مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 16 / 10 / 2003م

ـــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

كتـــــب

تابع كتاب فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة

فصل

(القيود على التأويل والتكفير)

قد فهمت من هذه التكفيرات أن النظر في التكفير يتعلق بأمور:

أحدها: أن النص الشرعي الذي عدل به عن ظاهره، هل يحتمل التأويل ؟ أم لا ؟ فإن احتمل، فهل (تأويله) قريب ؟ أم بعيد ؟

ومعرفة ما يقبل التأويل، وما لا يقبل التأويل، ليس بالهين، بل لا يستقل به إلا الماهر الحاذق في علم اللغة، العارف بأصول اللغة، ثم بعادة العرب في الاستعمال في استعاراتها، وتجوزاتها، ومنهاجها في ضرب الأمثال.

الثاني: في النص المتروك، أنه ثبت تواتراً ؟ أو آحاداً ؟ أو بالإجماع المجرد؟ فإن ثبت تواتراً، فهل على شرط التواتر ؟ أم لا ؟ إذ ربما يظن المستفيض، متواتراً. وحد التواتر ما لا يمكن الشك فيه، كالعلم بوجود الأنبياء، ووجود البلاد المشهورة، وغيرها. وأنه متواتر في الأعصار كلها، عصراً بعد عصر، إلى زمان النبوة. فهل يتصور أن يكون قد نقص عدد التواتر في عصر من الأعصار ؟ وشرط التواتر أن لا يحتمل ذلك، كما في القرآن. أما في غير القرآن فيغمض مدرك ذلك جيداً، ولا يستقل بإدراكه إلا الباحثون عن كتب التواريخ، وأحوال القرون الماضية، وكتب الأحاديث، وأحوال الرجال وأغراضهم في نقل المقالات. إذ قد يوجد عدد التواتر في كل عصر، ولا يحصل به العلم.

إذ كان يتصور أن يكون للجمع الكثير رابطة في التوافق، لاسيما بعد وقوع التعصب بين أرباب المذاهب. (0000000000000000)

وأما ما يستند إلى الإجماع فدرك ذلك من أغمض الأشياء، إذ شرطه أن يجتمع أهل الحل والعقد في صعيد واحد، فيتفقوا على أمر واحد اتفاقاً بلفظ صريح، ثم يستمروا عليه، مرة عند قوم، وإلى تمام انقراض العصر، عند قوم.

أو يكاتبهم إمام في أقطار الأرض، فيأخذ فتاويهم في زمان واحد، بحيث تتفق أقوالهم اتفاقاً صريحاً، حتى يمتنع الرجوع عنه، والخلاف بعده.

ثم النظر في أن من خالف بعده هل يكفر ؟ لأن من الناس من قال: إذا جاز في ذلك الوقت أن يختلفوا، فيحمل توافقهم على اتفاق، ولا يمتنع على واحد منهم أن رجع بعد ذلك وهذا غامض أيضاً.

الثالث: النظر في أن صاحب المقال هل تواتر عنده الخبر ؟ أو هل بلغه الإجماع ؟ إذ كل من يولد لا تكون الأمور عنده متواترة. ولا مواضع الإجماع عنده متميزة عن مواضع الخلاف. وإنما يدرك ذلك شيئاً فشيئاً. وإنما يعرف ذلك من مطالعة الكتب المصنفة في الاختلاف والإجماع للسلف. ثم لا يحصل العلم في ذلك بمطالعة تصنيف، ولا تصنيفين، إذ لا يحصل تواتر الإجماع به.

وقد صنف أبو بكر الفارسي، رحمه الله، كتاباً في مسائل الإجماع، وأُنكر عليه كثير منه، وخولف في بعض تلك المسائل.

فإذن من خالف الإجماع، ولم يثبت عنده بعد فهو جاهل مخطئ، وليس بمكذب، فلا يمكن تكفيره. والاستقلال بمعرفة التحقيق في هذا ليس بيسير.

الرابع: النظر في دليله الباعث على مخالفة الظاهر: أهو على شرط البرهان، أم لا ؟

ومعرفة شرط البرهان لا يمكن شرحها إلا في مجلدات، وما ذكرنا في كتاب (القسطاس المستقيم) وكتاب (محك النظر) أنموذج منه. وتكل قريحة فقهاء الزمان عن قصر شرط البرهان على الاستيفاء، ولابد من معرفة ذلك، فإن البرهان إذا كان قاطعاً، رخص في التأويل. وإذا كان بعيداً، فإذا لم يكن قاطعاً لم يرخص إلا في تأويل قريب سابق إلى الفهم.

الخامس: في أن ذكر تلك المقالة: هل يعظم ضررها في الدين ؟ أم لا ؟

فإن ما لا يعظم ضرره في الدين، فالأمر فيه أسهل، وإن كان القول شنيعاً وظاهر البطلان كقول الإمامية المنتظرة: إن الإمام مختف في سرداب، وإنه ينتظر خروجه.

فإنه قول كاذب، ظاهر البطلان، شنيع جداً، ولكن لا ضرر فيه على الدين، إنما الضرر على الأحمق المعتقد لذلك، إذ يخرج كل يوم من بلده لاستقبال الإمام حتى يدخل الليل، فيرجع إلى بيته خاسئاً.

وهذا مثال:

والمقصود أنه لا ينبغي أن يكفر بكل هذيان، وإن كان ظاهر البطلان.

فإذا فهمت أن النظر في التكفير موقوف على جميع هذه المقامات التي لا يستقل بآحادها المبرزون، علمت أن المبادر إلى تكفير من يخالف الأشعري أو غيره، جاهل مجازف.

وكيف يستقل الفقيه بمجرد الفقه بهذا الخطب العظيم ؟ وفي أي ربع من أرباع الفقه يصادف هذه العلوم ؟

فإذا رأيت الفقيه الذي بضاعته مجرد الفقه، يخوض في التكفير والتضليل، فأعرض عنه، ولا تشغل به قلبك ولسانك، فإن التحدي بالعلوم غريزة في الطبع، لا يصبر عنه الجهال، ولأجله كثر الخلاف بين الناس، ولو ينكث من الأيدي من لا يدري، لقل الخلاف بين الخلق.

فصل

(في غلوّ المتكلمين)

من أشد الناس غلواً وإسرافاً، طائفة من المتكلمين كفروا عوام المسلمين، وزعموا أن من لا يعرف الكلام معرفتنا، ولم يعرف الأدلة الشرعية بأدلتنا التي حررناها، فهو كافر. فهؤلاء ضيقوا رحمة الله الواسعة على عباده.. أولاً.

وجعلوا الجنة وقفاً على شرذمة يسيرة من المتكلمين، ثم جهلوا ما تواتر من السنة.. ثانياً. إذ ظهر لهم في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعصر الصحابة، رضي الله عنهم، حكمهم بإسلام طوائف من أجلاف العرب، كانوا مشغولين (قبل إسلامهم) بعبادة الوثن، ولم يشتغلوا بعلم الدليل، ولو اشتغلوا به لم يفهموه.

ومن ظن أن مدرك الإيمان الكلام، والأدلة المجردة، والتقسيمات المترتبة، فقد ابتدع، بل الإيمان نور يقذفه الله في قلوب عبيده، عطية وهدية من عنده، تارة: ببينة من الباطن، لا يمكنه التعبير عنها. وتارة: بسبب رؤيا في المنام. وتارة: بمشاهدة حال رجل متدين، وسراية نوره إليه عند صحبته ومجالسته. وتارة بقرينة حال، فقد جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، جاحداً به، منكراً. فلما وقع بصره على طلعته البهية، زادها الله شرفاً وكرامة، فرآها تتلألأ منها أنوار النبوة قال: والله ما هذا بوجه كذاب، وسأله أن يعرض عليه الإسلام، فأسلم.

وهذا وأمثاله أكثر من أن تحصى، ولم يشتغل واحد منهم بالكلام وتعلم الأدلة، بل كان يبدو نور الإيمان بمثل هذه القرائن في قلوبهم، لمعة بيضاء، ثم لا تزال تزداد إشراقاً بمشاهدة تلك الأحوال العظيمة، وتلاوة القرآن، وتصفية القلوب.

فليت شعري !! متى نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة رضي الله عنهم، إحضار أعرابي أسلم، وقوله له: الدليل على أن العالم حادث: أنه لا يخلو عن الأعراض وما لا يخلو عن الحوادث حادث. وأن الله تعالى عالم بعلم، وقادر بقدرة زائدة على الذات، لا هي هو، ولا هي غيره، إلى غير ذلك من رسوم المتكلمين.

(0000000000000000000)

والحق الصريح أن كل من اعتقد ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، واشتمل عليه القرآن، اعتقاداً جزماً، فهو مؤمن، وإن لم يعرف أدلته، بل الإيمان المستفاد من الدليل الكلامي ضعيف جداً مشرف على الزوال بكل شبهة. بل الإيمان الراسخ إيمان العوام الحاصل في قلوبهم في الصبا بتواتر السماع أو الحاصل بعد البلوغ بقرائن أحوال لا يمكن التعبير عنها.

وتمام تأكده، يلزمه العبادة والذكر، فإن من تمادت به العبادة إلى حقيقة التقوى وتطهير الباطن عن كدورات الدنيا، وملازمة ذكر الله تعالى دائماً، تجلت له أنوار المعرفة وصارت الأمور التي كان قد أخذها تقليداً عنه، كالمعاينة والمشاهدة، وذلك حقيقة المعرفة التي لا تحصل إلا بعد انحلال عقدة اعتقادات، وانشراح الصدر بنور الله تعالى.

(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) (فهو على نور من ربه). كما سئل صلى الله عليه وسلم عن معنى شرح الصدر، فقال: (نور يقذفه في قلب المؤمن) فقيل ما علامته ؟ قال: (التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود) فبهذا يعلم المتكلم المقبل على الدنيا، المتهالك عليها، غير مدرك حقيقة المعرفة، ولو أدركها لتجافى عن دار الغرور قطعاً.الصفحة الرئيسة

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ