ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 31/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


سورية وجسور أوروبا الشرقية نحو الغرب

بقلم : زياد حيدر

شام برس 29-10-2009

تحقق زيارة كرواتيا بالنسبة لسورية عدة أهداف، فهي تعيد وصل ما انقطع مع دولة من دول أوروبا الشرقية المتحولة اقتصادياً والحديثة استقلالاً، كما تفتح آفاقاً اقتصادية يمكن الرهان عليها، خصوصاً في ضوء الرغبة الإستراتيجية لهذه الدول بالانفتاح على العالم، وهو أمر يستوجب التشجيع، حين تكون هذه الرغبة ليست مقتصرة على أوروبا، كما تجري العادة مع أغلبية بلدان أوروبا الشرقية.

كان لافتاً في الأشهر الأخيرة من حكم الرئيس ستيبان ميسيتش التركيز على دول المنطقة، ولاسيما العربية منها، وهو الأمر الذي دفع دوائر غربية إلى العمل على «تقييم» أسباب هذه «التحويلة»، إذا صح التعبير، نحو المشرق لدى الرئاسة الكرواتية. وتبين في تقييم أولي أن ذلك مرده عدة أمور تأتي في مقدمتها الحاجة الماسة التي تشكلها الطاقة بالنسبة لكرواتيا، والتي تتمثل في ضرورة استيراد ما يقارب 70 بالمئة من حاجتها من الغاز، مصدر الطاقة الرئيس في البلاد. وكان سبق لروسيا التي تمد كرواتيا بالغاز عبر أوكرانيا، أن أغرقت البلاد في كابوس البرد القارس شتاء العام الماضي، بسبب خلاف تردد صداه في أوروبا بين موسكو وكييف. ولذا تقول مسؤولة كرواتية إنه من الطبيعي أن تبحث بلادها عن مصادر طاقة جديدة في العالم، يبرز من بينها العالم العربي بقطبيه الخليجي والشرقي. كما ترغب كرواتيا في «ترك أثر» عبر عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، وهي عضوية حصلت عليها بدعم من قبل أطراف عديدة، بينها دول عدم الانحياز التي تشارك بمنظمتها الجامعة باعتبارها مراقباً، كما كان للأم اليوغسلافية دور رئيسي في تشكيلها منذ عقود.

أيضاً تسعى كرواتيا إلى الارتباط بالعالم بسياسة «حسن جوار وصداقة»، وهي بذلك تمهد أيضاً لمسيرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تقف قاب قوسين أو أدنى من الدخول إليه، وفقاً لمصادر دبلوماسية أوروبية مقيمة في زغرب. وطبعاً لكرواتيا خلاف تاريخي مع صربياً، تشحذ التأييد لنفسها بشأنه، ولكن هذا يبقى محصوراً في سياسات الاتحاد الأوروبي الداخلية، مع تدخل بمستويات مختلفة بين القطبين الروسي والأميركي.

من جهتها تقدم الزيارة لسورية عدة عناصر هامة. فهي أولا تأخذ سورية خطوة أخرى بعيداً عن الدبلوماسية التقليدية المحصورة بخيارات التحالف والخصومة، وتجعل مصالح البلاد على مختلف المستويات، بما فيها التجارية والثقافية، هي المحرك الأساسي وراء هذه الدبلوماسية. وفي هذا السياق تبرز أهمية مشروع الربط بين البحار الأربعة، وما يعنيه ذلك من انفتاح نحو أوروبا أيضاً عبر البحر الأدرياتيكي، بالشكل الذي يتيحه تصور الجسر البحري بين موانئ طرطوس واللاذقية من جهة، وموانئ دوبرونفيك وسبليت.

كما تسمح هذه الدبلوماسية لسورية، بتحقيق وجودها في بلاد الشرق الأوروبي، ولاسيما المكونة حديثا بما يسوقه ذلك من تحقيق مصالح تجارية واقتصادية، ومستقبلا سياسية، وخصوصاً أن هذه البلاد تشهد نشاطا للخصوم يفوق وجودنا الحالي بأشكال عدة، إلا أن ما تقيمه هذه الزيارات من بنيان لا يكتمل إلا ببنية تحتية تستطيع تخديمه، وإطار من الحماية السياسية والقانونية. وهذا بلا شك يتطلب جهدا ومثابرة لا تنقطع، حتى تستطيع مراكب المتوسط أن تمد هذه الجسور ليس مع غرب أوروبا فقط، بل مع شرق آسيا وما بينهما.

========================

حلب الشهباء تحتضر " بيئياً " .. الرهان على الصناعة دمر البيئة ..مياه ملوثة وأجواء خانقة و أمراض وسرطانات .. وعود وتصريحات مسؤولين وشكاوى مواطنين ..والمعالجة غائبة!

يوسف جمعة

حلب .. شام برس 26-10-2009

يحتفل العالم سنوياً بيوم البيئة ، ويترافق الاحتفال مع تخفيض نسب التلوث أو القضاء عليه .

كما نحتفل نحن أيضاً باليوم نفسه ،لكن مع استمرارتدمير البيئة ..وبمجرد الانتقال بالصورة إلى مدينة حلب على سبيل المثال ، نجد أن معايير التلوث تجاوزت الخطوط الحمراء ..صناعيون يحتفلون بالبيئة ، وفي نفس الوقت يناور الكثير منهم منذ سنوات طوال للتملص من إنشاء محطات معالجة لمنشآتهم التي تنفث السموم في أجواء المدينة ومحيطها . أما التلوث المنبعث من معامل القطاع العام ، فحديث آخر.

ويبدو أن الرهان على الصناعة كان خاسراً ، ليس من الناحية الربحية فحسب ، بل بالنظر إلى التخريب الذي طال البيئة .. والنتيجة أمراض وسرطانات وشكاوى لا تنتهي ، وما من مجيب .

أحد الباحثين في المجال البيئي بحلب يصف الحال :" مدينة حلب تلفها المآسي ومحيطها يزخر بالمناطق الملوثة فالمجابل البيتونية تحيط بأحياء هنانو والحيدرية ، ومعمل إسمنت الشيخ سعيد يلوث النصف الجنوبي من حلب بسمومه المنبعثة من غبار الاسمنت الكثيف المتهرب من الأفران والذي قدره بعض المسؤوولين في حلب ب 40طن من الإسمنت المتهرب نتيجة قدم المعمل الذي يغطي بغباره أحياء الشيخ سعيد وباب النيرب¬ والفردوس والسكري وتل الزرازير¬ والأنصاري¬ وصلاح الدين¬ وغيرها .

وإذا ما انتقلنا شمالاً فإننا سنصل إلى المسلمية والمدينة الصناعية الشيخ نجار والمناطق المحيطة بهما حيث أكوام من النفايات وتلوث للهواء والمياه والأراضي الزراعية التي أكد معظم أصحابها تدني مستوى إنتاجها بشكل كبير مقارنة بسنوات مضت . والمتهم الأول في ذلك معمل الاسمنت الصناعي والعسكري في الجهة الغربية والمدينة الصناعية الشيخ نجار في المنطقة الشرقية .

وليس بعيداً عن المسلمية والمدينة الصناعية الشيخ النجار حيث يصل بنا المطاف إلى حريتان وكفر حمرة ، هناك المعاناة وبشكل كبير من الأمراض السرطانية واللايشمانيا نتيجة التلوث بمياه الصرف الصحي وانتشار الحشرات الضارة وكذلك معارة الأرتيقوجبرين والمنصورة وكفر داعل والقائمة مستمرة!! ‏

ويضيف الباحث البيئي بأن نتائج الدراسات أكدت على أن نوعية الهواء في أجواء حلب تدنت بشكل ملحوظ خلال السنوات الفائتة حيث أوضحت القياسات أن متوسط التراكيز اليومية للعوالق الهوائية الكلية والتنفسية تجاوزت الحدود المسموح بها بحسب المواصفات السورية. ‏

أما بالنسبة للملوثات الغازية فأشارت القياسات إلى تدني نوعية الهواء الذي أصبح محملاً في بعض المناطق بتراكيز مرتفعة من أكاسيد الكبريت وأكاسيد النتروجين وهباب الفحم وغيرها وهذه المركبات معروفة بتأثيراتها الصحية وما تسببه من أذى للجهاز التنفسي وتهيج العيون والربو والتهاب القصبات والسعال وغيره..

وقال : لقد أثبتت الدراسات أن زيادة نسبة هذه العوالق بالجو يؤدي إلى زيادة عدد الوفيات وزيادة حالات أمراض القلب والصدر التي تدخل المستشفيات، بالإضافة إلى زيادة احتياج مرضى الحساسية والربو إلى استخدام الأدوية وزيادة حالات انخفاض وظائف الرئة والالتهاب الشعبي المزمن ، و أمراض الربو الشعبي ، والصداع، وتهيّج العينين والأنف والحنجرة ، ومما لوحظ ازدياد حساسية الأنف والجيوب الأنفية ، واحتمال إصابتهم بالمضاعفات للأمراض الجينية والسرطان.

ربو والتهاب قصبات .. ولاشمانيا

زكريا الدادا وهو من سكان منطقة الشيخ سعيديقول : تعاني الأحياء الجنوبية لمحافظة حلب من دمار بيئي ، فعمل الإسمنت هو أشبه بتنين يجثم فوق صدورنا منذ زمن ، الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة بنسبة مرضى الربو والتهاب القصبات وذلك نتيجة الغبار الكثيف المنبعث منه ، بالإضافة إلى مرور مجرى الصرف الصحي من المنطقة والذي أصبح يستعمل لسقاية الخضراوات بهذه المياه الملوثة بالصرف الصناعي كالدباغات والمصابغ ورحبات الإصلاح والمسالخ وهذا يفسر نسبة السرطانات العالية في المنطقة والتي أكدت الدراسات بان ذلك يعود إلى المياه الملوثة التي أضرت بالمزروعات والتربة وآبار الشرب حيث كان من المفترض أن تكون محطات معالجة في المنشآت الصناعية ولكن للأسف المصلحة والمال فوق البيئة والإنسان!! ‏

و يقول حسين الجمو وهو من قرية كفر صغير بجانب المدينة الصناعية الشيخ نجار : استبشرنا خيراً باختيار هذه المنطقة لإنشاء المدينة الصناعية وذلك كونها ستنعش المنطقة ، ولكن لم يخطر في بالنا بأن المسؤولين سيضحون بأرواح المئات وأرزاقهم مقابل التقدم الصناعي وذلك بتجاهلهم لإقامة محطات معالجة مركزية لهذه المصانع التي تقوم برمي مخلفاتها في الوديان القريبة من قريتي كفر صغير وتيارة وغيرهما من القرى التي ربما تصل إليها الملوثات لاحقاً ، علماً أن هذه الملوثات غمرت مساحات كبيرة من الأراضي وبالرغم من الأضرار الكبيرة والتلوث الذي أصاب المنطقة فان الحلول والمعالجات مازالت غائبة!! ‏

ولفت الجمو إلى أن المياه المنبعثة من الصرف الصناعي في المدينة الصناعية يتم تحويلها إلى مجرى الصرف الصحي في هنانو حيث سيصل معظمها إلى محطة المعالجة المركزية في الشيخ سعيد ومن ثم إلى مجرى نهر قويق جنوب حلب حيث تسقى بها معظم المزروعات والخضروات.

 وأضاف الجمو:من المعروف أن مياه الصرف الصناعي تختلف جذرياً عن الصرف الصحي ومحطة المعالجة المركزية غير قادرة على معالجة مياه الصرف الصناعي لأنها مخصصة لمعالجة مياه الصرف الصحي، وهذا يعني أن مياه الصرف الصناعي والتي تنتهي إلى جنوب حلب وتستعمل لسقاية الخضروات سببت وتسبب كوارث بيئية عظيمة وذلك نتيجة احتوائها على المعادن الثقيلة مثل الرصاص والكروم والزرنيخ والزئبق غير المعالجة في محطات المصانع والتي تسري في الأراضي الزراعية لسقي المزروعات التي تصل إلى الكائنات الحية فتؤدي إلى تلف في دماغ الأطفال وبخاصة الزئبق الذي يسبب الشلل العصبي والعمى..

وأشار الجمو إلى أن الصرف الصناعي الوارد من المنشآت الصناعية كمعامل الدباغات وورشات تصنيع الرصاص وغيرها تحتوي على مواد ومركبات كيماوية ضارة وسامة مثل الرصاص والزئبق والكروم ، وبالإضافة إلى ضررها بالثروتين النباتية والحيوانية فإنها تضر بالمياه السطحية والمياه الجوفية وهذه المياه بكل ملوثاتها الجرثومية والمعدنية تروى بها المزروعات والخضار ، وهذه المنتجات تباع جميعها في أسواقنا الداخلية. ‏

وفي ريف المحافظة وخاصة في الجهة الشمالية الغربية حيث التلوث من مصبات الصرف الصحي المكشوفة التي لا تتم معالجتها والتي أدت حسب الإحصاءات إلى كارثة بيئية كبيرة نتيجة انتشار اللاشمانيا وخاصة في بلدتي كفر حمرة وحريتان حيث أجمع أهاليهما على أن اللاشمانيا دخلت إلى معظم البيوت لافتين إلى أن مستنقع الصرف الصحي سبب لهم المآسي نتيجة انتشار الأمراض بالإضافة إلى الحشرات المنتشرة والروائح الكريهة المنبعثة منه والتي تجبرهم على إغلاق نوافذهم ليلاً ونهاراً رغم حرارة الجو.

وللنفايات الصلبة أيضاً دورها في تلوث التربة والماء أما النفايات الطبية والمحارق الطبية فلها حكاية طويلة مع الديوكسين والغازات السامة المسرطنة وتأثيرها على الدماغ والكبد والأجنة والخصوبة وكل شيء ينبض بالحياة داخل الإنسان والمصيبة أنه ليس من مجيب!! ‏

والغريب في الأمر أن الكثير من المصانع الملوِثة في محافظة حلب لا تزال تتهرب من إنشاء محطات معالجة لديها كمصانع الدهانات والمصابغ¬ ومعامل الأدوية¬ و معاصر الزيتون - والمطاحن ¬ وغيرها وذلك على مرأى ومسمع من المسؤولين في المحافظة، ومع ذلك لا أحد يحرك ساكناً ولا أحد يستطيع إجبار هذه المنشآت على تطبيق القانون وحماية البيئة فإلى متى؟!!

سلسلة إجراءات .. تفاءلوا خيراً !

في النهاية لنا قول بأن حلب التي احتفلت الأسبوع الفائت بيوم البيئة والتي أعلنمحافظها منذ يومين عن سلسلة من الإجراءات التي ستتخذ للحد من التلوث كإنشاء محطة معالجة خاصة في خان طومان للتجمعات السكانية خارج مدينة حلب ، وتنفيذ محطة معالجة خاصة بمنطقة الدباغات بالتنسيق مع وزارة الإسكان والعمل لتأهيل محطة المعالجة في الشيخ سعيد لتكون المياه الناجمة عنها مطابقة للمواصفات القياسية السورية بحيث تكون صالحة للري ، حلب هذه لا تزال تنتظر تنفيذ الوعود من مسؤوليها لتخليصهم وتخليص محافظتهم من مخاطر بيئية عظيمة ، لأن ما ذكرناه هو غيض من فيض ، و ما في حلب من مشاكل كبيرة مع الصرف الصحي والمياه والخدمات والملوثات بأنواعها لا يمكن الإلمام به خلال سطور ، ولا ننسى بحيرة الجبول المصابة بالتلوث بالمبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية ومياه الصرف الصحي والصناعي التي تصب فيها.. وماذا يمكن أن نذكر؟!! ‏

فهذه حلب .... نضعها أمام أعين الغيارى الذين ربما يقرؤوا في ردود الناس مشاكل أعظم لأننا لم نكتب شيئاً بعد ولم نقل كل ما لدينا وربما ما لدى الناس المصابين بأمراض سكنت أجسادهم وأبت أن تغادرها ،والسبب يختصر في الإهمال والتلوث والتطنيش فهل هناك من يهتم بصحة الناس وحياتهم، وهل هناك من ينقذ الشهباء

========================

مرحلة القطبية الأحادية وعصر أوباما ..

بقلم : نعوم تشومسكي

السفير 29-10-2009

عندما نُطرق التفكير في الشؤون الدولية، من المفيد أن نتذكّر دوماً مبادئ أساسية عامة ذات دلالات مهمة. المبدأ الأول هو شعار المؤرخ الإغريقي، ثوكوديدس، القائل بأن «الأقوياء يفعلون ما يتمنون، والضعفاء يعانون كما يجب عليهم». لهذا الشعار متلازمة مهمة: كل دولة قوية تعتمد على خبراء لصناعة التبريرات، مهمتهم إثبات أن ما يقوم به القوي نبيل وعادل، وإذا ما عانى الضعيف فهذا خطؤه.

في الغرب الراهن، يسمى هؤلاء الخبراء «مثقفين». وفي ما عدا بعض الاستثناءات الهامشية، هم يقومون بالمهمة التي كلّفوا بها بكفاءة واستقامة، مهما كانت الادعاءات غريبة. ذلك إجراء يعود تاريخه إلى جذور التاريخ المسجّل.

المبدأ الثاني، عبّر عنه ادام سميث. وكانت يتكلم عن بريطانيا، القوة الأعظم في زمانها، ومشاهداته قابلة للتعميم. قال سميث ان «المهندسين الأساسيين» للسياسة في بريطانيا هم «تجار وصناعيون»، وهم يعملون على أن تراعي السياسة مصالحهم الخاصة، مهما كانت تأثيراتها «مؤلمة» على الآخرين، بما في ذلك الشعب البريطاني، وإن كانت التبعات تكون «أكثر إيلاماً» على أولئك الذين يعانون «الظلم الوحشي على أيدي الأوروبيين» في أي مكان آخر.

كان سميث إحدى الشخصيات النادرة التي حادت عن النمط الطبيعي في وصف بريطانيا على أنها قوة انغليكانية، فريدة من نوعها عبر التاريخ، كرّست نفسها لأجل خير البرابرة. من بين من كتبوا كذلك جون ستوارت «ميل»، أحد أكثر المثقفين الغربيين ذكاء ووقاراً. في بحثه الكلاسيكي، شرح ميل كيف كان يتعين على بريطانيا أن تنهي غزوها للهند من أجل أكثر الأهداف الإنسانية صفاء. لقد كتب ذلك، في الوقت الذي ارتكبت فيه بريطانيا أبشع فظاعاتها في الهند، عندما كان الهدف الحقيقي للغزو الموسّع هو تمكين بريطانيا من احتكار الأفيون، وتأسيس أكثر شبكات تهريب المخدرات استثنائية، بقصد إجبار الصين، عبر العسكر والسم، على القبول بالصناعيين البريطانيين، الذين أبت الصين قبولهم.

خطاب ميل كان من المعيار الثقافي، في حين أن مبدأ سميث كان من المعيار التاريخي.

شراء الانتخابات

حالياً، منهدسو السياسة الأساسيون ليسوا «تجاراً وصناعيين»، وإنما مؤسسات مالية وشركات متعددة الجنسيات. النسخة الأكثر تعقيداً لمبدأ سميث حالياً هي «نظرية استثمار السياسات»، التي طوّرها الاقتصادي السياسي توماس فرغوسون، الذي ينظر إلى الانتخابات على أنها مناسبات تجتمع خلالها مجموعات المستثمرين من أجل إدارة البلاد، عبر شراء الانتخابات، بالدرجة الأولى. كان ذلك استشرافاً سياسياً بالغ الجودة، كما ثبت لاحقاً.

بالنسبة لانتخابات 2008، كان علينا أن نتوقع أن مصالح الشركات المالية كانت ميالة إلى إدارة أوباما؛ لقد كانت تضم مموليه الأساسيين، الذين فضّلوه على ماكين. وهذا ما حدث. والآن، تهلل مجلة «بيزنيس ويك» الأسبوعية بأن شركات التأمين كسبت معركة الرعاية الصحية، وأن المؤسسات المالية التي كانت وراء اندلاع الأزمة الحالية خرجت من دون أي أذى، لا بل أقوى، بعد عملية إنقاذ عامة هائلة، مؤسسةً بذلك لأزمة مقبلة، بحسب ما قال صحافيو المجلة، مضيفين أن شركات أخرى تعلّمت دروساً قيّمة من هذه الانتصارات، وهي الآن تنظّم حملات كبرى لتقويض أي جهد لاتخاذ إجراءات، حتى تلك المعتدلة، بشأن الطاقة، مع علمها الكامل بأن النجاح سيحرم الأحفاد من أي أمل بحياة لائقة. ذلك لا يعني بالطبع أنهم أشخاص سيئون أو جاهلون. لكن قراراتهم ملحة مؤسساتياً.

الانتخابات في الولايات المتحدة شيء غريب لدرجة أنها تُدار، على نحو واسع، من قبل صناعة العلاقات العامة، التي تطورت قبل نحو قرن في أكثر دول العالم حريةً: الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث كسبت الكفاحات الشعبية ما يكفي من الحرية بحيث لم يعد من السهل إدارة الشعب بالقوة.

ومع ذلك، يقرّ مهندسو السياسة بأنه من الضروري السيطرة على السلوكات والآراء. والسيطرة على الانتخابات ليست سوى عنصر من هذه المَهمة. الولايات المتحدة ليست «ديموقراطية موجّهة» كإيران، حيث يتعين أن يحصل المرشحون على مصادقة رجال الدين. ففي المجتمعات الحرة كالولايات المتحدة، رأس المال المكدس هو ما يصادق على تسمية المرشحين. وبالنسبة لأولئك الذين يتجاوزون الغربلة، النتيجة يحددها، في غالبية الأحيان، الإنفاق خلال الحملة. المدراء السياسيون يعلمون جيداً أنه في ما يتعلّق بالمسائل الحياتية، غالباً ما يعارض الشعب بحدة ما يقوله مهندسو السياسة. ووفقاً لذلك، تتجنب الحملات الانتخابية المس بالمسائل لصالح الشعارات، تزدهر عندئذ الخطابات الرنانة، وكاريزما الشخصيات والشائعات. كل سنة، تمنح صناعة الإعلان جائزة لأفضل حملة ترويجية. في 2008، فاز بها أوباما، الذي أطاح بشركة «ابل» للكمبيوتر. التنفيذيون انتشوا. تبجحوا على العلن بأن ذلك كان أعظم نجاح بالنسبة إليهم، منذ أن شرعوا بالترويج للمرشحين كما يفعلون مع معجون الأسنان أو العقاقير، وفق تقنية انطلقت خلال المرحلة النيوليبرالية، مع ريغان بدايةً.

تقويض الديموقراطية

من الوجهة الاقتصادية، يتعلّم المرء أن الأسواق تعتمد على مستهلكين مدركين يقومون بخيارات عقلانية. لكن مَن يشاهد الإعلانات التلفزيونية يعلم أن الأعمال تكرّس موارد هائلة لخلق مستهلكين غير مدركين يقومون بخيارات غير عقلانية. والأساليب نفسها المستخدمة لتقويض الأسواق تستخدم لتقويض الديموقراطية، لخلق قوة ناخبة غير مدركة ستتخذ خيارات غير عقلانية من بين طائفة من الخيارات التي تتلاءم مع مصالح كلا الحزبين، اللذين ينظر إليهما على أنهما فصائل متنافسة لحزب أعمال واحد. في كلا العالمين، الأعمال والسياسة، لطالما كان مهندسو السياسة معادين للأسواق والديموقراطية، في ما عدا تلك التي تؤمن منفعة موقتة. بالطبع، الخطاب مختلف، لكن الوقائع واضحة بجلاء.

لمبدأ آدم سميث بعض الاستثناءات... البناءة. إحدى هذه الاستثناءات الراهنة هي السياسات التي تنتهجها واشنطن حيال كوبا، منذ ان نالت استقلالها قبل 50 عاماً. الولايات المتحدة مجتمع حر بشكل غير تقليدي، لهذا نملك قدرة جيدة على النفاذ إلى وثائق داخلية تكشف عن آلية التفكير والخطط التي وضعها مهندسو السياسات.

في غضون أشهر بعد الاستقلال، وضعت إدارة أيزنهاور خططاً سرية للإطاحة بالنظام، وأطللقت برامج لعمليات إرهابية فضلاً عن الحرب الاقتصادية، بلغت تصعيداً حاداً في عهد كينيدي، استمرت بأشكال مختلفة حتى يومنا هذا. في البداية، كان الهدف معاقبة شعب كوبا بما يكفي لحملهم على الإطاحة بالنظام المجرم. جرمه كان «تحدي» السياسات الأميركية «بنجاح» منذ الأعوام 1820، عندما أعلنت عقيدة مونرو نية الولايات المتحدة السيطرة على نصف الكرة الغربي، رافضة أي تدخل من الخارج أو من الداخل. وفيما كانت سياسات الحزبَين حيال كوبا تتوافق مع مبدأ توكوديدس، كانت تتضارب مع مبدأ ادم سميث. على مدى عقود، أيد الشعب الأميركي فكرة تطبيع العلاقات مع كوبا. تجاهل إرادة الشعب كان طبيعياً، لكن المثير للاهتمام في هذه الحالة هي أن قطاعات أعمال نافذة كانت مؤيدة لهذا التطبيع: قطاع الزراعة، والطاقة وشركات الأدوية وغيرها من القطاعات التي شاركت في وضع الأسس السياسية.

مبدأ المافيا

مصالحهم في هذه الحالة ألغيت بموجب مبدأ العلاقات الدولية، في ما قد نسميه «مبدأ المافيا». الغرب لا يسمح ب«التحدي الناجح»، حتى من قبل حامل أسهم صغير يفشل في دفع مال الحماية. وهذا خطير جداً. ولهذا، يتعيّن قطعه، وبوحشية، كي يفهم الآخرون أن العصيان ليس خياراً. تحدي السيد قد يكون «فيروساً» قد «يتفشى»، والكلمات هذه لكيسينجر، عندما كان يستعد للإطاحة بحكومة الليندي، لتصبح بذلك هذه الكلمات عقيدة السياسة الخارجية الأميركية خلال مرحلة هيمنتها العالمية، وطبعاً كان لها أسلاف عديدة. سياسة الولايات المتحدة حيال إيران منذ العام 1979 ما هي إلا نموذج ثانٍ.

لقد تطب أمر إدراك أهداف عقيدة مونرو وقتاً، وهي لا تزال تواجه العديد من العوائق، لكن هدفها ثابت وبلا منازع، حتى أنها اتخذت بعداً أبلغ عندما أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية، مطيحة بمنافسها البريطاني. وبالطبع مُنحت تفسيراً «مشرقاً». فعندما كانت الولايات المتحدة تستعد للإطاحة بحكومة الليندي، أشار مجلس الأمن القومي إلى أنه إذا لم تتمكن واشنطن من السيطرة على أميركا اللاتينية، فلن تتمكن من «إنجاز نظام ناجح في مكان آخر من العالم»: أي فرض سلطانها بفاعلية على العالم. «مصداقية» واشنطن لا يمكن تقويضها، كما قال هنري كيسنجر. الآخرون قد يتحولون إلى مصدر «تحد ناجح»، إذا لم تتم مكافحة «الفيروس» التشيلي، قبل أن «تتفشى عدواه». ولهذا يتعين التخلص من الديموقراطية في تشيلي، كما حصل في أول حدث على طراز 11 أيلول. كان ذلك في العام 1973، الذي تم محوه من التاريخ في الغرب، رغم أن تبعاته في تشيلي وأبعد، تضاهي، وبشكل بالغ، جرائم 11 أيلول 2001 الفظيعة.

وفي حين أن هذه المبادئ الثلاثة (ثوكوديدس وسميث والمافيا) لا تنطبق على كل قرار يتعلق بالسياسة الخارجية، ولكنها حاضرة في طائفة واسعة من القرارات، تماماً كالدور الذي يقوم به المثقفون. ليسوا نهاية الحكمة ولكنهم بداية جيدة.

بهذا القدر من الخلفية، فحسب، دعونا نتكلم عن «المرحلة أحادية القطب»، التي كانت موضوع صفقة عظيمة أعقبت نقاشاً محتدماً بين الأكاديميين والشعب، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي قبل 20 عاماً، جاعلة من الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة.

بإمكاننا أن نتعلم الكثير عن طبيعة الحرب الباردة، وعن الأحداث المتعاقبة مذ ذاك، عبر التدقيق في كيفية تصرّف واشنطن حيال اختفاء عدوها العالمي، الذي وصفه جون كينيدي بأنه «مؤامرة قاسية متحجرة».

أسابيع بعد سقوط جدار برلين، اجتاحت الولايات المتحدة بنما، بهدف خطف سفاح ثانوي جُلب إلى فلوريدا وحوكم لجرائم ارتكب غالبيتها عندما كان يقبض المال من «سي.أي.آيه». لقد تحوّل من صديق قيّم إلى شيطان شرير، لمحاولته إظهار بعض «التحدي الناجح»، رافضاً دعم حروب ريغان الإرهابية ضد نيكاراغوا. الاجتياح قتل آلاف المساكين في بنما، بحسب المصادر البنمية، وأعاد تنصيب المصرفيين وتجار المخدرات الموالين للولايات المتحدة. بالكاد، تم ذكر ذلك في التاريخ، ولكنه كسر القيود، بطريقة أو بأخرى، كأن ظهرت الحاجة إلى ذريعة جديدة، سرعان ما ابتُكرت: تهديد تجار المخدرات اللاتينيين الساعين إلى تدمير الولايات المتحدة. وأعلن ريتشارد نيكسون «الحرب على المخدرات»، التي اتخذت دوراً جديداً مهماً خلال مرحلة القطبية الأحادية.

الحاجة إلى حجة جديدة قادت أيضاً إلى رد فعل رسمي في واشنطن حيال انهيار العدو القوي. في غضون أشهر، حددت إدارة بوش الأب سياستها الجديدة: باختصار، سيبقى كل شيء تقريباً على حاله، لكن مع خبراء جدد. لا نزال بحاجة لنظام عسكري هائل، لكن لسبب جديد: «التكنولوجيا المعقدة»، لدى قوى العالم الثالث. علينا أن نحافظ على «قاعدة الصناعة الدفاعية»، وعلينا الإبقاء على تدخل قواتنا في مناطق الشرق الأوسط الغنية بالنفط، حيث يكمن التهديد الكبير لمصالحنا في «تحوّلها (الدول النفطية) إلى أبواب الكرملين». بالكاد تم الحديث عن هذه السياسة.

كحجة للتدخل، كانت «الحرب على المخدرات» مفيدة، لكنها كانت تستهدف حيزا ضيقاً للغاية. إذاً، ثمة حاجة لحجة أشمل. انكبت النخب المثقفة على القيام بالمهمة. وأعلنوا «ثورة معيارية» تضمن للولايات المتحدة الحق في «تدخل إنساني» بحسب الرغبة، من أجل أنبل الأسباب. الضحايا التقليديون لم يُذهلوا، وأدانوا بشدة ما أسموه «الحق المزعوم بتدخل إنساني». فكان لا بد، عندئذ، من تنقية الحجة. وتم ابتكار «مسؤولية الحماية». إن مَن يدققون النظر في التاريخ لن يذهلوا حين يكتشفون أن القوى الغربية تمارس «مسؤولية الحماية» بطريقة انتقائية للغاية، تتماشى مع مبادئهم الثلاثة.

تعهدات سلمية بقبضة عسكرية

ومع اقتراب زمن الأحادية القطبية، كان لا بد من بحث مصير «الناتو»، الذي كان المبرر وراء إنشائه هو الحماية من اعتداء روسي. ومع زوال الاتحاد السوفياتي، انتفى المبرر. وبخلاف ما اعتقد أصحاب النفوس البسيطة، بأن الناتو سيختفي، تم توسيع الحلف وبسرعة. وبعد انهيار السوفيات، أقدم ميخائيل غورباتشيف على تنازل مفاجئ: لقد وافق على انضمام ألمانيا إلى حلف معادٍ تديره القوة العظمى، رغم ان ألمانيا، وحدها، كادت تدمر روسيا مرتين في خلال قرن. وتلقى غورباتشيف وعداً من إدارة بوش بعدم توسيع الحلف ليشمل ألمانيا الشرقية، وخصوصاً تجاه الشرق الأقصى. كما أكّدوا لغورباتشيف أن «الناتو سيحوّل نفسه إلى منظمة سياسية». كما اقترح غورباتشيف إقامة منطقة خالية من النووي، تمتد من القطب إلى البحر الأسود، وهي خطوة نحو «منطقة سلام»، بهدف إزالة أي تهديد لأوروبا. رفض هذا الاقتراح من دون الخوض فيه أصلاً.

بعدها بقليل تبوأ كلينتون الحكم. وتبخرت على الفور التزامات واشنطن. كلينتون وسّع الحلف شرقاً، وذهب بوش أبعد. وأوباما، كما هو واضح، ينوي مواصلة التوسع. عشية أول زيارة لأوباما إلى روسيا، قال مساعده لشؤون الأمن القومي وشؤون أوراسيا «لن نطمئِن أو نتاجر بأي شيء مع الروس، في ما يتعلّق بالتوسع في الناتو أو بشأن الدفاع الصاروخي»، في إشارة إلى الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية، وتوسع الحلف ليشمل أوكرانيا وجورجيا، وكلتاهما، بحسب المحللين الغربيين، تشكل تهديداً للأمن الروسي، وقد تشعلان توترات دولية.

قبل أيام، أعلنت إدارة أوباما تعديلاً على أنظمتها المضادة للصواريخ في أوروبا الشرقية، التي يروّج لها على انها دفاع ضد أي هجمة إيرانية. لكن ذلك لا يمكن أن يكون الدافع. فاحتمالات أن تشن إيران هجوماً صاروخياً، نوويا أو لا، كاحتمال أن يضرب كويكب الأرض، إلا إذا كان لدى رجال الدين رغبة بالموت، ويريدون رؤية إيران تُحرق على الفور على رأس من فيها. الغاية من أنظمة الاعتراض الأميركية، إذا ما نجحت، هي الحؤول دون أي رد فعل انتقامي ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل، إذا ما هوجمت إيران، المطلوب إزالة أي قوة ردع إيرانية.

بالعودة إلى موضوع الناتو، بات نطاقه أوسع من الحدود الروسية. ومستشار أوباما للأمن القومي جيمس جونز، يدعو إلى توسيعه جنوباً وشرقاً، لإحكام السيطرة الأميركية على دول النفط في الشرق الأوسط. كما يروّج الجنرال جونز ل«منح الناتو قوة رد»، تمنحه «قدرة أكثر مرونة على التدخل سريعاً، وعلى مسافات أطول بكثير». وهو هدف تعمل الولايات المتحدة على إنجازه حالياً في أفغانستان.

الأمين العام للحلف ياب دي هوب شيفر أبلغ مؤتمراً للناتو أنه «يتعين على جنود الحلف أن يحموا الأنابيب التي تنقل النفط والغاز المتجهة إلى الغرب»، ولحماية الممرات البحرية التي تستخدمها ناقلات النفط وغيرها من «البنى التحتية الحيوية» في نظام الطاقة. هذه المهمة تشمل حماية خط أنابيب بكلفة 7.6 مليارات دولار يفترض أن ينقل الغاز الطبيعي من تركمنستان إلى باكستان والهند، عبر إقليم قندهار الأفغاني، حيث يتواجد الجنود الكنديون. والهدف منه هو «منع أي خط أنابيب منافس قد يحمل النفط من ايران إلى باكستان والهند»، و«تقليص الهيمنة الروسية على صادرات الطاقة من وسط آسيا»، كما ذكرت الصحافة الكندية، ما يجسّد «اللعبة العظيمة» الجديدة، حيث ستكون قوة التدخل تحت قيادة أميركية، اللاعب الأبرز.

«فيروس» النجاح المعادي

في هذه الحالة، المشكلة ليست في «فيروس» يتفشى بفعل «العدوى»، لكن في وباء قد يطيح بنظام الحكم العالمي. كان الهدف الجزئي من الناتو هو تطويق هذا التهديد الخطير. توسع الناتو الحالي وأهدافه الطموحة تحمل هذه الغايات إلى مدى أوسع.

وبهذا، تكاتفت الظروف نحو انبثاق مرحلة الأحادية القطبية، متقيدة بالمبادئ النمطية للشؤون الدولية. لنكون أكثر تحديداً، تتطابق السياسات بشدة مع عقائد النظام العالمي التي صاغها المخططون الأميركيون خلال الحرب العالمية الثانية. فمنذ العام 1939، أدركوا أنه مهما كانت نتيجة الحرب، فستصبح الولايات المتحدة قوة عظمى، بلا منافسة بريطانية. ووفقاً لذلك، طوّروا خططاً لفرض السيطرة على عينة من المعمورة. هذه «المنطقة الكبرى»، كما كانوا يسمّونها، كانت ستشمل على الأقل موارد الطاقة في غربي آسيا. وفي هذه المنطقة الكبرى، ستمسك الولايات المتحدة زمام الأمور «بقوة لا جدل حولها» بفضل «تفوقها العسكري والاقتصادي»، وستتصرف بطريقة تضمن «الحد من أي ممارسة للسيادة» من قبل دول قد تتدخل في خططها العالمية. في البدء، ظن المخططون أن ألمانيا ستسود في اوروبا، لكن عندما بدأت روسيا تسحق القوات المسلحة الألمانية، باتت الرؤية أكثر شمولاً، وباتت المنطقة الكبرى ستشمل غالبية أوراسيا، او على الأقل أوروبا الغربية، قلب اقتصاد أوراسيا.

ثم وضعت الخطط المفصلة من أجل التمهيد للمنظمة العالمية، وتم تكليف كل منطقة بما سمي «وظيفتها». الجنوب عموماً منح دوراً خدماتياً: تأمين الموارد، والعمالة الرخيصة والأسواق وفرص الاستثمار وخدمات أخرى لاحقاً، كتصدير التلوث النفايات إليها. آنذاك، لم تكن الولايات المتحدة مهتمة بأفريقيا، لذا منحتها لأوروبا كي «تستغلها» في إعادة إعمار ما دمرته الحرب. في المقابل، كانت احتياطات النفط في الشرق الأوسط تعتبر «مصدراً هائلاً للقوة الاستراتيجية»، و«واحدة من اعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم»، و«أكثر مناطق العالم أهمية من الناحية الاستراتيجية»، والكلمات لأيزنهاور. والسيطرة على نفط الشرق الأوسط سيؤمن للولايات المتحدة «سيطرة جوهرية على العالم».

وشرح مجلس الأمن القومي في عهد أيزنهاور أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تدعم الأنظمة الوحشية وتمنع الديموقراطية والتطور، حتى ولو كان ذلك سيثير «حملة كراهية ضدنا»، كما قال أيزنهاور، منذ 50 عاماً قبل أن يسأل جورج بوش الابن «لماذا يكرهوننا؟»، وخلص إلى أن السبب هو كراهيتهم لحريتنا.

في ما يتعلق بأميركا اللاتينية، خلص مخططو الحرب العالمية الثانية إلى أن التهديد الأساسي للمصالح الأميركية يتمثل في «الأنظمة الراديكالية والقومية التي تستقطب الشعوب»، وتميل إلى تلبية «مطالبهم عبر تحسين فوري لنمط معيشتهم الرديء». وهذه الميول تتعارض مع مطلب «المناخ الاقتصادي والسياسي الملائم لاستثمارات خاصة»، ول»حماية المواد الخام».

عسكرة الحدود مع المكسيك

في حالة المكسيك، وجدت ورشة عمل في البنتاعون في 1990 أن العلاقات المكسيكية الأميركية «إيجابية على نحو مذهل»، لا تشوبها انتخابات مزورة وتعذيب وغيرها من التفاصيل الثانوية. لكن المشاركين في الورشة لحظوا سحابة في الأفق: تهديد «انفتاح ديموقراطي» في المكسيك، خافوا أن يجلب «إلى الحكم حكومة مهتمة في تحدي الولايات المتحدة لحماية أراضيها قومياً واقتصادياً». والحل كان بإبرام معاهدة «تقفل المكسيك»، لصالح الإصلاحات النيوليبرالية و«تقيد أيدي الحكومة الحالية والحكومات اللاحقة». باختصار فرضت معاهدة «النافتا» رغم أنف الشعب، في العام 1994، في العام الذي أسس فيه كلينتون عملية «غايت كيبر»، التي تمنح الحدود مع المكسيك طابعاً عسكرياً، من دون أن يفسر كيف تدبّر أمر مبدأ آدم سميث الذي ينص على «حرية حركة العمال» كأساس لحرية التجارة.

توقيت «غايت كيبر» حتما لم يكن صدفة. لقد جاء متلائماً مع تحليلات تقول إن فتح المكسيك أمام الصادرات الزراعية الأميركية سيقوض عاجلاً أم آجلاً الزراعة المكسيكية، وان الأعمال المكسيكية لن تتمكن من منافسة الشركات المدعومة حكومياً التي يتعين أن يسمح لها بالعمل بحرية في المكسيك بموجب المعاهدة. إحدى النتائج المرجحة هو تدفق العمال إلى الولايات المتحدة، ليضافوا إلى أولئك الهاربين من أميركا الوسطى، المروّعة بفعل إرهاب ريغان. و«عسكرة» الحدود لم تكن سوى العلاج.

مهما كانت الحقائق التاريخية والاقتصادية، فلطالما نظر العمال الفقراء إلى المهاجرين على أنهم ينافسونهم على أرزاقهم. هم، بهذا المعنى، ضحايا تحويل الاقتصاد إلى شأن مالي بحت، وضحايا برامج عولمة نيوليبرالية مصممة على تحويل الإنتاج إلى الخارج ووضع العمال في منافسة مع بعضهم البعض عالمياً، وبالتالي تخفيض الأجور والمنافع، في وقت تتم فيه حماية المثقفين من قوى السوق فضلاً عن إثراء اصحاب الأملاك والمدراء، وذلك هو شعار سميث مجدداً.

وكلتا الإدارتين تتنافس لمعرفة أيهما بإمكانها أن تدّعي التفاني من أجل تنفيذ العقيدة السادية التي تنص على ضرورة حرمان «الغرباء غير الشرعيين» من العناية الصحية، في موقف متناغم مع مبدأ أقرته المحكمة العليا تقول بان تلك الكائنات ليست «أشخاصاً» تحت القانون، بالتالي لا حقوق، لكنها في الوقت ذاته تبحث في ما إذا كان على الشركات أن تسمح بشراء الانتخابات علناً، بدلاً من القيام بذلك بطرائق ملتوية، لأن المحاكم حددت، أنه بخلاف المهاجرين غير المسجلين، تعتبر الشركات «أشخاصاً حقيقيين تحت القانون»، ولهذا فهي تتمتع بحقوق أكبر من تلك الممنوحة إلى كائنات من لحم ودم، بما في ذلك الحقوق المكرسة في «اتفاقيات حرية التجارة». هذه الصدف لا تحتاج لأي تعليق. فالقانون مسألة مهيبة ومقدسة!

إدارة بوش ذهبت إلى الأبعد في «عسكرتها العدائية»، و«احتقارها المتغطرس» حتى حيال الحلفاء. أدينت هذه الأفعال. وسقطت بعض أبرز الشخصيات الأكثر تطرفاً، مثل رامسفيلد وولفويتز ودوغلاس فايث وغيرهم. تشيني كان عصياً على السقوط لأنه «كان هو الإدارة». بعدها اعتدلت السياسة، في ولاية بوش الثانية. عندما جاء اوباما إلى الحكم، توقعت كوندليسا رايس أنه سيتبع سياسات بوش في ولايته الثانية، وهذا ما حصل، بصرف النظر عن الخطاب الذي يبدو أنه سحر العالم، ربما تعبيراً عن الفرحة لرحيل بوش.

الفارق بين بوش وأوباما

الفارق الأساسي بين بوش وأوباما حدده بوضوح مساعد كبير في إدارة كينيدي، في ذروة أزمة الصواريخ الكوبية. كان مخططو كينيدي في طور اتخاذ قرارات تهدد، فعلاً بريطانيا، من دون إبلاغها. ثم عرّف المساعد «العلاقة الممتازة» مع بريطانيا واصفاً هذا البلد بأنه «ضابط لدينا. والكلمة الألطف هي الشريك». وهكذا خاطب بوش العالم على انه «مجموعة ضباط يعملون لدينا». وعند الإعلان عن غزو العراق، أبلغوا الأمم المتحدة بأنها قد تتبع أوامر الولايات المتحدة أو انها ستواجه «التحييد». هذه الغطرسة أثارت العدائية. لهذا تبنى اوباما خطاباً مختلفاً. هو يحيي القادة والناس بوصفهم ب«الشركاء»، وإن كان يناديهم في سرّه ب«الضباط».

نظام العالم الحالي لا يزال أحادي القطب، في بعد واحد: القوة. الولايات المتحدة تنفق بقدر ما تنفق بقية دول العالم مجتمعة على قواتها المسلحة، وهي أكثر تطوراً لجهة تكنولوجيا التدمير التي تملكها. وهي وحدها من يملك مئات القواعد العسكرية حول العالم، وتحتل بلدين في أكثر المناطق الغنية بمصادر الطاقة، وحيث تقوم بتشييد سفارات أشبه بالمدينة داخل المدينة، في مؤشر واضح على نياتها المستقبلية. في بغداد، يتوقع أن ترتفع كلفة تشييد السفارة من 1.5 مليار دولار هذا العام، إلى 1.8 مليار دولار سنوياً في الأعوام المقبلة. تكاليف بناء سفاراتها في باكستان وأفغانستان ليست معروفة، تماماً مثل مصير القواعد العسكرية الضخمة التي أنشأتها واشنطن في العراق.

نظام القواعد هذا توسع إلى أميركا اللاتينية، فبعدما طُردت الولايات المتحدة من قاعدة مانتا في الإكوادور، تدبرت البلاد أمر استخدام سبع قواعد عسكرية جديدة في كولومبيا، لكن من الواضح انها تعتزم الإبقاء على قاعدتها بالميرولا في هندوراس، التي لعبت دوراً أساسياً في حروب ريغان الإرهابية. والأسطول الأميركي الرابع، الذي انحل في 1950، استعاد نشاطه في 2008، بعد الاجتياح الكولومبي للأكوادور. مسؤولياته تغطي جزر الكاريبي، وأميركا الوسطى والجنوبية، والمياه المحيطة، ما أثار قلق حكومتي البرازيل وفنزويلا وغيرهما.

قلق الأميركيين الجنوبيين أثير مجدداً مع الكشف عن ملف للقيادة الأميركية الجوية، في نيسان 2009، يقترح جعل قاعدة بالانكيرو في كولومبيا «موقعا أمنيا تعاونياً»، ليكون المنطلق «الذي تُنفذ منه عمليات التحرك». ووفقاً للملف، تغطي هذه القاعدة «نصف القارة تقريباً، من دون الحاجة إلى إعادة التزود بالوقود»، ما يعني أن بإمكانها أن تكون جزءاً من «خط استراتيجي عالمي»، يساعد في «إنجاز استراتيجية تدخّل إقليمية ومساندة الخط المتحرك في أفريقيا».

الهدف من كل ذلك، كما قيل للشرطيين، هو محاربة «عصابات الشباب»، و«الشعبوية الراديكالية». والحجة هي «الحرب على المخدرات». قد يصعب أخذ ذلك على محمل الجد، حتى إذا قبلنا فكرة أن لدى الولايات المتحدة الحق في شن هذه «الحرب» في دول أجنبية.

الأسباب معروفة جيداً، وقد وضحتها لجنة أميركا اللاتينية بشأن المخدرات والديموقراطية، التي يرأسها رؤساء سابقون هم كاردوسو وزيديلو وغافيريا. وخلص الثلاثة في تقريرهم إلى أن الحرب على المخدرات فشلت فشلاً ذريعا، داعين إلى تغيير السياسة، بعيداً عن الإجراءات المتخذة محليا وخارجياً.

الدراسات التي أجرتها الحكومة الأميركية وغيرها أظهرت ان أكثر الطرق فاعلية لمكافحة المخدرات هي الوقاية والعلاج والتوعية، وان الأساليب الأقل فاعلية والأكثر كلفة هي العمليات التي تشن خارج الحدود، كالتطهير والتدمير. وهي الأساليب التي يتم اختيارها باستمرار. هنا تكفي هذه الحقيقة لتوضح أن اهداف «الحرب على المخدرات» ليست هي تلك المعلنة. ولتحديد الأهداف الحقيقة، بإمكاننا اعتماد المبدأ الشرعي القائل بأن النتائج المتوقعة تزودنا بدليل بشأن النيات. والنتائج ليست ضبابية. هذه البرامج تخفي محاولة لتقويض أي تمرد في الخارج، ونوعا من «إضعاف اجتماعي» في الداخل، عبر ترحيل عدد كبير من الأشخاص غير الضروريين، معظمهم من الذكور السود، إلى السجون، في ظاهرة نيوليبرالية أدت، حتى الآن، إلى تسجيل أكبر معدل عمليات سجن في العالم، منذ إطلاق هذه البرامج قبل 30 عاماً.

الأسباب وراء إعادة إحياء حرب نيكسون على المخدرات ليست خفية. نيكسون واليمين، ومعهما قطاعات النخب، واجهوا مشكلتين أساسيتين في بدايات السبعينات، اولاهما تنامي المعارضة ضد حرب الفيتنام، لدرجة بات من الضروري تطويقها، حيث ان البعض تمادى لاتهام واشنطن بارتكاب الجرائم، لا مجرد «أخطاء ارتكبت في طفرة من العمل الخيري والسذاجة»، كما يحلو للمعلقين الليبراليين تسميتها، إطاعةً لشعار ثوكوديدس. أما السبب الثاني فكان النشاط الشعبي، وخاصة في صفوف الشباب، الذين نادوا ب«مزيد من الديموقراطية»، كما حذّر المثقفون الليبراليون، داعين إلى إعادة فرض سياسة الخضوع والسلبية، بأياد نيكسونية، ولكن مع إجراءات أقسى.

«لا نعتذر من أحد»

والحرب على المخدرات كانت العلاج المثالي. وبمساعدة الإعلام المتحمس، حيكت أسطورة «جيش المدمنين» الذي سيطيح بالمجتمع المحلي، في إطار مؤامرة شيوعية. وكما قال الإعلامي الليبرالي والتر كرونكيت «الشيوعيون في الفيتنام لا يحاربون الجنود الأميركيين بالنار فقط وإنما أيضا بالمخدرات»، خالصاً إلى أن «أسوأ ما نجم عن الحرب هو آفة الإدمان في صفوف الجنود»، لتضاف لاحقاً أساطير عن الإدمان على الكحول والتبغ. لكن الأسطورة حققت غاياتها على نحو مدهش. باتت الولايات المتحدة ضحية الفيتناميين، لا الدخيل الذي ارتكب الجرائم بحق هؤلاء.

ومن دون ان يثير أي انتقاد او تعليق، شرح الرئيس كارتر أننا لا ندين للفيتناميين بأي دين لأن «التدمير كان متبادلاً». بالنسبة لريغان، كانت الحرب «قضية نبيلة»، وذهب بوش الأول، من دون أن يثير أي اعتراض، إلى إبلاغ الفيتناميين بأننا لن نسامحهم أبداً على الجرائم التي ارتكبوها ضدنا، ولكن رأفة منا سنوافق على السماح لهم بالانضمام إلى العالم الذي نديره، إذا أظهروا حسن النية في تعاملهم مع المسألة الأخلاقية الوحيدة الباقية منذ شن القضية النبيلة، وهي تكريس انفسهم للعثور على بقايا جثث الطيارين الأميركيين الذين قتلوا خلال قصف الفيتنام.

ورغم ان النجاحات كانت أساسية، لكنها كانت بعيدة عن الكمال. النشاط الشعبي لم يتوقف بل توسع، ليؤثر على نحو فاعل على المجتمع عموماً.

ورغم أن العالم بات أحادي القطب في البعد العسكري، لكنه لم يكن كذلك، في بعض الأحيان، على المستوى الاقتصادي. فمنذ اوائل السبعينيات بات العالم «ثلاثي الأقطاب» اقتصادياً: أميركا الشمالية وأوروبا وشمال شرق آسيا. الآن، بات الاقتصاد العالمي اكثر تنوعاً، وخاصة مع النمو السريع لدى الاقتصادات الآسيوية، التي تحدت قواعد نيوليبرالية «تفاهم واشنطن». وأميركا اللاتينية أيضاً بدأت تصبح حرة بعيداً عن اليانكي. وما جهود واشنطن لعسكرة أميركا اللاتينية سوى رد على هذه التطورات.

تلك هي بدايات التحركات نحو اندماج الدول التي لطالما تم توجيهها نحو الغرب، لا نحو بعضها البعض. هي بدايات تنويع الاقتصاد والعلاقات الدولية. هذه التطورات، التي تقودها أحياناً حركات شعبية مذهلة، مهمة للغاية. وليس مفاجئاً أن تثير ردوداً قاسية من قبل النخب التقليدية، المدعومة من القوة العظمى في النصف الآخر من القارة. الحدود مذهلة، فقط إن كان بالإمكان تجاوزها، فالنتائج قد تغير على نحو بالغ الأهمية، تاريخ أميركا اللاتينية... وأبعد.

السفير

الخميس 29-10-2009

========================

من يحكم العالم؟

باتريك سيل *

الحياة - الجمعة, 30 أكتوبر 2009

نادراً ما كان العالم في الأزمنة الحديثة عالماً يصعب حكمه كما هو اليوم. فالمشاكل العالمية تحيط بنا من كافة الجهات من دون أن تلوح أي حلول عالمية لها في الأفق.

وعوضاً عن الحلول العالمية، نشهد الحروب والمجازر والأزمات المالية التي لم يسبق لها مثيل والنزاعات التي لم تحلّ وكثافة سكانية وانعداماً في الأمن الغذائي والمائي وهجرة كثيفة مؤسفة وأضراراً ناتجة من تغيّر المناخ، وفي عدد كبير من أنحاء المعمورة هناك سلسلة من الأنظمة الفاسدة والعنيفة.

فقد ولّت الأيام حيث كانت حفنة من رجال الدولة الحلفاء تقوم بفرض القانون ورسم الحدود ومعاقبة البعض ومكافأة البعض الآخر وفرض سلام المنتصر كما كان الحال بعد الحربين العالمية الأولى والثانية. كما ولّى زمن العالم الذي سيطرت عليه ثنائية القطبين، والذي ساد خلال الحرب الباردة عندما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي توازناً مربكاً.

يبدو العالم عوضاً عن ذلك عبارة عن مجموعة من البلدان المتخاصمة والمتنافسة، تحاول كل منها حماية مصالحها الوطنية من دون إيلاء اهتمام ولو صغير بالمصلحة المشتركة.

من الواضح أن العالم يعاني أزمة حكم كبيرة. فالتنازع على السلطة منتشر في كل مكان فيما تعجز المؤسسات عن فرض سيطرتها بالكامل. وفي زمن انعدام الأمن، عندما لا يمكن أحداً معرفة طبيعة المخاطر الجديدة التي قد تبرز في المستقبل، يميل الناس إلى البحث عن دولتهم الخاصة التي تحميهم، بالتالي يساهمون في تقويض القيادة العالمية وغضّ النظر عن القيم العالمية التي كانت مقبولة من الجميع في السابق.

وفي معرض البحث عن تفسير لهذه الفوضى السائدة حالياً، أشار عدد من المعلّقين إلى تراجع في قوة الولايات المتحدة وسلطتها وسمعتها التي تشوّهت جميعها جرّاء السنوات التي أمضاها جورج بوش في الحكم. ويعمل الرئيس باراك أوباما جاهداً على تغيير هذا المنحى، إلا أن إرث الماضي يُرخي بثقله عليه. في هذا الوقت، تلقّى الدولار الأميركي ضربةً قاسية نتج منها ارتفاع في سعر صرف اليورو ما أدى إلى تراجع التوقعات على صعيد الصادرات وأضرّ بالانتعاش الاقتصادي في دول منطقة اليورو.

تبقى الولايات المتحدة أقوى من أي بلد آخر، إلا أنها لم تعد القوة العظمى التي لا يمكن تحدّيها كما كان الحال قبل سقوط جدار برلين منذ عشرين سنة، وهو حدث هزّ العالم وأدى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي والنظام الشيوعي ككل.

وقد دعا مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد سياسة خارجية تتناسب والقرن الحادي والعشرين. فلا شك في أن أوروبا تملك قدرات هائلة إلا أن الانقسامات الحاصلة بين أعضائها سلبت منها قوتها السياسية الحقيقية. وعلى رغم الثروة التي يتمتّع بها الاتحاد الأوروبي والإنجازات الكبيرة التي حقّقها وعدد سكانه الذي يقدّر بنحو 500 مليون نسمة فانه لا يُعتبر لاعباً عالمياً أساسياً.

سيتوجّه زعماء العالم إلى برلين في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) ليحتفلوا بذكرى سقوط الجدار إلا أن مشهد وحدتهم لن يساهم سوى في إخفاء خلافاتهم العميقة وضعفهم الجماعي.

وفي تشرين الثاني، من المتوقع أن يجتمع وزراء المال وحكام المصارف المركزية في الدول العشرين التي تتمتع بأكبر اقتصاديات في العالم والتي تدعى مجموعة الدول العشرين في مدينة لندن ليناقشوا كيفية معالجة الانهيار الناتج من الأزمة المالية التي لم تنته بعد. وكانت عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية من صلاحية الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وترمز مجموعة الدول العشرين إلى دخول اقتصادات جديدة وقوية، كالصين والهند والبرازيل وروسيا الصاعدة، في صورة الاقتصاد العالمي.

وكان ينبغي على أعضاء مجموعة الدول العشرين أن يتفقوا على تنظيم المصارف والمؤسسات المالية وتقليص المكافآت المالية ورزمة الحوافز التي كانت تهدف في أوج الأزمة إلى إنقاذ العالم من الكارثة الاقتصادية. وكان من المتوقع أن تتوصل مجموعة الدول العشرين إلى اتفاق دولي جديد. غير أنه لم يبرز أي تحرّك عملي واضح على رغم الكلام الطيب الذي صدر خلال المحادثات.

ويطغى بروز الصين كقوة اقتصادية عملاقة جديدة في العالم على هذه الأحداث. فقد يؤيّد البعض وضع استراتيجية اقتصادية عالمية في يد دولتين هما الولايات المتحدة والصين وهو اقتراح يؤكّد أن أميركا خسرت تأثيرها.

هل يمكن أن يأتي الخلاص من المؤسسات الدولية؟ الحقيقة هو أن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأفريقي ورابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) التي تضمّ عشرة أعضاء تعاني خلافات بين أعضائها وفوضى عارمة.

أضرّت الحرب الكارثية في العراق بأميركا وبالتسوية الغربية لا سيما أنها أخلّت باستقرار الشرق الأوسط من خلال تدمير هذا البلد العربي الأساسي. ولا تزال النتائج المأسوية كالعنف الأعمى والنزاع الطائفي والفقر الكبير في صفوف عدد من اللاجئين والأشخاص المهجّرين موجودة. وقد بدأت الولايات المتحدة تنسحب أخيراً من العراق إلا أن الضرّر قد حصل وسيحتاج عقوداً لتعويضه.

من جهة أخرى، تُشنّ حرب غير مجدية في أفغانستان يتمّ من خلالها اختبار الولايات المتحدة التي تبدو فيها غير كفوءة. وفي معرض البحث من دون جدوى عن تنظيم «القاعدة»، تعمل الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي على شنّ حرب لا يمكن الفوز بها ضد القبائل الأفغانية المستقلة التي تكره الأجانب والتي تصدّت في الماضي لمحاولات الإمبراطورية البريطانية والاتحاد السوفياتي تقويض سلطتها، وتتصدى اليوم للحكومتين الباكستانية والأفغانية أيضاً.

يدعو هذا النزاع إلى إيجاد حلّ سياسي تشارك فيه كل الدول المجاورة لباكستان والتي يصل عددها إلى ست أو سبع دول، فيما لا تزال بعض الأصوات النافذة في الولايات المتحدة تطالب بتحقيق «النصر» مجبرة بذلك الرئيس باراك أوباما على اختيار الحرب عوضاً عن الإصغاء إلى ضميره. وفي الوقت نفسه، لا تزال قوة أميركا تضعف ويبدو أن حلف شمال الأطلسي على وشك الانهيار تحت الضغوط.

يبدو الضعف وغياب الوحدة داخل المجتمع الدولي واضحاً في منطقة الشرق الأوسط أكثر من أي مكان آخر. أما إسرائيل، وهي البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه سبعة ملايين نسمة، فلا يتحدى حليفه الأميركي الكبير فحسب بل العالم العربي والإسلامي بأكمله أيضاً وربما الرأي العام المتحضّر في العالم. فهو يرفض أن يضع حدّاً للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية واحتلاله للضفة الغربية أو حصاره لقطاع غزة والدخول في مفاوضات جدّية حول قضايا الوضع النهائي كالحدود والقدس واللاجئين والمياه والأمن والسلام.

لقد سمح ضعف النظام الدولي للصقور في إسرائيل بأن يستمروا في سياساتهم العنيفة والخاطئة والقصيرة النظر التي قد تُلحق في نهاية المطاف هزيمة بهم.

بالطبع، تبقى طريقة حكم العالم أحد أكبر الألغاز في زمننا هذا.

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط.

========================

كي لا يجري دفن تقرير غولدستون في مجلس الأمن

راغدة درغام

الحياة - نيويورك – الجمعة, 30 أكتوبر 2009

يتربص بالسلطة الفلسطينية خطأ ثالث إذا لم تتنبه لديناميكية المصالح المشتركة للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمتمثلة في عدم استعدادها للسماح لتقرير غولدستون أن يصل قاعة إلى المجلس في هذا المنعطف. مواقف فرنسا وبريطانيا والصين وروسيا والولايات المتحدة متطابقة في إصرارها على دفع التقرير الذي اتهم إسرائيل وكذلك «حماس» بارتكاب «جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية» الى خارج مجلس الأمن لأسباب سياسية يتعلق جزء منها بحماية إسرائيل من المحاسبة وجزء آخر بالخوف من تطبيق هذه السابقة على الوضع الداخلي وعلى هذه الدول نفسها في المستقبل. هذا الى جانب الأسباب القضائية الكامنة في القلق من ذراع «المحكمة الجنائية» الدولية وسلطاتها وهي تسهر على العدالة وتعمل على إنهاء الإفلات من العقاب، لا سيما على جرائم مثل جرائم الحرب وضد الإنسانية. وليست أكثرية الدول الكبرى وحدها في خوف مزمن من المحكمة الجنائية الدولية وإنما أيضاً الكثير من الدول المنتخبة لعضوية مجلس الأمن والتي قد تحجب الأصوات التسعة الضرورية لتبني أي قرار، وبذلك تعفي الدول الخمس من استخدام الفيتو لإفشال تبنيه.

أمام هذه الأوضاع يجب على السلطة الفلسطينية ألا تسقط في فخ تنصبه لنفسها – بمساعدة الدول العربية ومجموعة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي – وتتوجه فوراً الى مجلس الأمن بموجب قرار للجمعية العامة لتلاقي الجنازة في انتظار تقرير غولدستون لدفنه. فمن الأفضل إبقاء التقرير حياً على الساحة الدولية لأسباب كثيرة منها: أولاً، انه أثار نقاشاً ومحاسبة داخلية في إسرائيل لم تتمكن حكومة بنيامين نتانياهو من إخمادها، بل انها تجد نفسها مضطرة للنظر في وسائل إبعاد نيران تقرير غولدستون عنها. ثانياً، انه أدى الى تسليط الأضواء على كيفية ونوعية الحروب التي تخوضها إسرائيل بأساليب تضعها في خانة ارتكاب «جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية»، وهذه الأضواء بحد ذاتها تشكل عنصراً رادعاً كأمر واقع لأن إسرائيل اليوم تحت المجهر وخاضعة للمراقبة والمحاسبة. ثالثاً، انه أدى الى تململ الدول الكبرى في مقاعدها بقلق وخجل لأن التقرير فضحها في ازدواجيتها وسلخ عنها اما غطاء التظاهر بالعدالة الدولية، وهذا ينطبق على الدول الأوروبية بالدرجة الأولى ومعها الولايات المتحدة، أو سلخ غطاء الادعاء عن الدول التي تزعم انها تتعاطف مع الفلسطينيين تحت الاحتلال وهذا ينطبق على روسيا والصين وكثير من الدول الأخرى. لهذه الأسباب وغيرها، ليس في مصلحة السلطة الفلسطينية أن تغالي وتكابر لترتكب الخطأ الثالث في مقر الأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل بعدما ارتكبت خطأين متتاليين في جنيف حيث مقر مجلس حقوق الإنسان أولاً عندما وافقت على تأجيل بحث تقرير غولدستون لستة أشهر بلا تفكير. وثانياً عندما استدركت الخطأ الأول بإفراط فارتكبت الخطأ الثاني بإصدار قرار في مجلس حقوق الإنسان أضاع الفرصة الفريدة التي يتيحها تقرير غولدستون وذلك بزجّه في لائحة مطالب حوّلت الأنظار والدعم والمساندة بعيداً من التقرير فخدمت الراغبين في تمييعه بدلاً من التركيز عليه حصراً.

المطلوب من السلطة الفلسطينية اليوم ليس المزايدة السياسية ولا تقديم خدمة للدول العربية الهاربة من مسؤولية العدالة والرافضة الالتحاق بالمحكمة الجنائية الدولية كي لا يطالها ذراع العدالة. المطلوب من السلطة الفلسطينية، بكل بساطة، الحرص على العدالة والمحاسبة فوق كل اعتبار آخر، لأن ذلك هو ما يخدم المصلحة الفلسطينية.

اليوم الجمعة، وبموجب خطوات إجرائية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، سيتم تعيين يوم الأربعاء المقبل موعداً للبحث في تقرير غولدستون وإصدار قرار للجمعية العامة تعمل البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة على إعداده مع «لجنة المتابعة» التي تضم السودان بصفته رئيس المجموعة العربية لشهر تشرين الأول (اكتوبر) وسورية بصفتها رئيسة منظمة المؤتمر الإسلامي ومصر بصفتها رئيس مجموعة عدم الانحياز وآخرين.

أروقة الأمم المتحدة تضج بالقلق وبالهمسات وبالتعليمات الغريبة من نوعها. بعثة سويسرا مثلاً دعت يوم الجمعة الماضي الدول الأوروبية وأعضاء مجلس الأمن ودولاً معنية عربية وإسلامية وغيرها الى الاجتماع مع القاضي ريتشارد غولدستون في أول لقاء للسفراء في الأمم المتحدة مع الرجل الذي ترأس «بعثة تقصي الحقائق» في حرب غزة. كان ذلك أول لقاء في أعقاب الأزمة الديبلوماسية التي كادت بسبب الخطأ الأول أن تؤدي الى إسقاط الرئيس الفلسطيني محمود عباس من السلطة، والتي عرّت أثناء ارتكاب الخطأ الثاني ازدواجية مدهشة لدول مثل بريطانيا وفرنسا، حين رفضتا للمرة الأولى التصويت على القرار في مجلس حقوق الإنسان لأن العرب والمسلمين رفضوا التعديلات والاستماع الى النصائح الأوروبية فغادر المندوبان البريطاني والفرنسي القاعة احتجاجاً على «الإهانة».

الاجتماع في مقر بعثة سويسرا شهد جرعة أخرى من الازدواجية الأوروبية لأن جميع الدول التي حضرت الاجتماع حضرته على مستوى السفراء باستثناء دول الاتحاد الأوروبي التي بعثت مندوبين في مستوى سكرتير ثالث بتعليمات مدهشة: استمعوا. لا تتحدثوا. ولا تنخرطوا في النقاش. غولدستون قال للمجتمعين إنه قام بما عليه في خدمة العدالة وعرض مقترحاته الجوهرية والإجرائية، إنما المهمة الآن في أيدي الدول لتقرر ماذا تريد في مسألة المحاسبة والعدالة.

ما قاله وما يستحق التوقف عنده هو أنه لا يؤمن بالمزاعم التي تدّعي أن العدالة تجهض أو تعرقل مساعي صنع السلام، وبالتالي يجب ترويضها إن لم يكن إبعادها الى مستقبل بعيداً باسم متطلبات الواقع الإنساني أو متطلبات التفاوض على الحلول السلمية. فمعروف أن التراجع في مسألة العدالة في دارفور واستحقاقاتها في السودان أتى بذريعة متطلبات الواقع الإنساني وأن الذين يحتشدون اليوم للتراجع عن العدالة فيما يخص غزة يتذرعون بأهمية العملية التفاوضية التي تقودها الولايات المتحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، علماً بأن إسرائيل أوضحت أنها لن تجلس الى طاولة المفاوضات طالما أن تقرير غولدستون على طاولة مجلس الأمن والمحافل الدولية.

غولدستون تحدّى منطق التضحية بالعدالة من أجل الاستقرار والسلام واستشهد بما قاله له الأمين العام السابق بطرس بطرس غالي غاضباً بعدما أصدر – بصفته المدعي العام في المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة – القرار الظني ضد رادوفان كاراديتش المدان بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. قاله له إن توقيت القرار الظني سيقتل العملية التفاوضية السلمية ويهدد الاستقرار. إنما ما حدث في الواقع هو أن «اتفاق دايتون» أتى في أعقاب إصدار القرار الظني وبغض النظر عن توقيته.

مسألة الخوف من إجهاض العدالة لمساعي التفاوض السلمي، إنما هي واحدة من الأعذار التي تتراكم وتتسابق للتملص من تناول تقرير غولدستون في مجلس الأمن الدولي ومنه الى المحكمة الجنائية الدولية في حال رفْضِ الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إجراء تحقيق نزيه وجدي وله صدقية في ما حدث من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أثناء حرب غزة.

العذر الآخر الذي يلوّح به الأوروبيون الذين يسعون الى منع وصول تقرير غولدستون الى مجلس الأمن، بل الذين يعارضون إصدار الجمعية العامة قراراً يتعدى مجرد دعوة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني الى إجراء التحقيق، هو عذر «المستطاع».

هؤلاء، وعلى رأسهم فرنسا، يقولون إن الأحرى بالفلسطينيين أن يقدموا الأسبوع المقبل مشروع قرار واقعي وقابل للتنفيذ يمكن إقناع إسرائيل به ويدخل في خانة ما في المستطاع التوصل إليه حتى وإن كان مبتوراً، وذلك لأن عالم اليوم ليس مثالياً وعليه يجب الاكتفاء بالعمل نحو «المستطاع».

واقع الأمر أن المعادلة يجب ألا ترتكز الى «ما هو في المستطاع» وإنما الى ما هو «العمل الصحيح» عندما يتعلق الأمر بالمحاسبة على ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

المطروح، في واقع الأمر، ليس حرب إسرائيل في غزة لأن النقاش في تلك الحرب قد يفتح الباب لنقاش سياسي. المطروح هو كيفية أداء إسرائيل للحرب في غزة. فلقد سبق وكان أداؤها للحرب في لبنان قائماً على تدمير البنية التحتية ومعاقبة المدنيين. وهكذا فعلت في غزة عندما اعتبرت أهالي غزة إرهابيين وتبنت سياسة إرهاب المدنيين تحت ذريعة الدفاع عن النفس. بالطبع، إسرائيل ترى أن طريقة أدائها الحرب نجحت لأنها أسكتت صواريخ «حزب الله» من لبنان وقذائف «حماس» من غزة. إنما هذا «إنجاز» موقت في أفضل حال. ثم إنها إذا مضت في أداء حروبها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بلا محاسبة، ستزداد وستتكاثر وستتفاقم أساليب أدائها الحروب بانتهاك العرف والقوانين الدولية للحروب.

ومن هنا أهمية تقرير غولدستون. إنه التقرير الرادع الذي يجب ألا يضيع في صفحات الأخطاء السياسية. وعليه، إن مسؤولية السلطة الفلسطينية كبيرة وهي تعمل نحو مشروع قرار الأسبوع المقبل بالتعاون مع المنظمات الإقليمية.

وأول ما يجدر بهذه المنظمات وبالسلطة الفلسطينية الكف عنه هو التظاهر بأن تقرير غولدستون دان إسرائيل وحدها، فيما التقرير واضح في القول إن «حماس» والتنظيمات والفصائل الفلسطينية الأخرى التي وجّهت قذائفها وصواريخها ضد المدنيين الإسرائيليين ارتكبت بدورها «جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية».

أي مشروع قرار في الجمعية العامة الأسبوع المقبل سيخسر دعماً كبيراً إذا تجاهل الناحية الفلسطينية. هذه الناحية بالتأكيد معقدة لأن هناك من يرى أن إيلاء مهمة إجراء التحقيق الى «حماس» بصفتها المسيطرة على غزة قد يُستَخدم وسيلة لاعتراف دولي ضمني ب «حماس» فيزيد الأمور تعقيداً. إنما، على رغم التعقيد، لن يكون مقبولاً لدى أكثرية في الجمعية العامة انتقاء إسرائيل وحدها للمحاسبة بإعفاء للفلسطينيين.

قد تتحمس المجموعة العربية والإسلامية وعدم الانحياز للدفع بتقرير غولدستون الى أحضان مجلس الأمن عبر قرار تتبناه الجمعية العامة الأسبوع المقبل. مسؤولية هذه المجموعات والسلطة الفلسطينية أن تتصرف بحكمة وعقلانية وأن ترضى بقرار يطالب الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بتحقيق داخلي، إنما مع آلية أو ميكانيزم تمكّن الأمين العام للأمم المتحدة من مراقبة تنفيذ التحقيق ليكون ذا صدقية وجدياً وليتم استكماله ضمن فترة زمنية محددة ومع إيحاء واضح بأن الأمين العام هو الرابط الى مجلس الأمن في حال فشل الطرفين في الانصياع لإجراء التحقيق.

فليس مفيداً للتقرير أن يُحال فوراً الى مجلس الأمن ليواجَه بعدم الحصول على الأصوات اللازمة أو بفيتو متعدد. فالفيتو في نيويورك يجب ألا يكون هدفاً سياسياً للتعويض عن الأخطاء في جنيف. يمكن إحالة الموضوع الى الطرفين عبر الأمين العام الذي بدوره يعين لجنة من 5 أو 10 خبراء تراقب التنفيذ ثم يقدم تقريراً الى مجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة قبل انتهاء الدورة 13 حوالى نهاية السنة.

بعد ذلك، وإذا تملصت إسرائيل أو «حماس» من التحقيق الجدي، يمكن العودة الى مجلس الأمن، عبر الأمين العام، من خلال إيلاء الجمعية العامة إليه مهمة استخدام صلاحيات المادة 99 من الميثاق لطرح الموضوع في المجلس. فتعرية ازدواجية أوروبا وأميركا وروسيا والصين وفضحها يجب ألا تكون هدفاً بحد ذاته حتى وإن أدت الى القضاء على تقرير غولدستون. تعرية الازدواجية يجب أن تكون تكتيكاً مدروساً في إطار استراتيجية واعية تبنى على ما أنجزه تقرير غولدستون من أجل تحقيق العدالة ومن اجل ردع إسرائيل و «حماس» عن ارتكاب جرائم حرب وكي لا يمضي أداء أية دولة في الحروب بانتهاك للقانون الدولي بلا محاسبة تردع تكراره لاحقاً.

========================

عيون وآذان (مثال على وحشية النازية)

جهاد الخازن

الحياة - الجمعة, 30 أكتوبر 2009

تلقيت من البروفسور مازن قمصية، وهو ناشط فلسطيني بارز، رسالة ضمت هذه الفقرة:

في يوم واحد في فلسطين (24 ساعة حتى الثامنة من صباح 26 من هذا الشهر) اعترض عمل رجال اسعاف وجرحوا فيما كان جنود إسرائيليون يضربون ويجرحون أشخاصاً يدافعون عن المسجد الأقصى، وخطف الجنود الإسرائيليون قاصرين كل منهما عمره 15 سنة، ومتطرفون صهيونيون يهاجمون حاصدي الزيتون ويضرمون النار في شجر الزيتون، وطائرات إف - 16 تروّع رفح، وتعكير صفو الليل ومهاجمة البيوت في المخيمات وفي خمس قرى وبلدات، وثلاث هجمات و 19 غارة و 11 عملية ضرب و 16 جريحاً، وأسر 21 شخصاً، وإبقاء 17 معتقلين و 80 قيداً على حرية الانتقال.

اليوم الذي اختاره الأخ مازن يخلو من قتل، ولا ننسى ألف قاصر فلسطيني قتلهم جنود الاحتلال منذ 29/9/2000 مع ألوف النساء والشيوخ والأطفال. وفي حين أن الكاتب اختار موضوعاً «الناس الطيبون والناس السيّئون»، مقارناً بين دعاة السلام وأعدائه، فإنني توقفت عند سطر يتحدث عن عجوز تحاول بيع زيتون بعد قطافه من بضع شجرات تملكها.

هي «شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية»، وقرأنا «وجنات من أعناب والزيتون والرمان...» وأيضاً «والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان» ومثله «وينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب...» وكذلك «والتين والزيتون وطور سينين...».

أقترح على الدول العربية، ومصر تحديداً من باب العشم ومع عقد مؤتمر الحزب الوطني الحاكم، أن تصدر مجموعة من طوابع البريد عن اجتثاث الإسرائيليين الأشجار الفلسطينية، خصوصاً الزيتون، وعندي مجموعة صور بينها واحدة لفلسطيني يحمل شجرة مقتلعة كلها ويفر بها أمام الجنود الإسرائيليين، بل يمكن أن تضم المجموعة صورة حاخام يحتضن شجرة فلسطينية لمنع الجنود من قطعها.

سبب الاقتراح ما قرأت عن مركز آن فرانك في الولايات المتحدة، وآن هي البنت اليهودية التي اختبأت من الجنود النازيين في أمستردام وكتبت مذكرات مؤثرة جداً. المركز يريد نقل براعم من شجرة كستناء (أبو فروة) كانت تراها آن من مخبئها لتنمو في 11 موقعاً أميركياً، من مدرسة أو غيرها لمكافحة التحامل والتعصب.

الاقتراح جميل وسيصبح أجمل إذا زرع المركز بعض الأشجار الفلسطينية التي يستهدفها جيش الاحتلال الفاشستي الذي حوّل اليهود من ضحية الى قاتل.

أتحدث عن نفسي فقط فقد كانت هناك محرقة راح ضحيتها ستة ملايين يهودي ودفعنا نحن ثمن جريمة الغرب المسيحي بإرسال يهود أوروبا، حتى لا يذكّروا الغرب بجريمته مع بقائهم فيه، الى فلسطين. وقد كتبت مرة بعد مرة عن النازيين الجدد الفاشست في حكومة اسرائيل وجيشها ومن المستوطنين، كما كتبت في المقابل عن يهود يريدون السلام يدافعون عن الفلسطينيين ويحاولون أن يحموهم من الإرهاب الإسرائيلي.

آن فرانك مثال على وحشية النازية، كما أن حكومة نتانياهو وجيش الاحتلال والمستوطنين مثال على الهمجية الإسرائيلية، وأرفض أن ألغي آن فرانك من ذاكرتي لأن الناجين من النازية والمتحدرين منهم مارسوا بحق الفلسطينيين الجرائم التي ارتكبت بحقهم. وقد تأثرت عندما قرأت قصة آن فرانك أول مرة ولن أشملها يوماً بغضبي على اسرائيل.

وأعود الى عنوان رسالة مازن قمصية قبل أن تضيق بنا الزاوية، فهو اختار من الناس الطيبين ناشطة من دعاة السلام في العشرينات من العمر تتحدث لغات عدة وقارنها بمستوطن يهاجم فلسطينيين في حصاد الزيتون.

أختار مثالاً على الناس الطيبين سارة لي وِتْسون من منظمة مراقبة حقوق الإنسان فهي تعكس تماماً نموذج «داعية سلام»، وأختار مثالاً سيئاً هو روبرت بيرنستين الذي رأس المنظمة بين 1978 و 1998، وفوجئت أخيراً بمقال له في «الهيرالد تريبيون» أرسله اليّ مع تعليق الأخ كامل الأزعر، وهو رجل أعمال تونسي صديق، يقول فيه بيرنستين إن انتقاد المنظمة اسرائيل بشكل مستمر يجعلها تفقد قيمها الأساسية.

هو يفقد قيمه ومبادئه عندما يدافع عن دولة احتلال فاشستية، فالدفاع عنها يعني التواطؤ معها والتحريض والمساعدة، وهو بذلك لا يختلف عن ليكوديين حول العالم يقولون إن مجلس حقوق الانسان دان اسرائيل أكثر مما دان بقية دول العالم مجتمعة. هو دانها لأنه لم يبق بعد النازيين سوى اسرائيل نازية جديدة، ولم يبق بعد جنوب افريقيا التفرقة العنصرية سوى اسرائيل نموذجاً على التفرقة العنصرية. ومن الوقاحة الليكودية أن يزعم ليكودي علني أو سري أن العالم كله على خطأ ودولة الجريمة الفاشستية على صواب.

========================

هل بدأت تركيا خطوات الابتعاد عن الغرب؟ سياسة أنقرة الخارجية الإسلامية تضعها على خط الخلاف مع حلفاء الأمس

بقلم: سنور كاغابتاي

(مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)

الشرق الاوسط 30-10-2009

لم تبادر تركيا كما هو معروف الى دعوة اسرائيل في أوائل اكتوبر الجاري لحضور مناورات «نسر الأناضول» الجوية السنوية التي تشارك فيها عادة كل من إسرائيل، الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي منذ منتصف عقد التسعينيات.

وبذا كانت تلك هي المرة الأولى التي تسمح فيها تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية لميولها المناهضة للغرب على نحو متزايد بالتأثير على استراتيجية سياستها الخارجية مما يوحي ان استمرار تعاونها مع الغرب هو أمر غير مضمون.

رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية وزعيم حزب العدالة والتنمية، برر قراره عدم دعوة اسرائيل الى تلك المناورات بالقول إنها دولة ظالمة.

غير أنه ما لبث بعد يوم واحد فقط من ذلك ان دعا سورية للانضمام الى تلك المناورات العسكرية ثم أعلن عن قيام مجلس التعاون استراتيجي معها.

المراقبون السياسيون وصفوا ما حدث بأنه تحول كبير في السياسة الخارجية التركية، وأن التعاون السياسي والعسكري المستمرين بين تركيا والغرب منذ 60 سنة أخذ يتآكل على الأرجح.

كان هذا التعاون قد بدأ عام 1946، عندما اختارت تركيا التحالف مع الغرب ايام الحرب الباردة ثم أرسلت بعد ذلك جنودها الى كوريا، وانضمت لحلف شمال الأطلسي لتبدأ حكوماتها المتعاقبة بعدئذ السعي لإقامة تعاون وثيق مع اوروبا والولايات المتحدة.

في ذلك الوقت كانت تركيا تنظر الى الشرق الأوسط والسياسة الدولية من خلال إطار مصالحها الأمنية الوطنية، وهذا ما جعل تعاونها مع الآخرين ممكنا حتى مع اسرائيل التي كانت ترى فيها أنقرة حليفاً «ديموقراطياً» في منطقة مضطربة سريعة الالتهاب.

ومن الواضح ان البلدين تقاسما اهتمامات أمنية مشتركة، حيث كانت سورية تدعم مجموعات «إرهابية» بنظر اسرائيل تعمل في الخارج مثل المنظمات الفلسطينية الراديكالية وحزب عمال كردستان الذي كان ارهابيا بنظر تركيا.

لذا، عندما واجهت أنقرة دمشق في قضية دعمها للحزب، هللت الصحف التركية في اليوم التالي للتحالف التركي - الإسرائيلي بعناوين مثيرة كان منها: «سنقول شالوم للإسرائيليين في مرتفعات الجولان» لكن بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا أخذ ينظر الى مصالح البلد من خلال إطار مختلف يتسم بالطابع الديني الإسلامي.

ظهر ذلك واضحا عندما وصف مسؤولو الحزب الكبار الهجوم الأمريكي على الفلوجة بالعراق ب«الإبادة الجماعية» عام 2004. وفي فبراير الماضي 2009 قارن أردوغان غزة بمعسكر اعتقال نازي.

غير أن سياسة حزب العدالة والتنمية على الصعيد الخارجي لم تتعاطف مع كل الدول الإسلامية، فقد أظهر الحزب تضامنا فقط مع الأنظمة الإسلامية المناهضة للغرب (قطر والسودان على سبيل المثال) وابتعد عن الحكومات العلمانية الموالية للغرب مثل (مصر، الأردن وتونس).

والحقيقة أن هذه الاستراتيجية كانت واضحة على نحو خاص في الاراضي الفلسطينية، فبينما دعت حكومة حزب العدالة والتنمية البلدان الغربية للاعتراف بحركة حماس كحكومة شرعية للشعب الفلسطيني، وصف مسؤول الحزب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأنه رئيسا لحكومة غير شرعية.

لكن، وكما أظهرت عملية إلغاء المناورات العسكرية المشتركة مع اسرائيل، تتسم السياسة التركية الخارجية بالتباين، والمثال على ذلك جاء في يناير الماضي.

فبعد يوم واحد فقط من إلقاء أردوغان خطابا في المنتدى الاقتصادي العالمي، انتقد فيه الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز واليهود والاسرائيليين لأنهم يتقنون قتل الناس، استضافت تركيا نائب الرئيس السوداني علي عثمان طه في أنقرة.

وهذا موقف خطير لأنه يوحي - خصوصاً للجيل المقبل من اعضاء حزب العدالة والتنمية - بأن الأنظمة الإسلامية وحدها لها الحق في مهاجمة شعوبها أو حتى الدول الأخرى.

كما دافع اردوغان في سبتمبر الماضي عن برنامج ايران النووي بالقول: إن مشكلة الشرق الأوسط هي ترسانة اسرائيل النووية.

ربما يصف بعض المحللين مثل هذا الكلام بأنه للاستهلاك الداخلي او انه نتيجة لمزاج اردوغان المتوتر.. لكن من المعروف ان هذا الرجل سياسي ماهر، وهو يحاول الآن الاستجابة للتغييرات الحاصلة اليوم في المجتمع التركي. فبعد سبع سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، تحول الرأي العام التركي وتبنى فكرة: «العالم الإسلامي» الموحد سياسيا. إذ تشير عمليات استطلاع الآراء المستقلة ان عدد الناس الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين ملتزمين تزايد بنسبة %10 بين عامي 2002 و2007 بل ووصف نصف أولئك الذين شاركوا في تلك الاستطلاعات أنفسهم بالإسلاميين.

ولابد من الاعتراف أيضا ان سياسة حزب العدالة والتنمية الخارجية تحظى الآن بتأييد كبير على مستوى الداخل مما سيجعلها أكثر رسوخا على الأرجح. فبعد الجلسة العاصفة التي خرج منها اردوغان في المنتدى الاقتصادي العالمي، تجمع آلاف من الأتراك لاستقبال طائرته وتحيته لدى رجوعه للوطن.

الحقيقة أن لتحول الهوية التركية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية مضامين وأبعاداً مهمة جدا. فبعد أن باتت تهتدي بنظرتها العالمية الإسلامية سيصبح من الصعب جدا على تركيا انتهاج سياسة خارجية مؤيدة للغرب حتى عندما يكون ذلك لصالحها.

ومن المؤكد ان الروابط التركية - الإسرائيلية، التي كانت نموذجا منذ وقت طويل لأن تقيم دولة إسلامية علاقة صداقة وتعاون مع الدولة اليهودية، ستستمر في التراجع.

ولاشك أن مثل هذا التطور سيجد صدى ايجابيا لدى الرأي العام التركي مما سيعزز شعبية حزب العدالة والتنمية.

وبذلك يكون الحزب قد ضرب عصفورين بحجر واحد: أبعد نفسه عن حليفته السابقة اسرائيل من جهة ورسخ قاعدة سلطته من جهة اخرى.

تعريب: نبيل زلف

تاريخ النشر 30/10/2009

========================

أيهما يصنع الآخر الصحافة أم الديموقراطية؟

الوطن السعودية 30-10-2009

 ترتبط الصحافة ارتباطاً وثيقاً بالديموقراطية، وعندما يتم الحديث عن الثانية يتم استدعاء الأولى مباشرة كركن من أركانها الرئيسية، وحام من حماتها. فإذا كانت واحدة من أهم أسس الديموقراطية حرية التعبير عن الرأي، وإعلام الجمهور بالحقائق، فإن هذه المهمة تقوم بها الصحافة ووسائل الإعلام. ولأن المجتمع متعدد المشارب والانتماءات والمصالح، ولأن الديموقراطية تحترم هذا التعدد والتنوع، فإن تعدد الصحافة ووسائل الإعلام تعمل على أن تعبر كل القطاعات في المجتمع عن نفسها. بمعنى آخر، يعكس التعدد في وسائل الإعلام تعدد المصالح في المجتمع وتنوع المصالح وتناقضها، ويحاول كل طرف التعبير عن هذه المصالح والحفاظ عليها من خلال الآلية التي تضمن للجميع محاولة إقناع الآخرين بما يدعيه، وتكون الوسيلة لذلك، وسائل الإعلام التي ترتبط بحرية التعبير عن الرأي. إضافة إلى هذه المهمة الجليلة، تقوم الصحافة بمهمة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى، وهي مراقبة الأداء السياسي للمسؤولين الرسميين الذين يفترض أنهم يؤدون خدمة عامة كلفهم المجتمع بأدائها من خلال صناديق الاقتراع، وفضح أية ممارسات فاسدة أو متناقضة مع المجتمع أو حتى متناقضة مع البرنامج السياسي الذي وصلت القيادة السياسية على أساسه إلى السلطة. وبحكم هذه الطبيعة لعمل الصحافة غالباً ما تكون علاقة الصحافة مع السلطات، علاقة غير ودية، ولكن السلطات السياسية لا تستطيع محاسبة الصحف أو معاقبتها على ما تكتب، طالما أن ما تقوله يقع في إطار الرأي وحرية التعبير وكشف الحقيقة، وأية خلافات لا تستطيع السلطة أن تحلها بالوسائل القمعية، بل تحل بين ندين أمام القضاء المستقل عن السلطة التنفيذية، والقضاء سلطة ليس للسلطة السياسية أي تأثير عليها، وبذلك تقوم السلطة السياسية بمهامها في تنفيذ سياسة أوصلتها إلى السلطة عبر رغبات الجمهور التي أفرزتها صناديق الاقتراع، وتقوم الصحافة بمراقبة السلطة السياسية, لإيصال الحقائق إلى الجمهور وكشف التناقض بين البرامج الانتخابية والأداء السياسي للذين يشغلون السلطة. وبناء على ما تقدم نصل إلى الاستنتاج الطبيعي، وهو أن التعدد الصحفي والإعلامي هو علامة لا تخطئها العين من علامات الديموقراطية.

ولكن هل هذا صحيح مطلقاً، أي في كل مكان، وهل التعدد الإعلامي دليل على الديموقراطية،أم إن الديموقراطية يتم تكريسها في مواقع أخرى، وهل هناك تجارب في العالم تقول غير ذلك، وهل التعدد الصحفي لا يعكس بالضرورة أي مؤشر من مؤشرات الديموقراطية، ويمكن أن يكون لا يعكس حتى التعددية الإعلامية؟

الجواب نعم، حالنا في العالم العربي يقول ذلك، التعددية الإعلامية لا تعني أن هناك مؤشراً على الديموقراطية وتعدد الآراء وحرية التعبير عن الرأي، وأحياناً يتم الحديث عن ديموقراطية الكلام، والكلام فقط، ولكن حتى هذه الديموقراطية الكلامية لا يعكسها التعدد الصحفي في العالم العربي. تتبع الصحافة في العالم العربي مالكها، وهي بأغلبيتها الساحقة ملك السلطات السياسية في هذه البلدان، وهذه السلطات تعتبر الوظيفة الوحيدة والنهائية للصحافة، هي أن تكون بوقاً لها، ترافق المسؤولين في كل مكان وتعدد منجزاتهم، التي أغلبها غير حقيقي، وإذا كانت هناك استثناءات فهي تعد على أصابع اليد الواحدة، فهي استثناءات تثبت القاعدة ولا تنقضها. ولأن الصحف الوطنية تمثل بوقاً فجاً للسلطة السياسية، فهي صحافة غير موثوقة إطلاقاً من الجمهور الوطني الذي يفترض أن هذه الصحافة تتوجه له. وباعتبار الصحافة الوطنية العربية بوقاً للسلطة السياسية، فإن المراسلين الأجانب لوسائل إعلام خارجية، يعتمدون الصحف الوطنية لنقل الموقف الرسمي وهم لا يخطئون في ذلك على المستوى المهني، مع أن هذا لا يمكن أن يُعتمد في صحافة البلدان الأخرى، فلا يمكن اعتبار BBC على سبيل المثال وهي مؤسسة حكومية بوقاً للحكومة البريطانية، فهذه الوسائل ملك لدولة وهي جهاز دائم، وليس ملكاً للحكومة الزائلة عبر صناديق الانتخابات، وبذلك فوسائل الإعلام المملوكة للدولة في الدولة الديموقراطية تؤدي وظيفة عامة للمجتمع وليس بوقاً للسلطة السياسية الراحلة بعد حين وإن طال.

لا تحسم الديموقراطية والمجتمع الديموقراطي في وسائل الإعلام سواء في دورها أو في تعددها، فالديموقراطية ودور الإعلام في العملية الديموقراطية يحسم أصلاً في حقل السياسة وليس في حقل الإعلام.

فلا شك بأن السياسة هي التي تقرر مستوى الصحافة وتعطي معنى لتعددها، حيث تعبر عن تعدد الاتجاهات السياسية في المجتمع. لذلك يمكن القول إنه لا صحافة حيث لا سياسة، وفي العالم العربي التعددية السياسية ممنوعة ما يعني أنه ليس هناك سياسة، وبالتالي ليس هناك صحافة، لأنها لا تملك دوراً تلعبه. وهل نخطئ عندما نقول إنه ليس هناك صحافة عربية؟ فعندما لا يكون هناك حريات سياسية، بالضرورة ليس هناك ديموقراطية تشكل الوعاء الأمثل للحرية الإعلامية ولأداء الصحافة دورها بوصفها سلطة رابعة ذات طابع رقابي. فليس هناك صحفي عربي يحق له إحراج مسؤول عربي، وليس هناك صحفي عربي يستطيع أن يحصل على خبر عربي هام من مسؤول عربي كبير، وفي العادة يقدم المسؤول العربي الخبر الهام والأسرار إلى الصحافة الأجنبية معتبراً أن الصحافة العربية ليست جديرة بالأخبار الهامة، وعادة ما تنقل الصحافة العربية الأخبار الهامة عن صحفيين أجانب قابلوا المسؤول العربي.

إن تحميل الصحافة مسؤولية غياب الديموقراطية في العالم العربي، هو تحميل قضية لحامل لا يملك الوسائل للتأثير على القضية، فوسائل الإعلام في الإطار الوطني تعمل من خلال النظام، لا بالضد منه، فليس هناك قدرة لإعلام رسمي أن يلعب دوراً ناقداً للسلطة السياسية التي تعتبر نفسها فوق الجميع. فوسائل إعلام في نظام ديموقراطي تعمل ضمن النظام التي هي جزء منه، أما الصحافة في نظام شمولي فهي تعمل كبوق للسلطة السياسية. وحتى لا نظلم وسائل الإعلام يجب أن نرى في أي بيئة سياسية تعمل، لا أن نعتبر أنها قادرة بذاتها على خلق بيئة سياسية تلائمها.

========================

تقرير الحريات الدينية والعالم العربي

رضوان السيد

الشرق الاوسط30-10-2009

على غير عادته، منذ بدء ظهوره في العام 2000؛ فإنّ تقرير «الحريات الدينية في العالَم» الذي تُصدره وزارةُ الخارجية الأميركية كلَّ عام؛ تضمن هذا العامَ ثناءً على أربع دولٍ عربية هي السعودية والأردنّ وقَطَر وعُمان. في السعودية، أَثْنى التقرير على مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز لحوار الأديان والثقافات، والتي بلغت ذروتَها في المؤتمر الذي انعقد بالأُمم المتحدة، وحضره ممثلون لخمسين دولة، بينهم ثلاثون رئيساً، أو رئيس وزراء. وفي الأردنّ أثنى التقرير على مبادرة «الكلمة السواء» التي وقّعها 138 عالماً مُسلماً، توجَّهوا بها إلى المسيحيين، وحظيت باستحسان الكنيسة الكاثوليكية، والكنائس البروتستانتية الكبرى. وفي قطر كان هناك ثناءٌ على مؤتمرات «حوار الأديان»، التي تنعقد بالدوحة منذ خمس سنوات. وفي عُمان أثنى التقرير على سياسات الدولة العُمانية لجهة عدم التمييز على أساس الدين، ولجهة استضافة مؤتمرات ووفود للحوار، ولجهة الحريات الدينية التي يتمتّع بها غير المسلمين من مُواطني السلطنة والمقيمين فيها.

ولا شكَّ أنّ المؤثّر الأكبر في هذه الإيجابيات، ليس تحسُّن أوضاع الحريات الدينية في العالم العربي وحسْب؛ بل والأجواء الجديدة أيضاً التي نشرتها إدارة الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، وبدت في خطاباته باسطنبول والقاهرة ومناسبات أُخرى في الولايات المتحدة وخارجَها، وتتعلَّقُ جميعاً بالانفتاح على الإسلام والمسلمين والعرب، كما تنتقد المُقاربات الأميركية السابقة التي شابتْها أيام الرئيس بوش الابن أيديولوجيات صراع الحضارات، والحرب على الإرهاب (الإسلامي).

وقد جاءت مبادرة الكونغرس إلى إصدار قانون يتعلق بالحريات الدينية في العالم، من ضمن سلسلة من القوانين منذ الخمسينات من القرن الماضي، تتجلَّى فيها «الرؤية الأميركية» القائلة بأنّ الولايات المتحدة هي بمثابة «مدينة على جبل»  حسب تعبير الإنجيل ، وأنها بحكم جوهرها المسيحي المتسامي باعتبارها «أورشليم الجديدة»، تملك تجاه نفسها وتجاه العالم حقوقاً وواجباتٍ في نشر الحريات وصَونها عَبْر العالَم. ولذلك فإنها تُعطي لنفسها حقَّ التدخُّل  بحسب ما تستطيع  في سائر أنحاء العالَم عندما تتعرض تلك الحريات الإنسانية للخطر أو الانتهاك. وإذا لم يكن التدخُّل العسكري ممكناً في أكثر الأحيان؛ فلا أقلّ من أن يصدر تقريرٌ سنويٌّ عن وزارة الخارجية، يُثني على هذا الطرف أو يُدينُ ذاك، تشجيعاً أو إدانة ولو إعلامية. وكان المُحرِّك لذلك في الأساس ليس المثالية أو حُبّ الحرية بالدرجة الأولى، بل التشنيع على الاتحاد السوفياتي والدول الدائرة في فَلَكِه خلال الحرب الباردة. وكانت سائر الجهات الداخلة في حلف وارسو، والعالم الثالث؛ تُقابلُ ذلك بسلبيةٍ شديدة، وبمبرراتٍ متعددة. فهناك من كان يذهب إلى أنّ في التقارير عن حقوق الإنسان أو الديمقراطية أو الأقليات؛ اعتداءً على سيادة الدول. وكان هناك من يقول إنّ الأميركيين لا يملكون الحقَّ في النعي على الآخَرين، بينما لا يزال عندهم تمييزٌ ضد السكان الأصليين والسود والهسبانك وأقليات أُخرى. وكان هناك أخيراً من يقول إنّ الدوافع في سائر الحالات سياسية؛ بدليل الانتقائية البادية في سائر التقارير، حيث تجري مُراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في كوبا أو الصين مَثَلا، ويجري تجاهُل الوضْع المُزْري لحقوق الإنسان في دولٍ بأميركا اللاتينية أو أفريقيا لأنها حليفةٌ للولايات المتحدة!

والواقعُ أنّ الوضْع مع التقرير السنوي للحريات الدينية، مختلف. إذ لم يجر اشتراعُهُ أيّام الحرب الباردة. بل بدأ التفكيرُ فيه بعد العام 1995. وفي النقاشات العَلَنية التي جرت حولَهُ قبل إقراره عام 1998؛ كان هناك حديثٌ عن الحضارة اليهودية  المسيحية المتسامية، لارتباطها بفكرة الحرية. كما كان هناك حديثٌ عن التمييز ضد اليهود في العالمين العربي والإسلامي، وضد المسيحيين في الصين وبورما وبعض بلدان العالم العربي. وقد ردَّ أنصار قانون الحريات الدينية وقتَها على نُقّاده من الصينيين والعرب والمسلمين، بأنّ تلك التعللات غير صحيحة، لأنّ الدافع الأساس، أو من الدوافع الأساسية لذاك القانون ما بدا من تمييز ومذابح ضد المسلمين في أقطار يوغوسلافيا السابقة. وأَذكُرُ أنه بعد صدور التقرير الأول عن الحريات الدينية عام 2000 أو 2001، وكان حافلا بالانتقادات الشديدة لدولٍ مثل مصر وتركيا، أنّ السفارة الأميركية ببيروت، دعت مجموعةً من اللبنانيين المختصّين بالأديان أو بحقوق الإنسان  وكنتُ واحداً منهم  للالتقاء في حَرَم السفارة، بوفدٍ أميركيٍ من النواب وموظفي وزارة الخارجية بينهم وقتَها مفوض متابعة إنفاذ القانون السالف الذكر. وقد انصبّ نقد اللبنانيين في أربعة اتجاهات؛ الاتجاه الأول: الإنكار على الأميركيين حقَّ التدخُّل بما يُهدّد سيادة الدول، ويشجّع على الاضطراب فيها  والاتجاه الثاني: الالتباس في مفاهيم «الحرية الدينية» في التقرير، وربْطها دائماً بالأقليات التي قد تكونُ لغوية أو إثنية وليست بالضرورة دينية، لأنّ أتباعها ليسوا من دينٍ واحد  والاتجاه الثالث؛ نقد الانتقائية والتسيُّس؛ ففي حين اعتبر التقرير أنّ في مصر وتركيا والجزائر إساءةً للحريات الدينية، ما ذكر كلمةً واحدةً عن إسرائيل التي تتعرضُ بالهدم أو محاولات التخريب للمعابد الإسلامية والمسيحية وفي طليعتها المسجد الأقصى  والاتجاه الرابع: ظهور ميول قوية للتمييز ضد المسلمين في التقرير؛ إذ يجري ذكْر التشدُّد الإسلامي باعتباره من مسوِّغات انتهاك الحريات الدينية لغير المسلمين في الأقطار العربية والإسلامية. وقد أنكر الحاضرون من الأميركيين ذلك كلَّه، لكنهم سجَّلوا ملاحظاتِنا بعنايةٍ، وقالوا إنهم سوف ينظرون في «العقلاني» و«الموضوعي» منها بتأنٍّ في ما بعد، وربما يجري استدراك المُقْنع منها في التقارير اللاحقة!

إنما بغضّ النظر عن حقّ الأميركيين في إجراء مُحاسبةٍ للعالم كُلِّه على أساس قوانينهم، وليس مَثَلا بحسب ميثاق الأُمم المتحدة، أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ فالواقعُ أننا كنا في أشدّ الحاجة لأعمالٍ ومبادراتٍ مُجْدية، بعد إغارات «القاعدة» على الولايات المتحدة، وغيرها من الدول، ونشوب الحرب على الإرهاب. فقد شنّت الولاياتُ المتحدة والدول الأوروبية وروسيا والصين والهند، حروباً وحملاتٍ ضدّ «الإرهابيين» المسلمين، وقسّمت الإسلام إلى معتدلٍ ومتطرفٍ، وخلطت بين الإرهاب، والحقوق الوطنية والقومية والدينية للأقليات الإسلامية في العالم  حتّى كاد شارون ينجح في تبرير حملاته للقضاء ليس على المقاومة الفلسطينية وحسْب بل وعلى القضية الفلسطينية ذاتها، فضلا عن التحاق قضايا مثل كشمير والشيشان والأويغور بالإرهاب!

ولذلك انطلقت جهودٌ ومبادراتٌ على مستويين: مستوى المثقفين وجمعيات المجتمع المدني، ومستوى الدول وسياساتها. فقد عمد كثيرون منّا إلى مناقشة أُطروحات صراع الحضارات، ومقولة الخطر الأخضر، ومقولة الإرهاب الإسلامي، ومقولة «اختطاف المتطرفين للإسلام». وقد دُعيَ كثيرون منا إلى الولايات المتحدة أو أوروبا في سياق مبادراتٍ لحوار الأديان أو تحالُف وائتلاف الحضارات. وكنا نعرفُ أنّ الحضارات لا تتحالف ولا تتصارع ولا تتحاور؛ وإنما تتصارع وتتحالف وتتحاوَرُ الدولُ والأُمَم. أمّا الحضارات (والتي تتضمن الأديان أو تتضمنها الأديان)، فلا حديثَ حقيقيا عن تحاوُرها أو صراعها، وإنما عن العلاقات فيما بينها في المَدَيات المتطاولة. لكنْ كما سبق القول؛ فإن كثيرين منا تجاهلوا الجانب النقديَّ للمفاهيم، وخاضوا نقاشاتٍ كثيفةً لتصحيح النظرة عن الذات وعن الإسلام.

وفي الوقت نفسِه، بادرتْ دولٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ، كانت ولا تزال تتعرض للهجمات أو التحديات في دينها وثقافتها واستقرارها، لعقد مؤتمراتٍ على أرضها أو في الخارج الأوروبي والأميركي والروسي والياباني والصيني، وللهدف نفسه: تغيير النظرة إلى دينها وثقافتها وإنسانها، والتنبيه إلى أنّ «الإرهاب» له أسبابه المعقولة وغير المعقولة، لكنّ الإسلامَ ليس جزءًا منها، كما ذكر أوباما نفسه مراراً في هذا العام. ولا شكَّ أنّ مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز التي كانت تقصد إلى تغيير النظرة السوداوية والمتحيّزة، وفك الحصار، وإعادة العلاقات بيننا وبين العالَم إلى سَويتها؛ أسهمتْ إسهاماً بارزاً في التحوُّل الذي يحدُثُ منذ العام 2007. وما اقتصرت المبادرة على المؤتمر الذي انعقد بالأُمم المتحدة كما ذكر تقرير وزارة الخارجية الأميركية؛ بل كانت حركةً زاخرةً في اتجاهاتٍ شتّى. كانت هناك زيارة الملك للبابا، ثم الإعلان عن الدعوة لحوار الأديان والثقافات، ثم مؤتمر مكة وبيانه، ثم المؤتمر الكبير بمدريد وبيانه؛ فالمؤتمر الذي انعقد في رحاب الأُمَم المتحدة. وفي حين أقبلت بلدانٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ على استضافة مؤتمرات وإصدار بيانات تنحو في المنحى نفسه؛ فإنّ رئيس الوزراء التركي أردوغان عمد إلى «عقد» اتفاقٍ مع رئيس الوزراء الأسباني، على إقامة ما سمياه تحالف الحضارات أو ائتلافها. وقد انعقد للتحالفُ المذكور مؤتمران حتى الآن أحدهما بمدريد والآخر باسطنبول. وفي ثانيهما كانت كلمة الرئيس أوباما الأولى الموجَّهة للمسلمين. وهو عندما أراد بعدها التوجُّه للقاهرة، ذهب إلى السعودية أولاً، وتحدث إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز، باعتباره الزعيم العربيَّ الأول، والرائد للحوار والانفتاح بين المسلمين والولايات المتحدة والغرب.

ولنعُدْ إلى تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن الحريات الدينية. إنّ ما ورد فيه يبقى ذا دلالة على تغييرٍ واضحٍ في السياسة الأميركية تجاه العرب وتجاه المسلمين. كانوا غاضبين فلم يذكروا غير السيئات، ورضوا فذكروا الحسنات:

فعينُ الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ

ولكنّ عين السُخْط تُبدي المَساويا

========================

خلافات ألد الحلفاء

الإسرائيليون حائرون.. هل يعقل أن تكون تركيا قررت الطلاق منهم؟!

تل أبيب: نظير مجلي

الشرق الاوسط 30-10-2009

في السياسة لا يجري الطلاق بالتفاهم. بل بطرقة باب شديدة، قد تصل إلى حرب بين ألد الأصدقاء. ولكن، ماذا يحدث إذا كان أحد طرفي هذا الزواج غير معني بالطلاق؟ وغير مصدق أنه يواجه حالة طلاق؟ ويراجع ملفاته ولا يجد مبررا حقيقيا للطلاق؟! هذا ما يحدث للإسرائيليين اليوم، إزاء الهجوم التركي المتواصل عليهم. فهم لا يصدقون بأن تركيا تناصبهم العداء في السنة الأخيرة بسبب الحرب العدوانية على قطاع غزة. ويقولون إن تركيا لم تتصرف على هذا النحو في زمن الحرب التي شنتها على الضفة الغربية وحاصرت فيها القائد الفلسطيني ياسر عرفات وقتلت فيها وجرحت مئات الفلسطينيين وأعادت احتلال مدن الضفة الغربية ودمرت عملية السلام. والطائرات الإسرائيلية التي أغارت على قطاع غزة، أجرت معظم تدريباتها فوق الأراضي التركية، فهل يعقل أنهم اليوم يقفون بهذا العداء لإسرائيل بسبب تلك الحرب؟

والحيرة لا تقتصر على التفسير، إنما تمتد إلى الاستنتاجات أيضا. فطالما لا يعرفون ما الذي تسبب في تدهور الموقف التركي إلى هذا العداء من إسرائيل، فإنهم لن يحسنوا التصرف لمعالجته. وقد تم تكليف لجنة وزارية رفيعة لحل لغز الموقف التركي، من أجل استخلاص النتائج الصحيحة، وفي هذه الأثناء يوجد إجماع في إسرائيل على ضرورة الامتناع عن القيام بأية خطوة تؤجج الخلاف وتلهب الصراع أكثر.

وقبل أن نخوض في آراء الخبراء الإسرائيليين في الموضوع، لا بد من العودة إلى جذور العلاقات الإسرائيلية التركية وكيفية تطورها، حتى ندرك حجم المشكلة وتبعاتها على العلاقات بين البلدين والمنطقة.

من الأندلس وحتى الحدود السورية عندما يتحدث أي خبير إسرائيلي عن العلاقات الإسرائيلية التركية، يعود بنا إلى الوراء مئات السنين، إلى أيام الأندلس والإمبراطورية العثمانية. فيذكرون بالخير، كيف استقبل الأتراك اليهود الذين طردوا من الأندلس، سوية مع العرب، فحموهم وفتحوا لهم باب العمل في الصناعات وفي التجارة وسلموهم مهام في الحكم. ثم يذكرون استمرار هذه المعاملة في العصر الحديث، عندما استقبل الأتراك بالأحضان، اليهود الهاربين من التعسف الأوروبي، خصوصا مطاردات النازية لليهود ومحاولة إبادتهم. فلم يرفضوا أي يهودي يلجأ إليهم. وعندما قامت إسرائيل في أواسط سنة 1948، كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بها، وفي السنة التالية كانت أول دولة إسلامية تقيم علاقات دبلوماسية معها. ومع أن العلاقات أخذت تبرد مع استمرار الحروب الإسرائيلية (1956 و1967 و1982)، فإنها عادت لتسخن في سنة 1992. فقد بدأت إسرائيل تبحث مع تركيا إقامة «نهر السلام»، وتقصد استيراد الماء من تركيا في مشروع ضخم عبر البحر المتوسط. وقد تعثر هذا المشروع بسبب اتساع معارضة الخبراء الإسرائيليين له، إلا أن مشاريع أخرى بين البلدين بدأت تبحث في عدة مستويات، تبعتها زيارات متبادلة للرؤساء وقادة الحكومتين. وفي سنة 1997 وقع البلدان اتفاقا للتجارة الحرة. وبحلول سنة 2007، كان حجم التبادل التجاري بينهما بقيمة 3 مليارات دولار.

فقد بدأت إسرائيل تستورد السيارات المصنوعة في تركيا (من شركات سيارات أوروبية تقيم فروعا ومصانع في البلدات التركية) ومنتوجات النسيج والجلد والمواد الخام للبناء والفواكه المجففة وغيرها. وصدرت إسرائيل إلى تركيا ما تنتجه من كيماويات وأجهزة ري وخبرات وأجهزة في عالم الاتصالات والتكنولوجيا العالية. وسافر نصف مليون إسرائيلي إلى تركيا للسياحة، يشكلون ما يعادل 2% من السياح الأجانب.

بيد أن المجال الأكبر للتعاون بين البلدين، تطور في الاتجاه العسكري. فإسرائيل تبيع لتركيا أسلحة وتقدم خدمات تطوير وتحديث للدبابات والطائرات التركية بما يعادل 600 مليون دولار في السنة. ومنذ عام 2001 تقيمان علاقات تحالف عسكري، حيث إنهما تجريان تدريبات عسكرية ثنائية مشتركة وتشترك إسرائيل في المناورات التي تجريها تركيا مع حلف شمال الأطلسي مرة كل سنتين، وهي مناورات ضخمة أرسل الإسرائيليون إليها طائرات «إف  16» المقاتلة. وسمحت تركيا لإسرائيل بأن تجري تدريبات سلاحها الجوي فوق الأراضي التركية، وتحديدا في منطقة أنطاليا ومناطق أخرى شرقي تركيا بمحاذاة الحدود مع إيران وسورية والعراق. وتحت شعار مكافحة الإرهاب، أقيمت علاقات تعاون خاصة بين أجهزة المخابرات في الطرفين.

الحكومة الإسلامية عندما فاز حزب الرفاه بالحكم في تركيا، خشيت القيادات الإسرائيلية من تدهور في العلاقات. ولكن هذا الحزب تبنى سياسة سابقيه في العلاقات معها وواصل تطويرها. وقد عزا الإسرائيليون هذا الموقف إلى نفوذ الجيش التركي الكبير في السلطة. بيد أنه مع عودة التيار الإسلامي، بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئاسة طيب رجب أردوغان، في سنة 2006، لم تتردد إسرائيل في تجربة حظها معه بشكل إيجابي من بداية الطريق. وبادرت إلى إعلان نوايا طيبة تجاهه.

وكان من أهم هذه البوادر قيام اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة «إيباك» بإقناع أعضاء الكونغرس الأميركي بالتنازل عن مشروع للاعتراف بأن الأرمن تعرضوا لمذبحة تركية إبان الحرب العالمية الأولى. وحسب مصادر أجنبية، فإن «الموساد» (جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية)، أدى دورا مهما في تعريف المخابرات التركية إلقاء القبض على رئيس حزب العمال الكردي، عبد الله أوجلان، لتكون تلك بداية القضاء على تمرد الأكراد. وقد تجاوب أردوغان مع إسرائيل وواصل التعاون معها في جميع المجالات، إلا أن بصمات حزبه بدأت تظهر على سياسته الخارجية وتزعج الإسرائيليين. وكانت الإشارة الأولى في سنة 2006، بعد أسابيع من اعتقال أوجلان في كينيا، حيث استقبل أردوغان بحفاوة قائد حماس، خالد مشعل في أنقرة. وكانت الإشارة الثانية بتعميق العلاقات الودية مع سورية، التي تعتبرها إسرائيل عنصرا أساسيا فيما يسمى «محور الشر». بيد أن التأثير السلبي لهذه النشاطات كان يخفت في كل مرة تبادر فيها تركيا إلى خطوات إيجابية تجاه إسرائيل. فاشترت طائرات بلا طيار من صنع إسرائيلي. وبادرت إلى وساطة في مفاوضات السلام بين إسرائيل وسورية. وواصلت التنسيق الاستراتيجي والعسكري، حتى فيما يسمى مكافحة الإرهاب. ويقال، حسب مصادر أجنبية، إن إسرائيل استخدمت الأراضي التركية لدى قصفها المفاعل النووي السوري في دير الزور قبل حوالي السنتين. ومع أن تركيا تنفي ذلك بشكل قاطع، إلا أن وجود طائرات سلاح الجو الإسرائيلي المتواصل في تركيا، يشير إلى إمكانيات واسعة للإفادة منه ولو في رصد ما يجري في سورية. واستمرت هذه العلاقات، إلى أن انفجرت المفاوضات السورية الإسرائيلية في نهاية العام الماضي. ففي حينه نظم أردوغان محادثة هاتفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، والرئيس السوري، بشار الأسد. وكان من المفترض أن يرد أولمرت على اقتراحات الأسد الواقعية حول هذا السلام، إلا أن أولمرت طلب العودة إلى بلاده للتشاور. ولم يعط ردا. ثم فاجأ تركيا بالحرب العدوانية على قطاع غزة. وقد خرج أردوغان بسلسلة هجمات كلامية على السياسة الإسرائيلية، فوصف ممارساتها بأنها جرائم حرب بشعة ضد الإنسانية. وراحت العلاقات تتدهور بسرعة شديدة. وتم إلغاء المشاركة الإسرائيلية في التدريبات المشتركة. وألغيت صفقة لشراء قمر صناعي تجسسي إسرائيلي. وعرض مسلسل يظهر جنود إسرائيل قتلة أطفال فلسطينيين بدم بارد. ليس الحرب في غزة هنا، جاء الموقف الإسرائيلي الحائر في تفسير ما جرى. وقد استطلعنا آراء أربعة خبراء إسرائيليين بارزين في هذه العلاقات، إضافة إلى سياسي واحد، فوجدنا تفسيراتهم مختلفة تؤكد هذه الحيرة بشكل واضح.

يقول الجنرال المتقاعد يعقوب عميدرور، الباحث في معهد القدس لقضايا الجمهور والدولة، إن المطالبين في إسرائيل بعمل كل شيء في سبيل إعادة العلاقات بين إسرائيل وتركيا إلى سابق عهدها محقون. ولكن محاولاتهم غير مجدية. ويضيف «علينا أن نصارح أنفسنا ونقول الحقيقة وهي أن تركيا لم تعد حليفا استراتيجيا لنا. فما يجري في تركيا ليس صدفة ولا عابرا. ولا ينجم عن خطأ أو إهمال إسرائيلي لهذه العلاقة، بل لا يمت بصلة إلى سياسة إسرائيل وممارساتها في غزة. إنه تغيير استراتيجي. فقد تكون الحرب في غزة حافزا، لكنها ليست الأساس. تركيا تشهد تغييرات جوهرية في سياستها ونظام حكمها في أعقاب تصاعد نفوذ التيار الإسلامي فيها. وفي الواقع أن هذه الحالة لا تقتصر على تركيا. فالعالم الإسلامي كله يشهد تصعيدا كهذا، وبشكل خاص في الشرق الأوسط».

ويعتبر عميدرور أن التصعيد في تركيا أعمق منه في دول أخرى، كونه يحمل في طياته ثورة داخلية على تراث القائد العلماني للدولة، مصطفى كمال أتاتورك. فقد قمع أتاتورك الثورة الدينية في بلاده، ويعمل حزب العدالة والتنمية اليوم على إعادة العجلة إلى الوراء والقضاء على آثار هذه الثورة. وما يساعد على السير في هذا الاتجاه هو التلبك الذي يصيب دول الغرب إزاءها. فالغرب حائر ما بين قبول تركيا كحكومة إسلامية، وبين منع الجيش التركي من فرض دكتاتوريته على النظام. فإذا وقفوا ضد الجيش، يساعدون الحكومة الإسلامية. وإذا وقفوا ضد الحكومة الإسلامية، سيضطرون إلى غض الطرف عن نفوذ الجيش بشكل دكتاتوري. وأردوغان يستغل هذه الحيرة بذكاء ولا يفوت أية فرصة لتعزيز نفوذه على حساب الجيش.

أزمة مع الغرب ويقول تسفي مزال، وهو باحث أكاديمي في الشؤون التركية في معهد الأمن القومي، إن التحليلات التي تقول إن أردوغان معني بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لأسباب اقتصادية وغيرها، ليس صحيحا. والحقيقة أنه يضع لنفسه هدفا؛ أن يبتعد عن الغرب وحتى أن يفتعل أزمة مع الغرب حتى يبتعد عنه ويقترب مما يسمى محور الشر. ويضيف مزال: هذه العملية بدأت بشكل فظ في سنة 2003 عندما رفضت تركيا السماح للولايات المتحدة بأن تستخدم أراضيها للدخول إلى العراق. فهذا لم يكن مجرد قرار سيادي. فتركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي. ودستور الحلف يلزمها بفتح أراضيها أمام دول الحلف عندما تخوض إحداها حربا. وقد تبعت تركيا هذه الخطوة بتعزيز العلاقات مع كل من سورية وإيران. وهي تقوم بدور في توصيل نقل أموال إيرانية إلى كل من حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني. ويعتبر مزال الموقف من إسرائيل جزءا من هذه الاستراتيجية، حيث إن تركيا تريد الاقتراب من العالم العربي. وتدرك أن أقصر الطرق لذلك تكمن في رفض إسرائيل. وهدفها من ذلك بعيد المدى وليس تكتيكيا. والقصد منه هو أن يضطر الغرب إلى إجراء مصالحة عميقة معها، تصبح فيه تركيا قائدا وعنوانا أساسيا للعالم الإسلامي لدى الغرب. الإمبراطورية العثمانية ويرى بنحاس عنباري، وهو صحافي مخضرم متخصص في الشؤون العربية والإسلامية ويكتب في الجانب العسكري والاستراتيجي في عدة صحف ومعاهد أبحاث، أن تركيا تسعى للعودة إلى الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية. ويقول: اقتراب تركيا من سورية وإيران هو موقف استراتيجي يضعه وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، الذي يرى أن إيران لن تكون مقبولة على العالم العربي كزعيمة للعالم الإسلامي وأنه لا توجد أية دولة في العالم العربي أحق من تركيا في تزعم العالم الإسلامي. ويرى عنباري إشارة مهمة في هذا الاتجاه، بالاتفاق بين سورية وتركيا على إلغاء الفيزا (تأشيرة دخول). ويقول «لا توجد دولة واحدة في الغرب تتيح لأي مواطن عربي أن يدخلها من دون تأشيرة. وقرار تركيا بهذا الانفتاح يرمي إلى إعادة الأمور إلى الوراء، إلى حيث كانت الإمبراطورية العثمانية تضم العالم العربي كله وكان المواطنون يتنقلون بين ولاية وأخرى بلا حدود ولا معابر. هذا الواقع تغير كما هو معروف بموجب اتفاقية سايكس بيكو، التي كرست استسلام تركيا أمام الغرب. وهي تريد أن تثأر اليوم من الغرب وتلغي الواقع الذي خلفته هذه الاتفاقيات وإعادة تركيا إلى قبل عهد أتاتورك». بيد أن عنباري يسجل هنا تحفظا على تقديراته تتعلق بالجيش التركي فيقول «الجيش كان حامي حمى تراث أتاتورك. وعندما يرى أي خطر على هذا التراث كان يتدخل بكل قوة ويقمعه. لكنه اليوم صامت. فما هو مغزى هذا الصمت؟ هل هو ضعف من طرفه، بسبب دخول العديد من الجنرالات الإسلاميين إلى قيادته؟ أم هو صمت متفق عليه مع الولايات المتحدة؟ فهل الولايات المتحدة في ظل الرئيس باراك أوباما معنية بدولة إسلامية عظمى ذات نفوذ وقوة وروح قيادية، وفي الوقت نفسه تحافظ على عضوية حلف شمال الأطلسي وعلى اعتدال نسبي في خطابها الديني؟».

ولا يجيب عنباري عن هذه الأسئلة الخطيرة، ويترك للقراء أن يستنتجوا ما يريدون.

في الحقل السياسي د. ألون لئيل، هو دبلوماسي قديم شغل منصب مدير عام وزارة الخارجية في زمن حكومة إيهود باراك وكان قبلها سفيرا لإسرائيل في أنقرة، ورسالة الدكتوراه التي أعدها خصصت لموضوع تركيا. يقول إن الحركة الإسلامية التركية بقيادة أردوغان ليست حركة إسلامية أصولية تقليدية، مع أنها تتأثر من صعود هذه الأصولية في العالم الإسلامي. وهي معتدلة سياسياً وآيديولوجياً. وتحاول أن تطرح أجندة جديدة على العالم، من خلالها تثبت أن الاعتدال مجد ويحقق للإسلام مكاسب أكثر. وأهم ساحة يحاول العمل فيها هي ساحة الصراع في الشرق الأوسط. ويضع لنفسه هدف أخذ دور مركزي.

ويضيف: في الوقت الذي أعطيت فيه تركيا دورا في عملية السلام، خصوصا على المسار السوري، عملت بجدوى وإخلاص. وأرادت أن تقطف ثمار عملها. لكن رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، لم يدرك عمق هذا الدور وأهميته في المصلحة التركية. فأفشل هذه الجهود، بعد أن كان قد رفض إعطاء تركيا دورا في الوساطة مع «حماس» حول اتفاق التهدئة وصفقة تبادل الأسرى. فعندما أعطيت دور الوساطة مع سورية، أدت تركيا دورا جيدا جدا في العلاقات مع إسرائيل. وعندما وجدت نفسها خارج دائرة التأثير، اتخذت هذه المواقف العدائية، وجل هدفها هو أن تمارس ضغوطا على إسرائيل كي تعود إلى مسيرة التفاوض من خلال احترام الدور التركي.

ويعتقد لئيل أن العودة إلى مفاوضات سلام ناجحة وجدية هو هدف تركيا، وإعادة تركيا إلى أخذ دور في هذه المفاوضات سوف يغير من صورة العلاقات مع إسرائيل بصورة جذرية.

ويوافق عضو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) روبرت طيبييف، من حزب «كديما» المعارض، على تحليلات لئيل بشكل مبدئي. وطيبييف هو رئيس جمعية الصداقة التركية الإسرائيلية. وعلى الرغم من الأزمة بين البلدين، فإنه يحافظ على علاقات وطيدة مع العديد من الشخصيات الحاكمة في أنقرة حتى اليوم. ويقول إنه من خلال أحاديثه المتكررة مع قادة سياسيين ومسؤولي الرأي العام في تركيا يلمس أن إخراجها من دائرة المفاوضات مع الفلسطينيين ثم مع سورية واختتامها بالحرب على غزة، هو سبب المشكلة. ويرى بثقة شديدة أن حل المشكلة مع أنقرة يتوقف على مسيرة السلام ومدى نجاحها. فإذا نجحت، ستكون تركيا صديقة كبيرة وحليفة لإسرائيل حتى تحت حكم أردوغان وحزبه.

والى أن يتوصل الإسرائيليون إلى قرار حول تفسير ما جرى في العلاقات مع تركيا، يواصل قادتها جهودهم للتخفيف من حدة الأزمة، بتنسيق كامل مع الإدارة الأميركية. ويسجلون كل خطوة ويرصدون كل تصريح تركي ويقيسون بمسطرة دقيقة آثار كل موقف. فقد سجلوا بسلبية زيارة أردوغان إلى إيران ولكنهم سجلوا بإيجابية تصريحاته في طهران، التي قال فيها إن علاقاته بإسرائيل جيدة وستستمر. وسجلوا بسلبية، بل أقاموا الدنيا وأقعدوها بسبب المسلسل التلفزيوني التركي الذي يظهر الجنود الإسرائيليين قتلة أطفال، وسجلوا بإيجابية إلغاء بعض المشاهد القاسية ضد إسرائيل منه وسجلوا بإيجابية أكبر أن المسلسل نفسه يظهر رجالا من حماس يغتصبون نساء فلسطينيات. وسجلوا بسلبية تصريحات أردوغان ضد إسرائيل وسجلوا بإيجابية تصريحات نائب رئيس الحكومة، الذي شغل منصب سفير لتركيا في تل أبيب لثلاث سنوات، عندما قال إن تركيا ليست معنية بأزمة مع إسرائيل وأن العلاقات بين البلدين ستعود إلى مجراها الطبيعي. وما زال الإسرائيليون حائرين في هذا التسجيل. ينتظرون أن تظهر الأيام وربما الأسابيع القادمة، إلى أي اتجاه تريد تركيا أن تسير بهذه العلاقات. وقد أقاموا طاقما خاصا في وزارة الخارجية يفتش عن جسور يعاد بناؤها لإعادة ترميم العلاقات من جديد. فإسرائيل، حتى الآن، لا تتنازل عن علاقاتها مع تركيا.

========================

معركة الاستيطان والمسؤولية الدولية

سمير الزبن

المستقبل - الجمعة 30 تشرين الأول 2009

قامت إسرائيل أصلاً، بوصفها مشروعا استيطانيا اقتلاعيا، وعبر هذه الممارسة تم الاستيلاء على أراضي فلسطين التي طرد أصحابها وباتت الخزان الذي خدم دولة إسرائيل في جلبها المستوطنين بعد إعلان قيامها. وإذا تم تكريس هذا الاستيطان كأمر واقع بالاعتراف الدولي بدولة إسرائيل، إلا أن إسرائيل لم تقف عند حدود هذا الاعتراف، بشرعنة دولة إسرائيل على رقعة جغرافية معينة. فلم تقف إسرائيل عند حدود ونتائج حرب العام 1948. سرعان ما اعتمدت سياسات استيطانية بعد انتصارها في حرب العام 1967 ووقوع أراض عربية وفلسطينية تحت سيطرتها. صحيح أنها لم تنجح في سياسات الاقتلاع كما نجحت في العام 1948، إلا أنها تواصل وبشكل مستمر وحثيث الاستيلاء على الأراضي عبر السياسات الاستيطانية في الضفة الغربية. وقد ظهر واضحاً موقع الاستيطان في السياسات الإسرائيلية في المعركة الأخيرة التي خاضتها حكومة بنيامين نتنياهو مع الإدارة الأميركية من أجل الاستمرار بالاستيطان.

ورغم كل المحاولات الإسرائيلية من أجل تشريع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية التي احتلت العام 1967، ما زال المجتمع الدولي ينظر إلى هذا الاستيطان بوصفه ممارسة غير قانونية وغير شرعية، ولم يعترف بشرعية المستوطنات حتى حلفاء إسرائيل الأقرب. ولكن ذلك لم يمنعها من التوسع الاستيطاني. ولم يتوقف الاستيطان بفعل توقيع "اتفاق أوسلو" الانتقالي في العام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والذي ولدت بموجبه السلطة الفلسطينية، رغم نصه على عدم التأثير على قضايا "الحل النهائي" والذي يشكل الاستيطان واحدة من قضاياها الرئيسية. ولم يتوقف الاستيطان بفعل "خريطة الطريق" التي قدمتها إدارة بوش الابن ووافق عليها الطرفان. وبدل الالتزام بعدم فرض وقائع على الأرض، استمرت إسرائيل في البناء في المستوطنات، مما ضاعف عدد المستوطنين منذ توقيع اتفاقات أوسلو حتى اليوم.

يبلغ اليوم عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية نصف مليون مستوطن أقاموا منازلهم على أراض فلسطينية محتلة. منهم 200 ألف مستوطن يسكنون في القدس الشرقية التي وسعتها إسرائيل وضمتها إلى إسرائيل بعد احتلال العام 1967. وهناك 300 ألف مستوطن يسكنون المستوطنات الموزعة في الضفة الغربية، يحولونها إلى جغرافيا مثقبة، تشبه الجبنة السويسرية، ما يمنع التواصل بين الأراضي الفلسطينية.

صدرت عن الأمم المتحدة عشرات القرارات التي تدين البناء الاستيطاني. كما يطالب المجتمع الدولي واللجنة الرباعية بوقف فوري للاستيطان الإسرائيلي. وفي زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الأخيرة لأوروبا طالبه القادة الأوروبيون ب"وقف النشاط الاستيطاني" كما أن إدارة أوباما طالبت بوقف البناء في المستوطنات، من أجل العودة إلى المفاوضات الفلسطينية  الإسرائيلية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية، ما زالت مستمرة في البناء في المستوطنات على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، حتى ان الإدارة الأميركية تراجعت عن مطلبها وقف النشاط الاستيطاني، رغم ما قاله الرئيس باراك أوباما في خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة: "إن أميركا لا تقبل مشروعية استمرار الاستيطان الإسرائيلي." ولكن هذا الموقف لم يعد يرتبط بوقف الاستيطان، وقد استخدمت الإدارة الأميركية تعبيرا بديلا، وهو "كبح الاستيطان" .

لا شك بأن التراجع الأميركي عن مطلب "وقف الاستيطان" الذي بدا مبشراً بسياسات جديدة يمكن أن تشكل اختراقاً على مسار التسوية المتعطلة، سرعان ما بث الإحباط وأضعفت الطرف الفلسطيني الذي ضغطت عليه من أجل حضور القمة الثلاثية على هامش قمة الأمم المتحدة.

الاستيطان الإسرائيلي ليس مسؤولية فلسطينية فحسب، بل هو مسؤولية دولية، والموقف الدولي المتساهل، وتحديداً الأميركي والأوروبي، رغم عدم اعترافه بهذه السياسات، يسهم في تأجيج الصراع، ويضع الفلسطينيين في زاوية اليأس.

وبمسؤوليتها المباشرة وغير المباشرة تستطيع الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي أن يديرا سياسة ضاغطة على إسرائيل تدفع باتجاه الوقف الكامل للاستيطان، لأن الاستيطان يؤثر وبشكل كبير على مصير ومستقبل "حل الدولتين" الذي يطالب به المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واستمرار إسرائيل في بناء المستوطنات، بعد المطالبة الأميركية والدولية بوقفها، تجعل إسرائيل أكثر ثقة بسياستها التي تقوم على مبدأ قديم يقول: "سيطر على أقصى قدر تستطيعه" وهذه السيطرة هي التي تقرر مصير الأراضي التي يبتلعها الاستيطان، لأن الموقف الدولي ليس له قيمة على أرض الواقع، وهذا يعطي إسرائيل الحق بالتأثير على المصير النهائي للحل في المنطقة، ولا يعطي الفلسطينيين سوى كلمات الإدانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تفيدهم في خسارة أرضهم يوماً بعد يوم.

========================

لبنان والشرق الأوسط في الصحافة الاسرائيلية

"هآرتس": إطلاق الصواريخ يُخفي توتراً

والمخابرات الإسرائيلية تتحفّظ عن كشف الفاعلين

رندى حيدر

randa.haidar@annahar.com.lb

السفير 30-10-2009

رأت صحيفة "هآرتس" أمس أن حادثة اطلاق صاروخ الكاتيوشا من لبنان على شمال إسرائيل تخفي وراءها توتراً متصاعداً تشهده جبهة الجنوب منذ فترة. وكتبت: "على رغم الرغبة المعلنة لجميع الأطراف بعدم اللجوء الى التضخيم الإعلامي، يبدو أن أشياء مقلقة تجري على مثلث الحدود بين إسرائيل ولبنان وسوريا. من هنا فان اطلاق صاروخ الكاتيوشا من جنوب لبنان على إصبع الجليل يعكس الجانب العلني من الأحداث، فيما يسود المنطقة توتر غير معلن منذ فترة غير قصيرة وليست كل أسبابه ظاهرة للعيان.

ان اطلاق الصاروخ في ذاته ليس بالأمر المهم، لكن معدل اطلاق النار ازداد. حادثة الأمس هي الرابعة من نوعها منذ بداية السنة، علماً أنه في العامين اللذين اعقبا انتهاء حرب لبنان الثانية صيف 2006 جرى اطلاق صاروخين فقط. وقد اكتشف الجيش اللبناني بالأمس أربعة صواريخ جاهزة للإطلاق في قرية حولا حيث أُطلق الصاروخ الأخير. وكان الجيش الإسرائيلي أعلن أول من أمس ان الصاروخ سقط خارج كريات شمونا من دون ان يسبقه انذار من المخابرات. وسبق ذلك الزيارة التي جرى التحضير لها قبل وقت قصير لوزير الدفاع ايهود باراك الى الجليل والجولان. وكان باراك كرر على مسامع الصحافيين كلامه المعهود بشأن القلق من تسلح حزب الله ومسؤولية الحكومة اللبنانية عما يجري في الجنوب، والأهمية الكبيرة التي توليها إسرائيل لموضوع المحافظة على الردع الذي تم تحقيقه منذ الحرب، والخطورة التي تتعامل بها إسرائيل مع محاولات ادخال أنظمة سلاح تخرق التوازن على الأراضي اللبنانية.

ومن المعروف أن قلقاً كبيراً يساور اسرائيل منذ فترة طويلة بسبب تزويد سوريا حزب الله صواريخ متطورة مضادة للطائرات لإسقاط الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو وتلك التي تقوم بمهمات استخباراتية في الأجواء اللبنانية. وجرت خلال فترة طويلة بضع محاولات لإدخال منظومات الصواريخ تم احباطها بواسطة الضغوط التي مارستها إسرائيل، لكن الخطر تفاقم مجدداً، الأمر الذي ساهم في زيادة حدة التوتر.

ويبدو أن تفاقم اطلاق الصواريخ مرتبط أيضاً بالأوضاع اللبنانية الداخلية، وبصعوبات تشكيل ائتلاف حكومي جديد، لا سيما بعد مرور خمسة أشهر على الانتخابات النيابية اللبنانية. كما هو مرتبط بأوضاع حزب الله في جنوب لبنان وبأداء قوات الطوارىء الدولية والجيش اللبناني على طول الحدود مع اسرائيل.

 في السابق كان المسؤولون الإسرائيليون يدّعون بأن لا شيء يحدث في الجنوب من دون موافقة صريحة من حزب الله. لكن كل حوداث اطلاق الصواريخ تُعزى إما الى منظمات فلسطينية أو سنية لبنانية متطرفة. وبناء على ذلك ثمة احتمالان: إما ان تكون هذه المنظمات تقوم بتحدي حزب الله، وإما أنها تفعل ذلك بغض نظر منه. حتى الآن لا تُقدّم المخابرات الإسرائيلية جواباً قاطعاً عن ذلك...".

========================

إصلاح التعليم مخرج من الأزمة الاقتصادية العالمية

الخليج - الجمعة ,30/10/2009

هبت الدول الكبرى التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية، للخروج منها ومعالجة آثارها المباشرة، فكانت خطط الإنقاذ وضخ الأموال في شرايين الشركات والمصارف المنهارة .

ولكن الأزمة حفزت كثيرين في الوقت ذاته، على تلمّس أسبابها العميقة، وسبل عدم تكرارها، فكان الاهتمام بنشر الوعي، وإصلاح النظام التعليمي ليواكب التغيرات الاقتصادية المتسارعة، ويلبي احتياجات السوق من المهارات والكفاءات .

يتحدث توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” (21/10/2009)، عن العلاقة بين الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة، وأزمة النظام التعليمي، فيقول: في عصر القروض المشكوك في تحصيلها، الذي عاشته الولايات المتحدة، ظننّا أننا نستطيع تحقيق الحلم الأمريكي -بامتلاك منزل وباحة- دون أن نتنازل عن شيء . وكنّا نمارس تحقيق هذه النسخة من الحلم الأمريكي، لا بتحسين التعليم، والانتاجية والادخار، بل بسحر وولستريت والأموال المقترضة من آسيا .

وقبل سنة، انفجر كل ذلك . والآن، ونحن نلملم الشظايا، ينبغي علينا أن ندرك أنه ليس نظامنا المالي وحده الذي يحتاج إلى إعادة التشغيل من البداية، والترقية مثل نظام حاسوبي متعثر، بل نظامنا التعليمي العام كذلك . وإلاّ فلن تكون مشكلة التعافي من البطالة مجرد مرحلة عابرة، بل ستكون مشكلتنا المستقبلية .

وينقل فريدمان عن تود مارتن، المستثمر الدولي، والمدير السابق لبعض الشركات الكبرى، قوله: إن فشلنا التعليمي هو أكبر عامل ساهم في انحطاط رغبة العمال الأمريكيين في المنافسة العالمية، وبخاصة في المستويات المتوسطة والدنيا . وقد أضعف هذا الافتقار إلى روح المنافسة، إنتاجية العمال الأمريكيين للثروة، وعلى وجه التحديد، عندما جلب التطور التكنولوجي، المنافسة العالمية إلى أعتاب الولايات المتحدة . وهكذا حافظ العمال الأمريكيون، على مستواهم المعيشي، على مدى عقد من الزمن، عن طريق الاقتراض والإسراف في الإنفاق بالنسبة إلى دخلهم الحقيقي . وعندما قضى الكساد العظيم على كل فقاعات المال والمدخرات التي كانت تجعل ذلك الإسراف في الإنفاق ممكناً، فإنه لم يترك الكثيرين من العمال الأمريكيين، غارقين في الديون أعمق من قبل وحسب، بل فاقدين لوظائفهم أيضاً ومفتقرين إلى مهارات المنافسة على الصعيد العالمي .

وينقل فريدمان عن محامٍ في شركة كبرى، قوله إن مَن أُنهيتْ خدماتهم في الشركة، هم الذين كانوا ينتظرون أن يأتي العمل اليهم . .أمّا الذين يملكون القدرة على تصوّر خدمات جديدة، وفرص جديدة وأساليب جديدة لرفْد العمل فقد تم الإبقاء عليهم، وهم الذين لا تمتد اليد اليهم في الوقت الحاضر .

ويقول فريدمان: ذلك هو مفتاح فهم التحدي التربوي الذي نواجهه اليوم . فالذين ينتظرون أن ينتهي هذا الكساد، بحيث يستطيع أحد أن يوظفهم من جديد، قد يطول انتظارهم . أمّا الذين يملكون الخيال القادر على جعلهم في مأمن من التأثّر- أي قادرين على ابتكار سبل أبرع لأداء الأعمال القديمة، وطرق أفضل لتوفير الطاقة، وابتكار خدمات جديدة، وأساليب جديدة لجذب العملاء القديمين، أو طرق جديدة لمزج التقنيات الموجودة- فهم المفلحون . ولذلك، فإننا لا نحتاج فقط إلى نسبة عالية من خريجي المدارس الثانوية والجامعات- أي كثرة في التعليم- بل إلى المزيد ممّن تلقّوا التعليم المناسب منهم .

ويختم فريدمان مقالته قائلاً: خلاصة القول: إننا لن نستعيد أيام العزّ الخوالي، من دون إصلاح مدارسنا إلى جانب إصلاح مصارفنا .

وفي صحيفة “ذي اندبندنت” (21/10/2009)، يتحدث وزير التجارة البريطاني، اللورد ماندلسون، عن تنويع التعليم في بريطانيا، ويعتبر ذلك أمراً حاسم الأهمية بالنسبة إلى مستقبل بريطانيا الاقتصادي . ويقول، إن التعليم العالي والتعليم الإضافي، نظامان يجمعهما هدف واحد . وقد مرّ على بريطانيا زمن كانت الجامعات فيه، وأنظمة التدريب المهني، تُعتبَران ذاتي وظيفتين مختلفتين . حيث كانت الجامعات توفر التعليم النخبوي والتدريب في التقاليد الأخلاقية للحياة المهنية لنحو خُمس السكان . وكانت برامج التدريب لأصحاب المهن اليدوية - أو الحرفيين على الأصح- الذين سيُمضون حياتهم في حرفة معينة . ولم يكن الأمران يعتبَران وسيلتين مختلفتيْن لكسب الرزق، بل عالَميْن مختلفين . ويطالب اللورد ماندلسون بإلغاء هذا التمييز بين الأمرين، لأن لهما دوراً جوهرياً واحداً هو بناء قدرات الإنسان ومهاراته العليا .

ويضيف قائلاً: إن الحِرَفيّين الحديثين سيلعبون دوراً حاسماً في مستقبلنا الاقتصادي، وهم يؤدون بصورة متزايدة بعض أرقى الأعمال التي تتزايد قيمتها باستمرار في الاقتصاد البريطاني . فهُم الفنّيون، والمصممون والمهندسون الذين هم أساس القطاع الصناعي المتطور في المملكة المتحدة . وقد تولّى قطاع التعليم الإضافي رفع لواء تعليم المهارات العملية في إدارة العمليات، وتكنولوجيا المعلومات وإجراء الحسابات، التي تتزايد الحاجة اليها يوماً عن يوم على جميع مستويات الوظائف .

. .وكان التوسع الهائل في التدريب المهني في المملكة المتحدة، أحد أعظم إنجازات هذه الحكومة، رغم الاعتراف بالحاجة إلى المزيد منه في المستويات العليا، للمساعدة على معالجة النقص في قطاعات مثل قطاع الفنيين المهرة .

وفي صحيفة “نيويورك تايمز” (22/10/2009)، يتناول ديفيد بروكس، ما يسميه الثورة الهادئة، ويقصد بها، التغيير على صعيد التعليم الذي أحدثته ادارة اوباما منذ تسلمها زمام السلطة . وينقل عن جيب بوش (حاكم ولاية فلوريدا)، قوله: “أشعر بقلق عميق إزاء الكثير من الأمور التي تدور في واشنطن . .ولكن مسألة إصلاح التعليم، ليست واحدة منها . فالرئيس اوباما يدعم وزارة تعليم إصلاحية، وهذا يستحق الدعم والمساندة من قِبل الجمهوريين” .

ويقول الكاتب، عندما تسلم اوباما ووزيرة التعليم، آرْني دنكان منصبيها، استحدثا صندوقاً بقيمة 3 .4 مليار دولار، باسم صندوق “السباق نحو القمة” . وتقوم فكرة الصندوق على استخدام المال لاستنهاض التغيير . وسوف تكافئ الإدارة بهذا المال الاتحادي، الولايات التي تسعى أكثر من غيرها إلى تبنّي الإصلاح في نظام التعليم . ويضيف الكاتب، ان الرئيس اوباما أدرك منذ البداية أن ذلك لن ينجح الاّ إذا ظلت المكافآت تنافسية . ولا يزال مستمراً في مسعاه نحو الإصلاح بالزخم ذاته . “وصحيح أننا لا نزال غير قريبين من بلوغ الأرض الموعودة على صعيد التعليم، ولكننا قد نكون في بداية الطريق نحو ما يطلق عليه رحم عمانويل اسم “الثورة الهادئة”” .

في صحيفة “سانت بطرسبورغ تايمز” الروسية، (29/9/2009)، كتبت اولغا كلاشينيكوفا، إن التغيرات في الاقتصاد العالمي، كان لها تأثير على جميع الشركات العالمية من صغراها إلى كبراها . ونتيجة لذلك، شرع علم الإدارة بالتغير ليتكيف مع الظروف الجديدة، ولا تستطيع برامج تعليم الأعمال أن تظل بمعزل عن ذلك . وتنقل الكاتبة عن رئيس جامعة الأعمال، المفتوحة في سانت بطرسبورغ، قوله: من الخطأ أن يدرّس المتخصصون الإدارة من دون الرجوع إلى المفاهيم والنظريات الجديدة . . وعليه فإن من الطبيعي جدّاً أن يجري تحديث تام للبرامج التعليمية، وأساليب تنفيذها .

 

وتقول الكاتبة “إن ثمة في الوقت الحالي نزعة قوية نحو العولمة، في سوق تعليم الأعمال، رغم أن فكرة اتباع نهج روسي في الإدارة، كانت سائدة على نطاق واسع” .

 

وكتبت صحيفة “روسيا بهايند ذي هيدلاينز” الروسية، (22/10/2009) . . “ان النظام التعليمي في روسيا مرّ خلال السنوات الأخيرة بتغيرات مهمة . ولا يستطيع معظم الخبراء حتى الآن الحكم على ما إذا كانت تلك التغيرات نحو الأفضل أم نحو الأسوأ . ولكن المهمة الرئيسية للإصلاح التعليمي الحالي، هي الحفاظ على أفضل العناصر في النظام السوفياتي، وفي الوقت ذاته، خلق آليات جديدة لتلبية احتياجات العالم الحديث ومطالبه” .

========================

الانتخابات الأفغانية ومأزق الموقف الأمريكي

إعداد: عمر عدس

الخليج - الجمعة ,30/10/2009

أعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة في أفغانستان، يوم الثلاثاء، 20/،10 عن إجراء دورة ثانية من الانتخابات الرئاسية في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، وذلك بعدما ثبت للجنة بما لا يدع مجالاً للشك، أن الانتخابات التي جرت في 20 اغسطس/ آب الماضي، قد شابها التزوير على نطاق واسع، وأن الرئيس المنتهية ولايته، حامد قرضاي، لم يحصل فيها على نسبة 50%، المطلوبة للفوز، مما يقتضي إعادتها .

 

وتكشف أزمة الانتخابات الأفغانية حراجة الموقف الأمريكي منها، وما ينطوي عليه من تناقضات . فالشعب الأمريكي يؤيد نشر الديمقراطية في أفغانستان، ويصبر على سقوط أبنائه هناك احتراماً لهذا المبدأ . ولكنه لن يقبل سقوطهم في سبيل دعم حكومة فاسدة غير منتخبة ديمقراطياً، كحكومة قرضاي .

 

ومن جهة أخرى يطالب الجمهور الأمريكي بخروج القوات من أفغانستان، وهذا يحتاج إلى الاستقرار، والاستقرار يحتاج إلى حكومة قوية، والحكومة القوية قد لا تكون سوى حكومة قرضاي الفاسدة، فهل يدعم الحكومة الفاسدة؟

 

صحيفة “الغارديان”، (20/10/2009)، تتناول هذا المأزق الأمريكي، من خلال ما كتبه مايكل وليامز، عن أزمة الشرعية التي تعيشها أفغانستان الآن . يقول وليامز: إنّ الانتخابات التي جرت في الآونة الأخيرة، لا تنسجم مع القانون الأفغاني، ولا مع المعايير الدولية، وكان المنطقي تأجيلها، بسبب عجز “الناتو” عن توفير الأمن المطلوب لمراقبتها بصورة ملائمة .

 

وتنطوي مسألة الشرعية في افغانستان، على تنافر بين ما هو أفضل على الصعيد الاستراتيجي، وما هو صواب من الناحية الأخلاقية .

 

وقد كانت حكومة حامد قرضاي، في نظر معظم الأفغان العاديين، قبل الانتخابات، عاجزة غير فاعلة، وبعد الانتخابات أصبحت فاقدة للشرعية بالإضافة إلى ذلك . والجولة الانتخابية الثانية التي أُعلِن عن إجرائها في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، قد تحسّن الوضع، ولكنها لن تحسنه كثيراً . فمعظم الأفغان لا يحبون قرضاي . وغير البشتون يعتبرونه ألعوبة في يد الغرب، أمّا البشتون، فيشاطرونهم هذه الفرضية، ولكنهم يتصورون على الأقل أنه ألعوبة في يد البشتون، ولذلك “يدعمون” رئاسته .

 

والحصول على دعم البشتون ذو أهمية حاسمة لإنجاح جهود الناتو، إذا أخذنا في الاعتبار أن أكثر منطقة قابلة للانفجار في البلاد هي المنطقة الجنوبية البشتونية .

 

والمشكلة بالنسبة إلى المجتمع الدولي، أو بالنسبة إلى باراك اوباما بكلام أدق، هي كيفية القيام بما يتوقعه الجمهور الأمريكي، في أفغانستان، بالمقارنة مع ما يمكن تحقيقه . فالجمهور يتوقع أن جنوده يُقتَلون في سبيل حماية أمريكا . وقد قيل له إن وجود دولة أفغانية ديمقراطية، هو السبيل الأمثل لتحقيق ذلك على المدى البعيد . ولكن فكرة سقوط الشبان الأمريكيين والبريطانيين في سبيل دعم حكومة غير منتخبة وغير شرعية في كابول، فكرة غير مستساغة . ومن هنا فإنه لا مناص لأوباما من مساندة عملية ديمقراطية في أفغانستان . ولكن التناقض يكمن في أنّ على الرئيس أن يوازن بين إيمان الجمهور الأمريكي بنشر الديمقراطية في الخارج، وبين نفاذ الصبر الأمريكي إزاء الحرب في أفغانستان . فجمهور الناخبين الأمريكيين يحبذ خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، وكذلك العديد من الديمقراطيين، الذين يتطلعون إلى إعادة انتخابهم في الانتخابات النصفية سنة 2010 .

 

ولتحقيق هذا الهدف، نحتاج إلى الاستقرار في أفغانستان، كما يقول الكاتب . وإذا كان يمكن تحقيق الاستقرار عن طريق حكومة ذات ذراع طويلة، وإنْ لم تكن منتخبة ديمقراطياً، فهل ينبغي علينا أن نتغاضى عن كونها غير ديمقراطية؟ ولكنّ ذلك لن يُعتبَر في أمريكا أو في أفغانستان، مساراً ديمقراطياً للعمل . وقد يقوّض هذا المسار الاستراتيجية الجديدة لمكافحة التمرد، التي طرح خطوطها العريضة مؤخراً، قائد الناتو، وقوة المساعدة الأمنية الدولية، ايساف، الجنرال ستانلي مكريستال .

 

صحيفة “بلتيمور صن” (21/10/2009)، ترى أن تأييد الإدارة الأمريكية، لإعادة الانتخابات، ربما يحمل قرضاي على القبول بتشكيل حكومة ائتلافية مع خصومه، وبذلك، توجد حكومة أفغانية، لديها بعض القوة (اللازمة للاستقرار)، وبعض الشرعية (التي تبرر التعاون الأمريكي معها) .

 

وتربط بين قبول قرضاي بإعادة الانتخابات، وبين تأخّر اوباما في حسم مسألة زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان، وترى أن اوباما لم يُضعْ ذلك الوقت هدراً، بل قضاه في محاولة إقناع قرضاي بالإعادة، وقد اقتنع .

 

ولكن، رغم رضوخ قرضاي للمطالب الأمريكية والدولية بإجراء جولة ثانية من الانتخابات، ما تزال الولايات المتحدة تواجه تحديات صعبة في أفغانستان . فمع بقاء ما لا يزيد على أسبوعين على الجولة الثانية المقرر إجراؤها في السابع من نوفمبر، ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي، مهيأين لتوفير لوجستيات عقد انتخابات على مستوى الدولة مع اقتراب الشتاء، أو ما إذا كانت النتائج ستُعتبَر أكثر مصداقية من نتائج الانتخابات الأولى .

 

وفي هذه الأثناء، يكافح الرئيس اوباما لتأمين تأييد محلي لحرب تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأمريكيين لم يعودوا يؤمنون بجدوى خوضها . ومما يفاقم مشكلته كما تقول الصحيفة، رفض الحلفاء في الناتو أن يقدموا أكثر من دعم رمزي حتى وإن وافق على إرسال ما يبلغ 60 ألف جندي أمريكي إضافي، كما طلب القائد الأمريكي هناك، الجنرال ستانلي ماكريستال .

 

وتقول الصحيفة إن الرئيس ربما لن يستطيع الاستمرار في المماطلة في اتخاذ ذلك القرار حتى ما بعد إعلان نتائج انتخابات الإعادة . ويصر البيت الأبيض على أن مراجعته الاستراتيجية للحرب مستمرة وأنه سيعلن قراراً بشأن القوات خلال الأسابيع القليلة القادمة . وفي الوقت ذاته، يصعب معرفة الكيفية التي تستطيع الإدارة فيها، أن تلتزم بوضع المزيد من الجنود الأمريكيين في ميدان القتال، من دون إن تعرف، إنْ كان سيتوفر لها شريك يمكن الاعتماد عليه في أي حكومة أفغانية تظهر في نهاية الأمر .وتضيف الصحيفة، ان ذلك التناقض الظاهري قد يكون جزءاً من استراتيجية مبهمة بحساب، للضغط على قرضاي للقبول بحكومة ائتلاف، مع خصومه الرئاسيين، بدلاً من المجازفة بجولة ثانية من الانتخابات التي يُتوقَّع أن يوصم فيها بأنه المرشح الذي شق طريقه نحو منصبه بالخداع والتزوير في المرة الأولى .

 

صحيفة “بوسطن غلوب” (23/10/2009) ترى أن على الولايات المتحدة أن تحسم الأمر مع حكومة قرضاي الفاسدة، وتؤيد غريمه عبد الله عبدالله من دون مواربة .

 

تقول الصحيفة، إذا كان الرئيس أوباما يأمل في منع طالبان من السيطرة على أفغانستان، فليس بوسع الولايات المتحدة أن تستمر في ارتباطها بحكومة قرضاي الفاسدة الاستبدادية . وينبغي على اوباما قبل انتخابات الإعادة في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، أن يبلغ الأفغان أن أمريكا تفضل غريم قرضاي، وزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله .

 

وتمضي الصحيفة قائلة: تحت ضغط اوباما والسيناتور جون كيري، وافق الرئيس الأفغاني في نهاية الأمر على إعادة الانتخابات بعد اعتباره فائزاً في الجولة الأولى، التي تم استبعاد أكثر من 2 .1 مليون ورقة منها باعتبارها مزورة . ولكن هذا التدخل الإجرائي في السياسات الأفغانية لا يبلغ المدى الكافي . ولا ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل على إضفاء الشرعية على قرضاي، بل عليها السعي إلى استبداله .

 

وتقول الصحيفة: سوف تبدو الموافقة على عبد الله علناً فجة وقد يكون لها ردّ فعل غير ملائم . ولكن هنالك طرقاً غير مباشرة لإيصال الرسالة . وثمة سبب للاعتقاد بأن تلك الرسالة سيكون لها الأثر المطلوب في يوم الانتخابات .

 

وستكون مكافحة طالبان أيسر إذا وجدت الولايات المتحدة حكومة بزعامة عبد الله تعمل معها، بدلاً من حكومة بزعامة قرضاي، تُضطرّ إلى تحاشيها والالتفاف عليها .

========================

إحصاءات عربية تدق ناقوس الخطر

 بقلم :رأي البيان 30-10-2009

الأرقام والمعدلات التي كشف عنها تقرير المعرفة العربية، ترسم صورة بائسة لواقع الحال. الأخطر، انها تنذر بمستقبل أسوأ؛ إذا لم يحصل تدارك سريع وفعّال باتجاه تقليصها وتغيير وجهتها. الخلل الفادح في المعادلة، يدق ناقوس الخطر.

 

ذلك أن تبقى مستويات التعليم والتحصيل، في العالم العربي، عند الحدود التي لحظها التقرير؛ فليس في هذا أقل من تنازل عن مفتاح التنمية، بكافة جوانبها. مثل هذا التخلي له ترجمة واحدة: المزيد من التهميش والاستنزاف والتبعية. وضع لا مكان له في عصر العولمة الذي نعيشه، والمنافسة الحادة والمتزايدة التي تحكمه.

 

التقرير، الذي صدر في دبي خلال المنتدى الاستراتيجي العربي؛ والذي تم إعداده بالشراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبين مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، كشف أن خمس العرب تقريباً  60 مليونا  أميون. ثلث الكبار منهم، لا يحسنون القراءة والكتابة. وان ثلثي الأميين هم من النساء.

 

كما أن شريحة هامة من الأطفال في عمر الدراسة، حوالي تسعة ملايين، لا يعرفون المدرسة. 40 بالمئة من جيل الشباب في سبعة بلدان عربية؛ لا يتجاوز تحصيلهم عتبة التعليم الأولى.

 

ويزداد سواد الصورة عند مقارنة هذه الأرقام وغيرها التي أبرزتها الدراسة؛ مع الأوضاع الموازية في بلدان أخرى. على سبيل المثال، الكتب. المنشور سنوياً منها، موزعاً على عدد السكان؛ يشير إلى أن لكل أكثر من تسعة عشر ألف عربي كتاباً واحداً. في بريطانيا، مثلاً، كتاب واحد لأقل من خمسمئة مواطن، وسبعمئة في اسبانيا.

 

هذا فضلاً عن تدني معدلات الترجمة وهجرة الأدمغة العربية، التي يبقى حوالي نصفها في الخارج. والمعروف أن إحصاءات ودراسات دولية سابقة؛ كانت قد انتهت إلى أرقام مماثلة وأكثر؛ في السنوات الأخيرة.

 

مع ذلك لم تحدث ما يكفي من الصدمة اللازمة، للتغيير.على العكس، يشير التقرير، إلى أن الأنظمة التعليمية « تخلفت بشكل عام، عن توطين رأسمال بشري معرفي متماسك، ذي كفاءة عالية»، بدلاً من ذلك استوطنت الأمية. التشخيص يشير إلى أن السياسة التعليمية العربية، يسكنها أكثر من خلل. وبالتحديد في المناهج وأساليب التعليم والموازنات المالية. إلزامية التعليم مدخل أساسي.

 

لكن وحده لا يكفي. مواءمة البرامج مع متطلبات العصر، شرط جوهري آخر؛ فضلاً عن تطوير القدرات المهنية و تشجيع التحاق المرأة «بمراحل التعليم العالي». لكن كل ذلك يبقى مرتبطاً بمدى الإنفاق على القطاع التعليمي، في كافة مراحله؛ لتوفير البيئة المنتجة بما في ذلك من تعزيز مطلوب لمراكز الأبحاث والمختبرات العلمية، على أنواعها.أقل من ذلك، ليس سوى وصفة للمزيد من التعاسة.

 

========================

إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي

الأخبارالمصرية30-10-2009

يحسن الايرانيون اللعب مع أمريكا... ويعرفون كيف يستنزفون الوقت والجهد والفكر الأمريكي في مفاوضات عقيمة عديمة الجدوي، ومنذ قيام الثورة الاسلامية في عام ٩٧٩١ تصف إيران الولايات المتحدة بأنها الشيطان الأكبر.. لكنها »تفاهمت« ضمنا مع هذا الشيطان فساعدته أحيانا و»ضحكت عليه« في أحيان أخري. ويحار المراقبون عندما يحاولون البحث عن مكسب واحد جنته الولايات المتحدة من غزوها لافغانستان في عام ١٠٠٢ إلا إذا كان مجرد التواجد العسكري في خاصرة روسيا الجنوبية مع كل هذه التكلفة الباهظة مكسبا، وأبدت ايران خلال الغزو »تفهما« لموقف الشيطان الأمريكي الجريح بعد هجمات ١١ سبتمبر، لكنها في المقابل ربحت من هذا الغزو أنها استراحت من حكم حركة طالبان السنية المتشددة علي حدودها الشرقية. وعاودت الولايات المتحدة الكرة في العراق فأسقطت نظام الرئيس السابق صدام حسين الذي يعتبره الايرانيون مسئولا عن مقتل مئات الألوف منهم في الحرب خلال حقبة الثمانينيات، ويدخل الأمريكيون والايرانيون الآن فيما يبدو أنه صراع حول الملف النووي الايراني، وبنفس طريقتهم في مجاراة الأمريكان يطلبون مهلة وراء مهلة للتفكير والدراسة ثم إدخال تعديلات وراء تعديلات ثم لا يوافقون في النهاية علي شيء، والمخيف حقا هو أن يتم التوصل إلي »تفاهم« في مرحلة ما علي طريقة التفاهم أثناء غزو العراق وأفغانستان تتمتع بموجبه إيران بمزايا نووية وغير نووية دون أن يصل ذلك إلي حد تهديد أمريكا ومصالحها.. بينما تقف باقي دول المنطقة متفرجة ومندهشة مما جري. لذلك يتعين إشراك دول المنطقة في المفاوضات مع إيران ويتعين أن تكون أي مفاوضات معها في إطار مبادرة لجعل منطقة الشرق الأوسط بالكامل خالية من الأسلحة النووية بما في ذلك اسرائيل.

========================

جدية الوساطة القطرية

الوطن القطرية30-10-2009

تتجه تحليلات المراقبين إلى تأكيد أهمية إيجاد تسوية سلمية شاملة للأزمة في اقليم دارفور السوداني، وفي هذا السياق يهتم المحللون برصد وتقييم الجهود السياسية والدبلوماسية التي ظلت تضطلع بها دولة قطر من أجل تهيئة المناخ الملائم لمعالجة هذه الأزمة.

 

ومن هذا المنظور يولي المراقبون اهتماما خاصا إلى ما أكده سعادة السيد أحمد بن عبدالله آل محمود وزير الدولة للشؤون الخارجية، في كلمته أمام قمة مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، التي عقدت في العاصمة النيجيرية أبوجا، من توافر التنسيق التام بين قطر والوساطة الإفريقية - الأممية. حيث أشار سعادته إلى ما ظلت تقوم به قطر من تنسيق مع الوسيط الإفريقي - الأممي، في كافة المسائل المتعلقة بتحقيق السلام في دارفور.بناء على ذلك، فقد أعلن الوزير أن جولة مفاوضات «سلام دارفور» ستعقد بالدوحة منتصف نوفمبر المقبل، مؤكدا أن دولة قطر ستعمل كل ما في وسعها للإعداد الجيد وإنجاح هذه المرحلة بالغة الأهمية من مراحل ايجاد التسوية السلمية لمشكلة دارفور. إننا نرى بأن ذلك يؤكد مجددا جدية الوساطة القطرية تجاه النزاع في الإقليم، وهو أمر بالغ الأهمية لجهة بناء الثقة بين مختلف أطراف الأزمة. ومما لا شك فيه أن ما أعلنه آل محمود عبر خطابه أمام القمة أمس يفتح الباب واسعاً لتهيئة أفضل مناخ سياسي ممكن، لإقناع كافة أطراف القضية للمشاركة في جولة التفاوض المقبلة بالدوحة، بما ييسر التوصل إلى الحلول المطلوبة للمشكلة. ونعتبر أيضاً أن ما تحقق من إنجاز حتى الآن على طريق بناء الثقة وتأكيد النوايا الحسنة لأطراف الأزمة، يعطي تأكيدا واضحا على مصداقية الجهود الدبلوماسية التي بذلتها قطر في سبيل إيجاد التسوية الملائمة لهذا النزاع.

========================

إيران.. سياسة المتناقضات!!

الرياض 30-10-2009

عاشت منطقتنا العربية أربعة عقود من الفوضى السياسية، زعامات أرادت أن تحرر القارات المنكوبة بتحالفات وصداقات ونشر ثقافة الثورة، وأخرى كانت أقل حماساً من هذه المراهقة المبكرة، والنتيجة كانت فشلاً سياسياً وعسكرياً وتدهوراً اقتصادياً ندفع فواتيره إلى اليوم..

إيران تستعير أو تجلب تلك المرحلة بأدواتها العتيقة، فهي ستحرر فلسطين وتمحو العدو، بينما هي تتفاوض مع إسرائيل سراً، وتحارب الإرهاب لكنها تؤوي قيادات من القاعدة ، وترسل فتاواها وتعاليمها من خلال فكر ولاية الفقيه، بينما العالم الإسلامي تعداده الأكبر سنيّ..

 

في فتوى السيد خامنئي، يدعو إلى معاملة حجاج إيران بشكل منفرد، أي السماح لهم بحق التظاهر ورفع الشعارات وصور الخميني، ولعن أمريكا والغرب وإسرائيل، لكنها بالمقابل لا تستطيع السماح بتشييد مسجد سني في طهران، وأحد المستحيلات، أن تقبل بأن تتظاهر أقليات في مواقعها مطالبة بحقوقهما، وتقمع مظاهرات الإصلاحيين في المدن الإيرانية وتبعث بعضهم للسجون والمحاكم..

 

لقد دعونا زعامات إيران في زيارات رسمية ومواسم الحج رغم الضغوط من جهات أجنبية، وحاولنا إصلاح الخلل لاعتبارات تجعل الشراكة في الميادين المفتوحة أكثر تناسباً مع طبيعة البلدين، لكن الصورة التي تحملها القيادات الإيرانية عن تصدير الثورة ظلت الهاجس والهدف محاولةً نسيان أن لكل بلد استقلالَه ونفوذه وعلاقاته الدولية، وأن العالم الإسلامي لا يحتاج إلى وصيّ عليه طالما كل بلد لديه قانونه الاجتماعي، وأن الخلافة الإسلامية ليست واردة في عصر الدولة الحديثة والعالم الذي تسوده المصالح لا الأيدلوجيات وتصديرها..

 

وإذا كانت حجج التظاهرات مبنية على رؤية إيرانية، فالعالم الإسلامي برمته لم يطلب أن يتظاهر لنقل معاركه الداخلية والخارجية بذات الأعذار الإيرانية وبسطوة الحكم الشيوعي الذي أغلق الكنائس ودور عبادة المسلمين ، ونفى شعوباً برمتها من مواقعها الأصلية أن شهدنا البابا يخرج في مظاهرة من الفاتيكان ويدعو الكنائس للاحتجاج ودق الأجراس، وإعلان الإضراب العام بسبب سوء سلوك الحكومات الشيوعية المتعاقبة، وإنما تعامل الغرب بما أنهك السوفيات اقتصادياً وسياسياً ليزول بفعل المجابهات السلمية قبل العسكرية..

 

العالم الإسلامي، وخصوصاً إيران، مدعوة لأنْ تدرك أن المجابهة مع الأعداء، هي الوصول إلى التساوي مع قواهم التقنية والعلمية واشتراطات تعميم الحريات وبناء الداخل بمواصفات من يريد أن يبني مؤسسات حديثة، أي رفع مستوى دخل المواطن ، والاهتمام بمتطلباته قبل إغراقه بالديون والتسلح وتحويل الطاقات إلى أهداف مغايرة للمنطق والعقل، وإيران، في كل الأحوال دولة مسلمة، وإذا ما نزعت أن تكون قوة سلمية واقتصاية وعلمية فإنها سوف تكون إضافة إلى قوة العالم الإسلامي..

 

أما أن تختار المواجهة بأساليب الشحن العاطفي، وتأليب الشعوب على سلطاتها، فإن هذه الأسلحة باتت عتيقة، وأكثر من أكل من خزان مرارتها هم العرب..

========================

مصر: مخاض التغيير بدأ

رأي القدس

القدس العربي30/10/2009

تعيش مصر حاليا حالة مخاض، ربما تؤدي نتائجها الى عملية تغيير شاملة لن تتوقف عند الحدود المصرية، بل ربما تشمل المنطقة العربية باسرها.

هناك مجموعة من الحقائق لا بد من التوقف عندها لفهم ما يجري حاليا، وانعكاسات ذلك على المستقبل القريب:

' اولا: تعيش مصر حاليا مرحلة من 'التوهان' بسبب ضبابية الرؤية القيادية، وعدم حسم مسألة التوريث سلبا او ايجابا، وبدأ النظام السياسي يمر بحالة من التآكل، ان لم يكن التحلل غير مسبوقة.

' ثانيا: طبقة رجال الاعمال التي تشكل العصب الاساسي للنظام، والمستفيد الاكبر منه واستمراره بهذه الطريقة المترهلة، بدأت تشعر بالقلق على مستقبلها، ومصالحها الاقتصادية، وباشرت الضغط من اجل الحسم وعدم ترك الوضع على حاله، بمعنى اما ان تتم عملية التوريث باقصى سرعة ممكنة، او يتم صرف النظر عنها والبحث عن بدائل غير السيد جمال مبارك نجل الرئيس، يمكن ان تحقق الاستقرار للبلاد.

' ثالثا: النخبة السياسية والثقافية المصرية بدأت تتخلى عن طابعها السلبي، وتتحرك من اجل قيادة الرأي العام نحو عملية تغيير جذرية، وشاهدنا السيد محمد حسنين هيكل الصحافي المشهور يلقي بكل ثقله في المضمار، ويقترح مجلس امناء يضم مجموعة من الشخصيات المصرية المعروفة بنزاهتها وحسها الوطني يتولى ادارة دفة البلاد في مرحلة انتقالية للاعداد لانتخابات عامة على اساس دستور جديد.

' رابعا: يوجد اجماع في مصر على ان الرئيس حسني مبارك لم يعد قادرا على الاستمرار في حكم البلاد بسبب ظروفه الصحية، يقابله شبه اجماع على ان نجله جمال لا يصلح لتولي مهام الحكم، لانه ليس الاكثر تأهيلا لهذه المهمة الصعبة والمعقدة.

' خامسا: انتشار حالة من البلبلة السياسية والاعلامية جنبا الى جنب مع حدوث انفلات امني، وتزايد عمليات البلطجة، وانهيار الخدمات العامة، وتزايد حوادث القطارات، واتساع دائرة الفساد بمختلف اشكاله المالية والاخلاقية.

' سادساً: حدوث حالة من الارتباك في صفوف المجموعة الحاكمة، والدائرة المصغرة القريبة منها، اتضح بجلاء من خلال عمليات التبرير التي تمارسها حالياً بكثافة، لاخفاقات النظام أولاً، وملاءمة التوريث واستحقاقاته ثانياً، وهي تبريرات باتت غير مقنعة لسذاجتها وسطحيتها، وبهلوانية القائمين عليها وانتهازيتهم المعروفة للقاصي والداني.

الرئيس مبارك الذي يحاول ان يهرب من حالة الغليان هذه بالاقامة في منتجعه المفضل في شرم الشيخ، بات عاجزاً عن اتخاذ اي قرار حاسم يمكن ان ينقذ البلاد من الغرق، ويفضل حالياً اللجوء الى المسكنات مثل قبوله استقالة وزير النقل اثر حادث قطار العياط الاخير، والسعي لقوى خارجية، مثل فرنسا والولايات المتحدة اللتين سيزور عاصمتيهما قريباً، من اجل دعم خيار التوريث الذي يقف على قدمين هشتين.

مصر بدأت تتحرك أخيراً في الاتجاه الصحيح. وقد يجادل البعض بأنها حركة بطيئة، ولكن الجسم الضخم لا يمكن ان يتحرك بسرعة ودفعة واحدة. والمهم ان العجلة بدأت تدور.

========================

هيثم المالح واتِّهاماتُ السلطة والقضية الأكبرُ والأخطر

عصام العطار

القدس العربي 30/10/2009

من التهمِ العجيبةِ الموجّهةِ إلى هيثم المالح رسميّاً من السُّلْطة ، أو على ألسنةِ أتباعِ السلطة : الكذبُ ونَشْرُ الكذِب

إدخالُ الوهنِ على نُفُوسِ الأُمّةِ ، وتفريقُ صُفوفِها وتشجيعُ أعداءِ الأمةِ على مُهاجمتِها !!.

إنّ هيثم المالح -كما عَهِدَهُ عارفوه- رجلٌ صادقٌ كلَّ الصدقِ ، صريحٌ كلَّ الصراحةِ ، لهُ وَجْهٌ واحدٌ ولسانٌ واحدٌ في سِرِّهِ وعَلَنِه ، وسَفَرِه وحَضَرِه ، وأَمْنِهِ وخوفِه .. وليسَ بِذي وَجْهَيْنِ ولِسانيْنِ ، وهو يَصْدُرُ في ثَنَائِه أو نَقْدِهِ -مصيباً أو مخطئاً- عن نَزاهةِ القاضي وصَرامتِه ، وعن شُعورٍ مُلازمٍ لهُ بالمسؤوليةِ والواجب ، ومحبةٍ آسرةٍ غامرةٍ لبلادِه وأُمتِه ؛ فهو يَرْفُضُ فيها الظلمَ لأنّه يُريدُ لها العدل ، والفسادَ لأنه يريدُ لها الصلاح ، والخطأَ لأنه يُريدُ لها الصواب ، ، والاسْتِئْثارَ الفردِيَّ والعائِليَّ والْحِزبِيَّ لأنّه يُريدُ لها المساواةَ ، والتخلُّفَ لأنه يريدُ لها التقدُّمَ على كلّ صعيد .. إنه يريدُ لبلادِه وأمته الوحدةَ الحقيقيةَ الصادقةَ : وحدةَ القلوبِ والإراداتِ لا وحدةَ الكلماتِ والادِّعاءات ، وأن يكونَ أبناؤها في واقعِهم ، وفي صِلَةِ بعضِهم ببعضٍ كالبنيانِ يَشُدُّ بعضُه بَعْضاً ، وكالجسدِ إذا اشتكَى منهُ عُضْوٌ تَداعَى له سَائرُ الجسدِ بالسهرِ والْحُمَّى ، وأن تأخذَ أُمَّتُهُ وبلادُه بمختلفِ أسبابِ الصلاحِ والإصلاحِ السياسيِّ والاجتماعيِّ والقانونيِّ والاقتصاديِّ والإداريّ والخلُقيّ .. وكلِّ إصلاحٍ ضرورِيٍّ أو مفيد

ومعاذَ اللهِ تعالى أنْ يكذِبَ هذا الرجلُ المؤمنُ أو أن ينشُرَ الكذِب ، فالكذِبُ والإيمانُ الحقُّ لا يجتمعان : ) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ... ([النحل : 105]

ومعاذَ اللهِ أن يهدفَ هذا الرجلُ المؤمنُ أو أنْ يعملَ على إدخالِ الوهْنِ على نفوسِ الأُمّةِ ، ودينُه يُطارِدُ الْوَهْنَ والذُلَّ والاستسلامَ في النفوس ، وفي واقعِ الحياة : ) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ([آل عمران : 139]

ما مِنْ مؤمنٍ صادقٍ بصير .. ما مِنْ عَرَبِيٍّ أو مواطنٍ حُرٍّ أبيٍّ شريف ، إلاّ يتمزّقُ قلبه الآنَ أَلَماً ، ويَنْدَى جَبينُه خَجَلاً ، لِواقِعِنا الواهن المتخلفِ الضعيفِ في مُعْظَمٍ عالَمِنا العربيِّ والإسلاميّ

ما من مؤمن أو عربيٍّ أو مواطنٍ حُرٍّ أبيٍّ شريف إلاّ ويحلم ويتمنَّى ويُنادي إنِ استطاعَ- بأنْ تأخذَ أُمتُه وبلادُه بأسبابِ القوَّةِ والْمَنَعَةِ المادّيّةِ والمعنويةِ ، لمواجهةِ تحدِّياتِ العالمِ والعصر ، والنهوضِ بمسؤولياتِها وواجباتِها الكبيرةِ في هذا العالم والعصر

ما من مؤمنٍ أو عربيٍّ أو مواطنٍ حُرٍّ أبيٍّ شريفٍ إلاّ ويَحْلُمُ بروحٍ جديدٍ ، وعزمٍ جديدٍ ، وعملٍ مُبْدِعٍ جديدٍ يرتفعُ بأُمّتنا وبلادِنا بَعْدَ انخِفاض ، ويتقدَّمُ بها بعدَ تخلُّف ، ويُعيدُها مِنْ هامِشِ هامِشِ التاريخِ إلى قَلْبِ التاريخ ، ويسعَى لتحقيقِ هذا الْحُلْمِ العظيمِ ، والهدفِ العظيمِ بكلِّ ما يستطيع

****

ولقد زارنا هيثم المالح قبل أن يُمنَع من السفر ، وهو يتحدّثُ إليّ كثيراً بالهاتفِ من دمشق ، أو كان يتحدَّثُ إليَّ كثيراً قبلَ أن يُعتقل ، فلم يختلفْ حديثُه إليَّ مُنْفَرِدَيْنِ عن أحاديثهِ في الهاتف أو على رؤوس الأشهاد ، فهوَ في صِدْقِهِ واستقامتِهِ وصَراحتِه كما قالَ أبو الطيّب المتنبيّ :

القائلُ الصِّدْقَ فيهِ ما يُضِرُّ بهِ والواحدُ الحالَتَيْنِ السّرِّ والْعَلَنِ

وكانَ يقولُ لمن يلْقَوْنه من العربِ والمسلمينَ أَوِ الغَرْبِيِّينَ إذا سألوه عن موقفِه في سوريةَ ، ومن النظامِ في سورية : ' إنّني أَنْقُدُ بعضَ الأوضاعِ في سوريةَ لِخَيْرِ سوريةَ ومصلحتِها ، ولكنّني على استعدادٍ في كلّ وقتٍ من الأوقاتِ أنْ أبذُلَ دَمي في صَدِّ أيِّ عدوانٍ أجنبيٍّ من أيٍّ كان ، وبأيِّ مُبَرِّرٍ كان ، مهما أصابني على يدِ النظام السوري .

****

يا حكامَ العربِ والمسلمينَ في كلِّ مكانٍ من أرضِ العروبةِ والإسلام

أَفسِحوا صدورَكم لشعوبِكم ، وآلامِ شعوبِكم ، وآمالِ شعوبِكم ، وشكاوَى شعوبِكم ، فقدْ ' بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى ' كما يقولُ المثلُ العربيُّ القديم

أَفْسِحوا صدورَكم لانتقاداتِ الأحرارِ والمعارضين ، وصَرَخَاتِ الأحرارِ والمعارضين ، وخُذُوا ما يستبينُ صوابُه وضرورتُه من دعواتِ الإصلاحِ والتغييرِ دونَ تأخير ، ففي ذلكَ خيرُكُم وخيرُ أُمَّتكم وبلادِكم ، ووقايتُها ممّا تعلمونَ وَلاَ تعلمونَ من وَخيمِ العواقبِ ، ولا تُجابِهوا مطالبَ شعوبِكم ومطامحَها واحتجاجاتِ أحرارِها ومعارضيها بالسياطِ أو الرصاصِ أو السجون .. فالشعوبُ التي تُساقُ بالْقَهْرِ سَوْقَ الأنعام ، والتي ترضى بأنْ تُساقَ بالقهرِ سَوْقَ الأنعام ، لا يُكْتَبُ لها على خارطةِ العالمِ بقاء

وليستِ القضيّةُ عندي ، وأنا أَخُطُّ هذه السطورَ ، هيَ قضية هيثم المالح أو فلانٍ وفلانٍ وفلان من ضحايا حُرِّيَّةِ الضميرِ والرأيِ ، وسجناءِ الضميرِ والرأي ، ومُشَرَّدِِي الضمير والرأيِ في هذا البلدِ أو ذاك فَحَسْب ؛ ولكنّها أكبرُ من ذلكَ وأخطر ، إنّها حالة عامّة في وطننا العربيِّ والإسلاميّ ، حالةٌ تحولُ بينَهُ وبينَ النهوضِ والتقدُّم ، والإصلاحِ والتغيير ، وتهدِّدُه كما نَرى بأعيُنِنا الآن- بالتفَكُّكِ والانحلال والزوال

' رئيس المنتدى الإسلاميّ الأوروبيّ

والمراقب الأسبق للإخوان المسلمين في سوريا

========================

وزير العدل البريطاني يرد على 'القدس العربي' مجابهة الوجه القبيح للعنصرية في بريطانيا

جاك سترو

القدس العربي 30/10/2009

لقد خلط مقال نشرته أخيرا صحيفة 'القدس العربي' الصادرة في لندن ما بين ظهور نك غريفن، زعيم الحزب القومي البريطاني، في برنامج على تلفزيون بي بي سي وبين تسليم المملكة المتحدة بوجود أي شرعية لآرائه. وأشار هذا المقال، بعنوان 'شرعنة العنصرية في بريطانيا'، إلى أنه ما من أحد فنَّد آراءه العنصرية أو تصدى له بأسئلة صعبة. بيد أنني وقد شاركت في ذاك البرنامج في مواجهة نك غريفن، يمكنني أن أشهد بأن الوضع لم يكن قطعا بالصورة التي وردت في مقال صحيفة 'القدس العربي'.

صحيح أن ظهوره أثار الكثير من اللغط والخلاف، إلا أنه صحيح أيضا أن ظهوره لم يؤد سوى إلى تعرية حزبه وكشفه على حقيقته: فقد أماط اللثام عن متطرفين من أقصى اليمين، ذوي عقيدة عنصرية تتسبب في أذى هائل في أكثر بلدان العالم تسامحا. لقد حاول السيد غريفن جاهدا إخفاء قبح الحزب القومي البريطاني، غير أن هذا القبح أبى إلا أن يطفو بفقاقيعه إلى السطح. أما النجوم الحقيقيون للبرنامج فكانوا الحضور من أبناء الجمهور البريطاني العاديين، فهم الذين أماطوا اللثام عن حقيقة السيد غريفن وعرُّوه حين دانوا كل ما يؤمن به، وحين تحدَّوْا الوجه الكريه لحزبه.

يقول المقال إن ظهوره في البرنامج التلفزيوني أعطاه قيمة اعتبارية لا يستحقها، وأقول إن ظهور السيد غريفن دلَّل وحسب على أن حزبه لا يتمتع بأي قيمة اعتبارية. فأي قيمة اعتبارية تلك التي يتمتع بها حزب يؤمن بالنقاء والتفوق العنصري. إنها وصفة لدق إسفين بين الناس.

بل إن ما تفوَّه به في البرنامج التلفزيوني من عبارات مقزِّزة حول الأصول العرقية والإسلام إنَّما وحَّد الرأي العام في شجب هذا النوع من الأفكار التي لا مكان لها في مجتمعنا النابض بالحياة المختلط الأعراق والأقوام. وعليه لا بدَّ لنا من أن نتحداه ونعرِّيَه. فأفكاره لا مكان لها في بريطانيا التي أقمنا فيها مجتمعا متسامحا تُحترم فيه الفوارق بين الناس عوضا عن تصنيفهم وفقا للونهم أو ديانتهم.

' وزير العدل البريطاني

========================

أوغلو والسياسة الخارجية التركية: فضائل 'القوّة الناعمة'

صبحي حديدي

القدس العربي 30/10/2009

رغم أنه لم يتولّ المنصب إلا في شهر أيار (مايو) الماضي، فإنّ غالبية المراقبين للشأن التركي تجمع على أنّ وزير الخارجية الحالي أحمد داود اوغلو هو المهندس الحقيقي للسياسة الخارجية لتركيا، وذلك منذ أن تولى 'حزب العدالة والمساواة' الحكم نتيجة الإنتخابات التشريعية، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002. وبعد أسابيع قليلة على ذلك الحدث، كان عبد الله غل، رئيس الوزراء آنذاك والرئيس التركي حالياً، قد عيّن داود أوغلو مستشاراً خاصاً للشؤون الخارجية، ومنحه صفة سفير فوق العادة. وحين تولى رجب طيب أردوغان رئاسة الوزارة، أبقى على الرجل في الموقع ذاته، قبل أن يقرّر أنّ مكانه الطبيعي هو الخروج علانية إلى منصب وزير الخارجية، وليس ممارسة المهامّ إياها من خلف الكواليس.

وهذا الرجل، الذي لم يتجاوز سنّ الأربعين، والقادم إلى السياسة من الحياة الأكاديمية، إذْ كان أستاذاً للعلاقات الدولية في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وفي جامعتَيْ مرمرة وبيكنت في تركيا، يعتمد مقاربة بسيطة في إدارة السياسة الخارجية التركية، قائمة على مبدأين ليس أكثر. ولقد سبق له أن ناقش الخطوط العريضة للمبدأين في كتابه الشهير 'العمق الستراتيجي: موقع تركيا الدولي'، الذي صار قراءة إلزامية لكلّ دبلوماسي على صلة بالشأن التركي، رغم أنّ الكتاب غير متوفر في أيّ من اللغات الإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية.

المبدأ الأول هو أنّ على تركيا أن تقيم الروابط الوثيقة ليس مع أوروبا والولايات المتحدة فقط، رغم أهمية هذه العلاقات، بل يتوجب تطوير علاقات متعددة المحاور مع القوقاز، والبلقان، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب شرق آسيا، والبحر الأسود، وكامل حوض المتوسط. ذلك لأنّ تركيا ليست مجرّد قوّة أقليمية، في نظر داود أوغلو، بل هي قوّة دولية ويتوجب عليها أن تتصرّف على هذا الأساس، فتعمل على خلق منطقة تأثير تركية ستراتيجية، سياسية واقتصادية وثقافية. ولم يكن غريباً أنّ وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون ثمّنت عالياً هذه المرونة التركية في التعامل مع محاور مسلمة ومسيحية ويهودية، في العالم العربي والإسلامي، وفي أوروبا وإسرائيل، فأطلقت على تركيا لقب 'القوّة الكونية الصاعدة'.

المبدأ الثاني هو اعتماد سياسة 'الدرجة صفر في النزاع' مع الجوار، من منطلق أنه أياً كانت الخلافات بين الدول المتجاورة، فإنّ العلاقات يمكن تحسينها عن طريق تقوية الصلات الاقتصادية. وفي الماضي كانت تركيا تحاول ضمان أمنها القومي عن طريق استخدام 'القوّة الخشنة'، 'لكننا نعرف اليوم أنّ الدول التي تمارس النفوذ العابر لحدودها، عن طريق استخدام 'القوة الناعمة' هي التي تفلح حقاً في حماية نفسها'، كما ساجل داود أوغلو في كتابه المشار إليه سابقاً. وهو، على أساس من هذا المبدأ، واثق من أنّ الحاجة متبادلة تماماً بين أوروبا وتركيا: 'بقدر ما صارت أوروبا محرّك سيرورة التغيير في تركيا، بقدر ما ستصير تركيا محرّك تحويل للمنطقة بأسرها'.

والحال أنّ هذه المقاربات أعطت نتائج دراماتيكة في علاقات تركيا مع جميع جيرانها تقريباً، وعلى حدودها الأوروبية والآسيوية، وخارج تلك الحدود أيضاً، كما في الدور الذي سعت إلى لعبه في لبنان حين شاركت في قوّات الأمم المتحدة التي نُشرت هناك بعد العدوان الإسرائيلي صيف 2006؛ وفي احتضان المفاوضات السورية  الإسرائيلية غير المباشرة، وإقامة علاقة ثلاثية مع إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية وحركة 'حماس'، ثمّ القيام بجهود ميدانية مكوكية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة مطلع العام، واكتساب شعبية واسعة في الشارع العربي بسبب انسحاب أردوغان من سجال مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس في ملتقى دافوس. هذا بالإضافة إلى دور تركيا المتزايد في أفغانستان والباكستان والهند. ولعلّ خيرة ثمار هذه 'السياسة الناعمة' تجلت في العلاقات التركية  السورية، حين سعى النظام السوري إلى كسر عزلته الإقليمية، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، عن طريق الإندفاع التامّ نحو حضن أنقرة. وهكذا تمّ توقيع سلسلة من الاتفاقيات التجارية التي كان من الواضح أنّ الكفّة فيها تميل بشدّة لصالح الاقتصاد التركي على حساب الاقتصاد السوري، سيّما وأنّ البون شاسع ومختلّ بنيوياً بين ميزانَيْ التجارة في البلدين. كذلك تغاضت دمشق عن شحّ مياه نهر الفرات بسبب تغذية السدود التركية المتزايدة، وتعاونت مع الأجهزة الأمنية التركية في تعقّب أنصار 'حزب العمال الكردستاني'، ال PKK، الذين كانت دمشق تزوّدهم بالسلاح ومعسكرات التدريب حتى عام 1998، بل وحدث مراراً أنها سهّلت قيام الأتراك بعمليات إغارة على القرى السورية المحاذية للحدود مع تركيا، بهدف اعتقال أولئك الأنصار. الأهمّ من هذه كلها أنّ النظام السوري أقرّ، ضمنياً، بالسيادة التركية التامة على لواء الإسكندرون، وهي منطقة سورية واسعة قامت تركيا بغزوها سنة 1938، قبل أن تسلخها سلطات الإنتداب الفرنسية عن الجسم السوري، وتضمّها إلى تركيا.

وفي مسارات تطوّر العلاقات السورية  التركية، لم تكن عضوية تركيا في الحلف الأطلسي تقلق الأسد الأب إلا في بُعد واحد جوهري: احتمال تطوّر العلاقات التركية  الإسرائيلية إلى مستوى يضع النظام السوري بين فكّي كماشة. وبالطبع، لم تكن الجوانب العسكرية في أيّ تناغم تركي  إسرائيلي هي وحدها مدعاة تخوّف الأسد، إذْ كان من الطبيعي أن يضع الأمر في سياقات أخرى ليست أقلّ خطورة، إنْ لم تكن أخطر: النزعة التوسعية التي لم تخمد تماماً في نفوس جنرالات تركيا، تحدوهم في ذلك آمال استعادة الأمجاد الإنكشارية؛ والأمن المائي في أخطاره المزدوجة على سورية (كما تتمثل في تخفيض كميات المياه المتدفقة إلى سورية، مقابل ازدياد مقاديرها في إسرائيل)؛ والمسألة الكردية، التي يمكن أن تضع دمشق في موقع الحلقة الأضعف، وليس الجهة مثيرة الشغب وصاحبة المبادرة والمناورة، كما كانت في السابق؛ فضلاً عن الاحتمالات المتعددة، وبعضها يظلّ غامضاً محفوفاً بكلّ المخاطر، في تطوّر مستقبل العراق.

ومنذ مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، ثم بعدئذ اتفاقات أوسلو ووادي عربة، اعتبرت أنقرة أنها باتت في حلّ من أيّ حرج يخصّ تطوير علاقاتها مع الدولة العبرية، وأنّ العتب العربي والإسلامي رُفع أو ينبغي أن يُرفع. لن نكون ملكيين أكثر من الملك، قال الأتراك آنذاك، وليس للعرب أن يأخذونا بجريرة ما يفعلونه هم أنفسهم: العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية، والتطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي والسياحي. وتلك المحاججة بدت سليمة للوهلة الأولى، ولاح أنّ قصة الحبّ التركية  الإسرائيلية القديمة يمكن أن تنقلب إلى تعاون وثيق قد يختلف في الكمّ فقط عن صِيَغ التعاون مع الدول العربية والإسلامية الأخرى، ولكن ينبغي له أن لا يختلف في الكيفية. وبهذه الروحية جرى التوقيع على تفاهم 1996 العسكري التركي  الإسرائيلي، وأعقبته مناورات عسكرية مشتركة، واتفاقات تعاقدية حول أشكال تبادل الخبرات والمعلومات الأمنية وتنسيق الصناعات العسكرية.

وعلى خلفية كهذه بالذات يمكن قراءة ردود الأفعال السورية، بل والعربية إجمالاً في الواقع، على ذلك التفاهم في حينه، والتي اتخذت إجمالاً صيغة استنكار وإدانة وشجب تارة، وانزلقت طوراً إلى مستوى إيقاظ مشاعر العداء العتيقة بين العرب والأتراك، أو حتى بين العروبة والطورانية! ليست تلك المشاعر شبيهة بحال الارتياح التي تنتاب اليوم شرائح واسعة في الشارع العربي إزاء التوتر الراهن بين تركيا وإسرائيل، سواء جرّاء القرار التركي باستثناء مشاركة سلاح الطيران الإسرائيلي في مناورات 'نسر الأناضول' التي كان من المقرر أن يجريها الحلف الأطلسي في الأجواء التركية؛ أو بسبب قيام قناة تلفزة حكومية تركية بعرض المسلسل المحلي 'انفصال'، الذي يعيد تمثيل مشاهد من البربرية العسكرية الإسرائيلية في غزّة. وليس من الواضح، حتى الساعة، ما إذا كانت نظرية داود أوغلو في 'القوّة الناعمة' سوف تعيد الدفء مجدداً إلى العلاقات التركية  الإسرائيلية، وإنْ كانت العلائم تشير إلى أنّ التشنج الراهن لا يتجه نحو القطيعة.

قصة النجاح الثانية هي العلاقات التركية  الإيرانية، وذلك رغم أنّ طهران لا تنظر بعين الرضا إلى عضوية أنقرة في الحلف الأطلسي، كما أنّ البرنامج النووي الإيراني لا يبدو بريئاً تماماً في أعين الأتراك. غير أنّ مصلحة البلدين في ضبط أخطار مختلف المجموعات الكردية، مقاتلة كانت أم مسالمة، وضرورة التوصل إلى سلسلة تفاهمات مشتركة في العراق الراهن وفي عراق ما بعد انسحاب القوات الأمريكية، أتاح للقوّة الناعمة أن تنتصر هنا أيضاً. ومؤخراً، حين أُعلنت نتائج الإنتخابات الرئاسية الإيرانية، كان لافتاً تماماً أن تكون تركيا بين أبكر الدول التي وجهت تهنئة رسمية إلى الرئيس المنتخب محمود أحمدي نجاد، رغم ما كانت شوارع طهران تشهده من تظاهرات احتجاج واتهامات بتزوير إرادة الناخبين. أليس في هذا بعض التناقض لدى دولة مثل تركيا، تحرص على نظافة صندوق الإقتراع، وتطمح إلى عضوية الإتحاد الأوروبي؟ 'من الخطأ أن يرى الناس وجهاً واحداً لهذا التطوّر'، أجاب داود أوغلو، مذكّراً بالدور الإيجابي الذي لعبته أنقرة من خلف الكواليس، في الإفراج عن موظفي السفارة البريطانية في طهران، مقابل الإفراج عن خمسة دبلوماسيين إيرانيين كانت القوات العسكرية الأمريكية تحتجزهم في العراق منذ 2007.

كذلك كان مدهشاً أن تتوصل تركيا إلى اتفاق مع أرمينيا، حول فتح الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية، رغم ما يفرّق البلدين من تاريخ حافل بالحساسيات الثقافية والدينية والسياسية، فضلاً عن الأحقاد والمجازر، ورغم أنّ مشروع الاتفاق كاد أن يضع تركيا في طلاق مع أبناء العمومة الترك في أذربيجان، حين لاح أن أنقرة ستُسقط أحد شروطها الأساسية للصلح مع أرمينيا، أي الإنسحاب من منطقة ناغورني  كاراباخ التي كان الأرمن قد احتلوها سنة 1994 في ختام حربهم مع أذربيجان. مدهشة، أيضاً، نجاحات الدبلوماسية التركية في تطبيع العلاقات مع بلغاريا، والنجاحات التي حققتها 'حركة الحقوق والحريات'، الحزب الناطق باسم الإثنية التركية في بلغاريا، وإيصال عدد من البلغار الأتراك إلى الحكومة، وإسقاط مشروع قرار في البرلمان حول مجازر الأرمن. إلى هذا، يشير داود أوغلو بفخار إلى التوقيع مؤخراً على اتفاقية بين تركيا ورومانيا وهنغاريا والنمسا، حول أنبوب Nabucco الذي سينقل الغاز من أذربيجان وآسيا الوسطى، ثمّ من العراق وربما إيران لاحقاً، عبر الأراضي التركية.

البعض يرى أنّ داود أوغلو هو 'كيسنجر تركيا'، والبعض الآخر لا يتردد في القول إنه أهمّ وزير خارجية في تاريخ تركيا، كما أنّ خصومه في صفوف الأتراك القوميين يرتابون في أنه يمثّل سياسة 'نيو  عثمانية'. لكنّ المعجبين به في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وموسكو ليست لديهم أيّ أوهام حول محاسن استخدام 'القوّة الناعمة'، وكذاك مساوىء صعود قوّة أقليمية مسلمة ثانية، بعد إيران، في منطقة أخطار كبرى تتجاور فيها آبار النفط مع الرمال المتحركة.

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

========================

الرسالة وعنوانها..

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

a-abboud@scs-net.org

زغرب - الثورة – الافتتاحية - الخميس 29-10-2009م

في زغرب نحن في أوروبا، بل في عمق أوروبا، وبالتالي من طبيعة الأمور أن يكون الخطاب السوري هو لأوروبا من النافذة الكرواتية، وقد أوضح السيد الرئيس بشار الأسد مرة ثانية أهمية التعاون والعمل مع الدول الأوروبية بشكل ثنائي،

ثم الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كإطار، حيث تحتاج اتفاقية الشراكة معه إلى مزيد من الدراسة باتجاه تحقيق المصالح السورية والمشتركة.‏

الأهم من ذلك.. البحث عن الدور الأوروبي لمواجهة مشاكل منطقة الشرق الأوسط الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي والعدوان المستمر، ففشل محاولات تحقيق السلام على مدى عقدين من الزمن يوجه رسالة إلى أوروبا تحفزها على دور آخر وتحملها أعباء إضافية من أجل السلام..‏

السلام في الشرق الأوسط ليس سلاماً للمنطقة فحسب بل هو للعالم كما وصفة الرئيس الكرواتي في إطار إجابته على سؤال ل « » حول دور ممكن لكرواتيا يراه هو في حل مشاكل المنطقة، وأكد ارتباط هذا الدور بأوروبا.‏

لقد أظهر الرئيس الكرواتي تفهماً لوجهات النظر السورية حول مختلف القضايا رغم أنه كان حريصاً دائماً أن يظهر الحيادية، لكن سورية لم تطلب من أحد ألا يكون حيادياً، إنما هي تطلب العدل والإنسانية والسلام، ولا تعترض ولم تعترض كرواتيا على أي من هذه.‏

سمعنا موقفاً كرواتياً عبر عن ضرورة الحوار وصولاً للسلام وحق الفلسطينيين بدولتهم وحق سورية بجولانها الكامل، وعن ضرورة التعاون والتنمية، وهذا مبدئياً يرضي تماماً التوجهات السياسية السورية حول مختلف القضايا.‏

لقد أصبحت سورية بموجب مواقفها المعلنة دائماً في كل موقع عنواناً سياسياً يعني ذلك كله، يعني السلام، وإنهاء الاحتلال، والأمن والاستقرار للمنطقة، ونبذ العنف والإرهاب أنى كان مصدره.‏

وما ذاك الهم الذي تحمله السياسة السورية وقائدها إلى كل المواقع واللقاءات والذي يصور عذابات الفلسطينيين تحت الاحتلال، إلا تفاصيل ساخنة تحت عنوان البحث عن السلام والأمن والعدالة.‏

لا نعتقد أنه منذ حصار غزة حتى اليوم حضر السيد الرئيس الأسد موقعاً للحوار والتفاهم والتعاون وبناء العمل المشترك وغاب عنه واحد من ثلاثة:‏

- فتح المعابر لأبناء غزة ليتواصلوا بأمن وسلام مع العالم الخارجي.‏

- رفع الحصار عن سكانها وعنها.‏

- إزالة المستوطنات الإسرائيلية التي تشكل حالة عدوان نشط ومستمر على فلسطين وشعبها.‏

هي ليست مجرد رسالة بل عنوان، وكل من يلتقي سورية يعرف الرسالة من عنوانها، ولابد أنه يتفهم هذا الموقف السوري المستند إلى قواعد الحق والعدالة.‏

يد ممدودة للسلام..‏

وأخرى للتعاون والعمل المشترك..‏

سلاحنا الحوار والتفاهم والنشاط السياسي الذي لابد أنه كان دائماً، وذورته هذا العام الذي لم ينته بعد ولن ينتهي إلا وقد قُرئت عناوين السياسة السورية في مواقع أخرى ومحافل شتى، وشهدت هذه المواقع والمحافل مزيداً من اتفاقات التعاون والعمل المشترك.‏

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ