ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 15/12/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مواقف

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حول المشروع السياسي الإصلاحي

للإخوان المسلمين

رسالة من محمد مهدي عاكف

المرشد العام للإخوان المسلمين

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد!!

فثمة حملةٌ عاتيةٌ يتعرض لها الإخوان المسلمون في الفترة الأخيرة بوجه خاص، تتهمهم بافتقاد المشروع السياسي، ورفع شعارات دينية تمزج الدين بالسياسة، وتستغلُّ عواطف المسلمين لتحقيق مآرب سياسية خالصة، وانتهاز مساحة الحرية المتاحة في بعض الأقطار الإسلامية وقدْر الديمقراطية الممنوح لهم للوصول إلى الحكم من خلاله، ثم الانقلاب عليه بعد ذلك، والعودة إلى النزعة الدكتاتورية المتسلطة التي هي ملمحٌ أصيلٌ بزعمهم لدى الإسلاميين على اختلاف تجمعاتهم!!

والحق أن تلك الاتهامات أبعد ما تكون عن الحقيقة، وأنها إنما تشهر في وجه الإخوان المسلمين لتشويه صورتهم الوضيئة عند جماهير أمتنا التي أوْلَتهم ثقتَها، أو لاستخدام ما يحققونه- بفضل الله تعالى- من نجاحات فزَّاعة للداخل والخارج على السواء.. الداخل بتكويناته من أعراق وأديان ومذاهب سياسية متباينة، وإبعاد متعمَّد عن المعرفة الصحيحة بالإسلام ومناهج الدعاة إليه على مدى عقود من الزمن، والخارج بأطماعه ونهمه وتخوُّفِه على مصالحه ومكتسباته في بلادنا، والتي ما نالها إلا في غيبة الإسلام عن الحكم والتوجيه، وتغلب هؤلاء المتباكون على الحرية من محترفي السياسة والدائرين في فلكهم من جماعات المرتزقة ومدعي الثقافة والتنوير، والمخدوعين بدعايتهم السوداء ضد الإسلام وحضارته ونظامه.

مشروعنا السياسي الإسلامي

لقد أعلن الإخوان المسلمون مبادرتَهم لتحقيق الإصلاح ورؤيتهم لمشروعهم الإسلامي في مارس 2004م، وهي رؤيةٌ اتسعت لتشمل مجال بناء الإنسان والإصلاح السياسي والقضائي والانتخابي والاقتصادي، ومجال التعليم والبحث العلمي ومكافحة الفقر والإصلاح الاجتماعي، وفيما يتصل بأوضاع المرأة وغير المسلمين في المجتمع الإسلامي، وفي المجال الثقافي والسياسة الخارجية، وفيما يتصل بأهم القضايا القومية كفلسطين والعراق، وغير ذلك من مجالات.. وعملوا على نشر هذه المبادرة في شتى وسائل الإعلام المتاحة أمامهم، وتوصيلها إلى المهتمين بالشأن العام في بلادنا، وبالرغم من ذلك يتجاهلها هؤلاء الشانئون، وبدل أن يتناولوها بالدرس والنقد الذي يبني ولا يهدم ويفيد منه الإخوان وغيرهم نفَوا وجودها بالكلية، ومنهم من استحيا من ذلك فعاد ليصفَها بالغموض والعمومية، ونحن لا نزعم لعملنا الكمال، فهو جهد بشري محدود في فهم دين الله وواقع الأمة، يحتمل الإضافة والتفصيل والتعديل من كل مخلص لدينه وأمته، ونحن لا نحتكر الصواب، ولا ندَّعي العصمة، وشعارُنا هو قول الله تعالى ﴿إِنْ أُرِيْدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيْقِيْ إِلاَّ بِاللهِ﴾ (هود: 88).

شعاراتنا إسلامية.. نعم!!

أما أننا نرفع شعاراتٍ إسلاميةً ونربط السياسة بالدين فذلك ما لا ننفيه ولا نتبرَّأ منه، بل نجاهر به ونفاخر، ونعتقد صوابه، ونجاهد من أجله، بل نقرر أن كل فهم للإسلام يجعله مقصورًا في دائرة العبادات والأخلاق ويجرِّده من استهداف قيادة البشرية وسياسة أمورها هو فهمٌ يجافي حقيقة الإسلام الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- ويخالف مرادَ الله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِيْ وَنُسُكِيْ وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيْ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ* لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِيْنَ﴾ (الأنعام: 162، 163).. وإذا جرَّدوا الإسلام من السياسة والاقتصاد والقضاء والتشريع والجهاد، ولم يرَوا له دورًا في التعليم والتثقيف والفنون والآداب والتربية والإعلام.. فماذا أبقَوا له إذن؟! وعن أي إسلام يتحدثون؟!

مع أننا لا نقول إن للإسلام في كل ما مضى قولاً مفصلاً وقرارًا نافذًا محكمًا، يضيِّق على الناس واسعَ حياتهم، ويغلق أبواب الاجتهاد، ويلغي دور العقل، بل إن أقله أحكامٌ مفصلةٌ، وأكثره قواعد كلية تفسح المجال للاجتهاد وفق ضوابطه وأصوله؛ حتى يظلَّ دين الله الخالد ورسالته الخاتمة إلى العالمين صالحةً لكل زمان ومكان.

دعوى استغلال الحرية ثم الانقلاب عليها

أما ما يزعمونه من أننا ننتهز ما يُتاح لنا من حرية وديمقراطية للتمكين والظفر، ونضمر الانقلاب عليها لأننا في أصل خلقتنا وجينات وراثتنا مستبدون متمردون فإننا لا نملك إلا أن نقول: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيْمٌ﴾ (النور: 16).

ونحن لا نظن أن أمةً من الأمم عانت من الدكتاتورية والقهر مثلما عانته أمتُنا، ولا نرى شعوبًا حُرمت من حقِّها الأصيل في الحرية مثلما حُرمت شعوبنا، ولا نعرف طائفةً من الناس قاست من وَيلات الطغاة وآثامهم وجرائمهم مثلما قاسى الدعاة إلى الله في عالمنا الإسلامي الرحيب، وفي القلب منهم الإخوان المسلمون.. فكيف يكون للدكتاتورية والقهر موضعٌ في عقولنا وقلوبنا أو حظٌّ من القبول عندنا؟!

ونحن دعاةٌ إلى دين كرَّم الإنسان، أيًّا كان جنسُه أو معتقَدُه ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيْ آدَمَ﴾ (الإسراء: 70)، وأعطاه الحريةَ الكاملةَ المسئولةَ، وجعل التكليفَ الشرعيَّ مرتبطًا بالقدرة على الاختيار، فلا يَمينَ لمُكرَه، وقد رفع الله عن هذه الأمة الخطأَ والنسيانَ وما استُكرهوا عليه، وقرَّر أن الحرية هي الأصل الذي فطر اللهُ الناسَ عليه، وتلك مقولةُ عمر بن الخطاب لأميره على مصر لما اعتَدى ولدُه على قبطي من أهلها ما زالت تتردد في أسماع الكون: "متى استعبدتم الناس يا عمرو وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"؟! بل إن الإسلام يحترم حقوق الحيوانات العجماء فيخبرنا أن امرأةً دخلت النار في هرةٍ حبستها، فكيف بالإنسان الذي خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه؟!

والشورى في الإسلام لا تعني الحرية السياسية ولا الديمقراطية في رؤيتنا الإسلامية فحسب، وليست هي حقًّا للرعية على حاكمها ولا واجبًا على الحاكم فقط كما قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِيْ الأَمْرِ﴾ (آل عمران: 159) ﴿وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: 38)، بل هي خُلُقٌ عامٌّ، وفريضةٌ ماضيةٌ على كل مسلم في شتى مناشط حياته، حتى في فطام طفل طلَّق أبوه أمَّه ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاُورٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ (البقرة: 233)، وقد كان من ثمرات الاستبداد المُرَّة في مجتمعاتنا أن صار كثيرٌ من الناس مستبدين بدرجة أو أخرى على مَن يَلُون أمورَهم، في بيوتهم ومجالات عملهم، تأسيًا بحكَّامهم، أو إفرازًا عصبيًّا لقهر داخلي مكتوم!!

التعددية السياسية وتبادل السلطة

ونحن حين نقرر ضرورة التعددية السياسية ومبدأ تداول السلطة لا نشعر أننا نفعل ذلك لنركب موجةً عالميةً تنادي به، بل إننا نقرره من استقراء تاريخنا وفقْه تراثنا وحقيقة ديننا الذي جعل التنوع في الخلق سنةً دائمةً ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: 13)، وجعله آيةً من آيات قدرة ربنا ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِيْ ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِيْنَ﴾ (الروم: 22)، وقد كانت التعددية السياسية سمةً بارزةً لهذه الأمة في خير عصورها زمن نبيها- صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين الذين جاء أولهم أبو بكر الصديق باختيار حر مباشر في مؤتمر شورى رائع، بعد حوار سياسي مفتوح بين فريقيها من المهاجرين والأنصار، وأقرَّ آخرُهم- علي بن أبي طالب- بوجود الخوارج الذين يكفِّرونه في دولته، ولم يمنعهم حقَّهم، ولم يبدأ بقتالهم طالما ظلوا يشكِّلون معارضةً سلميةً له، حتى ثاروا عليه بسلاحهم وعاثوا في الأرض فسادًا، فحاربهم ليوقف عدوانَهم، لا لمجرد الاختلاف السياسي معهم.

وكما أرسى أبو بكر حق الأمة في اختيار خليفتها في سقيفة بني ساعدة فقد قرر أن لها الحق في محاسبته وتقويمه إن أساء، فقال: "إني وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني".. الأمر إذن في قناعتنا دينٌ نؤمن به لا مجرد سياسة تحتمل المخادعة.

التعددية الحزبية

وعلى ذلك فنحن نؤمن بشرعية تكوين أحزاب سياسية في دولة الإسلام، تتنافس فيما بينها على البر والتقوى، وتستهدف مصالح الأمة لا مصالح حزبية ضيقة، وتقي أمتَها مغبَّة الاستبداد السياسي ومساوئ حكم الفرد.. لقد قرَّرنا ذلك منذ أمدٍ ونشرناه في كتب الجماعة ووثائقها، وأذعناه بين خاصةِ الناس وعامتهم، وجعلناه منهجًا لنا في التحالف مع الأحزاب القائمة، والتعاون معها في المجالس النيابية والنقابات المهنية والهيئات المدنية، وبالرغم من ذلك يتهموننا بالخداع السياسي، وأننا نضمر غير ما نعلن، ولو سلك معهم أحدٌ مثل مسلكهم معنا لرموه باتهام النوايا وسوء الظن ومحاولة شق الصدور والتفتيش عما هو غيب في الصدور.

وغاية حجتهم في ذلك هو الرجوع إلى أقوال الإمام الشهيد حسن البنا التي يهاجم فيها الأحزاب السياسية في عصره، وهي أحزابٌ علم الجميع فسادَها، وأنها كانت في- الأعم الأغلب- مطيةً للاستعمار الجاثم والقصر الملكي الفاسد، وليست تعبيرًا عن قوى اجتماعية، ولا ترجمةً حقيقيةً لجوهر الديمقراطية وحكم الأغلبية، بل استبدَّت أحزاب الأقلية بكراسي الحكم معظم تاريخها، وهم كانوا سببًا من أسباب نكبة فلسطين، وعلى أيدي صنائعها قُتل الإمام حسن البنا انصياعًا لقرار مندوبي الدول الكبرى آنذاك، وقد صدق رحمه الله حين وصفها بقوله: "إن المستعمر يفرِّقهم بعضهم عن بعض ويجمعهم عليه، فلا يقصدون إلا داره، ولا يجتمعون إلا زوَّاره"!! وهب أن الجماعة خالفت في بعض اجتهاداتها بعض آراء إمامها وشيخها- رحمه الله- أليس ذلك دليلاً على إيمانها بالشورى وقدرتها على المراجعة؛ وعلامةً من علامات حيويتها وتجددها؟!

برنامجنا للإصلاح

لقد قرر الإخوان المسلمون في مبادرتهم للإصلاح السياسي أن الشعب هو مصدر السلطات، ودَعَونا إلى تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، وأكَّدنا على حرية الاعتقاد الخاص وإقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان السماوية المعترَف بها، وحرية الرأي والجهر به، والدعوة السلمية إليه، وحرية تشكيل الأحزاب السياسية، وحرية الاجتماعات الجماهيرية العامة في نطاق الحرص على سلامة المجتمع، وحق التظاهر السلمي، وتمثيل الشعب من خلال مجالس نيابية منتخَبة انتخابًا حرًّا تتخذ كافة السبل لضمان سلامته وحيويته، وقرَّرنا حق كل مواطن ومواطنة في تولِّي عضوية المجالس النيابية، ودَعَونا إلى إبعاد الجيش عن السياسة ليتفرَّغ للدفاع عن أمن الدولة الخارجي، وتحديد مهام الأجهزة الأمنية في الحفاظ على أمن الدولة والمجتمع كله، وألا تسخَّر للحفاظ على كيان حزب السلطة الحاكمة، أو تُتَّخذ أداةً لقمع المعارضة، ودَعَونا إلى تحديد سلطات رئيس الجمهورية وتحديد مدة رئاسته، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وتغليظ عقوبة جرائم التعذيب، وإلغاء القوانين التي شلَّت العمل المدني والنقابي.

ونحن في ذلك نوقن أن مشروعنا الإسلامي للنهضة ليس برامج مجوَّدة، ولا عباراتٍ منمَّقةً تستهدف جلب رضا الناس بكل سبيل، بل هو في الأساس مستقًى من صميم الإسلام، ولا نجاحَ له إلا بالإيمان الصادق بهذا الدين، والاقتناع المطلق بأنه دينُ الله تعالى الذي سوف يحاسب الخلقَ عليه، وأن أي نجاح دنيوي لا قيمةَ له إن لم ينته بالفوز بالجنة والنجاة من النار، وأن العمل لنجاح المشروع الإسلامي هو مسئولية الفرد على حدته والأمة في مجموعها، ولا يصحُّ الظن بأن أحدًا أو جماعةً تنوب عن الأمة فيه، أو أنها سوف تحاسَب وحدَها عليه.

وفي نجاح المشروع الإسلامي كلُّ الضمان لغير المسلمين؛ ليعيشوا في ظل حضارته التي نَعِموا بها وشاركوا في نتاجها قرونًا من الزمان.. ﴿وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُوْرَهُ﴾ (التوبة: 32).

القاهرة فى : 6 من ذى القعدة 1426هـ الموافق 8 من ديسمــبر 2005م

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ