مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم السبت 13 / 04 / 2002م

التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرقصحيفية الشرق العربي  |

.....

   
 

رجال الشرق

الشيخ كامـل القصـاب

هو محمد كامل بن أحمد بن عبد الله آغا القصاب. ولد بحي العقيبة بدمشق عام 1873، ومنبت أسرته حمص، استوطنت أسرته دمشق قبل قرنين، وعملت بالتجارة. نشا محمد يتيماً حيث توفي والده وهو في السابعة، فكفله جده لأمه المشهور بأبي علي كريم.

قرأ محمد كامل القصاب في الكتاتيب، وتعلم قراءة القرآن الكريم وحفظه وجوّده. ثم تلقى مبادئ العلوم العربية والفقهية عن شيوخ عصره، فلازم الشيخ عبد الحكيم الأفغاني، حيث قرأ عليه الفقه حتى برع فيه، وسمع الحديث من المحدث الشيخ بدر الدين الحسني، وتضلع فيه، وأخذ عن الشيخ أمين الأرناؤوط وغيره علوم العربية بفروعها.

ولما بلغ الخامسة والعشرين سافر إلى مصر والتحق بالجامع الأزهر، وحصل على الشهادة العالمية، وخلال ذلك تلقى علم التفسير على الشيخ محمد عبده، كما تلقى على الشيخ محمد بخيت مفتي مصر وعلى أمثالهما.

كان القصاب ذا عمل دؤوب، عُرف في حال صباه بالفتوة والمروءة والغيرة على أهل حيه، مما يذكر له بالحمد والثناء. كريم الأخلاق، ناضج الرأي براً بأصدقائه، لا يألو جهده فيما فيه صلاح أمته، دائم التفكير بها، يحب العلماء. وأبرز ما في صفاته نضاله في سبيل رفعة شأن أمته، وسعيه في مجال نشر العلم والثقافة. وبعد عودته من الأزهر رأى الدولة العثمانية تنهار، فأسس مع عبد الغني العريسي وتوفيق البساط وعارف الشهابي وغيرهم من رجالات العرب (جمعية العربية الفتاة) السرية.

اشتغل القصاب بالتعليم في مدارس ابتدائية أهلية مدة يسيرة، ثم أسس (المدرسة العثمانية) صارفاً عليها من ماله ووقته في سبيل إنشائها، وهي مدرسة أهلية في حي البزورية عرفت باسمه (المدرسة الكاملية)، وتولى إدارتها ما يقرب من ربع قرن، تخرج منها رجال بارزون، وغدت مفخرة البلاد، وقدرتها الدولة العثمانية كل التقدير، فقبلت من يحمل شهادتها في كليتي الطب والحقوق وغيرها دون فحص ولا اختبار، وكان يختار لها أساتذة من الاختصاصين في شتى العلوم، واشتهر بحزمه وجده في إدارته.

انتدبه الوطنيون للسفر إلى مصر والاجتماع بأقطاب حزب اللامركزية كالشيخ رشيد رضا ورفيق العظم وغيرهما من الذين يرغبون تحرر البلاد العربية من الأتراك، والاتفاق على خطط العمل. وبعد وصوله إلى دمشق بشهر واحد قبض عليه الأتراك، وأرسلوه إلى سجن عالية، وبعد سجنه أربعين يوماً حاكمه جمال باشا بنفسه، واستطاع بجرأته وبلاغتة إقناعه ببراءته من تهمة الاشتغال بالسياسة، وبأن سفره إلى مصر كان لأسباب ثقافية تتعلق بالمدرسة، فأطلق سراحه وعاد إلى دمشق.

وعندما بطش الاتحاديون بالزعماء الوطنيين، سافر القصاب إلى بلاد الحجاز، فنزل ضيفاً على الشريف حسين بن علي الذي أقبل عليه واهتم به وولاه رئاسة مجلس المعارف مع إدارة مدرسة ثانوية كانت مثال التعليم الصحيح والتربية العالية، وبقي هناك سنة ونصف السنة، وقد حكم عليه الاتحاديون بالإعدام غيابياً.

وبعد قيام الثورة العربية انتقل إلى مصر لأن العمل السياسي فيها أرحب مجالاً من الحجاز، وهناك أسس (حزب الاتحاد السوري)، وبقي يكافح من أجل القضية الوطنية حتى وضعت الحرب أوزارها.

وبعد الحرب عاد القصاب إلى دمشق، وأسس فيها (اللجنة الوطنية العليا) للدفاع عن حقوق البلاد، وكان من المؤيدين للعهد الفيصلي. ولما دخل الفرنسيون سوريا حكموا عليه بالإعدام غيابياً أيضاً، بسبب تحريضه الناس وجمعهم للتوجه إلى ميسلون، فهرب إلى حيفا، وهناك أنشأ مدرسة بالاشتراك مع عز الدين القسام، وكان عمله فيها كعمله بمدرسة دمشق التي تركها وعليها ولداه يرعيان شؤونها.

وخلال هذه الفترة تنقل بين فلسطين ومصر يعمل للقضية الوطنية، وسافر إلى اليمن، وقابل الإمام يحيى حميد الدين سنة 1922 لجمع كيان العرب، وفي سنة 1925 استدعاه الملك عبد العزيز آل سعود إلى مكة المكرمة وعهد إليه بمديرية معارف الحجاز، فأسس خلال سنة ونصف ثلاثين مدرسة في أنحاء مختلفة من الحجاز، وهناك أصيب بالزحار وأشرف على الهلاك، فسافر إلى فلسطين للتداوي، وشفي من مرضه بعد علاج طويل دام عشر سنوات.

وفي سنة 1937، عاد محمد كامل القصاب إلى دمشق بعد صدور العفو العام، ورأى مدرسته قد تضاءل شأنها، وقل طلابها إذ مالوا إلى مدارس الحكومة التي قررت وزارة المعارف وقتئذ إلا تقبل إلا شهادتها لدخول الجامعة، فأحب أن يخدم البلاد عن طريق نهضة العلماء، بعد أن فشلت مساعيه مع ساسة العرب، فأسس بطلب من أهل العلم (جمعية العلماء) التي نالت تصريحاً رسمياً من وزارة الداخلية في 8 تشرين الثاني 1937، ومهمتها دفع ما تعرض له الإسلام من إلحاد وإفساد ومقاومة، وكانت تحت رئاسته، وقد بلغ عدد مؤسسيها واحداً وعشرين عضواً، ووضع لها دستوراً يبّين غايتها، ونظامها الداخلي المفصل، وطرق تمويلها، ونص الدستور على أن غاية الجمعية الاهتمام بشؤون المسلمين ومؤسساتهم الدينية، ورفع مستوى العلماء والمتعلمين، وجمع كلمتهم، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن لا دخل للجمعية بالشؤون السياسية.

كان من أبرز أعمال الجمعية إنشاء المعهد العلمي الديني بدمشق، واختير له الأساتذة الأكفاء، ووضع له برنامج يجمع بين الثقافتين الدينية والعصرية. كما فكرت الجمعية بتأسيس عدة مدارس أولية ذات صفين في جميع أنحاء المدينة لمكافحة الأمية، ومدارس ابتدائية ذات خمسة صفوف يتأهل فيها الطالب للدخول في صفوف القسم الثانوي من المعهد وفي المدارس التجهيزية.

كما كان للجمعية مواقف عظيمة إيجابية مؤثرة منها: إلغاء قانون الطوائف الذي وضعه الفرنسيون، وفي 10 شباط 1939 أرسلت الجمعية احتجاجاً شديد اللهجة بشأن قانون الطوائف المذكور إلى رئيس الجمهورية، والمجلس النيابي، والوزراء، والمفوض السامي، والمندوب السامي، وجمعية الأمم المتحدة، ولجنة الانتداب، ووزير الخارجية الفرنسي. وجاء في آخر الاحتجاج: (وجمعية العلماء تحمل الحكومة تبعة ما ينتج عن بقاء هذا القانون من أثر هياج المسلمين في سبيل دينهم وغيرتهم على أحكام عقائدهم). وقد أثر هذا الاحتجاج في الأوساط السياسية، فسقطت حكومة (جميل مردم) بسبب توقيعه على القانون. وكثرت مراجعات الجمعية على الحكومة، وانتقاداتها لها ومواقفها الشديدة فضاقت بها وضايقتها فأغلقت أبوابها.

كان كامل القصاب إلى جانب أعماله هذه تاجراً أسس شركة تجارية في مصر تمارس تجارة (المواد الغذائية)، جريئاً في المضاربة بأمواله، وله عقارات في حيفا استولى عليها اليهود.

ترك من المؤلفات كتابين:

ـ ذكرى موقعة حطين (بالاشتراك).

ـ النقد والبيان في دفع أوهام خيزران (بالاشتراك).

أصاب كامل القصاب مرض في المثانة في أخريات حياته، فلزم داره مدة طويلة، ثم شفي، وما لبث أن ألم به عارض في دماغه لم يمهله سوى ثلاثين ساعة، وكان ذلك في عام 1954، وصادف يوم وفاته اضطرابات لعلع فيها الرصاص في سماء مدينة دمشق زمن الشيشكلي، فصلى عليه بضعة أفراد في بيته، وتسللوا بنعشه بين الأزقة، ودفنوه في قبر والده بمقبرة الباب الصغير بجوار الصحابي الجليل بلال الحبشي.

 المراجع:

ـ (موسوعة الأعلام) خير الدين الزركلي ، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1980، الجزء السابع، ص(13).

ـ (تاريخ دمشق في القرن الرابع عشر الهجري) د. شكري فيصل وآخرون ، دمشق، الطبعة الأولى 1986، الجزء الثاني، ص(657ـ 667).السابق

for

S&CS

للأعلى

2002 © جميع الحقوق محفوظة     

   

التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرقصحيفية الشرق العربي  |