ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 18/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إسرائيل تشوه صورتها حول العالم

الحياة الجمعة, 16 أكتوبر 2009

باتريك سيل *

تعتبر صورة البلد في السياسة الدولية مهمّة جداً. فسمعته والهالة التي يفرضها والاحترام الذي يحظى به زعماء البلد هي بقدر أهمية قواته المسلّحة في حماية مواطنيه. ويعرف معظم السياسيين أن «القوة الناعمة» التي تستخدم بمهارة عالية يُمكن أن تكون فاعلة بقدر فاعلية «القوة الصلبة» التي تسفك الدماء.

ويبدو أن إسرائيل قد نسيت هذا الدرس. فقد أضرّت معاملتها القاسية للفلسطينيين، سواء جراء احتلال الضفة الغربية أو الحصار الذي فرضته على قطاع غزة، ناهيك عن اعتداءاتها المتكرّرة على لبنان وغارتها على سورية عام 2007 وهجومها الدائم على إيران، بصورتها بشكل كبير. وتحوّل الإعجاب الذي أثاره قيام المؤسسات الاسرائيلية في عدد من أنحاء العالم إلى استياء وازدراء وبغض.

ثمة عدد قليل من الأشخاص خارج إسرائيل، وخارج دائرة مناصريها المتطرفين التي تتقلص في الولايات المتحدة وفي أوروبا، ممن ما زالوا مستعدين اليوم للدفاع عن المتعجرفين واصحاب الدعوات الى الحلول العسكرية وعن الأشخاص المتشددين في اسرائيل الذين يستولون على الأراضي أو عن سياسييها العنصريين.

ولا دليل بعد على أن الزعماء السياسيين في إسرائيل قد أدركوا حجم المشكلة أو أنهم يُقدمون على أي خطوة جديّة لحلّها. بل على العكس، فهم منهمكون في تعميق هوّة هي من صنعهم.

شكّل إعلان تركيا المفاجئ هذا الأسبوع إلغاء مناورة جوية كبيرة مع إسرائيل بمثابة دعوة مهمة لليقظة. ولا شك في أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان اعتبر أنه يجب إلغاء المناورة بسبب مشاعر العداء الواسعة النطاق التي يشعر بها الشعب التركي إزاء إسرائيل، فتوجّب عليه أخذ الرأي العام التركي في الاعتبار. وقد ذكر وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الأسباب مستخدماً كلمات ديبلوماسية فقال: «نأمل أن يتحسن الوضع في قطاع غزة، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على العلاقات التركية- الإسرائيلية».

ليست مسألة إغضاب الأتراك أمراً بسيطاً. فلا يسع إسرائيل تجاهل خطر ذلك أو إخفاؤه. فطالما كانت تركيا على مدى سنوات شريكة إسرائيل الاستراتيجية والإقليمية الأساسية، وربما الوحيدة، منذ انهيار حكم الشاه في إيران عام 1979. وقد تكون خسارة تركيا أسوأ نكسة ديبلوماسية تتعرض لها إسرائيل منذ زمن.

يُعتبر الجيش التركي الأكبر في المنطقة وكذلك مؤسساتها الصناعية. أما إجمالي ناتجها المحلي الذي بلغ ألف بليون دولار عام 2008 فيفوق إجمالي الناتج المحلي للبلدان المنتجة للنفط سواء إيران أو البلدان العربية، وهو يفوق بأربع مرات إجمالي الناتج المحلي في إسرائيل. وفي السنوات الأخيرة، حسّنت تركيا بشكل كبير علاقتها مع إيران ومع الدول العربية المجاورة لها، لا سيما سورية، وباتت «الأخ الأكبر» الذي يتمتع بالحكمة في الشرق الأوسط الكبير. كما أنها عرضت التوسط لحلّ النزاعات المحلية وهي تحاول أن تنشر الاستقرار والأمن في المنطقة.

وفي اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل هجومها على قطاع غزة في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بدا واضحاً أن حربها المجنونة هي خطأ فادح ولن تساهم سوى في تأجيج مشاعر الكره إزاءها، وفي إفقادها شرعيتها في عيون معظم العالم. وقد وجّه تقرير القاضي غولدستون ضربة قاسية لسمعة إسرائيل، إذ أشار إلى أن ثمة دلائل في قطاع غزة على أن إسرائيل «ارتكبت أعمالاً ترقى إلى مصاف جرائم الحرب وربما جرائم ضد الإنسانية».

وعوضاً عن الموافقة على إجراء تحقيق مستقل في هذه الاتهامات كما طالبت بعثة الأمم المتحدة قبل أن تتمّ إحالة المسألة إلى مجلس الأمن لإقامة دعوى امام المحكمة الجنائية الدولية، عمدت إسرائيل إلى مهاجمة غولدستون وتقريره. وقد استخدمت قوتها الديبلوماسية لتبيّن أن التقرير «متحيّز» ولإرجاء البحث فيه.

ليس القاضي ريتشارد غولدستون خبيراً بارزاً في القانون الدولي ومعروفاً بحياده ونزاهته فحسب، بل هو يهودي وصهيوني. وقد أثنى عليه الجميع لكشفه جرائم نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا ولعمله الدقيق عندما كان مدعياً عاماً للأمم المتحدة في المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا ورواندا.

لقد كان حريصاً على إحقاق العدالة إلى حدّ أنه شدد قبل القبول بترؤس لجنة تقصي الحقائق في غزة على ضرورة توسيع موضوع تقريره ليضم الصواريخ الفلسطينية التي أطلقت ضد المدنيين الإسرائيليين. فضلاً عن ذلك، كشف تقريره عن دليل يفيد «أن المجموعات المسلحة الفلسطينية» ارتكبت جرائم حرب فضلاً عن جرائم محتملة ضد الإنسانية.

ويبدو أن حرب إسرائيل الدعائية ضد تقرير غولدستون غير مجدية ومضرة بها. ومن بين ضحاياها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي وافق في ظل الضغوط الإسرائيلية والأميركية على عدم دفع مجلس الأمن نحو دراسة التقرير. وحاول بعد أن أدرك خطأه أن يتراجع عن موقفه غير أن زعامته قد تضرّرت.

ونتيجةً لذلك، تمّ إضعاف المعتدلين الفلسطينيين مثل عباس الذين يُفترض أن من مصلحة اسرائيل تقويتهم والتفاوض معهم. لكن هل تريد إسرائيل السلام؟ هل تريد أن تفاوض؟ أم أنها على العكس تسعى إلى جعل الفلسطينيين متطرفين كي تتجنّب إجراء مفاوضات جديّة معهم إلى أن تستولي على المزيد من الأراضي؟

لقد كشف وزير خارجية إسرائيل المتشدد أفيغدور ليبرمان اللعبة، فأعلن أنه لن يتمّ التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين لعدة سنوات. ويحاول ليبرمان ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو من خلال رفض تجميد الاستيطان أو الدخول في المفاوضات، تحدي الرأي العام الراغب في السلام في جميع أنحاء العالم والرئيس الأميركي باراك أوباما أيضاً.

فقد أطلق اليمين الإسرائيلي ومناصروه من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة هجوماً أمامياً على هدف مركزي في سياسة أوباما الخارجية وهو حلّ الدولتين للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. ولم يترددوا كي يضعفوا أوباما في تنظيم حملة تحريض ضده. وتمّ اتهامه بأنه نازي ومسلم ويكره اليهود، كما سخروا من نيله جائزة نوبل للسلام.

وبذلك تقدم اسرائيل على عمل خطير جداً. فحتى الآن سعى أوباما إلى الإقناع عوضاً عن التهديد. وحاول في إطار تعامله مع إيران وإسرائيل، الى التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين. فقد أحرز مع إيران تقدماً بعد أن خرق جدار أزمة امتدت على مدى ثلاثين سنة، ولا شك في أنه سيتقدّم أكثر على هذا الصعيد، فيما اصطدم مع إسرائيل بحائط مسدود.

لكن يجب أن تفكر إسرائيل بذلك، لا سيما أن صبر أوباما قد ينفذ، خصوصاً أن خسارة تركيا شيء وخسارة أميركا شيء آخر مختلف تماماً.

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط

===============================

الحياة :أفغانستان في الجيوبوليتيكا الأميركية: مركز للتحكّم بالعالم

جورج حداد *

من أهم نشاطات الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد انتخابه زيارته الى روسيا في 6 و 7 تموز (يوليو) 2009، حيث التقى الرئيس ديمتري ميدفيديف، ولم يفته طبعاً أن يجتمع أيضاً الى رئيس الوزراء القوي فلاديمير بوتين، الذي يتوقع أن يعود سيد الكرملين في 2012.

حمل الرئيس الأميركي معه الملفات ذات العلاقة مع روسيا، والتي تتناول الشؤون الدولية الرئيسية، في شكل يذكر بمرحلة القطبين الدوليين. وعلى أهمية الملفات التي حملها أوباما، كالتسلح النووي والصاروخي، والملفات الكوري والفلسطيني والايراني، كان من الواضح أن عين الرئيس الأميركي كانت تتركز خصوصاً على الملف الأفغاني. وتشير المعطيات الى أن أهم ما توصل اليه لقاء القمة الروسي - الأميركي الاتفاق الذي تم على الملف الأفغاني.

فالملاحظ أن واشنطن، في عهد أوباما، تنتهج سياسة تهدئة ومناورة وحتى سياسة تراجع، الا في الملف الأفغاني. ومن الأمثلة «الصارخة» تخفيض أعداد القوات الأميركية في العراق لزيادتها في أفغانستان.

واستطاع أوباما الحصول على موافقة الكرملين على منح أميركا ممراً جوياً استراتيجياً الى أفغانستان. وتشير المعطيات الى أن أميركا هي في صدد اتفاقات مماثلة مع عدد من الدول الأخرى، الأوروبية والآسيوية، لا سيما بعد الصعوبات التي يعانيها التعاون الأميركي - الباكستاني، في الحرب الأميركية في أفغانستان. وبعد رفض كازاخستان تقديم التسهيلات المطلوبة.

وهنا يبرز السؤال: لماذا كل هذا الاهتمام الأميركي بأفغانستان، التي اعتبرها أوباما «الجبهة المركزية» للحرب الأميركية على الارهاب؟

يمكن مقاربة الجواب من خلال النقاط الآتية:

1- شعار «مكافحة الارهاب» هو كذبة كبيرة، واسطوانة مشروخة تماماً، سواء بنسختها «البوشية» الصاخبة أو بنسختها «الأوبامية» الناعمة! والإدارة الأميركية تستخدم هذا الشعار كحجة فقط للهيمنة على أفغانستان هيمنة مطلقة، مستفيدة من العزلة الدولية التي فرضت على الشعب الأفغاني، من طريق صبغه بالصبغة المتخلفة والمكروهة (طالبان، القاعدة، منع التعليم، اضطهاد المرأة، نسف الآثار التاريخية والحضارية: وكل ذلك تم ويتم على أيدي «الاسلاميين» المزيفين الذين هم صناعة استخبارية أميركية بامتياز). وتعمل الادارة الأميركية لتحويل أفغانستان ليس الى قاعدة أميركية وحسب، بل الى قاعدة أطلسية - غربية في شكل عام. ويوجد سببان جوهريان لهذا الاهتمام بأفغانستان، الأول يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية، وتحديداً بالجيوبوليتيكا العامة أو الاستراتيجية الدولية لأميركا. ونلقي نظرة سريعة على هذين السببين في ما يأتي:

أ - السبب الاقتصادي: أن أميركا، زعيمة العالم الرأسمالي - الأمبريالي، تتحرك بالدرجة الأولى بدافع الحوافز الاقتصادية. ومنذ سنوات وأميركا تمر في حال ركود وأزمة اقتصادية، مالية - تسويقية - الخ. والاقتصاد الأميركي لم يعد منذ زمن يقتصر على قطاعات الانتاج والتسويق المشروعة. بل نشأ وتضخم في شكل مروع ما يسمى «اقتصاد الظل»: المخدرات، التزوير، التهريب، القتل المأجور، الدعارة، القمار الخ. وأصبحت كتلة «الأموال القذرة» تشكل أكبر «كتلة مميزة» في الاقتصاد الدولي برمته، أي انها أكبر من الكتلة المتشكلة من أموال النفط أو الغاز أو الذهب أو تجارة الأسلحة المشروعة، ناهيك عن الصناعات والتجارات الأخرى كصناعة السيارات أو الالكترونيات والسياحة الخ. وأميركا اليوم هي أكبر آلة غسيل «أموال قذرة» في العالم. والاقتصاد الأميركي يصبح أكثر فأكثر «اقتصاد ظل» أي «اقتصاداً مشبوهاً»/ اقتصاد جريمة منظمة ودعارة وقمار ومخدرات الخ. وفي رأينا المتواضع أن أهمية أفغانستان، بالنسبة للاستراتيجية الدولية الأميركية، تتأتى أولاً من الاهمية الاقتصادية الاستثنائية لهذا البلد الفقير جداً، ونقصد تحديداً «اقتصاد» تجارة المخدرات. فأفغانستان هي أكبر مزرعة ومصنع للمخدرات في العالم. والاقتصاد الأميركي كله أصبح مرتهناً بـ «الاقتصاد» المخدراتي ومرتكزه الرئيسي أفغانستان. ولذلك فإن السيطرة المباشرة على افغانستان تصبح قضية حياة أو موت بالنسبة للنظام الاقتصادي - الاجتماعي - السياسي - الأمني - العسكري الأميركي برمته.

ب - السبب الجيوبوليتيكي: في ما مضى، بعد أن استولى العثمانيون على القسطنطينية بنوا فيها ألف جامع، ولكن هذا لم يمنحهم أي دور رسالي اسلامي، بل كرسهم كمستغلين للدين من أجل التسلط والنهب والسبي، وأميركا اليوم تملك بروباغندا هائلة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، ولكن هذه الآلة لا تعطي أميركا أي ميزة حضارية أو ثقافية أو انسانية رسالية، بل تكرس كذبها على شعوب ودول العالم بأسرها، لأجل مصالحها الشوفينية، التسلطية والاحتكارية. وإذا استثنينا اسرائيل والصهيونية العالمية، فليس للامبريالية الأميركية أي «صديق عضوي» يلتزم بها التزاماً تاماً. فكل «أصدقاء» أميركا، في الحلف الأطلسي وخارجه، هم «أصدقاء مصلحة» موقتون، أو «اصدقاء» بالقوة (قوة الاملاء الاقتصادي والسياسي والأمني - والاستخباري والعسكري، الاحتلالي أو شبه الاحتلالي). لذلك فإن جميع «أصدقاء» اميركا اليوم، باستثناء اسرائيل، هم أعداء محتملون غداً. والمسألة مسألة وقت ليس أكثر. وقد ملكت الإدارات الأميركية المتعاقبة من العنجهية انها جعلت التوجه الطبيعي لكل دولة الى التطور والتقدم مرهوناً بالصراع الضمني أو المكشوف للتحرر من ربقة السيطرة الأميركية. وقبل انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة «السوفياتية» السابقة، وتحرر الدول الصديقة لأميركا من عقدة الخوف من «بعبع الشيوعية»، فإن خط التوجه العالمي للتحرر من الربقة الأميركية ازداد شدة واتساعاً. الآن، وإضافة الى العدو التاريخي الدائم: روسيا، فإن «العالم الأصفر»: اليابان والصين والهند الصينية وكوريا، هو مجموعة أعداء محتملين لأميركا، كما ان شبه القارة الهندية (الهند وباكستان وبنغلادش) تتحفز للتقدم والاضطلاع بدور اكبر على الساحة الدولية، دور يتماشى مع حجمها وكونها امماً شابة متحفزة. وجميع شعوب شبه القارة الهندية لا تمتلك أي ذكريات طيبة لا عن الاستعمار البريطاني ولا عن وريثته الشرعية اميركا. وأخيراً وليس آخراً هناك العالم الإسلامي الكبير، الغني بالثروات الطبيعية (وما نتج منها من أرصدة ضخمة في البنوك الأميركية والأوروبية) والمترامي الأطراف، والذي يمتلك علاقات وثيقة لا انفكاك فيها (على رغم التناقضات العارضة من وجهة النظر التاريخية) مع روسيا (من خلال عشرات ملايين المسلمين في دول الاتحاد السوفياتي السابق وفي روسيا ذاتها، وفي المقابل عبر ملايين المسيحيين الشرقيين العرب) ومع شبه القارة الهندية (عبر باكستان وبنغلادش و250 مليون مسلم في الهند ذاتها) ومع شعوب القارة الافريقية (عبر جميع حالات ومقتضيات: الجوار والمعايشة والاختلاط). وسارت غالبية الفئات الحاكمة في الدول العربية والإسلامية في ركاب السياسة الغربية بعامة والأميركية بخاصة، ولكنها في المقابل نالت ما نالت من التهميش والإذلال على يد السياسة الأميركية التي فضلت اسرائيل على العالم العربي والإسلامي بأسره، بما في ذلك أو بالأخص «اصدقاء» اميركا انفسهم. وصار من المنطقي ان يجد خط التوجه الى التحرر من ربقة الهيمنة الأميركية انصاره في صفوف الحكام العرب والمسلمين انفسهم. وهذا لوحده يشكل خطراً مصيرياً على المصالح الأميركية في المنطقة وفي العالم وفي داخل اميركا بالذات.

في السابق كانت السياسة الخارجية الأميركية تتمحور على ما كان يسمى «العداء للسوفيات» والحرب الباردة والمواجهة بين القطبين، الغربي بقيادة اميركا والشرقي بقيادة روسيا. اليوم تشعر اميركا أكثر فأكثر بأنها محاصرة ومطوقة بمجموعة اعداء فعليين ومحتملين، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، بشخص روسيا والصين والهند وباكستان واليابان وإيران والسعودية ومصر وفلسطين ولبنان وغيرها من دول العالم الروسي – السلافي والصيني – الياباني والهندي – الباكستاني والعربي – الإسلامي. وأميركا، هي جغرافياً، بعيدة آلاف الكيلومترات عن هذه العوالم، وكانت تفرض حضورها الاستراتيجي الدولي من خلال اسرائيل أولاً، والقواعد والأساطيل الحربية الأميركية، ثانياً. ولكن الفشل الذريع لإسرائيل بمواجهة المقاومة الإسلامية بقيادة «حزب الله» في لبنان، وفشل تجربة الاحتلال الأميركي للعراق، وضعا في مهب الريح كل الحضور الاستراتيجي الأميركي، وبالتالي إمكانية لجم أي عدو محتمل في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد.

من هنا تتأتى الأهمية الاستراتيجية الدولية لأفغانستان، التي تقع في وسط العوالم الروسي والصيني والهندي والعربي – الإسلامي. وفي السابق كانت روسيا القيصرية، فالسوفياتية، تلتزم سياسة حسن الجوار مع افغانستان، مقابل احتفاظ البلاد (بصرف النظر عن نظامها الاجتماعي الملكي – العشائري المتخلف) باستقلال فعال في ما بين روسيا والدول الغربية. وفي 1974 أطاحت القوى الديموقراطية الأفغانية الحكم الملكي. ولم تستطع القيادة السوفياتية ان تجد لغة مشتركة مع تلك القوى. وأياً كانت اعتبارات وحسابات القيادة السوفياتية حينذاك، فقد تدخلت في افغانستان في 1979 وهي تحسب أنها تمنع وقوع البلاد في قبضة الدول الغربية. ولكن عملياً فإن التدخل السوفياتي ادى الى سحق القوى الديموقراطية الأفغانية وإلى هيمنة القوى «الإسلامية» المتحالفة مع اميركا، وفي النتيجة الى وقوع افغانستان في قبضة الامبريالية الأميركية والحلف الأطلسي. ومثلما استوعب الغزاة الاستعماريون الأنغلو ساكسون بالتدريج، أهمية اكتشاف كريستوف كولومبوس لأميركا، فإن الغزاة الاستعماريين الأميركيين أخذوا بالتدريج يكتشفون الأهمية الاستثنائية لأفغانستان بعد احتلالها في اعقاب أحداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001 بحجة «مكافحة الإرهاب».

والآن تعمل القيادات العسكرية الأميركية لتحويل افغانستان الى اضخم وأكبر مجمع عسكري استعماري في التاريخ، حيث ستحتشد، وبمختلف الحجج وتحت مختلف التغطيات، الغالبية الساحقة من القوات الأميركية: المشاة، والمدفعية، والسلاح الصاروخي، والمدرعات، والطيران، والأسلحة غير التقليدية (النووية، الجرثومية، الكيماوية وغيرها)، أي كل الأسلحة باستثناء الأسلحة البحرية التي ستتكدس كالسردين في المحيط القريب لأفغانستان، من البحر الأبيض المتوسط الى بحر العرب الى بحر الصين الى البحر الأسود. وتعمل القيادات الأميركية لإشراك الحلف الأطلسي في هذا المخطط، كديكور سياسي ليس أكثر، من جهة، ولتطمين الحلفاء الأوروبيين، من جهة ثانية، بأنهم ليسوا مستهدفين، وأنهم لا يزالون «حلفاء» و «شركاء» لأميركا. وفي الوقت الذي سيكون فيه للاحتلال الأميركي الكاسح والواسع النطاق لأفغانستان دوره الحاسم في تكريس تحول هذا البلد نهائياً الى أكبر مزرعة مخدرات في العالم، فإن سيطرة الاحتكارات الأميركية على تجارة المخدرات ستمكن من تغطية قسم كبير أو القسم الأكبر من النفقات العسكرية الأميركية في افغانستان. وهكذا فإن الاحتلال سيتحول هو ايضاً الى مشروع تجاري، وسيستطيع الرئيس الأميركي، اوباما او غيره، ان يتباهى على شاشات التلفزيون، أنه يؤمن «فرص العمل» لملايين وعشرات ملايين الأميركيين، كضباط وجنود ومهندسين وعاملين آخرين في القوات المسلحة الأميركية، وكمهندسين وعمال وعاملين آخرين في الصناعات الحربية الأميركية والصناعات المرتبطة بها، وكعاملين في الصناعات الخفيفة والخدمات (المأكولات والمشروبات والألبسة وخدمات الترفيه) في خدمة القوات المسلحة الأميركية «المغتربة»، هذا عدا العاملين في إطار صناعة وتجارة وتوزيع المخدرات في اميركا وأوروبا وانحاء العالم الأخرى، مما سيدر على الاحتكارات الأميركية ألوف بلايين الدولارات (أي اكثر حتى من النفط والغاز). وسيقتضي هذا المخطط ان يتحول بناء البنتاغون نفسه الى «صورة رمزية» لا أكثر، أما المقر الفعلي للقيادة العسكرية العليا، والقيادة الاستخباراتية العليا، لأميركا، فسينتقلان الى افغانستان، جنباً الى جنب «القيادة المالية» ايضاً.

والهدف الجيوبوليتيكي المركزي لهذا المخطط الأميركي الضخم هو، إضافة الى كونه «مشروعاً تجارياً» هائلاً: تعزيز الهيمنة الأميركية – الصهيونية على العالم، والتهديد الضمني والمباشر لكل دولة أو مجموعة دول تتجرأ على رفع رأسها لتحدي هذه الهيمنة.

* كاتب لبناني مقيم في بلغاريا

===============================

تركيا بعيون إسرائيلية...من «الحليف الاستراتيجي» إلى «محور الشر» .. عريب الرنتاوي

الدستور

قليلة هي الطرق السالكة بين أنقرة وتل أبيب ، فالعلاقات بين "الحليفتين الاستراتيجيتين" تزداد تدهورا وتراجعا ، ويوما إثر آخر ، تتسع الفجوة بينهما وتزداد "خطورة".إسرائيل خرجت عن طورها ، وتخطت ما كانت تسميه "ضبط النفس" ، وأخذ سياسيوها ومحللوها ، يكيلون الاتهامات لتركيا ، لا سيما الاتهام بأنها تنتقل تدريجيا إلى "محور الشر" ، في إشارة إلى إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس ، وبلغت الغطرسة ببعض الكتاب الإسرائيليين حد التنبوء بعودة تركيا إلى عصر "الرجل المريض" لا لشيء إلا لأنها أخذت تغادر مربع التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل ، لكأن العلاقة مع الدولة العبرية هي المصدر الوحيد للصحة والعافية اللتين تمتعت بهما تركيا في العقد الأخير خصوصا.والحقيقة أن ثمة أسبابا عميقة ، فعلت فعلها على ضفتي المعادلة التركية - الإسرائيلية ، وجعلت عودة عقارب الساعة للوراء أمرا متعذرا ، فتركيا التي ترفض أن تسمى سياساتها الخارجية الجديدة والتي تحمل اسم "مبدأ أحمد داود أوغلو" بـ"العثمانية الجديدة" ، قررت تصفير خلافتها مع دول الجوار ، وتنمية علاقاتها الاقتصادية والتجارية معها ، ورفع كافة الحواجز والعوائق التي تحول دون تمتع بالحريات الأربع مع هذه الدول: حرية تنقل السلع والأفراد والرساميل والخدمات ، وتركيا تريد أن تكون عقدة اتصالات ومقصد سياحة وبؤرة إشعاع فني وثقافي ودرامي ، ومحطة ترانزيت وتوزيع للنفط والغاز المتدفق إلى أوروبا من قزوين والأسود وإيران والخليج والعراق.أما على المستوى السياسي فإن أنقرة تسعى في لعب أدوار في مختلف ملفات المنطقة وأزماتها المفتوحة ، من فلسطين إلى العراق مرورا بمفاوضات السلام والمصالحة الفلسطينية وحصار غزة وسلام سوريا وإسرائيل وعلاقات دمشق ببغداد ، وصولا إلى أفريقيا والصومال والقرن الأفريقي وصعدة واليمن ، عطفا على القوقاز وآسيا الوسطى والبلقان.كل ذلك ، من دون أن تسقط أنقرة رغبتها في الانضمام للاتحاد الأوروبي ، وسعيها الجاد لتلبية معايير العضوية وشروط كوبنهاجن ، فتركيا المنفتحة على خصوم الأمس وحلفائه ، لن تغادر مسرحا أو تفرط بفرصة لتعظيم دورها وتنمية مصالحها ، فما بالك حين يتصل الأمر بعضوية الاتحاد الأوروبي التي ستمنح تركيا وزنا مماثلا لأوزان بريطانيا وفرنسا وألمانيا في تقرير سياسة الاتحاد وتوجهاته إن هي انضمت إليه ، بفعل وزنها الديموغرافي الهائل.أمام كل هذه التوجهات والأولويات ، تحتل إسرائيل مكانة متضائلة في سلم الأولويات التي تشغل الأجندة التركية ، ولم يعد إرضاء تل أبيب سوى واحد من معايير عدة وضوابط كثيرة ، وليس أهمها ، تأخذها السياسة الخارجية بنظر الاعتبار وهي ترسم خطوطها وتنسج خيوطها.ومع دخول الرأي العام كلاعب مهم في عملية صنع القرار التركي ، ومع تنامي المشاعر المناهضة لإسرائيل في أوساطه والمتضامنة مع الفلسطينيين والعرب ، تجد حكومة أنقرة نفسها مرغمة كما قال رئيسها ، على التعبير عن "نبض شعبها" وتطلعاته ، فتركيا اليوم تعيش تجربة ديمقراطية حقيقية ، وتقدم انموذجا في الحكم المستند إلى "مرجعية إسلامية عامة" لم تبلغها بعد أي حركة إسلامية في العالم العربي ، وتركيا اليوم لم تعد ساحة لاستعراض عضلات المؤسسة العسكرية أو لاختبار دورها في تشكيل الحكومة واختيار الرئاسات ، تركيا اليوم تقدم انموذجها الخاص الذي يمكن أن يكون قدوة حسنة للحركات الإسلامية في بلادنا.مقابل ذلك ، بدت إسرائيل في السنوات الأخيرة في أبشع صورها ، فهي موضع غضب وسخط الرأي العام الدولي ومنظماته الحقوقية ، وحروبها القذرة على لبنان وقطاع غزة وما تخللهما من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، جعلت منها موضع غضب وسخط الرأي العام والقيادة التركية سواء بسواء ، وهذا ما أوجب الافتراق وأحدث التدهور في العلاقات الثنائية.ليس متوقعا أن تنحدر العلاقات بين أنقرة وتل أبيب إلى مستوى القطيعة الكاملة أو التأزم الحقيقي ، فليس لتركيا أو إسرائيل مصلحة في ذلك ، لكن عهد العلاقات الخاصة والمتميزة بينهما ولّى إلى غير رجعة ، ومن المنتظر أن تلعب تركيا دورا ملهما على صعد عدة في العالم العربي ، بل وهي مرشحة للاضطلاع بأدوار قيادية بعد أن أنكفأت أدوار العواصم العربية الكبرى ، أو بعضها على الأقل.

===============================

البيان :السياسة الأميركية.. أسلوب جديد لأهداف قديمة

بقلم :حسين العودات

تفاءلت معظم شعوب العالم و(حكامها) بانتخاب الرئيس باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، ذلك أن هذه الشعوب وربما حكوماتها أيضاً كانت تئن من وطأة سياسة إدارة الرئيس السابق جورج بوش وأساليبها، حيث استغلت هذه الإدارة ومحافظوها الجدد فرادة بلادهم (بالقوة والهيمنة).

ورغبتها قيادة العالم وحيدة، وأرادوا الاستفادة من الظروف التي تحققت من خلالها الزعامة الأميركية للعالم، لفرض آرائهم وسياساتهم التي لا ينقصها الصلف وحب السيطرة والرغبة بالتحكم بالعالم (بصغيراته وكبيراته)، وإقامة نظام جديد مفروض على العالم كله، خلاصته إلغاء حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومنعها من المطالبة بحقوقها، وتحويلها إلى خادمة ومعينة للسياسة الأميركية.

وخاضعة لاحتكاراتها، ومرحبة بالاستغلال الأميركي، وسعيدة بإلغاء ثقافتها وهوياتها الوطنية ومساهماتها ببناء الحضارة الإنسانية، أي تحويل حكومات العالم إلى (ملتزمة) تقديم الخدمات، وشعوب العالم إلى عمال تراحيل.

ولم تكن شعوب الأرض، لا المتقدمة منها ولا النامية، تقبل بهذه السياسة التي رغب المحافظون الأميركيون الجدد فرضها، وإن لم يستطع أحد في عالمنا الصراخ رافضاً هذه الإملاءات علناً، والعمل ضدها ومقاومتها، فقد رفضها بقلبه وهو أضعف الإيمان.

ولذلك رحب كثيرون في كل أصقاع الأرض بسقوط إدارة بوش ونجاح إدارة أوباما، التي طرحت أسلوباً جديداً لتطبيق سياستها في العالم هو أسلوب الحوار، ورفض الإملاء، وأكدتـ بالنسبة للموقف من القضايا العربية والإسلامية ـ على احترام الدين الإسلامي والثقافة العربية واتباع أسلوب الحوار معهما، وهذا ما قاله الرئيس أوباما في كلمتيه الموجهتين للعرب والمسلمين اللتين أطلقهما من تركيا ومن القاهرة.

ورغم الحذر لدى عديد من الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية العربية والإسلامية من السياسة الأميركية بشكل عام، ومن الوعود الأميركية التي أطلقتها الإدارات المتتابعة والمرشحون للرئاسة بشكل خاص، فإن التفاؤل كان هو الغالب على مواقفها، لكن الجميع انتظروا قرب تعديل هذه السياسة، سواء منها ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي والاحتلال والاستيطان، أم ما يتعلق بالقضايا الأخرى كالتواجد العسكري في العراق وأفغانستان، والتعاون الاقتصادي واحترام الثقافة والهوية وغيرهما.

والاهتمام الكلي بالحوار، وعدم ممارسة الضغوط، واحترام مصالح الشعوب الأخرى والتعاون معها بل ومساعدتها، وما زالوا ينتظرون دون أن يلمسوا ما يشفي غليلهم.

لذلك بدأ التفاؤل العربي والإسلامي يذبل مع مؤشرات تراجع سياسة الرئيس أوباما وإدارته وتجاهله وعوده أو الالتفاف على هذه الوعود بما يغطي تراجعها، وبدأت الخيبة تكبر، والضغوط الأميركية تستأنف رحلتها التاريخية وتكاد (حليمة أن تعود لعادتها القديمة)، ولعل تراجع الموقف الأميركي من الاستيطان الصهيوني والمحادثات الفلسطينية الإسرائيلية.

والمفاوضات السورية الإسرائيلية، والضغوط على السلطة الفلسطينية لتأجيل بحث تقرير غولد ستون المتعلق بجرائم إسرائيل في غزة، وبلع الإهانات التي أطلقها نتانياهو تجاه هذه الإدارة، وتمرد الحكومة الإسرائيلية للمرة الأولى في تاريخها على الإدارة الأميركية دون الخشية من عقاب، لعل هذه كلها مؤشرات على التراجع الأميركي وذبول الوعود ومبرر تبخر التفاؤل العربي والإسلامي.

يبدو أن بعضنا كان مخطئاً عندما ظن أن الرئيس أوباما قادر على تنفيذ آرائه وتغيير سياسة بلاده، فقد تناسينا أن السياسة الأميركية هي حصيلة مصالح أحزاب واحتكارات وشركات، من شركات صناعة السلاح إلى الاحتكارات النفطية والصناعية والشركات المالية والعقارية، ومؤسسات راسخة الجذور شريكة رئيس في صنع القرار (كوزارتي الدفاع والخارجية) ولا يصنع هذه السياسة رئيس بمفرده، ولن يستطيع أي رئيس فرض أفكاره أو مواقفه كما هي الحال في عدد من الدول النامية، وبالتالي فالرئيس أوباما هو قوة واحدة من قوى عديدة ومتعددة تصنع السياسية الأميركية هي قوة الشرعية الدستورية، وأي تغيير محتمل في هذه السياسة سيكون بالشكل لا بالمضمون، وبالأسلوب لا بالأهداف.

مسألة أخرى هي في الواقع افتراض يقول أن نقاط القوة التي جاءت بالرئيس أوباما كانت رداً على المحافظين الجدد، حيث أراد الديمقراطيون والشعب الأميركي من خلالها تأكيد انفتاحهم وديمقراطيتهم وبعدهم عن العنصرية، كون المرشح من أصول إفريقية، وأبوه مسلماً، ومن طبقة فقيرة.

وليس واحداً من أغنياء الولايات المتحدة واحتكارييها، لكن نقاط القوة هذه تشكل نقاط ضعف للرئيس الذي ربما (بشكل غير مباشر) يريد أن يثبت أن سياسته هي سياسة الأميركيين البيض أنفسهم وليست بعيدة عن مصالح الشركات والاحتكارات والمؤسسات الطاغية في الإدارة وغيرها. واستطراداً فإن سياسته الإسلامية والعربية غير متأثرة بمشاعره تجاه الإسلام أو العرب فيما إذا كانت موجودة وإيجابية.

وعلى ذلك فربما يزايد (بشكل غير مباشر أيضاً) على من لهم رأي آخر وموقف آخر، ولم يبق من سياسته سوى التأكيد على أسلوب الحوار، والذي هو بدوره سيف ذو حدين، فسياسة الحوار لا تتجزأ سواء كانت مع العرب أم مع الإسرائيليين، ومن الصعب نظرياً الرد على هذا المبرر إن احتجت به الإدارة.

من المؤكد أن العرب والمسلمين (شعوباً وحكومات) يتمنون أن لا يتراجع الرئيس عن سياسته التي أعلنها فور انتخابه تجاه قضاياهم، وأن لا تخيب آمالهم فيه وفي إدارته وفي الولايات المتحدة كدولة كبرى غنية وقوية عليها واجب العمل لتطبيق العدالة والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والاعتراف بحقوق الشعوب وحقوق الإنسان ودعمها وصولاً إلى عالم آخر يسوده العدل والسلام، ولكن المؤشرات جميعها تؤكد ـ مع الأسف ـ أن التفاؤل العربي لم يكن مبنياً على أسس متينة، ويبدو أنه على وشك الانهيار، لأن التغيير الذي تم ويتم هو فقط في الأسلوب وليس في الأهداف.

*كاتب سوري

===============================

عودة الى دور الفرد

المستقبل - السبت 17 تشرين الأول 2009 - العدد 3455

عبدالإله بلقزيز

ثار جدل غني، في الفكر المعاصر، حول دور الفرد في التاريخ ولا تكاد تجد في "مدارس" الفكر السياسي الحديث من لم تخض في هذا الجدل، بصورة أو بأخرى، مقترحة تصوراً أو جواباً عن قيمة وحجم ذلك الدور المفترض. بل إن نظريات ـ بعينها ـ انفردت بصياغة أطروحات كاملة في الموضوع تحوّلت الى عنوان رئيس ورسمي لها (أعني النظريات) وقد حدث ذلك في الحالتين المفترضتين جواباً عن سؤال العلاقة بين الفرد والتاريخ: أي في حالة التنويه بمركزية ذلك الدور وبناء قراءة لوقائع التاريخ على فرضيتها، أو في حالة الانتقاص من قيمته واستبعاد الاعتراف بأي أثر له.

تساوق هذا الانشغال "النظري" مع تضافر جملة من الحوادث التاريخية الكبرى لعب في تضاعيفها أفراد معينون ـ غالباً ما كانوا زعماء سياسيين ـ أدواراً حاسمة ورائدة تراءت لكثيرين مناسبة للاعتقاد في قدرة الأفراد على صناعة التاريخ. وقد كانت الثورات السياسية والاجتماعية الكبرى أكثر تلك الحوادث تعبيراً عن مناسبة ذلك الاعتقاد. بل هي حملت بعضاً ممن يفترضون ذلك الدور (الكاريزمي) للأفراد على إقامة نوع من أنواع التلازم بين تلك الثورات والزعماء الذين رشحتهم أحداثها الساخنة الى احتلال واجهة الإعلام بها. هكذا تداخلت صورة الثورة الفرنسية ـ مثلاً ـ بصورة بونابارت، وصورة الوحدة الألمانية بصورة بسمارك، وصورة الثورة الروسية بصورة لينين، والصينية بماو تسي تونغ، والفييتنامية بهو شي منه، والمصرية بجمال عبدالناصر... إلخ، وغدت أحداث هذه الثورات وما أعقبها ونتج عنها قابلة للقراءة من مدخل شبه وحيد هو مدخل التماهي بينها وبين القدرات الفذة للزعماء الذين أداروا دفتها.

وكما وجدت هذه الوقائع ـ التي تداخل فيها عمل الأفراد مع تفاصيل منعطفاتها الضخمة ـ من بنى عليها "نظرية" الدور الرائد للزعيم في التاريخ، وجدت ـ في المقابل ـ من كان على استعداد لتحجيم أثر العوامل الذاتية (الفردية) في صناعة التاريخ، وذلك بإعادة مَوْقَعَة تلك الأدوار داخل نسيج تلعب فيه العوامل الموضوعية ـ الاجتماعية والسياسية ـ الدور الحاسم والعميق. ففي مواجهة شَخْصَنَة التاريخ والبحث في أفعال صانعيه عن "روح" يمثلها قائد "ملهم"، مشبع بقيم الفروسية البطولية، انتصبت صورةً من التحليل وضعت "الزعيم" في موقعه الطبيعي من البنى التي ينتمي إليها (الطبقية، أو المجتمعية، أو القومية). وفي سياق الآليات الكبرى العميقة التي تتخطى ـ في اشتغالها ـ إرادة الأفراد وقدراتهم، لتعيد ـ بالتالي ـ تأويل الأحداث تأويلاً موضوعياً بعد أن تنزع عنها فرضية البطولة الفردية والكاريزما الشخصية.

... و"الحقيقة" أن المتأمل في مادة هذا الجدل وفرضياته، يستطيع أن يعاين ضيق المسافة بين الأطروحتين بعكس ما يبدو من شقاق وتنافر بينهما. وليست تلك المعاينة الشاهدة على ضيق المسافة بينهما سوى الثمرة "النظرية" الطبيعية لفهم حوادث التاريخ من مدخل منهجي يعيد الاعتبار لفكرة التداخل والتجاور بين العوامل الذاتية ـ ودور الفرد جزء منها ـ وبين العوامل الموضوعية، على حساب فكرة ترجيح إحداها، ترجيحاً قسرياً، على الأخرى انتصاراً لمنهج على آخر مما اعتاد عليه كل خطاب فكري في الصراع الإيديولوجي من أجل إثبات الذات!

في سياق هذه القراءة الجدلية، نستطيع الاعتراف بتداخل دور الفرد مع دور العوامل الموضوعية في صناعة التاريخ. صحيح أن الفرد ليس تمثيلاً مطلقاً لـ"الروح" الجمعي لدى الأمة على ما ذهب الى ذلك هيغل والفينومينولوجيا المعاصرة. لأن في ذلك تعالياً به الى سدة الميتافيزيقا حيث يمتنع التاريخ عن أن يكون فضاء مادياً لأفعال واقعية. وصحيح أن الفرد ليس محض قطعة باردة في رقعة شطرنج قابلة للتوظيف البنيوي الخارجي من دون فعالية ذاتية على ما ذهبت الى ذلك بعض لحظات المادية التاريخية أو البنيوية الميكانيكية. ومع ذلك، فلمسة الفرد في تفاصيل التاريخ بيّنة لا غبار عليها، بمقدار ما هو منضبط على إيقاع حركة التطور الموضوعي التي تتجاوزه بعد أن تصهره في مصهرها، ولنا أن نفترض ـ مثلاً ـ ماذا كانت ستكون عليه الأمور في روسيا السوفياتية، غداة وفاة لينين، لو آلت الأمور الى تروتسكي أو بخارين أو كامينيف أو زينوفييف بدل ستالين؛ وماذا كانت ستكون عليه في الصين، غداة وفاة ماو تسي تونغ، لو حكمت "عصابة الأربعة" بدل دينغ كسياو بينغ وهوا كوفينغ؛ وماذا لو أمهلت السكتة القلبية القاتلة جمال عبدالناصر عشر سنوات أخرى؛ وماذا لو انتخبت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي ليغاتشيف بدل غورباتشوف بعد وفاة قسطنطين تشيرنينكو؛ وماذا لو نجح غينادي ياناييف وفريقه في الاحتفاظ بالسلطة بعد الانقلاب على غورباتشوف... إلخ؟ ربما كان صعباً أن تتغير الأحداث في روسيا البلاشفة وفي صين الشيوعيين وفي مصر الناصرية وفي موسكو البيرسترويكا... ولكن قطعاً ما كانت الأحداث لتجري بنفس ما جرت به، وبالسرعة التي تمت بها فقادت روسيا الى الدموية الستالينية المرعبة، وقادت الصين الى رأسمالية "العصرنات الأربع"، وقادت مصر الى "الانفتاح" و"كامب ديفيد"، والاتحاد السوفياتي الى الانفراط!

===============================

القبس : أرمينيا- سوريا- إسرائيل:  معادلات تركيا الصعبة

أنقرة– حسني محلي:

شاء القدر لسويسرا أن تستضيف اجتماع المصالحة التركية- الأرمينية، بعد عداء تاريخي طويل، حيث يتهم الأرمن الأتراك العثمانيين بقتل وتشريد أكثر من مليون من أجدادهم (1914-1918). وكان سبق لسويسرا أن أصدرت (قبل عامين) قانونا يقضي بسجن كل من ينكر الادعاءات الأرمينية لمدة عام وتغريمه 30 ألف يورو.

في عام 1923 استضافت سويسرا مؤتمر لوزان الذي قضى بقيام الجمهورية التركية الأتاتوركية الجديدة.

هذا ما يفسر حرص وزيرة خارجية سويسرا، ميشلين كالمي، على التنسيق مع نظيرتها الأميركية هيلاري كلينتون من أجل إنجاح اجتماع المصالحة الأرمينية- التركية في زيورخ، والتوقيع على «اتفاقية إنهاء العداوة». وقد أعلنت تركيا أن برلمانها سيناقش الاتفاقية تمهيدا للتصويت عليها هذا الأسبوع.

 

دبلوماسية كرة القدم

كان الرئيس الأرميني، سيرج سركيسيان، زار تركيا وحضر مباراة كرة القدم بين منتخب بلاده ومنتخب تركيا (في بورصة- شرق)، سبقه الى ذلك نظيره التركي، عبد الله جول، الذي كان زار العاصمة الأرمينية يريفان، مفتتحا صفحة جديدة من العلاقات والحوار المباشر. وكانت هناك سلسلة من الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين البلدين منذ عام 2003. فالمسؤولون في أنقرة لم يتركوا فرصة (منذ زمن) دون أن يسعوا فيها للتقرب من يريفان- التي يعرف الجميع أن قادتها تحت تأثير وضغط الجاليات الأرمينية المنتشرة في أرجاء أوروبا وأميركا بشكل خاص. لذا، حرصت أنقرة على التنسيق مع واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي، خاصة باريس، في هذا الموضوع.

جاءت زيارة جول، المفاجئة، إلى يريفان يوم 6 سبتمبر 2008 لتضع القيادات الأرمينية أمام الكثير من التحديات وفي مواجهة مع الرأي العام الداخلي والخارجي. لا سيما تشكيك كثير من الارمن بأن هدف الاتفاقية هو الهروب من الملاحقة الخاصة بالمجازر التي ارتكبت بحق أجدادهم.

 

إقليم كاراباخ.. المعضلة

كما لم تخف أنقرة قلقها الدائم من أحاديث بعض الأوساط القومية الأرمينية عن حق الأرمن التاريخي في بعض أجزاء تركيا الحالية، ومنها جبال آرارات. وجاء احتلال الأرمن لإقليم كاراباخ وسبع مدن أذربيجانية مجاورة ليزيد المشكلة بالنسبة لأنقرة، التي تعرف جيدا أنه من الصعب أقناع الشارع التركي في أي موضوع مع أرمينيا دون ضمان انسحابها من الأراضي الأذربيجانية المحتلة، باعتبار أن الأخيرة دولة إسلامية ذات أصول تركية، وأن التضامن مع أذربيجان «قضية قومية» بالنسبة للدولة والأم التركية. وهذا ما يفسر الفتور والتوتر في العلاقات بين أنقرة وباكو عقب التوقيع على اتفاقية المصالحة التركية- الأرمينية. فقد عبر المسؤولون الأذربيجانيون عن «خيبة أمل» من عدم تطرق الاتفاقية إلى موضوع إقليم كاراباخ والأراضي الأذربيجانية التي يحتلها الأرمن.

ويتوقع المراقبون أن تستنفر واشنطن وموسكو والعواصم الأوروبية كل إمكاناتها من أجل حل هذه المشكلة لأهميتها بالنسبة للجميع- سياسيا وأمنيا واقتصاديا. فواشنطن وموسكو تريان في المصالحة الأرمينية- الأذربيجانية بعد المصالحة التركية- الأرمينية فرصة مهمة لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة القوقاز عموما بعد أن دعمت العواصم الغربية سياسات روسيا في الشيشان وغضت النظر عن انتشارها الجديد والقوي في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، خصوصا في قرغيزيا وكازاخستان وأوزباكستان.

 

معارضة أرمينية

الدعم الأميركي والروسي والأوروبي للمبادرات التركية لا يعني بالضرورة أن الأمور ستكون سهلة بالنسبة للجميع. فهناك الكثير من الأرمن يرون في الاتفاقية «انتصار» للدبلوماسية التركية و«هزيمة تاريخية» لهم. فالاعتراف بالحدود الدولية بين البلدين يعني «تجاهل الحق التاريخي» للأرمن في الأراضي التي كانوا يسكنون فيها قبل تهجيرهم عام 1915. ويقول المعارضون إن التبادل الدبلوماسي وفتح الحدود «لم ولن يعني» أي شيء بالنسبة للأرمن الذين لا يملكون مقومات التصدي للانفتاح التركي الاقتصادي والتجاري والثقافي والنفسي المحتمل على أرمينيا وعبر القوقاز عموما، خصوصا مع وجود نحو 50 ألف مواطن أرمني- تركي يعيشون على الأراضي التركية منذ مئات السنين.

 

مع الأتراك ضد الأرمن

حظي الرأي التركي بدعم مباشر من منظمات اللوبي اليهودي في أميركا التي تصدت منذ بداية التسعينات من القرن الماضي لمحاولات اللوبي الأرمني لتمرير قانون في الكونغرس الأميركي يعترف بالمجازر الأرمينية.

وحققت تل أبيب من خلال الدعم اليهودي هذا العديد من الامتيازات والأوليات في علاقاتها مع تركيا التي بدأت عسكريا واستخباراتيا عام 1979 بتوقيع اتفاقية تعاون عسكري، أرادت أنقرة من خلالها الضغط على سوريا آنذاك بحجة أنها تؤوي زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. ثم بدأت الشركات العسكرية الإسرائيلية بعد ذلك بتحديث وتطوير المئات من الطائرات الحربية التركية، وباعت ما قيمته المليارات من الدولارات من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة استخدمها الجيش التركي في حربه ضد «العمال الكردستاني». واستغلت تل أبيب الفرصة لتطوير علاقات استراتيجية مع أنقرة، وبموجب الاتفاقيات المذكورة استطاعت الطائرات الإسرائيلية الحربية تنفيذ تدريبات في الأجواء التركية على اعتبار أن التضاريس هناك تشبه التضاريس السورية والإيرانية.

وجاء تولي حزب العدالة والتنمية السلطة نهاية عام 2002 ليضع العلاقات التركية- الإسرائيلية أمام تحديات استراتيجية. فقد رفض أردوغان استضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون في أنقرة، ووصف إسرائيل بالدولة الإرهابية عندما قتلت زعيم حماس الشيخ أحمد ياسين (مارس 2004)، وبالمقابل، دعا خالد مشعل لزيارة تركيا (فبراير 2006)، وعبر لرئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت، خلال زيارته إلى أنقرة في أبريل 2007، عن استيائه من الحفريات الإسرائيلية المستمرة في القدس وخاصة قرب وحول وتحت الحرم الشريف.

 

المناورات العسكرية

وجاءت أحداث غزة الأخيرة وموقف أردوغان ضد الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس في دافوس ليضع النقاط الأخيرة في حسابات مستقبل العلاقات الإسرائيلية- التركية. وانعكس هذا الموقف على علاقات أنقرة مع تل أبيب، وبالتالي مع منظمات اللوبي اليهودي في أميركا التي هددت بشكل غير مباشر بعدم التصدي بعد الآن لمساعي اللوبي الأرمني لتمرير قانون المجازر من الكونغرس الأميركي. ودفع ذلك حكومة أردوغان للعمل بشكل جدي لحسم الموضوع والتخلص من الابتزاز اليهودي في موضوع الأرمن، خاصة بعد أن حصلت على دعم الرئيس أوباما في موضوع المصالحة مع يريفان. وهذا ما يفسر إلغاء التدريبات الجوية الإسرائيلية في الأجواء التركية اخيراً.

 

المعادلة الجديدة

الرد التركي على التهديدات والاستفزازات الإسرائيلية جاء سريعا وباللغة التي تفهمها تل أبيب، ومن خلال الاحتفال الكبير الذي أقامته الحكومة التركية على الحدود مع سوريا (الثلاثاء الماضي) لمناسبة التوقيع على اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين دمشق وأنقرة، وقررتا إلغاء تأشيرات الدخول بين الدولتين. وكان ذلك بدون شك سببا كافيا لاستفزاز إسرائيل التي هددت أنقرة بسبب قرارها إلغاء المناورات والتدريبات الجوية الإسرائيلية في تركيا التي ردت بشدة أكبر على التصريحات الإسرائيلية واستمرت في مواقفها المتشددة ضدها. كل ذلك لا يعني أن أنقرة ترى في معادلاتها الإقليمية الجديدة مع سوريا وإيران والعراق، وقبلها القاهرة ومجلس التعاون الخليجي بديلا لعلاقاتها مع أميركا والاتحاد الأوروبي، باعتبار أن إسرائيل لم تعد عنصرا أساسيا معها في أي من حساباتها الإقليمية والدولية. فحكومة العدالة والتنمية جعلت من تركيا دولة يضع الجميع لها ومن أجلها الكثير من الاعتبارات السرية والعلنية، خاصة بعد ان نجحت في جمع إسرائيل وسوريا على طاولة المباحثات غير المباشرة في اسطنبول، واستضافت وزيري خارجية إسرائيل وباكستان ومن ثم الرئيسين الأفغاني والباكستاني، وأخيرا المسؤولين البوسني والصربي وسط معلومات تفيد باحتمال انفجار الوضع الأمني من جديد في البوسنة والهرسك.

وجاء لقاء المصالحة التركية مع أرمينيا ليضع الغرب المسيحي أمام تحديات جديدة. وهو ما يفسر دعم أميركا وروسيا وفرنسا وسويسرا وجميع عواصم الاتحاد الأوروبي لهذا التوجه الجديد لحكومة أردوغان التي أقنعت الجميع أن ما تهدف إليه ليس فقط تصفية حسابات تاريخية مع الأرمن، بل وأيضا إغلاق جميع ملفاتها التاريخية مع جميع دول الجوار، لا سيما المسيحية منها (اليونان وجورجيا وبلغاريا وروسيا).

===============================

القبس : الدمقرطة والإصلاح الديني مفتاحان لحل طويل المدى

تراجع الجماعات الإسلامية المسلحة وأسبابه

بقلم عمر عاشور*:

«أسامة بن لادن ينبذ الإرهاب: فتوى جديدة تحرم مهاجمة الغرب». قد يبدو هذا الخبر الوهمي مستحيلا في المستقبل، بيد أن سلسلة من التطورات الميدانية ــ اصطُلح على تسميتها بـ «الديراديكالية» ــ ربما توحي بغير ذلك. «الديراديكالية»، أو عكس «الراديكالية»، هي عملية تغير نسبي تعكس خلالها جماعة سياسية تستخدم العنف سلوكها أو أيديولوجيتها أو الاثنين معا لتتوقف عن ممارسة العنف السياسي سلوكيا، وتحرم هذا السلوك أيديولوجيا.

 

قد أثبتت التطورات المعاصرة أن الإسلاميين المسلحين يمرون بمرحلة «الديراديكالية» كما يمر بها غيرهم من التيارات السياسية الأخرى، كاليساريين والقوميين والإثنوقوميين. فمنذ أواخر تسعينات القرن الماضي، تحولت جماعات وفصائل وقيادات جهادية وأفراد عدة باتجاه وقف العنف السياسي ــ في سلسلة تطورات فريدة من نوعها.

أدت عمليات الديراديكالية حتى الآن إلى تحول الآلاف من الجهاديين السابقين أو المتعاطفين معهم ليس فقط عن تأييد تنظيم القاعدة، بل إلى انتقاد سلوكه وأيديولوجيته كذلك. كما أدت إلى إقناع الكثير من المؤيدين والمتعاطفين بمساوئ الانضمام إلى التيار الجهادي ومنظماته. لقد حدثت عمليات الديراديكالية وإنهاء العنف السياسي على مستوى منظمات جهادية في مصر والجزائر وليبيا، وعلى مستوى فصائل وأفراد في السعودية، واليمن، والأردن، والعراق، وأفغانستان، وماليزيا، وسنغافورة، وإندونيسيا، ودول أخرى.

 

مصر: «الجماعة» و«الجهاد»

ففي مصر، أعلنت الجماعة الإسلامية وقفا لإطلاق النار من جانب واحد في يوليو 1997. وتحول هذا الإعلان إلى عملية ديراديكالية متكاملة في عام 2002، لتشمل مراجعة فكر الجماعة وسلوكها وبناءها التنظيمي. معروف أن الجماعة الإسلامية هي حليف سابق لتنظيم القاعدة، وقد شارك بعض أفرادها في عملية اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات في عام 1981. وعلى أقل تقدير، خططت الجماعة أيضا لخمس عمليات لاغتيال الرئيس المصري الحالي حسني مبارك، وقادت حركة تمرد مسلح في صعيد مصر بين عامي 1992 و1997، وهي الجماعة نفسها التي أدين مفتيها وبعض أنصارها في عملية تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993. وبحلول عام 2007، بات واضحا أن عملية التحول الديراديكالي قد نجحت. فقد أنتجت قيادة الجماعة حوالي 25 مؤلفا دعمت فيها التوجه السلمي الجديد للتنظيم بأدلة فقهية وعقلانية. وتضمن اثنان من هذه المؤلفات نقدا صريحا للقاعدة، واحتوى ثالث على نقد لنظرية «صراع الحضارات» وتأييد لحوار الثقافات. ثم ان عملية الديراديكالية ــ أو «المبادرة» كما يسميها أعضاء الجماعة ــ أزالت نحو 15000 عضو من الجماعة من معسكر مؤيدي القاعدة وحلفائها.

أما تنظيم الجهاد (وهو الحركة التي خرج منها الدكتور أيمن الظواهري والقادة الحاليون لفروع القاعدة في العراق وأفغانستان يوسف الدرديري ومصطفى أبو اليزيد)، فقد بدأت بعض قيادته عملية ديراديكالية داخل التنظيم. وقاد هذه العملية الأمير السابق للتنظيم الدكتور سيد إمام الشريف (المعروف بالدكتور فضل) وعبدالقادر بن عبدالعزيز. وألف الشريف كتابين لمراجعة أفكار الجهاديين، هما «وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم الإسلامي» و«التعرية». أحدث الكتابان رد فعل من قبل قيادة القاعدة المركزية، فرد الظواهري بكتاب «التبرئة» وببيانات أخرى عدة. وعلى رغم حالة التعبئة العامة لمناصرة عملية الديراديكالية داخل تنظيم الجهاد في مصر، فإن النجاح كان جزئيا فقط ــــ بعكس حالة الجماعة ــــ إذ إن ثلاثة فصائل، على أقل تقدير، لا تزال ترفض المراجعات الفكرية وبالتالي، فليس النجاح كليا بعد.

 

الجزائر: وقف العنف السياسي

أما في الجزائر، فالحالة مشابهة، لكنها ليست متطابقة. فعلى غرار الجماعة الإسلامية المصرية، أعلن الجيش الإسلامي للإنقاذ ــ يطلق على نفسه اسم الجناح المسلح للجبهة الإسلامية للإنقاذ ــ عن وقف لإطلاق النار في أكتوبر 1997. وتحول هذا الإعلان إلى عملية نزع سلاح وإنزال للمقاتلين الإسلاميين من الجبال لدمجهم في المجتمع الجزائري من جديد. لقد انضمت إلى تلك العملية فصائل من الجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة السلفية للدعوة والقتال ــ وهي الجماعة التي أصبح الفصيل الأكبر المنشق عنها يسمي نفسه «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وبعكس الحالة المصرية، لم تقدم الجماعات الجزائرية على إنتاج فكري يؤدي الى سحب بساط الشرعية من تحت أقدام العمل المسلح. لكن، على الرغم من ذلك، فقد أعلن مدني مزراق، الأمير السابق للجيش الإسلامي للإنقاذ، عن عزمه إقامة مؤتمر إسلامي يهدف إلى «اجتثاث العمل الإسلامي المسلح من الجزائر». كذلك، يعتبر حسان حطاب ــ مؤسس الجماعة السلفية ــ من مؤيدي وقف العنف السياسي في الجزائر.

 

استهداف الاشخاص

وفي ليبيا، بدأت الجماعة الإسلامية المقاتلة ــ وهي أيضا حليف سابق للقاعدة ــ في عملية الديراديكالية في 2006-2007. وقد عارضت بعض القيادات المقاتلة الحوار مع النظام الليبي، وكذلك فكرة إنهاء المعارضة المسلحة. وكان أبو ليث الليبي أشهر هذه القيادات. لكن، بمقتل الأخير في عام 2008، تمت إعادة تفعيل عملية الديراديكالية. لقد أدت هذه العملية مؤخرا إلى إعلان عبد الحكيم بلحاج (أبو عبدالله الصادق) ــ وهو أمير المقاتلة ــ عن الحوار مع النظام الليبي، وذكر الأسباب التي عطلت المفاوضات في 2007 و2008. وفي يوليو 2009، تم الإعلان عن إصدار كتاب يقع في 417 صفحة، تؤدلج فيه الجماعة لمنهجها الجديد. وقد دعمت هذا الكتاب، الذي سينشر خلال الأشهر القليلة المقبلة، نخبة من علماء الدين المسلمين، أشهرهم الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ سلمان العودة.

وفي السعودية، استطاع القائمون على برنامج «المناصحة» إقناع العشرات ممن ارتبطوا أو تعاطفوا مع القاعدة وغيرها من الجماعات التي تمارس الإرهاب، بنبذ العنف السياسي والفكر الجهادي. وعلى الرغم من أن البرنامج السعودي، على غرار نظرائه من برامج الديراديكالية في المملكة المتحدة وفرنسا وهولندا والعراق واليمن وأفغانستان وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وتايلاند، يستهدف الأفراد، وأحيانا فصائل صغيرة، فإنه لا يستهدف منظمات كاملة. وفي حال نجاح هذه البرامج، ينبذ الأفراد المستهدفون بالبرنامج العنف السياسي ــ بعكس النبذ الجماعي أو المنظماتي، كما هو الوضع في مصر والجزائر مثلا.

أما في العراق وأفغانستان، فلا تزال عمليات وبرامج نبذ العنف السياسي والديراديكالية قائمة، وإن كانت نتائجها لا تزال قيد التدقيق، فيما صوت العنف والراديكالية أعلى وأقوى حتى الساعة. لكن، على الرغم من ذلك، فقد تمكن الحزب الإسلامي العراقي (وهو الجناح الأساسي للإخوان المسلمين في العراق)، وبعض الفصائل من كتائب ثورة العشرين والجيش الإسلامي، وبعض الأفراد والقيادات السابقة في طالبان الأفغانية، من نبذ العنف السياسي وقبول المشاركة في العملية الانتخابية.

 

حلول بعيدة المدى

في ظل هذه المعطيات، تطرح أسئلة كثيرة: ما أسباب هذه المراجعات؟ وما النتائج والسياسات المترتبة عليها؟ الأبحاث السابقة المتعلقة بموضوع عمليات الديراديكالية ونبذ العنف السياسي، خلصت إلى أن مزيجا من القيادة الكاريزمية، وقمع الدولة، والحوار مع غير الجهاديين، كما داخل التنظيم المعني الواحد والمحفزات الاختيارية من الدولة والمجتمع المدني والدولي، هي العوامل الرئيسة المؤدية إلى طريق الديراديكالية.

وثمة نمط في التداخل ما بين هذه العوامل الأربعة. فقمع الدولة والحوار مع «الآخر» (والآخر هنا هو المخالف للفكر الجهادي من إسلاميين آخرين وديموقراطيين وتقدميين وقوميين وغيرهم)، غالبا ما يؤثر في أفكار القيادة وسلوكها، التي تعيد بدورها التفكير استراتيجيا وتتعلم وتنضج سياسيا وتجدد نظرتها إلى العالم. ثم بعد ذلك، تتخذ القيادة قرارا بوقف العنف -بصورة أو بأخرى- ويدعم ذلك القرار بمحفزات من الدولة وبالحوار داخل التنظيم لإقناع القيادات المتوسطة والأفراد. كما أن الجماعات التي تمر بمرحلة الديراديكالية وتنجح فيها، غالبا ما تتحاور مع الجماعات الراديكالية العنيفة المشابهة لها في طورها السابق لإقناعها بوقف العنف. وأحيانا تنجح الفئة الأولى في التأثير في الفئة الثانية، كما هو واضح في حالة الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد في مصر، وحالة جيش الإنقاذ والفصائل الإسلامية المسلحة الأخرى في الجزائر، وكذلك في بعض حالات الأفراد في السعودية واليمن واندونيسيا.

إن مستقبل عمليات وبرامج الديراديكالية ومدى تأثيرها في «القاعدة» و«طالبان» وأخواتهما، يعتمد على عوامل عدة، ليس أقلها نوعية النظام الذي يتعامل مع الجماعات. ففي الدكتاتوريات والأنظمة السلطوية، تعتبر هذه العمليات والبرامج بمنزلة جزء كبير من حل قصير إلى متوسط المدى لمعضلة العنف السياسي. بيد أن نجاح هذه العمليات والبرامج لا يعني أن الجذور المسببة للإرهاب والراديكالية قد حلت واستؤصلت. فـ «الإخوان المسلمين» مثلا، نبذوا العنف السياسي في أوائل السبعينات من القرن الماضي، لتظهر الجماعة الإسلامية والجهاد على الساحة في العقد نفسه. وسلكت المنظمتان طرقا أكثر تطرفا في مسألتي العنف السياسي والإرهاب الدولي، لم تخطر ربما على بال قادة النظام الخاص للإخوان (الجناح المسلح للجماعة في منتصف القرن الماضي). أما الآن، وعلى الرغم من أن الجماعة الإسلامية نبذت العنف السياسي، لكن قمع الدكتاتوريات، والضغوط الاجتماعية ــــ الاقتصادية الهائلة، والأفكار والعقائد المقصية «للآخر»، كفيلة بإنتاج منظمات عنيفة مشابهة لما سبق ــــ إن لم تكن أكثر عنفا وشراسة. والحال كذلك، ربما تكون الدمقرطة والإصلاح الديني هما المفتاحان لحل طويل المدى.

* أستاذ محاضر في جامعة إكستر - بريطانيا

(عن كارنيغي)

===============================

كتاب فرنسي يحلل صعوبات عزل سوريا

أكدت كاتبة صحافية فرنسية أن من الصعب عزل سوريا، فهي حتى لو كانت ضعيفة تملك خيارات وردود فعل. وحاولت الصحافية كارولين دوناتي، في كتابها “الخصوصية السورية”، فهم طبيعة النظام في سوريا وقدرته على البقاء والاستمرارية. ووصفت الكاتبة سوريا بأنها مدهشة فهي “حليفة إيران والمفتونة بالغرب، وتدعم حماس لكنها علمانية رأسمالية على الطريقة الصينية وتحكمها اولجاركية على الطريقة الروسية”.

وفي تحليلها لصعوبات عزل دمشق، قالت الكاتبة “من حافظ الأسد الى بشار الأسد، تبقى مشكلة سوريا واحدة هي مكانتها على الساحة الإقليمية وعلاقاتها مع “إسرائيل””. تضيف أن “الدولة الثائرة” التي “أضعفت من جانبها العراقي (بالغزو الأمريكي)، وفي لبنان (بعد سحب جيشها منه في 2005)، تمكنت مع ذلك من اللعب على تناقضات خصومها في البلدين واحتفظت بقدرتها على إلحاق الضرر”.

وقالت :”تكمن قوة النظام السوري الذي لا يملك الكثير من الأوراق، في ردود فعله”. ففي مواجهة الهجمة الامريكية تقارب مع تركيا، واعتمد على قطر، واستفاد من توجه العالم الى الشرق حيث يبحث عن تحالفات جديدة. وأردفت أن سياسته الخارجية “محكومة بضرورة ضمان بقاء النظام وتحولات المجتمع السوري الذي لم يبلغ نصف سكانه العشرين عاماً من العمر”.

وقالت المؤلفة إن بشار الأسد وجد في الصين نموذجاً ليدعو الى اقتصاد السوق الاجتماعي، لكنها أشارت الى أنه بسبب التردد بقيت النتائج سيئة والفساد وعدم المساواة فاضحين على الرغم من بعض التقدم.

وتنتقد الصحافية “جمهورية الأصدقاء” وتشير الى أن تطور سوريا “يذكر بما جرى في روسيا عندما استولى قلة على امتيازات الدولة”. وتمتنع الصحافية عن التكهن بمستقبل النظام السوري. وتقول “لا يمكن إعطاء ردود قاطعة طالما أن واقع هذا البلد المهمل يقاوم الأفكار الراسخة” عنه.

يذكر أن الكتاب نشرته دار “لاديكوفيرت” الفرنسية ويقع في 355 صفحة.

(ا.ف.ب)

===============================

تركيا وأرمينيا والمشكلات الأخرى

المستقبل - السبت 17 تشرين الأول 2009 - العدد 3455

رضوان السيد

أذكر أن السيدة النمسوية التي قدّمت للتقرير الدولي بشأن الجرائم بالبوسنة والهرسك، قالت ان هناك اجماعاً على المستوى العالمي لا يضاهيه أي اجماع آخر: معارضة المحاسبة على الجرائم السياسية، رغم اعلان سائر الأطراف، ـ وبخاصة الدول الكبرى الغربية بمجلس الأمن ـ خلاف ذلك. لكن ما عرف بالمذبحة الأرمنية مثّل مشكلة حقيقية لتركيا على مدى تاريخها المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية. الأرمن يقولون ان هناك سلسلة من المذابح منذ تسعينات القرن التاسع عشر، والى أن بلغت ذروتها أثناء الحرب العالمية الأولى ويعترف بحصول تهجير أثناء الحرب، لكنه يقول انه حصل بسبب الحرب والفوضى التي أحدثتها. وعندما كان الجدل يشتد فإن المسؤولين الأتراك كانوا يقولون. لقد حصل، وهو ليس كبيراً، في العهد السابق (نظام الخلافة) ونحن لسنا مسؤولين عنه!.

لكن اذا لم يكن النظام الأتاتوركي مسؤولاً بالدرجة الأولى عن المشكلة الأرمنية، فهو مسؤول ولا شك عن المشكلة الكردية. ويشارك في المسؤولية عما وقع من نزاعات على الحدود في آسيا الوسطى والقوقاز بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وهي المنطقة التي تغص بالإثنيات التركية المختلفة. وبالاضافة الى ذلك وقبله هناك المشكلة القبرصية المستمرة منذ مطلع السبعينات، ولا يزال هناك عسكر تركي بشمال الجزيرة حتى الآن، في حين دخل جزؤها الآخر في الاتحاد الأوروبي! ويتحجج الأوروبيون بهذه المشكلات، وقضايا مشابهة للحيلولة دون ادخال تركيا، البلد الاسلامي الكبير، في الاتحاد ـ والذي بدأت المفاوضات الثنائية مع تركيا عليه (عندما كان اسمه: السوق الأوروبية المشتركة) منذ العام 1965).

لقد قام في تركيا بعد الحرب الأولى نظام متشدد، يلفت نظر الغربيين فيه تشدده القومي ـ ويلفت نظر العرب والمسلمين تشدده العلماني. واذا كانت بعض مشكلات النظام الخارجية سببها التشدد القومي، فإن مشكلاته الداخلية، يتداخل فيها القومي بالديني وعلى سبيل المثال فإن المشكلة الكردية (عدد الأكراد بداخل تركيا حوالي 12 مليوناً) هي مشكلة اثنية وقومية، في حين ان مشكلة الحجاب هي قضية اسلامية، وتتداخل القصتان في مسألة "الحريات" الشخصية والثقافية والسياسية.

في ضوء هذا كله، يبدو ما قامت به حكومة أردوغان وما تقوم به رائعاً بل عجائبياً.! اذ هي تتصدى لحل مشكلات شبه مستعصية، نتيجة التجاهل والاهمال والتشدد، وبخاصة الاستغلال في الحرب الباردة وما بعدها. فالاتفاق الذي وقعته مع أرمينيا لفتح الحدود بين الدولتين هو اتفاق تاريخي. وهو اتفاق تحتاج اليه أرمينيا أكثر الآن، لكنه انتصار معنوي للأتراك لأنه يخلصهم من اتهامات المذابح والماضي الأسود. ثم انه يجعلهم "سادة" لدى كل الأطراف في آسيا الوسطى والقوقاز وصولاً للبحر الاسود. ففي كل تلك المنطقة الشاسعة والتي تمتد من ناحية أخرى الى الصين، وتتداخل مع مناطق النوفذ الصيني والروسي، عندهم شركاء من الاثنيات، التركية يحتاجون الى نفوذ تركيا والى نهوضها والى وساطتها في النزاعات في ما بينهم، ومع دول المحيط الكبرى.

بيد ان لدى تركيا مشاكل أخرى كبيرة، كما سبق القول. فالولايات المتحدة التي نجحت وساطتها بين تركيا وأرمينيا، لم تنجح في الوساطة لا هي ولا الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بين القبارصة الأتراك، والقبارصة اليونانيين. وقد حسم الأوروبيون أمرهم لصالح القبارصة اليونانيين، واعتبروهم ـ وهم الأكثرية ـ ممثلين للدولة القبرصية، وضموّهم الى جانب مالطة ـ بالبحر المتوسط ـ للاتحاد الأوروبي. وقد قدم الأتراك ـ والحق يقال ـ في قبرص تنازلات أكبر بكثير لما قدموه في المشكلة الأرمينية. وذلك عندما وافقوا على الحل الذي عرضته الأمم المتحدة، وأجروا عليه استفتاء ايجابياً في قبرص التركية. ورفض القبارصة اليونان الحل الأممي، وكوفئوا ـ رغم ذلك أو سبب ذلك! ـ بالدخول الى الاتحاد الأوروبي. والذي أظنه ان الأميركيين سوف يتابعون مساعيهم لاعادة توحيد قبرص، وسيضطر الأوروبيون للموافقة تعويضاً لتركيا عن عرقلة ادخالها للاتحاد الأوروبي.

وتبقى المشكلة الكردية بالنسبة لتركيا هي المشكلة الرئيسية المتخلفة من حقبة الجمهورية الأتاتوركية. فالأكراد يبلغ عددهم حوالي الـ15% من المواطنين بتركيا. ورغم انتشارهم الكبير، فإن كثرة منهم تقيم في منطقة واحدة. وقد طال أمد النزاع، اذ ان تمرد "الشيخ سعيد" جرى عام 1924. وقد حصل أقرانهم بالعراق على كيان ذاتي الآن، تنطلق منه معظم التحركات ضد الجيش التركي. وهناك حركة قوية للأكراد بإيران، لكنها مقموعة.

وقد تعاون الايرانيون والأتراك حتى الآن في مكافحة الميول الاستقلالية الكردية داخل البلدين وفي العراق ايضاً. بيد ان المشكلة الكردية تبقى مشكلة داخلية بالدرجة الأولى. وما تردد أردوغان في التصدي لها رغم حساسيتها الشديدة. اذ لا يمر أسبوع أو أسبوعان الا وتحدث هجمات دموية في الأقاليم ذات الكثرة الكردية في شرق تركيا. اعترفت حكومة أردوغان بالحقوق الثقافية اللغوية والتربوية للأكراد. وعندهم اليوم كتلة صغيرة بالبرلمان. وهم يسمون أكراداً في وسائل الاعلام وفي الخطابات الحكومية للمرة الأولى انما تبدو مسألة الحكم الذاتي أو الفيدرالية صعبة جداً، وليس في الوعي القومي التركي وحسب، بل وفي وعي اسلاميي أربكان وأردوغان الجدد.

لكن أحمد داوود أوغلو، الذي صرّح قبل ايام من حلب بأن هدف السياسة الخارجية التركية أن يكون خصومها في المنطقة والعالم عددهم: صفر(!)، يقول أيضاً انه لا شيء يستعصي على السياسة والتفاوض والديموقراطية. وشاهده على ذلك، ليس كيف زالت المشكلات بين تركيا من جهة وأرمينيا من جهة ثانية فقط، بل والاتفاق الاستراتيجي بين تركيا وسوريا، بعد أن كانت بين البلدين عدة أسباب للنزاع: الأقاليم السورية التي ضمتها تركيا عام 1937، والخلاف على مياه الفرات وأنصبة سوريا والعراق منها، ودعم سوريا لحزب العمال الكردستاني ضد الحكومة التركية.

في العام 1920، بدأت المحادثات بين الأتراك والفرنسيين الذين كانوا قد صاروا قوة منتدبة في سوريا ولبنان ـ على منطقة الاسكندرون، وكان الجنرال الفرنسي غورو يفضّل اعطاءها لتركيا، بينما اعترضت غرف التجارة الفرنسية للتأثيرات المستقبلية على مصالح فرنسا، وعلى العلاقة بالعرب. ورد عليهم الجنرال غورو منشئ "لبنان الكبير": الأتراك جدّيون، والعرب ليسوا كذلك. ولذا فلنذهب باتجاه تركيا للتمكن من حكم سوريا، ومنافسة بريطانيا! فالرهان يبقى اذن على الجدية التركية لحل مشكلات النظام الأتاتوركي التاريخية!.

===============================

الوطن السعودية :وللمرأة حق الطلاق أيضا! أمل زاهد

وللمرأة حق الطلاق أيضا! أسعد كثيرا بملامح وعي مختلف أراه يتخلق ويتبرعم في بعض الآراء التفاعلية للسيدات والفتيات، سواء على موقع "الوطن" الإلكتروني أو على المواقع الأخرى! كما ألمس ملامح هذا الوعي عند شريحة من الفتيات الواعيات اللواتي يدركن تماما أن ما يقدم لهن من خطاب لا يعبر عن حقوق المرأة في الإسلام! بل يتحدث بلسان ثقافة ذكورية حاولت وتحاول عبر الأزمان طمس تلكم الحقوق، بل إن ما يقدم لها على أساس أنه مقدس -كونه خارج من تحت عباءة دينية - ليس إلا قراءات بشرية خضعت لظروف عصرها ومقتضيات زمانها، ولابد أن تخضع اليوم لفقه الواقع الجديد!

أسعد بما أراه من ملامح هذا الوعي، لأنه لا يضيع حق وراه مطالب، ولأن كثير من صور الظلم الاجتماعي الواقع على المرأة في مجتمعنا يتم بختم موافقتها هي عليه، ورضاها بدور الضحية التي تستعذب سياط جلادها! فهناك تربة مخصبة ومهيأة لتقبل الظلم عند المرأة نفسها، وهذه التربة صنعت على يد الثقافة السائدة المكرسة لدونية المرأة!

وهناك أيضا تعتيم مقصود على كثير من حقوق المرأة في شريعتنا الغراء كحقها في الاشتراط بعقد النكاح، لتضمن حقوقها وتتوثق من عدم إخلال الرجل بها! وكان الإمام المجدد محمد عبده قد قدم رؤية تنويرية في موضوع الطلاق مستمدة من واقعه الاجتماعي وما رآه من ظلم يقع على المرأة، فيقول: (لا طلاق إلا أمام القاضي أو المأذون وبحضور شاهدين على الأقل وذلك بعد الاستمهال أسبوعا للتفكير، وبعد أن يقدم الحكمان واحد من أهله وآخر من أهل الزوجة تقريرا باستحالة العشرة وفشلهما في التوفيق بين الزوجين)! ولا يكتفي الشيخ بذلك ولكنه يضيف :(لا يمكن – مهما ضيقنا حدود الطلاق – أن تنال المرأة ما تستحق من الاعتبار والكرامة إلا إذا منحت حق الطلاق، ومن حسن الحظ أن شريعتنا النفيسة لا تعوقنا في شيء مما نراه لازما لتقدم المرأة، علينا أن نعمل بمذهب غير الحنفية، لأنه حرم المرأة في كل حال من حق الطلاق، حيث قال الفقهاء من أهله " إن الطلاق منع عن النساء لاختصاصهن بنقصان العقل ونقصان الدين وغلبة الهوى " مع أن هذه الأسباب باطلة، لأن ذلك إن كان حال المرأة في الماضي فلا يمكن أن يكون حالها في المستقبل، ولأن كثيرا من الرجال أحط من النساء في نقصان الدين والعقل وغلبة الهوى، أو أن يستمر العمل على مذهب أبي حنيفة، ولكن تشترط كل امرأة تتزوج أن يكون لها الحق في أن تطلق نفسها متى شاءت وتحت شرط من الشروط، وهو شرط مقبول في جميع المذاهب) ولو نظرنا إلى ما يحدث في قضايا الخلع، وهجران الزوج لزوجته، والطلاق التعسفي، والتفريق على أساس عدم كفاءة النسب، وإساءة استخدام الولاية والقوامة لتصبحا سيفا مسلطا على عنق المرأة لأدركنا مدى ابتعادنا عن حقوق المرأة في الإسلام!

ما أحوجنا اليوم إلى مدونة أحوال شخصية وإلى فقهاء شجعان يساهمون في تحرير خطاب المرأة من إرث العادات والأعراف!

===============================

القبس :النقاب قضية أمن قومي في مصر

القاهرة- أحمد السيد حسن:

عاصفة جديدة أثارها شيخ الأزهر والإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي، وهذه المرة العاصفة لم تكن سياسية وإنما دينية، إذ دخل «عش الدبابير» كعادته وهاجم مرتديات «النقاب»، عندما صرح بجرأة شديدة أن الحجاب ليس من الإسلام في شيء،. حين حاولت طالبة في معهد أزهري مجادلة الشيخ طنطاوي والدفاع عن نفسها وزميلاتها مرتديات النقاب، قائلة إنهن فعلن ذلك لوجود رجال ومنهم شيخ الأزهر نفسه ثار الأخير بشدة وهاجم الطالبة قائلا «أنا اعرف في الإسلام أكثر من اللي خلفوكي».. واضاف قائلا «واذ كنت جميلة ماذا ستفعلين»، مشيرا الى أنها ليست جميلة وانما منقبة!

 

بسرعة شديدة، تحولت كلمات الشيخ طنطاوي الى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة من قمة جبل شاهق، وصدرت قرارات ادارية من جامعة الأزهر وادارة المدن الجامعية بمنع الطالبات من دخول حرم المدن الجامعية والفصول الدراسية منتقبات. وانضم الدكتور هاني هلال، وزير التعليم العالي، للحملة وأصدر قرارات مماثلة بعد أن أكد أن العام الماضي وحده شهد اكتشاف 15 رجلا في زي منقبات لأغراض السرقة وأعمال منافية للآداب.

وحسم المجلس الأعلى للأزهر ترددا دام طويلا داخل أروقة المجلس الذي تراخى وتهاون في التصدي لظاهرة ازدياد المنتقبات داخل المدارس والجامعات. وبدا انه ترك الساحة لفتاوى من شيوخ خارج المؤسسة الدينية الرسمية. وعقد المجلس جلسة طارئة بناء على دعوة من الدكتور طنطاوي ودارت مناقشة فقهية ودينية مثيرة انتهت الى اصدار قرار بمنع ارتداء الطالبات للنقاب داخل الفصول الدراسية التي يقوم بالتدريس فيها المدرسات من النساء فقط، سواء كان ذلك في المراحل الإبتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، "حرصا على نشر الثقة والانسجام والارتياح والفهم السليم للدين".

 

عادة وليس فريضة

على الرغم من أن قرار المجلس الأعلى للأزهر شكل نصف تراجع، حيث لم يمنع الطالبات من ارتداء النقاب في وجود رجال أو حتى طلاب زملاء، فإن التوازانات داخل الأزهر واختلاف الآراء حالت دون إصدار قرار حاسم وشامل، وإن فتح القرار الباب لدخول المؤسسة الرسمية الدينية الأولى إلى المعركة الدينية في الشارع. فقد نجحت الجماعات الإسلامية المختلفة بجميع صورها في اختطاف الدين وإطلاق تفسيرات وفتاوى مختلفة عبر سيطرتها على الآف الزاويا والمساجد الصغيرة والجمعيات الخيرية التي تقدم خدمات اجتماعية وطبية وتعليمية في غياب مؤسسات الدولة الرسمية الموازية وضعف امكاناتها.

لكن تلك الخطوة اعتبرت انجازا مهما رحبت به منظمات المجتمع المدني الليبرالية، التي وقفت بعيدا خشية اتهامها «بالكفر» ومحاربة الدين، خاصة أن المعارك مستمرة على عدة ساحات ثقافية على وجه الخصوص بين التيار الليبرالي ومنظمات المجتمع المدني من ناحية، والجماعات الإسلامية والسلفية من ناحية أخرى. وكان الأزهر يقف في معظم الوقت إلى جانب الجماعات السلفية، وبالتالي فان الليبراليين لم يجدوا في معركة النقاب «شأنا يخصهم»، واعتبروها «معركة بين المؤسسة الدينية الرسمية والجماعات الإسلامية المتشددة».

 

الأزهر يتراجع

ويتوقع الليبراليون أن يتراجع الأزهر بسرعة، وهو ما حدث جزئياً بقرار المجلس الذي حظر ارتداء النقاب في وجود سيدات فقط!

وزارة الأوقاف، المؤسسة الدينية الرسمية الأخرى، انضمت إلى الحملة الإعلامية بإعادة طبع كتاب وزير الأوقاف الدكتور محمد حمدي زقزوق «النقاب عادة وليس عبادة»، وهو كتاب استند إلى نصوص من الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حول عدم فرض النقاب. وهو ما أكده عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتورعبد المعطي بيومي بقوله «إنه ليس في القرآن الكريم أو السنة النبوية آية أو حديث تجعل النقاب فرضا أو سنة أو واجباً، وان من يستدل على غير ذلك فهو من المتشددين الذين يتعلقون ببعض الأدلة الضعيفة جداً وأحيانا تكون غير صحيحة، حيث لا يعدو النقاب كونه عادة وليس عبادة».

 

التوظيف السياسي للقضي

نواب جماعة الاخوان المسلمين في مجلس الشعب، وهم قوة نيابية هائلة (88 نائباً)، تحركوا بسرعة، وقدم أحد نوابهم سؤالا برلمانيا عاجلا لرئيس الحكومة الدكتور أحمد نظيف بصفته وزيرا لشؤون الأزهر، قال فيه «إن ما قام به شيخ الأزهر يمثل اعتداء صارخاً على حرية الطالبات بسبب ارتدائهن النقاب» واتهم النائب الاخواني علي لبن الشيخ طنطاوي بمخالفة الدستور والقانون وحكم الإدارية العليا. واشار الى أن الجامعة الأميركية في القاهرة اضطرت إلى تنفيذ حكم الإدارية العليا بدخول منتقبات إلى الجامعة بعد أن منعتهن ادارة الجامعة. وقال إن حكم الادارية العليا أكد أن النقاب أن لم يكن فريضة فهو فضيلة ومباح ولا يجوز لشيخ الأزهر تغيير المباح.

العديد من الشيوخ في الزوايا والمساجد وعلى الفضائيات شحذوا الفتاوى التي في جعبتهم للوقوف ضد شيخ الأزهر وضد وزير التعليم العالي، حيث وجدوا ان الحكومة قررت لأول مرة مواجهة انتشار النقاب بشكل كبير، بعد أن تراخت في مواجهة الحجاب وأشكاله المختلفة الذي أصبح يضم «نماذج» مستوردة من أفغانستان وإيران والدول العربية الخليجية، وأصبح الشارع المصري يشهد خليطا من الازياء دخيلا على التقاليد المصرية، خاصة ان المرأة المصرية قبيل ثورة 1919 كانت ترتدي «الخمار» ونزعته مع اندلاع هذه الثورة لتنضم إلى الرجال في المعارك الوطنية، ومن يومها انطلقت معركة تحرير المرأة. وفي الستينات من القرن الماضي على وجه الخصوص ازدهرت أحوال المرأة في مصر، وكانت ترتدي احدث الأزياء الغربية حتى القصيرة جدا منها، ولم تشهد مصر حالة الفصل بين الرجال والنساء في الاماكن العامة بما في ذلك الشواطئ وحمامات السباحة.

ومع نمو الجماعات الاسلامية واشتداد تأثير الجماعات السلفية القادمة من الدول الخليجية النفطية، فان جماعة الاخوان بالذات نشطت في المدارس والجامعات لاستقطاب الطلاب والطالبات، وكانت البداية بدعوتهم الى الالتزام الديني بارتداء الملابس الشرعية، وذلك في اطار مخطط اشمل لبناء قاعدة اجتماعية يستند إليها الاخوان في معركتهم السياسية للوصول الى الحكم حتى عن طريق الانتخابات التشريعية. وكان معروفا في الانتخابات الماضية ان كل المنقبات سيعطين اصواتهن لمرشحي جماعة الاخوان المسلمين، وترشح عن الجماعة سيدات محجبات فشلن في الفوز بأي مقاعد، ولكن المعركة الاساسية لهن كانت في دخول المنازل ودعوة السيدات وحتى الفتيات الصغيرات للالتزام وارتداء الزي الاسلامي.

ومن المثير ان جماعة الاخوان خصصت مبالغ مالية لكوادر الحركة في الأحياء والمناطق المختلفة، خصوصا العشوائية لتقديم الملابس الشرعية إلى السيدات والفتيات مجانا.

ولا بد أن الأحوال الاقتصادية الصعبة وتعرض الطبقة المتوسطة للتهميش قد جعلت أبناء هذه الطبقة يتجهون للخروج من سباق «الموضة» النسائية والأزياء الحديثة والتخلص من نفقات تصفيف الشعر وغير ذلك من نفقات والاكتفاء بالحجاب.

 

قضية أمن قومي

وفي رأي كثير من السياسيين الليبرالين واليساريين أن جماعة الاخوان والجماعات السلفية يقومون بتنفيذ مشروع لأسلمة المجتمع. وقد قطعوا شوطا كبيرا للغاية في هذا الاتجاه: ففرضوا شواطئ للمحجبات، وأندية خاصة بهن ومحلات تبيع أحدث صيحات الملابس الشرعية، وبينها المايوه الشرعي، وحتى قامت الفنانة المعتزلة حنان ترك، وهي لا تزال شابة صغيرة بتأسيس مقهى للمحجبات فقط. كما نجحت الضغوط في أجبار الدولة على تخصيص عربات للسيدات في مترو الأنفاق، تحولت الى مراكز للدعوة الإسلامية. ولم تعمد سيدة غير محجبة إلى ركوب تلك العربات والا تعرضت لحملة انتقادية قوية لأنها إما مسيحية أو لا تحترم الدين الاسلامي وتخالف تعليماته.

وزيرة الاسرة والسكان اعتبرت قضية النقاب المثار حاليا قضية أمن قومي وفكرا يروج له بعض الأشخاص داخل المجتمع المصري.

 

منع مقابل المنع

المعضلة التي تواجه المجتمع المصري حاليا انه تأخر كثيرا في مواجهة قضية النقاب بعد ان انتصر الحجاب واصبح زيا شعبيا في مواجهة انقسام ثقافي خطير يهدد هذا المجتمع الذي يتعايش فيه النقاب مع البنطلونات الساخنة (الاستومك) التي تكشف جزءا كبيرا من البطن، وفي مارينا حيث المصيف الأكثر جاذبية للأغنياء والشواطئ المماثلة يعيش المجتمع المصري حالة الإنقسام الثقافي بسلام. فالمحجبات وحتى المنقبات يتمتعن بالسباحة بكامل ملابسهن، وهو ما دعا الأغنياء الجدد الى الهروب بعيدا الى شواطئ اخرى مقفلة اتخذت قرارات مماثلة لقرارات شيخ الازهر بمنع المنقبات والمحجبات من السباحة بملابسهن، وعلى الرغم من هذا التعايش فان المعركة التي بدأها شيخ الازهر حركت المياه الراكدة،وكشفت هشاشة هذا التعايش، والانقسام الثقافي. والاخطر من ذلك القوى السياسية التي تستغل قضايا الحجاب والنقاب لتمرير مشروعها السياسي. وقد نجحت في تمرير وتعميم الحجاب، وها هي تدخل معركة محاولة تعميم النقاب، وتصدي شيخ الازهر هو تطبيق فعلي لكلام وزيرة الاسرة د. منيرة خطاب بأن النقاب قضية امن قومي في مصر.

===============================

ابني المراهق محترف كذب

بقلم: د. غنام عبدالعزيز الغنام

استشاري تربوي واجتماعي

الطفل صفحة بيضاء يمكن ان ننقش عليها ما نريد وعلى الرغم من ذلك نسمع ونشاهد ونقرأ عن بعض انحرافات الابناء داخل المجتمع ناتجة من اساليب تربوية خاطئة بعضها صادر عن نوايا طيبة ضلت الطريق بسبب الجهل وبعضها صادر عن ممارسات تسلطية، في هذه الصفحة نعرض بعض المشاكل التي تواجه المربين في محاولة سريعة وبسيطة لايجاد الحلول لها.

ابني المراهق الذي يبلغ الخامسة عشرة من عمره، اعتاد الكذب منذ الصغر، وكنت أكتشف كذباته في كثير من الأحيان. اما الآن، وبعد أن كبر، فقد اتقن الكذب إلى حد الاحتراف، ولم أعد أكتشف من كذباته إلا القليل. وكم نصحته وقصصت عليه قصص عواقب الكذب لكن لا فائدة. فماذا أفعل؟

الحل

تربية الأبناء تحتاج إلى صبر ومثابرة، ويجب أن لا نيأس من رحمة الله.

بالنسبة إلى ابنك تحقق أولا من أن لجوءه إلى الكذب ليس نابعاً من خوفه منك اذا قال الصدق، فقد يكون سبب كذبه وجود خلل في العلاقة بينكما.

حاول إصلاح هذا الخلل بالحوار الهادئ وإصلاح العلاقة معه، وبيّ.ن له أن الصدق منجاة مهما كانت العواقب، وأن كل شيء يمكن إصلاحه.

أما اذا كان سبب الكذب مرضيا فهنا تكون المشكلة، فهو يعاني فقدان الثقة بنفسه، أو تكون ثقته بنفسه مزعزعة، أو ربما يشعر بعدم القبول من الأسرة أو من أقرانه لاتصافه بالكذب، فيكذب أكثر بطريقة لاشعورية، كأن الأمر خارج عن إرادته.

كما أن التدليل الزائد والقسوة المفرطة يدفعان الابن إلى الاستمرار في الكذب فيصير كذبه مزمنا.

ومن الأمور التي تعيننا كوالدين على مواجهة هذه المشكلة:

1 - الثناء عليه وإعطاؤه قدره بشكل متكرر، لكي يشعر بالأمان الكافي فيعترف بأخطائه.

2 - عدم اللجوء إلى العقاب الشديد.

3 - تجنب المواقف التي تشجعه على الكذب فيضطر الى الدفاع عن نفسه.

4 - إشغاله بنشاطات وهوايات يفرغ فيها طاقته فتشعره بالثقة بنفسه.

5 - أن نكون قدوة له بالصدق.

معادلة اليوم

اتركوا أبناءكم يعبّ.رون عن أنفسهم دون خوف منكم.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ