مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأربعاء 01 / 10 / 2003م

ـــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

كتـــــب

تابع كتاب : فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة

فصل

اتفقوا على التأويل وإن اختلفوا في مدارجه

اعلم أن كل من نزل قولاً من أقوال صاحب الشرع على درجة من هذه الدرجات، فهو من المصدقين. وإنما التكذيب أن ينفي جميع هذه المعاني، ويزعم أن ما قاله لا معنى له، وإنما هو مكذب محض، وغرضه فيما قاله التلبيس، أو مصلحة الدنيا.

وذلك هو الكفر المحض، والزندقة. ولا يلزم كفر المؤولين ماداموا يلازمون قانون التأويل كما سنشير إليه. وكيف يلزم الكفر بالتأويل، وما من فريق من أهل الإسلام إلا وهو مضطر إليه. فأبعد الناس عن التأويل أحمد بن حنبل رحمة الله عليه. وأبعد التأويلات عن الحقيقة وأغربها أن تجعل الكلام مجازاً، أو استعارة، وهو الوجود العقلي، والوجود الشبهي.

والحنبلي مضطر إليه وقائل به، فقد سمعت الثقات من أئمة الحنابلة ببغداد يقولون إن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى صرح بتأويل ثلاثة أحاديث فقط.

أحدها: قول صلى الله عليه وسلم: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض).

والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن).

والثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأجد نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن).

فانظر الآن كيف أول هذا ؟ حيث قام البرهان عنده على استحالة ظاهره. فيقول: اليمين تقبل في العادة تقرباً إلى صاحبها. والحجر الأسود يقبل أيضاً تقرباً إلى الله تعالى. فهو مثل اليمين، لا في ذاته، ولا في صفات ذاته، ولكن في عارض من عوارضه، فسمي لذلك يميناً. وهذا هو الوجود الذي سميناه الوجود الشبهي، وهو أبعد وجوه التأويل.

فانظر كيف اضطر إليه أبعد الناس عن التأويل.

وكذلك لما استحال عنده وجود الإصبعين لله تعالى، حساً، إذ من فتش عن صدره، لم يشاهد فيه إصبعين، فتأوله على روح الإصبعين، وهي الإصبع العقلية الروحانية. أعني أن روح الإصبع ما به يتيسر تقليب الأشياء. وقلب الإنسان بين لمة الملك، ولمة الشيطان، وبهما يقلب الله تعالى القلوب، فكنى بالإصبعين عنهما.

وإنما اقتصر أحمد بن حنبل رضي الله عنه على تأويل هذه الأحاديث الثلاثة، لأنه لم تظهر عنده الاستحالة إلا في هذا القدر، لأنه لم يكن ممعناً في النظر العقلي، ولو أمعن لظهر له ذلك في الاختصاص بجهة فوق وغيره، مما لم يتأوله.

والأشعري والمعتزلي لزيادة بحثهما تجاوزا إلى تأويل ظواهر كثيرة.

وأقرب الناس إلى الحنابلة في أمور الآخرة، الأشعرية وفقهم الله، فإنهم قرروا فيها أكثر الظواهر إلا يسيراً.

والمعتزلة أشد منهم توغلاً في التأويلات، وهم مع هذا ـ أعني الأشعرية ـ يضطرون أيضاً إلى تأويل أمور، كما ذكرناه من قوله: (إنه يؤتى بالموت في صورة كبش أملح). وكما ورد في وزن الأعمال بالميزان، فإن الأشعري أول وزن الأعمال فقال: توزن صحائف الأعمال، ويخلق الله فيها أوزاناً بقدر درجات الأعمال.

وهذا رد إلى الوجود الشبهي البعيد؛ فإن الصحائف أجسام كتبت فيها رقوم تدل بالاصطلاح على أعمال هي أعراض. فليس الموزون إذن العمل، بل محل نقش يدل بالاصطلاح على العمل.

والمعتزلي تأول نفس الميزان وجعله كناية عن سبب، به ينكشف لكل واحد مقدار عمله، وهو أبعد عن التعسف في التأويل بوزن الصحائف.

وليس الغرض تصحيح أحد التأويلين، بل أن تعلم أن كل فريق، وإن بالغ في ملازمة الظواهر فهو مضطر إلى التأويل، إلا أن يجاوز الحد في الغباوة والتجاهل، فيقول: الحجر الأسود يمين الله تحقيقاً. والموت وإن كان عرضاً يستحيل فينتقل كبشاً بطريق الانقلاب. والأعمال، وإن كانت أعراضاً، وقد عدمت، فينتقل إلى الميزان، ويكون فيها أعراض هي الثقل.

ومن ينتهي إلى هذا الحد من الجهل، فقد انخلع من ربقة العقل.

فصل

قانون التأويل

 فاسمع الآن قانون التأويل، فقد علمت اتفاق الفرق على هذه الدرجات الخمس، في التأويل، وأن شيئاً من ذلك ليس من حيز التكذيب.

واتفقوا أيضاً على أن جواز ذلك موقوف على قيام البرهان على استحالة الظاهر.

والظاهر الأول هو الوجود الذاتي، فإنه إذا ثبت تضمن الجميع، فإن تعذر فالوجود الحسي، فإنه ثبت تضمن ما بعده، فإن تعذر فالوجود الخيالي، أو العقلي، وإن تعذر فالوجود الشبهي المجازي.

ولا رخصة للعدول عن درجة إلى ما دونها إلا بضرورة البرهان، فيرجع الاختلاف على التحقيق إلى البراهين.

إذ يقول الحنبلي: لا برهان على استحالة اختصاص الباري بجهة فوق.

ويقول الأشعري: لا برهان على استحالة الرؤية.

وكأن كل واحد لا يرضى بما ذكره الخصم، ولا يراه دليلاً قاطعاً.

وكيفما كان فلا ينبغي أن يكفر كل فريق خصمه، بأن يراه غالطاً في البرهان، نعم يجوز أن يسميه ضالاً أو مبتدعاً ؛ أما ضالاً فمن حيث إنه ضل عن الطريق عنده، وأما مبتدعاً فمن حيث إنه ابتدع قولاً لم يعهد من السلف الصالح التصريح به، إذ المشهور فيما بين السلف أن الله تعالى يُرى. فقول القائل لا يُرى بدعة.

وتصريحه بتأويل الرؤية بدعة، بل إن ظهر عنده أن تلك الرؤية معناها مشاهدة القلب، فينبغي أن لا يظهره ولا يذكره، لأن السلف لم يذكروه.

لكن عند هذا يقول الحنبلي: إثبات الفوق لله تعالى مشهور عند السلف، ولم يذكر أحد منهم أن خالق العالم ليس متصلاً بالعالم ولا منفصلاً، ولا داخلاً ولا خارجاً.

وأن الجهات الست خالية عنه، وأن نسبة جهة فوق إليه كنسبة جهة تحت، فهذا قول بدعة، إذ البدعة عبارة عن أحداث مقالة غير مأثورة عن السلف.الصفحة الرئيسة

 

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ