها له عهد بوش. فكل الإجراءات التي اتخذها لم تفلح في إعادة بناء الثقة مما يحمله مسؤولية مضاعفة جهوده لتحقيق إنجازات في عامه الثاني الحاسم بعد أن عمت الخيبات، ومن بعدها يصبح المصير غامضاً بخاصة على صعيد تحركه المستقبلي لتجديد ولايته لفترة رئاسية ثانية وتعزيز نفوذه المهزوز داخل حزبه الديموقراطي وفي صفوف أعضاء الكونغرس بمجلسيه.

وبانتظار جلاء الموقف وتحديد مسيرة الرئيس أوباما و»خريطة طريقه» في عامه الثاني نخشى أن ينتهي الأمر بأن ينطبق عليه القول الساخر: «أسمع كلامه يعجبني وأنظر إلى أعماله فأستعجب». ومع هذا ما زلنا ننظر إلى بصيص أمل من رئيس مختلف لأن صبر العرب نفد وهم لم يعودوا يقبضون المزيد من الكلام والوعود بل يريدون عملاً جدياً ومبادرة حقيقية وحسماً للأمور نأمل بأن لا يتأخر، لأن البديل كارثي على الجميع، وعلى أوباما الحائز جائزة نوبل للسلام!.

* كاتب عربي

_____________________

الشرق الأوسط... صراعات اللاعبين ومصالحهم القديمة والحديثة من عودة تركيا وتمدد إيران إلى التقارب «الثقافي» العربي

الإثنين, 09 نوفمبر 2009

غسّان سلامة *

الحياة

هل ثمة فعلاً ما يُدعى «الشرق الأوسط»؟ أحاول شخصياً تفادي استخدام دلالة جغرافيّة فارغة كهذه تعود إلى مطلع القرن العشرين، حين كانت السفن تبحر من مرفأ لندن متّجهةً شرقاً وتحتاج إلى التوقّف لتعبئة الوقود في الشرق الأدنى (أي مالطا وقبرص)، وفي الشرق الأوسط (أي السويس وعدن) ومن ثمّ الشرق الأقصى (أي بومباي وما بعدها). لكن مرفأ لندن لم يعد محور العالم، ولم تعد الأساطيل مضطرّة للتوقّف عند محطّات الفحم الحجري لتتمكّن من عبور المحيطات، وما زالت عبارة «الشرق الأوسط» تدلّ على منطقة ما من تعريف لها متّفق عليه وما من حدود واضحة لها، والأسوأ من ذلك أنّها فارغة من أي محتوى ثقافي أو سياسي، فقد ورثنا العبارة بغياب عبارة غيرها.

وما من أمر يمكنه الوشي بفراغ هذه العبارة خَير من التعدّد العشوائيّ للتعريفات المعطاة لهذه المنطقة. فالشرق الأوسط بنظر الخطوط الجوية الفرنسية «إر فرانس» ليس الشرق الأوسط نفسه بنظر الخطوط الجوية البريطانية «بريتيش إرويز»؛ تحديد الشرق الأوسط في وزارة الخارجيّة الأميركيّة ليس نفس الشرق الأوسط المعروف في أروقة البنتاغون، والتحديد الذي تعطيه وزارة الخارجيّة البريطانيّة للمنطقة لا يتناغم مع التحديد الذي تستخدمه وزارة الخارجيّة الفرنسيّة أو الصينيّة. والبعض يعرفّ الشرق الأوسط بكل بساطة على أنّه «اسرائيل وجوارها»، فيما يضمّ آخرون بلدان آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط آخذين بالاعتبار انهيار الاتّحاد السوفياتي. وجرى نقاش لا ينتهي حول إذا ما كان السودان وشمال أفريقيا، وطبعاً إيران وتركيا، تشكّل جزءاً منه. وفي إحدى المرّات سألتُ مسؤولاً أميركيّاً أين يقع الشرق الأوسط فأجابني إجابة مذهلة وإن مقفّاة قائلاً: «من مراكش إلى بنغلادش.» وهي عبارة مجمّلة إنّما صعبة التنفيذ.

هذه الفوضى غير الاعتياديّة حول تعريف منطقة ما ليست عرضيّة، ولم تعانِ منها منطقة أخرى، أقلّه ليس بالحدّة عينها، لا أميركا اللاتينيّة ولا أفريقيا جنوب الصحراء ولا شبه الصحراء الهنديّة ولا أوروبا. ثمة حرب مفتوحة بشأن كيفيّة تحديد الشرق الأوسط، وهي تضمّ اختلافات عميقة حول معايير هذا التحديد. وبطبيعة الحال، يحاول كلّ من اللاعبين إعطاء تحديد يناسب مصالحه بالطريقة الأفضل، لذا يُطرَح الكثير من نسخ للشرق الأوسط متراكمة ومتداخلة ومتنافسة وتنتظر موافقتكم، لذا دعوني أعطيكم بعض الأمثلة لتجسيد هذا الواقع.

قام وزير الخارجيّة الأميركي جيمس بايكر بتقديم أحد الطروحات في افتتاح مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 قائلاً: «منذ أربعة عقود والعالم ينتظر هذا الأسبوع.» وفي ذلك الوقت كانت الولايات المتّحدة، تقتنص فرصة هزيمة العراق في الكويت، لتحاول هندسة منطقة «مينا» أي «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» (وفق الاختصار الانكليزي لاسم المنطقة Mena)، وإعدادها للسلام. وهذا المبدأ الذي اقترحه بكلّ تواضع وواقعيّة وزير الخارجيّة بايكر، الذي لا يعرف الكلل، أصبح بدعة متكاملة في كتاب شيمون بيريز، الصادر عام 1993، حول «الشرق الأوسط الجديد»، وهو حلم تقبل فيه دول الشرق الأوسط كلّها هيمنة إسرائيل العسكريّة على المنطقة وتفتح آبارها النفطيّة أمام مستثمريها وتضغط على الفلسطينيين ليقبلوا بإنشاء بانتوستان (أي معزل) صغيرٍ منزوعِ السلاحِ يطلقون عليه اسم «دولة فلسطين». وكان من المفترض استبدال الإنسان العاقل الشرق أوسطيّ الذي نعرفه ب «الإنسان الاقتصادي» الشرق أوسطيّ المحبّ السلام، واستبدال الحرب العاديّة بحرب الأعمال، ويجب على التكامل الإقليمي أن يضع حدّاً للصراعات التي تفكّك المنطقة، وعلى الوضع الطبيعيّ أن يتفوّق على الاستثناء.

الشراكة الأوروبية

في الوقت نفسه، قامت أوروبا، كي لا تتفوّق الولايات المتّحدة عليها، بإطلاق الشراكة الأورومتوسّطية الخاصّة بها. ويعتبر الأوروبيّون أنّ البحر المتوسّط الحيادي من الناحية السياسيّة يشكّل إطاراً إقليميّاً أكثر أماناً من الشرق الأوسط الدائم الاضطراب. وخطّطت أوروبا لتمسك بمقاليد القيادة بدلاً من الطرف الأميركيّ. لكنّ الهدف هو هو: دعم اسرائيل وطرد إيران وتهميش تركيا، والنتيجة هي الحصول على بحر متوسّط مزدهر وهادئ. وهذه من أهمّ أولويّات الأوروبيين من أجل خفض عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون البحر المتوسّط من الجنوب إلى الشمال. وهذا جوهر ما يُعرَف بعمليّة برشلونة التي أعيد إحياؤها أخيراً إنّما بطريقة غير مقنعة على شكل اتّحاد من أجل المتوسّط.

وكانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المستوحاة من الولايات المتّحدة والشراكة الأورومتوسّطيّة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعمليّة السلام التي توقّفت فجأة بعد اغتيال رابين عام 1995. وهذان الإطاران (الأوروبي والأميركي) مستوحيان من فكرة بسيطة مفادها أنّ السلام يعود على الأعمال بالمنفعة، والأعمال خصوصاً تعود على السلام بالمنفعة أيضاً. وأظهرت هذه الفكرة التي تشجّع السلام من دون أدنى شكّ فعاليّتها في أجزاء أخرى من العالم، لكنها أثبتت أيضاً أنّها بسيطة جدّاً في منطقة حذّرنا الجنرال ديغول منذ 70 عاماً أنّه من الخطر العودة فيها إلى «شرق معقّد بأفكار بسيطة». لذا، لطالما اصطدمت هذه الأنواع من جهود التعاون بالنتائج الهزيلة التي أسفر عنها الماضي، ولربما ستصطدم دوماً باحتمالات النجاح الهزيلة أيضاً في المستقبل.

وفي حين أصبحت هذه النتيجة المخيّبة للآمال واضحة للجميع، حثّت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) حثاً مفاجئاً وعنيفاً على إعادة بلورة المنطقة التي ولَّدت المعتدين. ابتدع جورج بوش الابن فكرةً جديدةً عُرفت بالشرق الأوسط الكبير، حيث يجب سحق معظم الدول الإسلامية (وبعض الدول الأخرى)، سعياً منه إلى تحديد إطار جغرافيّ لحربه العالميّة على الإرهاب، وقد سمحت الفكرة له أن يضع في سلة واحدة كل من أفغانستان وباكستان والعراق واليمن وليبيا والسودان لتكون أهدافاً محتملة. وتوجّب بالمحصّلة استخدام القوّة العسكريّة استخداماً منهجياً لإحلال الديموقراطيّة استناداً إلى فكرة تقول انه لا يمكن إعادة بلورة شرق أوسط حيث يحل السلام إلا من خلال تغيير قسريّ لأنظمة الحكم والإطاحة بالمستبدّين والطغاة. وفي ذلك الوقت، أعلنت الاستراتيجيّة الوطنيّة الأميركيّة الرسميّة لعام 2002 بوضوح أنّ التجارة الحرّة ليست هدفاً اقتصاديّاً فحسب بل أخلاقيّاً أيضاً. في ذلك الوقت، كان البنتاغون يستعد للحرب على العراق ومتورّطاً في القتال ضد طالبان في أفغانستان. وفي ذلك الوقت، استخدم جورج بوش الابن كلمة «حريّة» حوالى 50 مرّة في الخطاب الافتتاحي بعد إعادة انتخابه للمرّة الثانية. وفي ذلك الوقت، أصبحت رؤية ناتان شارانسكي للشرق الأوسط الغريبة الرؤية الرسميّة نفسها لرئيس الولايات المتّحدة الأميركيّة. وفي ذلك الوقت أيضاً، صار كلّ عربي و/ أو مسلم مشتبهاً به. وكتب دايفد أيكمان «إنّ المساهمة الأكثر إثارة للدهشة للثقافة العربيّة الحديثة في الحضارة العالميّة الجديدة هي جهاز التفتيش في المطارات»، ويشدّد بيرس جونز على قوله «إنّ فكرة الديموقراطية العربية لا تعبّر عن مثالية بل عن تناقض»، ووحده استخدام العنف المنهجي كان ليضع حدّاً لهذه الانحرافات. وفي ذلك الوقت، كان من المفترض أن تولّد الحرب سلاماً في الشرق الأوسط. ووضع الرئيس أوباما بوضوح حدّاً لهذا الخطأ المضلل، فدفن الحرب العالميّة على الإرهاب كفكرة وإلى حدّ ما كاستراتيجيّة. وتوجّه إلى أنقرة ثمّ إلى القاهرة للتعبير عن «احترامه الإسلام» وعرض الحوار على إيران، وهي المحطّة التالية المعلنة للحملة العنيفة من أجل الديموقراطيّة. كان التوقّف هذا في المحاولات الخارجيّة لإعادة تحديد الشرق الأوسط بمثابة اعتراف مبطّن بأنّ أيّ من الأحلام الورديّة التي سادت في التسعينات، والتحرّك العسكري في العقد الحالي لم يولّد الشرق الأوسط الهادئ والمزدهر الذي أرادته القوى الخارجيّة. وأدى بنا هذا الفشل إلى تحويل اهتمامنا إلى الطريقة التي حاولت من خلالها القوى المحلية في الشرق الأوسط إعادة تحديد المنطقة بنفسها، فعلى رغم كونها بعيدة أشدّ البعد عن تحقيق مساعيها، إلا أنها اكتسبت أخيراً المزيد من الدفع والتأثير.

إعادة «اختراع» الشرق الأوسط

أيّ نوع من الشرق الأوسط يحاول «الشرق أوسطيّون» اختراعه؟ أقلّ ما يمكن قوله هو أنّه مختلف بين اللاعبين الإقليميين أنفسهم. فلنأخذ إسرائيل مثالاً لنكتشف فوراً أنّها عبارة عن عقلية الاحتماء في حصن لأنّها تختبئ وراء جدار بغيض من المفترض أنّه يحميها من جيرانها في حين تتّكل هي على هيمنتها العسكريّة التي لا جدال حولها لردعهم عن الاقتراب منها. لكنّ الحصن لم يعد مكاناً آمناً في عصر تنتشر فيه الصواريخ بسرعة في سوريا وجنوب لبنان وغزّة، أو حتّى في مكان بعيد هو إيران، البلد البالستيّ المحموم. يفيد الردع الدائم في التصدّي للدول المعادية، لكنّه يكون بالكاد فعّالاً في وجه المجموعات التي تتقن تكتيكات الحرب غير المتكافئة القوة، كما شهدنا في حرب عام 2006 مع حزب الله وفي بداية هذا العام في حرب غزّة. وإذا أضفنا إلى ذلك عاملين مقلقين هما التغيّر الديمغرافي الحاصل في فلسطين لمصلحة الفلسطينيين، وإيران التي تسلك طريقها لتصبح قوّة نوويّة، نفهم بكلّ سهولة (والبعض سيتعاطف مع هذه الحالة الجديدة) الصراع الوجودي في إسرائيل التي غضّت النظر عن الأحلام الورديّة بأن تصبح البلد الرائد في الشرق الأوسط وصارت تشكك بفعاليّة الحماية الأميركيّة بعد الوحول المتحرّكة التي يتخبط فيها الأميركيّون في العراق. والشرق الأوسط الحالي هو منطقة يعاني الإسرائيليون من كونهم جزءاً منها، وهم يعرفون أنّ ما من مهرب منها وأنّهم خسروا فرصة إعادة تحديدها كما يشاؤون، وهنا نرى اللاعب العالق في الشرق الأوسط بدلاً من أن يشكّل جزءاً منه.

وفي حين أنّ الشرق الأوسط، وفق التصور الإسرائيلي قصّة من الماضي، فإن الشرق الأوسط بتصوّر الإيرانيين قصّة تتطوّر الآن. ففي العقد الماضي، ويعود الفضل جزئيّاً إلى أخطاء الأميركيين، تمكّنت إيران من زيادة تأثيرها زيادة كبيرة وبذكاء عالٍ في محيطها الإقليمي، مرسّخةً تحالفها مع سوريا الذي يبلغ من العمر 30 عاماً، وموسّعةً دعمها القويّ للاعبين غير الحكوميّين مثل «حزب الله» أو «حماس»، وبانيةً نفوذ بناءً تدريجياً على المجموعات العراقيّة. وفي ظلّ وجود كلّ هذه العوامل، أصبح تهميش إيران في الشرق الأوسط مجرّد مزحة وليس سياسة جدّية. فمن يجرؤ على التساؤل عمّا إذا كانت إيران جزءاً من الشرق الأوسط أو إنكار دورها الواسع في إعادة هيكلته؟ ومن يظنّ أنّ سلاماً دائماً في العراق أو أفغانستان ممكن من دون المساهمة الإيرانيّة؟ تريد طهران أن يكون لها دور في الحركات الإسلاميّة المتطرّفة في المنطقة مقارنةً بدور موسكو في الأحزاب الشيوعيّة في ذروة الثورة البلشفيّة. ويُعتَبَر اجتياز عتبة التسلّح النووي طريقة لتمتين هذا الدور وجعل العالم يعترف به.

لكن الخطر الواضح يكمن في أن تُفَرِّط إيران في تأدية دورها، وأن تؤخذ بأخطر أنواع المشاعر كما في التراجيدية الإغريقيّة «هوبريس» حيث يصبح المرء بطلاً ومن ثم ينسى حدود طاقاته وينتهي ضحيّة طموحاته الشخصيّة. من هنا، لا يمكن للقادة الإيرانيين أن يتّكلوا اتكالاً كاملاً على خضوع المجتمع المدنيّ المتميّز بحيويّته، ولا يمكنهم تجاهل الشرخ الطائفيّ الذي ولّده ظهورهم في العالم الإسلامي متسبّبين بجعل شريحة كبيرة من الرأي العام السنّي تُدين نزعة السيطرة الواضحة لديهم، وهو كلام يمكن لأيّ زائر في الرياض أو عمّان أو القاهرة أن يسمعه من أي شخص يلتقيه. لذلك يمكن أن تشكّل المفاوضات المفتوحة مع الغرب الآن فرصة لإيران إمّا لتمتّن الأرباح الهائلة التي سجّلتها في العقد السابق أو، على العكس، لتضيّع هذه الأرباح في سعيها المتعطّش الى مزيد من النفوذ.

وعلى إيران أن تفهم أنّ بروزها قوة إقليمية في المنطقة يعزى بشكل كبير إلى سياسة تركيا المنغلقة وتعلق أنقرة بالغرب بفضل انضمامها إلى حلف «الناتو» منذ عام 1952 وسعيها للانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي الذي كان محور سياستها منذ منتصف الستّينات. لكن كلّ هذه التغيّرات تحدث الآن وبوتيرة سريعة جدّاً، ففي السنوات الستّ أو السبع الأخيرة، وفي ظلّ قيادة حزب العدالة والتنمية، حرّرت تركيا سياستها من سيطرة القوّات المسلّحة الثقيلة، وبدأت تتعامل تعاملاً أكثر انفتاحاً مع مشكلة الأكراد، وتصالحت مع هويّتها التقليديّة التاريخيّة الثقافيّة، وهي الآن تعتمد ما يُدعى «العثمانيّة الجديدة» سياسةً إقليميّةً لها تسعى من خلالها إلى توسيع نفوذها في كلّ أجزاء المنطقة التي كانت يوماً مقاطعات من الدولة العثمانيّة من السنجق في صربيا غرباً إلى العراق وربّما الى ما بعد البصرة جنوباً عدا ذكر البلدان التي تنتهي أسماؤها ب «ستان» (مثال باكستان) شرقاً. لذا فالمصالحة مع أرمينيا جارية والأهمّ هو التقرّب الفاعل المتعدّد الأوجه مع روسيا التي تؤمّن لتركيا ثلثي حاجاتها من الغاز والذي صار واضحاً في خلال وبعد الحرب التي جرت في جورجيا في العام الماضي.

عودة غير مريحة

لكن ليست الأطراف كلّها مرتاحة لإعادة تركيا فرض نفسها قوة شرق متوسّطيّة إقليميّة لم تعد تشعر بأنّ التراث الإمبريالي يعيق طريقها. وإسرائيل قلقة أيضاً بشأن مستقبل الاتّفاقيّة الأمنيّة التي وقّعتها مع أنقرة عام 1996 وعموماً بشأن علاقتها الوثيقة السابقة مع القادة الأتراك. ويبدو أن خطّ تركيا الجديد أثار إعجاب الولايات المتّحدة أكثر من إثارة شعور التحدّي لديها - أرى أنّ الإدارة الأميركيّة الحاليّة لن تدين هذا الخطّ طالما ظلت تركيا عضواً مخلصاً في حلف شمال الأطلسي. أمّا الدول العربيّة، فكما هو متوقّع، منقسمة حول الطريقة الأفضل لتقييم هذه المسألة، واللاعب الوحيد الذي لا يملك الحقّ بالتذمّر من إعادة اندماج تركيا بشؤون الشرق الأوسط هو أوروبا. فمن خلال إغلاق أبواب الانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي في وجهها، قام عدد من القادة الأوروبيين بمساعدتها من غير قصد في العثور على نفسها. وبطبيعة الحال يساعد قصر نظر البعض على بعد نظر الآخرين.

كفانا حديثاً عن إسرائيل وإيران وتركيا، ماذا عن العرب؟ الإجابة الأسهل تكمن في تصويرهم شهوداً خاضعين وربما ضحايا فعليين لإعادة هيكلة المنطقة لنفسها. وتبدو النداءات لتوحّد العرب فارغة فراغاً رهيباً والكلام عن وحدتهم بات من التاريخ. والحقيقة هي أنّ الحكومات العربيّة تكيّف تكيفاً أنانياً مع هذا التغيير الجديد في السياسة الإقليميّة. فالبعض في انعزال تامّ مثل المغرب وتونس، والبعض الآخر يحلم مثل ليبيا، وبدرجة أقلّ السودان، بالهرب إلى أفريقيا ليريح نفسه من الصداع الذي تسبّبه المنطقة، وبلدان أخرى في شبه الجزيرة العربيّة أو على ضفاف نهر النيل مهووسة بسلسلة صراعاتها بحيث لا يكاد يكفيها الوقت لوضع استراتيجيّة إقليميّة متينة. أمّا العراق واليمن فهما غارقان في مشاكل داخليّة خطيرة ستبقيهما مشغولين في السنين القليلة المقبلة. وللسخرية الكبيرة، أنّ سوريا التي عيّنت نفسها «قلب العروبة النابض» في القرن الماضي، تقود اليوم حملة إعادة تحديد شرق أوسط جديد يكون فيه لإيران وتركيا دور بارز. يمكن أن تجدوا الأمر استراتيجيّة بعيدة الأمد أو انتهازيّة نموذجيّة للدول، وبرأيي هذه الخطوة مزيج من العاملين. أما لبنان فهو طبعاً المثال الأهمّ لمزيج من انفجارات لا ينتهي جرّاء روح المبادرة في القرن الواحد والعشرين والسياسات الطائفيّة في القرن التاسع عشر.

والواقع هو أنّ السياسات العربيّة الحاليّة تُظْهِر أنّ الدول العربيّة غارقة في مزيج من ثلاثة عناصر: ارتباط حادّ طفوليّ إلى حدّ ما بسيادة الدولة، وطريقة جديدة لنقل السلطة والموارد بالوراثة من خلال الحكم الملكي والعائلات الجمهورية، والتنافس الكبير بين السلالات الحاكمة والحكومات. والعوامل الثلاثة هذه، هي عوارض ضعف الدولة وتؤدّي إلى الاهتمام بالشؤون الداخليّة اهتماماً دائماً وإهمال السياسة الإقليميّة جزئيّاً أو كليّاً. وبالتالي، ليس من الصدفة أن تعكس جامعة الدول العربيّة بوضوح هذا العجز الذي تفرضه على نفسها عوض أن تكون علاجاً فعّالاً له.

لكن لا يجب شمل المجتمعات بوصف واحد، وحتى المجتمعات العربيّة. فإذا نظرنا بتمعّن نجد أن تحت كلّ هذا الانقسام العربي يختبئ قدر كبير من الاندماج الثقافي. فالكتب الأكثر مبيعاً في بيروت ألّفها كتّاب مغربيّون والمغنّون اللبنانيّون معروفون في القاهرة والجزائر. والعرب يشاهدون الشبكات التلفزيونيّة الفضائية ال500 نفسها ومعظمهم يحبذ رجال الدين أنفسهم. من ناحية أخرى، القاعدة هي ظاهرة إقليميّة على غرار غالبية التكتيكات المناهضة لها. وأبداً لم تقسم السياسة العرب بقدر ما تقسمهم اليوم لكنّ الثقافة العربيّة، التي تحرّكها وتعمّمها الوسائل الإعلاميّة الجديدة، لم تجمعهم من قبل بشكل عميق كما هي الحال اليوم. ويمكننا أن نقول إنّ السوق السياسيّة العربيّة منقسمة تماماً، والسوق الاقتصاديّة مندمجة جزئيّاً، والسوق الثقافيّة والفكريّة متكاملة إلى حدّ كبير يفوق السوق الثقافيّة الأوروبيّة حتّى.

تجري حاليّاً هندسة عدد كبير من نسخٍ للشرق الأوسط. وعلى رغم صعوبة تحديد أيّ منها ستُعتَمَد في النهاية، نصل إلى خلاصتين. الأولى، هي أنّه لا يمكن بناء شرق أوسط جديد من دون معرفة الشرق الأوسط القديم، والثانية هي أنّه بهدف إعادة تحديد هذا الجزء من العالم علينا تنفيذ هذه المهمّة بالتعاون مع شعوب الشرق الأوسط ومن أجلهم لا ضدّهم ولا عوضاً عنهم. ومع أنّ هاتين الخلاصتين بسيطتان، تجاهلهما الغرب في السنوات الأخيرة، فاتحاً الطريق أمام القوى غير الغربيّة لتثبيت موطئ قدم لها سريع النموّ في المنطقة والأهمّ من ذلك معطياً اللاعبين الإقليميين في الشرق الأوسط الفرصة لمحاولة إعادة تحديد الشرق الأوسط بنفسهم ولمصلحتهم الخاصّة.

وبالطبع يمكن إبداء الشك بنوايا اللاعبين الإقليميين النهائيّة أو وسائلهم الحاليّة في إعادة تحديد الجزء الخاصّ بهم من هذا العالم لكن لا يمكن إنكار حقّهم بمحاولة القيام بذلك.

* وزير الثقافة اللبناني سابقاً، والنص كلمة ألقاها خلال مؤتمر «النفط والمال» الذي عُقد في لندن أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ونظمته صحيفة «هيرالد تريبيون».

__________________________

ماذا الذي سيفعله العرب؟!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

9-11-2009

حتى إذا لم يتراجع الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وأصر على قراره بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، هذا إذا أجريت هذه الانتخابات في وقتها في كانون الثاني (يناير) المقبل، فإنه على العرب أن يخرجوا من حالة الاستنكاف أو شبه الاستنكاف التي يعيشونها الآن إزاء مستجدات الوضع الفلسطيني وأن يبادروا إلى إشعار الإدارة الأميركية بأن ترك الحكومة الإسرائيلية تلعب بأمن هذه المنطقة على هذا النحو بالإضافة إلى أنه غير مقبول عربيا فهو أيضا يعرض المصالح الحيوية الأميركية في الشرق الأوسط إلى أخطار جسيمة.

 

من المفترض أن تعقد لجنة المتابعة العربية المكونة من ست عشرة دولة اجتماعا طارئا يوم الخميس المقبل أو بعد ذلك بيوم أو يومين أو عشرة!! ومن المفترض أن يكون هذا الاجتماع مختلفا عن الاجتماعات السابقة التي كانت كلها من قبيل رفع العتب والمطلوب هو ليس الاكتفاء بإصدار بيان عرمري يناشد (أبو مازن)، باسم أرواح الشهداء، أن يتراجع عن قراره بل التوجه إلى الولايات المتحدة وإفهامها أن مواقفها المائعة سوف تدفع منطقة الشرق الأوسط، التي هي أهم منطقة في العالم كله بالنسبة للمصالح الإستراتيجية الأميركية، لتسقط في يد الإرهاب والتشدد ولتصبح مجالا حيويا سياسيا وعسكريا لإيران.

 

تقول الولايات المتحدة، وقد أبلغت هذا للأشقاء الفلسطينيين ولبعض الدول العربية المعنية، إنه يجب تجنب إضاعة الوقت وأنه مادام أن الهدف هو استئناف المفاوضات على أساس مرجعية أن حدود الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة هي حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 ومن ضمنها القدس ا(الشرقية) فإنه يجب تحاشي انفراط عقد هذه الحكومة الإسرائيلية لأن انفراطها سيحتم إجراء انتخابات جديدة ولأنه إذا انفرط عقد هذه الحكومة فإنه لا توجد ضمانات بألا تكون الحكومة البديلة أسوأ من الحالية هذا بالإضافة إلى أن إضاعة الوقت ستكون على حساب العملية السلمية التي يجب أن تستأنف في أقرب فرصة ممكنة.

 

وتقول الولايات المتحدة، وهذا يبدو أن بعض الدول العربية مقتنعة به، أن المهم هو الذهاب فورا، وقبل أن تطرأ عوامل جديدة تزيد الأمور المعقدة أصلا تعقيدا، إلى مفاوضات الوضع النهائي وهي تقول أيضا أن بنيامين نتنياهو قد وعد مع طلب بعدم الإعلان عن وعده بألا ينخرط في أي عمليات استيطان جديدة لا في القدس الشرقية ولا بالنسبة لما يسمى النمو الطبيعي للمستوطنات وحقيقة أن هذا غير مقنع وأن العرب يجب ألا يقتنعوا به فهذه ألاعيب إسرائيلية معروفة ثم وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي صادقا فإن عليه أن يتخلى عن تمسكه بشرط أن المدينة المقدسة خارج هذه اللعبة كلها ولن تكون مشمولة بالمفاوضات.

 

إنه لا يمكن الإطمئنان لهذا الذي تقوله الإدارة الأميركية ثم إنه غير جائز أن يخضع العرب إرادتهم ومواقفهم لرغبة واشنطن في الحفاظ على هذه الحكومة الإسرائيلية بحجة الخوف من أن تأتي حكومة أسوأ من هذه الحكومة ولهذا فإنه إذا كانت أميركا جادة فعلا في منع انهيار الشرق الأوسط ووقوعه في قبضة التطرف والإرهاب فإنه عليها أن تلزم بنيامين نتنياهو باستحقاقات عملية السلام على غرار ما كانت فعلته في عهد بوش (الأب) عندما ألزمت إسحق شامير رغم أنفه بالذهاب إلى مؤتمر مدريد.

 

إن المشكلة ليست في أن يتراجع محمود عباس (أبو مازن) عن قراره أم لا أنها في أن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام وأنها تحاول معتمدة على اللوبي اليهودي في أميركا تأجيل المفاوضات بقدر استطاعتها للاستفادة من عامل الوقت وهذا ما يجب أن يفهمه الرئيس باراك أوباما وعليه أن يفهمه لوزيرة خارجيته التي ثبت أنها إذا بقيت تتصرف بهذه الطريقة فإنه من الأفضل لها ولزوجها (المسكين) ولبلدها أن تتخلى عن العمل السياسي وأن تتفرغ لمطبخ بيتها كربة منزل مصونة ومحترمة!!.

________________________

هناك شريك

الرأي الاردنية

9-11-2009

الوف بن

يوم الاحد القريب بعد جلسة الحكومة سيتوجه رئيس الورزاء بنيامين نتنياهو في زيارته الثالثة للولايات المتحدة منذ عودته للحكم في المرة الثانية. نتنياهو يتوجه للمشاركة في المؤتمر السنوي للجاليات اليهودية هناك الذي سينعقد في هذا العام في واشنطن، الا ان زيارته هامة بسبب ما لا يوجد بها: حتى الامس صباحا لم يتحدد بعد موعد لقاء بين نتنياهو والرئيس الامريكي براك اوباما. الزعيمان سيلقيان خطابا في نفس المؤتمر ومع ذلك وان لم يطرأ تغيير في اخر الاسبوع لن يلتقي درباهما.

اهانة دبلوماسية؟ امتعاظ امريكي من اسرائيل؟ وربما لا يطيق اوباما نتنياهو ببساطة؟ كلام فارغ، يقولون في ديوان رئيس الوزراء. مصاعب تنسيق اللقاء مع الرئيس تنبع من مشاكل بروتوكولية. ليس هناك اتفاق حول المكان: هل سيدعى نتنياهو للبيت الابيض ام انه سيلتقي مع اوباما على هامش المؤتمر. هل سيستقبل كضيف رسمي كرئيس دولة ام كممثل للجالية اليهودية قد جاء للسعي في بلاط الرئيس.

في ديوان نتنياهو يذكرون بان اريئيل شارون ايضا قد زار يهود امريكا قبل فك الارتباط عن قطاع غزة من دون الالتقاء مع الرئيس جورج بوش.

حينئذ ايضا كان الزعيمان قد التقيا قبلها بعدة اسابيع ولم تكن هناك ضرورة للالتقاء بمثل هذا التقارب. من الممكن ترك المباحثات السياسية لمستويات الاختصاص كدوف فايسغلاس وعوزي اراد (عند نتنياهو). تفسير جميل، ومع ذلك هناك فرق بين رئيسي الوزراء. قبل زيارة شارون اليهودية كان قد زار مزرعة بوش في تكساس وعبر تنقلهما المشترك في سيارة التندر بين قطيع الماشية والاشجار في المزرعة عن ذروة التقارب بين الشخصين. لقاء نتنياهو الاخير مع اوباما في الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك عبر عن كل شيء باستثناء التقارب. الرئيس أنب رئيس الوزراء ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بسبب التسويف والتباطؤ في استئناف المفاوضات السياسية وحذرهما من ان صبره ينفذ.

لقاء مع الرئيس او نصف لقاء، نتنياهو عموما نجح في كسر نقطة اجماع عتيقة في السياسة الاسرائيلية. ذات مرة اعتقدوا هنا انه لا يوجد اي شيء أحب على قلب الجمهور الاسرائيلي من العلاقات الجيدة مع امريكا، وانه لا يوجد شيء اسوأ لرئيس الوزراء من الخصام مع البيت الابيض. اسحاق شامير طار من سدة الحكم بعد تخاصمه مع بوش الاب ونتنياهو كان اعرجا في ولايته السابقة بسبب التنافر مع بن كلينتون والان ها هو الانقلاب يحدث: اوباما بارد وبعيد ونتنياهو يرتفع في الاستطلاعات. بعد سبعة اشهر من وجوده في الحكم يحظى نتنياهو بشعبية تذكر بشارون.

الائتلاف هادىء والحدود صامتة والاقتصاد في تنامي. خطاب بار ايلان وتأييده للدولتين لشعبين وضعاه في الوسط. بعد ان اكتوى في جولته الاولى ها هو نتنياهو الجديد يتجنب النزاعات مع النخب ومراكز القوى. هو يستجيب لمطلب الجيش بعدم اجراء تحقيق في عملية الرصاص المصبوب ويعرقل قرار فصل صلاحيات المستشار القضائي للحكومة - هو ليس في عجلة من أمره. في هذا الاسبوع سجل نتنياهو ايضا انتصارا دبلوماسيا هاما: الادارة الامريكية تراجعت عن أملها بالاستئناف السريع للمباحثات حول التسوية الدائمة مع الفلسطينيين وها هي تتحدث الان عن خطوات طفل - baby steps - التي تقود الى المباحثات في المستقبل. قبل عدة اسابيع فقط تحدثوا في واشنطن عن دولة فلسطينية خلال عامين والان يقبلون التوجه الاسرائيلي بعدم وجود سبب للاستعجال.

وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون التقت نتنياهو عشية يوم السبت الاخير في القدس، واثنت علانية على اقتراحه غير المسبوق بكبح البناء في المستوطنات. الاسرائيليون الذين التقوا معها تأثروا من حدتها وعمق اطلاعها على التفاصيل. اما في العالم العربي فقد استشاطوا غضبا.

كيف يعقل، سألوا هناك، بان تتراجع الادارة الامريكية بهذه الطريقة عن مطلبها السابق بالتجميد المطلق للبناء الاسرائيلي في المناطق.

ليس واضحا ان كانت كلينتون قد قصدت تمجيد نتنياهو ام انها قد وقعت في زلة لسان. هذا كلفها في هذا الاسبوع تفسيرات وتوضيحات لنظرائها العرب، وفي القدس احتفلوا بانقلاب الادوار: نتنياهو يناشد بل ويتوسل لاستئناف العملية السياسية - ويوضح للامريكيين بانه جاهز سياسيا لدفع اتفاق سلام مع الفلسطينيين ويثق بقدرته على انجاز هذا الاتفاق - اما ابو مازن فيرفض ويطرح الشروط.

مسؤولون اسرائيليون كبار يقدرون بحذر بان العملية السياسية ستتأجل لولاية اوباما الثانية. امريكا مشغولة بالازمة الاقتصادية والبطالة الشديدة وفي باكستان وافغانستان والعراق. ليست لديها الطاقة والقدرة على دفع الاتفاق الاسرائيلي الفلسطيني وخصوصا استكماله. من الممكن القيام بخطوات على الارض وربما حتى العودة للمباحثات مع الادراك بأن شيئا لن يخرج من ذلك. والمسار السوري مسدود تماما حيث يشعر الامريكيون بخيبة امل شديدة من الاسد.

من يقلقون لمستقبل اسرائيل ان تواصل الوضع القائم في المناطق ويتمنون حدوث تسوية تقسيم البلاد وانقاذ الصهاينة من التهديد الديموغرافي سيعتبرون الجمود الحالي كارثة. اما انصار نتنياهو فيعتبرونه الان ساحرا: يحتفظ بالمناطق وبالائتلاف ويهدء الخصومة مع الامريكيين ويظهر الفلسطينيين كرافضين، كل ذلك في آن واحد.

ما الذي يمكن طلبه اكثر من ذلك من حكومة يمينية؟ ما الذي حدث؟ مسؤولون اسرائيليون كبار يشخصون خطأين كانت ادارة اوباما قد ارتكبتهما. الخطأ الاول كان تقدير خاطىء بأن الضغط الامريكي سيسقط نتنياهو عن سدة الحكم، او على الاقل سيجبره على تغير ائتلافه. نتنياهو عزز صفوفه بدل من ذلك. الخطأ الثاني كان مطلب تجميد الاستيطان الذي طرح كاملاء على اسرائيل من دون التحقق من احتمالية تنفيذه سياسيا. في القدس يقولون بان جورج ميتشيل اغرى الفلسطينيين على تقييد انفسهم بمطلب غير محتمل او ممكن - التجميد المطلق كشرط للمفاوضات - وبدلا من دفع المباحثات تسبب في وصولها الى طريق مسدود. نتنياهو اصر على الحفاظ على التفاهمات التي توصل اليها شارون وايهود اولمرت مع ادارة بوش حول البناء المنضبط في المناطق. ادارة اوباما التوت وفي اخر المطاف قبلت الموقف الاسرائيلي مع التمتمة حول عدم شرعية المستوطنات كلها.

اوباما يبدو من اسرائيل كقائد عديم التجربة في الدبلوماسية الا انه ايضا مدير مركزي يفهم في السياسة وعلاقات القوى فوق كل شيء. في الادارة الامريكية ادركوا ان نتنياهو قوي وانه لا توجد طريقة الان للالتفاف عليه. الانعطاف في الموقف من اسرائيل تنسب في القدس لدينيس روس المخضرم الذي انضم مؤخرا لطاقم البيت الا بيض وتحول الى شخص مركزي في كل نقاش حول الشرق الاوسط. ميتشيل الاقل ودا لاسرائيل والذي فشل في استئناف العملية السياسية آخذ في الضعف. اوباما يتراجع في الاستطلاعات ويفقد التأييد في اوساط يهود امريكا بينما يسجل دعم الجمهور الامريكي لاسرائيل ارقاما قياسية تاريخية. امريكا ليست الرئيس فقط، كما يذكر نتنياهو مستشاريه، بل دولة كبيرة مع الكثير من مراكز النفوذ والتأثير.

هذا لا يعني ان اوباما ومساعديه قد وقعوا في غرام نتنياهو فجأة. البيت الابيض يرعى اللوبي البديل غاي ستريت الذي يفترض به ان يعزز من موقف اوباما في اوساط الجالية اليهودية في مواجهة المنظمات اليهودية التقليدية المتضامنة مع نتنياهو. اوباما ارسل مستشاره للامن القومي جيم جونز لمؤتمر غاي ستريت في الاسبوع الماضي واسرائيل رفضت ارسال السفير مايكل اورن الى هناك. هذه علامة صارخة على انه ليس كل شيء عسلا في العلاقات. ولكن المقربين من نتنياهو يقولون ان الامر ليس ضائعا بعد.

نتنياهو واوباما قد لا يصبحان صديقين متحابين، ولكن بامكان الرئيس وعليه ان يعتبر رئيس الوزراء شريكا. من الممكن القيام بأمور كبيرة معا حتى من دون الوقوع في الغرام. وان التقيا الاثنان رغم كل شيء في الاسبوع القادم في واشنطن فستكون امامهما فرصة للبدء من جديد.

هآرتس

_________________________

ثلاث ازمات تواجه الغرب: فلسطين، افغانستان والاقتصاد

مطاع صفدي

09/11/2009

القدس العربي

 

تشغل الصحافة الدولية نفسها وقراءها بانتهاز فرص المناسبات التاريخية على مرور فواصل زمنية بعيدة أو قريبة من الأحداث العالمية. فمنذ أيام انصبَّت أقلام المحللين والمعلقين في أوروبا خاصة، على استذكار سقوط جدار برلين بعد عشرين عاماً على انقضائه، كرمز مفعم بأهم الدلالات، عن انتهاء الحرب الباردة، التي كان يمكن لها أن تتحول إلى حرب النهايات القصوى للمعمورة والإنسانية، لولا انسحاب الإمبراطورية الاشتراكية من ساحة الصراع فجأة.

هل كان ثمة خاتمة أخرى للحرب الموصوفة بالباردة، إلا انفجار الجحيم النووي، وإعادة توحيد العالم في مصير الموت وحده للجميع. أوروبا الساقطة بنصفيها الشرقي والغربي تحت ظل كل من الإمبراطوريتين السوفيتية والأمريكية، كانت هي الساحة الأولى لمعاناة فقدان شخصيتها المفهومية مقترنة بضياع خيارها الحضاري الاستراتيجي. أوروبا هذه المتغيرة كلياً عن ذلك المصير الذي عاشته طيلة النصف الثاني من القرن الماضي، هي الجديرة باستحضار ذاكرة ذلك الحدث الأعظم الذي كان أشبه بيوم ميلادها الجديد، بعد أن كانت على شفا الهاوية المطلقة. ومع ذلك مرت صحافة عواصمها الرئيسية بذكرى العشرين عاماً، وكأنها وقعت قبل قرن من الزمن. حتى جمهور المثقفين، والجيل المخضرم منه بخاصة المعايش لما قبل وما بعد الحدث الأعظم لنهاية قرن الحروب العالمية، لم تحفل الصحافة بآرائهم أو مواقفهم. صار نسيانهم أو تناسيهم مبرراً لا مبالاة الجيل التالي الصاعد بتراجيديات الآباء والأجداد.

غير أن اللافت في الذاكرة الأوروبية المعاصرة هو أن بعضها النادر لا يكتشف أهمية الحدث التحويلي إلا عندما لا تأتي المرحلة التالية عليه مطابقة للآمال المعقودة عليها في بدايتها. وهذا ما يتحقق له بعض الترميز الدال بالفعل، في ذلك الحكم القاطع الذي يصدره بعض الوعي الموضوعي للنخب، حول الضلالة الاستراتيجية التي طبعت مسيرة العشرين عاماً المنقضية مما كان سيصير له اسم تاريخي مبجّل،ألا وهو المدخل إلى السلام العالمي المنشود لكن الضائع منذ نشأة الحضارة. فلقد اكتشف الاستراتيجيون التقليديون أن إلغاء صيغة توازن الرعب المتحكمة بانقسام المعمورة إلى المعسكرين الهائلين المتخمين بأسلحة الدمار الشامل، وهما بانتظار خطأ سياسي أو تقني، لكي ينفجر أحدهما بانفجار الآخر معه، إن إلغاء صيغة الرعب الذروية هذه من قمة العالم، سوف يبطل وظيفة هذه الأسلحة، وبالتالي يتم اختصار الجيوش المليونية إلى الأقل من فرق الحرس الوطني الداخلي.

كانت ثقافة المواطنة العالمية لبعض طلائع أوروبا تجد في ظاهرة بطلان نوع الحرب الكونية ما بعد الاستقطاب النووي ذاك، أقوى برهان واقعي، يأتي به منطق التقدم التاريخي، بصفته الإنسانية الشاملة، متغلباً على منطق الصراع الحيواني العبثي لحضارات العنف. كان سقوط جدار برلين مؤذناً بتأسيس وعد استراتيجي بمستقبل مختلف كلياً لكوكب الإنسان، منتصراً حقاً على ماضي همجيته المتأصلة، المنظمة بشرعنة ثقافة الموت، تحت حاكمية الانحياز دائماً، للمعادلة التضحوية الجائرة بين تفوق الأسياد وخنوع العبيد. لكن حقبة العشرين عاماً هذه تمت ترجمتها إلى العكس النقيض لكل مفردات هذا الوعد. بل كأنما أسياد هذه الحقبة قد صمموا على ابتداع كل العقبات الكأداء المانعة مقدماً لازدهار أو إنضاج أية ثمرة لذلك الوعد بالعالم الأفضل.

لكن الغرب لم يعترف بخيانة وعود النهاية لنموذج حضارة العنف، إلا مع انفجار فقاقيع الاقتصاد الافتراضي، هذا الاقتصاد الصيرفي الورقي، الذي أُريد له أن يكون تزويراً للاقتصاد الإنتاجي، كان افتضاحه الفجائي في وطنه الأصلي، أمريكا، ومن ثم أوروبا واليابان، بمثابة افتضاح ما هو أشمل وأخطر من الاقتصاد والمال، إنه انقشاع وهم العولمة كأعلى صناعة تزوير للعالمية المحتومة، لكن الممنوعة. فقد بدأ الفكر الحقيقي يتحدث عن ولوج الإنسانية إلى عصر صناعة الوهم الكلي بديلاً عما يصنعه واقع التاريخ الفعلي. فلا يمكن التعامل مع الاقتصاد الورقي واستلاب عقول الناس دونما وقوع هذه العقول تحت سلطان ثقافة الخداع، البالغة أوجَ فنونها الإعلامية والسياسية مع ثورة المعلومات وتعميم أجهزتها الألكترونية.

هل استطاعت الأزمة المالية أن تحدث صحوة العقل الغربي من سباته أخيراً. هل لا تزال ثمة طاقة للفكر الفلسفي على التصدي للعصر المرآوي الذي لا تزال الرأسمالية تراهن على وجودها باستمرار إنتاجيته لأفانين الخداع الجماعي، والتلاعب بسياسات الرأي العام الدولي. فالحديث اليوم ينصبُّ مجدداً على عودة الفقاعة المالية إلى أسواق الصيرفة بدءاً من مركزيتها في وول ستريت، في حين يتابع الاقتصاد الحقيقي ركوده، وأفاعيل هذا الركود في حياة الملايين من العاطلين عن العمل، والمرشحين للبطالة اليوم وغداً؛ لقد فقدت أمريكا وحدها خلال عام ونيف سبعة ملايين وظيفة، بحسب آخر إحصاء رسمي معلن. فكيف يمكن أن تُستعاد هذه الوظائف قبل التبشير الخادع كالعادة، بانتهاء الأزمة. في ظروف الفلشل والخيبة المحيطة بإنجازات سياسة التغيير للرئيس الاستثنائي أوباما، بعد مضي ما يقرب من عام، تنتهز صحافة أمريكا والعالم هذه المناسبة مقترنة بمناسبة الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين، لكي تُجْمِعَ على القيام بمراجعات متشائمة. فالسنة الأولى من عمر كل رئاسة أمريكية تُعتبر بمثابة امتحان حقيقي متأرجح بين تقييم للنوايا المحرِّكة من جهة، وللقدرات الفعلية للأداء الرئاسي. كأنما أصبح مصير العالم كله، وليست أمريكا أو الغرب وحده، متوقفاً على (معجزات) هذا الرجل. لكن لا ترحمه المقالات والتحليلات، وإن كان بعضها قد يثير شفقة القراء أكثر من مشاعر الإدانة والتجريح، التي يتلقى أوباما معظمها من صحافة بلده. أما العرب والإسلام فهم الموعودون الأوائل بشعارات تغييره، ولعلهم الخائبون الأوائل كذلك من إنجازاتها المتعلقة بقضاياهم الحيوية.

القاعدة المتداولة عن مسيرة السلطة في هذه القوة العظمى، هي أن أمريكا تغيّر رؤساءها، ولا تتغير بهم. مؤسسة السلطة الأمريكية هي الثابتة في تكوينها الاجتماعي وأيديولوجيتها واستراتيجيتها، والرؤساء هم أدواتها التنفيذية، وإراداتهم الشخصية عابرة على سطوحها وفي هوامشها. أما الرئيس الذي يتأبى التكيُّف مع أوامرها، فإنه يكرر مصير كندي. ومع ذلك لا يمكن الحكم كلياً على أوباما من خلال خيباته الأولى. لكن السؤال يبقى فيما إذا كانت صفة الاستثنائية التي يحب العالم أن يراه من خلالها، هي حقاً متطابقة مع موصوفها، أو مع ما ينتويه وما سيفعله، أو أن الاستثناء واقع على لون البشرة، والأصل الإثني، والمعتقد، فقط ولا شيء آخر.

القضايا الكبرى الثلاث المستعصية: الأزمة الاقتصادية، الحرب والمستنقع الأفغاني، العرب وتهويد فلسطين. أمريكا، أو مؤسسة السلطة، ليس لديها حلول جاهزة لأية مشكلة منها. اختصاصها المهني أو الحرفي أنها تدير المشكلات ولا تحلها عادة.. مع العلم طبعاً أنها هي خالقة المشكلات الجيوسياسية فيما تسميه بالمناطق الحارة الموزعة خاصة في أنحاء العالم الثالث. بالنسبة للاقتصاد الأمريكي أولاً هنالك فقاعة المضاربات العائدة إلى حراكها المعهود، في الوقت الذي تعلن فيه واحدة من أكبر المجموعات الاستثمارية المعروفة باسم CIT Groupe إفلاسها بخسارة 71 مليار دولار، ودين مقداره 65 مليارا، في مطلع هذا الشهر.إذاً تعود الفجوة العميقة ما بين الاقتصادين الصيرفي والإنتاجي إلى احتلال مقدمة المضاربات، مع ارتفاع الطاقة وأسعار المواد الخام. مقابل ذلك تقف إدارة البيت الأبيض شبه عاجزة عن التدخل بأكثر مما فعلت حتى الآن. وكان تدخلها منذ أواخر أيام بوش، قد اقتصر على ضخ مئات المليارات من المال العام في خزائن المصارف الرئيسية لمنعها من الانهيار. لكن حركة الإفلاس لم تتوقف، فقد عصفت بعشرات البنوك المتوسطة والمحلية في أنحاء الولايات جميعها. إلى أن أطاحت موجتها العارمة بهذه المجموعة المالية الكبرى التي تعتبر رأس البنية الاستثمارية برأي خبراء وول ستريت.

أما مشاريع التغيير الاجتماعي، ومحورها نظام الضمان الصحي للعاملين وسواهم فإنها تلقى أشكال المعارضات التي يقودها المحافظون الجدد بالتنسيق طبعاً مع الحزب الجمهوري، ولوبيات الاحتكارات في ميادين تجارة التأمين وصناعة الأدوية والمستشفيات الخ.. كما أنه لا أمل لمستشاري أوباما، لا في وقف نزيف التسريحات، ولا في إعالة ملايين العاطلين عن العمل، أو محاولة استرداد بعض الوظائف الملغاة في آلاف من الشركات المغلقة أو المشلولة عن أية إنتاجية، قد تُدب بعض النشاط في دورة الاقتصاد الأمريكي الداخلي، المفتفرة إلى سيولة المال والإنتاج والتصريف في وقت واحد.

فالرئاسة شبه المعطلة في سياستها الداخلية لن تكون أحسن حالاً في سياستها الدولية. كان امتحانها الأول في التصدي للصلف الاسرائيلي والحد قليلاً من تجرئه على القوانين والقرارات والأعراف الدولية. كان المدخل الأخلاقي الإنساني إلى ذلك الامتحان العسير، وقْفُ استيطان/استعمار الأراضي الفلسطينية، كرمز متواضع لاستئناف مصطلح العملية السلمية أو التسوية لخلاف (الشعبين). لكن هذه المحاولة البائسة لم تفشل فحسب، لم ترفضها إسرائيل بكل وقاحة اللصوصية التاريخية غير المسبوقة، بل استطاعت أن تستنفر كل قواها اليهودية اللوبية وأخطبوطها المنتشر وراء كل سلطة حكومية أو اجتماعية في ساحة الداخل الأمريكي. نجح هذا الاستنفارُ في قلب كامل المخطط التغييري من أجندة الرئاسة الأوباماوية الحزينة، حينما فازت إسرائيل بما يشبه المشاركة الاستراتيجية في غرفة العمليات العسكرية للنشاط (الدفاعي) الأمريكي في الشرق الأوسط.

لم تعد إسرائيل محتاجة إلى ألاعيبها المعتادة في إعاقة التسوية ومفاوضاتها العبثية فقد أنهت أسطورة هذه التسوية كلياً، تَمَّ اختراع مناورة الاستقالة الشخصية من رئاسة السلطة، لإلغاء هذه السلطة نفسها،أو تهميشها إلى ما دون رمزية البلديات المحلية، لكن بالمقابل لن يُسمح للمقاومة أن تستعيد مكانها أو دورها. لن تسترد (فتح) قواعد الانتفاضتين السابقتين لتنفجر هذه المرة الانتفاضة الأعظم الممنوعة من قبل تلك السلطة المنهارة، سابقاً،و ستظل كذلك بعدها. المسألة ليست هي كما يُراد تمثيلها إعلامياً وحركياً عبْر ظروف هذه الاستقالة الرئاسية الملتبسة. ليست هي كما تصورها ردود الفعل الفلسطينية على الأقل، أو كما يأمل مناضلوها القدامى، ليست هي في إسقاط خيار التسوية السلمية لإحلال بديلها المنطقي الذي هو خيار المقاومة. لن تكون المسألة على هذه البساطة: إحلال بديل ناجح محل بديل فاشل أو ساقط. فاللعبة هي أكثر خبثاً وأخطر مكراً ودهاءً. كما لا يمكن الرجم غيباً حول هدف الخطة الخفية، ما وراء الاستقالة وخيارات البدائل الشخصية أو الوطنية لما بعدها. لكن المؤكد حالياً هو أن مخطط تصفية السلطة وتسويتها لن يأتي إلا بما هو أسوأ منها.

مع الأمل أيضاً ألا يصدق هذا التوقع..

' مفكر عربي مقيم في باريس

_____________________

الهدف الجديد لحركة "شاس"

المستقبل - الاثنين 9 تشرين الثاني 2009

العدد 3478 - رأي و فكر - صفحة 19

نير ليفنا

التهديد الإيراني، استحكام الفقر في إسرائيل، العنف المتصاعد- كل هذه الأمور لا تُعتبر شيئا في نظر زعماء حركة شاس، إذا ما قورنت بالخطر الحقيقي الذي يهدد وجود دولة إسرائيل، وهذا الخطر هو خطر الأغيار. فوزير الداخلية، إيلي يشاي، الذي لا يكل ولا يمل في صراعه ضد مهاجري العمل وأولادهم الذين وُلدوا في إسرائيل، ( وهو بالغ في الأيام الأخيرة عندما هدد بموجة أمراض فظيعة قد يجلبها معهم العمال الأجانب)، حصل على تعزيز في الآونة الأخيرة. ذلك أن حل لغز اغتيال عائلة أوشرنكو ( ذهبت ضحيتها عائلة كاملة مكونة من الأب والأم، والجد والجدة والأولاد)، وفر لاسحاق بيرتسن رئيس حركة شاس سابقا ووزير الداخلية السابق، والذي يشغل اليوم منصب حاخام مدينة رعنانا، فرصة لشن هجوم عنصري تجاه المهاجرين من دول رابطة الشعوب، لأنه يشكك بيهوديتهم، ولأنه يعتبرهم مجرمين محتملين.

هذه مناسبة كي نشير إلى أنه في القرن الماضي، وصل يهود إلى قمة المافيا الأميركية، كما أن بعضهم، مثل باغسي سيغل، عُرفوا بوحشيتهم غير المألوفة حتى في العلاقات مع رجال المافيات. وثمة إسرائيليون، لا يوجد أدنى شك في يهوديتهم، مشهورون بسوء سمعتهم في السنوات الأخيرة، ويجري الحديث عنهم في التقارير الجنائية التي تنشرها الصحف الأميركية والأوروبية، وهذا النوع المُصدر من اليهود المجرمين يُعوض من خلال استيراد مجرمين لا ينجح حتى الحاخام بيرتس في إيجاد أي عيب في يهوديتهم.

لقد سبق لدولة إسرائيل أن جلبت إلى هنا، تحت غطاء قانون العودة، عدداً من المجرمين الكبار. صحيح أنها اضطرت إلى تسليم مئير لنسكي، احد زعماء المافيا الأميركية وأحد أكثر الوحشيين فيها، إلى الولايات المتحدة بعد أن أمضى هنا ست سنوات من الاستمتاع والسعادة؛ لكن جو ستاشر، اليد اليمنى للنسكي، الذي قتل بيده عشرات أو مئات الأشخاص، تأقلم بشكل جيد في إسرائيل، وكان شريكا للحاخام مناحيم بوروش في إقامة فندق " المركز"، ودُفن في مقبرة حولون بعد أن مات ميتة طبيعية جدا.

يهودية بعض الأقليات الخاصة التي وصلت إلى إسرائيل فُحصت جيدا، لكن أحدا لم يشترط هجرة أركادي غايدماك (أحد كبار رجال الأعمال من أصل روسي، والمعروف بسجله الجنائي) إلى إسرائيل بشهادة حسن سلوك. كما أن الكاهانية جلبت إلى البلاد مهاجرين أميركيين شباب من أصحاب الماضي الجنائي والذين استوطنوا في المستوطنات.

لدينا أيضا وفرة مجرمين من انتاج البلاد. فالكثير من اعمال الاغتيال والقتل تحصل بتكليف من زعماء عائلات الجريمة، وكلهم من اليهود. وحتى القتلة المقيتين للأطفال، مثل فيمشتاين وروني رون وُلدوا هنا. ثمة قتلة، ليسوا من أصل روسي بالذات، والذين تتعزز يهوديتهم قبيل بدء محاكمتهم. وثمة آخرون يُعلنون التوبة وهم بين جدران السجن. وثمة العديد من زعماء شاس بالذات، ممن دخلوا السجن أو يمكثون فيه الآن.

لو كنت أتبنى منطق القياس الذي يعتمده زعماء شاس، لكنت مضطرة إلى القول بأن حركة شاس هي حركة من المجرمين. لكن من المفهوم أن الأمر يتعلق بقياس خاطئ تماما. من جهة ثانية، يتعين على رجال شاس بالذات، أن يكونوا حذرين جدا قبل أن يلصقوا تهمة الإجرام المحتمل بجمهور كامل. ثمة الكثير من الأشخاص السيئين يتجولون بيننا، معظمهم من اليهود، ولكن ليس معروفا أن مهاجرا واحدا بدافع العمل، أو لا جئا واحدا، تحول إلى قاتل، ومن المؤكد أنه ممنوع النظر إلى أولادهم باعتبارهم مجرمين محتملين أو ناشرين للأمراض.

من الجائز القول أنه في دولة سليمة، كان يمكن أيضا محاكمة بيرتس ويشاي ايضا بتهمة ارتكاب جريمة التحريض والعنصرية.

"هآرتس" 6/11/2009

________________________

القدس بين التهويد والصهينة!

المستقبل - الاثنين 9 تشرين الثاني 2009

العدد 3478 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

في حزيران- يونيو من عام 1967 احتلت اسرائيل مدينة القدس. كان على رأس القوات الاسرائيلية التي اقتحمت المدينة المقدسة الجنرال موشي دايان. وكان يرافقه في دبابة القيادة القس الانجيلي الاميركي بات روبرتسون.

في ذلك اليوم أعلن روبرتسون وهو يتفرج على عملية تهديهم حي المغاربة المجاور للمسجد الأقصى، ان المعجزة الثانية المتعلقة بسيناريو العودة الثانية للمسيح قد تحققت. وان علينا الآن العمل على تحقيق المعجزة الثالثة، وهي بناء الهيكل اليهودي على انقاض المسجد الأقصى وفي موقعه. اما المعجزة الأولى فكانت قد تحققت بقيام اسرائيل في عام 1948.

في عام 1980 ترشح القس روبرتسون للانتخابات الرئاسية الاميركية. وكان يتطلع الى العمل على تحقيق المعجزة الثالثة. ولكنه تعثر في الطريق الى البيت الأبيض. وكان الفوز من نصيب الرئيس رونالد ريغان. لم يكن ريغان اقل شغفاً بسيناريو نهاية الزمن، الذي يبدأ بمعركة هرمجيدون الماحقة، ثم بعودة المسيح المخلص، الذي يحكم العالم مدة ألف عام يسود خلالها السلام والأمن والعدل. ولذلك كان ريغان يقول انه يتمنى ان يكرمه الله بالضغط على الزر النووي حتى تقع هرمجيدون، ويكون له بالتالي شرف المساهمة بتحقيق أحد أهم شروط هذه العودة المنتظرة.

بعد اعادة المياه الشخصية الى مجاريها بين ريغان وبات روبرتسون، فتح الرئيس الاميركي الاسبق امام روبرتسون بوابة مجلس الامن القومي الاميركي. فصار تقليداً معتمداً ان يدعى روبرتسون - ثم اي انجيلي من مدرسته ( جيري فولويل الذي توفي أخيراً ) - الى المشاركة في اجتماعات المجلس عندما يدعى لبحث اي قضية تتعلق بالشرق الأوسط، وذلك حتى يأتي القرار متوافقاً مع النبوءات التوراتية، خاصة تلك الواردة في سفر الرؤيا حول عودة المسيح ونهاية الزمن.

ويعترف فولويل بأن حرب 1967 كانت بداية التحوّل في عمله الديني - السياسي. فقد اعتبر الانتصار الاسرائيلي السريع والحاسم على العرب تجسيداً للإرادة الإلهية. وانه ما كان ليكون لا بقوة ذاتية ولا بدعم اميركي، ولكن بتدخل إلهي. ومنذ ذلك الوقت تفرّغ للعمل في الولايات المتحدة لمصلحة اسرائيل في الكونغرس وفي البيت الأبيض وخاصة في الحزب الجمهوري الاميركي.

في الحادي والعشرين من شهر آب - أغسطس من عام 1969، أي بعد مرور عامين فقط على احتلال القدس، امتدت يد الاجرام الصهيونية الى المسجد الأقصى وأشعلت فيه النار. وقد أتى الحريق على 1500 متر مربع من اصل 4400 متر مربع هي مساحة المسجد الاجمالية، ودمّر الحريق كذلك منبر صلاح الدين الأيوبي ومسجد عمر ومحراب زكريا، ومقام الأربعين، وثلاثة أروقة من الأعمدة والأقواس والسقف وأجزاء من القبة الخشبية الداخلية و 48 شباكاً مصنوعاً من الجص والزجاح الملون والسجاد وسورة الإسراء المصنوعة من الفسيفساء. كان الهدف من وراء تلك العملية تدمير الأقصى. لم تكن تلك المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة.

فقد جرت عدة محاولات قبل ذلك، منها محاولة تزنير المسجد بالمتفجرات ونسفه. ومنها محاولة قصفه بالقنابل المحرقة والمدمرة من الجو. ولم تفشل هذه المحاولات الا بعد افتضاحها. والذين يقومون بها ليسوا يهوداً فقط. الذي أحرق المسجد الأقصى لم يكن يهودياً. كان صهيونياً مهاجراً من استراليا من اعضاء حركة الصهيونية المسيحانية التي تعتبر قيام اسرائيل واحتلال القدس وبناء هيكل يهودي على انقاض المسجد الاقصى شروطاً لازمة للعودة الثانية للمسيح. وتمويل تلك المحاولات لم يكن تمويلاً اسرائيلياً. بل كان مصدره هذه الحركة المسيحانية الصهيونية. حتى شراء العقارات في القدس وحولها اعتبر منذ 1967 أولوية مقدسة لدى هذه الحركة.

كذلك لم يكن اختيار شهر آب من ذلك العام صدفة.

ففي التاسع من شهر آب من عام 586 قبل الميلاد سقطت مملكة يهوذا بيد نبوخذ نصر ملك بابل؛ فأحرق جيشه مدينة القدس وهدم الهيكل اليهودي وسبى اليهود الى بابل، الى ان أعادهم اليها بعد 70 عاماً قورش ملك الفرس.

وفي التاسع من شهر آب ايضاً من عام 70 بعد الميلاد، انتقم الرومان من اليهود وأعادوا تدمير الهيكل، وقد دام الحكم الروماني على فلسطين 700 عام الى ان حرّرها العرب المسلمون في عام 637 ميلادية.

لذلك تشكل ذكرى التاسع من آب من كل عام مناسبة دينية حيث يتجمّع اليهود امام حائط المبكى الذي يعتقدون انه الجزء الوحيد المتبقّي من الهيكل بعد تدميره الثاني. وهناك يجددون العهد باعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.

ففي شهر آب من عام 1897 عُقد في مدينة بال بسويسرا المؤتمر الصهيوني الأول بدعوة من ثيودور هرتزل. كان مؤتمراً لليهود الصهاينة. وفي عام 1985، أي بعد 88 عاماً، عُقد في نفس المدينة السويسرية بال، وفي الفندق ذاته، وفي القاعة ذاتها من الفندق، وفي الشهر ذاته ايضاً، مؤتمر صهيوني من نوع آخر ضمّ الكنائس الانجيلية المتصهينة التي تعتبر قيام "صهيون" امراً تمهيدياً لا بدّ منه للعودة الثانية للمسيح.

وجه الدعوة الى "المؤتمر الصهيوني المسيحاني" الدكتور دوغلاس يونغ مدير المعهد الاميركي لدراسات الارض المقدسة. وترأسه الدكتور فان ديرهوفين رئيس الكنيسة الانجيلية الهولندية. وحضر المؤتمر التأسيسي 589 شخصية دينية من الولايات المتحدة وأوروبا، ومن كنائس مماثلة في دول افريقية وآسيوية اخرى بلغ عددها 27 دولة.

ومنذ ذلك الوقت يُعقد مؤتمران في شهر آب - أغسطس من كل عام، الأول للحركة الصهيونية - اليهودية استكمالاً لمسيرة المؤتمر الاول الذي نظمه هرتزل، والثاني للحركة الصهيونية المسيحية الذي أعدّه دوغلاس يونغ .

انبثقت عن مؤتمر 1985 منظمة جديدة تحمل اسم "السفارة المسيحية الدولية من أجل القدس". ومهمتها توظيف النفوذ المعنوي والمادي من اجل تمكين المؤسسة الجديدة من تحقيق النبوءات التوراتية المتعلقة بظروف العودة الثانية للمسيح وأهمها تثبيت أقدام الدولة الصهيونية وتجميع بقية اليهود فيها بعد ضمّ كل الارض التي وعدهم الله بها (؟)، وبناء الهيكل اليهودي على أنقاض المسجد الأقصى حتى يظهر المسيح فيهم للمرة الثانية وفقاً لما تقوله النبوءات التوراتية التي يؤمنون بها.

وقد عملت السفارة المسيحية الدولية على تحقيق معظم الأهداف التي اعلنتها في عام 1985، ومن ابرزها نقل يهود الاتحاد السوفياتي السابق الى اسرائيل، وانهاء المقاطعة ضد المصالح الاسرائيلية، والضغط على دول اوروبا الشرقية والوسطى لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل، ودعوة العالم الى الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية موحدة لاسرائيل. وقد لعبت هذه المنظمة الدور الأبرز في استصدار القرار الاول عن مجلس الكونغرس الاميركي (الشيوخ والنواب) في ابريل 1990، الذي نصّ على دعوة الادارة الاميركية الى الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، ثم باستصدار القرار الثاني في عام 1995 بنقل مقرّ السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس.

صحيح ان الكنيسة الكاثوليكية، والكنيسة الارثوذكسية، وكذلك العديد من الكنائس الانجيلية الاميركية تعارض عمليات التهويد العقدي والسياسي وتعتبرها تشويها للمسيحية الحقيقية وتضليلاً للمسيحيين المؤمنين، الا ان الصحيح في الوقت نفسه ان الدور السياسي الذي تقوم به منظمة السفارة المسيحية الدولية باختطاف المسيحية وسوء استغلال اسمها وشعاراتها، يكاد يصبح الدور الأهم في التأثير على صياغة القرار الاميركي من قضايا الشرق الأوسط والصراع العربي - الاسرائيلي.

والسؤال الآن: ماذا فعل، بالمقابل، العرب والمسلمون بعد سقوط القدس في حزيران  يونيو 1967؟. في عام 1979، أي بعد عشر سنوات من حريق المسجد الأقصى، شكلت منظمة المؤتمر الاسلامي لجنة خاصة لوضع استراتيجية مشتركة لتحرير القدس. وبعد ثلاثين عاماً على تشكيلها، لا بد من التساؤل عما حققته هذه اللجنة حتى الآن؟ ان الجواب الذي لا يحتاج الى عناء بحث وتفكير هو: لا شيء. ولكن بالمقارنة، تأسست في واشنطن "مؤسسة معبد القدس" برئاسة رايزنهوف نفسه رئيس منظمة السفارة المسيحية الدولية مهمتها جمع التبرعات والمساهمات المالية لتدمير الأقصى وبناء الهيكل. وانشأت هذه المؤسسة في مدينة القدس القديمة معهداً خاصاً باسم "ياشيف اتيريت كوهانيم" اي معهد تاج الحاخاميين لإعداد الكهنة الذين سيخدمون في الهيكل الثالث بعد بنائه بما في ذلك مناسك التضحية بالحيوان. كما موّلت عملية تجري منذ سنوات لاختيار حجارة البناء وصقلها وتجميعها في موقع خاص الى ان تحين ساعة الصفر. وساعة الصفر، هي تدمير المسجد الاقصى .

وفي كتابه( The Last Great Planet Earth) يقول القس هول ليندسي مؤلف الكتاب، وهو من كبار منظري الحركة الصهيونية المسيحية :"لم يبقَ سوى حدث واحد ليكتمل المسرح تماماً أمام دور اسرائيل في المشهد العظيم الأخير من مأساتها التاريخية. وهو اعادة بناء الهيكل القديم في موقعه القديم. ولا يوجد سوى مكان واحد يمكن بناء الهيكل عليه استناداً الى قانون موسى في جبل موريا حيث شيد الهيكلان السابقان ".

لقد وضع المهندس اليهودي "ايفي يوناه" تصميم الهيكل الثالث على اساس اقامته في موقع المسجد. وأقرّت التصميم الحاخامية في اسرائيل والدياسبورا. كما أقرّته المنظمات اليهودية المختلفة. يبقى تهديم وازالة المسجد الأقصى. فالقرار بالتهديم اتُخذ منذ عقود، اما التنفيذ فانه يتم تدريجياً وعلى مراحل بمعوليْن :

معول التطرف الديني الصهيوني اليهودي والانجيلي الاميركي معاً، ومعول الخنوع العربي والاسلامي . ولا شك في ان المعول الثاني أشد خطراً على المسجد وأكثر فعالية في مخطط تدميره.

من هنا فان انقاذ المسجد الأقصى، وبالتالي انقاذ القدس، وفلسطين عامة يتطلب وعياً عربياً اسلامياً حقيقياً، وتعاوناً اسلامياً - مسيحياً عالمياً حقيقياً ايضاً حتى تتحرر القدس من دنس الاحتلال وحتى تستعيد دورها عاصمة للسلام والإخاء بين المؤمنين جميعاً.

يُعرف عن دافيد بن غوريون أول رئيس حكومة لاسرائيل شعاره "لا اسرائيل بدون القدس، ولا قدس بدون الهيكل". أما الردّ العربي الاسلامي فيجب أن يكون : "لا أقصى بدون القدس، ولا قدس بدون فلسطين".

_______________________

انطباعات

ساطع نور الدين

السفير

9-11-2009

ضغطت سوريا فشُكلت الحكومة. هذا هو الانطباع الاول الذي تكون لدى الغالبية من اللبنانيين. الشكل الذي اتخذه هذا الضغط، والحليف الذي تلقاه معروف. اما التوقيت فهو الذي يطرح اسئلة تتخطى العديد من التكهنات التي راجت في بيروت في الآونة الاخيرة، ودفعت بالازمة الحكومية المفتوحة منذ خمسة اشهر الى حدود طهران او صعدة او ربما اسطنبول!

اللقاء الذي عقدته قيادات الاقلية مساء الجمعة الماضي واصدرت في اعقابه بيان الاتكال على الله والمضي قدما في تشكيل حكومة الوحدة، لم يبدد هذا الانطباع، الذي سعى الى انكاره، بل لعله رسخه واعاد تظهير صورة سوريا كشريك تقليدي في تأليف الحكومات اللبنانية، لم ينقطع عن القيام بهذا الدور سوى في الاعوام الخمسة الماضية، التي لا يمكن لأي لبناني ان يزعم انها كانت مستقرة ومريحة، لا على المستوى الحكومي ولا النيابي ولا على مستوى الشارع طبعا.

وهذا حق من الحقوق السياسية للاقلية التي اثبتت ان اعتمادها على دمشق هو اكبر بكثير من اعتماد الغالبية على حلفائها الاميركيين او السعوديين او المصريين او سواهم ممن قطعوا اتصالاتهم الى حد بعيد مع بيروت في اشهر التكليف العجاف والتزموا جانب الحياد الايجابي، الذي لم تخرقه سوى بعض النصائح البعيدة الموجهة الى حلفائهم بالتنازل عن حقيبة وزارية هنا او عن اسم هناك... والامتناع عن التعاطي مع نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة باعتبارها خلاصة معركة ديموقراطية جرت في السويد او النروج.

وأهم ما في هذا الحق انه يترجم جزءا مهما من المصالح القومية السورية، التي سعى فريق الغالبية الى المس بها او اغفالها منذ العام 2004، فدفع ثمنا باهظا.. قبل ان يتلقى النصيحة الجدية الوحيدة من الخارج بان يعقل ويتعقل ويلتزم حدوده المتواضعة، ويستفيد من العبر المستخلصة من التاريخ اللبناني الحديث، الذي لا يمكن قياسه بالسنوات الخمس الماضية، ولا حتى بالعقود الثلاثة التي اعقبت الدخول العسكري السوري الى لبنان في العام 1976.

ومن الخطأ بل المسيء لسوريا ان تحسب مصالحها الحيوية في لبنان بناء على حصة الجنرال ميشال عون، او موقع المسيحيين في السلطة التنفيذية. هذا المعيار كان صالحا لسنوات قليلة جدا من السبعينيات، ولم يصمد حتى اواخر الثمانينيات. وإن ما يقال اليوم عن ان ولادة حكومة سعد الحريري الاولى ستؤدي الى عملية خلط للاوراق والتحالفات صحيح، لانه ينسجم مع التقاليد السياسية اللبنانية والسورية على حد سواء. والمراقبة الدقيقة لهذه العملية تتم الآن في اسرائيل اكثر من اي مكان آخر، وهو ما عكسه تقرير الكاتب الاسرائيلي تسيفي برئيل في صحيفة «هآرتس» يوم الجمعة الماضي.

والبحث لا يقتصر على تحديد المسافة اللبنانية التي تفصل بين دمشق وطهران، والتي تبدو ضيقة جدا، وتتعارض مع الرأي الذي شاع في بيروت طوال فترة التكليف عن تعطيل ايراني للتشكيل... ولا يعتمد على الحكومة اللبنانية التي تولد متأخرة شهرا كاملا عن زيارة الملك السعودي عبد الله الى دمشق، لتحديد طبيعة المصالحة السورية السعودية.. ولا ينحصر في الاعتقاد ان الرئيس السوري بشار الاسد يريد ان يتفادى اي سؤال لبناني محرج في المؤتمر الاسلامي في اسطنبول اليوم، او في زيارته الى باريس بعد غد!

هي مجرد انطباعات لكنها تشبه الوقائع.

________________________

أي مفاعيل لعودة "الإدارة" السورية - السعودية للوضع ؟

الظروف الإقليمية والداخلية للولادة تحاصر الحكومة بالتشكيك

روزانا بومنصف

rosana.boumounsef@annahar.com.lb

النهار

11-9-2009

فتح الفصل الاخير من عملية تأليف الحكومة بتوالي حلقاته في الايام الاخيرة من الاسبوع الماضي الوضع اللبناني على مشهدين احدهما محلي والاخر اقليمي. في المحلي كانت زيارة وزير الاتصالات في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل لدمشق التي استتبعها على الفور مشهد جماعي لاقطاب المعارضة في حمى الامين العام ل" حزب الله" السيد حسن نصرالله بما يعني من ترجمة عملانية لالتحاق الاخرين به خصوصا الجانب المسيحي وليس العكس وبما يثبت موقع الحزب في ادارة الوضع الداخلي من خلال تجيير الفيتو الذي تملكه الطائفة الشيعية ويحتفظ به الحزب الى العماد ميشال عون بما يثبت وضعه في الداخل وفي المعادلة السياسية وامتداداتها الاقليمية، بكل ما يعني ذلك راهنا وفي المرحلة المقبلة. وفي الاقليمي كان دخول سوريا على المشهد السياسي اللبناني قويا من حيث استحضار دورها وتأثيرها في اللعبة السياسية الداخلية، فقطفت عودة مظفرة الى الداخل اللبناني بحض واستدراج من افرقاء لبنانيين من قوى المعارضة وقبول قسري من قوى الاكثرية. والبعض يقول أن ذلك حصل أيضا بحض سعودي عبر السعي الى التأثير على الجهة المقابلة اي جهة رئيس الوزراء المكلف بحيث ان خلاصة هذا الواقع تؤدي الى امرين يتضمنان اسئلة ضمنية متعددة: هل ان سوريا والمملكة العربية السعودية عادتا الى ادارة الوضع اللبناني من خلال ادارة حلفائهما في الداخل كما في العام 1989 وايضا كما في العام 1998 من خلال انتاج خطوط توازن اقليمية جرى وضعها وتثبيتها داخليا ويتم القبول بها عربيا وخارجيا؟ اذا صح ذلك فهو يعني بالنسبة الى متابعين كثر تراجعا كبيرا لا بل هائلا في استنهاض ومتابعة للمشروع اللبناني الاساسي في استقلال لبنان وسيادته، خصوصا ان لدى المملكة عزوفا طبيعيا عن الاضطلاع بالتفاصيل اللبنانية الداخلية في مقابل قابلية سورية قوية لاستعادة دمشق نفوذها السياسي والاداري للبنان على كل الأصعدة، مما يفتح الباب امام احتمالات ليست مشجعة او تفاؤلية في هذا الاطار، نظرا الى التجارب اللبنانية المريرة طوال فترة الحرب وما بعدها في ضوء وضع اتفاق الطائف. ومع ان بعض المعطيات يتحدث في هذا الاطار عن تشجيع سعودي لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري للسير قدما في تجاوز العقبات ومطالب المعارضة تحت وطأة ضمانات وتطمينات معينة قدمتها المملكة، فان معنيين كثرا يشككون في قدرة المملكة على تقديم اي ضمانات او القدرة على متابعتها متى عاد الامر الى المستنقع السياسي الداخلي.هذا السؤال الاول يدفع في اتجاه السؤال الثاني وهو: ما دامت دمشق لعبت لعبة العرقلة ورفع الشروط واثبتت أخيرا "مونتها" على قوى المعارضة بمن فيها العماد ميشال عون في لحظة معينة وإن بسيطة في آخر الشوط بما كفل لها موقعا متقدما جديدا في اعين الغرب في مقابل اثبات عجز المسؤولين اللبنانيين عن ادارة شؤونهم بانفسهم وحاجتهم اليها لتفكيك التعقيدات لديهم، فهل ان تدخلها سينحصر في اطار عملية موضعية هي تأليف الحكومة العتيدة؟ وهل سيتوقف هذا التدخل ام ان المرحلة المقبلة ستشهد فصول عرقلة جديدة من خلال "مونتها" على وزراء في الحكومة العتيدة مسترجعة الماضي بكل فصوله وصولا الى التدخل عند كل مفترق وكل محطة؟

هذه الوقائع هي ما اثار في حقيقة الامر بعض الاحباط مما آلت اليه الامور وما يخشى ان تواجهه الحكومة. فمن جهة لا تشي التركيبة والحقائب التي انتهت اليها الحكومة على الاطلاق بأنها حكومة لها طابع الاكثرية كي تتمكن من تنفيذ برنامجها ايا كان اقتصاديا او اداريا او سياسيا. والمماحكة التي رافقت تأليفها وتجيير المكاسب في المساعدة في تأليفها من المعارضة لسوريا أفقد من جهة اخرى الاكثرية القضية السياسية التي قامت على اساسها فلم تعد هذه القضية واضحة لا لدى سياسيي الاكثرية ولا لدى قاعدتها من حيث اضعاف تكاتفها من جهة وتمييع قضايا من جهة اخرى ما لم يتم العمل على تظهير خطاب مغاير في ما بعد تأليف الحكومة.

 يضاف الى ذلك أمران اثنان: الاول هو ان المكسب الذي حققته سوريا بعد توسط لديها من الاخرين سيدفعها الى تكرار الاسلوب نفسه لدى كل محطة أصغيرة كانت أم كبيرة في استعادة بات يراها كثيرون تكرارا لما قامت به مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومحاولة استنزافه وبغطاء خارجي يتجدد تحت عنوان مساعدة اللبنانيين في تجاوز خلافاتهم وازماتهم الداخلية ومساعدتهم في الحكم. فما قامت به ليس كرم اخلاق وليس ثمة "كاريتاس" في مصالح الدول خصوصا في حال سوريا مع لبنان مع تنبه كثيرين الى الحرص على مواكبة الاعلام السوري الوضع الداخلي اللبناني بضخ ما اعتبره كثيرون مؤشرات الى دفع الامور في اتجاهات معينة على ما يحصل منذ بعض الوقت في الهجوم على افرقاء مسيحيين سرعان ما يجد صداه لدى سياسيين في لبنان ولدى وسائل اعلام المعارضة. والامر الاخر هو الخشية ان نوعية الاشخاص في التركيبة المعقدة لهذه الحكومة يمكن ان تجعل منها حكومة غير قابلة للتأثير والعمل تماما كما الحكومة التي سبقتها اي حكومة تصريف الاعمال الحالية، مع فارق اساسي ان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة كانت محدودة الاجل باجراء الانتخابات النيابية بما تشكله هذه الانتخابات من استحقاق كان يفترض ان يترتب عليه توازنات مختلفة في اي نظام ديموقراطي حقيقي.

___________________

لبنان بعد الخروج من النفق

بقلم :رأي البيان

البيان

9-11-2009

«إذا لم تحصل تطورات غير متوقعة»، حسب التعبير السائد في اليومين الأخيرين ببيروت؛ فإن لبنان على موعد، هذا اليوم، مع الإعلان عن ولادة حكومته الجديدة. كافة الأطراف، زفّت هذه البشرى؛ بصورة أو بأخرى. البعض ذهب إلى حدّ التأكيد بأن «الحكومة ولدت» فعلاً، خلال إجازة نهاية الأسبوع؛ ولم يبق غير صدور البيان الرسمي ومراسيم التعيين. فقط وضع «اللمسات الأخيرة»، قضى بتأجيل الإفراج عن التشكيلة، إلى اليوم الاثنين.

 

تضافرت الظروف اللازمة وقضت بوجوب انضاج الطبخة الحكومية. كما تقاطعت المؤثرات المختلفة، عند ضرورة إخراجها من عنق الزجاجة. بذلك يسدل الستار على مسيرة خمسة أشهر من الانتظار والتأرجح بين موجات باردة وأخرى ساخنة. أكثر من مرة، خلالها، كاد الانسداد يعيد الساحة اللبنانية، إلى سابق عهد الأزمة؛ من توتر واحتقان. كادت عقدة التأليف أن تتحول إلى أزمة حكم.

 

البلد عاش حالة مديدة من الانتظار المفتوح على المزيد من الإحباط؛ لكثرة ما قيل عن تعقيدات داخلية، من حقائب وأسماء وحصص؛ كما عن حسابات وقرارات وأضواء، حمراء وخضراء، خارجية وإقليمية. وما زاد من الحيرة، أن الكل كان يتحدث بلغة المرونة والرغبة في التسهيل؛ ومع ذلك بقي الإخفاق سيد الموقف، طوال تلك المدة.

 

توالي وتسارع الاتصالات أدّى، بالنهاية، إلى هبوب رياح الحلحلة وثم إلى تفكيك العقبات وإزالتها من الطريق. ومن المفترض أن تبصر الحكومة النور؛ قبل غياب شمس هذا النهار. ومع هذه الولادة تكون صفحة أخرى، علّها تكون الأخيرة، من فصول الأزمة اللبنانية المتتالية حلقاتها منذ سنوات؛ قد طويت. وفي ذلك ما يدعو إلى الارتياح وما يعطي هذا البلد فسحة لاتقاط أنفاسه والعودة بأوضاعه إلى السكّة السويّة.

 

لعبة العضّ على الأصابع والصراع فوق ساحته، أنهكته. بل كادت تطيح تماسكه وتهدّد نسيجه. أصلاً توازنات معادلته، الداخلية والسياسية، دقيقة. والمرحلة الأخيرة وما شهدته من هزاّت، زادت من شدّة التهاباتها وسرعة عطبها. لكن في الوقت ذاته، أظهرت عن قدرة على الانتظار، بالرغم من إحباطاته وطول أمده.

 

المأمول أن يكون في ذلك دليل على استفادته من دروس تجاربه العديدة. وعلّ مجيء الحكومة هذه، بعد كل المطبّات التي مرّت بها، يؤكد هذه الدروس. وبالتحديد اثنين منها: أن الحوار بين الأطراف اللبنانية، هو السبيل الوحيد الذي لا يخرج معه خاسر ورابح. وثانياً أن الحلول، في آخر المطاف، لابدّ وأن تكون صناعة محلية. بالنهاية، اللبنانيون هم المعنيون، أولاً وأخيراً، بالتوافق والعيش المشترك. ويعرفون من تاريخهم ومحطاته المؤلمة، أن مثل هذه الصيغة هي أساساً، قرار لبناني يترجم إرادة لبنانية.

____________________

التوتر يتصاعد... والقدس أزمة متجددة

مجلة تايم الأميركية

ترجمة

الأثنين 9-11-2009م

ترجمة: ليندا سكوتي

الثورة

لا ريب بأن النزاع القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن دخول الأماكن المقدسة قد عرقل الحياة في مدينة القدس القديمة، ولم تكن أحداثه مجرد صدام تم به تصوير رجال الشرطة الإسرائيلية بتاريخ 25 تشرين الأول

وهم يدخلون المنطقة التي يستحوذ عليها الفلسطينيون في الأقصى لقمعهم وقمع الشبان الذين يرمون الحجارة فحسب، بل كانت في واقعها أعمال شغب في المدينة المقدسة تعطينا مؤشرا بأن كلا الجانبين قد يخوض مواجهة جديدة في ظل غياب أي توجه نحو عملية سلام حقيقي.‏

منذ عدة أسابيع وحتى هذا اليوم، يتصاعد التوتر في مدينة القدس، دون أن تفلح الجهود المبذولة من قبل إدارة اوباما في تحفيز الحكومة الإسرائيلية للسير في إحياء مفاوضات الوضع النهائي، لأن إسرائيل مازالت ترفض تجميد البناء الاستيطاني وتبذل قصارى جهدها للانفراد في بسط سيطرتها على القدس الشرقية المحتلة عبر هدم بيوت الفلسطينيين وإقامة وحدات سكنية للإسرائيليين بدلاً منها، الأمر الذي دعا المجموعات الإسلامية الى انتهاز الفرصة الناجمة عن قيام الإسرائيليين بعمليات الحفر في المدينة القديمة، وجعلهم يحتجون بأن إسرائيل تخطط لبسط سيطرتها على المواقع المقدسة، ذلك الأمر الذي نفته إسرائيل نفيا قاطعا، وعلى الرغم من ذلك فقد كان لهذا الادعاء الأثر البالغ في تصاعد الغضب لدى الفلسطينيين والعالم الإسلامي، ذلك الغضب والاحتجاج الذي جابهته إسرائيل بلجوئها إلى منع الفلسطينيين الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما، وغير المقيمين في القدس، من الدخول الى المسجد الأقصى والمعروف لدى العرب بالحرم القدسي الشريف، الأمر الذي زاد من شكوك الفلسطينيين إزاء النوايا الإسرائيلية.‏

إن ما حدث من اشتباكات بتاريخ 25 تشرين الأول قد جاء إثر دعوة المجموعات الإسلامية الفلسطينيين للدفاع عن المسجد بعد ان سمحت اسرائيل للإسرائيليين بدخوله في اليوم السابق، وربما كانت المجابهة أقل حدة في ذلك اليوم لو اتخذت الإجراءات المناسبة لمنع اليهود من الصلاة في المسجد الأقصى. لكن ما زاد الأمر حدة هو ما نشهده من تراجع لثقة الفلسطينيين بما ينهجه الرئيس محمود عباس حيال مفاوضات السلام مع إسرائيل والأمريكيين، الذي إزاءه صرح قائد حماس خالد مشعل في ذلك اليوم بأن «مصير القدس ستحدده أعمال الجهاد والمقاومة ولن تحدده المفاوضات». هذا ولا بد أن نأخذ باعتبارنا بأن موضوع القدس له مدلولاته وتأثيره ليس على الفلسطينيين فحسب، بل على العالمين العربي والإسلامي اللذين تزايد بهما العداء لإسرائيل، حتى في تركيا التي تعتبر حليفة لها منذ أمد بعيد.‏

وعلى الرغم من الدور الرئيس الذي لعبه مؤيدو حماس في الاحتجاجات التي قامت بالقدس، فثمة دليل قاطع بأن مؤيدي فتح كانوا يشاركون في تلك الاحتجاجات جنبا الى جنب مع مؤيدي حماس. تلك الحقيقة التي أدركتها الحكومة الإسرائيلية، وجعلتها تطرد المسؤول في السلطة الوطنية عن الأماكن المقدسة لمدة أسبوعين. وفي الوقت الذي يتابع به عباس مسيرته بمطالبة إدارة أوباما باتخاذ الخطوات التي وعدت بتنفيذها، نجده يهدد بعدم الترشيح للانتخابات القادمة أو التنحي عن الرئاسة، مؤكدا بأن عملية السلام مع حكومة متشددة يرأسها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أمر يتعذر تحقيقه.‏

لقد بدا الانقسام واضحا بين عباس والجيل الأصغر من قادة فتح الذين نفد صبرهم من استمراره بمتابعة عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة، على الرغم من أنها لم تقربهم من إنشاء دولة فلسطينية عبر عقد من المحادثات. لذلك يلاحظ بدء المواجهات بين الحرس القديم والحرس الجديد وفقا لما ذكره حسان باكير رئيس المركز الفلسطيني للبحث والتوثيق في بيروت. وذلك بعد أن سئم الجيل الجديد من الاستماع لأقوال محمود عباس التي لم يلتزم بها، لذلك لم يجدوا مناصاً من الدعوة للعودة الى المقاومة.‏

بدلاً من بذل الجهود لاستعادة الثقة الفلسطينية بعملية السلام نجد أن مساعي إدارة أوباما مازالت مقتصرة على الأقوال دون الأفعال، الأمر الذي أدى إلى انحسار وتلاشي التفاؤل بجهود السلام الذي ظهر إثر خطاب باراك أوباما في القاهرة، لأن إدارته فشلت في جعل إسرائيل تذعن لمطلبها بتجميد البناء الاستيطاني، فضلا عن أن تلك الإدارة قد وضعت عباس في وضع يتعذر به الدفاع عن نفسه، حيث ظهر ذلك جليا في مطلع الشهر الماضي عندما ضغطت عليه لحشد التأييد لموضوع عدم مناقشة الأمم المتحدة لتقرير غولدستون الذي يتهم إسرائيل وحماس بارتكاب جرائم حرب إبان الحرب التي حدثت في الشتاء الماضي على غزة. كل هذا الأمر أغضب الفلسطينيين غضباً شديدا، ومنهم كبار قادة فتح، الأمر الذي جعله يتراجع عما قام به ويغير مواقفه.‏

إن استمرار الخلافات وتناميها بين الفلسطينيين والإسرائيليين وخاصة في مدينة القدس سيزيد من مقاطعة العالم الإسلامي لإسرائيل. إضافة لما حدث مؤخرا من قيام فرنسا بإلغاء القمة المتوسطية المزمع عقدها عندما رفضت مصر الاجتماع مع وزير الخارجية الإسرائيلية المتشدد أفغيدور ليبرمان. وما حدث في الأردن، عندما قامت مظاهرات بتاريخ 27 تشرين الأول (وهو الذكرى السنوية لاتفاقية السلام المبرمة مع اسرائيل) حيث عمد المتظاهرون إلى حرق العلم الإسرائيلي، وقامت المعارضة في البرلمان بالدعوة لإلغاء تلك المعاهدة.‏

عندما تسلم اوباما البيت الأبيض انتعشت الآمال بتحقيق السلام بعد ان قطع الوعود بإيجاد حل سريع للنزاع في منطقة الشرق الأوسط. لكن كل جهود إدارته لم تفض إلا إلى القليل من التقدم. ولسوء الحظ بالنسبة لأوباما، ربما لن يصبر الفلسطينيون حتى تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطها على إسرائيل. بل وسيصبحون أكثر ميلاً للاعتماد على أنفسهم، الأمر الذي يحول مشكلة الشرق الأوسط إلى أزمة عصية على الحل بالنسبة لإدارة أوباما.‏

____________________

تركيا واسرائيل .. افتراق متدرج

بقلم :سولي اوزل‏

موقع بيترليمونز

ترجمة

الأثنين 9-11-2009م

الثورة

ترجمة :ريما الرفاعي

في ذروة العلاقات الحميمية بين تركيا واسرائيل عام 1996، كان لتركيا علاقات شائكة مع ستة من جيرانها التسعة: اليونان وسورية وقبرص وايران والعراق وارمينيا. وبعد وفاة الرئيس التركي تورغت اوزال،

سيطر العسكر بشكل كبير على السياسة في تركيا، وتعاقبت على البلاد حكومات حالت دون احداث اصلاحات ادارية واقتصادية وسياسية ضرورية من اجل المضي بتركيا الى الامام. ونظرا لخسارة الاحزاب السياسية في تركيا العملية الانتخابية، حظي الاسلاميون بشعبية كبيرة مكنتهم من الفوز في انتخابات كانون الأول 1995كأكبر حزب في البلاد. كانت تركيا انذاك منبوذة وغير قادرة على تلقي أي دعم تكنولوجي او مادي فضلا عن عدم قدرتها على شراء الاسلحة الضرورية من حلفائها، بينما كانت الولايات المتحدة تتعرض لهجوم من قبل اللوبي الارمني واليوناني في الكونغرس لمنع أي تعامل مع تركيا. في ظل تلك الظروف حصل التقارب التركي الاسرائيلي، وهو تقارب خطط له العسكر في تركيا بهدف كسر العزلة الدولية التي تعاني منها البلاد ومن اجل ارسال رسالة قوية الى جيران تركيا، والى الاسلاميين الذين فازوا في الانتخابات. ولكن بعد ثلاث سنوات تحسنت العلاقات التركية مع اليونان وايران . ونال العسكر الثقة والشعبية في حربهم ضد حزب العمال الكردستاني بمساعدة من المخابرات الاسرائيلية، اضافة الى الدعم التكنولوجي واللوجستي الاسرائيلي .‏

اسرائيل استفادت سياسيا من هذا التقارب حيث كسرت عزلتها في الشرق الاوسط، كما انها استفادت اقتصاديا، وصار الاسرائيليون مرحباً بهم في اسطنبول وانطاليا. وعلى الصعيد العسكري كان مفيدا هذا التقارب لسلاح الجو الاسرائيلي الذي صار بوسعه أن يتدرب في اجواء اوسع .كما تلقت تركيا دعما من عدد كبير من الجماعات المؤيدة لاسرائيل في الولايات المتحدة ومن بعض المنظمات اليهودية.‏

غير ان شرعية هذه العلاقات لا بد ان تعتمد على وجود سلام شامل بين العرب واسرائيل . فالجمهور التركي يؤيد تاريخيا القضية الفلسطينية ويفضل قيام دولة فلسطينية مستقلة. ومع تدهور العلاقات بين الفلسطينيين واسرائيل وعدم وجود عملية سلام، فإن الاساس الاخلاقي للتقارب بدأ يتآكل . في تلك الاثناء بدأت تركيا تتغير واخذت تسعى للحصول على عضوية في الاتحاد الاوروبي، وبعد أن تسلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الامور في تركيا عام 2002 استطاعت تركيا توسيع اقتصادها والقيام بالاصلاحات الادارية والسياسية التي طالما تم تأجيلها. وهذا الانتقال الكبير للسلطة ، وضع حدا لعهد سيطرة العسكر على السياسة التركية، وبدأت نخب جديدة بالظهور مكان القديمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.‏

في السياسة الخارجية ،لحقت تركيا بالاتحاد الاوروبي وعملت على تحقيق تقارب مع دول الجوار. في اعقاب حرب العراق وبعد الاخفاقات الاميركية الكثيرة ،كان من مصلحة تركيا الاهتمام بحدوث تقارب واخذ دور في المنطقة. وقد رفض البرلمان التركي نشر قوات اميركية في البلاد لفتح جبهة شمالية ضد العراق ما ارجع تركيا بقوة الى الشرق الاوسط.‏

وكانت تركيا مثالا للدولة التي يحكمها حزب اسلامي وتستمر كدولة ديمقراطية ومتطورة اقتصاديا .‏

في مجال السياسة الخارجية ، جند حزب العدالة والتنمية نفسه لحل المشكلات مع دول الجوار ،وعملت تركيا على ملء الفراغ الذي احدثته الولايات المتحدة، حيث رعت عملية الوساطة بين اسرائيل وسورية، وحاولت السياسة الخارجية التركية ايجاد مناطق توازن حول تركيا وتجنبت المواجهات بغية توجيه موارد المنطقة نحو النمو الاقتصادي. وكان من اولويات تركيا احداث سلام في المنطقة بين العرب واسرائيل، وتحملت انقرة عدة مخاطر في محاولاتها التقارب مع حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006. لكن الجهود التركية كان يقابلها من جانب اسرائيل عدم استعداد لتغيير سياساتها وتحقيق سلام مع الفلسطينيين.‏

وتنظر اسرائيل الى ايران كخطر داهم وتسعى الى عزلها سياسيا، بل وتحرض على ضربها عسكريا، بينما تركيا تعارض أي ضربة جوية ضد جيرانها. وكان لحرب اسرائيل ضد لبنان وللعملية العسكرية في قطاع غزة وقع كبير على الاتراك.‏

فالمجتمع التركي المحافظ دينياً الذي يزداد نفوذه على الدوام، تأثر كثيراً بما جرى في غزة، ودفعه هذا التأثر للخروج في تظاهرات ومسيرات مناوئة لإسرائيل في مختلف أنحاء البلاد. كما أن الهجوم الإسرائيلي على غزة أثّر كذلك على رئيس الوزراء التركي أردوغان وعلى القاعدة الإسلامية التي تمتد فيها جذور حزبه. وقد كانت كلمة اردوغان في مؤتمر دافوس 2009 مؤشرا واضحا على رفض تركيا للممارسات الاسرائيلية. وقال أردوغان إن بلاده تدافع عن المقهورين ضد قاهريهم مشيراً بوضوح إلى ما حدث في غزة. كما قال «أحمد داود أوغلو» رئيس الدبلوماسية التركية إن علاقة بلاده مع إسرائيل لن تتحسن ما لم يتم إنهاء المأساة الإنسانية في غزة.‏

يبدو ان لاسرائيل وتركيا نظرتين مختلفتين في الشرق الاوسط . فالاطار الاستراتيجي الذي سمح لاسرائيل برسم سياستها الخارجية كما تحب قد انتهى الان .وسياسات اسرائيل لن تلقى الدعم هذه الايام حتى من الادارة الاميركية نفسها.ومن ناحية اخرى ،بسبب تركيز انقرة على الاستقرار والسلام والدمج الاقتصادي في المنطقة، فهي ترفض استخدام القوة، ومن الواضح ان هذا جزء من الاسباب التي جعلت واشنطن تفضل الشراكة مع تركيا هذه الايام.‏

ان تنامي الخلاف بين اسرائيل وتركيا يرتبط بشكل رئيسي بالموضوع الفلسطيني بدءا من قرار حزب العدالة والتنمية اجراء حوار مع حماس في اعقاب توليها السلطة في غزة 2007وصولا الى الحرب على غزة ، فضلا عن الشعور بالغدر الذي سيطر على اردوغان بسبب سلوك رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت الذي أوقف وساطته بين سورية واسرائيل بعد حرب غزة . فضلا عن ذلك أسهم تقارب تركيا مع ايران في ابتعادها عن اسرائيل . و في اب 2008 استقبلت تركيا الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في الوقت الذي لم تقدم فيه أي دولة اوروبية على تلك الخطوة وقد اعلنت تركيا رفضها استخدام العقوبات الاقتصادية ضد ايران. وجاء حذف تركيا مشاركة اسرائيل في تمرينات الناتو الجوية ضمن الاجواء التركية، كأحدث مؤشر على هذا الافتراق المتدرج بين تركيا واسرائيل.‏

________________________

العولمة بوصفها أمركة

آخر تحديث:الاثنين ,09/11/2009

الخليج

عبد الاله بلقزيز

كان مألوفاً أن يقال في سنوات التسعينات من القرن العشرين الماضي إن تعيين العولمة بلغة التعريف النظري أمر ممتنع أو متعذر لأنهامثلما قيلما زالت في طور النشوء والتكون لم تكتمل عناصر هيئتها بعد، وأنها مازالت تشهد حالاً من السيولة في الوقائع والظاهرات لم تستقر لها حال بما يسمح بحَصْرِ وجوه تمظهرها واشتغالها. كان ممكناً التسليم بوجاهة مثل ذلك الريث في التعريف، مع بعض التحفظ على الذهاب به بعيداً. أما اليوم، بعد ما يزيد على سنوات عَشْر من ذلك التردد، فبات سائغاً الخوض في مثل ذلك التعيين النظري بعد أن “اكتملت الصورة” وتبينت الملامح والقسمات، وأخذت العولمة مداها في الإفراج عما تمتشيه في جوفها من حقائق وممكنات.

 

كنا قد وصفنا العولمةقبل نيف وعقد من الزمنبأنها “الاسم الحركي للأمركة”، وقصدنا بذلك أمرين أثنين: أولهما أن العولمة ليست شيئاً آخر سوى الرأسمالية الاحتكارية وقد انتقلت من عالم الميتروبول الغربي “الأمريكيالأوروبي” إلى مركز أوحد أو يكاد هو المركز الأمريكي. وثانيهما أن العولمة ليست العالمية على نحو ما يُدّعىَ ويزعم في خطاب كهنتها الايديولوجيين مِمّن بشروا طويلاً ب”عدالتها” في توزيع مغانمها على البشر أجمعين، وإنما هي نقيض لفكرة العالمية ونقض لها. لا بأسهنامن استطراد بياني لإلقاء الضوء على الفكرتين التي قصدناهما بوصف العولمة أمركة:

 

العولمة أمركة لأنها تجسيد مادي وسياسي معاصر لصيرورة الاحتكاروهو سمة الرأسمالية في طورها الامبرياليحقيقة أمريكية صرفاً أو شيئاً بهذه المثابة. منذ الثورة التكنولوجية الأخيرة، والثورة المعلوماتية، قبل عقدين، بدأ يتبين على نحو شديد الوضوح أن الشراكة الرأسمالية الامريكيةالأوروبية الجامعة، التي كان وجود الاتحاد السوفييتي والخطر الشيوعي قد غذّاها ولحمها وضمن لها الاستمرار، دخلت في لحظة انكماش وتحلل وخاصة بعد زوال ذلك الخطر “الشيوعي” على النظام الرأسمالي العالمي. بدا، منذ ذلك الحين، وكأن الاحتكارالذي كان شبه مقتسم بين المراكز الرأسمالية الكبرىينفلت من أي عقال ويأخذ مداه بعيداً في التعبير عن نفسه وعن حقائقه الجديدة. كانت التنافسيةوهي سمة من سمات النظام الرأسماليقيد مراقبة وحساب بين الميتروبولات الكبرى لأن الرأسماليات محكومة حينها بالتضامن البيني في مواجهة للخطر المشترك “الشيوعي”. أما وأنها تحررت من الشعور بالخوف منه، بعد انهياره، فكان عليها أن تحتدم وأن يصبح الصراع على احتكار الثروة والمال والأعمال والقرار الاقتصادي طقساً عادياً داخل المجال الرأسمالي العالمي.

 

أسفر ذلك الصراع داخل الميتروبول الرأسمالي في المراحل الأولى منه “أوائل التسعينات من القرن العشرين” عن تحول مثير في علاقات القوة ومشهد الاستقطابات على الصعيد الدولي: التحول في معنى وفي علاقات وجغرافيا مركز/اطراف “هوامش”. في الماضي القريب، كان المركز غربياً “أمريكياًأوروبياًيابانياً”، وكانت الاطراف من نوعين: منظومة الدول “الاشتراكية” ومنظومة دول “العالم الثالث”. أما بعد انهيار “المنظومة الشيوعية”، فأصبح المركز هو الولايات المتحدة الامريكية حصراً، وباتت الدول الرأسمالية الأخرى أطرافاً جديدةوإن متقدمةلهذا المركز الجديد الذي يديرها. استفادت أمريكا لإنجاز هذا التحول في علاقات القوة من عاملين: تفوقها العسكري الكاسح الذي تعزز بانهيار الاتحاد السوفييتي، واستثمارها الثورة التكنولوجية الجديدة للسيطرة على نظم المعلومات. وهكذا فإن الاحتكار الامريكي للثروة والقوة والسلطة “القرار الدولي” والمعلومات يضفي على هذه اللحظة الجديدة من الرأسمالية “العولمة” بصمة قومية أمريكية.

 

لكن أمريكاوهذا هو الوجه الثاني للمسألةسعت في أن تقدم عولمتها، أو قل أمركتها للنظام الرأسمالي، في صورة توحي بأنها لحظة نوعية في التطور تحدث الاختراق الكبير في مشهد العلاقات السائدة نحو التأسيس ل”عالمية” جديدة قائمة على “الشراكة” بين الجميع في الفرص والمنافع والإدارة. وكان أن اقترف هذا السعي بالادعاء الامريكي المتمادي بأن نهاية القطبية الثنائية والحرب الباردة بين المعسكرين تفتح الأفق أمام ميلاد “نظام عالمي جديد” رسمته “الشراكة” في إدارة النظام الدولي، وتفعيل مؤسساته المعطلة وإنفاذ أحكام القانون الدولي لفض المنازعات وحفظ الأمن والاستقرار في العالم. ومثلما أوحت سياسات تحرير التجارة الدولية من القيود وتأسيس “المنظمة العالمية للتجارة”، وتفعيل دور “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي” في برامج التنمية الاجتماعية، ونشوء الشركات الصناعية العملاقة والبنوك الكبرى المندمجة غير العائدة الى أصول قومية بذاتها، بأن العولمة تنتج مؤسساتها العابرة للحدود وتوفر مساحات لمشاركة الجميع، كذلك أوحى تفعيل دور مجلس الأمن الدولي وسياسة التوافق بين أعضائه والصرامة في تطبيق بعض قرارته، وكأن هذه “العالمية” تأخذ وجهها لسياسي قرين وجهها الاقتصادي.

 

تلك كانت أزعومة تبين انفضاحها سريعاً. لم يكن للمؤسسات الاقتصادية الدولية من وجه عالمية سوى الاسم الذي تحمله. أما في الواقع، فحملت وظائفها على النحو الذي خدمت به مصالح الولايات المتحدة في مواجهة خصومها (الصين، روسيا، أوروبا، بعض بلدان العالم الثالث). فلقد ظلت الولايات المتحدة تسخّر هذه المؤسسات العالمية لتكريس سلطة الدولار، والدفاع عن أمنها التجاري في وجه الصين واليابان، واستعمال القروض وجدولة الديون سلاحاً سياسياً ضد روسيا والدول الخارجة عن طاعتها من “العالم الثالث”. أما المؤسسات السياسية العالمية كمجلس الأمن، فوقع تسخّيرها لإنجاز حروب أمريكية عدوانية ضد العراق ويوغسلافيا وأفغانستان ولتشديد الحصار على سوريا وليبيا والسودان وإيران. وحين لم يكن القانون الدولي ومؤسساته يسعفانها، كانت تلجأ الى منظومتها العسكرية الخاصة: الأطلسية (كما في حالتي صربيا وأفغانستان) أو القومية الأمريكية مع بعض المرتزقة الحلفاء كما في حالتي الصومال والعراق).

______________________

كما قال

بثينة شعبان

الشرق الاوسط

9-11-2009

انشغلت معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية بإبداء استغرابها على وصف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون استعداد نتنياهو «لكبح جماح» البناء في المستوطنات، على أنه «خطوة غير مسبوقة»، ولم يتسن للكثيرين منهم، ربما، الوقت الكافي لقراءة نص المؤتمر الصحفي الذي عقدته كلينتون مع نتنياهو في القدس المحتلة، والذي فعلا يستحق التسمية بأنه «غير مسبوق». ولكن قبل أن أتناول لغة وموضوع المؤتمر الصحفي، أود أن أقتبس بدقة ما قالته السيدة كلينتون، موضحة ومفسرة ما قدمه نتنياهو في موضوع المستوطنات: «ما قدمه رئيس الوزراء في تفاصيل إحجام في سياسة المستوطنات، والتي وصفها للتو، هو غير مسبوق في إطار المفاوضات السابقة»، وبهذا فقد تبرعت السيدة كلينتون في المؤتمر الصحفي بتوضيح ما قصده نتنياهو والثناء عليه والترويج له، متناسية أن تفكيك المستوطنات وتجميد المستوطنات، كانا شرطين أساسيين في مرجعية مؤتمر مدريد، كما أن الأمم المتحدة والعالم أجمع يؤكد لا شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة بما فيه بلدها هي، الولايات المتحدة الأميركية. ولكنّ اللافت هنا، بالإضافة إلى التراجع الخطير في موقفها هي كوزيرة خارجية، حيث أكدت مرارا وأمام شاشات التلفاز، أن إيقاف الاستيطان من جانب إسرائيل، شرط ضروري لاستئناف المفاوضات، اللافت هو أن تأخذ وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية دور المفسر والمروج لكل ما يتفوه به رئيس وزراء كيان يقوم بإبادة جماعية حربا وحصارا ضد شعب أعزل وينتهك المقدسات ويمارس القرصنة في وضح النهار.

ولم يكن هذا هو المثال الوحيد في المؤتمر الصحفي الذي تتبرع به وزيرة خارجية الولايات المتحدة بتفسير وتأييد وتسويق ما يصدر عن نتنياهو، الأمر الذي بدا غريبا ومستغربا بالفعل، وسيبدو كذلك حتى لو كانت هي وزيرة خارجية نتنياهو. فقد بدأ نتنياهو بتجاهله المطلب الأساسي للرئيس أوباما بوقف الاستيطان وقفز إلى المفاوضات، ومع ذلك كان رد وزيرة الخارجية الأميركية: «إنني أقدّر الكلمات الإيجابية جدا حول الحاجة للعودة إلى المفاوضات، والتي ستكون في مصلحة إسرائيل العليا وأمن إسرائيل»، مضيفة، كجملة رفع عتب «وأيضا خلق دولة للشعب الفلسطيني»، ولكن دون تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني، أو أمن الشعب الفلسطيني، لأن المصلحة والأمن ذكرتا لإسرائيل فقط. وانتقلت في جوابها الثاني من هذه النقطة التي وضعت بها مصلحة إسرائيل وأمن إسرائيل كهدف نهائي للمفاوضات دون ذكر حقوق الشعب الفلسطيني أو أمنه، انتقلت إلى القول: «أريد من الجانبين البدء بالسرعة الممكنة في المفاوضات»، أي أنها تطلب من الفلسطينيين أن يسارعوا للدخول بمفاوضات تحقق «مصالح إسرائيل العليا وأمنها». مضيفة «الشيء المهم كما قال رئيس الوزراء للتو هو أن نبدأ المفاوضات. وقد أعطيت الرسالة نفسها اليوم للرئيس عباس حين التقيت معه». إذاً الوزيرة كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية، تقف في مؤتمر صحفي مع رئيس وزراء كيان معتد ومرتكب لجرائم حرب ضد شعب فلسطين الأعزل، فقط كي تشرح ما يقوله للصحفيين وتؤكد عليه وتدعو الفلسطينيين للسير به والامتثال له. ولم يتوقف الأمر هنا، بل قالت في ختام جوابها «أعتقد أن أفضل سبيل لاختيار الطريق إلى الأمام هو، كما قال رئيس الوزراء، أن نبدأ بالسير على الطريق». وتخيلت للحظة لو أن رئيس الوزراء لم يقل شيئا، فماذا كان لدى الوزيرة كلينتون أن تقوله أو أن تؤيده. وما أن قلبت الصفحة لأقرأ السؤال التالي الذي سأله مارك لاندلر، مراسل «النيويورك تايمز»، حتى تأكدت من صحة مخاوفي.

فقد وجه مارك لاندلر السؤال التالي للسيدة كلينتون: «السيدة وزيرة الخارجية، حين كُنتِ هنا في آذار (أي في القدس) أعطيت تصريحا قويا تدينين به هدم البيوت في القدس الشرقية، ومع ذلك فإن الهدم استمر دون توقف، وبالواقع فإن محافظ القدس أصدر منذ أيام أمرا جديدا بالهدم، كيف تصفين هذه السياسة اليوم». ولكن ولأن رئيس الوزراء لم يجب على هذا السؤال، فإن وزيرة الخارجية لم تجب عليه أيضا، بل قالت: «دعني أقول ليس لدي شيء لأضيفه لما قلته في آذار». ولم تدن كلينتون هدم قوات الاحتلال لمنازل الفلسطينيين، ولم تدن مصادرة حتى الخيمة التي آوت إليها عائلتي حنون والغاوي، ولم تدن تشريد آلاف الفلسطينيين غيرهم وتعذيبهم على الحواجز والطرقات. ربما لا تعرف السيدة كلينتون ماذا يعني أن تأتي سلطة احتلال عنصرية شرسة لتهدم بيت إنسان، ولكن يمكن لها أن تتخيل العودة إلى منزلها المريح حتما، لا لترى أنه هدم، بل لترى أن لصا قد سرق كتبها وصورها وتاريخها وملابسها المفضلة وعطّل الماء والكهرباء، فلا يمكن لها العيش في المنزل، وتقف على الرصيف لا مأوى، ولا ذاكرة، ولا دفء ولا مكان لصنع الطعام. ولكن إذا كان يصعب على السيدة كلينتون تخيل ذلك، كان يمكن لها السير بضع خطوات فقط لترى ماذا فعل نتنياهو ومحافظ القدس بالقدس الشرقية وأهل فلسطين، وإذا كانت لا تعرف كل ذلك، فلا بدّ أنها تعرف أن هدم المنازل ممنوع دوليا حرمته اتفاقيات جنيف، وأن حق الإنسان في العيش بكرامة على أرضه ومنزله، هو أقدس حقوق الإنسان بعد حقه في الحياة. بعد كل هذا الأداء لوزيرة الخارجية الأميركية، أكد نتنياهو أنه يقبل رؤية حل الدولتين لشعبين: «دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بدولة يهودية في إسرائيل»، وأنه اتفق مع المسؤولين في الإدارة الأميركية «أنهما مستعدان للانخراط في محادثات السلام فورا دون شروط مسبقة»، وهنا أخذ نتنياهو المبادرة ليتحدث باسمه وباسم الولايات المتحدة بعد أن أكد أنه حاور الإدارة الأميركية واتفق معها على ما يقول، مريحا بذلك السيدة وزيرة الخارجية الأميركية من إعادة شرح ما يقوله والتأكيد عليه والترويج له. وبهذا لم يعد مهما ماذا قالت وزيرة الخارجية للوزراء العرب في المغرب، ولم يعد مهما تراجعها عن أقوالها أو تفسيرها لها، فقد وقفت أمام الكاميرات لتقول إن موقف الولايات المتحدة في الصراع العربي  الإسرائيلي هو موقف حكومة نتنياهو، ولذلك ليس من المهم أن نبحث بعد اليوم عمّا تقوله السيدة كلينتون في هذا الشأن، بل يمكن الاكتفاء بما نسمعه من نتنياهو. وهذا الموقف، والذي يندرج في إطاره معظم مواقف الدول الغربية التي تسير في ظل الموقف الأميركي، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي  الإسرائيلي، هو موقف يستهين بحياة العرب وكرامتهم وحقوقهم لأنه يدعو الفلسطينيين إلى العمل من أجل «مصلحة إسرائيل العليا وأمنها» دون ذكر لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وأمنه.

هذا الموقف ترجمه المندوب الأميركي في الجمعية العامة بالانسحاب، بعد أن تحدثت السفيرة الإسرائيلية هناك عن تقرير غولدستون، وهو الموقف الذي سيؤدي إلى اتخاذ قرار الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، أي أنه الموقف الذي يؤيد ارتكاب حكام إسرائيل جرائم وحشية ضد المدنيين الفلسطينيين دون حساب أو ردع، وهو الموقف الذي يؤيد قتل ألف ومئتي طفل ومدني فلسطيني في غزة بقنابل الفوسفور، ويؤيد هدم مشافيهم ومدارسهم ومنازلهم وتركهم في العراء حتى اليوم دون دواء أو غذاء، وترك مليون ونصف فلسطيني تحت حصار عنصري لم يشهد له التاريخ مثيلا منذ تجربة الهنود الحمر في أميركا والأبورجينز في استراليا. والأكثر من ذلك أن نتنياهو يعتبر احتمال نقل سلاح إلى من يحاول صد كل هذا العدوان عن نفسه بأنه «جريمة حرب»، بينما تسلح ميركل إسرائيل بغواصات نووية دون أن توجه لها تهمة من هذا النوع، كما أن إسرائيل أصبحت بفضل الدول الغربية دولة مصدرة للسلاح، وهي دولة مدججة بالأسلحة النووية، فهل كل هذا يعني أنه يمكن للمعتدي الإسرائيلي امتلاك ما يريد من السلاح واستخدامه ضد المدنيين فقط لأنه يهودي، ولا يجوز للمعتدى عليه الفلسطيني امتلاك السلاح للدفاع عن نفسه، فقط لأنه عربي؟! مع أن قصة السفينة هدفت فقط لإبعاد النظر عن جرائم إسرائيل الواردة في تقرير غولدستون، ولإثارة التعاطف معها.

أية إساءة للديمقراطية التي يرتكبها السياسيون في الغرب عندما يبررون جرائم الحرب والقتل والتعذيب والحصار التي يرتكبها حكام إسرائيل ضد المدنيين العزل.

متى يفهم حكام العرب وإعلامهم عمق العنصرية والتعصب والكراهية الغربية ضدهم المتمثلة بالقائمة السوداء للدول التي صوتت ضد تقرير غولدستون لتبرير جرائم إسرائيل ضد المدنيين العرب، فقط لأنهم عرب، فيوحدون كلمتهم وسياساتهم، ومتى يتأكد شرفاء العالم من هول الجرائم التي ترتكب اليوم ضد شعبنا في فلسطين، فيقفون بجرأة وثبات ضدها، كي لا يلحق بأممهم

_____________________

أفضل الحلفاء الذين يمكن شراؤهم بالمال

توماس فريدمان

9-11-2009

الشرق الاوسط

في عام 2003 كنت في رحلة إلى العراق وأعددت للقاء في المنطقة الخضراء مع أحد أعضاء مجلس الحكم العراقي آنذاك. كان الأمن محكما، وعندما وصلت مع مترجمي العراقي الذي كان يعمل بمهمة التدريس من قبل، إلى المجلس أخرجت بطاقة هويتي وبعد حديث مطول إلى بعض الجنود الأميركيين وطلبوا مني الانتظار، ثم خرج لي رجل يرتدي ملابس مدنية كانت أحدها أشبه بملابس الصيد ويرتدي قبعة الأدغال الاسترالية.

لم يعرّف الرجل لي نفسه بصورة كافية لكن كان من الواضح أنه «متعاقد مدني» عرفت ذلك من الشعار المنقوش على القميص. وعندما حاولت الاستفسار عن سبب تواجده هناك أمرني أن أغلق فمي حتى يسمح لي بالكلام. ثم طلب من مترجمي العراقي الانتظار فيما رافقني لأرى ما إذا كانت المقابلة التي سأجريها مع العضو العراقي ممكنة أم لا.

وهنا أجد نفسي مضطرا للاعتراف بأنني ومترجمي كنا نرغب في لكمه. لكنني استغرقت في التفكير وتساءلت: «لمن يقدم هذا الشخص تقاريره؟ إذا ما لكمته وأصابني فإلى من أشكوه؟».

كانت تلك المرة الأولى التي أواجه فيها الحراس الشخصيين ومزودي الخدمات وعمال الإغاثة  إيه كي إيه المتعاقدون المدنيون  الذين أصبحوا جزءا من منظومة الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان، حتى أن البعض منهم تم استخدامه في أبو غريب للقيام «باستجواب» للإرهابيين المشتبه بهم. واليوم لا توجد عمليات بالغة الحساسية يمكن معها تعهيد العمليات للقطاع الخاص.

وخلال نقاشنا حول عدد القوات الإضافية المفترض إرسالها إلى أفغانستان، ربما يكون من الأنسب الحديث عن المدى الذي وصلنا إليه من استئجار المتعاقدين الأمنيين للقيام بالمهام التي قالت عنها وزارة الخارجية والبنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية إنها مهام خاصة بها. ولعل أنسب نقطة للبدء بها هو كتاب البروفسور أليسون ستانغر الأستاذ في كلية ميدلبيري، الجديد «أمة واحدة متعاقدة: تعهيد القوة الأميركية ومستقبل السياسة الخارجية».

وقال لي ستانغر إنه في كل عام يتم تعهيد المزيد والمزيد من الأعمال الأساسية من الأمن القومي  الدبلوماسية والتنمية والدفاع بل وحتى الاستخبارات  تحولت إلى أيدي المتعاقدين الذين تجاوزت أعدادهم تصورات الأميركيين. وأن أحد الأسباب الرئيسة في قدرتنا على الاستمرار في حروب أفغانستان والعراق بعدد قليل من الحلفاء هي استعانتنا بهؤلاء المتعاقدين.

ويوضح ستانغر أن أفغانستان والعراق هي أولى حروب المتعاقدين معنا، والتي تختلف عن حروبنا السابقة، من ناحية اعتمادهم غير المسبوق على القطاع الخاص في كل مظاهر تنفيذ تلك الحروب. فتشير الدراسة التي أعدها مكتب الأبحاث التابع للكونغرس إلى أن المتعاقدين الأمنيين يشكلون نسبة 48% من قوة عمل وزارة الدفاع في العراق و57% في أفغانستان عام 2009، وأن البنتاغون ليس المؤسسة الوحيدة التي تقوم بالاستعانة بالمتعاقدين، فوزارة الخارجية ووكالة المعونة الأميركية توسع من استخدامها لهم أيضا. يوفر المتعاقدون الأمنيون الحماية للشخصيات والمواقع المهمة مثل السفارات وطعام وملابس وسكن القوات وكذلك تدريب الجيش ووحدات الشرطة، وكذلك الإشراف على المتعاقدين الآخرين. ولولا الاستعانة بهؤلاء المتعاقدين لملء الفجوة لاضطررنا إلى استصدار قرار شرعي بالتدخل أو أن نحتاج إلى حلفاء حقيقيين.

أنا لا أعارض التعهيد أو تطوير كفاءة الحكومة أو استخدام أفضل العناصر لتأدية مهام خاصة. لكننا نقوم بتعهيد بعض صميم مهام الحكومة  التحقيق والأمن وتعزيز الديمقراطية. ومع تعهيد المزيد والمزيد من هذه الأعمال الحكومية  أو كما قال ستانغر يصبح «عندما يغير المال والتعليمات الأيادي مرات عدة في السياسة الخارجية  تضيع المصلحة العامة وتقع الانتهاكات والفساد. كما أننا نبني بذلك مؤسسة صناعة التعاقد في واشنطن والتي أصبح لديها مصالح اقتصادية في السياسة الخارجية. ألا يشكل ذلك خطأ، أم يجعلنا نقف موقف المشاهد؟

في عام 2008 ذهبت 80% من ميزانية وزارة الخارجية إلى الخارج في صورة عقود أمنية ومنح. وكان المتعاقد الداعم الرئيس للجيش في العراق شركة كي بي آر والتي أشارت التقارير إلى امتلاكها 17,000 عنصر هناك.

ويقترح الجيش الأميركي الآن مشروعا ضخما لبناء أمة في أفغانستان لتحل محل الحكومة العاجزة عن أداء مهماتها وتقديم خدماتها للشعب الأفغاني حتى لا ينحازوا إلى طالبان. ربما أكون أكثر تقبلا لهذا المشروع إذا ما كان هناك تحالف دولي حقيقي قادر على مشاركة عبء هذا الجهد الذي نتولاه منذ عقد من الزمن. لكننا لا نملك ذلك، فالشعوب الأوروبية لا تفضل هذه الحرب، كما أن حلفاءنا لن يقدموا المزيد من الجنود حتى يحصلوا على ثمن ذلك، لكننا نعوض هذه الاختلافات عبر استخدام المتعاقدين الأمنيين.

ربما تؤدي الحكومة بفعالية أكثر من خلال شركات التعاقدات الأمنية. وربما يساعد التعهيد في تقديم إبداعات حقيقية خاصة في مجال التنمية الاقتصادية. ومع ذلك، فأنا محافظ في هذا الشأن: فعندما تجري أميركا عمليات بالخارج، أفضل أن تقدم شركاتنا المحلية الخدمات العامة لأنها تحكمها نفس المنظومة القيمية للدولة ولأنها تدين بالولاء لبلادنا؛ فهي ليست مجرد شركات يحركها الربح أو التطلعات الشخصية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ