مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 03 / 07 / 2003م

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ

.....

   

 

مجموعة الحوار

الحوار الوطني

قراءة في أقوال السيد رئيس الجمهورية

فريد حداد ـ كندا

عندما تكون السياسة علم ادارة المجتمعات والدول , يجتهد السياسيون في تحويل علومهم الى برامج عمل ,  تحمل رؤية المستقبل , ثم يتبارون فيما بينهم من خلال انتخابات ديمقراطية , بهدف الحصول على ثقة الشعب  , وتأييده لبرامجهم , وبعدها يتنطح الفائز بثقة الناس ,  لقيادة دولته ومجتمعه , بموجب البرنامج الذي حصل على أساسه  على ثقة الشعب .  وتعطي القوانين بشكل عام في أغلب البلدان ,  فرصة تنفيذ تلك البرامج بخمس سنوات , يعود بعدها الجميع لصندوق الأنتخاب , لأجراء الحساب ,  واعادة منح الثقة او حجبها واعطائها للآخر .

أما عندما تُحتكر السياسة لصالح نخبة معينة , عن طريق الأنقلابات العسكرية أو الوراثية , ويُبعد عنها الشعب وأصحاب الآراء المختلفة , فانها تفقد معناها كعلم ادارة للدول والمجتمعات , وتتحول الى علم ضبط الدول والمجتمعات , وتغيب البرامج السياسية ورؤى المستقبل - الا من وسائل الأعلام – لصالح ما هو آني , على طريقة كل يوم بيومه ,  وتتحول أهداف بناء الأوطان الى امتصاص لخيرات الأوطان , وُتغير المحاسبة اتجاهها وأهدافها , فبدلاً من ان يحاسب الشعب رئيسه , المفترض بأنه رئيس الجميع , للوصول الى الأفضل ,  يتحول الرئيس الى رئيس لفئة محددة ,  وحاكم , للفئة الأكبر  راسم لها  خطوط حمراء , و يحاكمها على تجاوزها  لتلك الخطوط ,وبغض النظر عن انه قد تم تجاوزها او لا , كل ذلك ,  بهدف تدعيم سلطانه , الفاقد لأي مبرر قانوني لوجوده . كما تتحول السياسة من فن الأستفادة من المتاح وتوسيع دائرة الممكن , الى ( فلهوة لعبة الكاشاتبين ) التي تفرض على المتتبع للأحداث اللجوء الى ( ضرب المندل ) لمعرفة الحقائق , لأن كل ما يقال في وسائل الأعلام وعلى لسان المسئولين ,  لا يعدو كونه كشتباناً يوحي بحمله للحقيقة , بينما الحقيقة في مكان آخر تماماً .

ان المقابلة الأخيرة التي أجرتها قناة ( العربية ) التلفزيونية مع السيد بشار الأسد رئيس الجمهورية , تستحق منّا جميعاً ان نتوقف عند بعض أفكارها , ومدلولات أسلوبها ,  لنمعن النظر جيداً في حاضرنا وأفاق تطوره كما عكستها أفكار السيد الرئيس وأقواله .

1 – من الواضح ان النظام السوري ,  قد رضخ للأوامر الأمريكية القاضية بأن يعيش النظام داخل حدوده ,  مع تنفيذ بعض المهام الموكلة له في لبنان , واستمرار اطلاق يده في الأوضاع الداخلية , قمعاً وافساداً . ريثما يأتي دوره على جدول اعمال الحكومة الأمريكية الهادف لتغيير خرائط المنطقة بما يتناسب مع مصالحهم . ان الحضور العربي في قمة شرم الشيخ كان مقصوراً على تلك السواعد التي مازالت  تعتمد عليها الولايات المتحدة في تنفيذ سياستها في العالم العربي في وضعنا الراهن  . وهذا لايعني ان كل من لم يحضر هو خارج العباءة الأمريكية , بل ان جزء من عدم الحضور وفي مقدمتهم سورية هي من الدول التي تحتل اولوية في جدول الأعمال الأمريكي.

ولقد عكست أقوال السيد الرئيس ,  واقع النظام الحالي المشار اليه , من خلال اجاباته عن الوضعين العراقي والفلسطيني .

آ – لقد أكد السيد الرئيس بأن سورية لن تتدخل بالشأن العراقي , ولن تكون السبب في اثارة اية اضطرابات او مشاكل للأحتلال الأمريكي . وقد كان ذلك واضحاً في كلامه عندما تحدث عن لقاءه مع كولن باول قائلاً    " هم لديهم قناعة بأن سورية كانت ستقوم بأعمال مقاومة، أعمال شغب، واثارة اضطرابات في العراق." واستعماله لكلمة "  كانت "ينفي ان تكون سورية على نية القيام بالفعل الذي أتى بعد كانت في المستقبل .    كما ان الرئيس  لم يحدد موقف سورية من احتمال قيام حكومة قرضايية (مشتقة  من قرضاي ) في العراق , كحفظ مسبق لماء الوجه  من احتمال اجبار النظام على التعامل معها وذلك بقوله " السيد الرئيس: لا، الحكومة لا نهتم بها لأننا لا نستطيع أن ننظر إلى الوضع في العراق من خلال الحكومة فهو لا يعني شيئاً، هذه النظرة لا تعني شيئاً." فالواضح ان هناك تسليم كامل لحق الأمريكان بالأنفراد في الوطن العراقي بدون اية ازعاجات من اية جهة اتت .

ب – وبموجب الأوامر الأمريكية القاضية بحتمية ابتعاد سورية عن ساحة الفعل السياسي في الساحة الفلسطينية , فلقد آثر السيد الرئيس عدم ابداء أي رأي بخارطة الطريق الأمريكية لحل المسألة الفلسطينية , تحت يافطة  ان ما يقبل به الفلسطينيون تقبل به سورية .

ألتزام سورية بالطلبين الأمريكيين السابقين , بالأضافة الى أغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية  في دمشق بحجج سخيفة , تعني ان ادعاءات النظام القومية قد انتهت عملياً , وها هي ادعاءاته تسير رويداً رويداً لتتطابق مع منظوره وواقعه القطري .

2  – أظهر كلام السيد الرئيس حجم الخوف والأرتباك الذي يعيش فيه النظام كنتيجة للتهديدات الأمريكية  _  واحتمالات أخذ هذه التهديدات لوجهة جديدة في التعامل  _  . من خلال سياسة النعامة في الدفاع عن الذات التي عبر عنها

آ – في تعليله لغياب سورية عن مؤتمر شرم الشيخ , حيث اعتبر ان هذا الغياب كان طبيعياً بسبب ان الموضوع المطروح هو خارطة الطريق الذي لا يعني سورية . ثم يعود لا حقاً ليقول " السيد الرئيس: لم يطرح موضوع وجود سورية بالأساس، نحن لم نسمع بسوى الاعلان عن هذه القمة، ولم يطرح معنا الأميركيون موضوع حضور سورية أو عدم حضورها "

ب – في انكاره لوجود اي علاقة سياسية بين النظام في سورية ونظام صدام المخلوع , على الرغم من استقباله شخصياً لطارق عزيز وعلي حسن المجيد ( الكيماوي ) وزيارة السيد ميرو رئيس مجلس الوزراء للعراق واجتماعه بصدام حسين وعبارات الثناء والمديح التي كانت تُقال بعد كل لقاء .

ج – ابتعاد الرئيس المقصود عن تحديد موقف صريح من الأنتفاضة الفلسطينية المسلحة بحجة اننا لسنا على احتكاك مباشر مع الأحتلال " المذيع: وهذا هو السؤال في الواقع سيادة الرئيس. نريد أن نسألكم قليلاً أنتم تتحدثون الآن عن رأيكم في ما يجري. هل أنتم مع عسكرة الانتفاضة. هل أنتم مع الانتفاضة نفسها الانتفاضة السلمية، الانتفاضة بالأسلوب السلبي؟.‏‏ ‏

‏‏السيد الرئيس: هذا ينطبق على ما قلته. لا نستطيع أن نحدد ما هو الشكل الأمثل. أولاً نحن لا نعيش في الاراضي الفلسطينية ولا يوجد تماس مباشر." وكأن جولاننا لم يعد محتلاً ولم نعد على احتكاك مباشر مع الأحتلال , أو كأن الجولان كان تابعاً لبلاد أخرى غيرنا قبل ان يُحتل .

د – في تحديد موقف سورية من طرح قانون محاسبتها في الكونغرس الأمريكي بقوله " السيد الرئيس: لم نناقش هذا الموضوع مع أي عضو كونغرس ـ البعض منهم ممن زاروا سورية طرحه والبعض منهم حاول أن يظهر بأنه هو كل الكونغرس ويستطيع أن يلغي القانون ويرفع القانون وربما يكون هو كل الادارة أيضاً، ولم نعط أي اهتمام لهذا الموضوع دائماً كنا نركز على موضوع دور الولايات المتحدة في عملية السلام. لأن قانون محاسبة سورية هو كالعصا مرفوعة لتستخدم، لتقدم أول شيء وثاني شيء وثالث شيء ولا تعرف أين تكون النهاية. فنحن لا نتعامل مع هذا الموضوع وقلنا لمن طرحه بشكل صريح قلنا له إن الكونغرس هو مؤسسة اميركية وهذا الموضوع هو شأن اميركي.‏‏ ‏ " . كيف يمكن ان نتعامل مع موضوع بهذه الخطورة بتجاهله , واعتباره موضوع امريكي داخلي ؟ وهل سيأتي يوم نسمع فيه أحدهم يدعونا الى عدم التصدي للقوات الأمريكية الغازية باعتبار ان الجيش الأمريكي مؤسسة أمريكية وغزوهم لبلادنا هي  مسألة امريكية داخلية ؟ .

ه – في تأكيده على ان سورية  لا تقدم اي دعم للعراق بحجة ان الفوضى مازالت قائمة هناك , ولا يوجد من يمثل العراقيين , وان العراقيين أنفسهم لم يطلبوا شيئاً وان الدعم ان حصل مستقبلاً سيكون على شكل الدعم الذي قدمه مؤتمر القمة العربية للأنتفاضة الفلسطينية ؟ " المذيع: قلتم سيادة الرئيس انه اذا طلب العراقيون من الدول العربية ان تساعدهم فستساعدونهم. هل يعني ذلك أنه إذا تشكلت هذه المقاومة ـ قلتم: إنه لا توجد مقاومة بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة ـ هل من شأنكم أن تدعموها وانتم تتاخمون الحدود العراقية؟.‏‏ ‏

السيد الرئيس: لنعد الى موضوع الانتفاضة نحن عقدنا مؤتمر قمة استثنائياً في القاهرة من أجل دعم الانتفاضة. لم يكن الدعم عسكرياً، دائماً يفهم بأن دعم المقاومة هو دعم عسكري. هو أولاً دعم القضية. " .

3 – أما على الصعيد الداخلي ,  الذي قلنا عنه ان النظام مازال يملك تفويضاً كاملاً بشأن ادارته والتعاطي معه , فمازالت الأنتقائية ,  والمزاج الشخصي للمسئول , والأدعاء الذي لا أساس له . هو من يحكم الواقع .

آ - فالسيد الرئيس يدعي ان ابواب سوريا اُغلقت بوجه حكام العراق السابقين ,  بحجة ضلوعهم في سفك دماء أكثر من عشرة آلاف مواطن سوري . وانه اذا كان هناك خمسون مطلوب لأمريكا , فلسوريا مائة وخمسين مطلوب . حسناً . فلماذا اذاً يا سيادة الرئيس لم يلق القبض على هؤلاء المسئولين وتقديمهم الى المحاكم السورية , ومحاكمتهم بشكل علني ليعرف الشعب السوري من قتل ابناءه في أحد الأيام .

ب – أحتلت أمريكا العراق في ثلاثة اسابيع , وبغداد في يومين , وها قد مضى شهرين على سقوط بغداد وشهرين على عودة الجالية السورية المقيمة في بغداد الى الحدود . ألا يكفي أجهزة الأمن الضخمة , التي تبلع أكثر من نصف الدخل القومي السوري استهلاكاً ونهباً ,  كل هذه المدة ,  للتدقيق في حوالي ثلاثة آلاف اضبارة ,  لثلاثة آلاف شخص ,  أكثر من نصفهم كان قد  وُلد خارج سورية خلال فترة تشريد أهلهم ؟ أما من كان منهم مسئولاً عن جرائم ارتُكبت سابقاً ,  فلماذا شفافية عهدكم لا تؤدي الى أعلان اسمائهم وتحويلهم الى محاكم مدنية علنية ليطلع الشعب على من خانه في الماضي , الى متى ستستمر أقبية الموت فاتحة فمها وتتلقى كل من لمراكز القوى ثأر عنده ؟

ج – السيد الرئيس يعتبر ان مطالب المواطنين السوريين التي وردت في العريضة المرسلة له _  بعد ان ينفي صفة الثقافة عن كل موقعيها _ بأنها أهدافه شخصياً التي يعمل لأجلها والتي تحدث عنها في خطاب القسم . ويقول : "السيد الرئيس: لا، أولاً العريضة الأخيرة ليست عريضة مثقفين، هي متنوعة فيها من كل الأشخاص، فيها أكثر من مئتي شخص، لا أعرف العدد بدقة وهي لا تختلف عن الشيء الذي طرحته أنا وأطرحه أنا، طرحته أولاً في خطاب القسم وأطرحه بشكل مستمر، طبعاً من الطبيعي أن يكون دائماً هناك مطالب ملحة للمواطنين وهذا ما يجب ان نسعى إليه كدولة، هذا هو عملنا، ومن الطبيعي عندما يكون هناك تأخير في إنجاز شيء ما، أن يكون هناك إلحاح لإنجازه، فالتعامل مع هذه الطروحات والتعامل مع عدم وجود هذه الطروحات هو واحد " . وهنا لابد من توجيه بضعة اسئلة لسيادة الرئيس :

1 – متى واين عبرت سيادتكم عن رفضها وسعيها لألغاء قانون الطوارئ السائد في البلاد ؟  , هذا الطلب الوارد في عريضة المواطنين . وان كان هذا موقفكم كما قلت ألا يكفي ثلاث سنوات من عمر عهدكم ,  لآصدار مرسوم جمهوري يعلن وقف العمل بموجب قانون الطوارئ ؟.

2 – نفس السؤال السابق بخصوص الأفراج عن المعتقلين السياسيين , واعادة الحقوق المدنية لمن جُرد منها منذ عشرات السنين , واعادة الجنسية لمن حُرم منها , وأعلان وقف الملاحقة بحق المشردين خارج الوطن , ورفع التجميد عن قراركم السابق بمنح هؤلاء وثائقهم الشخصية السورية ( حقهم )  .

3 - ان المطالب التي تقدم بها المواطنون في عريضتهم , وقبل العريضة , ومن قِبل مواطنين آخرين وهيئات المجتمع المدني والأحزاب , والنقابات المهنية في عام 1980 , هي نفسها المطالب التي وردت في بيان التجمع الوطني الديمقراطي في 18 آذار 1980 الذي دعى الى ايقاف العنف في المجتمع واجراء تحول ديمقراطي في حياة البلاد . والسؤال هنا سيادة الرئيس : هل تعتبروا ان المواطنون الذين يطالبون بهذه المطاليب منذ 23 سنة هم ملحون فقط بسبب التباطوء في الأنجاز .

لقد صدقت سيادة الرئيس عندما قلت بأن التعامل مع هذه الطروحات هو واحد بوجوده وعدمه , وهكذا اعتاد شعبنا منذ اربعون عاماً ان يتعامل مع سلطة  وكما يقول الناس ( أذن طين وأخرى عجين ) لا تريد ان تسمع . ولماذا السمع طالما ان عملها هو ضبط المجتمع وليس ادارته ,  وطريق الحفاظ على السلطة لا يمر بين المواطنين , بل هو طريق جوي يقفز عبر البحار والمحيطات .

ان بلادنا تسير من دون بوصلة تقودها الى بر الآمان , في وقت تملك سورية رجالاً كباراً ,  وعقولاً مبدعة  ,  وسواعد مخلصة وأمينة  , قادرة بعملها على ان تصون وحدة البلاد واستقلالها وتطويرها.  ولكن هذه الأمكانيات مجمدة بأحسن الأحوال ومحاربة في أغلبه بفعل فاعل . وامام هذه المخاطر الجسيمة التي تتربص ببلادنا , فلا بد من الفعل ,  والا فان التاريخ لايرحم من كان السبب في زيادة المعاناة , والمقامرة على استقلال البلاد .

السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ـ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ