مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأربعاء 29 / 10 / 2003م

ــــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع |ـكتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحة اللقاء | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

المواجهة المفتوحة بين واشنطن وباريس

 من ديغول إلى شيراك

عدنان أبو ناصر

تشرين 24/10/2003

لا يوجد أي شيء يمكنه إلقاء الضوء على النيات الأمريكية المتعلقة بمستقبل العالم أفضل من العلاقة الخاصة جداً التي قامت بين روزفلت ومستشاريه من جهة والجنرال ديغول من جهة أخرى. فمنذ البداية رأى روزفلت في ديغول الشخصية الأوروبية الوحيدة القوية التي تملك ما يكفي من النباهة لاختراق النيات الأمريكية، ومن التصميم الكافي لمنع حدوثها، ويؤكد المراقبون لتاريخ العلاقة بين الرجلين أن أحد الأمور الأساسية التي ميزت مخططات روزفلت هي المحاولة المدعومة لإخراج ديغول وحكومة فرنسا الحرة من أجل ترتيب عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية على هواه. وقد أشار الجنرال ديغول إلى ذلك في مذكرات الحرب فقال: (في العمق أن ما كان الأمريكيون يعتبرونه تحصيل حاصل هو إلغاء فرنسا وبهذا كانوا في وضع منسجم مع حكومة فيشي).

في كتابه القيم حول شارل ديغول وصف الكاتب (جان لاكتور) التقلبات التي رافقت مراحل (التعاون) بين ديغول والحكومة الأمريكية طوال الحرب مشيراً إلى أن عداء وكراهية روزفلت ومستشاريه الأساسيين للجنرال ديغول له جذوره في الموقف المعارض الصريح الذي أعلنه ديغول ضد الأهداف الإمبريالية الأمريكية.

تنبأ ديغول ودون تباطؤ بأنه لا يمكن أن يترك الساحة حرة للأنكلو سكسونيين، فعمل على إقامة علاقة مباشرة مع الاتحاد السوفييتي لأنه وكما يقول الصحفي جيرار جوف كان لديه القناعة القوية بأن فرنسا والاتحاد السوفييتي (هما قوتان قاريتان ولذلك لديهما قضايا وأهداف نوعية مختلفة عن أهداف القوى الأنكلو سكسونية).

هذه هي رؤية الإدارة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية لفرنسا وللجنرال ديغول الذي تصور منذ ذلك الزمن قيام أوروبا قوية ذات سيادة قادرة على القيام بدور يساوي الدور الروسي والأمريكي. وفكر بإنشاء محور فرنسي بريطاني إلا أن إنكلترا اعتبرت أن عبقريته سترميها في البحر مع بنت عمها الولايات المتحدة لذلك لم تستجب للعرض.

بعد أكثر من ستين عاماً على هذه الأحداث ما هي طبيعة العلاقات الأمريكية الفرنسية ؟ وهل يعيد التاريخ نفسه في المواجهة المفتوحة اليوم بين الرئيسين شيراك وبوش ؟ ثم ما هي حقيقة الموقف الفرنسي من الاحتلال الأمريكي للعراق ؟ وما هي الأسباب التي جعلت فرنسا والرئيس شيراك يأخذان هذا الموقف ؟

إنه لمن السذاجة التامة النظر إلى العلاقة الأمريكية الفرنسية والخلافات التي تشوبها من بوابة العراق. فالمسألة أعمق من ذلك بكثير، وكل ما في الأمر أن الأزمة العراقية أخرجتها إلى العلن بهذا الشكل الفج والمباشر. إن واشنطن لم تستوعب المقاربة الفرنسية لحل الأزمات العراقية، هذه المقاربة القائمة على حصر أي قرار بشأن العراق في مجلس الأمن والأمم المتحدة وإعطاء المهلة الكافية للمفتشين وتعزيز مهمتهم وضرورة تعاون العراق مع (الأنموفيك)، وأن تفجر النزاع من شأنه زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وإثارة مزيد من العنف وأخيراً، إنه يمكن نزع أسلحة العراق من دون اللجوء إلى الحرب.

إن كلا من أمريكا وفرنسا تريدان تجسد المثل العالمية للحرية وحقوق الإنسان ما يجعلهما روحين متقاربتين فيما يتعلق بالقيم المشتركة، ومتنافسين شرسين كنموذجين يسعيان للقيام بدور عالمي. إن رغبة واشنطن زمن ما بعد الحرب في التعبير عن وزنها دائماً ما تفسر على أنها ترويع وإملاء من قبل الديغوليين المعتدين بأنفسهم.

الرئيس الفرنسي جاك شيراك لم يتوقف منذ أن كشفت الإدارة الأمريكية نياتها تجاه العراق عن التحذير من أن الحرب هي الخيار الأسوأ وأن واشنطن ستصبح على (هامش الأسرة الدولية إذا تحركت بمفردها.. وإن فرنسا ترى أن التدخل العسكري لن يكون شرعياً إذا لم يستند إلى قرارات مجلس الأمن الدولي ولا يمكن لأي قرار أن يتخذ بهذا الشأن إلا بناء على تقريرات المفتشين، ذلك أن الحرب ليست قراراً، وإنما هي تعبير عن الفشل وهي أسوأ الحلول وبالتالي فنحن سنواصل جهودنا).

لقد أدرك الرئيس شيراك أن المنطقة لا تحتاج لمثل هذه الحرب، ذلك أن حرباً بهذا الحجم ستكون لها آثار سلبية كبيرة الخطورة، وسيكون لها انعكاسات سياسية واقتصادية صعبة الضبط، إضافة إلى الثمن المالي الضخم.

اليوم وبعد مضي أكثر من ستة أشهر على الاحتلال الأمريكي للعراق فإن المواجهة بين شيراك وبوش تزداد حدة ووضوحاً وهذا ما لاحظه المراقبون في الافتتاح الرسمي للدورة الثامنة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث رفض بوش التسليم بمخاطر الحروب الأمريكية وآخرها على العراق، على استقرار النظام العالمي، بينما تصدى الرئيس الفرنسي جاك شيراك بجرأة لسياسة القوة والتفرد الأمريكية داعياً الأمريكيين إلى العودة إلى القانون الدولي والتوقف عن تحدي أحكامه.

ظهر بوش في هذه الجلسة أضعف مما كان عليه قبل عام تماماً، عندما وقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة متحدياً المنظمة الدولية بعجرفة مطالباً إياها بدعم حربه على العراق، ومحذراً إياها من أنها ستصبح (هامشية).. برغم مكابرته وإصراره على الدفاع بقوة عن سياسته في العراق، لكنه طالب مساعدة (جميع الدول ذات النيات الحسنة)، بعد أن أدرك أن حكومته لن تستطيع وحدها تحمل الأعباء الضخمة لعملية إعادة الاستقرار والبناء في العراق. في المقابل، بدا الرئيس شيراك في كلمته في ذات الجلسة وكأنه القطب الثاني المواجه للهيمنة الأمريكية في العالم مندداً بالحرب الأحادية التي شنتها واشنطن على العراق، مؤكداً على أنه (لا يمكن لأي كان التحرك وحيداً باسم الجميع). مما لا شك فيه أن الدور الفرنسي المتجدد في الشرق الأوسط، قد انعكس تداعيات واحتكاكات وحرباً باردة غير معلنة، ولعل النجاح الذي حققه شيراك حيث أخفق آخرون يعود إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في إعادة فرنسا إلى المنطقة، وفي طليعتها العلاقات المستجدة التي رسخها العهد الديغولي مع لبنان وسورية والجزائر وإيران وغيرها فيما كانت واشنطن تلقي بثقلها لتمنع حواراً بناء بين أوروبا والمنطقة، ولم تقصر علاقات شيراك على الإطار التقليدي وإنما كان لنهجه الشخصي وحرارة صداقاته دور إقامة ما يشبه الشراكة بين فرنسا ودول عديدة.

السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |
ـ