مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم السبت 22 / 11 / 2003م

ــــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع |ـكتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحة اللقاء | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

المراقب العام لـ"الاخوان المسلمين"

في سوريا صدر الدين البيانوني لـ"النهار":

نتفهم فكرة التدرج في الاصلاح

التنازل عن امتيازات الحزب الحاكم ليس تنازلا للمعارضة

اجرت "قضايا النهار" المقابلة التالية مع المراقب العام لـ"الاخوان المسلمين" في سوريا المقيم  في لندن علي صدر الدين البيانوني.

* ثمة ضغوط اميركية واسرائيلية تتعرض لها سوريا نتيجة مواقفها، وكل فترة تتصاعد حدة هذه التهديدات لتصل حدود التلويح بالقوة، كيف تقوّمون الموقف السياسي الرسمي اليوم، وكيف تنظرون الى هذه التهديدات؟

- نحن ننظر الى هذه الضغوط والتهديدات بعين الجدّ والقلق، وهي تندرج ضمن المخطط الاميركي الصهيوني الجديد للمنطقة، وأعلنا - مراراً - رفضنا القاطع لها، ووقوفنا مع بقية ابناء شعبنا، في خندق الدفاع عن الوطن، وطالبنا السلطة بالانفتاح على الشعب والتلاحم معه، في مواجهة هذه التحديات، بدلاً من الخضوع للابتزاز والسير في طريق التنازلات لكن يبدو ان الموقف الرسمي لم يحسم أمره، ولا يزال في حالة من التخبط والارتباك.

واذا كانت الادارة الاميركية تستخدم مشروع "قانون محاسبة سوريا" لابتزازنا والضغط علينا، فالمطلوب ان نحاسب انفسنا ونقطع الطريق على التدخّل في شؤوننا فنبادر الى عملية الاصلاح والتغيير بأيدينا، بالشكل الذي يخدم مصلحة شعبنا ويعزز جبهته الداخلية في مواجهة التحديات.

كما ينبغي المبادرة الى تصحيح العلاقة مع اشقائنا في لبنان، باحترام سيادته واستقلاله، وعدم التدخل في شؤونه مؤكدين على العلاقة المتميزة بين الشعبين، والتنسيق معه لتحرير اراضينا المغتصبة، ومواجهة الأخطار التي تتهدد بلادنا وأمتنا.

* ألا تعتقدون ان ما حصل يوم 11 ايلول في الولايات المتحدة وما تبعه من تحولات واجراءات "دولية" عسكرية وأمنية وقانونية، يعتبر تأريخاً لبداية النهاية لحركات الاسلام السياسي "وأنتم جزء منها" بصيغتها الحزبية السياسية؟

- لا شك في ان احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001 كان لها انعكاسات كبيرة على الاوضاع العربية والاسلامية والدولية،وانها اعطت الصهيونية وحليفتها الولايات المتحدة، ذرائع جديدة لتبرير حربها على العروبة والاسلام، وتشويه صورة العرب والمسلمين، والصاق تهمة الارهاب بهم، لفرض نفوذها على المنطقة العربية والاسلامية، تحت ستار محاربة التطرّف والارهاب. لكن لا بد من التأكيد على ان الهجمة الاميركية الصهيونية على الأمة، ليست وليدة هذه الاحداث، انما هي تنفيذ لسياسات وخطط مرسومة من قبل، استغلت احداث الحادي عشر من ايلول، لتأخذ في تنفيذها اشكالاً جديدة مكشوفة، ولتشمل في حربها دوائر أوسع.

ومع انه لا يمكن تبرير هذه الاحداث، بغضّ النظر عمّن يقف وراءها، كذلك لا يمكن المرور عليها دون محاولة معرفة اسبابها التي يمكن ان نلخصها في سببين رئيسيين:

الأول: ما يعانيه الشعب الفلسطيني من بطش وتنكيل على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني، وموقف الادارة الاميركية المنحاز بشكل كامل للعدو الصهيوني، والداعم له.

والثاني: ما تعانيه الشعوب العربية من الاستبداد السياسي، وغياب الحريات العامة، والتضييق على التيار الاسلامي الوسطي المعتدل.

أما أن تعتبر هذه الأحداث بداية النهاية لحركات الاسلام السياسي، فلا أشاطرك هذا الرأي للاسباب الآتية:

1- مع تحفظي عن استخدام عبارة (الاسلام السياسي) لأن الاسلام - كما هو ثابت من مصدريه الرئيسيين القرآن الكريم والسنة النبوية - دين شامل لكل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فليس هناك اسلام سياسي واسلام غير سياسي، بل هو اسلام واحد يشمل كل جوانب الحياة، مع تحفّظي على استخدام هذا المصطلح أقول: ان كبرى الحركات الاسلامية في الوطن العربي (جماعة الاخوان المسلمين)، تتبنى الفكر الاسلامي الوسطي المعتدل، بعيداً عن منهج التكفير والتطرّف والعنف، لذلك فإن أحداث الحادي عشر من ايلول، وما ترتب عليها من نتائج، تؤكد صحة النهج الاسلامي الوسطي الذي تعبّر عنه الجماعة في أدبياتها، وعلى ألسنة مفكريها وعلمائها الذين ادانوا هذه الاحداث فور وقوعها، بغض النظر عن مرتكبيها كائنا من كانوا.

2- ان الحركات الاسلامية المعتدلة، وهي التي تمثل التيار الاسلامي الأوسع، ادانت هذه الاحداث، من خلال رؤية إسلامية مبدئية، وليس من منطلق حسابات الربح والخسارة، وذلك رغم الموقف العدائي الذي تقفه الولايات المتحدة منها ومن قضايا الأمة، لأنه لا يجوز الخلط بين الأمور، أو التعامل معها بشكل انتقائي، والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: (ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى...).

3- ان منهج التطرف والغلو والتكفير، الذي وجد في مختلف العصور الاسلامية، لا يمثل الا فئة قليلة، خرجت على النهج الاسلامي الوسطي المعتدل، وقد اثبتت الايام والتجارب ان هذا التيار المتطرف، يتسع ويزداد اتباعه، كلما تم التضييق على منهج الوسطية والاعتدال. وليس سرا ان كثيرا من انصار هذا التيار المتطرف، ينهجون منهج التكفير لكل من يخالفهم في الرأي، ويكفرون جماعة الاخوان المسلمين صراحة بسبب منهجها الوسطي المعتدل.

4- لا يمكن ان نغفل الآثار الايجابية لأحداث الحادي عشر من ايلول، والتي من بينها توجيه الانظار في الولايات المتحدة والغرب الى دراسة الاسلام ومحاولة فهمه، الامر الذي ادى - حسب الاحصاءات - الى تضاعف عدد المعتنقين له بعد ان تبينت لهم جوانب عظمته. كما لا يمكن اغفال الآثار الايجابية في العالمين العربي والاسلامي، التي ادت الي فهم اعمق للاسلام، وادراك افضل لابعاد الهجمة على امتنا العربية والاسلامية.

لذلك فاني اعتقد ان احداث الحادي عشر من ايلول، اكدت صحة فهم الحركات الاسلامية المعتدلة للاسلام، وصحة النهج الوسطي المعتدل الذي تنتهجه، وزادت من اقتناع المسلمين بهذا النهج، باعتباره صمام الامان في المجتمعات الاسلامية، وفي التعامل مع الحضارات والثقافات الاخرى. كما ان العنجهية الاميركية والغطرسة التي تعاملت بها مع هذه الاحداث، وردود فعلها تجاه الاسلام والحركات الاسلامية، ستزيد من حجم الكراهية لها في المنطقة العربية والاسلامية، كما ستزيد من دور الاسلام والحركات الاسلامية في حياة الشعوب.

* طالما اشتغلتم في الماضي في الحيز العام: انتخابات برلمانية وفي ما بعد صراع مسلح مع السلطة، ولاحقا خلال وجودكم في المنافي اصدرتم ميثاق الشرف الوطني الذي تضمن رويتكم لآفاق المستقبل السياسي في سوريا وآليات العمل، لماذا تتحفظون عن مصطلح "الاسلام السياسي"؟ هل تنظيمكم مجرد حالة "فقهية" او "نظرية" بدون اهداف ومطامح سياسية، اليست لديكم هياكل واعضاء وتضعون استراتيجيات وخطط مثل اي حزب سياسي؟

- انا لم استبعد العمل السياسي من انشطة الحركة الاسلامية، انما اعترضت على استخدام مصطلح (الاسلام السياسي) لأنه يشير الى وجود اسلام سياسي، واسلام غير سياسي،  مع ان الاسلام هو الاسلام، يشمل كل جوانب الحياة بما فيها الجانب السياسي، ومن خلال هذا الفهم شاركت جماعتنا في الحياة السياسية السورية مع الاحزاب الاخرى خلال الفترات الديموقراطية، وكان لها نوابها في المجالس النيابية، ووزراؤها في الوزارات المتعاقبة، وتعرضت لما تعرضت له من بطش وقمع وتنكيل، مع بقية الاحزاب المعارضة، خلال فترات الاستبداد والديكتاتورية.

وكما ان الاسلام لا يقتصر على الجانب السياسي وحده، بل هناك جوانب اخرى: دعاوية وتربوية واجتماعية، كذلك فإن جماعتنا لا يقتصر نشاطها على الجانب السياسي، بل تعتبر مهمتها الاولى هي الدعوة الى الله عز وجل، بالحكمة والموعظة الحسنة، والحوار بالتي هي أحسن، وتربية الاجيال على مبادىء الاسلام وأخلاقه، فكانت له أنشطتها الدعاوية والاجتماعية، وأنديتها الثقافية والرياضية في ظل العهود الديموقراطية.

* تحدثتم عن البطش والتنكيل والارهاب كما لو انه مورس من قبل السلطة فقط، انا لا ارغب في العودة الى المربع الاول لكن الا تتفق معي ان تحميل جهة معينة دون غيرها المسؤولية واتهماها ببدء العنف وممارسته هو محاولة لابقاء الامور تراوح في مكانها؟ الم تقم الحركة في تلك الاحداث باغتيال شخصيات سورية مدنية وممارسة الارهاب عبر سلسلة من التفجيرات في الاماكن العامة والتواطؤ مع انظمة عربية مجاورة؟

- وانا ايضا لا ارغب في العودة الى المربع الاول، وأتطلع معك الى  المستقبل، لكن الا ترى معي ان تقاذف الكرة سيُبقينا جميعا في المربع الاول؟ ثم هل يمكن اعتبار مسؤولية فرد او جماعة - ان وجدت - بحجم مسؤولية الدولة التي يفترض ان من أهم واجباتها حماية جميع مواطنيها بدون تمييز؟ وهل يجوز ان نحمل الضحية مسؤولية ما جرى دون روية ودون تمحيص؟

ومع اعتقادي ان مناقشة مثل هذه الامور شديدة الحساسية، ولا يمكن ان تتم عبر وسائل الاعلام، لكنك بسؤالك هذا تفتح ملفاً لا بد من القاء الضوء على بعض جوانبه:

1- ان تحميل الجماعة مسؤولية الاحداث الدامية التي عصفت بالبلاد في  اواخر السبعينات واوائل الثمانينات، امر تنفيه الوقائع الثابتة والوثائق الدامغة، ذلك انه حتى تاريخ وقوع مجزرة مدرسة المدفعية، بحلب، في حزيران عام 1979 لم تكن الجماعة تعلم شيئاً عمن يقوم بهذه الاعمال، او من يقف وراءها، وواضح أيضاً ان الاجهزة الامنية لم تكن تعرف شيئاً حتى ذلك التاريخ.

2- على الرغم من ان الذين ارتكبوا مجزرة مدرسة المدفعية، اعلنوا عن انفسهم باسم (الطليعة المقاتلة للاخوان المسلمين) وهو اسم جديد لم يكن معروفاً من قبل، وان منفذيها الرئيسيين هما: عدنان عقلة (المفصول من الجماعة قبل سنوات بسبب خروجه على منهج الجماعة)، وابرهيم اليوسف (الضابط البعثي الذي لم نكن نعرفه، ولم ينتسب الى الجماعة في حياته)، ومع ان الجماعة اصدرت بيانا في ذلك الحين، نشر في الصحافة العربية، يستنكر هذه العملية، وينفي اي صلة للجماعة بها، رغم كل ذلك حمل بيان وزير الداخلية عدنان دباغ الجماعة مسؤولية هذه العملية والعمليات السابقة لها، وتوعد بملاحقتها وتصفيتها في كل مكان.

3- لقد كان واضحا ان الاجهزة الامنية كانت تعد لضرب الجماعة وتصفيتها قبل وقوع مجزرة المدفعية، حيث بدأت الاعتقالات الواسعة في صفوف قيادات الجماعة وافرادها، في شهر نيسان 1979 واتخذت مكافحة اعمال العنف غطاء لتنفيذ هذه الحملة. وقد اعترف لنا رئيس الوفد المفاوض عام 1979 بأنهم أخطأوا عندما وسعوا دائرة معركتهم التي كانت مع عشرات من افراد (الطليعة) فأصبحت مع عشرات الآلاف من الاخوان.

4- من الثابت ان الجماعة - رغم كل الاعتقالات والتصفيات - لم يكن لها علاقة بهذه الاحداث حتى شهر آذار 1980 عندما اعلن ذلك رئيس الجمهورية نفسه في خطابه المتلفز بمناسبة الثامن من آذار ،1980 وكان قد أوعز بالافراج عن المعتقلين من الاخوان، في محاولة لمعالجة الازمة، إثر حوار مع الجماعة بواسطة الاستاذ امين يكن، تأكد الرئيس من خلاله ان لا علاقة للجماعة بهذه الاحداث، وأفرج فعلا عن مئات منهم. لكن ما لبثت الاجهزة الامنية ان اعادت اعتقال من تمكنت منهم، ثم تتابعت حملات الملاحقة والاعتقال والتصفيات، الامر الذي دفع كثيرا من الملاحقين من الاخوان وغيرهم ان يختاروا الالتحاق بالمجموعات المسلحة، دفاعاً عن انفسهم، بعدما الجئوا الى ذلك إلجاء.

5- وبعد تصاعد الاحداث وانتشارها، بفعل ممارسات الاجهزة الامنية، لم يعد بمقدور احد السيطرة على الوضع، وبذلت الجماعة جهوداً كبيرة، للخروج من هذه الازمة من طريق الحوار مع السلطة، وتمت جولات عدة وصلت كلها الى طريق مسدود، لأن الذين كانوا يديرون الحوار من جانب السلطة، هم أنفسهم الذين تسببوا في هذه الاحداث، وأوصلوا الامور الى ما وصلت اليه.

6- وحتى لا يبقى هذا التقويم للاحداث معبّراً عن وجهة نظر الجماعة وحدها، وهي تعتبر طرفا فيها، طالبنا وما زلنا نطالب، بتشكيل لجنة قضائية وطنية مستقلة، تفتح هذا الملف، وتطلع على كافة محتوياته، وتصدر حكمها فيه، لتتبين للجميع حقائق تلك المرحلة الدامية من تاريخ وطننا العزيز وخفاياها.

7- والى أن يتم ذلك، سنظل نتطلع الى المستقبل، من خلال رؤية وطنية شرعية، أثبتنا ملامحها في ميثاق الشرف الوطني، وأكدنا فيه موقف الجماعة الثابت من قضية العنف بكل أشكاله، وسوف نحدد تفصيلات هذه الرؤية الوطنية الاسلامية في مشروعنا الحضاري لسوريا المستقبل. وأعتقد ان المطلوب من السلطة أيضاً، مراجعة سياساتها، والمبادرة الى معالجة الملفات الناتجة عنها.

* تطالبون  السلطة مثلكم مثل بعض بقية فصائل المعارضة بالكثير من المطالب هل تعتقدون ان القضية تتم بسهولة؟ هل يتنازل حزب ما حاكم منذ اربعة عقود عن جملة امتيازات لمعارضة مبعثرة متشرذمة ولا تواجد يذكر لها في الشارع السوري؟ ثم هل باتت الشروط الموضوعية للتغيير قائمة، الا ترون ان مطالبكم وبقية اطياف المعارضة السورية فيها شيء من الرومانسية السياسية، أقصد، من أنتم مقارنة بسلطة ونظام يقبض على كل شيء؟

- نحن نعلم أن عملية التغيير والاصلاح في سوريا ليست سهلة، وان الرئيس بشار الاسد ورث تركة ثقيلة، وأوضاعاً معقدة، وتراكمات اربعة عقود من الفساد والاستبداد، وان فصائل المعارضة عندما تطالب بالبدء بعملية الاصلاح ضمن رؤية واضحة، وتصور شامل، تتفهم فكرة  التدرج في التنفيذ. كما ان المطالب التي توافقت عليها المعارضة بكل فصائلها، وتقاطعت في جميع البيانات والعرائض المطالبة بالاصلاح، ليست مطالب رومنسية او تعجيزية، ولا يحتاج تنفيذها الى زمن طويل، لاسيما تلك المتعلقة منها بالملفات الانسانية انما يحتاج رغبة صادقة، وارادة خيرة، واحساس عال بالمسؤولية، وبرنامج وطني للاصلاح الشامل، منبثق عن مؤتمر وطني جامع.

اما الحديث عن توافر الشروط الموضوعية للتغيير، فأعتقد ان اجماع القوى الوطنية على ضرورة التغيير والاصلاح، والاعتراف الرسمي من قبل رئيس ا لجمهورية بذلك في اكثر من مناسبة، بالاضافة الى الاخطار والتحديات التي يواجهها قطرنا وأمتنا، كل ذلك يجعل من التغيير في سوريا مطلبا جماهيريا ملحا، وضرورة وطنية وقومية، لم تعد تحتمل التأخير والتسويف.

واذا كانت الامتيازات التي يتمتع بها الحزب الحاكم والممسكون بزمام الامور، هي التي تحول دون تحقيق هذه المطالب التي تراها - كما تقول - محقة من الناحية النظرية والاخلاقية، فإني اعتقد ان مصلحة الوطن العليا هي التي يجب ان تتقدم على المصالح الحزبية الضيقة، وعلى الامتيازات والمكاسب الشخصية، وان التنازل عنها ليس تنازلا للمعارضة بقدر ما هو اعادة للامور الى نصابها، ورد المظالم الى أهلها، واعادة الحقوق الى اصحابها الذين هم ابناء الوطن جميعا.

* بعد القانون 49 الذي صدر عام 1980 والذي يقضي باعدام السوريين المنتسبين لتنظيمكم، وبعد مرور اكثر من عقدين على احداث العنف والمواجهة المسلحة مع السلطة، كذلك بعد ما جرى من تضييق على كل التنظيمات والحركات المحسوبة على التيارات الاسلامية وبعد الاجواء العالمية التي فرضتها هجمات ايلول والحملة الاميركية على "الارهاب"، ما هي حقيقة تواجدكم الفعلي في سوريا، هل لديكم اعضاء يقومون بنشاطات حزبية سياسية

- التضييق على الاحزاب والتنظيمات في سوريا، لم يكن مقتصراً على "الاخوان المسلمين" وحدهم، بل شمل كل الفئات السياسية المعارضة، وان كان نصيب "الاخوان المسلمين" هو الاكبر، نظرا الى حجم التيار الشعبي الذي يمثلونه. اما الاجواء العالمية التي فرضتها هجمات أيلول والحملة الاميركية على ما يسمى (الارهاب)، رغم استغلالها من جانب السلطة في زيادة قمع الاسلاميين، واستخدامها من جانب الولايات المتحدة ضد كل من يعارض سياساتها، فإن جماعة "الاخوان المسلمين" بفكرها الوسطي المعتدل، وفهمها الحضاري المتوازن للاسلام، يجعلها صمام الامان ضد التطرف والعنف، في المجتمعات العربية والاسلامية، كما يجعلها رائدة منهج الحوار بين الحضارات والثقافات.

واذا كان قانون العار الرقم (49) للعام 1980 الذي يحكم بالاعدام لمجرد الانتساب لجماعة "الاخوان المسلمين"، يجعلنا نستبعد - في الوقت الحاضر - أي وجود تنظيمي يمكن ان يعرّض منتسبيه للحكم عليهم بالموت لمجرد الانتساب، فإننا في الوقت نفسه، وبحكم تاريخنا ومبادئنا وأهدافنا، وفهمنا الوسطي المعتدل للاسلام، نمثل حالة عقائدية وفكرية نامية في المجتمع، وواقعاً حقيقياً قائماً، وتياراً اسلامياً واسعاً، لا يمكن احدا إلغاؤه او تجاوزه او القفز عليه. وقد أثبتت التجارب في كثير من الدول، ان قمع الحركة الاسلامية لا يزيدها الا قوة وانتشارا.

* في مشروع الافكار الاولية التي اعلنتموها في 3/5/2001 كمقدمة لميثاق الشرف الوطني وفي ما بعد، في المؤتمر الذي عقدتموه في آب من العام الفائت في لندن، طرحتم افكارها عبرت عن جملة من المتغيرات الايجابية داخل التنظيم، لكن كما تعرفون كان هناك رد رسمي سلبي، او بشكل أدق لم يكن هناك رد سياسي واضح، هل تعتقدون ان الظروف قد نضجت اجتماعيا وسياسيا في سوريا لتسمح بحصول اختراق على هذا المستوى، اي حصول مصالحة بينكم وبين النظام؟

- ان ما ا علناه في ميثاق الشرف الوطني بتاريخ 3/5/،2001 والذي تم  اقراره بعد ذلك من جانب كافة الاطياف السياسية الملتقية في مؤتمر لندن بتاريخ 25/8/،2002 باسم الميثاق الوطني، انما يعبّر عن منهج الجماعة وخطها السياسي الاصيل منذ تأسيسها عام ،1945 واذا كانت احداث الثمانينات، وما رافقها من بطش وارهاب وقمع وتنكيل، قد غيبت هذا الخطاب السياسي، فاننا نعتقد انه قد آن الاوان لكل ا لاطراف السياسية، ان تراجع نفسها، وتقوّم مسيرتها، وتطور خطابها، لتلقي على ميثاق للعمل الوطني، يحدد معالم الطريق الى مستقبل أفضل، مستفيدة من تجارب الماضي وأخطائه. وهذا ما فعلته "الجماعة عندما قامت بهذه المبادرة الوطنية، التي لقيت تفاعلا ايجابيا لدى القوى السياسية كافة. ولعلك تذكر جيدا ان الرد السلبي الوحيد على هذه المبادرة الايجابية - كما اشرت في سؤالك - كان من جانب (مسؤول امني رفيع المستوى).

اما الحديث عن نضج الظروف السياسية والاجتماعية في سوريا، بشكل يسمح بحصول اختراق على هذا المستوى، وتحقيق مصالحة مع النظام، فلا شك في ان تطوراً ايجابياً طرأ على حركة المجتمع المدني السوري، في عهد الرئيس بشار الاسد، رغم محاولات التضييق والقمع التي تعرضت لها هذه الحركة. تمثل هذا التطور في حراك سياسي كان غائباً خلال المرحلة السابقة، كبيانات المثقفين المتعددة، ولجان احياء المجتمع المدني، وظهور منظمات اهلية ناشطة في مجال حقوق الانسان، وقيام منتديات ثقافية وسياسية، وعودة الشارع السوري النسبية الى الاهتمام بالشأن العام، وتشكيل منظمات اهلية لمقاومة  التطبيع، وللتضامن مع الشعب الفلسطيني، والشعب العراقي...

اما توفير المناخ الملائم للمصالحة الوطنية فهذا يتوقف - الى حد كبير - على مدى قدرة القيادة السياسية على السير بشكل جاد في طريق الاصلاح، وانتزاع القرار من الاجهزة الامنية، لمعالجة حالة الاحتقان التي نتجت عن سياسات البطش وا لارهاب والاستبداد، والكف عن  المعالجات الامنية التي ثبت فشلها وزادت الازمة تعقيداً واحتقاناً، والسير في طريق الاصلاح الحقيقي الذي توافقت على تحديد اولوياته معظم القوى الوطنية والسياسية في سوريا. وكمدخل لهذا الاصلاح، وتأكيداً على جديته وصدقيته، لا بد من اتخاذ عدد من الاجراءات الضرورية لاعادة الثقة للمواطنين مثل:

1- رفع حالة الطوارىء المفروضة على البلاد منذ العام 1963 والغاء الاحكام العرفية، والكف عن ملاحقة المواطنين، خارج نطاق القانون والقضاء.

2- الافراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وا لكشف عن مصير المفقودين منهم، واعادة الاعتبار والحقوق المدنية لهم.

4- طي جميع الملفات الامنية، والسماح بعودة المهجرين المنفيين، والاعتراف بحق كل مواطن في الحصول على جواز السفر، ووثائق الاحوال المدنية، دون ابتزاز امني او مالي.

5- الغاء المحاكم الاستثنائية، والقوانين الاستثنائية المخالفة للدستور، وفي مقدمها القانون الرقم (49) لعام .1980

6- الدعوة الى مؤتمر حوار وطني شامل، يتم فيه الاتفاق على الخطوات العملية المتدرجة، للانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد، الى الحياة السياسية الديموقراطية، التي تقوم على التعددية، وا لمساواة بين المواطنين، واستقلال القضاء، واطلاق الحريات العامة بما فيها حرية التعبير، وتشكيل الاحزاب السياسية...

لندن - "النهار"

18 تشرين الثاني 2003 السابق

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |
ـ