ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 14/08/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 وثائق وقضايا 

في القـاع ..سنتان في سجن تدمـر –5

تابع اليوم الأول في تـدمـر

إعداد الدكتور  خالد الاحمد*

كان إخواننا المعتقلون في سجن تدمر،  يوصي بعضهم بعضاً بأن ينقل المحكومون بالبراءة ما يجري لهم في سجن تدمر، في حال الإفراج عنهم، ومن يتمكن من تسريب بعض المعلومات عن الجرائم التي ترتكب بحقهم في سجن تدمر، فليفعل، وقد أذن الله بالإفراج عن الأخ صاحب هذه الذكريات، وهو لا يزال يذكر وصية إخوانه المعتقلين له، بأن يعمل على فضح هذه المخازي والجرائم، في سائر الأماكن التي يمكنه الوصول إليها،

وإننا بإصدار هذه الذكريات عن سجن الموت في تدمر، ونقل معاناة أولئك الأحرار الأسرى، نريد أن نشهد العالم أجمع، نريد أن نشهد الدنيا بأسرها، على جرائم حافـظ الأســــد ، لعل الحسّ الإنساني يتحرك فيهم، فيبادروا إلى فعل حاسم يجتث هذا السرطان من جسم أمة العرب، لينقذوا العرب والمسلمين من خبائثه وجرائمه..

25/8/1985م

خالد فاضل

ـــــــــــــــــــ

حــــالات الأخـوة  :

بعد خروج الجلادين كان الأخ (م ع) أبو أنس مغمى عليه ملقى في الزاوية وهو طالب جامعي في فرع الهندسة الكهربائية وفي السنوات الأخيرة.. وعمره (23) عاماً وقد خصوه بأكبر قسط من العذاب، ويبدو أنهم فطنوا لما ذكره عند تسجيل الأسماء عن عمله، فكان ذلك دافعاً لزيادة العذاب عليه وهذه فلتة من فلتات عبقرية الجلادين.. لا أحد يدري من أي مبدأ استوحوا القاعدة التي يتبعونها في معاقبة وتعذيب حملة الشهادات دون غيرهم، لذلك كان الأخ المهندس (ش س) يجيب إذا سأله الجلادون عن عمله بعد ذلك يقول: نصاب عواميد كهرباء.. ولم يكن ذلك ليصرف عنه العذاب، ولكنه كان ينجيه من غضبة الجلادين. دعاني بعضهم أن أقوم لأنظر حال الأخ أبي أنس..

فقمت إلى الأخ أغالب ما بي.. كان أبو أنس قد استفاق لتوّه من إغماءته وكان منهكاً مرهقاً.. قلت:

- كيف حالك يا أخي......؟

قال: الحمـد لله ......!!!!

وجاء شاب كان يجلس قريباً منه كان في حالة سيئة جداً: وجه متعب مشوّه، وجسم منهك وكشف القميص عن منظر مثير، ظهر تمعط جلده وتسلخ وظهرت فيه جروح غائرة ولحوم مشرشرة، وكان ينزف قيحاً ودماً.. حتى صبغ القميص بل غمره.....!!!

كان هذا الشاب يدعى (ع) وهو من جهات الساحل السوري، وعمره ستة عشر عاماً....!!!!.

قال: شـــفلي ظهري أســــتاذ......!!!!

ورأيت ظهره واعتصر الألم قلبي، لأني لم أكن أستطيع له شيئاً.

الطعــــام

وجاء أحد الأخوة يدعوننا إلى الطعام، فرد عليه سليم: أنا ما بدي آكل بدي موت.. فعاتبته: لا يا أخي قتل النفس حرام، قم وكل ومن يوم إلى يوم بيفرجها الحي القيوم.

وكان الطعام عبارة عن وعاءين في أحدهما أرز مسلوق (مطبوخ) وفي الآخر مرقة ماء البندورة وفيها نوع من الخضار وبعض الخبز.

ولما لم يلتفت أحد إلى الطعام، ولم يقم أي واحد إليه، رأى بعض الأخوة أنه لابد من أن يتقوى كل أخ بشيء من طعام يسد به رمقه ويقيم به صلبه، فقام اثنان من الأخوة يتحاملان وأخذا يدعوان الأخوة بالدور إلى الطعام وكانا يقابلان بالاستغراب والزهادة والرفض، فيؤكدان الطلب ويصران عليه: لابد من الطعام ولو لقمة واحدة، ولم يكن لدينا صحون ولا ملاعق ولا أي نوع من الأوعية، فقد أخذت منها الصحون البلاستيكية والملاعق والأكواب البلاستيكية، وفراشي الأسنان وكل شيء.

 

الأذان

وفي هذه المرة.. جاءت الرحمة على صورة صوت غير غريب انطلق من مكان غير بعيد.. صوت مدو مجلجل.. راسخ كالجبال عظيم ليس له مثال إلا أن يكون ترتيلاً من تنزيل.. وهو يعلن أمراً بدا في ذلك الوقت والمكان غريباً رغم بداهته.. وهائلاً رغم وضوحه وفصاحته..

الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله..

 نداء رباني سماوي إلهي يأتينا من العالم الآخر من دنيا بعدت عنا، دنيا يكاد يصعب علينا تصورها دنيا الحرية، ومن جو العبادة المسجدي النوراني ينطلق هذا الصوت في أجواء سجن تدمر الملتهبة بالحقد والغل والكيد والغش والبذاءة والأذى والعذاب، فيطعن الباطل في الصميم، ويشفي صدور قوم مؤمنين، ويسقي الظامئين الذين كاد يهلكهم العطش رشفات باردات عذاباً.. صوت أرق وأندى من مناغاة الأم لطفلها، وأحلى من صوت الحمامة للحزين..

 

المـهجـــع

كان منع النظر وتفتيح الأعين يحول بيننا وبين معرفة ما حولنا من أشياء، كنا لا نعرف سوى المهجع، وكان المهجع بطول (14) م وعرض (4م) وله أربع نوافذ من كل جهة سعة كل نافذة 80 ×80 سم ترتفع عن الأرض حوالي (3م) وهناك فتحتان في السقف 1×1م وكل النوافذ والفتحات مشبكة بالحديد بكثافة، وكانت أرض المهجع مغطاة بطبقة من الغبار الرملي كثيفة وهي محفرة في كثير من المواضع، وقد أمرنا الرقيب محقراً ومتعالياً:

- كنســـوه بلحــاكم يا........!!!!

وكانت لنا بالفعل لحى طويلة حيث أننا لم نحلق منذ مدة طويلة، لأن عناصر المخابرات كانوا يمنعون عنا أدوات الحلاقة والحلاقين..

وكانت جدران المهجع مطلية بطلاء أخضر فاتح إلى مستوى (1.5)م ثم بطلاء أبيض حتى السقف، وقد بدا واضحاً أن عملية تنظيف وتعزيل وطلاء قد جرت حديثاً للمهجع وأنه لم يستعمل بعدها أبداً، فهناك آثار وبقايا الطلاء على الأرض.

وكان للمهجع دورة مياه أخذت من  طـولـه بعرض (2م) فيها مرحاضان أحدهما معطل ومغسلة صنبورها معطل أيضاً، والأرض في دورة المياه مشــققة ومكســـرة.....

كنت قد سمعت قبل اعتقالي بفترة وجيزة بمجزرة تدمر الرهيبة التي قتل فيها مالا يقل عن (1000) معتقل من الأخوان المسلمين، وذلك في سجن تدمر العسكري هذا، فقمت أنظر في نواحي المهجع لعلي أرى آثار ذلك الحدث الذي سمعت عنه، فكان أول ما لفت نظري الجدران. كان في الجدران وعلى مستوى (150)سم وما دون وخاصة الجهات الداخلية البعيدة عن الباب حفر صغيرة متناثرة متجمعة أو متباعدة بقطر (1)سم وقد بدا واضحاً أنها قد حشيت بالجبس وطليت بعد ذلك، وعثرت في أحد الشـــقوق في المنافع القريبة من الباب على ظرف فارغ لطلقة رصاص، وفي اليوم الثاني وخلال إزالتي للغبار وتنظيف المكان وجدت في الأرض المحفرة لوناً داكناً بين الأسود والرمادي، تفحصته ملياً وشممته، إنه لم يكن بعيداً عما توقعت، بل كان شاهداً حقيقياً عما جرى في هذا المكان من جريمة.. بل كل الشواهد تحكي قصة رهيبة ليست أحداثها بعيدة، ولا غابرة بل هي قريبة العهد.

إذا هذه الأيدي التي تمتد إلينا بالأذى أيد آثمة، إنها ملطخة بالدماء.. وما يدريك ماذا يخبئون لنا؟ وهذه أفعالهم وهذه جريمتهم وهذا حقدهم..

 

حــــالات صعبـــة

في ذلك الوقت كان عندنا بعض الحالات الصعبة منها: حالة الأخ عزام الحمصي كان مصاباً بمرض القلب، فما أن جاء دوره في حفل الاستقبال وأنزل في الدولاب حتى ضاق صدره وتسارع نبضه وخف ضغطه وغاب عن الوعي، ولم يشفهم ما به فأنزلوه في الدولاب وضربوه ونهروه وزجروه وسبوه، ولكنهم كانوا يضربون في حديد بارد وقد أنجاه الله ولكنه لم يكن يستطيع المشي ولا الحركة مما كان يضطرنا إلى حمله، فكنا نحمله أينما ذهبنا كما نحمله إلى دورة المياه ونعيده منها، فإذا جاء الجلادون ودخلوا علينا هجموا عليه يضربونه وهو مضطجع لا يستطيع القيام ويســـبونه ويحقرونه ويستعجلون موته.

وكان هناك أخ يدعى عثمان من جهات الساحل مصاب بمرض الربو، فكان إذا اشــتد العذاب حوله أو باشر الجلادون بضربه أصيب بحالة اختناق فيقع على الأرض وقد تشنج جسمه وضعف تنفسه وشخصت عيناه وظهر الزبد على فمه مع ارتجاف كلي في جسمه وأطرافه، ويفقد الحس والحركة.

وكان هناك الأخ عصام وكان مشوّه الجسم والوجه، وكان ظهره خاصة في حالة مؤلمة للغاية، وقد تقيح وتورم كما ظهر الورم في أنحاء مختلفة من جسمه في قدميه ويديه ووجهه، فكان ممن يخشى عليهم من الموت.

وكان الأخ أبو سعيد مصاباً في رجليه بتمزق شديد إضافة إلى رضوض مختلفة في نواحي جسمه نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له، وقد حاولنا علاج جروحه ولكن لم يؤد ربطها بقطع الثياب إلى أن تعفن الجروح وتورمها واشتداد آلامها، حتى غدت كريهة الرائحة.

وكان الأخ أبو بدر الرجل المؤمن الصابر الذي أمره الجلادون بأن لا يفتح فمه أبداً خلال عذاب الاستقبال، فوضع يده في فمه وعض عليها وأخذوا يضربونه يقول : وأنا صامت وهم مندفعون قد أعجبهم الأمر وارتاحوا له حتى عددت ثمانين ضربة ثم تهت في العـد وغبت عن الوعي، فكان أبو بدر لا يستطيع المشي على قدميه المنتفختين ورماً وقد تمزق الجلد في كثير من نواحيهما، أما يداه فكانتا زرقاوين متورمتين حتى الكوع، وكان الوجه الأنسي للساعد أسـود كالحاً منتفخاً وقد تمزق جلد الرسغين وأخذ ينز بالماء والدم، فكان أن جهز قطعتي قماش يلف بهما رسغيه ليحميهما من الضربات الجديدة. تألمت لحاله وغلبني القهر والألم وهو يروي لي قصته وقلت في نفسي: حتى الصراخ في حال الألم ممنوع؟ أيمنع الإنسان أن يصرخ متألماً؟

وهناك الأخ أبو مالك الذي كان أشد ما أثارهم أنه طالب هندسة في الجامعة، ولم يكن الوحيد ولكن آذان الجلادين التقطت هذا التعريف دون غيره، ولكننا بعد ذلك كنا حريصين على أن نبتعد تماماً عن أي تعريف حقيقي بأعمالنا، وقد ساعدنا في ذلك نظام السجن ذاته الذي كان يمنع كل الجلادين من رقباء وعرفاء وشرطة الكلام مع المساجين إلا بالنهر والضرب، وكان ذلك لغايات أخرى هي منع أية علاقة أو معرفة بالمعتقلين وظروف اعتقالهم وماهية تهمهم.

ومن ناحية أخرى حتى لا يتأثر بهم الجلادون (ويعدون) بآرائهم المتطرفة، كما أن إغماض الأعين جعل له مبرر يزيد في حقد الجلادين وهو أن هؤلاء المعتقلين مجرمون وربما ينجو منهم أحد فلا يجوز أن يروكم ولا يعرفوكم حتى لا تتعرضوا لانتقامهم.

كان الأخ أبو أنس مريضاً بعد كل ذلك العذاب، وإن كان يستطيع السير بصعوبة جداً..

وكان الأخ أسامة الشاب ابن الثامنة عشرة في حالة سيئة من التشويه والجروح.

كذلك كان المعتقل نبيل ينزف الدم من فمه وأنفه، وقد تورم وجهه حتى غابت عيناه، إضافة إلى ورم رجليه ويديه وآلام شديد في سائر جسمه.

وفي اليوم الثاني لم يكن أحد يستطيع السير إلا بصعوبة كبيرة، وكانت حبات الرمل في أرض المهجع نحس كأنها حسك الحديد ولم يكن أحد يستطيع إطباق أي من يديه لما كان فيهما من ورم ووجوهنا كانت ملأى بالخطوط الزرقاء والحمراء والهالات السوداء.

وكان الأخ المعتقل أبو نجيب مكسور الكاحل بضربة عصا، فكان لا يستطيع المشي، فإذا أجبر حجل على رجل واحدة مستنداً إلى كتف معتقل آخر.

 

أول ليلــــة في تدمـــر

جاء المساء ونحن جالسون كل في مكانه، يذكر الله ويدعوه ويسبحه.. وفي السابعة مساء جاء الجلادون يصرخون، دخلوا علينا المهجع وضربونا بالكرابيج وأشبعونا سباباً وشتائم وتهديداً وكفراً.. وخرجوا يغنون ويصخبون، وأدخل خلال ذلك طعام العشاء ولكن لم يلتفت إليه أحد..

اضطجعنا على الأرض دون أي وطاء أو غطاء ووضع كل واحد منا حذاءه تحت رأسه.. أخذت أفكر في حصيلة يومي من أين أبدأ؟ وأين ينتهي؟ كانت صورة سجن تدمر غير واضحة في ذهني، وكنت أول المستهينين به. أقول لمن يبدي قلقه وخوفه من سجن تدمر: وهل هو إلا سجن كباقي السجون...!!؟ خلـــوة مع الله.....!!!!

لم أكن أعلم أي غدر فيه وأي كيد...؟ لم نكن نظن أنه يمكن أن توجه إلينا كلمة سيئة، فإذا بنا الآن في حالة أقل ما توصف به أنها سيئة جداً من نواح كثيرة صحية ومعاشية وأمنية وإنسانية.. كنت أشك كثيراً في أنه يمكن أن أوخذ هكذا بالظنة....!!!!

كنت أشك في أن تأخذ الدولة الناس فتعاقبهم وتسدنهم هكذا بالشبهة والظنون، على غير ذنب واضح معروف أو ثابت، ولكن التاريخ يذكر لنا أن ظلم الحكام الطاغين كان بلا حدود لا يفرقون بين برئ أو مذنب، فها هو صاحب الأخدود يلقي المؤمنين في النار وكل ذنبهم أنهم آمنوا بالله رب العالمين، ليس ذلك صورة ماضية ولكنه خط فرعوني نمرودي أبو جهلي متجدد يسير عليه كل عتل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب..

كم كنت حسن الظن بل كم كنا حسني الظن بل لم نأخذ العبرة من فعل الطغاة السابقين، ولا من القرآن الكريم وهو يقول: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة).....

فهاهم يظهرون وها هي أيديهم المجرمة وخططهم الماكرة لا تراعي عهداً ولا قانوناً ولا مبدأ، بل تتبع قانون الحقد ومبدأ الغدر، وتتخذ سبيل الظلم والفجور.. لو درسنا كتاب الله لعرفنا ذلك من قبل..

فلا يجب أن نخدع بكلامهم اللين وبهرجهم الزائف، وها نحن نلمس النتيجة وهاهم يطعنوننا في الظهر، اللهم خذ على أيديهم وأذلهم واصرف عنا كيدهم وأخذت أدعو..

انطلق فجأة صوت يصرخ بقوة.. في وسط ظلام الليل: هوووه هوووه هوووه.. ينطلق صارخاً بقوة فيدوي في جنبات سجن تدمر العسكري الرهيب، فتجاوبه أصوات أخرى بصراخ أقوى: هييه هييه هييه.. هوووه هوووه.. هييه..

تساءلنا في استغراب ما هذا؟.. ماذا فيك بعد يا سجن تدمر من سوء تظهره؟.. وتكررت الأصوات وكثرت في أذهاننا التساؤلات..؟

وكان أحد الأخوة قد تأخر عن أداء صلاة العشاء فقام يصليها والوقت لم يجاوز العاشرة مساء.. وإذا بصوت يصرخ فيه بقسوة وحقد ولؤم: ولك حقير شو متسوي يا.. والله لأفعل.. وكأنه ضبطه في جرم رهيب.

 

تدمر وسجنها

الأبنية الطويلة الممتدة...؟ وماذا يوجد فيها ....؟ إنها مهاجع سجن تدمر وفيها الآلاف من المعتقلين المساكين وهم في وضع بائس رهيب، يعيشون تحت ضغط الرعب والإرهاب والقسوة، مهددين بالموت من كل جانب.

هذا هو سجن تدمر العسكري أو ما سمي مؤخراً بـ : مركز التطهير الوطني لتصفية الأخوان المسلمين. وداخل هذه الجدران والمهاجع حدثت بتاريخ 27/6/1980 أفظع مجزرة في العصر الحديث لأنها تميزت بقتل السجناء العزل المستسلمين، وقد استغرقت ساعة من الزمن، قتل فيها ألف معتقل تقريباً دفعة واحدة وأكثر هؤلاء من العلماء والأطباء والمهندسين والمحامين والمدرسين، وهم من خيرة رجال سوريا علماً ودراية.. وفيها الطلاب والأحداث الذين اتهموا بحمل السلاح في وجه حافظ أسد.

ويستقر اليوم في مهاجع سجن تدمر العسكري هذا أكثر من (5000) خمسة آلاف معتقل من كل أنحاء سوريا فيهم كبار السن (60 – 70) سنة والعجزة من مقطوعي الأطراف والمشلولين والأحداث دون سن (18) سنة وهو عدد كبير يزيد على (400) حدث وفيهم المرضى بل كلهم مرضى بمختلف الأمراض والأوبئة وأولها نقص التغذية والجرب والإسهالات والسل وغيرها.

وهؤلاء المعتقلين يعذبون في الصباح والمساء، في الليل والنهار، في كل دقيقة، بمختلف الأشكال والصور ويعيشون في رعب دائم وقهر شديد ولولا الإيمان بالله والثقة برحمته لقتلهم ما هم فيه.

على كل حال فمن أراد أن يتأكد من الأمر فإني أؤكد أنه لو أنصت وحبس أنفاسه وهو يقف في ملعب الكرة الموجود قرب المدرسة غربي السجن وفي أي وقت لسمع من بعيد من داخل جدران المعتقل السميكة صرخات وآهات وزعيقاً عميقاً يدل على آلام شديدة ورعب كبير، مما يدل على استمرار العذاب في كل الأوقات في سجن تدمر الرهيب، وخاصة في الصباح الباكر أو الضحى أو المساء، ومع ذلك فهذا ليس كل شيء، ففي صباح الاثنين من كل أسبوع وبالتحديد فيما بين الساعة السابعة والتاسعة يمكنك أن تسمع أصواتاً قوية تنطلق بين الفينة والأخرى من داخل الجدران: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر، وقد تسمع الصوت يخمد في منتصف الكلمة فتخرج مبتورة هكذا الله أكبـ..، ولكنك لن تسمع الحشرجات الرهيبة، لأنها ليست قوية بما فيه الكفاية لتخترق جدران السجن العالية السميكة التي تحيط بسجن تدمر العسكري أو مركز التطهير الوطني لتصفية الأخوان المسلمين. وفي مكان الإعدامات يجري إعدام مجموعة كبيرة من المعتقليـن يقـدر عـددها ما بين (30 – 80) معتقلاً في يومي الاثنين والأربعاء من كل أسبوع على الغالب.

وسوف نسمع بكل تأكيد بعد ذلك صوت محرك السيارة من نوع (زيل الروسية الصنع) وهي تتحرك حاملة الجثث إلى حفرة في صحراء تدمر ليهيل عليها البلدوزر التراب ويخفيها إلى الأبد.

فهل سيبقى ما يجري في سجن تدمر خفياً مكتوماً.....!!!!؟؟؟؟؟

وهل سيخرج أولئك المقهورين من سجن الموت في يوم من الأيام....؟؟؟؟؟

 

ســـــجن تـدمـر

الأصل في سجن تدمر أنه ثكنة عسكرية أقيمت أيام الفرنسيين، وقد استعمل قسم منها بعد ذلك كسجن للعسكريين المخالفين للأنظمة العسكرية كما وضع في هذا السجن أيضاً في بعض الفترات سجناء سياسيون.. وتوسّع سجن تدمر أكثر من مرة حتى بلغ عدد مهاجعه في عام 1979 (34) مهجعاً موزعة على سبع باحات ومستوصف وبه أربع غرف عادية، والمهاجع الأرضية وهي اثنان أو ثلاثة ولها مدخل خاص ومجموعة زنازين عددها عشرة وساحة خاصة للمكاتب، ومجموعة من الغرف عند المدخل الرئيسي للسجن، كما بنيت مهاجع أخرى عددها سبعة في أوائل عام 1982 فأصبح عدد مهاجع السجن (44) مهجعاً عدا المستوصف وغرفه.

 

الباحة رقم (1) باحة الاستقبال

باحة كبيرة 25×20م وفي ضلع المستطيل الشرقي منها تنفتح أبواب المهاجع 1-2- 3 ولها شرفة (2م) وفي الضلع الشمالي مهجعان متصلان تمتد نهايتهما غرباً خارج حدود الباحة ولها باب واحد وهما المهجع (5 – 6) المزدوج وطوله حوالي (30) متراً ....

 ونزلاء مهاجع الباحة الأولى هذه هم الذين يعيشون القهر والألم كل حين، وهم يسمعون (النشيد المر) وهو صراخ الجلادين نهراً وزجراً وسباباً بأصوات قاسية عنيفة وحشية، وأصوات الكرابيج ضاربة هابدة قارعة، وصراخ المعذبين الذي يمزق نياط القلوب وذلك على مدى ساعات طوال تشمل غالب النهار وخلال عدة أيام في الأسبوع فيما يسمونه (الاستقبال) أو حفل تعذيب الاستقبال.

 

الباحـة الثـانيــة

وتتألف من مستطيلين يلتقيان ليشكلا زاوية قائمة رأسها في الجهة الجنوبية الشرقية للسجن، وهي تحيط بمهاجع الباحة الأولى من الجانبين الشرقي والجنوبي تقريباً.

وتشمل هذه الباحة على أربعة مهاجع وحمام السجن وهي المهجع رقم (8) ثم الحمام ثم المهاجع (9و 10 و 11) وهناك جدار من البلوط الإسمنتي يحجز المهجع (11) مع جزء من الباحة ويفصله في حيز بمفرده.

 

الباحة الثالثة

وفي وسط الجدار المرتفع الذي يشكل الضلع الغربي في باحة الاستقبال يوجد باب حديدي يؤدي إلى الباحة رقم (3) والتي تساوي في أبعادها أبعاد باحة الاستقبال نفسها تقريباً.

ففي الجهة الغربية من الباحة بدءاً من الشمال الغربي نجد مجموعة من الزنازين عددها (10) ثم المهاجع (18 – 17 – 16 – 15 – 14) ومن الجنوب نجد المهجعين (12 – 13) ولهما شرفة نجد امتداد المهجع الطويل (5 – 6) ثم باباً حديدياً يوصل إلى الباحة (4) وفي زاوية هذه الباحة الجنوبية الغربية ممر واسع يمتد حوالي (15م) وعلى يساره مدخل إلى المهاجع الأرضية وفي نهاية الممر جنوباً باب حديدي واسع (3م) يوصل إلى ممر عريض (4م) يقود يميناً إلى الباحة (5-6) ويساراً إلى باب حديدي كبير (4م) مغلق هو المدخل الثاني للسجن.

 

الباحة الرابعة

ومن الباب الموجود وسط الجدار الشمالي في الباحة الثالثة نصل إلى الباحة الرابعة وهي واسعة وفي وسطها بركة دائرية ليس فيها ماء وفيها المهاجع (19-20-12-22-23-24).

 

الباحتان الخامسة والسادسة

ومن الباب الواسع في زاوية الباحة الثالثة الجنوبية الغربية نصل إلى ممر عريض (4م) يتجه يميناً بعد (10) أمتار نجد باحة بعرض (20م) وطول (50م) وينفتح على الباحة (5) ثلاث مهاجع هي ذوات الأرقام ( 32 - 33 - 34) وعلى الباحة رقم (6) المجاورة لها تفتح خمسة مهاجع أربعة منها على خط طول مواز لجدار الثكنة الخارجي ابتداء من الزاوية الغربية الجنوبية ويمتد شمالاً وهي ذوات الأرقام (25 – 26 – 27 – 28) وأخيراً وفي صدر الباحة المهجع رقم (31) ثم مهجع كبير في أول صف المهاجع المذكورة في الزاوية الغربية الجنوبية تماماً يدعى الورشة عرض الباحة السادسة هذه (20م) ولأسطحة المهاجع سياج يزيد ارتفاعه على متر وهناك أضواء كاشفة موجهة على السطح ذاته وعلى الباحة من الزوايا.

 

مستوصف

ومن باب حديدي عرضه (1.5)م في زاوية الباحة السادسة الشمالية الغربية نصل إلى ممر عريض يوصلنا إلى باب باحة المستوصف والذي يوجد فيه أربع غرف ثلاث منها بأبعاد (4×4) وواحدة بأبعاد (4×8م) واقعة بين المهجع (28) وغرف المستوصف الممتدة على سويته، وكان هذا المستوصف  فارغاً ، فلا حاجـة لعلاج السجناء ، مسموح أن يموت (20 % ) منهم خلال التحقيق ، وحفلات التعذيب ، ثم استعمل بعد ذلك كسجن للنســــاء.

 

الباحة السابعة

وفي نفس الباب في الباحة السادسة يقودنا الممر إلى باب آخر غير باب المستوصف على جهة اليمين إلى باحة مستطيلة فيها المهجعان (29) وهو ملاصق لجدار المهجع (31) الخلفي والمهجع (30) يقابله وبينهما باحة عرضها (15م) ومن بين غرف المستوصف والمهجع (30) فتح ممر إلى باحة أحدثت فيما بعد وأنشئ فيها أربعة مهاجع إضافة إلى إنشاءات أخرى ستذكر في حينها إن شاء الله.

*كاتب سوري في المنفى


أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ