مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 23 / 10 / 2003م

ــــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع |ـكتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحة اللقاء | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

كتـــــب

تابع كتاب : فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة

فصل

لعلك تقول: أنت تأخذ التكفير من التكذيب للنصوص الشرعية، والشارع صلوات الله عليه هو الذي ضيق الرحمة على الخلق، دون المتكلم، إذ قال عليه السلام: (يقول الله تعالى لآدم عليه السلام يوم القيامة: يا آدم ابعث من ذريتك بعث النار). فيقول: (يارب من كم ؟) فيقول: (من كل ألف، تسعمائة وتسع وتسعين).

وقال عليه الصلاة والسلام: (ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة).

الجواب: أن الحديث الأول صحيح، ولكن ليس المعنى به، أنهم كفار مخلدون، بل إنهم يدخلون النار، ويعرضون عليها، ويتركون فيها بقدر معاصيهم.

والمعصوم من المعاصي، لا يكون في الألف إلا واحداً. وكذلك قال الله تعالى: (وإن منكم إلا واردها). ثم (بعث النار) عبارة عمن استوجب النار بذنوبه، ويجوز أن يصرفوا عن طريق جهنم بالشفاعة، كما وردت به الأخبار، وتشهد له الأخبار الكثيرة الدالة على سعة رحمة الله تعالى وهي أكثر من أن تحصى (...)

وأنا أقول: إن الرحمة تشمل كثيراً من الأمم السالفة، وإن كان أكثرهم يعرضون على النار إما عرضة خفيفة، حتى في لحظة، أو في ساعة، وإما في مدة، حتى يطلق عليهم اسم بعث النار بل أقول: إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى: أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك، ولم تبلغهم الدعوة، فإنهم ثلاثة أصناف:

صنف: لم يبلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم أصلاً، فهم معذورون.

وصنف: بلغهم اسمه ونعته، وما ظهر عليه من المعجزات، وهم المجاورون لبلاد الإسلام، والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون.

وصنف: ثالث بين الدرجتين، بلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضاً منذ الصبا أن كذاباً ملبساً اسمه محمد ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذاباً يقال له المقفع، ادعى أن الله بعثه وتحدى بالنبوة كاذباً.

فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول، فإنهم مع أنهم سمعوا اسمه، سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك داعية النظر في الطلب.

وأما الحديث الآخر، وهو قوله: (الناجية منها واحدة) فالرواية مختلفة تماماً فيه، فقد روي: (الهالكة منها واحدة). ولكن الأشهر تلك الرواية. ومعنى (الناجية) هي التي لا تعرض على النار، ولا تحتاج إلى الشفاعة. بل الذي تتعلق به الزبانية لتجره إلى النار، فليس بناج على الإطلاق، وإن انتزع بالشفاعة من مخالبهم.

وفي رواية: (كلها في الجنة، إلا الزنادقة)، وهي فرقة: ويمكن أن تكون الروايات كلها صحيحة فتكون الهالكة واحدة، وهي التي تخلد في النار، ويكون الهالك عبارة عمن وقع اليأس عن صلاحه، لأن الهالك لا يرجى له بعد الهلاك خير. وتكون الناجية واحدة: وهي التي تدخل الجنة بغير حساب، ولا شفاعة، لأن من نوقش الحساب فقد عذب، فليس بناج إذن، ومن عُرِّض للشفاعة فقد عرض للمذلة، فليس بناج أيضاً على الإطلاق.

وهذان طريقان، وهما عبارة عن شر الخلق وخيره. وباقي الفرق كلهم بين هاتين الدرجتين. فمنهم من يعذب بالحساب فقط. ومنهم من يقرب من النار، ثم يصرف بالشفاعة. ومنهم من يدخل النار ثم يخرج على قدر خطاياهم في عقائدهم وبدعتهم، وعلى كثرة معاصيهم وقلتها. فأما الهالكة المخلدة في النار من هذه الفرق، فهي فرقة واحدة، وهي التي كذبت وجوزت الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمصلحة.

وأما من سائر الأمم فمن كذبه بعدما قرع سمعه بالتواتر عن خروجه، وصفته، ومعجزاته الخارقة للعادة، كشق القمر، وتسبيح الحصا، ونبع الماء من بين أصابعه، والقرآن المعجز الذي تحدى به أهل الفصاحة وعجزوا عنه فإذا قرع ذلك سمعه، فأعرض عنه، وتولى ولم ينظر فيه ولا يتأمل، ولم يبادر إلى التصديق، فهذا هو الجاحد الكاذب، وهو الكافر، ولا يدخل في هذا أكثر الروم والترك الذين بعدت بلادهم عن بلاد المسلمين.

بل أقول: من قرع سمعه هذا، فلا بد أن تنبعث فيه داعية الطلب ليستبين حقيقة الأمر إن كان من أهل الدين، ولم يكن من الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة.

فإن لم تنبعث فيه هذه الداعية، فذلك لركونه إلى الدنيا، وخلوه عن الخوف وخطر أمر الدين وذلك كفر وإن انبعثت الداعية، فقصر عن الطلب، فهو أيضاً كفر.

بل ذو الإيمان بالله، واليوم الآخر، من أهل كل ملة، لا يمكنه أن يفتر عن الطلب بعد ظهور المخايل بالأسباب الخارقة للعادة فإن اشتغل بالنظر والطلب، ولم يقصر، فأدركه الموت قبل تمام التحقيق، فهو أيضاً مغفور له ثم له الرحمة الواسعة.

فاستوسع رحمة الله الواسعة، ولا تزن الأمور الإلهية بالموازين المختصرة الرسمية. واعلم أن الآخرة قريب من الدنيا: فـ (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة). فكما أن أكثر أهل الدنيا في نعمة وسلامة، أو في حالة يغبطها، إذ لو خير بينها وبين الإماتة والإعدام مثلاً، لاختارها، وإنما المعذب الذي يتمنى الموت، نادر.

فكذلك المخلدون في النار بالإضافة إلى الناجين، والمخرجين منها في الآخرة، نادر، فإن صفة الرحمة لا تتغير باختلاف أحوالنا وإنما الدنيا والآخرة عبارتان عن اختلاف أحوالك (...)

حذفنا من هذا الفصل فقرات موضع الأقواس المنقوطة لورود أحاديث شريفة غير مصححة فيها ولمن أحب من المراجعين أن يعود إلى أصل الكتاب. علماً أن الحذف لا يتعلق بشيء من صلب موضوع الكتاب.

فصل

قد ظن بعض الناس أن مأخذ التكفير من العقل لا من الشرع.

وأن الجاهل بالله كافر.  والعارف به مؤمن.

فيقال له: الحكم بإباحة الدم والخلود في النار، حكم شرعي لا معنى له قبل ورود الشرع. وإن أراد به أن المفهوم من الشارع أن الجاهل بالله هو الكافر، فهذا لا يمكن حصره فيه ؛ لأن الجاهل بالرسول وبالآخرة أيضاً كافر. ثم إن خصص ذلك الجهل بذات الله تعالى، بجحد وجوده، أو وحدانيته، ولم يطرده في الصفات فربما سوعد عليه. وإن جعل المخطئ في الصفات أيضاً جاهلاً، أو كافراً، لزمه تكفير:

من نفى صفة البقاء وصفة القدم. ومن نفى الكلام وصفاً زائداً على العلم. ومن نفى السمع والبصر زائداً على العلم. ومن نفى جواز الرؤية. ومن أثبت الجهة. وأثبت إرادة حادثة لا في ذاته، ولا في محل. وتكفير المخالفين فيه.

وبالجملة يلزمه التكفير في كل مسألة تتعلق بصفات الله، وذلك حكم لا مستند له وإن خصص ببعض الصفات دون بعض، لم يجد لذلك فصلاً ومرداً، ولا وجه له إلا الضبط بالتكذيب، ليعم المكذب بالرسول وبالمعاد، ويخرج منه المؤول.

ثم لا يبعد أن يقع الشك والنظر في بعض المسائل، من جملة التأويل أو التكذيب، حتى يكون التأويل بعيداً، ويقضي فيه بالظن، وموجب الاجتهاد.

فقد عرفت أن هذه مسألة اجتهاد.

تم كتاب فيصل التفرقة مع تصرف يسير في بعض فصوله وفقراته. ولله الحمد والمنةالصفحة الرئيسة

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |
ـ