ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 19/07/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

مجزرة سجن تدمر :

الجرح الذي لم يندمل

بقلم : دندل جبر

الجروح أنواع , منها العميق ومنها ما دون ذلك ، وكل نوع له دلالته النفسية والأخلاقية التي تدل على نفسية الفاعل و أخلاقه ، وكلما كان الجرح عميقاً دلّ على الحقد والكراهية الدفينة في أعماق الفاعل تجاه الجريح ، وكلما كان الجرح عميقاً احتاج إلى حكمة ودقة في المداواة والمعالجة كي يشفى منه صاحبه ،وإلا لاندمل على فساد ، وبهذه الحالة يبقى حياً يعاني صاحبه من الآلام والأوجاع ما يؤكد عدم شفائه حقيقة ويصبح قابلاً للتفجر في المستقبل القريب أو البعيد ، وإذا انفجر فعلاجه يكون أصعب و أكبر من وقت الطعنة التي أدت إليه .

ومجزرة سجن تدمر ، ذلك الجرح الذي لم يندمل ، لأنه جرح عميق في جسد الشعب السوري وفي نفوس أبنائه نتيجة طعنة حاقد جبان فاقد للقيم والأخلاق الإنسانية ناهيك عن فقدان الحسّ بالمسؤولية من قبل الحاكم تجاه محكوميه ، وفقدان الرحمة التي يتحلى بها الحاكم العادل الرؤوف الرحيم بمواطنيه ، كانت الطعنة من قبل الطغمة الحاكمة المستبدة المتجبرة التي تحكمت برقاب الشعب حينما قفزت على السلطة وهي تمتطي الدبابات بانقلاب عسكري ، حيث ادعت بعد ذلك ثورية هذه القفزة وهذا الانقلاب لتبرر جرائمها ضد كل من لا يخنع و يذل لسلطانها وجبروتها .

مجريات الجريمة – الأسباب المباشرة :

فقد ورد في تقارير منظمات حقوق الإنسان العالمية عن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية :

في السادس و العشرين من حزيران عام 1980 م ، كاد عدد من أفراد الحرس الرئاسي ينجحون في اغتيال حافظ الأسد الذي هرب متأثراً بجرح بسيط في يده جراء قنبلة يدوية ، وقد حمل رفعت الأسد – شقيق حافظ الأسد وقائد سرايا الدفاع – الإخوان المسلمين مسؤولية هذا العمل ، ومن توّه وبالاتفاق مع شقيقه حافظ الأسد خطط لعمل انتقامي من نزلاء سجن تدمر العسكري حيث الكثير من الإسلاميين محتجزون فيه ذلك الوقت .

ففي الساعة الثالثة من فجر السابع والعشرين من الشهر المذكور عام 1980 ، أرسل مغاوير سرايا الدفاع الذي جيء بهم من ثكناتهم في دمشق يتزعمهم الضابط معين ناصيف صهر رفعت الأسد ، إلى مطار المزة العسكري حيث التحق بهم مغاوير من لواء أمن علي ديب ذي الرقم /138/ ، بعد ذلك قطع مائتان من الجنود بطائرات الهيلوكبتر مسافة (250) ميلاً ليطأوا أرضاً في منطقة بالقرب من سجن تدمر وسط الصحراء ، كان ثمانون من هؤلاء الجنود المدججين بالسلاح قد تلقوا أمراً بدخول السجن .

لقد روى أحد الجنود العلويين من اللاذقية ما حدث بعد ذلك داخل السجن وهو المدعو عيسى إبراهيم فياض ، كما يأتي :

" وصلت حاملة ( دودج ) لتقلنا إلى السجن حيث تم توزيعنا على سبع حضائر ، كان معي في حضيرتي أحد عشر جندياً تقريباً بإمرة الملازم منير درويش ، فتحوا لنا باب زنزانة سجناء جماعية ، اقتحم ستة أو سبعة من صفوفنا الزنزانة وقتلنا كل من كان فيها كان عددهم (60) ستون شخصا أو (70) بالنسبة إلي ، فأنا أحمل بندقية سريعة الإطلاقات ، وقد قتلت ، برصاص سلاحي (15) خمسة عشر شخصاً أو ما يقرب من ذلك ، أما مجموع من كان علينا قتلهم فأقدره بحدود ( 550 ) شخصاً من الأخوان المسلمين القذرين ...بعد ذلك غادرنا السجن ، ذهب الملازم رائف عبد الله ليغسل يديه ورجليه من آثار الدماء التي غطتها . لم تستغرق العملية أكثر من نصف ساعة ، كانت حالتنا النفسية أشد ما تكون رعباً . كانت أصوات انفجارات القنابل اليدوية تمتزج مع صيحات ( الله أكبر ) وأخيراً غادرنا عائدين بطائرات الهيلوكبتر ... وفي المزة رحب بنا الرائد ناصيف ، وشكرنا على حسن أدائنا " .

إن الدليل الأخير في الواقع يوحي تماماً باستشهاد ( 1181 ) ضحية في تلك المجزرة الشنيعة .

وفي الأول من تموز 1980 نشرت جريدة تشرين الناطقة باسم النظام السوري ، افتتاحية وقعها رفعت الأسد قال فيها . " إذا كان من الضروري ... فإننا مستعدون للاشتباك بمائة معركة ونحطم ألف قلعة محصنة ، ونضحي بمليون شهيد لاستعادة السلام والحب ، وقدسية الوطن وشرف المواطن " .

وفي السابع من تموز 1980 أقر مجلس الشعب قانوناً برقم ( 49 ) معتبراً العضوية في حركة الإخوان المسلمين ، عملاً خارجاً على القانون تماماً وجعل عقوبتها تصل إلى الموت .

من دلالات هذه الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق شريحة من الشعب السوري وهم سجناء عزل لا حول لهم ولا طول ، وجود أسباب غير مباشرة وهي الأسباب الحقيقية ، غير تلك التي كانت السبب المباشر ، وعلى رأس هذه الأسباب غير المباشرة التي دفعت بالمجرمين لارتكاب جريمتهم الكراهية العالية والحقد الدفين والعميق اللذان تجليا بتحرك هذه القوة المتجبرة في مثل هذا الوقت من الليل مدججة بالسلاح – الذي ربما أوحى هذا التحرك المفاجىء لبعض الجنود المشاركين أنهم ذاهبون إلى الحدود السورية لتحرير الجولان التي سلمت لليهود عام 1967 م – حين كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع – تلك الكراهية وذاك الحقد على كل من يقول ( لا ) للظلم وللطغيان وللاستبداد و التجبر والإذلال .

إنها طعنة جبان غادر خسيس النفس والأخلاق فهذه القوة – وهي جزء من الجيش السوري الذي أعد للدفاع عن الوطن وعزته وكرامته – بدلاً من أن تستخدم ضد غطرسة العدو الصهيوني واحتلاله لأرض سورية ، وتتحرك لاسترجاع هذه الأرض وكسر تلك الغطرسة وجهت هذه القوة إلى أناس عزل سجناء الاعتراض على سياسة النظام في الداخل التي نالت المواطن في عزته وكرامته ومحاربته في لقمة عيشه وما يسدُّ رمقه ، وهم لا دخل لهم بما فعله بعض ضباط الحرس الرئاسي ومحاولتهم اغتيال حافظ الأسد ، بل لا يدرون بما حدث ولا يعلمون عنه شيئاً ، وهم برآء مما جرى ، ولكن صدق قول الشاعر على طغمة النظام :

أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ فتخاء تنفر من صفير الصافر

والتحدي الذي ورد على لسان رفعت الأسد – قائد سرايا الدفاع آنذاك – كنا نتمنى أن يكون تحدياً للعدو الصهيوني ، بإجراء معركة واحدة تصدق فيها النيات والتوجهات لاسترجاع الأرض والكرامة التي سلبت من الشعب السوري ، معركة واحدة فقط من هذه المائة معركة لاستعادة السلام والحب ، وقدسية الوطن وشرف المواطن . أليس من الضروري أن تكون مثل هذه المعركة ؟ أم أن استرجاع الأرض والكرامة المسلوبتين ليستا من الضرورة التي يفكر بها النظام ..؟

وبقيت هذه الجريمة جرحاً عميقاً مفتوحاً ينبض ألمه على مرّ الساعات والأيام والشهور والسنين ، لأن هذا الكم الهائل من الشهداء وأضعافاً مضاعفة من المعتقلين لا يعلم عنهم شئ لأن النظام درج على نكران وجود المعتقلين وعلى إخفاء حالهم سواء عن وجودهم أم عن أماكن اعتقالهم أو ما جرى لهم ، وهل هم – بالنسبة لأهاليهم وأقربائهم – أحياء أم أموات ؟ وإليك مثالاً على ذلك :

في الخامس عشر من آذار 1980م خرجت مظاهرة عفوية في مدينة دير الزور كانت بدايتها تحرك بعض طلاب المدارس ، متجاوبين مع ما كانوا يسمعونه عن تحرك جماهيري في بقية محافظات القطر السوري ، ونزل الطلاب إلى الشارع ، وكبرت المظاهرة حتى أخذت الطابع الشعبي الجماهيري العفوي . إلا أن مسؤولي النظام في المحافظة قابلوا هذه التظاهرة العفوية بالقوة وإطلاق الرصاص الحيّ على المتظاهرين من قبل عناصر المخابرات والشرطة العسكرية ، حيث استشهد أكثر من واحد وجرح ستة وثلاثون شاباً .

وعلى أثرها اعتقل عدد كبير من المواطنين عشوائياً وكيفما اتفق ، وبلغ العدد المتبقي منهم /38/ ثمانية وثلاثون مواطناً من بينهم أطفال في سنّ الرابعة عشرة من عمرهم ، وبعد ثلاثة شهور ، ومن دون أن توجه لهم تهمٌ أو تجري لهم محاكمة ، تولت قوات الأمن نقلهم إلى سجن تدمر قبل حدوث المجزرة المشؤومة فيه ، وهذه أسماؤهم :

(( محمد وليد الجاسم العبود – أحمد صالح العبدالله – محمد عكاب – أحمد طالب شهاب – نوري العاصي – خالد إبراهيم القاسم – أحمد البنكي – ماهر نويجي – ثائر نويجي – مصطفى جلال طعمة – سفيان جمال خرابة – ماهر سطام – حسان صالح ذياب – أحمد حسن الفلاح – بسام دلف – محمد الحمدوش – علي زغير – إبراهيم الزكي – أيمن بشعان – شكري محمود خويلدي – أحمد العلي – حسن طه زمزم – عبدالفتاح الهباب – حميد الأسمر – أحمد رشيد الهبو – لؤي أحمد بشعان – قصي أحمد بشعان – جمال زكور الحامد – عامر مالود – عايش طباش – مهيدي صالح العبيد – مروان اللجي – محمد المصلاوي – محمد يونس الكمور – صبحي عبدالمنعم – أحمد صالح الشطيطة – هيثم خضر البطاح – منير جدعان )) .

حاول آباء هؤلاء الشباب وأقاربهم – كبقية أهالي الألوف من المعتقلين – أن يحصلوا على معلومات عنهم حيث وجهوا رسالة مفتوحة بتاريخ 11 تشرين الأول 1980 إلى حافظ الأسد – باعتباره رئيساً للجمهورية السورية – ولكنهم لم يتلقوا أي ردّ ، وفي شهر تشرين الأول 1981 بدأت منظمة العفو الدولية التحقيق في تلك الاختفاءات لكنها لم تتلق أية إجابة من السلطات السورية .

ولا زال الأمر بالنسبة لأهاليهم وأقاربهم غامضاً ومجهولاً ؛ هل هم ممن استشهد في مجزرة تدمر أم ما زالوا أحياء ؟؟

وهذا السكوت المطبق عن أوضاع المعتقلين وخاصة إبان حدوث مجزرة سجن تدمر ، من دواعي بقاء هذه الجريمة جرحاً مفتوحاً لم يندمل ينزف في قلوب الأهل والأقارب ألماً وحسرةً على المجهول الذي مضى عليه خمسة وعشرون عاماً ....

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ