ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 03/12/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مواقف

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإخوان المسلمون ومرحلة جديدة من العمل للإسلام

رسالة من محمد مهدي عاكف

المرشد العام للإخوان المسلمين

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد..

فإن من فضلِ اللهِ تعالى على الإخوانِ المسلمين عامةً وعلى الإخوانِ بمصرَ خاصةً ذلك الإنجاز الذي تحقق في الجولتين الأولى والثانية من الانتخاباتِ النيابيةِ المصريةِ ... حيث أصبحَ للإخوانِ ستةٌ وسبعون نائبًا بمجلسِ الشعبِ المصريِّ، وما زال مرشحون آخرون سيخوضون الجولةَ الأخيرةَ أوائلَ هذا الشهرِ إن شاء الله، ونرجو لهم التوفيقَ والسدادَ، وإنا لنرجعُ بالفضلِ كلِّه في ذلك إلى الله تعالى ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ﴾ (النحل: 53)، ثم إلى وعى وإقبال الشعب المصرى ، والأداء المتميز للغالبية العظمى من السادة القضاة ، فضلاً عن  الجهودِ المباركةِ لرجالِ ونساء الدعوةِ وشبابها ونساء، الذين ما يزال المئات منهم يدفعون ثمن إقدامهم في السجون والمعتقلات، بينما يرقد آخرون لتلقِّي العلاج في المستشفيات بعدما أصابهم من عدوان همجي، ثم ينعتهم الظالمون بعد ذلك بالإرهاب، ويصفونهم بالبغي..

إن الدلالة الأولى فيما حدث مؤخرًا في مصر- وما حدث قبلها في أقطار إسلامية عديدة شهدت انتخاباتٍ لها حظٌّ من الحرية والنزاهة مثل تركيا والمغرب والجزائر والبحرين وفلسطين وغيرها- تتمثل في ذلك الإقبال الهادِر من جماهير أمتنا نحو إسلامها، واحتشاد شعوبنا تحت راياته، والثقة الكبيرة التي تُوْلِيها للدعاة إليه والعاملين من أجل نصرته ومجده، وهو ما يؤكد ما قرره الإخوان المسلمون دائمًا من تجذُّر الإسلام في أرضنا، وفي ضمائر وأفئدة وعقول شعوبنا، وأنه الدعوة الوحيدة القادرة على تحريك هذه الأمة ودفعها لتحقيق أهدافها واستعادة عزِّها، وأنه القوة الخلاَّقة التي تعزِّز السلام النفسي، وتجلو البصائر النافذة، وتجمِّع الجهود المبعثرة، وتستلهم التاريخ الوضيء، وتبعث الأمل في الحاضر- وإن بدا عصيبًا مؤلمًا- وتَخُطُّ علائم المستقبل، وتوحِّد السبل المتعارضة في سبيلٍ واحد وطريقٍ مستقيم، وإن أمتنا حين تعود إلى دينها الحق إنما تتوافق مع هويتها الحضارية وفطرتها الأصيلة العابدة ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ (البقرة: 138).

وبقدر ما نستحضر هذه المعاني اليوم فإننا ندرك حجم الجريمة الشنعاء التي ارتكبها من أرادوا صرف هذه الأمة المسلمة عن طريقها، وبعثرة سعيِها بكل سبيل، وتنفيرها من إسلامها، وتخويفها من الدعاة إليه، وتفزيعها من الاقتراب منه أو الأخذِ به، ثم تركها بعد أن أفقدوها المناعة والقدرة تتجرَّع مرارة الهزيمة والتراجع والضنك والخزي من أعدائها!!

لقد حِيل بين أمتنا وبين إسلامها الصحيح على مدى عقود من الزمن، وتولَّى كِبر ذلك الاستعمار الغربي وعملاؤه من بني جلدتنا الذين ينطقون بألسنتنا، ويتسمَّون بأسمائنا، ويدَّعون النسبة إلى إسلامنا والغيرة على شعوبنا، من الأنظمة العسكرية المستبدة الطاغية، التي كان همّها الأول في الحقيقة التمكين للمشروع الغربي والصهيوني في بلادنا، وحفظ الكيان المغتصب في فلسطين، والسماح له بالتمدد والتغول حتى أصبح حالُنا إلى ما أصبح عليه، ثم الإثراء على حساب هذه الشعوب الممتحنة وتبديد ثرواتها، والحيلولة بينها وبين التقدم العلمي والتقني، وفرض الجهل والتخلف عليها، ثم ضرب بعض الأمة ببعض، وجعْل بأسها بينها شديدًا، ليبقى المستبدُّون الطغاة بها في مأمن من يقظتها وتوحدها، ثم محاسبتهم على ما اقترفته أيديهم.

ورغم شدة كيدهم وعظيم مكرهم ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ (إبراهيم: 46) فإنه ما إن أتيحت الفرصة لهذه الأمة كي تعبر عن نفسها حتى عادت من جديد تعلن ولاءَها لدينها، وانحيازها لشريعتها، وعزمها على تحقيق مشروعها الإسلامي للنهضة والتمكين..

ليس في الأمر مفاجأة

إن الذين يصوِّرون نجاح الإخوان بمصر في انتخاباتها النيابية على أنه مفاجأةٌ مدويةٌ إنما يعبرون في الحقيقة عن غفلة مؤلمة في النظر والتحليل والاستقراء، ولو كان في الأمر مفاجأةٌ فإنها تكون خاصةً بهم مقصورةً عليهم، أما نحن الدعاة إلى الله فقد كنا دائمًا على ثقةٍ من خيارات شعبنا وولائه، وإن الحلول المستوردة والنظريات المجلوبة التي حاولوا تجريبها وفرضَها عليه لم تغيِّر قناعاته، ولم تنتزعه من جذوره وأصوله، وإن تلك الشعوب المسلمة إنما تنتظر الفرصة السانحة لتلتحم سريعًا بالركب الإسلامي العتيد.

إننا لنشعر بعظيم فضل الله حقًّا حين نرى أن أمتنا تحتضن في وعيها جهاد الإخوان المسلمين في فلسطين، وتضم في حناياها دماء الإخوان المسلمين على ضفاف قناة السويس في جهادهم ضد المحتل الإنجليزي الغاصب، وتحيا في ذاكرتها رجالات الإخوان وقادتهم الذين علَّقهم الطغاة على أعواد المشانق، أو أزهقوا أرواحهم الحرة في غياهب السجون، أو حرموهم من التواصل مع شعوبهم وعطائهم لأمتهم بالتشريد والاعتقال والتعذيب والأذى.

إن قرابة ثمانية عقود من الدعوة والتربية والصبر والعمل الاجتماعي المتواصل والعطاء الخدمي المتجرد الذي لا يبغي سوى وجه الله والجهاد ضد الاستبداد السياسي لم يكن حرثًا في بحر عاق، أو صرخةً في وادٍ مقفر.. ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾ (الرعد: 17).

أية مفاجأة يتحدثون عنها وما خاض الإسلاميون- والإخوان في القلب منهم- انتخابات حرة إلا وكان النجاح بفضل الله حليفهم؟! في النقابات المهنية.. والاتحادات الطلابية.. والجمعيات الأهلية.. والمجالس المحلية.. والنوادي الرياضية..

نجاح مزلزل!!

ويقولون إن نجاح الإخوان كان زلزالاً هزَّهم وباغتهم، ونقول إن الأمر لم يكن كذلك عند جماهير شعبنا الذي رأى في الأمر انتصارًا للحق، ومن الطبيعي أن ينتصر الحق ويَزهق الباطل، أما المستبدُّون والطغاة ومن دارَ في فلكهم وانعزل عن نبض أمته وتيبَّس على عروش ظلمه فمن الحق أن يراه زلزالاً!! ولم لا وقد طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وظنوا- كما يظن دعاة الاستبداد ورعاته في كل مكان- أنهم باقون على كراسيهم أبد الدهر، وأن الشعوب التي طال استسلامها تحت سياطهم فقدت كل قدرة على الرد والمقاومة، وأن بقاءهم مع فسادهم غدا مظهرًا من مظاهر الكون لا يتحلحل ولايزول؟!

عداءٌ للديمقراطية أم دفاعٌ عنها؟!

ومن عجب أمر هذه النخبة من المثقفين الذين أزعجهم نجاح الإخوان وأرعبهم- فيما يقولون- احتمال وصول الإخوان للحكم، مع أن الإخوان لم يتقدموا للحكم، ولم يترشحوا للبرلمان إلا بنحو ربع مقاعده، ولم يطمحوا إلا لتكوين معارضة برلمانية قوية راشدة، تحاول أن تضع حدًّا لجموح الفساد والتسلط الذي يضرب البلاد والعباد، فالأمر إذن ليس إلا تفزيع الناس من الإسلام الصحيح والدعاة إليه، وكان بعض هؤلاء المرتعبين صريحًا حين تحدث مباشرةً عن عدائه لمبدأ أن السياسة جزءٌ من الإسلام الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- وأعلن عن علمانية فجَّة تبتغي فصل الدين عن الدولة، رغم ما جرَّه ذلك الفهم السقيم للدين والسياسة من خراب ودمار.

وعبَّر هؤلاء عن تصور خاص للإسلام هو أقرب للتصور الكنسي والبوذي عن الفهم الذي نعرفه لديننا، الذي جاء تبيانًا لكل شيء.. إما بقواعده الكلية أو بتشريعاته الجزئية ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ (الأنعام: 38) ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89)..

وبعض هؤلاء المستغربين نعذره بجهله للإسلام وخصوصيته وتميزه عما سواه من أديان ونِحَل، وإن عتبنا عليه أنه ينفق عمرَه في تعلم عويص المسائل ومستغربها من فلسفات الغرب ومذاهبه، ويبخل ببعض وقته وذكائه عن تعلم دينه الذي سيحاسبه الله عليه، وبعضهم الآخر نافرٌ من الإسلام خائفٌ من شموله وإحاطته، يرى في الحياة الطليقة عن الدين مستراحًا ومرتعًا، وهو لا يكتفي باختياره ذاك لنفسه، بل يريد أن يفرضه على المسلمين فرضًا، ويأطرهم عليه أطرًا، وهو في هذا وذاك قد تحالف مع الاستبداد السياسي في بلادنا وإن رفع عقيرته دومًا بالحديث عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، فجاء انحياز شعبنا للحل الإسلامي صادمًا له، بعد كل ما أنفقه ذلك الصنف من جهود وما ظنَّ أنه حققه من ظفر.

لقد جاء نجاح الإخوان بمصر كاشفًا عن الطبيعة الاستبدادية لهذه النخبة التي استأثرت عندنا بالنفوذ وسيطرت على أدوات الإعلام ووسائل التوجيه، فصبُّوا جام غضبِهم على ذلك الاختيار الشعبي الحر للإسلام، واتهموا جماهير الشعب بفقدان الوعي وتمكُّن الجهل وغلبة السذاجة، وتجاهلت هذه النخبة حقيقة أن الديمقراطية- التي طالما قدموا أنفسهم على أنهم الدعاة إليها والمنافحين عنها- تأبى عليهم إلا الرضا بالاختيار الشعبي، وإن خالف أهواءهم، وأن ما يعانونه الآن من فقدان الاتزان وخيبة الأمل جديرٌ به أن يدفعهم إلى مراجعة النفس لا الاستسلام للهوى، ووقتها سيكتشفون أنهم انخدعوا طويلاً، يتصور أنهم طليعة هذه الأمة وخيار هذا الشعب وصفوة مثقفيه، وأنهم بإصرارهم على تحدي إرادته إنما يعزلون أنفسهم عن حركة التاريخ وصخب الحاضر، ويضعون أنفسهم في خندق واحد مع دعاة الاستبداد وحراس الفساد!!

مرحلة جديدة من مراحل العمل الإسلامي:

إن ما تحقق حتى اليوم يعني أننا- نحن الإخوان المسلمين والدعاة إلى الله جميعًا- أمام مرحلة جديدة من مراحل العمل الإسلامي، وهي مرحلةٌ لها سماتها وتبعاتها.. لقد تجاوزنا تلك المراحل التي كانت أول أولوياتها بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة، فقد تحقَّق الكثير في ذلك المجال بفضل الله، ونحن في مستقبل أيامنا لن نغفل عن بناء الفرد والأسرة؛ فهما عماد النجاح لكل دعوة صالحة، لكننا نريد أن ينتبه أفرادنا وأسرنا المسلمة إلى دوائر العمل الاجتماعي والسياسي الواسعة التي تبرهن على صدق انتمائهم وعميق تربيتهم ونجاح أبنائهم.

ينبغي أن نكون عند حسن ظن جماهير أمتنا التي أولتنا ثقتَها؛ خدمةً لها ومعرفةً بمشكلاتها، وسعيًا لتقديم الحلول الناجحة لها من صميم فهمنا للإسلام، ونريد أن ترى فينا احترامًا لإقبالها على الإسلام، ورغبتها في الفهم الصحيح له والتربية على مبادئه ومثله وقيمه وشريعته، وأن نوسِّع من قدراتنا على الدعوة والاستيعاب والتربية، كما نوسع قدراتنا على فهم الواقع ودراسة المشكلات ووضع الحلول سواءً بسواء.

إننا نشعر أننا أمام اختبار حقيقي- ليس لأشخاصنا الضعيفة- ولكن لدعوتنا ومنهجنا الإسلامي، وهو اختبار يفرضه علينا الداخل المتأمل والمتسائل والخارج المترقب والمتربص، وبقدر نجاحنا في جعل شعارنا (الإسلام هو الحل) حقيقةً واقعةً بين أيدي الناس سيكون انتصارنا لدين الله تعالى، وتأكيدنا على صلاحيته الخالدة للزمان والمكان كله، ونحن في ذلك لا نحتكر الخدمة للإسلام ولا الفهم الصحيح له ولا حق التعبير عنه؛ ولذلك فإننا ندعو كل الحكماء والقادرين من المهتمين بهذا الدين العظيم إلى السير معنا نحو إنضاج مشروعنا الإسلامي للنهضة، وتقديمه قاربَ إنقاذ للأمة الباحثة عن النجاة، وبقدر نجاحنا كإسلاميين جميعًا في ذلك سنكون قد قدمنا الطمأنينة لكل خائف منا، ليعلموا أن دين الله هو الرحمة الكاملة، وهو العدل حقًا، والعزة حقًا وصدقًا، وهو الأمان في الدنيا والآخرة معًا ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (الأنعام: 82).

وصلِّ اللهم على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ